أَحْمد بن الْوَلِيد الْكَرْخِي من أهل سامرا يروي عَن أبي نعيم والعراقيين حَدَّثنا عَنهُ حَاجِب بن أركين وَغَيره ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الثَّقَفِيّ ثَنَا أَحْمد بن الْوَلِيد الْكَرْخِي ثَنَا أَبُو هِشَام الرِّفَاعِي قَالَ سَمِعت وكيعا يَقُول سَأَلَ بن الْمُبَارك أَبَا حنيفَة عَن رجل يرفع يَدَيْهِ فَقَالَ يُرِيد أَن يطير فَأَجَابَهُ بن الْمُبَارك إِن يطر فِي الثَّانِيَة فَهُوَ يُرِيد أَن يطير فِي الأولى
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
Jump to entry:الذهاب إلى موضوع رقم:
500100015002000250030003500400045005000550060006500700075008000850090009500100001050011000115001200012500130001350014000145001500015500160001650017000175001800018500190001950020000205002100021500220002250023000235002400024500250002550026000265002700027500280002850029000295003000030500310003150032000325003300033500340003450035000355003600036500370003750038000385003900039500400004050041000415004200042500430004350044000445004500045500460004650047000475004800048500490004950050000505005100051500520005250053000535005400054500550005550056000565005700057500580005850059000595006000060500610006150062000625006300063500640006450065000655006600066500670006750068000685006900069500700007050071000715007200072500730007350074000745007500075500760007650077000775007800078500790007950080000805008100081500820008250083000835008400084500850008550086000865008700087500880008850089000895009000090500910009150092000925009300093500940009450095000955009600096500970009750098000985009900099500100000100500Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
أَحْمَد بْن الْحَسَن بْن أَحْمَدَ، أَبُو عَبْد اللَّه المعدل الكرخي :
سمع إِسْحَاق بْن مُوسَى الأَنْصَارِيّ، والحسن بْن شبيب المؤدب، وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ الكرابيسي، وعباس بْن عَبْد اللَّه الترقفي، وَكَانَ عنده عَنِ الكرابيسي مصنفاته. رَوَى عَنْهُ أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن سلم، وَعلي بْن مُحَمَّد بْن لؤلؤ، ومحمد بْن المظفر، وغيرهم.
إلا أن ابن لؤلؤ سمى أباه الْحُسَيْن، وسنعيد ذكره بعد إن شاء اللَّه.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طالب حدّثنا محمّد بن المظفر الحافظ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَرْخِيُّ أبو عبد الله حدّثنا ابن شبيب المكتب حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ في الصبح: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ
[التكوير 17] .
أخبر على بن محمّد السّمسار أخبرنا عبد الله بن عثمان الصّفّار حَدَّثَنَا ابن قانع: أن أبا عبد الله أحمد بن الحسن الكرخي المعدّل مات سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. قَالَ غَيْرُهُ: فِي جُمَادَى الأُولَى.
سمع إِسْحَاق بْن مُوسَى الأَنْصَارِيّ، والحسن بْن شبيب المؤدب، وَالْحُسَيْن بْن عَلِيّ الكرابيسي، وعباس بْن عَبْد اللَّه الترقفي، وَكَانَ عنده عَنِ الكرابيسي مصنفاته. رَوَى عَنْهُ أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن سلم، وَعلي بْن مُحَمَّد بْن لؤلؤ، ومحمد بْن المظفر، وغيرهم.
إلا أن ابن لؤلؤ سمى أباه الْحُسَيْن، وسنعيد ذكره بعد إن شاء اللَّه.
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طالب حدّثنا محمّد بن المظفر الحافظ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْكَرْخِيُّ أبو عبد الله حدّثنا ابن شبيب المكتب حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ مِسْعَرٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ. قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ في الصبح: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ
[التكوير 17] .
أخبر على بن محمّد السّمسار أخبرنا عبد الله بن عثمان الصّفّار حَدَّثَنَا ابن قانع: أن أبا عبد الله أحمد بن الحسن الكرخي المعدّل مات سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة. قَالَ غَيْرُهُ: فِي جُمَادَى الأُولَى.
أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد بن جرير، أَبُو عَبْد اللَّه الْقَاضِي الإيادي، يقال إن اسم أَبِي دؤاد الفرج :
كذلك أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن علي الصيمري حدّثنا أبو عبد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزُبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفه النحوي. قَالَ: اسم أَبِي دؤاد فرج.
وقرأت بخط مُحَمَّد بْن يحيى الصولي حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن زياد أَبُو عَبْد اللَّه الزيادي، وزعم لي أن أباه كَانَ منقطعا إلى ابن أَبِي دؤاد. قَالَ اسم أَبِي دؤاد: دُعْمَى.
وقرأت فِي كتاب طلحة بْن مُحَمَّد بْن جعفر الشاهد بخطه: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ الْقَاضِي عن وكيع عن جرير- يَعْنِي ابْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دؤاد- قَالَ: قال المأمونى لأبي: ما اسم أبيك؟ قَالَ: هو اسمه- يَعْنِي الكنية- قَالَ طلحة: والصحيح أن اسمه كنيته.
كذلك أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي دؤاد بْن أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد، اسمه كنيته.
قلت: وقد سقنا نسبه فِي أخبار ابنه أَبِي الوليد. ولي ابْن أَبِي دؤاد قضاء القضاة للمعتصم، ثم للواثق، وَكَانَ موصوفا بالجود والسخاء، وحسن الخلق ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على الامتحان بخلق الْقُرْآنِ.
أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي الفتح أخبرنا أبو الحسن الدارقطني. قال: أحمد بن أَبِي دؤاد قاضى القضاة للمعتصم والواثق هو الذي كان يمتحن العلماء في أيامهما ويدعو إلى القول بخلق القرآن.
أخبرني الصّيمريّ حدّثنا المرزباني أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى. قَالَ: كَانَ يقال أكرم من كَانَ فِي دولة بني الْعَبَّاس البرامكة، ثم ابْن أَبِي دؤاد، لولا ما وضع بِهِ نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عَلَيْهِ، ولم يضف إلي كرمه كرم أحد.
أخبرني الصّيمريّ أخبرنا المرزباني أخبرني الصولي حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن فهم قَالَ:
سَمِعْتُ ابْن النّطّاح يقول: أحمد بن أبي دؤاد من قبيلة يقال لهم بنو زهر، إخوة قوم يعرفون بحذاق، وسمعت ذلك من أَبِي اليقظان.
قَالَ الصولي: وذكر أَبُو تمام الطائي هَذَا فِي خطابه لابن أَبِي دؤاد فَقَالَ:
فالغيث من زهر سحابة رأفة ... والركن من شيبان طود حديد
لأن ابْن أَبِي دؤاد كَانَ غضب عَلَيْهِ، فشفع فيه خَالِد بْن يَزِيد الشيباني، فلذلك قَالَ: والركن من شيبان.
وَقَالَ الصولي حَدَّثَنَا أَبُو العيناء قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد يَقُولُ: ولدت سنة ستين ومائة بالبصرة. قَالَ وَكَانَ أسن من يَحْيَى بْن أكثم بنحو من عشرين سنة.
أَخْبَرَنِي الصيمري قَالَ حَدَّثَنَا المرزباني حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد النحوي. قَالَ قَالَ أَبُو الهذيل: دخلت على ابن أبي دؤاد فوجدت ابن أَبِي حفصة ينشده:
فقل للفاخرين على نزار ... ومنها خندف وبنو إياد
رسول اللَّه والخلفاء منا ... ومنا أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد
فَقَالَ لي أَبُو عَبْد اللَّه: كيف تسمع يا أَبَا الهذيل؟ فقلت: هَذَا يضع الهناء مواضع النقب.
وَقَالَ المرزباني أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن يَحْيَى قَالَ قَالَ أَبُو هِفَّان: لما قَالَ مروان بْن أَبِي الجنوب فِي ابْن أَبِي دؤاد:
رسول اللَّه والخلفاء منا ... ومنا أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد
قلت أنقض عَلَيْهِ:
فقل للفاخرين على نزار ... وهم فِي الأرض سادات العباد
رسول الله والخلفاء منّا ... ونبرأ من دعاة بني إياد
وما منا إياد إذ أقرت ... بدعوة أَحْمَد بْن أبي دؤاد
قَالَ: فَقَالَ ابن أَبِي دؤاد: ما بلغ هذا الغلام المزني- لولا أني أكره أن أنبه عَلَيْهِ لعاقبته عقابا لم يعاقب أحد بمثله، جاء إلى منقبة كانت لي ينقضها عروة عروة؟
حدّثني الأزهرى حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَالِكٍ حدّثني جرير بْن أَحْمَدَ أَبُو مالك. قَالَ: كَانَ أَبِي إذا صلى رفع يده إِلَى السماء وخاطب ربه وأنشأ يَقُولُ:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لساعة الأوصاب
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بْن على الحنفي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران بْن موسى الكاتب حدّثني الحليمي حَدَّثَنَا أَبُو العيناء. قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد شاعرا مجيدا، فصيحا بليغا. قَالَ مُحَمَّد بْن عمران: وقد ذكره دعبل بْن عَلِيّ الخزاعي فِي كتابه الذي فيه أسماء الشعراء، وروى لَهُ أبياتا حسانا.
وأخبرني الحسين بن على حدّثنا محمّد بن عمران حدّثني محمّد بن أحمد الكاتب حَدَّثَنَا أَبُو العيناء. قَالَ: لما قدم بأبي عُثْمَان المازني من البصرة إِلَى سر من رأى، قَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد: يا أَبَا عُثْمَان، حَدَّثَنِي عَنِ البصرة. فَقَالَ لَهُ أَبُو عُثْمَان: عَنْ أيها؟
قَالَ: من فيضها إِلَى صحرائها. قَالَ أَبُو العيناء: وما رأيت رئيسا قط أفصح ولا أنطق من ابْن أَبِي دؤاد.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زياد النقاش أن محمّد بن بوكرد أخبرهم بمرو. قَالَ: لم يكن لقاضي القضاة أَحْمَد بْن [أَبِي] دؤاد أخ من الإخوان إلا بنى لَهُ دارا على قدر كفايته، ثم وقف على ولد الإخوان ما يغنيهم أبدا، ولم يكن لأحد من إخوانه ولد إلا من جارية هو وهبها لَهُ.
أَخْبَرَنِي الصّيمريّ حدّثنا المرزباني أخبرني الصولي حدّثني أحمد بن إسماعيل حَدَّثَنِي سَعِيد بْن حميد. قَالَ: دخل أَبُو تمام الطائي على أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد فَقَالَ لَهُ:
أحسبك عاتبا يا أَبَا تمام؟ قَالَ: إنما يعتب على واحد وأنت الناس جميعا، فكيف يعتب عليك؟ فَقَالَ: من أين هَذِهِ يا أَبَا تمام؟ قَالَ من قول الحاذق- يَعْنِي أَبَا نواس- فِي الْفَضْل بْن الربيع:
ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
أخبرني على بن أيوب القمي أخبرنا محمّد بن عمران الكاتب أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي. قَالَ: دخل أَبُو تمام عَلى أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وقد شرب الدواء فأنشده:
أعقبك اللَّه صحة البدن ... ما هتف الهاتفات فِي الغصن
كيف وجدت الدواء أوجدك ... اللَّه شفاء بِهِ مدى الزمن
لا نزع اللَّه عنك صالحة ... أبليتها من بلائك الْحَسَن
لا زلت تزهى بكل عافية ... مجنّبا من معارض الفتن
إن بقاء الجواد أَحْمَد فِي ... أعناقنا منة من المنن
لو أن أعمارنا تطاوعنا ... شاطره العمر سادة اليمن
أَخْبَرَنَا الحسين بن على الحنفي حدّثنا محمّد بن عمران أخبرني محمّد بن يحيى حدّثنا محمّد بن على الخراساني حَدَّثَنَا عَلِيّ الرَّازِيّ. قَالَ: رأيت أَبَا تمام عند ابْن أَبِي دؤاد ومعه رجل ينشد عَنْهُ:
لقد أنست مساوئ كل دهر ... محاسن أحمد بن أبي دؤاد
وما سافرت فِي الآفاق إلا ... ومن جدواك راحلتي وزادي
مقيم الظن عندك والأماني ... وإن قلقت ركابي فِي البلاد
فَقَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد: هَذَا المعنى تفردت بِهِ أو أخذته؟ قَالَ: هو لي وقد ألممت فيه بقول أَبِي نواس:
وإن جرت الألفاظ يوما بمدحة ... لغيرك إنسانا فأنت الَّذِي نعني
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: من مختار مدائح أَبِي تمام لأحمد بْن أَبِي دؤاد قوله:
أأحمد إن الحاشدين كثير ... ومالك إن عد الكرام نظير
حللت محلا فاضلا متقادما ... من المجد والفخر القديم فخور
فكل غني أو فقير فإنه ... إليك وإن نال السماء فقير
إليك تناهى المجد من كل وجهة ... يصير فما يعدوك حيث يصير
وبدر إياد أنت لا ينكرونه ... كذاك إياد للأنام بدور
تجنبت أن تدعى الأمير تواضعا ... وأنت لمن يدعى الأمير أمير
فما من ندى إلا إليك محله ... ولا رفعة إلا إليك تشير
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الحسين القطّان، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن النقاش، أن مسبح بن
حاتم أخبرهم فقال: لقيني قاضى القضاة أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد. فَقَالَ- بعد أن سلَّم عَلِيّ: ما يمنعك أن تسألني؟ فقلت لَهُ: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني، فَقَالَ لي: صدقت، وأنفذ إلي خمسة آلاف درهم.
أَخْبَرَنِي الصيمري حَدَّثَنَا المرزباني أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا أبو خليفة الفضل ابن الحباب. قال: كان في جوارنا رجل حداد، فاحتاج فِي أمر لَهُ أن يتظلم أيام الواثق، فشخص إلي سر من رأى ثم عاد، فحدّثنا أنه رفع قصته إِلَى الواثق، فأمر برد أمره إِلَى ابْن أَبِي دؤاد، وأمر جماعة المتظلمين. قَالَ: فحضرت فنظر فِي أمور الناس، وتشوفت لينظر فِي أمري- ورقعتي بين يديه- فأومأ إلي بالانتظار، فانتظرت حتى لم يبق أحد فدعاني فَقَالَ: أتعرفني؟ قلت: ولا أنكر الْقَاضِي أعزه الله [فقال] ولكني أعرفك مضيت يوما فِي الكلأ فانقطعت نعلي، وأعطيتني شسعا لها، فقلت لك إني أحبوك بثواب ذلك، فتكرهت قولي، وقلت وما مقدار ما فعلت؟ امض فِي حفظ اللَّه [ثم قال لي ] : والله لأصلحن زمانك كما أصلحت نعلي، ثم وقَّع لي فِي ظلامتي، ووهب لي خمسمائة دينار، وَقَالَ: زرني فِي كل وقت، قَالَ فرأيناه متسع الحال بعد أن رأيناه مضيقا.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن الحسين صاحب العبّاسى أخبرنا إسماعيل بن سعيد العدل حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ حدّثني أبو مالك جرير بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دَؤاد.
قَالَ قَالَ الواثق يوما لأبى- ضجرا بكثرة حوائجه- حدثنا يا أَحْمَد قد اختلت بيوت الأموال بطلبائك اللائذين بك، والمتوسلين إليك. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نتائج شكرها متصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلا عشق اتصال الألسن بحلو المدح فيك. فَقَالَ: يا أَبَا عَبْد الله لا منعناك ما يَزِيد فِي عشقك، ويقوى من همتك، فتناولنا بما أحببت.
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بن على الحنفي حدّثنا محمّد بن عمران الكاتب حدّثنا الصولي حَدَّثَنَا الحارث بْن أَبِي أسامة. قَالَ: أمر الواثق لعشرة من بني هاشم بعشرة آلاف درهم على يد ابن أبي دؤاد، ودفعها إليهم فكلمه نظراؤهم، ففرق فيهم عشرة آلاف درهم لعشرة مثل أولئك من عنده على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك فَقَالَ لَهُ: يا
أَبَا عَبْد اللَّه مالُنا أكثر من مالك، فلم تغرم وتضيف ذلك إلينا؟ فَقَالَ: والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك، وأجهد فِي عمل غيرها لفعلت، فكيف أبخل بمال أنت ملكتنيه، على أهلك الَّذِينَ يكثرون الشكر ويتضاعف فيهم الأجر؟ قَالَ فوصله بمائة ألف درهم ففرق جميعها فِي بني هاشم.
أَخْبَرَنِي الصيمري حَدَّثَنَا المرزباني أخبرني محمّد بن يحيى حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عمرو الرومي. قَالَ: ما رأيت قط أجمع رأيا من ابْن أَبِي دؤاد ولا أحضر حجة، قَالَ لَهُ الواثق: يا أَبَا عبد الله رفعت إلينا رقعة وفيها كذب كثير. قَالَ: ليس بعجب أن أُحسد على منزلتي من أمير المؤمنين فيُكذب عَلَيَّ. قَالَ:
زعموا فيها إنك وليت القضاء رجلا ضريرا؟ قَالَ: قد كَانَ ذاك، وأمرته أن يستخلف، ولست عازما على عزله حين أصيب ببصره، فبلغني أنه عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم. قَالَ: ما كَانَ ذلك، ولكني أعطيته دونها وقد أناب رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بْن زهير الشاعر، وَقَالَ فِي آخر: «أقطع عنى لسانه» . وهذا شاعر طائي مداح لأمير المؤمنين، يصيب بحسن، لو لم أرع لَهُ إلا قوله للمعتصم صلوات اللَّه عَلَيْهِ فِي أمير المؤمنين أعزه اللَّه:
واشدد بهارون الخلافة إنه ... سكن لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بأن ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار
قال: فوصل أبي تمام بخمسمائة دينار.
أخبرنا محمّد بن الحسن أحمد الأهوازى أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد العسكري عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي. قَالَ قَالَ أَبُو تمام حَبِيب بْن أوس:
أيسليني ثراء المال ربي ... وأطلب ذاك من كف جماد
زعمت إذن بأن الجود أمسى ... لَهُ رب سوى ابْن أَبِي دؤاد
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القطان أخبرنا محمّد بن الحسن النقاش أن أَحْمَد بْن يَحْيَى ثعلبًا أخبرهم قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن الأعرابي. قَالَ: سأل رجل قاضى القضاة أحمد ابن أَبِي دؤاد أن يحمله على عير. فَقَالَ: يا غلام! أعطه عيرا، وبغلا، وبرذونا، وفرسا، وجارية، ثم قَالَ: أما والله لو عرفت مركوبا غير هَذَا لأعطيتك. فشكر لَهُ الرجل، وقاد ذلك كله ومضى.
أخبرني على بن أيّوب القمي أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عمران الكاتب أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الجرجاني. قَالَ سَمِعْتُ أَبَا العيناء يَقُولُ: ما رأيت فِي الدنيا أحدا أحرص على أدب من ابْن أَبِي دؤاد، ولا أقوم على أدب منه، وذلك أني ما خرجت من عنده يوما قط فَقَالَ يا غلام خذ بيده، بل كَانَ يَقُولُ: يا غلام اخرج معه، وكنت افتقد هَذِهِ الكلمة عَلَيْهِ فلا يخل بها ولا أسمعها من غيره.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري أخبرنا الحسن بن حامد الأديب حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد الموصلي حدّثنا الحسن بن عليل حدّثنا يحيى بن السّري الكاتب حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الزيات قَالَ. كان رجل من دار عُمَر بْن الْخَطَّاب لا يلقى ابْن أَبِي دؤاد في محفل ولا وحده إلا لعنه ودعا عَلَيْهِ، وابن أَبِي دؤاد لا يرد عَلَيْهِ شيئا، قَالَ مُحَمَّد: فعرضت لذلك الرجل حاجة إِلَى المعتصم فسألنى أن أرفع قصته إليه، فمطلته وأتيت ابن أبي دؤاد، فلما ألح على أن أوصل قصته إليه وندمت من مطلي، فدخلت ذات يوم على أمير المؤمنين وقصته معي واغتنمت غيبة ابْن أَبِي دؤاد رفعت قصته إليه فهو يقرأها إذ دخل ابْن أَبِي دؤاد والقصة فِي يد أمير المؤمنين يقرأها، فلما قرأها دفعها إِلَى ابْن أَبِي دؤاد. فلما نظر إليها واسم الرجل فِي أولها قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، يَا أمير المؤمنين ينبغي أن تقضى لولده كل حاجة لَهُ، فوقع لَهُ أمير المؤمنين بقضاء الحاجة.
قَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد الملك: فخرجت والرجل جالس فدفعت إليه القصة وقلت:
تشكر لأبي عَبْد اللَّه الْقَاضِي فهو الَّذِي أعتق قصتك، وسأل أمير المؤمنين فِي قضاء حاجتك، قَالَ فوقف ذلك الرجل حتى خرج ابْن أَبِي دؤاد فجعل يدعو لَهُ ويتشكر لَهُ. فَقَالَ لَهُ: اذهب عافاك اللَّه، فإني إنما فعلت ذلك لعمر بْن الْخَطَّاب لا لك.
أخبرني الصّيمريّ حدّثنا المرزباني أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى. قَالَ سَمِعْتُ عون بْن مُحَمَّد الكندي يَقُولُ: لعهدي بالكرخ بِبَغْدَادَ وأن رجلا لو قَالَ ابن أَبِي دؤاد مُسْلِم لقتل فِي مكانه، ثم وقع الحريق فِي الكرخ وهو الَّذِي ما كَانَ مثله قط، كَانَ الرجل يقوم فِي صينية شارع الكرخ فيرى السفن فِي دجلة، فكلم ابْن أَبِي دؤاد المعتصم فِي الناس وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رعيتك فِي بلد آبائك ودار ملكهم، نزل بهم هَذَا الأمر فاعطف عَلَيْهِمْ بشيء يُفرَّق فيهم يمسك أرماقهم، ويبنون بِهِ ما انهدم عَلَيْهِمْ،
ويصلحون بِهِ أحوالهم، فلم يزل ينازله حتى أطلق لهم خمسة آلاف [ألف] درهم.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن فرقها عَلَيْهِمْ غيرى خفت أن لا يقسم بالسوية، فائذن لي فِي تولى أمرها ليكون الأجر أوفر والثناء أكثر. قَالَ: ذلك إليك. فقسمها على مقادير الناس، وما ذهب منهم بنهاية ما يقدر عَلَيْهِ من الاحتياط، واحتاج إِلَى زيادة فازدادها من المعتصم، وغرم من ماله فِي ذلك غرما كثيرا. فكانت هَذِهِ من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها. قَالَ عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك وأن إنسانا لو قَالَ زر ابن دؤاد وسخ لقتل.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: حدّثني جرير بن أحمد بن أبي دؤاد حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الإسكافي. قَالَ: اعتل أبوك فعاده المعتصم وكان معه بغا، وكنت معه، لأني كنت أكتب لبغا، فقام فتلقاه وقال له: قد شفاني اللَّه بالنظر إِلَى أمير المؤمنين، فدعا لَهُ بالعافيه فَقَالَ لَهُ: قد تمم اللَّه شفائي ومحق دائي بدعاء أمير المؤمنين، فَقَالَ لَهُ المعتصم:
إني نذرت أن عافاك اللَّه أن أتصدق بعشرة آلاف دينار. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فاجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنفا. فقال: نويت أن أتصدق بها ها هنا، وأنا أطلق لأهل الحرمين مثلها. ثم نهض فَقَالَ لَهُ: أمتع اللَّه الإسلام وأهله ببقائك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فإنك كَمَا قَالَ النمري لأبيك الرشيد:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك اللَّه منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين اللَّه معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم فِي ذلك، لأنه عاده وليس يعود إخوته وأجلاء أهله، فقال المعتصم:
وكيف لا أعود رجلا ما وقعت عيني عَلَيْهِ قط إلا ساق إلي أجرا أو أوجب لي شكرا، أو أفادني فائدة تنفعني فِي ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ محمّد بن الحسين الخارزمى حدّثنا المعافى بن زكريا الجريري حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن أبان النخعي قَالَ أنشدني منشد لمروان بْن أَبِي حفصة فِي ابْن أَبِي دؤاد- لما نالته العلة الباردة:
لسان أَحْمَد سيف مسه طبع ... من علة فجلاها عَنْهُ جاليها
ما ضر أَحْمَد باقي علة درست ... والله يذهب عَنْهُ رسم باقيها
مُوسَى بْن عمران لم ينقص نبوته ... ضعف اللسان بِهِ قد كَانَ يمضيها
قد كَانَ مُوسَى على علات منطقه ... رسائل اللَّه تأتيه يؤدّيها
أخبرني الحسين بن على النخعي حدّثنا محمّد بن عمران أخبرني ابن دريد أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن خضر. قَالَ: كَانَ ابْن أَبِي دؤاد مألفا لأهل الأدب من أي بلد كانوا، وَكَانَ قد ضم إليه جماعة يعولهم ويمونهم، فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم. فقالوا: يدفن من كَانَ على ساقة الكرم وتاريخ الأدب ولا يتكلم فيه؟ إن هَذَا لوهن وتقصير فلما طلع سريره قام ثلاثة نفر منهم فَقَالَ أحدهم:
اليوم مات نظام الفهم واللّسن ... ومات من كان يستدعى على الزمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المعارف فِي غيم من الكفن
وتقدم الثاني فَقَالَ:
ترك المنابر والسرير تواضعا ... وله منابر لو يشاء وسرير
ولغيره يجبى الخراج وإنما ... تجبى إليه محامد وأجور
وقام الثالث فَقَالَ:
وليس نسيم المسك ريح حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المُخَلَّف
وليس صرير النعش ما يسمعونه ... ولكنها أصلاب قوم تقصف
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ الصُّورِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ أخبرنا أبو ورق الهزاني قَالَ: حكى لي ابْن ثعلبة الحنفي عن أحمد بن المعدّل أنه. قَالَ: كتب ابْن أَبِي دؤاد إِلَى رجل من أهل المدينة- يتوهم أنه عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن جعفر بْن مُحَمَّد-: إن بايعت أمير المؤمنين فِي مقالته استوجبت منه حسن المكافأة، وإن امتنعت لم تأمن مكروهه. فكتب إليه: عصمنا اللَّه وإياك من الفتنة، وكأنه أن يفعل فأعظم بها نعمة وإلا فهي الهلكة، نحن نرى الكلام فِي القرآن بدعة، يشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس لَهُ، وتكلف المجيب ما ليس عَلَيْهِ، ولا يُعلم خالقا إلا اللَّه، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، فانته بنفسك ومخافتك إلي اسمه الَّذِي سمَّاه اللَّه بِهِ، وذر الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين. فلما وقف على جوابه أعرض عَنْهُ فلم يذكره.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الفرج بْن على البزّار أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن ماسي حدّثنا جعفر بن شعيب الشاشي حدّثني محمّد بن يوسف الشاشي حدّثني إبراهيم بن منبه.
قَالَ: سَمِعْتُ طَاهِر بْن خلف يَقُولُ سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن الواثق- الَّذِي يقال لَهُ المهتدى
بالله- يَقُولُ: كَانَ أَبِي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس، فأتى بشيخ مخضوب مقيد. فَقَالَ أَبِي: ائذنوا لأبي عَبْد اللَّه وأصحابه يَعْنِي ابْن أَبِي دؤاد قَالَ فأدخل الشيخ [والواثق] في مصلاه فقال السلام عليك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ:
لا سلم اللَّه عليك. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بئس ما أدبك مؤدبك. قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها
[النساء 86] . والله ما حييتني بها ولا بأحسن منها. فَقَالَ ابن أَبِي دؤاد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الرجل متكلم. فَقَالَ لَهُ: كلمه:
فَقَالَ: يا شيخ، ما تقول فِي القرآن؟ قَالَ الشيخ: لم تنصفني- يَعْنِي ولي السؤال- فَقَالَ لَهُ: سل فَقَالَ لَهُ الشيخ: ما تقول فِي القرآن؟ فَقَالَ: مخلوق، فَقَالَ: هَذَا شيء علمه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وعمر وعثمان وعلي، والخلفاء الراشدون، أم شيء لم يعلموه؟ فَقَالَ: شيء لم يعلموه فَقَالَ: سبحان اللَّه شيء لم يعلمه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أَبُو بَكْر ولا عُمَر ولا عُثْمَان ولا عَلِيّ ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟ قَالَ فخجل فَقَالَ: أقلني والمسألة بحالها، قَالَ نعم! قَالَ: ما تقول فِي القرآن؟ فَقَالَ: مخلوق. فَقَالَ:
هَذَا شيء علمه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه؟ فَقَالَ: علموه، ولم يدعوا الناس إليه. قَالَ: أفلا وسعك ما وسعهم؟ قَالَ: ثم قام أَبِي، فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ووضع إحدى وجليه على الأخرى. وهو يَقُولُ: هَذَا شيء لم يعلمه النبي ولا أَبُو بَكْر ولا عُمَر ولا عُثْمَان ولا عَلِيّ ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟ سبحان اللَّه! شيء علمه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه؟ أفلا وسعك ما وسعهم؟. ثم دعا عمارا الحاجب فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربعمائة دينار ويأذن لَهُ فِي الرجوع، وسقط من عينه ابْن أَبِي دؤاد. ولم يمتحن بعد ذلك أحدا .
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن المحسن التنوخي حدّثنا محمّد بن عمران بن موسى حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُلَيْمَان الأخفش قَالَ أنشدني أَبُو الْعَبَّاس ثعلب قَالَ أنشدني أَبُو الحجاج الأعرابي:
نكست الدين يا ابْن أَبِي دَؤاد ... فأصبح من أطاعك فِي ارتداد
زعمت كلام ربك كَانَ خلقا ... أما لك عند ربك من معاد؟
كلام اللَّه أنزله بعلم ... وأنزله على خير العباد
ومن أمسى ببابك مستضيفا ... كمن حل الفلاة بغير زاد
لقد أظفرت يا ابن أبي دؤاد ... بقولك أنّني رجل إيادي
أخبرنا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الطبري قَالَ أنشدنا الْمُعَافَى بْن زَكَرِيَّا الجريري عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي لبعضهم- يهجو أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد-:
لو كنت فِي الرأي منسوبا إِلَى رشد ... أو كَانَ عزمك عزما فيه توفيق
لكان فِي الفقه شغل لو قنعت بِهِ ... عَنْ أن تقول كتاب اللَّه مخلوق
ماذا عليك وأصل الدين يجمعهم ... ما كَانَ فِي الفرع لولا الجهل والموق
حدثنَا أَبُو سعد الْحُسَيْن بْن عُثْمَان الشيرازي لفظا أخبرنا أبو على حميد بن عبد الله- بالري- حدّثنا محمّد بن الحسين بن الحسين القاضي حدّثني الحسن بن منصور حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن ثواب. قَالَ: سألت أَحْمَد بْن حنبل عمن يَقُولُ القرآن مخلوق؟ قَالَ:
كافر. قلت: فابن أَبِي دؤاد؟ قَالَ: كافر بالله العظيم: قلت: بماذا كفر؟ قَالَ بكتاب اللَّه تعالى قَالَ اللَّه تعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
[البقرة 120] . فالقرآن من علم اللَّه، فمن زعم أن علم اللَّه مخلوق فهو كافر بالله العظيم .
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْنِ سليمان المقرئ حدّثني خالي محمّد بن أحمد حَدَّثَنَا هارون بْن مُوسَى بْن زياد- إملاء- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الورد قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى الجلا أو عَلِيّ بْن الموفق- قَالَ:
ناظرت قوما من الواقفيّة أيام المحنة، قَالَ فنالوني بما أكره، فصرت إِلَى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدمت إِلَيَّ امرأتي عشاء، فقلت لها لست آكل فرفعته. ونمت فَرَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ داخل المسجد وفي المسجد حلقتان- يعني إحداهما فيها أَحْمَد بْن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابْن أَبِي دؤاد وأصحابه- فوقف بين الحلقتين وأشار بيده. فَقَالَ: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ
- وأشار إلي حلقة ابْن أَبِي دؤاد- فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ
[الأنعام 89] . وأشار إلي الحلقة التي فيها أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّه بْن بشران المعدّل حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا إبراهيم الختلي حَدَّثَنَا أَبُو يوسف يَعْقُوب- يَعْنِي ابْن أخي معروف الكرخي- قَالَ أَخْبَرَنِي من أثق بِهِ من إخواننا. قَالَ: رأيت فِي المنام كَأنَّ أبي التقم يدي اليمني فَقَالَ لي: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ.
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ
[الفجر 6- 13] منهم ابْن أَبِي دؤاد إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ
[الفجر 14] .
قال إسحاق: وحدّثني أبو عبد الله البرائى- صديقنا وَكَانَ من الأبدال- قَالَ رأيت قَبْلَ دخول الناس بغداد كَأنَّ قائلا يَقُولُ لي: ما علمت ما فعل اللَّه بابن أَبِي دؤاد؟ حسر لسانه فأخرسه، وجعله للناس آية.
قرأت عَلَى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القطان عَن دعلج بن أحمد بن على الأبار حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الصباح قَالَ سَمِعْتُ خَالِد بْن خداش. قَالَ: رأيت فِي المنام كَانَ آتيا أتاني بطبق فَقَالَ: اقرأه فقرأت، بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم، ابْن أَبِي دؤاد يريد أن يمتحن الناس فمن قَالَ القرآن كلام الله كسى خاتما من ذهب فصه ياقوت حمراء، وأدخله اللَّه الْجَنَّةَ وغَفَر لَهُ أو قَالَ غُفِرَ لَهُ، ومن قَالَ القرآن مخلوق جعلت يمينه يمين قرد، فعاش بعد ذلك يوما أو يومين ثم يصير إِلَى النَّار.
قَالَ خَالِد: ورأيت فِي المنام قائلا يَقُولُ: مُسِخَ ابْن أَبِي دؤاد، ومُسخ شُعَيْب، وأصاب ابْن سماعة فالج، وأصاب آخر الذبحة- ولم يسم.
قلت: شُعَيْب هو ابْن سهل الْقَاضِي الْمَعْرُوف بشعبويه وَكَانَ جهميا معلنا.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الإِمَامُ بِأَصْبَهَانَ، أخبرنا أبو محمّد عبد الله: هذا شعر قاله بن بندار المديني، أخبرنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل الصائغ، قال:
أفلت سعود نجومك ابْن أَبِي دؤاد ... وبدت نحوسك فِي جميع إياد
فرحت بمصرعك البرية كلها ... من كَانَ منها موقنا بمعاد
لم يبق منك سوى خيال لامع ... فوق الفراش ممهّدا بوساد
أطغاك يا ابن أبي دؤاد ربّنا ... فجريت فِي ميدان أخوة عاد
لم تخش من رب السماء عقوبة ... فسننت كل ضلالة وفساد
كم من كريمة معشر أرملتها ... ومحدث أوثقت بالأقياد
كم من مساجد قد منعت قضاتها ... من أن يعدل شاهد برشاد
كم من مصابيح لها أطفأتها ... كيما تزل عَنِ الطريق الهادي
إن الأسارى فِي السجون تفرجوا ... لما أتتك مراكب العواد
وغدا لمصرعك الطبيب فلم يجد ... لعلاج ما بك حيلة المرتاد
لا زال فالجك الَّذِي بك دائما ... ومحقت قبل الموت بالأولاد
ورأيت رأسك فِي الجسور منوطا ... فوق الرءوس معلما بسواد
أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال سمعت أَبَا الْحُسَيْن بْن أَبِي الْقَاسِم يَقُولُ سَمِعْتُ أبا يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْن بْن الْفَضْل يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْد العزيز بْن يَحْيَى المكي يَقُولُ: دخلت على أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وهو مفلوج فقلت: إني لم آتك عائدا، ولكن جئت لأحمد اللَّه على أنه سجنك فِي جلدك .
أخبرنا أبو الحسين بين بشران المعدّل حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا إسحاق ابن إبراهيم الختلي حدّثنا [أبو] يوسف يعقوب بن موسى بن فيروز ابْن أخي معروف الكرخي. قَالَ: رأيت فِي المنام كأني وأخا لي نمر على نهر عِيسَى على الشط وطرف عمامتي بيد أخي هذا، فبينما نحن نمشي إذا امرأة تقول لصديقي هَذَا: ما تدرى ما حدث الليلة؟ أهلك اللَّه ابْن أَبِي دؤاد. فقلت أنا لها: وما كَانَ سبب هلاكه؟ قالت:
أغضب اللَّه عَلَيْهِ فغضب عَلَيْهِ [اللَّه] من فوق سبع سموات . قَالَ إِسْحَاق وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ أَخْبَرَنِي بعض أصحابنا. قَالَ: كنت عند سُفْيَان بْن وكيع فَقَالَ:
تدرون ما رأيت الليلة؟ - وكانت الليلة التي رأوا فيها النَّار بِبَغْدَادَ وغيرها- رأيت كَانَ جهنم زفرت فخرج منها اللهب، أو نحو هَذَا الكلام. فقلت: ما هَذَا؟ قَالَ:
أعدت لابن أَبِي دؤاد.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم الأزهرى أخبرنا أحمد بن إبراهيم حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَرَفَةَ الأَزْدِيُّ. قَالَ: سنة أربعين ومائتين فيها مات أَحْمَد بن أبي دؤاد.
أخبرني الصّيمريّ حدّثنا المرزباني أخبرنا محمّد بن يحيى الصولي حَدَّثَنَا المغيرة بْن مُحَمَّد المهلبي. قَالَ: مات أَبُو الوليد مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دؤاد- وهو وأبوه منكوبان- فِي ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومائتين ومات أبوه فِي المحرم سنة أربعين ومائتين- يوم السبت لسبع بقين منه- فكان بينه وبين أبيه أَبِي الوليد شهر أو نحوه.
قَالَ الصولي: ودفن فِي داره بِبَغْدَادَ وصلى عَلَيْهِ ابنه الْعَبَّاس.
كذلك أَخْبَرَنِي الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّه الْحُسَيْن بْن علي الصيمري حدّثنا أبو عبد اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْمَرْزُبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عرفه النحوي. قَالَ: اسم أَبِي دؤاد فرج.
وقرأت بخط مُحَمَّد بْن يحيى الصولي حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن زياد أَبُو عَبْد اللَّه الزيادي، وزعم لي أن أباه كَانَ منقطعا إلى ابن أَبِي دؤاد. قَالَ اسم أَبِي دؤاد: دُعْمَى.
وقرأت فِي كتاب طلحة بْن مُحَمَّد بْن جعفر الشاهد بخطه: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ الْقَاضِي عن وكيع عن جرير- يَعْنِي ابْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دؤاد- قَالَ: قال المأمونى لأبي: ما اسم أبيك؟ قَالَ: هو اسمه- يَعْنِي الكنية- قَالَ طلحة: والصحيح أن اسمه كنيته.
كذلك أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن أَبِي دؤاد بْن أَبِي عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد، اسمه كنيته.
قلت: وقد سقنا نسبه فِي أخبار ابنه أَبِي الوليد. ولي ابْن أَبِي دؤاد قضاء القضاة للمعتصم، ثم للواثق، وَكَانَ موصوفا بالجود والسخاء، وحسن الخلق ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على الامتحان بخلق الْقُرْآنِ.
أَخْبَرَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن أَبِي الفتح أخبرنا أبو الحسن الدارقطني. قال: أحمد بن أَبِي دؤاد قاضى القضاة للمعتصم والواثق هو الذي كان يمتحن العلماء في أيامهما ويدعو إلى القول بخلق القرآن.
أخبرني الصّيمريّ حدّثنا المرزباني أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى. قَالَ: كَانَ يقال أكرم من كَانَ فِي دولة بني الْعَبَّاس البرامكة، ثم ابْن أَبِي دؤاد، لولا ما وضع بِهِ نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عَلَيْهِ، ولم يضف إلي كرمه كرم أحد.
أخبرني الصّيمريّ أخبرنا المرزباني أخبرني الصولي حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن فهم قَالَ:
سَمِعْتُ ابْن النّطّاح يقول: أحمد بن أبي دؤاد من قبيلة يقال لهم بنو زهر، إخوة قوم يعرفون بحذاق، وسمعت ذلك من أَبِي اليقظان.
قَالَ الصولي: وذكر أَبُو تمام الطائي هَذَا فِي خطابه لابن أَبِي دؤاد فَقَالَ:
فالغيث من زهر سحابة رأفة ... والركن من شيبان طود حديد
لأن ابْن أَبِي دؤاد كَانَ غضب عَلَيْهِ، فشفع فيه خَالِد بْن يَزِيد الشيباني، فلذلك قَالَ: والركن من شيبان.
وَقَالَ الصولي حَدَّثَنَا أَبُو العيناء قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد يَقُولُ: ولدت سنة ستين ومائة بالبصرة. قَالَ وَكَانَ أسن من يَحْيَى بْن أكثم بنحو من عشرين سنة.
أَخْبَرَنِي الصيمري قَالَ حَدَّثَنَا المرزباني حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيل بْن مُحَمَّد عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد النحوي. قَالَ قَالَ أَبُو الهذيل: دخلت على ابن أبي دؤاد فوجدت ابن أَبِي حفصة ينشده:
فقل للفاخرين على نزار ... ومنها خندف وبنو إياد
رسول اللَّه والخلفاء منا ... ومنا أَحْمَد بْن أَبِي دَؤاد
فَقَالَ لي أَبُو عَبْد اللَّه: كيف تسمع يا أَبَا الهذيل؟ فقلت: هَذَا يضع الهناء مواضع النقب.
وَقَالَ المرزباني أَخْبَرَنِي عَلِيّ بْن يَحْيَى قَالَ قَالَ أَبُو هِفَّان: لما قَالَ مروان بْن أَبِي الجنوب فِي ابْن أَبِي دؤاد:
رسول اللَّه والخلفاء منا ... ومنا أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد
قلت أنقض عَلَيْهِ:
فقل للفاخرين على نزار ... وهم فِي الأرض سادات العباد
رسول الله والخلفاء منّا ... ونبرأ من دعاة بني إياد
وما منا إياد إذ أقرت ... بدعوة أَحْمَد بْن أبي دؤاد
قَالَ: فَقَالَ ابن أَبِي دؤاد: ما بلغ هذا الغلام المزني- لولا أني أكره أن أنبه عَلَيْهِ لعاقبته عقابا لم يعاقب أحد بمثله، جاء إلى منقبة كانت لي ينقضها عروة عروة؟
حدّثني الأزهرى حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَالِكٍ حدّثني جرير بْن أَحْمَدَ أَبُو مالك. قَالَ: كَانَ أَبِي إذا صلى رفع يده إِلَى السماء وخاطب ربه وأنشأ يَقُولُ:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لساعة الأوصاب
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بْن على الحنفي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عمران بْن موسى الكاتب حدّثني الحليمي حَدَّثَنَا أَبُو العيناء. قَالَ: كَانَ أَبُو عَبْد اللَّه أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد شاعرا مجيدا، فصيحا بليغا. قَالَ مُحَمَّد بْن عمران: وقد ذكره دعبل بْن عَلِيّ الخزاعي فِي كتابه الذي فيه أسماء الشعراء، وروى لَهُ أبياتا حسانا.
وأخبرني الحسين بن على حدّثنا محمّد بن عمران حدّثني محمّد بن أحمد الكاتب حَدَّثَنَا أَبُو العيناء. قَالَ: لما قدم بأبي عُثْمَان المازني من البصرة إِلَى سر من رأى، قَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد: يا أَبَا عُثْمَان، حَدَّثَنِي عَنِ البصرة. فَقَالَ لَهُ أَبُو عُثْمَان: عَنْ أيها؟
قَالَ: من فيضها إِلَى صحرائها. قَالَ أَبُو العيناء: وما رأيت رئيسا قط أفصح ولا أنطق من ابْن أَبِي دؤاد.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْقَطَّانُ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن زياد النقاش أن محمّد بن بوكرد أخبرهم بمرو. قَالَ: لم يكن لقاضي القضاة أَحْمَد بْن [أَبِي] دؤاد أخ من الإخوان إلا بنى لَهُ دارا على قدر كفايته، ثم وقف على ولد الإخوان ما يغنيهم أبدا، ولم يكن لأحد من إخوانه ولد إلا من جارية هو وهبها لَهُ.
أَخْبَرَنِي الصّيمريّ حدّثنا المرزباني أخبرني الصولي حدّثني أحمد بن إسماعيل حَدَّثَنِي سَعِيد بْن حميد. قَالَ: دخل أَبُو تمام الطائي على أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد فَقَالَ لَهُ:
أحسبك عاتبا يا أَبَا تمام؟ قَالَ: إنما يعتب على واحد وأنت الناس جميعا، فكيف يعتب عليك؟ فَقَالَ: من أين هَذِهِ يا أَبَا تمام؟ قَالَ من قول الحاذق- يَعْنِي أَبَا نواس- فِي الْفَضْل بْن الربيع:
ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد
أخبرني على بن أيوب القمي أخبرنا محمّد بن عمران الكاتب أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي. قَالَ: دخل أَبُو تمام عَلى أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وقد شرب الدواء فأنشده:
أعقبك اللَّه صحة البدن ... ما هتف الهاتفات فِي الغصن
كيف وجدت الدواء أوجدك ... اللَّه شفاء بِهِ مدى الزمن
لا نزع اللَّه عنك صالحة ... أبليتها من بلائك الْحَسَن
لا زلت تزهى بكل عافية ... مجنّبا من معارض الفتن
إن بقاء الجواد أَحْمَد فِي ... أعناقنا منة من المنن
لو أن أعمارنا تطاوعنا ... شاطره العمر سادة اليمن
أَخْبَرَنَا الحسين بن على الحنفي حدّثنا محمّد بن عمران أخبرني محمّد بن يحيى حدّثنا محمّد بن على الخراساني حَدَّثَنَا عَلِيّ الرَّازِيّ. قَالَ: رأيت أَبَا تمام عند ابْن أَبِي دؤاد ومعه رجل ينشد عَنْهُ:
لقد أنست مساوئ كل دهر ... محاسن أحمد بن أبي دؤاد
وما سافرت فِي الآفاق إلا ... ومن جدواك راحلتي وزادي
مقيم الظن عندك والأماني ... وإن قلقت ركابي فِي البلاد
فَقَالَ لَهُ ابْن أَبِي دؤاد: هَذَا المعنى تفردت بِهِ أو أخذته؟ قَالَ: هو لي وقد ألممت فيه بقول أَبِي نواس:
وإن جرت الألفاظ يوما بمدحة ... لغيرك إنسانا فأنت الَّذِي نعني
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: من مختار مدائح أَبِي تمام لأحمد بْن أَبِي دؤاد قوله:
أأحمد إن الحاشدين كثير ... ومالك إن عد الكرام نظير
حللت محلا فاضلا متقادما ... من المجد والفخر القديم فخور
فكل غني أو فقير فإنه ... إليك وإن نال السماء فقير
إليك تناهى المجد من كل وجهة ... يصير فما يعدوك حيث يصير
وبدر إياد أنت لا ينكرونه ... كذاك إياد للأنام بدور
تجنبت أن تدعى الأمير تواضعا ... وأنت لمن يدعى الأمير أمير
فما من ندى إلا إليك محله ... ولا رفعة إلا إليك تشير
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الحسين القطّان، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن النقاش، أن مسبح بن
حاتم أخبرهم فقال: لقيني قاضى القضاة أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد. فَقَالَ- بعد أن سلَّم عَلِيّ: ما يمنعك أن تسألني؟ فقلت لَهُ: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني، فَقَالَ لي: صدقت، وأنفذ إلي خمسة آلاف درهم.
أَخْبَرَنِي الصيمري حَدَّثَنَا المرزباني أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى حَدَّثَنَا أبو خليفة الفضل ابن الحباب. قال: كان في جوارنا رجل حداد، فاحتاج فِي أمر لَهُ أن يتظلم أيام الواثق، فشخص إلي سر من رأى ثم عاد، فحدّثنا أنه رفع قصته إِلَى الواثق، فأمر برد أمره إِلَى ابْن أَبِي دؤاد، وأمر جماعة المتظلمين. قَالَ: فحضرت فنظر فِي أمور الناس، وتشوفت لينظر فِي أمري- ورقعتي بين يديه- فأومأ إلي بالانتظار، فانتظرت حتى لم يبق أحد فدعاني فَقَالَ: أتعرفني؟ قلت: ولا أنكر الْقَاضِي أعزه الله [فقال] ولكني أعرفك مضيت يوما فِي الكلأ فانقطعت نعلي، وأعطيتني شسعا لها، فقلت لك إني أحبوك بثواب ذلك، فتكرهت قولي، وقلت وما مقدار ما فعلت؟ امض فِي حفظ اللَّه [ثم قال لي ] : والله لأصلحن زمانك كما أصلحت نعلي، ثم وقَّع لي فِي ظلامتي، ووهب لي خمسمائة دينار، وَقَالَ: زرني فِي كل وقت، قَالَ فرأيناه متسع الحال بعد أن رأيناه مضيقا.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بن الحسين صاحب العبّاسى أخبرنا إسماعيل بن سعيد العدل حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ حدّثني أبو مالك جرير بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دَؤاد.
قَالَ قَالَ الواثق يوما لأبى- ضجرا بكثرة حوائجه- حدثنا يا أَحْمَد قد اختلت بيوت الأموال بطلبائك اللائذين بك، والمتوسلين إليك. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نتائج شكرها متصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلا عشق اتصال الألسن بحلو المدح فيك. فَقَالَ: يا أَبَا عَبْد الله لا منعناك ما يَزِيد فِي عشقك، ويقوى من همتك، فتناولنا بما أحببت.
أَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بن على الحنفي حدّثنا محمّد بن عمران الكاتب حدّثنا الصولي حَدَّثَنَا الحارث بْن أَبِي أسامة. قَالَ: أمر الواثق لعشرة من بني هاشم بعشرة آلاف درهم على يد ابن أبي دؤاد، ودفعها إليهم فكلمه نظراؤهم، ففرق فيهم عشرة آلاف درهم لعشرة مثل أولئك من عنده على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك فَقَالَ لَهُ: يا
أَبَا عَبْد اللَّه مالُنا أكثر من مالك، فلم تغرم وتضيف ذلك إلينا؟ فَقَالَ: والله يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك، وأجهد فِي عمل غيرها لفعلت، فكيف أبخل بمال أنت ملكتنيه، على أهلك الَّذِينَ يكثرون الشكر ويتضاعف فيهم الأجر؟ قَالَ فوصله بمائة ألف درهم ففرق جميعها فِي بني هاشم.
أَخْبَرَنِي الصيمري حَدَّثَنَا المرزباني أخبرني محمّد بن يحيى حدّثني الحسين بن يحيى الكاتب حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عمرو الرومي. قَالَ: ما رأيت قط أجمع رأيا من ابْن أَبِي دؤاد ولا أحضر حجة، قَالَ لَهُ الواثق: يا أَبَا عبد الله رفعت إلينا رقعة وفيها كذب كثير. قَالَ: ليس بعجب أن أُحسد على منزلتي من أمير المؤمنين فيُكذب عَلَيَّ. قَالَ:
زعموا فيها إنك وليت القضاء رجلا ضريرا؟ قَالَ: قد كَانَ ذاك، وأمرته أن يستخلف، ولست عازما على عزله حين أصيب ببصره، فبلغني أنه عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم. قَالَ: ما كَانَ ذلك، ولكني أعطيته دونها وقد أناب رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بْن زهير الشاعر، وَقَالَ فِي آخر: «أقطع عنى لسانه» . وهذا شاعر طائي مداح لأمير المؤمنين، يصيب بحسن، لو لم أرع لَهُ إلا قوله للمعتصم صلوات اللَّه عَلَيْهِ فِي أمير المؤمنين أعزه اللَّه:
واشدد بهارون الخلافة إنه ... سكن لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بأن ذلك معصم ... ما كنت تتركه بغير سوار
قال: فوصل أبي تمام بخمسمائة دينار.
أخبرنا محمّد بن الحسن أحمد الأهوازى أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن عَبْد اللَّه بْن سَعِيد العسكري عَنْ أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي. قَالَ قَالَ أَبُو تمام حَبِيب بْن أوس:
أيسليني ثراء المال ربي ... وأطلب ذاك من كف جماد
زعمت إذن بأن الجود أمسى ... لَهُ رب سوى ابْن أَبِي دؤاد
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القطان أخبرنا محمّد بن الحسن النقاش أن أَحْمَد بْن يَحْيَى ثعلبًا أخبرهم قَالَ أَخْبَرَنَا ابْن الأعرابي. قَالَ: سأل رجل قاضى القضاة أحمد ابن أَبِي دؤاد أن يحمله على عير. فَقَالَ: يا غلام! أعطه عيرا، وبغلا، وبرذونا، وفرسا، وجارية، ثم قَالَ: أما والله لو عرفت مركوبا غير هَذَا لأعطيتك. فشكر لَهُ الرجل، وقاد ذلك كله ومضى.
أخبرني على بن أيّوب القمي أَخْبَرَنَا أَبُو عُبَيْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن عمران الكاتب أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْر الجرجاني. قَالَ سَمِعْتُ أَبَا العيناء يَقُولُ: ما رأيت فِي الدنيا أحدا أحرص على أدب من ابْن أَبِي دؤاد، ولا أقوم على أدب منه، وذلك أني ما خرجت من عنده يوما قط فَقَالَ يا غلام خذ بيده، بل كَانَ يَقُولُ: يا غلام اخرج معه، وكنت افتقد هَذِهِ الكلمة عَلَيْهِ فلا يخل بها ولا أسمعها من غيره.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري أخبرنا الحسن بن حامد الأديب حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن سَعِيد الموصلي حدّثنا الحسن بن عليل حدّثنا يحيى بن السّري الكاتب حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَبْد الملك الزيات قَالَ. كان رجل من دار عُمَر بْن الْخَطَّاب لا يلقى ابْن أَبِي دؤاد في محفل ولا وحده إلا لعنه ودعا عَلَيْهِ، وابن أَبِي دؤاد لا يرد عَلَيْهِ شيئا، قَالَ مُحَمَّد: فعرضت لذلك الرجل حاجة إِلَى المعتصم فسألنى أن أرفع قصته إليه، فمطلته وأتيت ابن أبي دؤاد، فلما ألح على أن أوصل قصته إليه وندمت من مطلي، فدخلت ذات يوم على أمير المؤمنين وقصته معي واغتنمت غيبة ابْن أَبِي دؤاد رفعت قصته إليه فهو يقرأها إذ دخل ابْن أَبِي دؤاد والقصة فِي يد أمير المؤمنين يقرأها، فلما قرأها دفعها إِلَى ابْن أَبِي دؤاد. فلما نظر إليها واسم الرجل فِي أولها قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب، يَا أمير المؤمنين ينبغي أن تقضى لولده كل حاجة لَهُ، فوقع لَهُ أمير المؤمنين بقضاء الحاجة.
قَالَ مُحَمَّد بْن عَبْد الملك: فخرجت والرجل جالس فدفعت إليه القصة وقلت:
تشكر لأبي عَبْد اللَّه الْقَاضِي فهو الَّذِي أعتق قصتك، وسأل أمير المؤمنين فِي قضاء حاجتك، قَالَ فوقف ذلك الرجل حتى خرج ابْن أَبِي دؤاد فجعل يدعو لَهُ ويتشكر لَهُ. فَقَالَ لَهُ: اذهب عافاك اللَّه، فإني إنما فعلت ذلك لعمر بْن الْخَطَّاب لا لك.
أخبرني الصّيمريّ حدّثنا المرزباني أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن يَحْيَى. قَالَ سَمِعْتُ عون بْن مُحَمَّد الكندي يَقُولُ: لعهدي بالكرخ بِبَغْدَادَ وأن رجلا لو قَالَ ابن أَبِي دؤاد مُسْلِم لقتل فِي مكانه، ثم وقع الحريق فِي الكرخ وهو الَّذِي ما كَانَ مثله قط، كَانَ الرجل يقوم فِي صينية شارع الكرخ فيرى السفن فِي دجلة، فكلم ابْن أَبِي دؤاد المعتصم فِي الناس وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ رعيتك فِي بلد آبائك ودار ملكهم، نزل بهم هَذَا الأمر فاعطف عَلَيْهِمْ بشيء يُفرَّق فيهم يمسك أرماقهم، ويبنون بِهِ ما انهدم عَلَيْهِمْ،
ويصلحون بِهِ أحوالهم، فلم يزل ينازله حتى أطلق لهم خمسة آلاف [ألف] درهم.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إن فرقها عَلَيْهِمْ غيرى خفت أن لا يقسم بالسوية، فائذن لي فِي تولى أمرها ليكون الأجر أوفر والثناء أكثر. قَالَ: ذلك إليك. فقسمها على مقادير الناس، وما ذهب منهم بنهاية ما يقدر عَلَيْهِ من الاحتياط، واحتاج إِلَى زيادة فازدادها من المعتصم، وغرم من ماله فِي ذلك غرما كثيرا. فكانت هَذِهِ من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها. قَالَ عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك وأن إنسانا لو قَالَ زر ابن دؤاد وسخ لقتل.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى: حدّثني جرير بن أحمد بن أبي دؤاد حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن الْحُسَيْن الإسكافي. قَالَ: اعتل أبوك فعاده المعتصم وكان معه بغا، وكنت معه، لأني كنت أكتب لبغا، فقام فتلقاه وقال له: قد شفاني اللَّه بالنظر إِلَى أمير المؤمنين، فدعا لَهُ بالعافيه فَقَالَ لَهُ: قد تمم اللَّه شفائي ومحق دائي بدعاء أمير المؤمنين، فَقَالَ لَهُ المعتصم:
إني نذرت أن عافاك اللَّه أن أتصدق بعشرة آلاف دينار. فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فاجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنفا. فقال: نويت أن أتصدق بها ها هنا، وأنا أطلق لأهل الحرمين مثلها. ثم نهض فَقَالَ لَهُ: أمتع اللَّه الإسلام وأهله ببقائك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فإنك كَمَا قَالَ النمري لأبيك الرشيد:
إن المكارم والمعروف أودية ... أحلك اللَّه منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين اللَّه معتصما ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم فِي ذلك، لأنه عاده وليس يعود إخوته وأجلاء أهله، فقال المعتصم:
وكيف لا أعود رجلا ما وقعت عيني عَلَيْهِ قط إلا ساق إلي أجرا أو أوجب لي شكرا، أو أفادني فائدة تنفعني فِي ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ محمّد بن الحسين الخارزمى حدّثنا المعافى بن زكريا الجريري حدّثنا الحسين بن القاسم الكوكبي حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن مُحَمَّد بْن أبان النخعي قَالَ أنشدني منشد لمروان بْن أَبِي حفصة فِي ابْن أَبِي دؤاد- لما نالته العلة الباردة:
لسان أَحْمَد سيف مسه طبع ... من علة فجلاها عَنْهُ جاليها
ما ضر أَحْمَد باقي علة درست ... والله يذهب عَنْهُ رسم باقيها
مُوسَى بْن عمران لم ينقص نبوته ... ضعف اللسان بِهِ قد كَانَ يمضيها
قد كَانَ مُوسَى على علات منطقه ... رسائل اللَّه تأتيه يؤدّيها
أخبرني الحسين بن على النخعي حدّثنا محمّد بن عمران أخبرني ابن دريد أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن خضر. قَالَ: كَانَ ابْن أَبِي دؤاد مألفا لأهل الأدب من أي بلد كانوا، وَكَانَ قد ضم إليه جماعة يعولهم ويمونهم، فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم. فقالوا: يدفن من كَانَ على ساقة الكرم وتاريخ الأدب ولا يتكلم فيه؟ إن هَذَا لوهن وتقصير فلما طلع سريره قام ثلاثة نفر منهم فَقَالَ أحدهم:
اليوم مات نظام الفهم واللّسن ... ومات من كان يستدعى على الزمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المعارف فِي غيم من الكفن
وتقدم الثاني فَقَالَ:
ترك المنابر والسرير تواضعا ... وله منابر لو يشاء وسرير
ولغيره يجبى الخراج وإنما ... تجبى إليه محامد وأجور
وقام الثالث فَقَالَ:
وليس نسيم المسك ريح حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المُخَلَّف
وليس صرير النعش ما يسمعونه ... ولكنها أصلاب قوم تقصف
حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَلِيٍّ الصُّورِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ جُمَيْعٍ الْغَسَّانِيُّ أخبرنا أبو ورق الهزاني قَالَ: حكى لي ابْن ثعلبة الحنفي عن أحمد بن المعدّل أنه. قَالَ: كتب ابْن أَبِي دؤاد إِلَى رجل من أهل المدينة- يتوهم أنه عَبْد اللَّه بْن مُوسَى بْن جعفر بْن مُحَمَّد-: إن بايعت أمير المؤمنين فِي مقالته استوجبت منه حسن المكافأة، وإن امتنعت لم تأمن مكروهه. فكتب إليه: عصمنا اللَّه وإياك من الفتنة، وكأنه أن يفعل فأعظم بها نعمة وإلا فهي الهلكة، نحن نرى الكلام فِي القرآن بدعة، يشترك فيها السائل والمجيب، فتعاطى السائل ما ليس لَهُ، وتكلف المجيب ما ليس عَلَيْهِ، ولا يُعلم خالقا إلا اللَّه، وما سواه مخلوق، والقرآن كلام الله، فانته بنفسك ومخافتك إلي اسمه الَّذِي سمَّاه اللَّه بِهِ، وذر الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، ولا تسم القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين. فلما وقف على جوابه أعرض عَنْهُ فلم يذكره.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الفرج بْن على البزّار أَخْبَرَنَا عَبْد اللَّه بْن إِبْرَاهِيم بْن ماسي حدّثنا جعفر بن شعيب الشاشي حدّثني محمّد بن يوسف الشاشي حدّثني إبراهيم بن منبه.
قَالَ: سَمِعْتُ طَاهِر بْن خلف يَقُولُ سَمِعْتُ مُحَمَّد بْن الواثق- الَّذِي يقال لَهُ المهتدى
بالله- يَقُولُ: كَانَ أَبِي إذا أراد أن يقتل رجلا أحضرنا ذلك المجلس، فأتى بشيخ مخضوب مقيد. فَقَالَ أَبِي: ائذنوا لأبي عَبْد اللَّه وأصحابه يَعْنِي ابْن أَبِي دؤاد قَالَ فأدخل الشيخ [والواثق] في مصلاه فقال السلام عليك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ لَهُ:
لا سلم اللَّه عليك. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بئس ما أدبك مؤدبك. قَالَ اللَّه تَعَالَى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها
[النساء 86] . والله ما حييتني بها ولا بأحسن منها. فَقَالَ ابن أَبِي دؤاد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، الرجل متكلم. فَقَالَ لَهُ: كلمه:
فَقَالَ: يا شيخ، ما تقول فِي القرآن؟ قَالَ الشيخ: لم تنصفني- يَعْنِي ولي السؤال- فَقَالَ لَهُ: سل فَقَالَ لَهُ الشيخ: ما تقول فِي القرآن؟ فَقَالَ: مخلوق، فَقَالَ: هَذَا شيء علمه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وعمر وعثمان وعلي، والخلفاء الراشدون، أم شيء لم يعلموه؟ فَقَالَ: شيء لم يعلموه فَقَالَ: سبحان اللَّه شيء لم يعلمه النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أَبُو بَكْر ولا عُمَر ولا عُثْمَان ولا عَلِيّ ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟ قَالَ فخجل فَقَالَ: أقلني والمسألة بحالها، قَالَ نعم! قَالَ: ما تقول فِي القرآن؟ فَقَالَ: مخلوق. فَقَالَ:
هَذَا شيء علمه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه؟ فَقَالَ: علموه، ولم يدعوا الناس إليه. قَالَ: أفلا وسعك ما وسعهم؟ قَالَ: ثم قام أَبِي، فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه ووضع إحدى وجليه على الأخرى. وهو يَقُولُ: هَذَا شيء لم يعلمه النبي ولا أَبُو بَكْر ولا عُمَر ولا عُثْمَان ولا عَلِيّ ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟ سبحان اللَّه! شيء علمه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه؟ أفلا وسعك ما وسعهم؟. ثم دعا عمارا الحاجب فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربعمائة دينار ويأذن لَهُ فِي الرجوع، وسقط من عينه ابْن أَبِي دؤاد. ولم يمتحن بعد ذلك أحدا .
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن المحسن التنوخي حدّثنا محمّد بن عمران بن موسى حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن سُلَيْمَان الأخفش قَالَ أنشدني أَبُو الْعَبَّاس ثعلب قَالَ أنشدني أَبُو الحجاج الأعرابي:
نكست الدين يا ابْن أَبِي دَؤاد ... فأصبح من أطاعك فِي ارتداد
زعمت كلام ربك كَانَ خلقا ... أما لك عند ربك من معاد؟
كلام اللَّه أنزله بعلم ... وأنزله على خير العباد
ومن أمسى ببابك مستضيفا ... كمن حل الفلاة بغير زاد
لقد أظفرت يا ابن أبي دؤاد ... بقولك أنّني رجل إيادي
أخبرنا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّه الطبري قَالَ أنشدنا الْمُعَافَى بْن زَكَرِيَّا الجريري عَنْ مُحَمَّد بْن يَحْيَى الصولي لبعضهم- يهجو أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد-:
لو كنت فِي الرأي منسوبا إِلَى رشد ... أو كَانَ عزمك عزما فيه توفيق
لكان فِي الفقه شغل لو قنعت بِهِ ... عَنْ أن تقول كتاب اللَّه مخلوق
ماذا عليك وأصل الدين يجمعهم ... ما كَانَ فِي الفرع لولا الجهل والموق
حدثنَا أَبُو سعد الْحُسَيْن بْن عُثْمَان الشيرازي لفظا أخبرنا أبو على حميد بن عبد الله- بالري- حدّثنا محمّد بن الحسين بن الحسين القاضي حدّثني الحسن بن منصور حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن ثواب. قَالَ: سألت أَحْمَد بْن حنبل عمن يَقُولُ القرآن مخلوق؟ قَالَ:
كافر. قلت: فابن أَبِي دؤاد؟ قَالَ: كافر بالله العظيم: قلت: بماذا كفر؟ قَالَ بكتاب اللَّه تعالى قَالَ اللَّه تعالى: وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ
[البقرة 120] . فالقرآن من علم اللَّه، فمن زعم أن علم اللَّه مخلوق فهو كافر بالله العظيم .
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله الكاتب أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم عَبْد اللَّه بْن الْحَسَن بْنِ سليمان المقرئ حدّثني خالي محمّد بن أحمد حَدَّثَنَا هارون بْن مُوسَى بْن زياد- إملاء- حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي الورد قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى الجلا أو عَلِيّ بْن الموفق- قَالَ:
ناظرت قوما من الواقفيّة أيام المحنة، قَالَ فنالوني بما أكره، فصرت إِلَى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدمت إِلَيَّ امرأتي عشاء، فقلت لها لست آكل فرفعته. ونمت فَرَأَيْتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ داخل المسجد وفي المسجد حلقتان- يعني إحداهما فيها أَحْمَد بْن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابْن أَبِي دؤاد وأصحابه- فوقف بين الحلقتين وأشار بيده. فَقَالَ: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ
- وأشار إلي حلقة ابْن أَبِي دؤاد- فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ
[الأنعام 89] . وأشار إلي الحلقة التي فيها أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ.
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّه بْن بشران المعدّل حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا إبراهيم الختلي حَدَّثَنَا أَبُو يوسف يَعْقُوب- يَعْنِي ابْن أخي معروف الكرخي- قَالَ أَخْبَرَنِي من أثق بِهِ من إخواننا. قَالَ: رأيت فِي المنام كَأنَّ أبي التقم يدي اليمني فَقَالَ لي: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ. إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ. وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ. وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ. الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ.
فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ. فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ
[الفجر 6- 13] منهم ابْن أَبِي دؤاد إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ
[الفجر 14] .
قال إسحاق: وحدّثني أبو عبد الله البرائى- صديقنا وَكَانَ من الأبدال- قَالَ رأيت قَبْلَ دخول الناس بغداد كَأنَّ قائلا يَقُولُ لي: ما علمت ما فعل اللَّه بابن أَبِي دؤاد؟ حسر لسانه فأخرسه، وجعله للناس آية.
قرأت عَلَى مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن القطان عَن دعلج بن أحمد بن على الأبار حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الصباح قَالَ سَمِعْتُ خَالِد بْن خداش. قَالَ: رأيت فِي المنام كَانَ آتيا أتاني بطبق فَقَالَ: اقرأه فقرأت، بسم اللَّه الرَّحْمَن الرحيم، ابْن أَبِي دؤاد يريد أن يمتحن الناس فمن قَالَ القرآن كلام الله كسى خاتما من ذهب فصه ياقوت حمراء، وأدخله اللَّه الْجَنَّةَ وغَفَر لَهُ أو قَالَ غُفِرَ لَهُ، ومن قَالَ القرآن مخلوق جعلت يمينه يمين قرد، فعاش بعد ذلك يوما أو يومين ثم يصير إِلَى النَّار.
قَالَ خَالِد: ورأيت فِي المنام قائلا يَقُولُ: مُسِخَ ابْن أَبِي دؤاد، ومُسخ شُعَيْب، وأصاب ابْن سماعة فالج، وأصاب آخر الذبحة- ولم يسم.
قلت: شُعَيْب هو ابْن سهل الْقَاضِي الْمَعْرُوف بشعبويه وَكَانَ جهميا معلنا.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ جَعْفَرٍ الإِمَامُ بِأَصْبَهَانَ، أخبرنا أبو محمّد عبد الله: هذا شعر قاله بن بندار المديني، أخبرنا أبو جعفر محمّد بن إسماعيل الصائغ، قال:
أفلت سعود نجومك ابْن أَبِي دؤاد ... وبدت نحوسك فِي جميع إياد
فرحت بمصرعك البرية كلها ... من كَانَ منها موقنا بمعاد
لم يبق منك سوى خيال لامع ... فوق الفراش ممهّدا بوساد
أطغاك يا ابن أبي دؤاد ربّنا ... فجريت فِي ميدان أخوة عاد
لم تخش من رب السماء عقوبة ... فسننت كل ضلالة وفساد
كم من كريمة معشر أرملتها ... ومحدث أوثقت بالأقياد
كم من مساجد قد منعت قضاتها ... من أن يعدل شاهد برشاد
كم من مصابيح لها أطفأتها ... كيما تزل عَنِ الطريق الهادي
إن الأسارى فِي السجون تفرجوا ... لما أتتك مراكب العواد
وغدا لمصرعك الطبيب فلم يجد ... لعلاج ما بك حيلة المرتاد
لا زال فالجك الَّذِي بك دائما ... ومحقت قبل الموت بالأولاد
ورأيت رأسك فِي الجسور منوطا ... فوق الرءوس معلما بسواد
أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال سمعت أَبَا الْحُسَيْن بْن أَبِي الْقَاسِم يَقُولُ سَمِعْتُ أبا يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا الْحُسَيْن بْن الْفَضْل يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْد العزيز بْن يَحْيَى المكي يَقُولُ: دخلت على أَحْمَد بْن أَبِي دؤاد وهو مفلوج فقلت: إني لم آتك عائدا، ولكن جئت لأحمد اللَّه على أنه سجنك فِي جلدك .
أخبرنا أبو الحسين بين بشران المعدّل حدّثنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حدّثنا إسحاق ابن إبراهيم الختلي حدّثنا [أبو] يوسف يعقوب بن موسى بن فيروز ابْن أخي معروف الكرخي. قَالَ: رأيت فِي المنام كأني وأخا لي نمر على نهر عِيسَى على الشط وطرف عمامتي بيد أخي هذا، فبينما نحن نمشي إذا امرأة تقول لصديقي هَذَا: ما تدرى ما حدث الليلة؟ أهلك اللَّه ابْن أَبِي دؤاد. فقلت أنا لها: وما كَانَ سبب هلاكه؟ قالت:
أغضب اللَّه عَلَيْهِ فغضب عَلَيْهِ [اللَّه] من فوق سبع سموات . قَالَ إِسْحَاق وَحَدَّثَنِي يَعْقُوب قَالَ أَخْبَرَنِي بعض أصحابنا. قَالَ: كنت عند سُفْيَان بْن وكيع فَقَالَ:
تدرون ما رأيت الليلة؟ - وكانت الليلة التي رأوا فيها النَّار بِبَغْدَادَ وغيرها- رأيت كَانَ جهنم زفرت فخرج منها اللهب، أو نحو هَذَا الكلام. فقلت: ما هَذَا؟ قَالَ:
أعدت لابن أَبِي دؤاد.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِم الأزهرى أخبرنا أحمد بن إبراهيم حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيم بْن مُحَمَّد بْن عَرَفَةَ الأَزْدِيُّ. قَالَ: سنة أربعين ومائتين فيها مات أَحْمَد بن أبي دؤاد.
أخبرني الصّيمريّ حدّثنا المرزباني أخبرنا محمّد بن يحيى الصولي حَدَّثَنَا المغيرة بْن مُحَمَّد المهلبي. قَالَ: مات أَبُو الوليد مُحَمَّد بْن أَحْمَدَ بْن أَبِي دؤاد- وهو وأبوه منكوبان- فِي ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومائتين ومات أبوه فِي المحرم سنة أربعين ومائتين- يوم السبت لسبع بقين منه- فكان بينه وبين أبيه أَبِي الوليد شهر أو نحوه.
قَالَ الصولي: ودفن فِي داره بِبَغْدَادَ وصلى عَلَيْهِ ابنه الْعَبَّاس.
أحمد بن أبي داود القاضي
وهو أحمد بن أبي داود - اسم أبي داود: فرج - وقيل: دعمي - بن جرير بن مالك بن عبد الله بن عباد بن سلام بن مالك بن عبد هند بن لخم بن مالك بن قنص بن منعة بن برجان بن دوس بن الدئل بن أمية بن حذاقة بن زهر بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان.
قدم دمشق في صحبة المعتصم مجتازاً إلى مصر. حماها الله تعالى.
قال المأمون لأحمد بن أبي داود: ما اسم أبيك؟ قال: هو اسمه. يعني الكنية. والصحيح أن اسمه كنيته. ولي ابن أبي داود قضاء القضاة للمعتصم ثم للواثق، وكان موصوفاً بالجود والسخاء وحسن الخلق ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن.
قال ابن النطاح: أحمد بن أبي داود بن قبيلة يقال لهم بنو زهر إخوة قوم يعرفون بحذاق.
قال الصولي: وذكر أبو تمام الطائي هذا في خطابه لابن أبي داود فقال: من الكامل
فالغيث من زهرٍ سحابة رأفةٍ ... والركن من شيبان طود حديد
لأن ابن أبي داود كان غضب عليه فشفع فيه خالد بن يزيد الشيباني فلتلك قال:
والركن من شيبان ...
وحكى الصولي عن أبي العيناء عنه أنه قال: ولدت سنة ستين ومئة بالبصرة.
قال أبو الهذيل: دخلت على ابن أبي داود وابن أبي حفصة ينشده: من الوافر
فقل للفاخرين على نزارٍ ... ومنها خندفٌ وبنو إياد
رسول الله والخلفاء منا ... ومنا أحمد بن أبي داود
فقال لي أبو عبد الله: كيف تسمع يا أبا الهذيل؟ فقلت: هذا يضع الهناء مواضع النقب.
قال أبو هفان: لما قال مروان بن أبي الجنوب في ابن أبي داود:
رسول الله والخلفاء منا ... ومنا أحمد بن أبي داود
قلت: أنقض عليه:
فقل للفاخرين على نزارٍ ... وهم في الأرض سادات العباد
رسول الله والخلفاء منا ... ونبرأ من دعي بني إياد
وما منا إيادٌ إذ أقرت ... بدعوة أحمد بن أبي داود
وقال ابن أبي داود: ما بلغ مني أحد ما بلغ هذا الغلام المهزمي، لولا أني أكره أن أنبه
عليه لعاقبته عقاباً لم يعاقب أحدٌ مثله، جاء إلى منقبة كانت لي فنقضها عروة بعروة.
قال يعقوب بن أبي إسحاق الصائغ: لما وجه المأمون بأبي إسحاق المعتصم إلى مصر وعقد له من باب الأنبار إلى أقصى الغرب قال ليحيى بن أكثم: ينبغي أن ترتاد لي رجلاً لبيباً، له علم وأمانة، أنفذه مع أبي إسحاق، وأوليه المظالم في أعماله، وأتقدم إليه سراً بمكاتبتي سراً بأخباره وما يجري عليه أموره، وبما يظهر ويبطن، وما يرى من أمور قواده وخاصته، وكيف تدبيره لي الأموال وغيرها، فإني لست أثق بأحد ممن يتولى البريد، وما أحب أن أجشمه بتقليد صاحب البريد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، عندي رجل من أصحابه أثق بعقله ورأيه وصدقه، فقال: جئني به في يوم كذا.
فصار يحيى بأحمد بن أبي داود إلى المأمون فكلمه فوجده فهماً راجحاً فقال له: أريد إنفاذك مع أخي أبي إسحاق وأريد أن تكتب بأخباره سراً وتفتقد أحواله وأموره وتدبيره وخبر خاصته وخلواته، وتنفذ كتبك بذلك إلى يحيى بن أكثم مع ثقاتك، فقال له أحمد: أبلغ لك في ذلك فوق ما قدرته عندي، فجمع المأمون بين أحمد بن أبي داود وبين المعتصم وقال: قد اخترت لك هذا الرجل، فضمه إليك، فأخذه المعتصم. فلما بلغوا الأنبار وافت كتب البريد بموافاة المعتصم بالأنبار، فقال المأمون ليحيى: ترى ما كان من بغداد إلى الأنبار خبر يكتب به صاحبك إليك؟ فقال يحيى: لعله يا أمير المؤمنين لم يحدث خبر تجب المكاتبة به. وكتب يحيى إلى أحمد يعنفه ويخبره إنكار أمير المؤمنين تأخر كتبه، فوقف أحمد على الكتاب واحتفظ به ولم يجب عنه، وشخص المعتصم حتى وافى الرحبة، ولم يكتب أحمد بحرف واحد من أخبار المعتصم، وكتب أصحاب البريد بموافاة المعتصم للرحبة وأخبار عسكره، فتضاعف إنكار المأمون على يحيى، وكتب يحيى إلى أحمد وأغلظ له المخاطبة وأسمعه المكروه، فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وسار المعتصم من الرحبة حتى وافى الرقة فتضاعف إنكار المأمون على يحيى وقال له: يا سخين العين، هذا مقدار رأيك وعقلك اللئيم إلا أن تكون غررتني متعمداً. فكتب إلى أحمد كتاباً يشتمل على كل إيعاد وإرهاب وتحذير وتخويف وخاطبه بأفحش مخاطبة فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وأمر المأمون عمرو بن مسعدة أن يكتب إلى المعتصم يأمره بالبعثة بأحمد بن أبي داود مشدودة يده إلى عنقه مثقلاً بالحديد محمولاً على غير وطاء، فورد الكتاب على المعتصم.
ودخل أحمد بن أبي داود إليه وهم بالرقة ما جاوزوها، فرأى المعتصم كئيباً، مغموماً، فقال: أيها الأمير، أراك مفكراً، وأرى لونك حائلاً. فقال: نعم، الكتاب ورد علي من أجلك، ونبذ إليه بالكتاب، فقرأه أحمد، فقال له المعتصم: تعرف لك ذنباً يوجب ما كتب به أمير المؤمنين؟ قال: ما اقترفت ذنباً، إلا أن أمير المؤمنين لا يستحل هذا مني إلا بحجة، فما الذي عند الأمير فيما كتب به إليه؟ فقال: أمر أمير المؤمنين لا يخالف، لكني أعفيك من الغل والحديد وأحملك على حال لا توهنك، وأوجهك مع غلام من غلماني أتقدم إليه بترفيهك وأن لا يعسفك فشكره وقال: إن رأيت أن تأذن لي في المصير إلى منزلي ومعي من يراعيني إلى أن أعود فافعل. فقال له: امض ووجه معه خادماً، فصار أحمد إلى منزله واستخرج الكتب الثلاثة ورجع إلى المعتصم فأقرأه إياها، وقال: إنما بعثت لأكتب بأخبارك وأتفقد أحوالك، وأكاتب يحيى بذلك ليقرأه على أمير المؤمنين، فخالفت ذلك لما رجوته من الحظوة عندك ولما أملته منك، فاستشاط المعتصم غضباًن وكاد يخرج من ثيابه غيظاً، وتكلم في يحيى بكل مكروه، وتوعده بكل بلاء وقال لأحمد: يا هذا، لقد رعيت لنا رعايةً لم يتقدمها إحساننا إليك، وحفظت علينا ما نرجو أن يتسع لمكافأتك عليه، ومعاذ الله أن أسلمك أو تنالك يد ولي قدرة على منعها منك، أو أوثر خاصة أو حميماً عليك ما امتد بي عمر، فكن معي فأمرك نافذ في كل ما ينفذ فيه أمري، ولم يجب المأمون على كتابه، ولم يزل معه إلى أن ولي الخلافة وإلى أن ولي الواثق وإلى أيام المتوكل، فأوقع به.
نقلته مختصراً.
قال أبو نصر بن ماكولا: داود: بضم الدال المهملة وفتح الواو المخففة: أحمد بن أبي داود قاضي المعتصم والواثق،
كان موصوفاً بجودة الرأي والكرم، وهو الذي امتحن العلماء بالقول في القرآن، وبدعوتهم إلى خلق القرآن.
كان يقال: أكرم من كان في دولة بني العباس البرامكة ثم ابن أبي داود، لولا ما وضع نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عليه ولم يضف إلى كرمه كرم أحدٍ.
وكان شاعراً مجيداً فصيحاً بليغاً.
قال أبو العيناء: ما رأيت رئيساً أفصح ولا أنطق من ابن أبي داود.
حدث حريز بن أحمد بن أبي داود أبو مالك قال: كان أبي إذا صلى رفع يده إلى السماء وخاطب ربه وأنشأ يقول: من الكامل
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لساعة الأوصاب
قال محمد بن بوكرد: لم يكن لقاضي القضاة أحمد بن أبي داود أخ من الإخوان إلا بنى له داراً على قدر كفايته، ثم وقف على ولد الإخوان ما يغنيهم أبداً، ولم يكن لأحد من إخوانه ولد إلا من جاريةٍ هو وهبها له.
دخل أبو تمام الطائي على أحمد بن أبي داود فقال له: أحسبك عاتباً يا أبا تمام؟ قال: إنما يعتب على واحدٍ، وأنت الناس جميعاً فكيف يعتب عليك؟ فقال من أين هذه يا أبا تمام؟ قال: من قول الحاذق - يعني: أبا نواس - للفضل بن الربيع: من السريع
وليس لله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالم في واحد
قال علي الرازي: رأيت أبا تمام عند ابن أبي داود، ومعه رجل ينشد عنه: من الوافر
لقد أنست مساوىء كل دهرٍ ... محاسن أحمد بن أبي داود
وما سافرت في الآفاق إلا ... ومن جدواك راحلتي وزادي
يقيم الظن عندك والأماني ... وإن قلقت ركابي في البلاد
فقال ابن أبي داود: هذا المعنى تفردت به أو أخذته؟ قال: هو لي وقد ألمحت فيه بقول أبي نواس: من الطويل
وإن جرت الألفاظ يوماً بمدحةٍ ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني
قال مسبح بن حاتم: لقيني قاضي القضاة أحمد بن أبي داود فقال بعد أن سلم علي: ما يمنعك أن تسألني؟ فقلت له: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني. فقال لي: صدقت. وأنفذ إلي خمسة آلاف درهم.
قال أبو خليفة الفضل بن الحباب:
كان في جوارنا رجل حذاء فاحتاج في أمر له أن يتظلم إلى الواثق، فأخبرنا أنه رفع قصته إليه فأمر برده إلى ابن أبي داود مع جماعة من المتظلمين قال: فحضرت إليه ينظر في أمور الناس، وتشوقت لينظر في أمري فأومأ إلي بالانتظار، فانتظرت حتى لم يبق أحدٌ فقال لي: أتعرفني؟ قلت: ولا أنكر القاضي. قال: ولكني أعرفك، مضيت يوماً في الخلاء فانقطعت نعلي وأعطيتني شسعاً لها، فقلت لك: إني أجيئك بثواب ذلك، فتكرهت قولي، وقلت: وما مقدار ما فعلت، امض في حفظ الله، والله لأصلحن زمانك كما أصلحت نعلي ثم وقع لي في ظلامتي ووهب لي خمس مئة درهم، وقال: زرني في كل وقت. قال: فرأيناه بمتسع الحال بعد أن رأيناه مضيقاً.
حدث أبو مالك حريز بن أحمد بن أبي داود قال: قال الواثق يوماً لأبي تضجراً بكثرة حوائجه: يا أحمد، قد اختلت بيوت الأموال بطلباتك، اللائذين بك والمتوسلين إليك فقال: يا أمير المؤمنين، نتائج شكرها متصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلا عشق اتصال الألسن بحلو المدح فيك. فقال: يا أبا عبد الله،، والله لا منعناك ما يزيد في عشقك، ويقوي من همتك، فتناولنا بما أحببت.
قال الحارث بن أسامة: أمر الواثق لعشرة من بني هاشم بعشرة آلاف درهم على يد ابن أبي داود، فدفعها إليهم فكلمه نظراؤهم ففرق فيهم عشرة آلاف درهم لعشرة مثل أولئك من عنده على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك فقال له: يا أبا عبد الله، مالنا أكثر من مالك فلم تغرم وتضيف ذلك إلينا؟ فقال: والله، يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك وأجهد في عمل غيرها لفعلت، وكيف أبخل بمالٍ أنت ملكتنيه على أهلك الذين يكثرون الشكر، ويتضاعف بهم الأجر؟ قال: فوصله بمئة ألف درهم ففرق جميعها في بني هاشم.
قال محمد بن عمرو الرومي: ما رأيت قط أجمع رأياً من ابن أبي داود، ولا أحضر حجةً، قال له الواثق: يا عبد الله، رفعت إلي رقة وفيها كذبٌ كبيرٌ، قال: ليس بعجبٍ أن أحسد على منزلتي من أمير المؤمنين، فيكذب علي قال: زعموا فيها أنك وليت القضاء رجلاً ضريراً. قال: قد كان ذاك، وأمرته أن يستخلف، وكنت عازماً على عزله حين أصيب ببصره، فبلغني أنه عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت ذلك له.
قال: وفيها أنك أعطيت شاعراً ألف دينار - يعني أبا تمام - قال: ما كان ذلك ولكن أعطيته دونها، وقد أثاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بن زهير الشاعر، وقال في آخر: اقطع عني لسانه. وهذا شاعر طائيٌّ مداحٌ لأمير المؤمنين مصيب محسن لو لم أرع له إلا قوله للمعتصم صلوات الله عليه في أمير المؤمنين أعزه الله: من الكامل
واشدد بهارون الخلافة إنه ... سكنٌ لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بأن ذلك معصمٌ ... ما كنت تتركه بغير سوار
قال: فوصل أبا تمام بخمس مئة دينار.
قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: قال أبو تمام حبيب بن أوس: من الوافر
أيسلبني ثراء المال ربي ... وأطلب ذاك من كفٍّ جماد
زعمت إذاً بأن الجود أمسى ... له ربٌّ سوى ابن أبي داود
قال ابن الأعرابي: سأل رجلٌ قاضي القضاة أحمد بن أبي داود أن يحمله على عير فقال: يا غلام، أعطه عيراً وبغلاً وبرذوناً وفرساً وجارية ثم قال: أما والله لو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتك.
قال أبو العيناء: ما رأيت في الدنيا أحداً أحرص على أدب من ابن أبي داود، ولا أقوم على أدب منه، وذلك أني ما خرجت من عنده يوماً قط فقال: يا غلام خذ بيده، بل كان يقول: يا غلام اخرج معه، فكنت أنتقد هذه الكلمة عليه، فلا يخل بها ولا أسمعها من غيره.
قال عون بن محمد الكندي:
عهدي بالكرخ ببغداد وإن رجلاً لو قال: ابن أبي داود مسلم قتل في مكانه، ثم وقع الحريق في الكرخ وهو الذي ما كان مثله قط، فكلم ابن أبي داود المعتصم في الناس وقال: يا أمير المؤمنين، رعيتك في بلد آبائك ودار ملكهم نزل بهم هذا الأمر فاعطف عليهم بشيء يفرق فيهم يمسك أرماقهم ويبنون به ما انهدم عليهم، ويصلحون به أحوالهم، فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم فقال: يا أمير المؤمنين، إن فرقها عليهم غيري خفت ألا تقسم بالسوية فائذن لي في تولي أمرها ليكون الأجر أكبر والثناء أوفر. قال: ذلك إليك، فقسمها على مقادير الناس وما ذهب منهم نهاية ما يقدر عليه من الاحتياط واحتاج إلى زيادة فازدادها من المعتصم. وغرم من ماله في ذلك غرماً كبيراً، فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها.
قال عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك وإن إنساناً لو قال: زر ابن أبي داود وسخ لقتل.
حدث علي بن الحسين الاسكافي قال: اعتل أحمد بن أبي داود فعاده المعتصم فقام فتلقاه وقال له: قد شفاني الله بالنظر إلى أمير المؤمنين، فدعا له بالعافية وقال له: إني نذرت إن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف
دينار فقال له: يا أمير المؤمنين، اجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتاً، فقال: نويت أن أتصدق بها ها هنا، وأنا أطلق لأهل لأهل الحرمين مثلها، ثم نهض فقال له: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين، فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد: من البسيط
إن المكارم والمعروف أوديةٌ ... أحلك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصماً ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم في ذلك لأنه عاده وليس يعود إخوته وأخلاء أهله فقال المعتصم: كيف لا أعود رجلاً ما وقعت عيني عليه قط إلا ساق إلي أجراً، أو أوجب لي شكراًن أو أفادني فائدة تنفعني في ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط.
قال محمد بن عبد الملك الزيات: كان رجلٌ من ولد عمر بن الخطاب لا يلقى أحمد بن أبي داود في محفلٍ ولا وحده إلا لعنه ودعا عليه، وابن أبي داود لا يرد عليه شيئاً. قال: فعرضت لذلك الرجل حاجة إلى المعتصم فسألني أن أرفع له قصته إليه، فمطلته واتقيت ابن أبي داود، فلما ألح علي عزمت على أن أوصل قصته، وتذممت من مطلبي. فدخلت ذات يوم على المعتصم وقصته معي واغتنمت غيبة ابن أبي داود فرفعت قصته إليه، فهو يقرأها إذ دخل ابن أبي داود والقصة في يد المعتصم، فلما قرأها دفعها إلى ابن أبي داود، فلما نظر إليها، واسم الرجل في أولها قال: يا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، يا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، ينبغي أن يقضى لولده كل حاجة له، فوقع له أمير المؤمنين بقضاء الحاجة.
قال محمد بن عبد الملك: فخرجت والرجل جالس فدفعت إليه القصة وقلت له: تشكر لأبي عبد الله القاضي فهو الذي اعتنق قصتك وسأل أمير المؤمنين في قضاء حاجتك. قال: فوقف حتى خرج ابن أبي داود، فجعل يدعو له ويتشكر له فقال له: اذهب عافاك الله فإني إنما فعلت ذلك لعمر بن الخطاب لا لك.
قال إسحاق بن إبراهيم: كنت عند الواثق يوماً، وهو بالنجف، فدخل ابن أبي داود، فقعد معنا نتحدث ولم
يك خرج الواثق بعد، فقال لي أحمد بن أبي داود: يا إسحاق قلت: لبيك، قال: أعجبني هذان البيتان، قلت: أنشدني فما أعجبك من شيء ففيه السرور، فأنشدني: من الطويل
ولي نظرةٌ لو كان يحبل ناظرٌ ... بنظرته أنثى لقد حبلت مني
فإن ولدت ما بين تسعة أشهرٍ ... إلى نظري أنثى فإن ابنها ابني
فقلت: قد أجاد، ولكني أنشدك بيتين أرجو أن يعجباك قال: هات، فأنشدته من الطويل
ولما رمت بالطرف غيري ظننتها ... كما أثرت بالطرف توثر بالقلب
وإني بها في كل حالٍ لواثقٌ ... ولكن سوء الظن من شدة الحب
قال: أحسنت يا إسحاق وخرج الواثق فقال: فيم أنتم! فحدثه ابن أبي داود وأنشده، فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمر لابن أبي داود بثلاثين ألفاً، فلما رجعت إلى منزلي أصبت في منزلي أربعين ألفاً فقلت: ما هذا؟ فقيل وجه إليك أبو عبد الله بهذا.
قال الحسن بن خضر:
كان ابن أبي داود مألفاً لأهل الأدب من أي بلد كانوا، وكان قد ضم إليه جماعة يعولهم ويمونهم. فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم فقالوا: يدفن من كان على ساقة الكرم وتاريخ الأدب ولا نتكلم فيه؟ إن هذا لوهنٌ وتقصيرٌ، فلما طلع سريره قام ثلاثة نفر فقال أحدهم: من البسيط
اليوم مات نظام الفهم واللسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المعارف في غيمٍ من الكفن
وتقدم الثاني فقال: من الكامل
ترك المنابر والسري تواضعاً ... وله منابر لو يشا وسرير
ولغيره يجبى الخراج وإنما ... تجبى إليه محامدٌ وأجور
وقام الثالث فقال: من الطويل
وليس نسيم المسك ريح حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنها أصلاب قومٍ تقصف
قال الحسن بن ثواب: سألت أحمد بن حنبل عمن يقول القرآن مخلوق قال: كافر. قلت فابن أبي داود؟ قال: كافر بالله العظيم. قلت: بماذا كفر؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال الله تعالى: " ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم " فالقرآن من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم.
قال علي بن الموفق: ناظرت قوماً أيام المحنة. قال: فنالوني بما أكره، فعدت إلى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدمت إلي امرأتي عشاء، فقلت لها: لست آكل، فرفعته، ونمت فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم داخل المسجد وفي المسجد حلقتان يعني: إحداهما فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي داود وأصحابه، فوقف بين الحلقتين وأشار بيده فقال: " فإن يكفر بها هؤلاء " وأشار إلى حلقة ابن أبي داود " فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين " وأشار إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل.
قال محمد بن يحيى الصولي: كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي داود ويستحيي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس، فلما فلج أحمد ابن أبي داود في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومئتين أول ما ولي المتوكل الخلافة ولى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومئتين، ووكل بضياعه وضياع أبيه ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي داود وابنه بشراء ضياعهم وحدرهم إلى بغداد، وولى يحيى بن أكثر ما كان إلى ابن أبي داود.
وهجاهما علي بن الجهم وغيره.
قال محمد بن الواثق الذي يقال له المهتدي بالله:
كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلاً أحضرنا ذلك المجلس، فأتي بشيخ محصوب مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه - يعني ابن أبي داود - قال: فأدخل الشيخ في مصلاه. قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك مؤدبك. قال الله تعالى: " وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها " والله ما حييتني بها ولا أحسن منها. فقال ابن أبي داود: يا أمير المؤمنين، الرجل متكلم، فقال له: كلمه. فقال: يا شيخ ما تقول في القرآن؟ قال الشيخ: لم تنصفني - يعني ولي السؤال - فقال له: سل، فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه فقال: سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟!. قال: فخجل، وقال: أقلني. قال: والمسألة بحالها قال: نعم، قال: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه؟. فقال: علموه ولم يدعوا الناس إليه قال: أفلا وسعك ما وسعهم. قال: ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت، سبحان الله شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم دعا عماراً الحاجب فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربع مئة دينار، ويأذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي داود ولم يمتحن بعد ذلك أحداً.
ومما قيل في ابن أبي داود: من الوافر
إلى كم تجعل الأعراب طراً ... ذوي الأرحام منك بكل واد
تضم على لصوصهم جناحاً ... لتثبت دعوة لك في إياد
فأقسم أن رحمك في إيادٍ ... كرحم بني أمية من زياد
قال عبد العزيز بن يحيى المكي: دخلت على أحمد بن أبي داود، وهو مفلوج، فقلت: إني لم آتك عائداً، ولكني جئت لأحمد الله على أن سجنك في جلدك.
قال أبو يوسف يعقوب بن موسى بن الفيرزان ابن أخي معروف الكرخي قال: رأيت في المنام كأني وأخاً لي نمر على نهر عيسى على الشط، وطرف عمامتي بيد أخي هذا، فبينا نحن نمشي إذ امرأة تقول لصديقي هذا: ما تدري ما حدث الليلة؟ أهلك الله ابن أبي داود. فقلت أنا لها: وما كان سبب هلاكه؟ قالت: أغضب الله عليه فغضب عليه من فوق سبع سماوات.
قال يوماً سفيان بن وكيع لأصحابه: تدرون ما رأيت الليلة؟ وكانت الليلة التي رأوا فيها النار ببغداد وغيرها، قال: رأيت كأن جهنم زفرت فخرج منها اللهب، أو نحو هذا الكلام. فقلت: ما هذا؟ قال: أعدت لابن أبي داود.
قال المغيرة بن محمد المهلبي: مات أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي داود - وهو وأبوه منكوبان - في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومئتين، ومات أبوه في المحرم سنة أربعين ومئتين يوم السبت لتسع بقين منه فكان بينه وبين ابنه شهر أو نحوه، ودفن في داره ببغداد وصلى عليه ابنه العباس.
وهو أحمد بن أبي داود - اسم أبي داود: فرج - وقيل: دعمي - بن جرير بن مالك بن عبد الله بن عباد بن سلام بن مالك بن عبد هند بن لخم بن مالك بن قنص بن منعة بن برجان بن دوس بن الدئل بن أمية بن حذاقة بن زهر بن إياد بن نزار بن معد بن عدنان.
قدم دمشق في صحبة المعتصم مجتازاً إلى مصر. حماها الله تعالى.
قال المأمون لأحمد بن أبي داود: ما اسم أبيك؟ قال: هو اسمه. يعني الكنية. والصحيح أن اسمه كنيته. ولي ابن أبي داود قضاء القضاة للمعتصم ثم للواثق، وكان موصوفاً بالجود والسخاء وحسن الخلق ووفور الأدب، غير أنه أعلن بمذهب الجهمية، وحمل السلطان على امتحان الناس بخلق القرآن.
قال ابن النطاح: أحمد بن أبي داود بن قبيلة يقال لهم بنو زهر إخوة قوم يعرفون بحذاق.
قال الصولي: وذكر أبو تمام الطائي هذا في خطابه لابن أبي داود فقال: من الكامل
فالغيث من زهرٍ سحابة رأفةٍ ... والركن من شيبان طود حديد
لأن ابن أبي داود كان غضب عليه فشفع فيه خالد بن يزيد الشيباني فلتلك قال:
والركن من شيبان ...
وحكى الصولي عن أبي العيناء عنه أنه قال: ولدت سنة ستين ومئة بالبصرة.
قال أبو الهذيل: دخلت على ابن أبي داود وابن أبي حفصة ينشده: من الوافر
فقل للفاخرين على نزارٍ ... ومنها خندفٌ وبنو إياد
رسول الله والخلفاء منا ... ومنا أحمد بن أبي داود
فقال لي أبو عبد الله: كيف تسمع يا أبا الهذيل؟ فقلت: هذا يضع الهناء مواضع النقب.
قال أبو هفان: لما قال مروان بن أبي الجنوب في ابن أبي داود:
رسول الله والخلفاء منا ... ومنا أحمد بن أبي داود
قلت: أنقض عليه:
فقل للفاخرين على نزارٍ ... وهم في الأرض سادات العباد
رسول الله والخلفاء منا ... ونبرأ من دعي بني إياد
وما منا إيادٌ إذ أقرت ... بدعوة أحمد بن أبي داود
وقال ابن أبي داود: ما بلغ مني أحد ما بلغ هذا الغلام المهزمي، لولا أني أكره أن أنبه
عليه لعاقبته عقاباً لم يعاقب أحدٌ مثله، جاء إلى منقبة كانت لي فنقضها عروة بعروة.
قال يعقوب بن أبي إسحاق الصائغ: لما وجه المأمون بأبي إسحاق المعتصم إلى مصر وعقد له من باب الأنبار إلى أقصى الغرب قال ليحيى بن أكثم: ينبغي أن ترتاد لي رجلاً لبيباً، له علم وأمانة، أنفذه مع أبي إسحاق، وأوليه المظالم في أعماله، وأتقدم إليه سراً بمكاتبتي سراً بأخباره وما يجري عليه أموره، وبما يظهر ويبطن، وما يرى من أمور قواده وخاصته، وكيف تدبيره لي الأموال وغيرها، فإني لست أثق بأحد ممن يتولى البريد، وما أحب أن أجشمه بتقليد صاحب البريد عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، عندي رجل من أصحابه أثق بعقله ورأيه وصدقه، فقال: جئني به في يوم كذا.
فصار يحيى بأحمد بن أبي داود إلى المأمون فكلمه فوجده فهماً راجحاً فقال له: أريد إنفاذك مع أخي أبي إسحاق وأريد أن تكتب بأخباره سراً وتفتقد أحواله وأموره وتدبيره وخبر خاصته وخلواته، وتنفذ كتبك بذلك إلى يحيى بن أكثم مع ثقاتك، فقال له أحمد: أبلغ لك في ذلك فوق ما قدرته عندي، فجمع المأمون بين أحمد بن أبي داود وبين المعتصم وقال: قد اخترت لك هذا الرجل، فضمه إليك، فأخذه المعتصم. فلما بلغوا الأنبار وافت كتب البريد بموافاة المعتصم بالأنبار، فقال المأمون ليحيى: ترى ما كان من بغداد إلى الأنبار خبر يكتب به صاحبك إليك؟ فقال يحيى: لعله يا أمير المؤمنين لم يحدث خبر تجب المكاتبة به. وكتب يحيى إلى أحمد يعنفه ويخبره إنكار أمير المؤمنين تأخر كتبه، فوقف أحمد على الكتاب واحتفظ به ولم يجب عنه، وشخص المعتصم حتى وافى الرحبة، ولم يكتب أحمد بحرف واحد من أخبار المعتصم، وكتب أصحاب البريد بموافاة المعتصم للرحبة وأخبار عسكره، فتضاعف إنكار المأمون على يحيى، وكتب يحيى إلى أحمد وأغلظ له المخاطبة وأسمعه المكروه، فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وسار المعتصم من الرحبة حتى وافى الرقة فتضاعف إنكار المأمون على يحيى وقال له: يا سخين العين، هذا مقدار رأيك وعقلك اللئيم إلا أن تكون غررتني متعمداً. فكتب إلى أحمد كتاباً يشتمل على كل إيعاد وإرهاب وتحذير وتخويف وخاطبه بأفحش مخاطبة فورد الكتاب على أحمد فقرأه واحتفظ به.
وأمر المأمون عمرو بن مسعدة أن يكتب إلى المعتصم يأمره بالبعثة بأحمد بن أبي داود مشدودة يده إلى عنقه مثقلاً بالحديد محمولاً على غير وطاء، فورد الكتاب على المعتصم.
ودخل أحمد بن أبي داود إليه وهم بالرقة ما جاوزوها، فرأى المعتصم كئيباً، مغموماً، فقال: أيها الأمير، أراك مفكراً، وأرى لونك حائلاً. فقال: نعم، الكتاب ورد علي من أجلك، ونبذ إليه بالكتاب، فقرأه أحمد، فقال له المعتصم: تعرف لك ذنباً يوجب ما كتب به أمير المؤمنين؟ قال: ما اقترفت ذنباً، إلا أن أمير المؤمنين لا يستحل هذا مني إلا بحجة، فما الذي عند الأمير فيما كتب به إليه؟ فقال: أمر أمير المؤمنين لا يخالف، لكني أعفيك من الغل والحديد وأحملك على حال لا توهنك، وأوجهك مع غلام من غلماني أتقدم إليه بترفيهك وأن لا يعسفك فشكره وقال: إن رأيت أن تأذن لي في المصير إلى منزلي ومعي من يراعيني إلى أن أعود فافعل. فقال له: امض ووجه معه خادماً، فصار أحمد إلى منزله واستخرج الكتب الثلاثة ورجع إلى المعتصم فأقرأه إياها، وقال: إنما بعثت لأكتب بأخبارك وأتفقد أحوالك، وأكاتب يحيى بذلك ليقرأه على أمير المؤمنين، فخالفت ذلك لما رجوته من الحظوة عندك ولما أملته منك، فاستشاط المعتصم غضباًن وكاد يخرج من ثيابه غيظاً، وتكلم في يحيى بكل مكروه، وتوعده بكل بلاء وقال لأحمد: يا هذا، لقد رعيت لنا رعايةً لم يتقدمها إحساننا إليك، وحفظت علينا ما نرجو أن يتسع لمكافأتك عليه، ومعاذ الله أن أسلمك أو تنالك يد ولي قدرة على منعها منك، أو أوثر خاصة أو حميماً عليك ما امتد بي عمر، فكن معي فأمرك نافذ في كل ما ينفذ فيه أمري، ولم يجب المأمون على كتابه، ولم يزل معه إلى أن ولي الخلافة وإلى أن ولي الواثق وإلى أيام المتوكل، فأوقع به.
نقلته مختصراً.
قال أبو نصر بن ماكولا: داود: بضم الدال المهملة وفتح الواو المخففة: أحمد بن أبي داود قاضي المعتصم والواثق،
كان موصوفاً بجودة الرأي والكرم، وهو الذي امتحن العلماء بالقول في القرآن، وبدعوتهم إلى خلق القرآن.
كان يقال: أكرم من كان في دولة بني العباس البرامكة ثم ابن أبي داود، لولا ما وضع نفسه من محبة المحنة لاجتمعت الألسن عليه ولم يضف إلى كرمه كرم أحدٍ.
وكان شاعراً مجيداً فصيحاً بليغاً.
قال أبو العيناء: ما رأيت رئيساً أفصح ولا أنطق من ابن أبي داود.
حدث حريز بن أحمد بن أبي داود أبو مالك قال: كان أبي إذا صلى رفع يده إلى السماء وخاطب ربه وأنشأ يقول: من الكامل
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لساعة الأوصاب
قال محمد بن بوكرد: لم يكن لقاضي القضاة أحمد بن أبي داود أخ من الإخوان إلا بنى له داراً على قدر كفايته، ثم وقف على ولد الإخوان ما يغنيهم أبداً، ولم يكن لأحد من إخوانه ولد إلا من جاريةٍ هو وهبها له.
دخل أبو تمام الطائي على أحمد بن أبي داود فقال له: أحسبك عاتباً يا أبا تمام؟ قال: إنما يعتب على واحدٍ، وأنت الناس جميعاً فكيف يعتب عليك؟ فقال من أين هذه يا أبا تمام؟ قال: من قول الحاذق - يعني: أبا نواس - للفضل بن الربيع: من السريع
وليس لله بمستنكرٍ ... أن يجمع العالم في واحد
قال علي الرازي: رأيت أبا تمام عند ابن أبي داود، ومعه رجل ينشد عنه: من الوافر
لقد أنست مساوىء كل دهرٍ ... محاسن أحمد بن أبي داود
وما سافرت في الآفاق إلا ... ومن جدواك راحلتي وزادي
يقيم الظن عندك والأماني ... وإن قلقت ركابي في البلاد
فقال ابن أبي داود: هذا المعنى تفردت به أو أخذته؟ قال: هو لي وقد ألمحت فيه بقول أبي نواس: من الطويل
وإن جرت الألفاظ يوماً بمدحةٍ ... لغيرك إنساناً فأنت الذي نعني
قال مسبح بن حاتم: لقيني قاضي القضاة أحمد بن أبي داود فقال بعد أن سلم علي: ما يمنعك أن تسألني؟ فقلت له: إذا سألتك فقد أعطيتك ثمن ما أعطيتني. فقال لي: صدقت. وأنفذ إلي خمسة آلاف درهم.
قال أبو خليفة الفضل بن الحباب:
كان في جوارنا رجل حذاء فاحتاج في أمر له أن يتظلم إلى الواثق، فأخبرنا أنه رفع قصته إليه فأمر برده إلى ابن أبي داود مع جماعة من المتظلمين قال: فحضرت إليه ينظر في أمور الناس، وتشوقت لينظر في أمري فأومأ إلي بالانتظار، فانتظرت حتى لم يبق أحدٌ فقال لي: أتعرفني؟ قلت: ولا أنكر القاضي. قال: ولكني أعرفك، مضيت يوماً في الخلاء فانقطعت نعلي وأعطيتني شسعاً لها، فقلت لك: إني أجيئك بثواب ذلك، فتكرهت قولي، وقلت: وما مقدار ما فعلت، امض في حفظ الله، والله لأصلحن زمانك كما أصلحت نعلي ثم وقع لي في ظلامتي ووهب لي خمس مئة درهم، وقال: زرني في كل وقت. قال: فرأيناه بمتسع الحال بعد أن رأيناه مضيقاً.
حدث أبو مالك حريز بن أحمد بن أبي داود قال: قال الواثق يوماً لأبي تضجراً بكثرة حوائجه: يا أحمد، قد اختلت بيوت الأموال بطلباتك، اللائذين بك والمتوسلين إليك فقال: يا أمير المؤمنين، نتائج شكرها متصلة بك، وذخائر أجرها مكتوبة لك، وما لي من ذلك إلا عشق اتصال الألسن بحلو المدح فيك. فقال: يا أبا عبد الله،، والله لا منعناك ما يزيد في عشقك، ويقوي من همتك، فتناولنا بما أحببت.
قال الحارث بن أسامة: أمر الواثق لعشرة من بني هاشم بعشرة آلاف درهم على يد ابن أبي داود، فدفعها إليهم فكلمه نظراؤهم ففرق فيهم عشرة آلاف درهم لعشرة مثل أولئك من عنده على أنها من عند الواثق، فبلغه ذلك فقال له: يا أبا عبد الله، مالنا أكثر من مالك فلم تغرم وتضيف ذلك إلينا؟ فقال: والله، يا أمير المؤمنين لو أمكنني أن أجعل ثواب حسناتي لك وأجهد في عمل غيرها لفعلت، وكيف أبخل بمالٍ أنت ملكتنيه على أهلك الذين يكثرون الشكر، ويتضاعف بهم الأجر؟ قال: فوصله بمئة ألف درهم ففرق جميعها في بني هاشم.
قال محمد بن عمرو الرومي: ما رأيت قط أجمع رأياً من ابن أبي داود، ولا أحضر حجةً، قال له الواثق: يا عبد الله، رفعت إلي رقة وفيها كذبٌ كبيرٌ، قال: ليس بعجبٍ أن أحسد على منزلتي من أمير المؤمنين، فيكذب علي قال: زعموا فيها أنك وليت القضاء رجلاً ضريراً. قال: قد كان ذاك، وأمرته أن يستخلف، وكنت عازماً على عزله حين أصيب ببصره، فبلغني أنه عمي من بكائه على أمير المؤمنين المعتصم، فحفظت ذلك له.
قال: وفيها أنك أعطيت شاعراً ألف دينار - يعني أبا تمام - قال: ما كان ذلك ولكن أعطيته دونها، وقد أثاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعب بن زهير الشاعر، وقال في آخر: اقطع عني لسانه. وهذا شاعر طائيٌّ مداحٌ لأمير المؤمنين مصيب محسن لو لم أرع له إلا قوله للمعتصم صلوات الله عليه في أمير المؤمنين أعزه الله: من الكامل
واشدد بهارون الخلافة إنه ... سكنٌ لوحشتها ودار قرار
ولقد علمت بأن ذلك معصمٌ ... ما كنت تتركه بغير سوار
قال: فوصل أبا تمام بخمس مئة دينار.
قال أبو بكر محمد بن يحيى الصولي: قال أبو تمام حبيب بن أوس: من الوافر
أيسلبني ثراء المال ربي ... وأطلب ذاك من كفٍّ جماد
زعمت إذاً بأن الجود أمسى ... له ربٌّ سوى ابن أبي داود
قال ابن الأعرابي: سأل رجلٌ قاضي القضاة أحمد بن أبي داود أن يحمله على عير فقال: يا غلام، أعطه عيراً وبغلاً وبرذوناً وفرساً وجارية ثم قال: أما والله لو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتك.
قال أبو العيناء: ما رأيت في الدنيا أحداً أحرص على أدب من ابن أبي داود، ولا أقوم على أدب منه، وذلك أني ما خرجت من عنده يوماً قط فقال: يا غلام خذ بيده، بل كان يقول: يا غلام اخرج معه، فكنت أنتقد هذه الكلمة عليه، فلا يخل بها ولا أسمعها من غيره.
قال عون بن محمد الكندي:
عهدي بالكرخ ببغداد وإن رجلاً لو قال: ابن أبي داود مسلم قتل في مكانه، ثم وقع الحريق في الكرخ وهو الذي ما كان مثله قط، فكلم ابن أبي داود المعتصم في الناس وقال: يا أمير المؤمنين، رعيتك في بلد آبائك ودار ملكهم نزل بهم هذا الأمر فاعطف عليهم بشيء يفرق فيهم يمسك أرماقهم ويبنون به ما انهدم عليهم، ويصلحون به أحوالهم، فلم يزل ينازله حتى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم فقال: يا أمير المؤمنين، إن فرقها عليهم غيري خفت ألا تقسم بالسوية فائذن لي في تولي أمرها ليكون الأجر أكبر والثناء أوفر. قال: ذلك إليك، فقسمها على مقادير الناس وما ذهب منهم نهاية ما يقدر عليه من الاحتياط واحتاج إلى زيادة فازدادها من المعتصم. وغرم من ماله في ذلك غرماً كبيراً، فكانت هذه من فضائله التي لم يكن لأحد مثلها.
قال عون: فلعهدي بالكرخ بعد ذلك وإن إنساناً لو قال: زر ابن أبي داود وسخ لقتل.
حدث علي بن الحسين الاسكافي قال: اعتل أحمد بن أبي داود فعاده المعتصم فقام فتلقاه وقال له: قد شفاني الله بالنظر إلى أمير المؤمنين، فدعا له بالعافية وقال له: إني نذرت إن عافاك الله أن أتصدق بعشرة آلاف
دينار فقال له: يا أمير المؤمنين، اجعلها لأهل الحرمين فقد لقوا من غلاء الأسعار عنتاً، فقال: نويت أن أتصدق بها ها هنا، وأنا أطلق لأهل لأهل الحرمين مثلها، ثم نهض فقال له: أمتع الله الإسلام وأهله ببقائك يا أمير المؤمنين، فإنك كما قال النمري لأبيك الرشيد: من البسيط
إن المكارم والمعروف أوديةٌ ... أحلك الله منها حيث تجتمع
من لم يكن بأمين الله معتصماً ... فليس بالصلوات الخمس ينتفع
فقيل للمعتصم في ذلك لأنه عاده وليس يعود إخوته وأخلاء أهله فقال المعتصم: كيف لا أعود رجلاً ما وقعت عيني عليه قط إلا ساق إلي أجراً، أو أوجب لي شكراًن أو أفادني فائدة تنفعني في ديني ودنياي، وما سألني حاجة لنفسه قط.
قال محمد بن عبد الملك الزيات: كان رجلٌ من ولد عمر بن الخطاب لا يلقى أحمد بن أبي داود في محفلٍ ولا وحده إلا لعنه ودعا عليه، وابن أبي داود لا يرد عليه شيئاً. قال: فعرضت لذلك الرجل حاجة إلى المعتصم فسألني أن أرفع له قصته إليه، فمطلته واتقيت ابن أبي داود، فلما ألح علي عزمت على أن أوصل قصته، وتذممت من مطلبي. فدخلت ذات يوم على المعتصم وقصته معي واغتنمت غيبة ابن أبي داود فرفعت قصته إليه، فهو يقرأها إذ دخل ابن أبي داود والقصة في يد المعتصم، فلما قرأها دفعها إلى ابن أبي داود، فلما نظر إليها، واسم الرجل في أولها قال: يا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، يا أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، ينبغي أن يقضى لولده كل حاجة له، فوقع له أمير المؤمنين بقضاء الحاجة.
قال محمد بن عبد الملك: فخرجت والرجل جالس فدفعت إليه القصة وقلت له: تشكر لأبي عبد الله القاضي فهو الذي اعتنق قصتك وسأل أمير المؤمنين في قضاء حاجتك. قال: فوقف حتى خرج ابن أبي داود، فجعل يدعو له ويتشكر له فقال له: اذهب عافاك الله فإني إنما فعلت ذلك لعمر بن الخطاب لا لك.
قال إسحاق بن إبراهيم: كنت عند الواثق يوماً، وهو بالنجف، فدخل ابن أبي داود، فقعد معنا نتحدث ولم
يك خرج الواثق بعد، فقال لي أحمد بن أبي داود: يا إسحاق قلت: لبيك، قال: أعجبني هذان البيتان، قلت: أنشدني فما أعجبك من شيء ففيه السرور، فأنشدني: من الطويل
ولي نظرةٌ لو كان يحبل ناظرٌ ... بنظرته أنثى لقد حبلت مني
فإن ولدت ما بين تسعة أشهرٍ ... إلى نظري أنثى فإن ابنها ابني
فقلت: قد أجاد، ولكني أنشدك بيتين أرجو أن يعجباك قال: هات، فأنشدته من الطويل
ولما رمت بالطرف غيري ظننتها ... كما أثرت بالطرف توثر بالقلب
وإني بها في كل حالٍ لواثقٌ ... ولكن سوء الظن من شدة الحب
قال: أحسنت يا إسحاق وخرج الواثق فقال: فيم أنتم! فحدثه ابن أبي داود وأنشده، فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمر لابن أبي داود بثلاثين ألفاً، فلما رجعت إلى منزلي أصبت في منزلي أربعين ألفاً فقلت: ما هذا؟ فقيل وجه إليك أبو عبد الله بهذا.
قال الحسن بن خضر:
كان ابن أبي داود مألفاً لأهل الأدب من أي بلد كانوا، وكان قد ضم إليه جماعة يعولهم ويمونهم. فلما مات اجتمع ببابه جماعة منهم فقالوا: يدفن من كان على ساقة الكرم وتاريخ الأدب ولا نتكلم فيه؟ إن هذا لوهنٌ وتقصيرٌ، فلما طلع سريره قام ثلاثة نفر فقال أحدهم: من البسيط
اليوم مات نظام الفهم واللسن ... ومات من كان يستعدى على الزمن
وأظلمت سبل الآداب إذ حجبت ... شمس المعارف في غيمٍ من الكفن
وتقدم الثاني فقال: من الكامل
ترك المنابر والسري تواضعاً ... وله منابر لو يشا وسرير
ولغيره يجبى الخراج وإنما ... تجبى إليه محامدٌ وأجور
وقام الثالث فقال: من الطويل
وليس نسيم المسك ريح حنوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلف
وليس صرير النعش ما تسمعونه ... ولكنها أصلاب قومٍ تقصف
قال الحسن بن ثواب: سألت أحمد بن حنبل عمن يقول القرآن مخلوق قال: كافر. قلت فابن أبي داود؟ قال: كافر بالله العظيم. قلت: بماذا كفر؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال الله تعالى: " ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم " فالقرآن من علم الله، فمن زعم أن علم الله مخلوق فهو كافر بالله العظيم.
قال علي بن الموفق: ناظرت قوماً أيام المحنة. قال: فنالوني بما أكره، فعدت إلى منزلي وأنا مغموم بذلك، فقدمت إلي امرأتي عشاء، فقلت لها: لست آكل، فرفعته، ونمت فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم داخل المسجد وفي المسجد حلقتان يعني: إحداهما فيها أحمد بن حنبل وأصحابه، والأخرى فيها ابن أبي داود وأصحابه، فوقف بين الحلقتين وأشار بيده فقال: " فإن يكفر بها هؤلاء " وأشار إلى حلقة ابن أبي داود " فقد وكلنا بها قوماً ليسوا بها بكافرين " وأشار إلى الحلقة التي فيها أحمد بن حنبل.
قال محمد بن يحيى الصولي: كان المتوكل يوجب لأحمد بن أبي داود ويستحيي أن ينكبه، وإن كان يكره مذهبه، لما كان يقوم به من أمره أيام الواثق وعقد الأمر له والقيام به من بين الناس، فلما فلج أحمد ابن أبي داود في جمادى الآخرة سنة ثلاث وثلاثين ومئتين أول ما ولي المتوكل الخلافة ولى المتوكل ابنه محمد بن أحمد أبا الوليد القضاء ومظالم العسكر مكان أبيه، ثم عزله عنها يوم الأربعاء لعشر بقين من صفر سنة أربعين ومئتين، ووكل بضياعه وضياع أبيه ثم صولح على ألف ألف دينار، وأشهد على ابن أبي داود وابنه بشراء ضياعهم وحدرهم إلى بغداد، وولى يحيى بن أكثر ما كان إلى ابن أبي داود.
وهجاهما علي بن الجهم وغيره.
قال محمد بن الواثق الذي يقال له المهتدي بالله:
كان أبي إذا أراد أن يقتل رجلاً أحضرنا ذلك المجلس، فأتي بشيخ محصوب مقيد، فقال أبي: ائذنوا لأبي عبد الله وأصحابه - يعني ابن أبي داود - قال: فأدخل الشيخ في مصلاه. قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال له: لا سلم الله عليك. فقال: يا أمير المؤمنين، بئس ما أدبك مؤدبك. قال الله تعالى: " وإذا حييتم بتحيةٍ فحيوا بأحسن منها أو ردوها " والله ما حييتني بها ولا أحسن منها. فقال ابن أبي داود: يا أمير المؤمنين، الرجل متكلم، فقال له: كلمه. فقال: يا شيخ ما تقول في القرآن؟ قال الشيخ: لم تنصفني - يعني ولي السؤال - فقال له: سل، فقال له الشيخ: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم شيء لم يعلموه؟ فقال: شيء لم يعلموه فقال: سبحان الله شيء لم يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت؟!. قال: فخجل، وقال: أقلني. قال: والمسألة بحالها قال: نعم، قال: ما تقول في القرآن؟ فقال: مخلوق، فقال: هذا شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون أم لم يعلموه؟. فقال: علموه ولم يدعوا الناس إليه قال: أفلا وسعك ما وسعهم. قال: ثم قام أبي فدخل مجلس الخلوة واستلقى على قفاه، ووضع إحدى رجليه على الأخرى وهو يقول: هذا شيء لم يعلمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا الخلفاء الراشدون علمته أنت، سبحان الله شيء علمه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثم دعا عماراً الحاجب فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربع مئة دينار، ويأذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي داود ولم يمتحن بعد ذلك أحداً.
ومما قيل في ابن أبي داود: من الوافر
إلى كم تجعل الأعراب طراً ... ذوي الأرحام منك بكل واد
تضم على لصوصهم جناحاً ... لتثبت دعوة لك في إياد
فأقسم أن رحمك في إيادٍ ... كرحم بني أمية من زياد
قال عبد العزيز بن يحيى المكي: دخلت على أحمد بن أبي داود، وهو مفلوج، فقلت: إني لم آتك عائداً، ولكني جئت لأحمد الله على أن سجنك في جلدك.
قال أبو يوسف يعقوب بن موسى بن الفيرزان ابن أخي معروف الكرخي قال: رأيت في المنام كأني وأخاً لي نمر على نهر عيسى على الشط، وطرف عمامتي بيد أخي هذا، فبينا نحن نمشي إذ امرأة تقول لصديقي هذا: ما تدري ما حدث الليلة؟ أهلك الله ابن أبي داود. فقلت أنا لها: وما كان سبب هلاكه؟ قالت: أغضب الله عليه فغضب عليه من فوق سبع سماوات.
قال يوماً سفيان بن وكيع لأصحابه: تدرون ما رأيت الليلة؟ وكانت الليلة التي رأوا فيها النار ببغداد وغيرها، قال: رأيت كأن جهنم زفرت فخرج منها اللهب، أو نحو هذا الكلام. فقلت: ما هذا؟ قال: أعدت لابن أبي داود.
قال المغيرة بن محمد المهلبي: مات أبو الوليد محمد بن أحمد بن أبي داود - وهو وأبوه منكوبان - في ذي الحجة سنة تسع وثلاثين ومئتين، ومات أبوه في المحرم سنة أربعين ومئتين يوم السبت لتسع بقين منه فكان بينه وبين ابنه شهر أو نحوه، ودفن في داره ببغداد وصلى عليه ابنه العباس.