الحسن بن محمد بن أحمد العسّال المصرى: يكنى أبا علىّ. كان فى تفسير الرؤيا عجبا من العجائب، وسمع الحديث . توفى بتنيس، وحمل منها ميتا فى سنة اثنتين وثلاثمائة . لم أر أحدا يفسّر الرؤيا مثله، فسألته: من أين لك هذا؟! قال:
كنت أتاجر إلى المغرب، فمات بأقريطش نصرانى، فبيعت كتبه وكنت حاضرا، فاشتريت منها كتابا فى تعبير الرؤيا، وعدد الأيام وعلامات لذلك، فحفظته، وجعلت أجرّب ما فيه، فأجده حقّا . حدثنى بعض أصحابنا بتفسير رؤيا، رآها غلام «ابن عقيل الخشّاب» ، عجيبة، فكانت حقّا كما فسّرت. فسألت غلام ابن عقيل عنها، فقال لى: أنا أخبرك، كان أبى فى سوق الخشّابين، فأنفق بضاعته ، ورثّت
حاله ، ومات، فأسلمتنى أمى إلى ابن عقيل- وكان صديقا لأبى- فكنت أخدمه، وأفتح حانوته وأكنسها، ثم أفرش له ما يجلس عليه، فكان يجرى علىّ رزقا، أتقوّت به. فأتى يوما فى الحانوت، وقد جلس أستاذى ابن عقيل، فجاء «ابن العسّال» مع رجل من أهل الريف، يطلب عود خشب لطاحونة، فاشترى من ابن عقيل عود طاحونة بخمسة دنانير، فسمعت قوما من أهل السوق، يقولون: هذا ابن العسال المفسّر للرؤيا عند ابن عقيل. فجاء منهم قوم، وقصّوا عليه منامات رأوها، ففسرها لهم. فذكرت رؤيا، رأيتها فى ليلتى، فقلت له: إنى رأيت البارحة فى نومى كذا وكذا، فقصصت عليه الرؤيا، فقال لى: أىّ وقت رأيتها من الليل؟ فقلت: انتبهت بعد رؤياى فى وقت كذا. فقال لى: هذه رؤيا لست أفسرها إلا بدنانير كثيرة. فألححت عليه، فقال أستاذى «ابن عقيل» : فرّج عنه؛ هذا غلام صغير فقير، لا يملك شيئا. فقال: لست آخذ إلا عشرين دينارا، فقال له ابن عقيل: إن قرّبت علينا، وزنت أنا لك ذلك من عندى. فلم يزل به ينزله، حتى قال: والله، لا آخذ أقل من ثمن العود الخشب «خمسة دنانير» .
فقال له ابن عقيل: إن صحّت الرؤيا، دفعت إليك العود بلا ثمن. فقال له: يأخذ مثل هذا اليوم ألف دينار. قال أستاذى: فإذا لم يصح هذا؟ فقال: يكون العود عندك إلى مثل هذا اليوم، فإن كان لم يصحّ أخذ ما قلت له فى ذلك اليوم، فليس لى عندك شىء، ولا أفسر رؤيا أبدا، فقال له أستاذى: قد أنصفت.
ومضت الجمعة، فلما كان مثل ذلك اليوم، غدوت مثلما كنت أغدو إلى دكّان أستاذى، ففتحتها، ورششتها، واستلقيت على ظهرى، أفكر فيما قال لى، ومن أين يمكن أن يصير إلىّ ألف دينار، فقلت: لعل سقف المكان ينفرج، فيسقط منه هذا المال.
وجعلت أجيل فكرى، وإنى كذلك إلى ضحى، إذ وقف علىّ جماعة من أعوان الخراج، معهم ناس، فقالوا: هذا دكّان ابن عقيل، ثم قالوا لى: قم، فقلت لهم:
لست ابن عقيل، أنا غلامه، فقالوا: بل أنت ابنه، وجبذونى، فأخرجونى من الدكان.
فقلت: إلى أين؟! فقالوا: إلى ديوان الأستاذ أبى علىّ «الحسين بن أحمد» يعنون أبا زنبور ، فقلت: وما يصنع بى؟! فقالوا: إذا جئت، سمعت كلامه، وما يريده منك.
وكنت بعقب علة ضعيف البدن، فقلت: ما أقدر أمشى، فقالوا: اكتر حمارا تركبه.
ولم يكن معى ما أكترى به حمارا، فنزعت تكّة سراويلى من وسطى، ودفعتها على درهمين لمن أكرانى الحمار.
ومضيت معهم، فجاءوا بى إلى دار «أبى زنبور» . فلما دخلت، قال لى: أنت ابن عقيل؟ فقلت: لا يا سيدى، أنا غلام فى حانوته. قال: أفليس تبصر قيمة الخشب؟
قلت: بلى، قال: فاذهب مع هؤلاء، فقوّم لنا هذا الخشب، فانظر بحيث لا يزيد ولا ينقص. فمضيت معهم، فجاءوا بى إلى شطّ البحر، إلى خشب كثير من أثل ، وسنط جاف، وغير ذلك مما يصلح لبناء المراكب. فقوّمته تقويم جزع، حتى بلغت قيمته ألفى دينار، فقالوا لى: انظر هذا الموضع الآخر، فيه من الخشب أيضا، فنظرت فإذا هو أكثر مما قوّمت بنحو مرتين، فأعجلونى، ولم أضبط قيمة الخشب، فردّونى إلى «أبى زنبور» ، فقال لى: قوّمت الخشب كما أمرتك؟ ففزعت، فقلت: نعم. فقال:
هات، كم قوّمته؟ فقلت: ألفا دينار، فقال: انظر لا تغلط، فقلت: هو قيمته عندى، فقال لى: فخذه أنت بألفى دينار، فقلت: أنا فقير، لا أملك دينارا واحدا، فكيف لى بقيمته؟! قال: ألست تحسن تدبيره، وتبيعه؟! فقلت: بلى. قال: فدبّره، وبعه، ونحن نصبر عليك بالثمن إلى أن تبيع شيئا شيئا، وتؤدى ثمنه. فقلت: أفعل. فأمر بكتاب، يكتب علىّ فى الديوان بالمال، فكتب علىّ.
ورجعت إلى الشط، أعرف عدد الخشب، وأوصى به الحرّاس. فوافيت جماعة أهل سوقنا وشيوخهم، قد أتوا إلى موضع الخشب، فقالوا لى: أيش صنعت؟ قوّمت الخشب؟ قلت: نعم. قالوا: بكم قوّمته؟ فقلت: بألفى دينار، فقالوا لى: وأنت تحسن تقوّم؟! لا يساوى هذا هذه القيمة. فقلت لهم: قد كتب علىّ كتاب فى الديوان، وهو عندى يساوى أضعاف هذا. فقالوا لى: اسكت، لا يسمعك أحد، وكانوا قوّموه قبلى لأبى زنبور بألف دينار. فقال بعضهم لبعض: أعطوا هذا ربحه وتسلّموه أنتم. فقال قائل:
أعطوه ربحه خمسمائة دينار، فقلت: لا والله، لا آخذ. فقالوا: قد رأى رؤيا، فزيدوه، فقلت: لا والله، لا آخذ أقلّ من ألف دينار. قالوا: فلك ألف دينار. فحوّل اسمك من الديوان، نعطك- إذا بعنا- ألف دينار. فقلت: لا والله، لا أفعل حتى آخذ الألف دينار فى وقتى هذا. فمضوا إلى حوانيتهم، وإلى منازلهم، حتى جاءونى بألف دينار.
فقلت: لا آخذها إلا بنقد الصّيرفىّ وميزانه، فمضيت معهم إلى (صيرفىّ الناحية) ، حتى وزنوا عنده الألف دينار، ونقدتها، وأخذتها، فشددتها فى طرف ردائى ، ومضيت معهم إلى الديوان، وحوّلت أسماءهم مكان اسمى، ووفّوا حق الديوان من عندهم، ورجعت- وقت الظهر- إلى أستاذى، فقال لى. قبضت ألف دينار منهم، فقلت: نعم، ببركتك. وتركت الدنانير بين يديه، وقلت له: يا أستاذ، خذ ثمن العود الخشب، فقال: لا والله، لا آخذ منك شيئا؛ أنت عندى مقام ابنى. وجاء- فى الوقت- ابن العسّال، فدفع إليه أستاذى العود الخشب، فمضى. فهذا خبر رؤياى، وتفسيرها .
كنت أتاجر إلى المغرب، فمات بأقريطش نصرانى، فبيعت كتبه وكنت حاضرا، فاشتريت منها كتابا فى تعبير الرؤيا، وعدد الأيام وعلامات لذلك، فحفظته، وجعلت أجرّب ما فيه، فأجده حقّا . حدثنى بعض أصحابنا بتفسير رؤيا، رآها غلام «ابن عقيل الخشّاب» ، عجيبة، فكانت حقّا كما فسّرت. فسألت غلام ابن عقيل عنها، فقال لى: أنا أخبرك، كان أبى فى سوق الخشّابين، فأنفق بضاعته ، ورثّت
حاله ، ومات، فأسلمتنى أمى إلى ابن عقيل- وكان صديقا لأبى- فكنت أخدمه، وأفتح حانوته وأكنسها، ثم أفرش له ما يجلس عليه، فكان يجرى علىّ رزقا، أتقوّت به. فأتى يوما فى الحانوت، وقد جلس أستاذى ابن عقيل، فجاء «ابن العسّال» مع رجل من أهل الريف، يطلب عود خشب لطاحونة، فاشترى من ابن عقيل عود طاحونة بخمسة دنانير، فسمعت قوما من أهل السوق، يقولون: هذا ابن العسال المفسّر للرؤيا عند ابن عقيل. فجاء منهم قوم، وقصّوا عليه منامات رأوها، ففسرها لهم. فذكرت رؤيا، رأيتها فى ليلتى، فقلت له: إنى رأيت البارحة فى نومى كذا وكذا، فقصصت عليه الرؤيا، فقال لى: أىّ وقت رأيتها من الليل؟ فقلت: انتبهت بعد رؤياى فى وقت كذا. فقال لى: هذه رؤيا لست أفسرها إلا بدنانير كثيرة. فألححت عليه، فقال أستاذى «ابن عقيل» : فرّج عنه؛ هذا غلام صغير فقير، لا يملك شيئا. فقال: لست آخذ إلا عشرين دينارا، فقال له ابن عقيل: إن قرّبت علينا، وزنت أنا لك ذلك من عندى. فلم يزل به ينزله، حتى قال: والله، لا آخذ أقل من ثمن العود الخشب «خمسة دنانير» .
فقال له ابن عقيل: إن صحّت الرؤيا، دفعت إليك العود بلا ثمن. فقال له: يأخذ مثل هذا اليوم ألف دينار. قال أستاذى: فإذا لم يصح هذا؟ فقال: يكون العود عندك إلى مثل هذا اليوم، فإن كان لم يصحّ أخذ ما قلت له فى ذلك اليوم، فليس لى عندك شىء، ولا أفسر رؤيا أبدا، فقال له أستاذى: قد أنصفت.
ومضت الجمعة، فلما كان مثل ذلك اليوم، غدوت مثلما كنت أغدو إلى دكّان أستاذى، ففتحتها، ورششتها، واستلقيت على ظهرى، أفكر فيما قال لى، ومن أين يمكن أن يصير إلىّ ألف دينار، فقلت: لعل سقف المكان ينفرج، فيسقط منه هذا المال.
وجعلت أجيل فكرى، وإنى كذلك إلى ضحى، إذ وقف علىّ جماعة من أعوان الخراج، معهم ناس، فقالوا: هذا دكّان ابن عقيل، ثم قالوا لى: قم، فقلت لهم:
لست ابن عقيل، أنا غلامه، فقالوا: بل أنت ابنه، وجبذونى، فأخرجونى من الدكان.
فقلت: إلى أين؟! فقالوا: إلى ديوان الأستاذ أبى علىّ «الحسين بن أحمد» يعنون أبا زنبور ، فقلت: وما يصنع بى؟! فقالوا: إذا جئت، سمعت كلامه، وما يريده منك.
وكنت بعقب علة ضعيف البدن، فقلت: ما أقدر أمشى، فقالوا: اكتر حمارا تركبه.
ولم يكن معى ما أكترى به حمارا، فنزعت تكّة سراويلى من وسطى، ودفعتها على درهمين لمن أكرانى الحمار.
ومضيت معهم، فجاءوا بى إلى دار «أبى زنبور» . فلما دخلت، قال لى: أنت ابن عقيل؟ فقلت: لا يا سيدى، أنا غلام فى حانوته. قال: أفليس تبصر قيمة الخشب؟
قلت: بلى، قال: فاذهب مع هؤلاء، فقوّم لنا هذا الخشب، فانظر بحيث لا يزيد ولا ينقص. فمضيت معهم، فجاءوا بى إلى شطّ البحر، إلى خشب كثير من أثل ، وسنط جاف، وغير ذلك مما يصلح لبناء المراكب. فقوّمته تقويم جزع، حتى بلغت قيمته ألفى دينار، فقالوا لى: انظر هذا الموضع الآخر، فيه من الخشب أيضا، فنظرت فإذا هو أكثر مما قوّمت بنحو مرتين، فأعجلونى، ولم أضبط قيمة الخشب، فردّونى إلى «أبى زنبور» ، فقال لى: قوّمت الخشب كما أمرتك؟ ففزعت، فقلت: نعم. فقال:
هات، كم قوّمته؟ فقلت: ألفا دينار، فقال: انظر لا تغلط، فقلت: هو قيمته عندى، فقال لى: فخذه أنت بألفى دينار، فقلت: أنا فقير، لا أملك دينارا واحدا، فكيف لى بقيمته؟! قال: ألست تحسن تدبيره، وتبيعه؟! فقلت: بلى. قال: فدبّره، وبعه، ونحن نصبر عليك بالثمن إلى أن تبيع شيئا شيئا، وتؤدى ثمنه. فقلت: أفعل. فأمر بكتاب، يكتب علىّ فى الديوان بالمال، فكتب علىّ.
ورجعت إلى الشط، أعرف عدد الخشب، وأوصى به الحرّاس. فوافيت جماعة أهل سوقنا وشيوخهم، قد أتوا إلى موضع الخشب، فقالوا لى: أيش صنعت؟ قوّمت الخشب؟ قلت: نعم. قالوا: بكم قوّمته؟ فقلت: بألفى دينار، فقالوا لى: وأنت تحسن تقوّم؟! لا يساوى هذا هذه القيمة. فقلت لهم: قد كتب علىّ كتاب فى الديوان، وهو عندى يساوى أضعاف هذا. فقالوا لى: اسكت، لا يسمعك أحد، وكانوا قوّموه قبلى لأبى زنبور بألف دينار. فقال بعضهم لبعض: أعطوا هذا ربحه وتسلّموه أنتم. فقال قائل:
أعطوه ربحه خمسمائة دينار، فقلت: لا والله، لا آخذ. فقالوا: قد رأى رؤيا، فزيدوه، فقلت: لا والله، لا آخذ أقلّ من ألف دينار. قالوا: فلك ألف دينار. فحوّل اسمك من الديوان، نعطك- إذا بعنا- ألف دينار. فقلت: لا والله، لا أفعل حتى آخذ الألف دينار فى وقتى هذا. فمضوا إلى حوانيتهم، وإلى منازلهم، حتى جاءونى بألف دينار.
فقلت: لا آخذها إلا بنقد الصّيرفىّ وميزانه، فمضيت معهم إلى (صيرفىّ الناحية) ، حتى وزنوا عنده الألف دينار، ونقدتها، وأخذتها، فشددتها فى طرف ردائى ، ومضيت معهم إلى الديوان، وحوّلت أسماءهم مكان اسمى، ووفّوا حق الديوان من عندهم، ورجعت- وقت الظهر- إلى أستاذى، فقال لى. قبضت ألف دينار منهم، فقلت: نعم، ببركتك. وتركت الدنانير بين يديه، وقلت له: يا أستاذ، خذ ثمن العود الخشب، فقال: لا والله، لا آخذ منك شيئا؛ أنت عندى مقام ابنى. وجاء- فى الوقت- ابن العسّال، فدفع إليه أستاذى العود الخشب، فمضى. فهذا خبر رؤياى، وتفسيرها .