أَبُو قِلابَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيُّ مِنْ عُبَّادِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَزُهَّادِهِمْ يَرْوِي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ روى عَنهُ أَيُّوب وخَالِد
مَاتَ بِالشَّام سنة أَربع وَمِائَة فِي ولَايَة يزِيد بْن عَبْد الْملك حَدَّثَنِي بِقِصَّةِ مَوْتِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ ثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مُرَابِطًا وَكَانَ رَابِطُنَا يَوْمَئِذٍ عَرِيشَ مِصْرَ قَالَ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى السَّاحِلِ فَإِذَا أَنَا بِبَطِيحَةٍ وَفِي الْبَطِيحَةِ خيمة فِيهَا رجل قد ذهب يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَثقل سَمعه وبصره وَمَا لَهُ من جارحة تَنْفَعهُ إِلَّا لِسَانه وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَوْزِعْنِي أَن أحمدك حمدا أكافىء بِهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ وَفَضَّلْتَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْتَ تَفْضِيلا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قُلْتُ وَاللَّهِ لآتِيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَلأَسْأَلَنَّهُ أَنَّى لَهُ هَذَا الْكَلامُ فَهْمٌ أم عِلْمٌ أم إِلْهَامٌ أُلْهِمَ فَأَتَيْتُ الرَّجُلَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ سَمِعْتُكَ وَأَنْتَ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَوْزِعْنِي أَنْ أحمدك حمدا أكافىء بِهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ وَفَضَّلْتَنِي على كَثِيرٍ من خَلَقْتَ تَفْضِيلا فَأَيُّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ تَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَأَيُّ فَضِيلَةٍ تَفَضَّلَ بِهَا عَلَيْكَ تَشْكُرُهُ عَلَيْهَا قَالَ وَمَا تَرَى مَا صَنَعَ رَبِّي وَاللَّهِ لَوْ أَرْسَلَ السَّمَاءَ عَلَيَّ نَارًا فَأَحْرَقَتْنِي وَأَمَرَ الْجِبَالَ فَدَمَّرَتْنِي وَأَمَرَ الْبِحَارَ فَغَرَّقَتْنِي وَأَمَرَ الأَرْضَ فَبَلَعَتْنِي مَا ازْدَدْتُ لِرَبِّي إِلا شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ مِنْ لِسَانِي هَذَا وَلَكِنْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِذْ أَتَيْتَنِي لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ قَدْ تَرَانِي على أَيِّ حَالَةٍ أَنَا أَنَا لَسْتُ أَقْدِرُ لِنَفْسِي على ضُرٍّ وَلا نَفْعٍ وَلَقَدْ كَانَ مَعِيَ بُنَيٌّ لِي يَتَعَاهَدُنِي فِي وَقت صَلَاتي فيوضيني
وَإِذَا جُعْتُ أَطْعَمَنِي وَإِذَا عَطِشْتُ سَقَانِي وَلَقَدْ فَقَدْتُهُ مُنْذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فَتَحَسَّسْهُ لِي رَحِمَكَ اللَّهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ مَا مَشَى خَلْقٌ فِي حَاجَةِ خَلْقٍ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرًا مِمَّنْ يَمْشِي فِي حَاجَةِ مِثْلِكَ فَمَضَيْتُ فِي طَلَبِ الْغُلامِ فَمَا مَضَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ حَتَّى صِرْتُ بَيْنَ كُثْبَانٍ مِنَ الرَّمْلِ فَإِذَا أَنَا بِالْغُلامِ قَدِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ وَأَكَلَ لَحْمَهُ فَاسْتَرْجَعْتُ وَقُلْتُ أَنَّى لِي وَجْهٌ رَقِيقٌ آتِيَ بِهِ الرَّجُلَ فَبَيْنَمَا أَنَا مُقْبِلٌ نَحْوَهُ إِذْ خَطَرَ على قَلْبِي ذِكْرُ أَيُّوبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ فَقَالَ أَلَسْتَ بِصَاحِبِي قُلْتُ بَلَى قَالَ مَا فَعَلْتَ فِي حَاجَتِي فَقُلْتُ أَنْتَ أَكْرَمُ على اللَّهِ أَمْ أَيُّوبُ النَّبِيُّ قَالَ بَلْ أَيُّوبُ النَّبِيُّ قُلْتُ هَلْ عَلِمْتَ مَا صَنَعَ بِهِ رَبُّهُ أَلَيْسَ قَدِ ابْتَلاهُ بِمَالِهِ وَآلِهِ وَوَلَدِهِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَكَيْفَ وَجَدَهُ قَالَ وَجَدَهُ صَابِرًا شَاكِرًا حَامِدًا قُلْتُ لَمْ يَرْضَ مِنْهُ ذَلِكَ حَتَّى أَوْحَشَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَكَيْفَ وَجَدَهُ رَبُّهُ قَالَ وَجَدَهُ صَابِرًا شَاكِرًا حَامِدًا قُلْتُ فَلَمْ يَرْضَ مِنْهُ بِذَلِكَ حَتَّى صَيَّرَهُ عَرَضًا لِمَارِّ الطَّرِيقِ هَلْ عَلِمْتَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَكَيْفَ وَجَدَهُ رَبُّهُ قَالَ صَابِرًا شَاكِرًا حَامِدًا أَوْجِزْ رَحِمَكَ اللَّهُ قُلْتُ لَهُ إِنَّ الْغُلامَ الَّذِي أَرْسَلْتَنِي فِي طَلَبِهِ وَجَدْتُهُ بَيْنَ كُثْبَانِ الرَّمْلِ وَقَدِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَأَكَلَ لَحْمَهُ فَأَعْظَمَ اللَّهُ لَكَ الأَجْرَ وَأَلْهَمَكَ الصَّبْرَ فَقَالَ الْمُبْتَلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقْ مِنْ ذُرِّيَّتِي خَلْقًا يَعْصِيهِ فَيُعَذِّبَهُ بِالنَّارِ ثُمَّ اسْتَرْجَعَ وَشَهَقَ شَهْقَةً فَمَاتَ فَقُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عَظُمَتْ
مُصِيبَتِي رَجُلٌ مِثْلُ هَذَا إِنْ تَرَكْتُهُ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَإِنْ قَعَدْتُ لَمْ أَقْدِرْ على ضُرٍّ وَلا نَفْعٍ فَسَجَّيْتُهُ بِشَمْلَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ وَقَعَدْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ بَاكِيًا فَبَيْنَمَا أَنَا قَاعِدٌ إِذْ تَهَجَّمَ عَلَيَّ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَقَالُوا يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا حَالُكَ وَمَا قِصَّتُكَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمْ قِصَّتِي وَقِصَّتَهُ فَقَالُوا لِي اكْشِفْ لَنَا عَنْ وَجْهِهِ فَعَسَى أَنْ نَعْرِفَهُ فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِهِ فَانْكَبَّ الْقَوْمُ عَلَيْهِ يُقَبِّلُونَ عَيْنَيْهِ مَرَّةً وَيَدَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُونَ بِأَبِي عَيْنٌ طَالَ مَا غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَبِأَبِي وَجِسْمُهُ طَالَ مَا كُنْتَ سَاجِدًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ فَقَالُوا هَذَا أَبُو قِلابَةَ الْجرْمِي صَاحب بن عَبَّاسٍ لَقَدْ كَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لِلَّهِ وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَّلْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ بِأَثْوَابٍ كَانَتْ مَعَنَا وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ وَدَفَنَّاهُ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ وَانْصَرَفْتُ إِلَى رِبَاطِي فَلَمَّا أَنْ جَنَّ عَلَيَّ اللَّيْلُ وَضَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ وَهُوَ يَتْلُو الْوَحْيَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ فَقُلْتُ أَلَسْتَ بِصَاحِبِي قَالَ بَلَى قُلْتُ أَنَّى لَكَ هَذَا قَالَ إِنَّ للَّهِ دَرَجَاتٍ لَا تُنَالُ إِلا بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلاءِ وَالشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ مَعَ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ
مَاتَ بِالشَّام سنة أَربع وَمِائَة فِي ولَايَة يزِيد بْن عَبْد الْملك حَدَّثَنِي بِقِصَّةِ مَوْتِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ ثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ ثَنَا الْفَضْلُ بْنُ عِيسَى عَنْ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ ثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مُرَابِطًا وَكَانَ رَابِطُنَا يَوْمَئِذٍ عَرِيشَ مِصْرَ قَالَ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى السَّاحِلِ فَإِذَا أَنَا بِبَطِيحَةٍ وَفِي الْبَطِيحَةِ خيمة فِيهَا رجل قد ذهب يَدَاهُ وَرجلَاهُ وَثقل سَمعه وبصره وَمَا لَهُ من جارحة تَنْفَعهُ إِلَّا لِسَانه وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَوْزِعْنِي أَن أحمدك حمدا أكافىء بِهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ وَفَضَّلْتَنِي على كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْتَ تَفْضِيلا قَالَ الأَوْزَاعِيُّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قُلْتُ وَاللَّهِ لآتِيَنَّ هَذَا الرَّجُلَ وَلأَسْأَلَنَّهُ أَنَّى لَهُ هَذَا الْكَلامُ فَهْمٌ أم عِلْمٌ أم إِلْهَامٌ أُلْهِمَ فَأَتَيْتُ الرَّجُلَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ سَمِعْتُكَ وَأَنْتَ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَوْزِعْنِي أَنْ أحمدك حمدا أكافىء بِهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ وَفَضَّلْتَنِي على كَثِيرٍ من خَلَقْتَ تَفْضِيلا فَأَيُّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ تَحْمَدُهُ عَلَيْهَا وَأَيُّ فَضِيلَةٍ تَفَضَّلَ بِهَا عَلَيْكَ تَشْكُرُهُ عَلَيْهَا قَالَ وَمَا تَرَى مَا صَنَعَ رَبِّي وَاللَّهِ لَوْ أَرْسَلَ السَّمَاءَ عَلَيَّ نَارًا فَأَحْرَقَتْنِي وَأَمَرَ الْجِبَالَ فَدَمَّرَتْنِي وَأَمَرَ الْبِحَارَ فَغَرَّقَتْنِي وَأَمَرَ الأَرْضَ فَبَلَعَتْنِي مَا ازْدَدْتُ لِرَبِّي إِلا شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ عَلَيَّ مِنْ لِسَانِي هَذَا وَلَكِنْ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِذْ أَتَيْتَنِي لِي إِلَيْكَ حَاجَةٌ قَدْ تَرَانِي على أَيِّ حَالَةٍ أَنَا أَنَا لَسْتُ أَقْدِرُ لِنَفْسِي على ضُرٍّ وَلا نَفْعٍ وَلَقَدْ كَانَ مَعِيَ بُنَيٌّ لِي يَتَعَاهَدُنِي فِي وَقت صَلَاتي فيوضيني
وَإِذَا جُعْتُ أَطْعَمَنِي وَإِذَا عَطِشْتُ سَقَانِي وَلَقَدْ فَقَدْتُهُ مُنْذُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فَتَحَسَّسْهُ لِي رَحِمَكَ اللَّهُ فَقُلْتُ وَاللَّهِ مَا مَشَى خَلْقٌ فِي حَاجَةِ خَلْقٍ كَانَ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ أَجْرًا مِمَّنْ يَمْشِي فِي حَاجَةِ مِثْلِكَ فَمَضَيْتُ فِي طَلَبِ الْغُلامِ فَمَا مَضَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ حَتَّى صِرْتُ بَيْنَ كُثْبَانٍ مِنَ الرَّمْلِ فَإِذَا أَنَا بِالْغُلامِ قَدِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ وَأَكَلَ لَحْمَهُ فَاسْتَرْجَعْتُ وَقُلْتُ أَنَّى لِي وَجْهٌ رَقِيقٌ آتِيَ بِهِ الرَّجُلَ فَبَيْنَمَا أَنَا مُقْبِلٌ نَحْوَهُ إِذْ خَطَرَ على قَلْبِي ذِكْرُ أَيُّوبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَتَيْتُهُ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلامَ فَقَالَ أَلَسْتَ بِصَاحِبِي قُلْتُ بَلَى قَالَ مَا فَعَلْتَ فِي حَاجَتِي فَقُلْتُ أَنْتَ أَكْرَمُ على اللَّهِ أَمْ أَيُّوبُ النَّبِيُّ قَالَ بَلْ أَيُّوبُ النَّبِيُّ قُلْتُ هَلْ عَلِمْتَ مَا صَنَعَ بِهِ رَبُّهُ أَلَيْسَ قَدِ ابْتَلاهُ بِمَالِهِ وَآلِهِ وَوَلَدِهِ قَالَ بَلَى قُلْتُ فَكَيْفَ وَجَدَهُ قَالَ وَجَدَهُ صَابِرًا شَاكِرًا حَامِدًا قُلْتُ لَمْ يَرْضَ مِنْهُ ذَلِكَ حَتَّى أَوْحَشَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ وَأَحِبَّائِهِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَكَيْفَ وَجَدَهُ رَبُّهُ قَالَ وَجَدَهُ صَابِرًا شَاكِرًا حَامِدًا قُلْتُ فَلَمْ يَرْضَ مِنْهُ بِذَلِكَ حَتَّى صَيَّرَهُ عَرَضًا لِمَارِّ الطَّرِيقِ هَلْ عَلِمْتَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَكَيْفَ وَجَدَهُ رَبُّهُ قَالَ صَابِرًا شَاكِرًا حَامِدًا أَوْجِزْ رَحِمَكَ اللَّهُ قُلْتُ لَهُ إِنَّ الْغُلامَ الَّذِي أَرْسَلْتَنِي فِي طَلَبِهِ وَجَدْتُهُ بَيْنَ كُثْبَانِ الرَّمْلِ وَقَدِ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ فَأَكَلَ لَحْمَهُ فَأَعْظَمَ اللَّهُ لَكَ الأَجْرَ وَأَلْهَمَكَ الصَّبْرَ فَقَالَ الْمُبْتَلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَخْلُقْ مِنْ ذُرِّيَّتِي خَلْقًا يَعْصِيهِ فَيُعَذِّبَهُ بِالنَّارِ ثُمَّ اسْتَرْجَعَ وَشَهَقَ شَهْقَةً فَمَاتَ فَقُلْتُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ عَظُمَتْ
مُصِيبَتِي رَجُلٌ مِثْلُ هَذَا إِنْ تَرَكْتُهُ أَكَلَتْهُ السِّبَاعُ وَإِنْ قَعَدْتُ لَمْ أَقْدِرْ على ضُرٍّ وَلا نَفْعٍ فَسَجَّيْتُهُ بِشَمْلَةٍ كَانَتْ عَلَيْهِ وَقَعَدْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ بَاكِيًا فَبَيْنَمَا أَنَا قَاعِدٌ إِذْ تَهَجَّمَ عَلَيَّ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ فَقَالُوا يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا حَالُكَ وَمَا قِصَّتُكَ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِمْ قِصَّتِي وَقِصَّتَهُ فَقَالُوا لِي اكْشِفْ لَنَا عَنْ وَجْهِهِ فَعَسَى أَنْ نَعْرِفَهُ فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهِهِ فَانْكَبَّ الْقَوْمُ عَلَيْهِ يُقَبِّلُونَ عَيْنَيْهِ مَرَّةً وَيَدَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُونَ بِأَبِي عَيْنٌ طَالَ مَا غَضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ وَبِأَبِي وَجِسْمُهُ طَالَ مَا كُنْتَ سَاجِدًا وَالنَّاسُ نِيَامٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ فَقَالُوا هَذَا أَبُو قِلابَةَ الْجرْمِي صَاحب بن عَبَّاسٍ لَقَدْ كَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لِلَّهِ وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَسَّلْنَاهُ وَكَفَّنَّاهُ بِأَثْوَابٍ كَانَتْ مَعَنَا وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ وَدَفَنَّاهُ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ وَانْصَرَفْتُ إِلَى رِبَاطِي فَلَمَّا أَنْ جَنَّ عَلَيَّ اللَّيْلُ وَضَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فِي رَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَعَلَيْهِ حُلَّتَانِ مِنْ حُلَلِ الْجَنَّةِ وَهُوَ يَتْلُو الْوَحْيَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ فَقُلْتُ أَلَسْتَ بِصَاحِبِي قَالَ بَلَى قُلْتُ أَنَّى لَكَ هَذَا قَالَ إِنَّ للَّهِ دَرَجَاتٍ لَا تُنَالُ إِلا بِالصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلاءِ وَالشُّكْرِ عِنْدَ الرَّخَاءِ مَعَ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلانِيَةِ