أبو بَصِير العبدى الأعمى من عبد القيس كوفى سمع أبى بن كعب روى عنه أبو اسحاق السبيعى وابنه عبد اللَّه بن أبى بصير .
Ibn Manẓūr (d. 1311 CE) - Mukhtaṣar Tārīkh Dimashq - ابن منظور - مختصر تاريخ دمشق
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 6554 1. ابو بصير42. آدم نبي الله1 3. آمنة أو أمية بنت أبي الشعثاء الفزارية...1 4. آمنة بنت الشريد زوج عمر بن الحمق1 5. آمنة بنت محمد بن أحمد1 6. آمنة ويقال أمة بنت سعيد بن العاص1 7. آمنة ويقال أمينة1 8. أبان بن الوليد بن عقبة1 9. أبان بن سعيد أبي أحيحة بن العاص1 10. أبان بن سعيد بن العاص الأموي1 11. أبان بن صالح بن عمير بن عبيد1 12. أبان بن عثمان بن عفان3 13. أبان بن علي الدمشقي1 14. أبان بن مروان بن الحكم1 15. أبرد الدمشقي1 16. أبرش بن الوليد بن عبد عمرو1 17. أبق بن محمد بن بوري1 18. أبو1 19. أبو أحمد بن علي الكلاعي1 20. أبو أحمد بن هارون الرشيد1 21. أبو أحيحة القرشي1 22. أبو أسامة زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي...1 23. أبو أسيد1 24. أبو أوس2 25. أبو أيوب مولى معاوية وحاجبه1 26. أبو إبراهيم الدمشقي1 27. أبو إسماعيل1 28. أبو إياس الليثي1 29. أبو الأبرد الدمشقي1 30. أبو الأبطال1 31. أبو الأبيض العبسي الشامي1 32. أبو الأخضر1 33. أبو الأزهر1 34. أبو الأسود البيروتي1 35. أبو البختري1 36. أبو الثريا الكردي1 37. أبو الجرح الغساني1 38. أبو الجعد السائح1 39. أبو الجعيد1 40. أبو الجلاس العبدي1 41. أبو الجلد التميمي1 42. أبو الجنوب المؤذن المؤدب1 43. أبو الجهم بن كنانة الكلبي1 44. أبو الحارث الصوفي1 45. أبو الحسن الأطرابلسي1 46. أبو الحسن الأعرابي الصوفي1 47. أبو الحسن الدمشقي2 48. أبو الحسن الدويدة1 49. أبو الحسن المعاني1 50. أبو الحسن بن جعفر المتوكل1 51. أبو الحسين الرائق المعري الشاعر1 52. أبو الحسين بن أحمد بن الطيب1 53. أبو الحسين بن بنان المصري الصوفي1 54. أبو الحسين بن حريش1 55. أبو الحسين بن عمرو بن محمد1 56. أبو الحكم بن أبي الأبيض العبسي1 57. أبو الحمراء3 58. أبو الخير الأقطع التيناتي1 59. أبو الذكر1 60. أبو الربيع الدمشقي1 61. أبو الرضا الصياد العابد1 62. أبو الرضا بن النحاس الحلبي1 63. أبو الزبير الدمشقي1 64. أبو الزهراء القشيري1 65. أبو الساكن1 66. أبو السمح خادم النبي1 67. أبو العاص بن الربيع بن عبد العزي1 68. أبو العالية3 69. أبو العباس4 70. أبو العباس البيروتي1 71. أبو العباس الحنفي1 72. أبو العباس الوراق الدمشقي1 73. أبو العذراء2 74. أبو العريان المخزومي1 75. أبو العلاء4 76. أبو العلاء بن العين زربي1 77. أبو الغريز1 78. أبو الفرات1 79. أبو الفضل الأصبهاني المتطبب1 80. أبو الفضل الموسوس1 81. أبو الفضل بن خيران1 82. أبو القاسم1 83. أبو القاسم الواسطي1 84. أبو القاسم بن أبي يعلى1 85. أبو القاسم بن رزيق البغدادي1 86. أبو المصبح المقرائي الأوزاعي1 87. أبو المعطل1 88. أبو المغيرة الصوفي الدمشقي1 89. أبو المهاجر الدمشقي1 90. أبو المهاصر1 91. أبو الوزير بن النعمان1 92. أبو الوليد2 93. أبو بردة بن عوف الأزدي1 94. أبو بسرة الجهني1 95. أبو بشر9 96. أبو بشر التنوخي1 97. أبو بشر المروزي1 98. أبو بقية1 99. أبو بكر4 100. أبو بكر الجصاص البصري الصوفي1 ▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Ibn Manẓūr (d. 1311 CE) - Mukhtaṣar Tārīkh Dimashq - ابن منظور - مختصر تاريخ دمشق are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=100359&book=5561#82acc1
أبو بصير الاعمى من عبد القيس روى عن أبي بن كعب روى عنه أبو إسحاق وابنه سمعت ابى يقول ذلك.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=84088&book=5561#e79e10
أَبُو بصير من عَبْد القيس الأعمى عن ابى روى عنه أبو اسحق وابنه عَبْد اللَّه بْن أَبِي بصير.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=124941&book=5561#d38cff
أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ زَوْجُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ ابْنُ خَالَتِهَا هِنْدَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ , أُخْتِ خَدِيجَةَ، فَوَلَدَتْ عَلِيًّا وَأُمَامَةَ، أَرْدَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَحَمَلَ أُمَامَةَ فِي صَلَاتِهِ، تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، فِي حَرْفِ اللَّامِ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=124941&book=5561#523932
أَبُو العاص بْن الربيع بْن عبد العزى بْن عبد شمس بْن عبد مناف ابن قصي القرشي العبشمي
صهر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوج ابنته زينب أكبر بناته. كَانَ يعرف بجرو البطحاء، هُوَ وأخوه يقال لهما: جروا البطحاء.
وقيل: بل كَانَ ذلك أبوه وعمه. اختلف فِي اسمه، فقيل لقيط. وقيل مهشم.
وقيل هشيم ، والأكثر لقيط وأمه هالة بنت خويلد بْن أسد أخت خديجة لأبها وأمها وَكَانَ أَبُو العاص بْن الربيع ممن شهد بدرًا مَعَ كفار قريش، وأسره عَبْد اللَّهِ بْن جبير بْن النعمان الأَنْصَارِيّ، فلما بعث أهل مكة فِي فداء أسراهم قدم فِي فدائه أخوه عَمْرو بْن الربيع بمال دفعته إِلَيْهِ زينب بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من ذلك قلادة لَهَا كانت خديجة أمها قد أدخلتها بها عَلَى أبي العاص حين بنى عليها. فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن رأيتم أن تطلقوا لَهَا أسيرها وتردوا الَّذِي لَهَا فافعلوا. فَقَالُوا: نعم. وَكَانَ أَبُو العاص ابْن الربيع مواخيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصافيًا، وَكَانَ قد أبى أن يطلق
زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إذ مشى إليه مشركو قريش فِي ذلك، فشكر له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصاهرته، وأثنى عَلَيْهِ بذلك خيرًا، وهاجرت زينب مسلمة رضي اللَّه عنها وتركته عَلَى شركه، فلم يزل كذلك مقيمًا عَلَى الشرك حَتَّى كَانَ قبل الفتح، فخرج بتجارة إِلَى الشام، ومعه أموال من أموال قريش، فلما انصرف قافلًا لقيته سرية لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميرهم زيد بْن حارثة رضي اللَّه عنه. وَكَانَ أَبُو العاص فِي جماعة عير، وَكَانَ زيد فِي نحو سبعين ومائة راكب، فأخذوا مَا فِي تلك العير من الأثقال، وأسروا ناسًا منهم، وأفلتهم أَبُو العاص هربًا.
وقيل: إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث زيدًا فِي تلك السرية قاصدًا للعير التي كَانَ فِيهَا أَبُو العاص، فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل أَبُو العاص فِي الليل حَتَّى دخل عَلَى زينب رضي اللَّه عنها، فاستجار بها فأجارته. فلما خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصبح، وكبر وكبر الناس معه، صرخت زينب رضي اللَّه عنها: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بْن الربيع فلما سلم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصلاة أقبل عَلَى الناس، فَقَالَ: هل سمعتم مَا سمعت؟ فَقَالُوا: نعم. قَالَ: أما والذي نفسي بيده مَا علمت بشيء كَانَ حَتَّى سمعت منه مَا سمعتم، إنه يجير عَلَى المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عَلَى ابنته، فَقَالَ: أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك، فإنك لا تحلين له. فقالت: إنه جاء فِي طلب ماله. فخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعث فِي تلك السرية، فاجتمعوا إليه، فَقَالَ لهم: إن هَذَا الرجل منا بحيث علمتم، وقد أصبتم له مالا، وهو مما أفاءه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عليكم، وأنا أحب أن تحسنوا وتردوا إليه ماله الَّذِي له، وإن أبيتم فأنتم أحق به. قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، بل نرده عَلَيْهِ. فردوا عَلَيْهِ ماله مَا فقد منه شَيْئًا، فاحتمل إلى مكة، فأدّى إلى كل ذي مال من قريش ماله الَّذِي كَانَ أبضع معه، ثم قَالَ: يَا معشر قريش، هل لأحد منكم مال لم يأخذه؟ قَالُوا: جزاك اللَّه خيرًا، فقد وجدناك وفيًا كريمًا. قَالَ: فإني أشهد أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، والله مَا منعني من الإسلام إلا تخوف أن تظنوا أني آكل أموالكم، فلما أداها اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إليكم أسلمت. ثم خرج حَتَّى قدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلمًا، وحسن إسلامه، ورد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته عَلَيْهِ.
هَذَا كله خبر ابْن إِسْحَاق، ومنه شيء عَنْ غيره.
وذكر مُوسَى بْن عُقْبَةَ خبر أبي العاص بْن الربيع وأخذ أبي بصير وأبي جندل له فِي حين مكثهم بالساحل يقطعون عَلَى عير قريش، وفي ذلك الخبر مَا يخالف بعض مَا ذكر ابْن إِسْحَاق، وقد أشرنا إِلَى خبر مُوسَى بْن عُقْبَةَ فِي باب أبي بصير.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَطَائِفَةٍ من أَهْلِ السِّيَرِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى ذَلِكَ فِي كتاب التمهيد، والحمد للَّه تعالى.
قَالَ إِبْرَاهِيم بْن المنذر: وتوفي أَبُو العاص بْن الربيع، ويسمى جرو البطحاء، فِي ذي الحجة سنة اثنتي عشرة.
صهر رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوج ابنته زينب أكبر بناته. كَانَ يعرف بجرو البطحاء، هُوَ وأخوه يقال لهما: جروا البطحاء.
وقيل: بل كَانَ ذلك أبوه وعمه. اختلف فِي اسمه، فقيل لقيط. وقيل مهشم.
وقيل هشيم ، والأكثر لقيط وأمه هالة بنت خويلد بْن أسد أخت خديجة لأبها وأمها وَكَانَ أَبُو العاص بْن الربيع ممن شهد بدرًا مَعَ كفار قريش، وأسره عَبْد اللَّهِ بْن جبير بْن النعمان الأَنْصَارِيّ، فلما بعث أهل مكة فِي فداء أسراهم قدم فِي فدائه أخوه عَمْرو بْن الربيع بمال دفعته إِلَيْهِ زينب بنت رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من ذلك قلادة لَهَا كانت خديجة أمها قد أدخلتها بها عَلَى أبي العاص حين بنى عليها. فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن رأيتم أن تطلقوا لَهَا أسيرها وتردوا الَّذِي لَهَا فافعلوا. فَقَالُوا: نعم. وَكَانَ أَبُو العاص ابْن الربيع مواخيًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصافيًا، وَكَانَ قد أبى أن يطلق
زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ إذ مشى إليه مشركو قريش فِي ذلك، فشكر له رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصاهرته، وأثنى عَلَيْهِ بذلك خيرًا، وهاجرت زينب مسلمة رضي اللَّه عنها وتركته عَلَى شركه، فلم يزل كذلك مقيمًا عَلَى الشرك حَتَّى كَانَ قبل الفتح، فخرج بتجارة إِلَى الشام، ومعه أموال من أموال قريش، فلما انصرف قافلًا لقيته سرية لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أميرهم زيد بْن حارثة رضي اللَّه عنه. وَكَانَ أَبُو العاص فِي جماعة عير، وَكَانَ زيد فِي نحو سبعين ومائة راكب، فأخذوا مَا فِي تلك العير من الأثقال، وأسروا ناسًا منهم، وأفلتهم أَبُو العاص هربًا.
وقيل: إن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث زيدًا فِي تلك السرية قاصدًا للعير التي كَانَ فِيهَا أَبُو العاص، فلما قدمت السرية بما أصابوا أقبل أَبُو العاص فِي الليل حَتَّى دخل عَلَى زينب رضي اللَّه عنها، فاستجار بها فأجارته. فلما خرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصبح، وكبر وكبر الناس معه، صرخت زينب رضي اللَّه عنها: أيها الناس، إني قد أجرت أبا العاص بْن الربيع فلما سلم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الصلاة أقبل عَلَى الناس، فَقَالَ: هل سمعتم مَا سمعت؟ فَقَالُوا: نعم. قَالَ: أما والذي نفسي بيده مَا علمت بشيء كَانَ حَتَّى سمعت منه مَا سمعتم، إنه يجير عَلَى المسلمين أدناهم ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عَلَى ابنته، فَقَالَ: أي بنية، أكرمي مثواه، ولا يخلصن إليك، فإنك لا تحلين له. فقالت: إنه جاء فِي طلب ماله. فخرج رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعث فِي تلك السرية، فاجتمعوا إليه، فَقَالَ لهم: إن هَذَا الرجل منا بحيث علمتم، وقد أصبتم له مالا، وهو مما أفاءه اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عليكم، وأنا أحب أن تحسنوا وتردوا إليه ماله الَّذِي له، وإن أبيتم فأنتم أحق به. قَالُوا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، بل نرده عَلَيْهِ. فردوا عَلَيْهِ ماله مَا فقد منه شَيْئًا، فاحتمل إلى مكة، فأدّى إلى كل ذي مال من قريش ماله الَّذِي كَانَ أبضع معه، ثم قَالَ: يَا معشر قريش، هل لأحد منكم مال لم يأخذه؟ قَالُوا: جزاك اللَّه خيرًا، فقد وجدناك وفيًا كريمًا. قَالَ: فإني أشهد أَنَّ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، والله مَا منعني من الإسلام إلا تخوف أن تظنوا أني آكل أموالكم، فلما أداها اللَّه عَزَّ وَجَلَّ إليكم أسلمت. ثم خرج حَتَّى قدم عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسلمًا، وحسن إسلامه، ورد رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته عَلَيْهِ.
هَذَا كله خبر ابْن إِسْحَاق، ومنه شيء عَنْ غيره.
وذكر مُوسَى بْن عُقْبَةَ خبر أبي العاص بْن الربيع وأخذ أبي بصير وأبي جندل له فِي حين مكثهم بالساحل يقطعون عَلَى عير قريش، وفي ذلك الخبر مَا يخالف بعض مَا ذكر ابْن إِسْحَاق، وقد أشرنا إِلَى خبر مُوسَى بْن عُقْبَةَ فِي باب أبي بصير.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ عَلَى النِّكَاحِ الأَوَّلِ، وَلَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: قَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بن شعيب، عن أبيه، عن جده أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَطَائِفَةٍ من أَهْلِ السِّيَرِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى ذَلِكَ فِي كتاب التمهيد، والحمد للَّه تعالى.
قَالَ إِبْرَاهِيم بْن المنذر: وتوفي أَبُو العاص بْن الربيع، ويسمى جرو البطحاء، فِي ذي الحجة سنة اثنتي عشرة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=128516&book=5561#2cee7d
أَبُو جندل بن سهيل بن عمرو القرشي العامري.
قدم تقدم ذكر نسبه إِلَى عامر بْن لؤي بْن غالب بْن فهر فِي باب أبيه سهيل، وفي باب أخيه عبد الله ابن سهيل بْن عَمْرو . وَقَالَ الزُّبَيْر: اسم أبي جندل بن سهيل بن عمرو ابن العاص بْن سهيل بْن عَمْرو، أسلم بمكة فطرحه أبوه فِي حديد، فلما كَانَ يوم الحديبية جاء يرسف فِي الحديد إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبوه سهيل قد كتب فِي كتاب الصلح: إن من جاءك منا ترده علينا، فخلاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك، وذكر كلام عمر، قَالَ: ثم إنه أفلت بعد ذلك أَبُو جندل فلحق بأبي بصير الثقفي، وَكَانَ معه فِي سبعين رَجُلا من المسلمين
يقطعون على من مرّ بهم من غير قريش وتجارهم، فكتبوا فيهم إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضمهم إليه، فضمهم إليه، قال: وقال أبو جندل- وهو وهو مع أبى بصير:
أبلغ قريشًا من أبي جندل ... أني بذي المروة بالساحل
فِي معشر تخفق أيمانهم ... بالبيض فِيهَا والقنى الذابل
يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد إسلامهم الواصل
أَوْ يجعل اللَّه لهم مخرجًا ... والحق لا يغلب بالباطل
فيسلم المرء بإسلامه ... أَوْ يقتل المرء ولم يأتل
وقد غلطت طائفة ألفت فِي الصحابة فِي أبي جندل هَذَا، فَقَالُوا: اسمه عَبْد اللَّهِ بْن سهيل، وإنه الَّذِي أتى مَعَ أبيه سهيل إِلَى بدر، فانحاز من المشركين إِلَى المسلمين، وأسلم وشهد بدرًا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا غلط فاحش. وعَبْد اللَّهِ بْن سهيل ليس بأبي جندل، ولكنه أخوه، كَانَ قد أسلم بمكة قبل بدر، ثم شهد بدرًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على مَا ذكرنا من خبره فِي بابه . واستشهد باليمامة فِي خلافة أبي بكر. وأبو جندل لم يشهد بدرًا ولا شَيْئًا من المشاهد قبل الفتح. قَالَ مُوسَى بْن عُقْبَةَ، لم يزل أَبُو جندل وأبوه مجاهدين بالشام حَتَّى ماتا- يعني فِي خلافة عمر.
وذكر عبد الرزاق، عَنِ ابْن جريج، قَالَ: أخبرت أن أبا عبيدة بالشام وجد أبا جندل بْن سهيل بْن عَمْرو، وضرار بْن الخطاب، وأبا الأزور، وهم من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد شربوا الخمر، فَقَالَ أَبُو جندل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... 5: 93
الآية. فكتب أَبُو عبيدة إِلَى عمر: إن أبا جندل خصمني بهذه الآية. فكتب عمر: إن الَّذِي زين لأبي جندل الخطيئة زين له الخصومة، فاحددهم. فَقَالَ أَبُو الأزور: أتحدوننا؟ قَالَ أَبُو عبيدة: نعم. قَالَ: فدعونا نلقي العدو غدًا فإن قتلنا فذاك، وإن رجعنا إليكم فحدونا، فلقي أَبُو جندل وضرار وأبو الأزور العدو، فاستشهد أَبُو الأزور، وحد الآخران. فَقَالَ أَبُو جندل: هلكت. فكتب بذلك أَبُو عبيدة إِلَى عمر، فكتب عمر إِلَى أبي جندل- وترك أبا عبيدة: إن الَّذِي زين لك الخطيئة حظر عليك التوبة، حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ ... 40: 1- 3 الآية.
قدم تقدم ذكر نسبه إِلَى عامر بْن لؤي بْن غالب بْن فهر فِي باب أبيه سهيل، وفي باب أخيه عبد الله ابن سهيل بْن عَمْرو . وَقَالَ الزُّبَيْر: اسم أبي جندل بن سهيل بن عمرو ابن العاص بْن سهيل بْن عَمْرو، أسلم بمكة فطرحه أبوه فِي حديد، فلما كَانَ يوم الحديبية جاء يرسف فِي الحديد إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبوه سهيل قد كتب فِي كتاب الصلح: إن من جاءك منا ترده علينا، فخلاه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلك، وذكر كلام عمر، قَالَ: ثم إنه أفلت بعد ذلك أَبُو جندل فلحق بأبي بصير الثقفي، وَكَانَ معه فِي سبعين رَجُلا من المسلمين
يقطعون على من مرّ بهم من غير قريش وتجارهم، فكتبوا فيهم إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يضمهم إليه، فضمهم إليه، قال: وقال أبو جندل- وهو وهو مع أبى بصير:
أبلغ قريشًا من أبي جندل ... أني بذي المروة بالساحل
فِي معشر تخفق أيمانهم ... بالبيض فِيهَا والقنى الذابل
يأبون أن تبقى لهم رفقة ... من بعد إسلامهم الواصل
أَوْ يجعل اللَّه لهم مخرجًا ... والحق لا يغلب بالباطل
فيسلم المرء بإسلامه ... أَوْ يقتل المرء ولم يأتل
وقد غلطت طائفة ألفت فِي الصحابة فِي أبي جندل هَذَا، فَقَالُوا: اسمه عَبْد اللَّهِ بْن سهيل، وإنه الَّذِي أتى مَعَ أبيه سهيل إِلَى بدر، فانحاز من المشركين إِلَى المسلمين، وأسلم وشهد بدرًا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا غلط فاحش. وعَبْد اللَّهِ بْن سهيل ليس بأبي جندل، ولكنه أخوه، كَانَ قد أسلم بمكة قبل بدر، ثم شهد بدرًا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على مَا ذكرنا من خبره فِي بابه . واستشهد باليمامة فِي خلافة أبي بكر. وأبو جندل لم يشهد بدرًا ولا شَيْئًا من المشاهد قبل الفتح. قَالَ مُوسَى بْن عُقْبَةَ، لم يزل أَبُو جندل وأبوه مجاهدين بالشام حَتَّى ماتا- يعني فِي خلافة عمر.
وذكر عبد الرزاق، عَنِ ابْن جريج، قَالَ: أخبرت أن أبا عبيدة بالشام وجد أبا جندل بْن سهيل بْن عَمْرو، وضرار بْن الخطاب، وأبا الأزور، وهم من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد شربوا الخمر، فَقَالَ أَبُو جندل: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... 5: 93
الآية. فكتب أَبُو عبيدة إِلَى عمر: إن أبا جندل خصمني بهذه الآية. فكتب عمر: إن الَّذِي زين لأبي جندل الخطيئة زين له الخصومة، فاحددهم. فَقَالَ أَبُو الأزور: أتحدوننا؟ قَالَ أَبُو عبيدة: نعم. قَالَ: فدعونا نلقي العدو غدًا فإن قتلنا فذاك، وإن رجعنا إليكم فحدونا، فلقي أَبُو جندل وضرار وأبو الأزور العدو، فاستشهد أَبُو الأزور، وحد الآخران. فَقَالَ أَبُو جندل: هلكت. فكتب بذلك أَبُو عبيدة إِلَى عمر، فكتب عمر إِلَى أبي جندل- وترك أبا عبيدة: إن الَّذِي زين لك الخطيئة حظر عليك التوبة، حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ ... 40: 1- 3 الآية.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=117358&book=5561#fcb8fa
أَبُو جندل بن سُهَيْل اسْمه عبد الله وَأمه فَاخِتَة
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=117358&book=5561#109a63
أبو جندل بن سهيل
ب د ع: أبو جندل بن سهيل بن عَمْرو العامري تقدم نسبه فِي ترجمة أبيه، وهو من بني عامر بن لؤي.
قَالَ الزبير: اسم أبي جندل بن سهيل العاصي، أسلم بمكة فسجنه أبوه وقيده، فلما كَانَ يوم الحديبية هرب أبو جندل إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1790) أخبرنا أبو جَعْفَر، بإسناده عن يونس، عن مُحَمَّد بن إسحاق، حَدَّثَنِي الزهري، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة، فِي صلح الحديبية، قَالَ: فإن الصحيفة، يعني صحيفة الصلح، لتكتب، إِذْ طلع أبو جندل بن سهيل يرسف فِي الحديد، وَكَانَ أبوه حبسه، فأفلت، فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بتلبيبه يتله، وقال: يا مُحَمَّد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هَذَا، قَالَ: " صدقت ".
فصاح أبو جندب بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين يفتنوني فِي ديني؟ وقد كانوا خرجوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يشكون فِي الفتح، فلما صنع أبو جندل ما صنع، وقد كَانَ دخل، لِمَا رأوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمل عَلَى نفسه فِي الصلح ورجعته، أمر عظيم، فلما صنع أبو جندل ما صنع، زاد الناس شرا عَلَى ما بهم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي جندل: " أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، وإنا صالحنا القوم وإنا لا نغدر ".
فقام عمر بن الخطاب يمشي إلى جنب أبي جندل وأبوه يتله، وهو يقول: أبا جندل، اصبر فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، وجعل عمر يدني مِنْه قائم السيف، فقال عمر: رجوت أن يأخذه فيضرب بِهِ أباه، فضن بأبيه وقد ذكرنا فِي ترجمة أبي بصير حال أبي جندل، فإن أبا جندل لِمَا أخذه أبوه هرب ثانية من أبيه، ولحق بأبي بصير.
قَالَ أبو عمر: وقد غلطت طائفة ألفت فِي الصحابة فِي أبي جندل، أن اسمه عبد الله، وأنه الَّذِي أتى مع أبيه سهيل إلى بدر، فانحاز من المشركين إلى المسلمين، وشهد بدرا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا غلط فاحش، وعبد الله لَيْسَ بأبي جندل، لكنه أخوه، واستشهد عبد الله باليمامة مع خالد فِي خلافة أبي بكر الصديق، وأبو جندل لَمْ يشهد بدرا ولا شيئا من المشاهد قبل الفتح، لأن أباه كَانَ قد منعه، كما ذكرناه، قَالَ موسى بن عقبة: لَمْ يزل أبو جندل بن سهيل وأبوه مجاهدين بالشام حَتَّى ماتا، يعني فِي خلافة عمر وذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج، قَالَ: أخبرت أن أبا عبيدة بالشام وجد: أبا جندل بن سهيل، وضرار بن الخطاب، وأبا الأزور، وهم من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد شربوا الخمر، فقال أبو جندل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ..
الآيات كلها، فكتب أبو عبيدة إلى عمر: إن أبا جندل خصمني بهذه الآية.
فكتب إليه عمر: الَّذِي زين لأبي جندل الخطيئة زين لَهُ الخصومة، فاحددهم، فقال أبو الأزور: أتحدوننا؟ قَالَ أبو عبيدة: نعم.
قَالَ أبو الأزور: فدعونا نلقى العدو غدا، فإن قتلنا فذاك، وإن رجعنا إليكم فحدونا، فلقي أبو الأزور، وضرار، وَأَبُو جندل، العدو فاستشهد أبو الأزور، وحد الآخران ...
أخرجه الثلاثة.
ب د ع: أبو جندل بن سهيل بن عَمْرو العامري تقدم نسبه فِي ترجمة أبيه، وهو من بني عامر بن لؤي.
قَالَ الزبير: اسم أبي جندل بن سهيل العاصي، أسلم بمكة فسجنه أبوه وقيده، فلما كَانَ يوم الحديبية هرب أبو جندل إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(1790) أخبرنا أبو جَعْفَر، بإسناده عن يونس، عن مُحَمَّد بن إسحاق، حَدَّثَنِي الزهري، عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة، فِي صلح الحديبية، قَالَ: فإن الصحيفة، يعني صحيفة الصلح، لتكتب، إِذْ طلع أبو جندل بن سهيل يرسف فِي الحديد، وَكَانَ أبوه حبسه، فأفلت، فلما رآه أبوه سهيل قام إليه فضرب وجهه، وأخذ بتلبيبه يتله، وقال: يا مُحَمَّد، قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هَذَا، قَالَ: " صدقت ".
فصاح أبو جندب بأعلى صوته: يا معشر المسلمين، أرد إلى المشركين يفتنوني فِي ديني؟ وقد كانوا خرجوا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يشكون فِي الفتح، فلما صنع أبو جندل ما صنع، وقد كَانَ دخل، لِمَا رأوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمل عَلَى نفسه فِي الصلح ورجعته، أمر عظيم، فلما صنع أبو جندل ما صنع، زاد الناس شرا عَلَى ما بهم، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي جندل: " أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، وإنا صالحنا القوم وإنا لا نغدر ".
فقام عمر بن الخطاب يمشي إلى جنب أبي جندل وأبوه يتله، وهو يقول: أبا جندل، اصبر فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب، وجعل عمر يدني مِنْه قائم السيف، فقال عمر: رجوت أن يأخذه فيضرب بِهِ أباه، فضن بأبيه وقد ذكرنا فِي ترجمة أبي بصير حال أبي جندل، فإن أبا جندل لِمَا أخذه أبوه هرب ثانية من أبيه، ولحق بأبي بصير.
قَالَ أبو عمر: وقد غلطت طائفة ألفت فِي الصحابة فِي أبي جندل، أن اسمه عبد الله، وأنه الَّذِي أتى مع أبيه سهيل إلى بدر، فانحاز من المشركين إلى المسلمين، وشهد بدرا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا غلط فاحش، وعبد الله لَيْسَ بأبي جندل، لكنه أخوه، واستشهد عبد الله باليمامة مع خالد فِي خلافة أبي بكر الصديق، وأبو جندل لَمْ يشهد بدرا ولا شيئا من المشاهد قبل الفتح، لأن أباه كَانَ قد منعه، كما ذكرناه، قَالَ موسى بن عقبة: لَمْ يزل أبو جندل بن سهيل وأبوه مجاهدين بالشام حَتَّى ماتا، يعني فِي خلافة عمر وذكر عبد الرزاق، عن ابن جريج، قَالَ: أخبرت أن أبا عبيدة بالشام وجد: أبا جندل بن سهيل، وضرار بن الخطاب، وأبا الأزور، وهم من أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد شربوا الخمر، فقال أبو جندل: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ..
الآيات كلها، فكتب أبو عبيدة إلى عمر: إن أبا جندل خصمني بهذه الآية.
فكتب إليه عمر: الَّذِي زين لأبي جندل الخطيئة زين لَهُ الخصومة، فاحددهم، فقال أبو الأزور: أتحدوننا؟ قَالَ أبو عبيدة: نعم.
قَالَ أبو الأزور: فدعونا نلقى العدو غدا، فإن قتلنا فذاك، وإن رجعنا إليكم فحدونا، فلقي أبو الأزور، وضرار، وَأَبُو جندل، العدو فاستشهد أبو الأزور، وحد الآخران ...
أخرجه الثلاثة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=67157&book=5561#847e5d
أبو جندل بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو
- أبو جندل بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو. بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤي. أسلم قديمًا بمكة فحبسه أبوه وأوثقه في الحديد ومنعه الهجرة. ثم أفلت بعد الحديبية فخرج إلى أبي بصير بالعيص فلم يزل معه حتى مات أبو بصير. فقدم أبو جندل ومن كان معه من المسلمين المدينة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - فلم يزل يَغْزُو مَعَهُ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرج إلى الشام في أول من خرج إليها من المسلمين. فلم يزل يغزو ويجاهد في سبيل الله حتى مات بِالشَّامِ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ فِي خلافة عمر بن الخطاب. ولم يدع أبو جندل عقبًا.
- أبو جندل بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو. بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بن عبد ود بن نصر بن مالك ابن حسل بن عامر بن لؤي. أسلم قديمًا بمكة فحبسه أبوه وأوثقه في الحديد ومنعه الهجرة. ثم أفلت بعد الحديبية فخرج إلى أبي بصير بالعيص فلم يزل معه حتى مات أبو بصير. فقدم أبو جندل ومن كان معه من المسلمين المدينة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - فلم يزل يَغْزُو مَعَهُ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فخرج إلى الشام في أول من خرج إليها من المسلمين. فلم يزل يغزو ويجاهد في سبيل الله حتى مات بِالشَّامِ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ فِي خلافة عمر بن الخطاب. ولم يدع أبو جندل عقبًا.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=156927&book=5561#c318c9
أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.فَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنِ سِلَفَةَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبِي مِنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَرَأَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَصَافحَ ابْنَ المُبَارَكِ بكلتَا يَدَيْهِ.
قُلْتُ: وَوُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَاله أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ، وَرَّاقُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ (شمَائِلِ البُخَارِيِّ) ، جَمْعَهُ، وَهُوَ جزءٌ ضخمٌ.
أَنْبَأَنِي بِهِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ الحَافِظ أَجَازَ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مِهْرَوَيْهِ الفَارِسِيُّ المُؤَدِّبُ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مَرْو لزيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، فَذَكَرَ الكِتَابَ فَمَا أَنْقُلُهُ عَنْهُ، فَبهَذَا السّندِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ.وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِسَمِعَ بِبُخَارَى قَبْلَ أَنْ يرتحلَ مِنْ: مَوْلاَه مِنْ فَوْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ اليَمَانِ الجُعْفِيِّ المُسْنديِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، ليسُوا مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ مِنْ: مكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي شُيوخِهِ.
وَسَمِعَ بِمَرْوَ مِنْ: عبدَانَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَجَمَاعَةٍ.
وبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ.
وبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى.
وبِبَغْدَادَ إِذْ قَدِمَ العِرَاقَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِق، وَعَفَّانَ.
وبِالبَصْرَةِ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ الشُّعَيثِيّ صَاحِبِ ابْنِ عَوْنٍ، وَمِن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَحَجَّاجِ بنِ منهَالٍ، وَبدلِ بنِ المُحَبِّرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِدَّةٍ.
وبِالْكُوْفَةِ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَطَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُقْرِئِ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَحَسَّانِ بنِ حَسَّانٍ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ.وبَالمَدِيْنَةِ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
وبمصرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِشكَابٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ، وَأَصْبَغَ، وَعِدَّةً.
وبَالشَّامِ: أَبَا اليَمَانِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَبِشْرَ بنَ شُعَيْبٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدّوس، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوهبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم.
وَقَدْ قَالَ وَرَّاقُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بلخَ، فَسَأَلونِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ ممَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ قَبْلَ مَوْته بشهرٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ صَاحِب حَدِيْثٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَينقصُ.
قُلْتُ: فَأَعْلَى شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ حَدَّثوهُ عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَهُم: أَبُو عَاصِمٍ،
وَالأَنْصَارِيُّ، وَمكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَنحوُهُم.وَأَوْسَاطُ شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ رَوَوْا لَهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
ثُمَّ طَبَقَةٌ أُخْرَى دونَهُم كَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ.
وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ شُيُوْخِهِ مِثْلُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الَّذِي روَى عَنْهُ الكَثِيْرَ وَيُدَلِّسُهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَهَؤُلاَءِ هُم مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَشَكَّ فِي سَمَاعِهِ، فَقَالَ: فِي غَيْر (الصَّحِيْحِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَوْ حَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْهُ.
وَروَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الحَرَّانِيِّ، لَقِيَهُ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الجَزِيْرَةَ.
وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيِّ بِبَغْدَادَ سنَةَ عشر.
رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ مُطَيَّن، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ رَاوِي (الصَّحِيْحِ) ، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِزْبَزْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ وَالقَاسِمُ ابْنَا المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسَفيُّ، وَأَممٌ لاَ يُحصَونَ.وَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي غَيْر (صَحِيْحهِ) .
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصِّيَامِ مِنْ (سُنَنِهِ) ، وَلَمْ يَصِحَّ، لَكِن قَدْ حَكَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى) لهُ أَشْيَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخَفَّافِ، عَنِ البُخَارِيِّ.
وَقَدْ رَتَّبَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيِّ شُيُوْخَ البُخَارِيِّ وَأَصْحَابَهُ عَلَى المُعْجَمِ كعَادَتِهِ وَذَكَرَ خَلْقاً سِوَى مَنْ ذَكَرْتُ.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا اليُمْنِ اللُّغَوِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحَرَشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان.
وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ.
وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَلٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي: الثَّوْرِيَّ- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي
مُوْسَى قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً) .
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ جَالِساً، فَجَاءهُ رَجُلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلِيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ مَا شَاءَ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ وَحَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بن عَتِيْق، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أُمِّ عطيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَخْرُجَ ذَوَاتُ الخُدُورِ يَوْمَ العِيْدِ.
قِيْلَ: فَالحُيَّضُ؟
قَالَ: (يَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِيْنَ ) .
هذَان حَدِيْثَانِ صَحِيْحَانِ مِنْ عَالِي مَا وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سِوَى (الصَّحِيْحِ) .
وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ !! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ.
كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم.
ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ.
وكُنْتُ أَختلِفُ إِلَى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَإِذَا جِئْتُ أَستحِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِم، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهلِهَا: كم كتبتَ اليَوْمَ؟فَقلتُ: اثْنَيْنِ، وَأَرَدْتُ بِذَلِكَ حَدِيْثَيْنِ، فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: لاَ تضحكُوا، فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُم يَوْماً!!
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلاَفٌ فِي حَدِيْثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يفصِلُ بَيْنَنَا، فَعَرضَا عَلَيَّ، فَقضيتُ لِلْحُمِيديِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، وَلَوْ أَنَّ مُخَالِفَهُ أَصَرَّ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دعوَاهُ، لَمَاتَ كَافِراً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلَيٍّ البَردَانِيُّ، وَابْنُ الطُّيوُرِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنجَار، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ إِسْحَاقَ البَزَّازَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ منهَال العَابِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالَ: كتبنَا عَنِ البُخَارِيِّ عَلَى بَابِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ.
فقُلْنَا: ابْنُ كَمْ أَنْتَ؟
قَالَ: ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ.
وَعَنْ.... أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: أَخرجتُ هَذَا الكِتَابَ مِنْ زُهَاءِ سِتِّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.أَنبأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيَّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الخلاَّلِ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ
جَمِيْعَ مَا أَدْخَلْتَ فِي المُصَنَّفِ؟ فَقَالَ: لاَ يخفَى عليَّ جَمِيْعُ مَا فِيْهِ.وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ جَمِيْعَ كُتُبِي ثَلاَث مَرَّاتٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ بَعْضُ أُسْتَاذِي هَؤُلاَءِ لَمْ يفهمُوا كَيْفَ صنَّفْتُ (التَّارِيْخَ) ، وَلاَ عرفُوهُ، ثُمَّ قَالَ: صنَّفْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخذ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه كِتَابَ (التَّارِيْخِ) الَّذِي صنَّفْتُ، فَأَدخلَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُرِيكَ سِحْراً؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَسْتُ أَفهُمُ تَصْنِيْفَهُ.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى العِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الحَاكِمِ: أَوَّل مَا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَوَرَدَهَا فِي الأَخِيْرِ سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يُحَدِّثُ عَلَى الدّوامِ.أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القوَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِمَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَحصيتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ وَأَسْرَجَ يَسْتَذكرُ أَشْيَاءَ يُعَلِّقُهَا فِي لَيْلَةٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ مرَّة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِذَا كُنْتُ مَعَهُ فِي سفرٍ، يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلاَّ فِي القيظِ أَحْيَاناً، فَكُنْتُ أَرَاهُ يقومُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مرَّة إِلَى عِشْرِيْنَ مرَّة، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ القَدَّاحَةَ، فيُورِي نَاراً، وَيُسْرِجُ، ثُمَّ يُخرجُ أَحَادِيْثَ، فيُعلِّمُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ :.... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ هَانِئَ بنَ النَّضْر يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ -يَعْنِي: الفِرْيَابِيَّ- بِالشَّامِ وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ فِعْلَ الشَّبَابِ فِي أَكلِ الفِرْصَادِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مَعَنَا، وَكَانَ لاَ يُزَاحمنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، وَيُكِبُّ عَلَى العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخٌ يَمُرُّ بِنَا فِي مَجْلِسِ الدَّاخلِيِّ، فَأُخْبِرُهُ بِالأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مِمَّا يُعرِضُ عَلَيَّ، وَأُخْبِرُهُ بِقَولِهِم، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ لِي يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رئِيسُنَا فِي أَبو جَاد، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ.
قَالَ: وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ مُقيماً، فَكَانَ تَرِدُ إِلَيَّ مِنْ بُخَارَى كُتُبٌ، وَكُنَّ قَرَابَاتٌ لِي يُقرِئنَ سَلاَمهنَّ فِي الكُتُبِ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ كِتَاباً إِلَى بُخَارَى، وَأَرَدْتُ أَنْ أُقرِئَهنَّ سَلاَمِي، فَذَهَبَ عليَّ أَسَامِيهنَّ حِيْنَ كَتَبْتُ كِتَابِي، وَلَمْ أُقرِئهنَّ سَلاَمِي، وَمَا أَقَلَّ مَا يَذْهَبُ عَنِّي مِنَ العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ تكن كِتَابتِي لِلْحَدِيْثِ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاَءِ.
كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عَنْ رجلٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ وَحَمْلِهِ الحَدِيْثَ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهماً.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيَّ أَصْلَهُ وَنُسخَتَهُ.
فَأَمَّا الآخرُونَ لاَ يُبالُونَ مَا يَكْتُبُونَ، وَكَيْفَ يَكْتُبُونَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْضُ السَّلاَطينِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَدَعَا لَهُ دعَاءً كَثِيْراً.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَفِي بيتِهِ يُؤْتَى
الحَكَمُ وَالسَّلاَمُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ.
قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ
الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟
فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا.
فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ
وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ.
وَكَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ.
فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ.
وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ.
وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ.
ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ.
وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ.
فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاغُوْنِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُوْسَى المَرْوَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيّاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ العِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طلبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُم، فرأَينَا رَجُلاً شَابّاً، يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحَدقُوا بِهِ، وَسأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُم مَجْلِسَ الإِملاَءِ، فَأَجَابهُم.
فَلَمَّا كَانَ الغدُ اجْتَمَعَ قَرِيْبٌ مِنْ كَذَا كَذَا أَلفٍ فَجَلَسَ لِلإِملاَءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ البَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمونِي أَنْ أُحدِّثَكُم، وَسأُحدِّثكُم بأَحَادِيْثَ عَنْ أَهْلِ بلدِكُم تَسْتفيدُوْنَ الكُلَّ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ
بنِ أَبِي رَوَّاد بلدِيُّكُم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدكُم، إِنَّ مَا عِنْدكُم عَنْ غَيْرِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ سَالِمٍ.
وَأَملَى مَجْلِساً عَلَى هَذَا النَّسَقِ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيْثِ عندَكُم كَذَا، فَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ فُلاَنٍ، فَلَيْسَ عندَكُم، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ.
قَالَ يُوْسُفُ: وَكَانَ دُخولِي البَصْرَةَ أَيَّامَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ كِتَابَ (الهِبَةِ) ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هِبَةِ وَكِيْعٍ إِلاَّ حَدِيْثَانِ مُسْنَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ.
وَفِي كِتَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خَمْسَةٌ أَوْ نحوهُ. وَفِي كِتَابِي هَذَا خَمْسُ مائَةِ
حَدِيْثٍ أَوْ أَكْثَرُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَفَكَّرْتُ أَصْحَابَ أَنَسٍ، فَحضرنِي فِي سَاعَةٍ ثَلاَثُ مَائةٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا قَدِمْتُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ كَانَ انتفَاعُهُ بِي أَكْثَر مِنِ انتفَاعِي بِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعُ مائَةٍ مِمَّنْ يطلُبُونَ الحَدِيْثَ، فَاجْتَمَعُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَحَبُّوا مُغَالطَةَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَدخلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ العِرَاقِ، وَإِسْنَادَ اليَمَنِ فِي إِسْنَادِ الحَرَمَيْنِ، فَمَا تَعَلَّقُوا مِنْهُ بِسَقْطَةٍ لاَ فِي الإِسْنَادِ، وَلاَ فِي المَتْنِ.
وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْيَدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِي بُخَارَى: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: رُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالبَصْرَةِ كَتَبْتُهُ بِالشَّامِ، وَرُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالشَّامِ كَتَبْتُهُ بِمِصْرَ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بكَمَالِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ.وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ حِكَايَةً قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنَّفْتُ كِتَابَ (الاعتصَامِ) فِي لَيْلَةٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ.
قَالَ: نَعَمْ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ أَجلسُ فِي الجَامِعِ، فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالِي نَيْسَابُوْرَ، فَأَخبروهُ بِمكَانِي، فَاعتذرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مذهَبُنَا إِذَا رُفِعَ إِلَيْنَا غَرِيْبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ حبسنَاهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَنَا أَمرُهُ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضهُم: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لَكَ: لاَ تُحْسِنُ تصلِي، فَكَيْفَ تَجْلِسُ؟
فَقَالَ: لَو قِيْلَ لِي شَيْءٌ مِنْ هذَا مَاكُنْت أَقومُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ حَتَّى أَروِي عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَنَسٍ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوْفُ عَلَى نسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ.
فَلَمْ يعرِفْ أَحَدٌ فِي المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ، وَلاَ أَبَا الخَطَّابِ.
فَقُلْتُ: أَمَا أَبُو عُرْوَةَ فَمَعْمَرٌ، وَأَبُو الخَطَّابِ قَتَادَةُ.
قَالَ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا، يُكَنِّي المَشْهُوْرينَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ رَجَاءُ الحَافِظُ، فَصَارَ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَعددتَ لِقُدُومِي حِيْنَ بَلَغَكَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نظرتَ؟
فَقَالَ: مَا أَحَدثْتُ نَظَراً، وَلَمْ أَستعِدَّ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تسأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَافعلْ.
فَجَعَلَ ينَاظرُهُ فِي أَشْيَاءَ، فَبقيَ رَجَاءُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي الزِّيَادَةِ؟ فَقَالَ اسْتحيَاءً مِنْهُ وَخجلاً: نَعَمْ.
قَالَ: سَلْ إِنْ شِئْتَ؟
فَأَخَذَ فِي أَسَامِي أَيُّوْبَ، فَعدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ سَاكتٌ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ جمعتَ، فَظنَّ رَجَاءُ أَنَّهُ قَدْ صنعَ شَيْئاً، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَاتَكَ خَيرٌ كَثِيْرٌ.
فزيَّفَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أُوْلَئِكَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَأَغربَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجَاءُ: كم رويتَ فِي العِمَامَةِ السَّوْدَاءِ؟
قَالَ: هَاتِ كم رويتَ أَنْتَ؟
ثُمَّ قَالَ: نروِي نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
حَدِيْثاً.فَخَجِلَ رَجَاءُ مِنْ ذَاكَ، وَيبِسَ رِيقُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً.
فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسياً.
فَسَكَتَ سَاعَةً طَوِيْلَةً مُتفكِّراً، وَالتبسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ.
فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّم ) .
وَإِنَّمَا يُرَادُ مبَاشرَةُ هَذِهِ الثَّلاَث العَمَلِ وَالقَلْبِ أَوِ الكَلاَمِ وَالقَلْبِ وَهَذَا لَمْ يعتقدْ بِقَلْبِهِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي، وَأَفْتَى بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِذَا انتخبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَقَالَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنِيْرٍ يَكْتُبُ عَنِ البُخَارِيِّ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمٌ.قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَحَادِيْثَ فِي (صَحِيْحِهِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنير، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً حَتَّى قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ هُوَ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي سَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدِيْنِيَّ بِالشَّاشِ زَمَنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَرَابَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِنَيْسَابُوْرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ فِي المَجْلِسِ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيْثٍ كَانَ دُوْنَ الصَّحَابِيِّ عَطَاءَ الكَيْخَارَانِيِّ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيش كَيْخَارَان؟ فَقَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بعثَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأُنْسِيتُهُ إِلَى اليَمَنِ، فَمَرَّ بكَيْخَارَان، فسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءُ حَدِيْثَيْنِ.
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الكَلْواذَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَأْخُذُ الكِتَابَ مِنَ العُلَمَاءِ، فيطَّلِعُ عَلَيْهِ اطِّلاعَةً، فيحْفَظُ عَامَّةَ أَطرَافِ الأَحَادِيْثِ بِمَرَّةٍ.قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ فِي الزِّيَادَاتِ المذيَّلَةِ عَلَى شمَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هِيَ دَاخلَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازيِّ - قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ لِلْحَدِيْثِ حَتَّى عرفْتُ الصَّحِيْحَ مِنَ السَّقيمِ، وَحَتَّى نظرتُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الرَّأْي، وَحَتَّى دَخَلْتُ البَصْرَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ نحوهَا، فَمَا تركتُ بِهَا حَدِيْثاً صَحِيْحاً إِلاَّ كَتَبْتُهُ، إِلاَّ مَا لَمْ يَظهر لِي.
وَقَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عمْروٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، سَمِعْتُ عَليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَاصِمٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فَاجْتَمَعنَا عِنْدَهُ.
فَقَالَ بَعْضنَا: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِي.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: أَو تَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟! لَعَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مئتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِهِ.
وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ.
ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ
قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ.قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ صَارَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ عَائِداً، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَقِيْهٍ بحقِّهِ وَصدقِهِ، فلينظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ
سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَأَخبرَهُ بِمِحْنَةِ النَّاسِ، وَمَا صنعَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الأُمُورِ.فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَم لِمَنْ حضَرَهُ: أَترُوْنَ البِكْرَ أَشَدَّ حيَاءً مِنْ هَذَا؟
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي رَجَاء، هُوَ قُتَيْبَةُ، فسُئِلَ عَنْ طلاَقِ السَّكرَانِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَابْنُ رَاهْوَيْه قَدْ سَاقهُمُ اللهُ إِلَيْكَ، وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَكَانَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوْبَ العقلِ حَتَّى لاَ يَذْكُرُ مَا يُحدثُ فِي سُكْرِهِ، أَنَّهُ لاَ يجوزُ عليهِ مِنْ أَمرِهِ شَيْءٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ ركبَ مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جِنَازَتَهُ.
فكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُوْرَ يَنْظُرُونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرَ، سَمِعْتُ عبدَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي شَابّاً أَبصرَ مِنْ هَذَا، وَأَشَار بِيَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ قُرَيْش يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انظُرْ فِي كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فِيْهِ مِنَ السَّقْطِ.
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ يَقُوْلُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي أَنْ أُكلِّمَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ ليزيدَهُم فِي القِرَاءةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا إِسْمَاعِيْلُ الجَارِيَةَ، وَأَمرَهَا أَنْ تُخْرجَ صرَّةَ دَنَانِيْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فرِّقْهَا عَلَيْهِم.
قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيْثَ.
قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا طلبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُضَمَّ هَذَا إِلَى ذَاكَ ليَظْهَرَ أَثركَ فِيْهِم.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ نظرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ لَهُ يَوْماً صوتٌ.وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ.
فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: اكتُبُوا عَنْ هَذَا الشَّابِّ -يَعْنِي: البُخَارِيّ- فَلَو كَانَ فِي زَمَنِ الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيْثِ وَفقهِهِ.قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: أَخرجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً: أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيَّ، وَمُحَمَّدُ عِنْدِي أَبصرُهُم وَأَعْلَمُهُم وَأَفْقَهُهُم
قَالَ: وَأَوردتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ذَلِكَ الكبْش؟
فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ.
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الضَّوْءِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلاَنِ: مَا رأَينَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، فَسَمِعْتُ قُدُومَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ بُنْدَارٌ: اليَوْمَ دَخَلَ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي.
فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى بُنْدَارٍ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ خُرَاسَانَ.
قَالَ: مِنْ أَيُّهَا؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
قَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ؟
قُلْتُ: أَنَا مِنْ قَرَابَتِهِ.
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ النَّاسِ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى مَجْلِسِ بُنْدَارٍ، فَلَمَّا وَقَعَ بصرُهُ عليَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ الفَتَى؟قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بُخَارَى.
فَقَالَ لِي: كَيْفَ تركتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَأَمسكتُ، فَقَالُوا لَهُ: يرحمُكَ اللهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَعَانقَنِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَفتخِرُ بِهِ مُنْذُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ.
وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَالحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ.
قَالَ ابْنُ الأَشْعَثِ: فحكيتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ، فَأَطرَى ذكرَ ابْنِ شُجَاعٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَشْتَهرْ؟
قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ.
قُلْتُ: هَذَا ابْنُ شُجَاعٍ رحلَ وَسَمِعَ: مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا مُسْهِرٍ.وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَان أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنيرٍ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمِي وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى بُخَارَى فِي حَاجَةٍ لَهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ ابْنُ مُنِيْرٍ: لقيتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: لاَ.
فطردَهُ، وَقَالَ: مَا فيكَ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، إِذْ قدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: حضَرتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: نَاظرَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي أَحَادِيْثِ سُفْيَانَ، فَعَرفَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقبلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ، فَأَغربَ عَلَيْهِ مَائَتَي حَدِيْثٍ.فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ذَاكَ الفَتَى البَازِلُ - وَالبَازلُ الجملُ المُسِنُّ - إِلاَّ أَنَّهُ يُرِيْدُ هَا هُنَا البصيرُ بِالعِلْمِ، الشجَاعُ.
وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: إِنَّ الرُّتُوتَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِثْلَ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالعَدَنِيِّ، وَالحَسَنِ الخلاَلِ بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ صَاحِبِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَالأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، كَانُوا يهَابُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَقْضُونَ لَهُ عَلَى أَنفُسِهِم فِي المَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بنُ مَالِكٍ الوَرَّاقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُلَمَاءَ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمَامُنَا وَفَقِيْهُنَا وَفَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيِّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُ أَبَا
حَفْصٍ يَقُوْلُ:هَذَا شَابٌّ كَيِّسٌ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صِيتٌ وَذِكْرٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- عَنْ حَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، فَقَالَ: كتبنَاهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَقُوْلُ: سَالِمٌ ضَعِيْفٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ أَبْصَرُ مِنِّي.
قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: (لاَ يَكْذِبُ الكَاذِبُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ ) .
وَقِيْلَ لَهُ: مُحَمَّدٌ يزعُمُ أَنَّ هَذَا صَحِيْحٌ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَبصرُ مِنِّي، لأَنَّ همَّهُ النَّظَرُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَا مَشْغُوْلٌ مريضٌ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَكْيَسُ خلقِ اللهِ، إِنَّهُ عَقَلَ عَنِ اللهِ مَا أَمرَهُ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذَا قَرَأَ مُحَمِّدٌ القُرْآنَ، شَغَلَ قَلْبَهُ وَبصرَهُ وَسَمْعَهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعرفَ حلاَلَهُ وَحرَامَهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا
وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُؤَدِّبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ طلبُ مُحَمَّدٍ لِلْحَدِيْثِ طلبَنَا، كَانَ إِذَا نظَرَ فِي حَدِيْثِ رَجُلٍ أَنْزَفَهُ.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟
فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟!
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَل?ى النِّسَاءِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَبَا رَجَاءَ
البَغْلاَنِيَّ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- إِخْرَاجَ أَحَادِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،فَقَالَ: مُنْذُ كَتَبْتُهَا مَا عرضتُهَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنِ احتسبتَ وَنظرتَ فِيْهَا، وَعلَّمتَ عَلَى الخطأِ مِنْهَا فعلتُ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا، لأَنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهَا بَعْضُ الخطأِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ النَّاسُ يُعَارِضونَ كُتُبَهُم، فيُصحِّحُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَتركتُ كِتَابِي كَمَا هُوَ، فَسُرَّ البُخَارِيُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وُفِّقْتَ.
ثُمَّ أَخذَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلاَةَ الغدَاةِ، فينظُرُ فِيْهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوْجِهِ إِلَى المَجْلِسِ، وَيُعَلِّم عَلَى الخطأِ مِنْهُ.
فَسَمِعْتُ البُخَارِيَّ رَدَّ عَلَى أَبِي رَجَاء يَوْماً حَدِيْثاً.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا مِمَّا كَتَبَ عَنِّي أَهْلُ بَغْدَادَ، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلاَ أَقدِرُ أُغَيِّرُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا كتبَ أُوْلَئِكَ عَنْكَ لأَنَّكَ كُنْتَ مُجْتَازاً، وَأَنَا قَدْ كَتَبْتُ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكَ، كَتَبْتُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ أَبُو رَجَاءَ، وَفَهِمَ قَوْلَهُ، وَخضَعَ لَهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ببلخَ يمشيَانِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِلَى المَشَايِخِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِكرَاماً.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه جَالِساً عَلَى السَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ مَعَهُ وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى مرَّ عَلَى حَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالاَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُخْدَعُوا عَن أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبصرُ.قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ إِسْحَاقَ وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ ثَمَّ، وَهُوَ يَسْتَملِي عَلَى البُخَارِيِّ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: هُوَ أَبصرُ مِنِّي.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابّاً.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا.
وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ وَكِيْعاً وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانُوا فِي الأَحيَاءِ لاحْتَاجُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: انْظُرْ فِي كُتُبِي وَمَا أَملِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكرٌ لَكَ مَا دمتُ حيّاً.
وَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ صَدِيْقِي، ليسَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
فحكيتُ لمهيَارٍ بِالبَصْرَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شرقِ الأَرْضِ وَغربِهَا، فَمَا رحلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ مهيَارٌ: صَدَقَ.
أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ جَمِيْعاً إِلَى
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى ينقَادُ لَهُ فِي المَعْرِفَةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي غدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَهُوَ يرتعدُ مِنَ البَرْدِ، فَقَالَ: أَيَكُوْنُ عندَكُم مِثْلُ ذَا البَرْدِ؟
فَقُلْتُ: مِثْلُ ذَا يَكُوْنُ فِي الخريفِ وَالرَّبِيْعِ، وَرُبَّمَا نُمسِي وَالنَّهْرُ جَارٍ، فنصبحُ وَنَحتَاجُ إِلَى الفَأَسِ فِي نَقْبِ الجَمَدِ.
فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ خُرَاسَان أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هُوَ مِنْ وَطَنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْك مَنْ يُتوسَّلُ بِهِ فَاعرفْ لَهُ حقَّهُ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: مَا أَخذَ عَنِّي أَحَدٌ مَا أَخذَ عَنِّي مُحَمَّدٌ، نظرَ إِلَى كُتُبِي، فرآهَا دَارسَةً، فَقَالَ لِي: أَتَأْذنُ لِي أَنْ أُجدِّدَهَا؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَاسْتَخرجَ عَامَّةَ حَدِيْثِي بِهَذِهِ العِلَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ سَاعَةَ وَدَّعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْ فِي أَدبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شِئْتَ، وَقُلْ فِي علمِ مُحَمَّدٍ مَا شِئْتَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: وذُكِرَ عِنْدَه عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، فسَمِعَ بَعْضَ الجَمَاعَةِ يُفضِّلُ عَبْدَ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدمتوهُ فَقَدِّمُوهُ فِي الشِّعْرِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَلاَ تقدّمُوهُ عَلَيْهِ فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُسُّ إِلَيَّ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِهِ المُشْكِلَةِ عَلَيْهِ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَعرِضَهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَشتهِي أَنْ لاَ يَعْلَمَ مُحَمَّدٌ، فَكُنْتُ إِذَا عَرضْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقُوْلُ: مِنْ ثَمَّ جَاءتْ؟
وَعَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ لكَانَ آيَةً.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَثَلُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ فِي صدقِهِ وَوَرَعِهِ كَمَا كَانَ عُمَرُ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يجئْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وروينَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبُخَارَى هَارُوْنَ بنَ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ، وَسَمَّى خَلْقاً مِنْ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ بَيْنَ يَدِي البُخَارِيِّ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الصَّبِيِّ.ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيَّ المُعَدَّلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حمدُوْنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جِنَازَةِ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَالعِلَلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمُرُّ فِيْهِ مِثْلَ السَّهمِ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَص:1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطوّعِيّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ العُلَمَاءَ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقَينِ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَجمعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: اسْتُجِيْبَ لَهُ فِيْهِ.
قُلْتُ: ابْنُ مُنِيْرٍ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ، قَالَ.... قِيْلَ: إِنَّ البُخَارِيَّ لَمَّا قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، قَدْمَتَهُ الآخِرَة، وَتلقَّاهُ النَّاسُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَالغُوا فِي بِرِّهِ.
قِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم يَوْمَ دُخُوْلِنَا البَصْرَةَ ؟
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَادَ، وَكُنْتُ أَستملِي لَهُ، وَيجتمعُ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَبِي زُرْعَةَ، فقَالَ: أَعْلَمُهُم بالحَدِيْثِ مُحَمِّدٌ، وأَحْفَظُهُم أَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ زبركٍ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ: يقدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَلاَ قَدِمَ العِرَاقَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
فَقَدمَ عَلَيْنَا البُخَارِيَّ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهُ الدَّغُوْلِيُّ: كتبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى البُخَارِيِّ:
المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيْتَ لَهُم ... وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِيْنَ تُفْتَقَدُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: تَرَكَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَسُئِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَقَالَ: تركَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بِرُّهُ لَنَا قَدِيْمٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَسُئِلَ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ الصَّائِغُ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَبُو زُرْعَةَ أَوْ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؟
فَقَالَ: التقيتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَبَغْدَادَ، فَرَجَعتُ مَعَهُ مَرحلَةً، وَجَهِدْتُ أَنْ أَجِيءَ بِحَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَمَا أَمكنَنِي، وَأَنَا أُغْرِبُ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ عَدَدَ شَعْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ طَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَمَهَرَ فِيهِ وَأَبْصَرَ،
وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، وَالحِفْظِ، وَكَانَ يتفقَّهُ.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَأَيْتُ أَبِي يُطْنِبُ فِي مدحِ أَحمدَ بنِ سَيَّارٍ، وَيذكرُه بِالعِلْمِ وَالفِقْه.
وَذكر عَمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى يُرِيْد الخُرُوجَ إِلَى الشَّاشِ، نَزَلَ الرّباطَ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَشَايِخنَا، وَسِرْتُ فِيْمَنْ سَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَخبرتُهُ بسَلاَمَتِهِ، وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يَجِيْئُكَ السَّاعَةَ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَانقضَى المَجْلِسُ، وَلَمْ يَجِئْ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي لَمْ يَجِئْهُ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّالِث قَالَ رَجَاءُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرَنَا أَهْلاً لِلزِّيَارَةِ، فمُرُّوا بِنَا إِلَيْهِ نقضِ حقَّهُ، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوجِ - وَكَانَ كَالمُتَرَغّمِ عَلَيْهِ - فَجِئْنَا بجمَاعتِنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَجَاءُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كُنْتُ بِالأَشواقِ إِلَيْكَ، وَأَشْتَهِي أَنْ تذكرَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْث، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوج.
قَالَ: مَا شِئْتَ.
فَأَلقَى عَلَيْهِ رَجَاءُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ أَيُّوْبَ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ يُجِيْبُ إِلَى أَنْ سكتَ رَجَاءُ عَنِ الإِلقَاءِ.
فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ترَى بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ نذكرْهُ، فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ يُلْقِي، وَيَقُوْلُ رَجَاءُ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يَجِيْءُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَنْ أَلقَى قَرِيْباً مِنْ بِضْعَة عشر حَدِيْثاً.
وَتَغَيَّرَ رَجَاءُ تغيُّراً شَدِيْداً، وَحَانَتْ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ نظرَةٌ إِلَى وَجْهِهِ، فَعَرفَ التَّغَيُّرَ فِيْهِ، فَقطَعَ الحَدِيْثَ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَجَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَبلغَ بِهِ ضِعْفَ مَا أَلقَيْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يدخُلَهُ شَيْءٌ، فَأَمسكتُ.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ الخَفَّافَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا بِعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ؛ وَمَنْ قَالَ فِيْهِ شَيْئاً، فمنِّي عَلَيْهِ أَلفُ لعنَةٍ.ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوْفِ بعُبَيْدِ العِجْلِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ يبلغُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ.
وَرَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يَسْتَمَعَانِ إِلَى مُحَمَّدٍ أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ، يجلسُونَ إِلَى جَنْبِهِ، فَذُكِرَ لعُبَيْدِ العِجْلِ قِصَّةُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا لَهُ وَلِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ؟ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بكذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّناً فَاضِلاً يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حمدُوْن القصَّارُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيهِ، وَقَالَ: دعنِي أُقَبِّلُ رِجْليكَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثكَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ أَبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَفَّارَةِ المَجْلِسِ، فَمَا عِلَّتُهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا حَدِيْثٌ مَلِيْحٌ، وَلاَ أَعْلَمُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي الدُّنْيَا حَدِيْثاً غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ فِي هَذَا البَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ معلولٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لاَ يُذكَرُ لمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ.فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبَلَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ رُكْبَاناً عَلَى الخيلِ، سِوَى مِنْ ركبَ بغلاً أَوْ حِمَاراً وَسوَى الرَّجَّالَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ.
أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟
قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وجدْتُ فَائِدَةً مَنْقُوْلَةً عَنْ أَبِي الخَطَّابِ بنِ دِحْيَةَ، أَنَّ الرَّمْلِيَّ الكَذَّابَةَ قَالَ: البُخَارِيُّ مَجْهُوْلٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى الفِرَبْرِيُّ.
قَالَ أَبُو الخَطَّابِ: وَاللهِ كذبَ فِي هَذَا وَفَجَرَ، وَالتقمَ الحَجَرَ، بَلِ البُخَارِيُّ مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَحَمْلِهِ؛ مجمعٌ عَلَى حِفْظِهِ وَنُبْلِهِ، جَابَ البِلاَدَ، وَطَلَبَ الرِّوَايَةَ وَالإِسْنَادِ.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابُهُ فَقَدْ عرضَهُ عَلَى حَافِظِ زَمَانِهِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: كِتَابُكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْث.
ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ
قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ.وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ
..................................................................................
كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم.
فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي.
قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فلسعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
فَلَمَّا قضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: انْظُرُوا أَيش آذَانِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: دُعِيَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى بُسْتَانِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى بِالقَوْمِ الظُّهْرَ، قَامَ يتطوَّعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، رفعَ ذيلَ قمِيصِهِ، فَقَالَ لبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: انظُرْ هَلْ تَرَى تَحْتَ قمِيصِي شَيْئاً؟ فَإِذَا زنبورٌ قَدْ أَبَرَهُ فِي ستِّةِ عشرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعاً، وَقَدْ تورمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُهُ.فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ: كَيْفَ لَمْ تخرجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَكَ؟
قَالَ: كُنْتُ فِي سُوْرَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهَا !!
وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
أَعدْتُ هَذَا لِلتَّبويبِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ.
وَقَدْ ذكرنَا أَنَّهُ لَمَّا أَلَّفَ (الصَّحِيْحَ) كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَرْجَمَةٍ.
وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: ركبنَا يَوْماً إِلَى الرَّمْيِ، وَنَحْنُ بِفِرَبْر، فَخَرَجْنَا إِلَى الدَّربِ الَّذِي يُؤدِّي إِلَى الفُرْضَةِ.
فجعلنَا نَرمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وتِدَ القنطرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَةَ، فَانْشَقَّ الوَتِدُ.
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الوَتِدِ، وَتركَ الرَّمْيَ.
وَقَالَ لَنَا: ارجِعُوا.
وَرجَعْنَا مَعَهُ إِلَى المَنْزِلِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لِي إِلَيْك حَاجَةٌ تقضيهَا؟
قلتُ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ.
قَالَ: حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهُوَ يتنفَّسُ الصُّعَدَاءَ.
فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذهبُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ حَتَّى تُعِينوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُهُ.
فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِيَ؟
قَالَ لِي: تضمنُ قَضَاءهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ القنطرَةِ، فَتَقُوْلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخللنَا بِالوَتِدِ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا فِي إِقَامَةِ بَدَلِهِ، أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ،
وَتجعلنَا فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ القنطرَةِ حُمَيْدُ بنُ الأَخضرِ الفِرَبْرِيُّ.فَقَالَ لَي: أَبلغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ، وَقَالَ جَمِيْعُ مُلْكِي لَكَ الفدَاءُ، وَإِنْ قُلْتُ: نَفْسِي، أَكُوْنُ قَدْ كذبْتُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ تحتَشِمنِي فِي وَتِدٍ أَوْ فِي مُلكِي.
فَأَبلغتُهُ رسَالَتَهُ، فَتهلَّلَ وَجْهُهُ، وَاسْتنَارَ، وَأَظْهَرَ سُرُوْراً، وَقَرَأَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الغُربَاءِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَتصدَّقَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لأَبِي مَعْشَرٍ الضَّرِيْرِ: اجعلنِي فِي حلٍّ يَا أَبَا مَعْشَرٍ.
فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: رويتُ يَوْماً حَدِيْثاً، فَنَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أُعْجِبتَ بِهِ، وَأَنْتَ تُحرِّكُ رأْسَكَ وَيَدَكَ، فَتبسَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ اسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ يَوْماً، وَنَحْنُ بِفِرَبْر فِي تَصْنِيْفِهِ كِتَابِ (التَّفْسِيْرِ) .
وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ ذَلِكَ اليَوْمِ فِي كَثْرَةِ إِخْرَاجِ الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تَقُوْلُ: إِنِّي مَا أَثْبَتُّ شَيْئاً، بِغَيْرِ علمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَمَا الفَائِدَةُ فِي الاسْتلقَاءِ؟
قَالَ: أَتعبْنَا أَنفُسَنَا اليَوْمَ، وَهَذَا ثغرٌ مِنَ الثُّغُوْرِ، خَشِيْتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمرِ العدوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتريحَ، وَآخُذَ أُهبَةً، فَإِن غَافَصَنَا العَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ.
قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الرَّمْي كَثِيْراً، فَمَا أَعْلَمُنِي رَأَيْتُهُ فِي طولِ مَا صحِبْتُهُ أَخْطَأَ سهمُهُ الهَدَفَ إِلاَّ مرَّتينِ، فَكَانَ يُصِيْبُ الهدفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَانَ لاَ يُسْبَقُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَكلْتُ كُرَّاثاً قَطُّ، وَلاَ القَنَابَرَى.قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: كرِهْتُ أَنْ أُوذِيَ مَنْ مَعِي مِنْ نَتَنِهِمَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ البصلُ النِّيءُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الفِرَبْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ بِفِرَبْر فِي المَسْجَدِ، فَدَفَعْتُ مِنْ لِحْيَتِهِ قَذَاةً مِثْلَ الذَّرَّةِ أَذْكُرُهَا، فَأَردْتُ أَنْ أُلقِيهَا فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: أَلقِهَا خَارجاً مِنَ المَسْجَدِ.
قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ.
فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إِلاَّ بدأَتُ بحمدِ اللهِ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إِلاَّ أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ، وضيَّفَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مَجَالِسَ فِيْهِ، وَأَجرَى
المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ.فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى؟
فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً، فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر، فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ.
ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر، فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ، فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي.
فَجَهِدْنَا، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ.
فَكَتَبَ إِلَى وَالِي خُوَارزمَ.
فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، وَجَدَ وَجْداً شَدِيْداً.
وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي.
وَكَتَبَ كِتَاباً، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إِلاَّ بِخَيْرٍ.
فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل، وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو.
فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ.
فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً.
وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ، وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ؟
قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ، فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي.
قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل- وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ.قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً، فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ.
فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي.
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَوْماً بِفِرَبْر: بَلَغَنِي أَنَّ نَخَّاساً قَدِمَ بجَوَارِي، فَتصيرَ مَعِي؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فصِرنَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَ جَوَارِيَ حِسَاناً صِبَاحاً.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِلاَلِهنَّ جَارِيَةٌ خَزَرِيَّةٌ دمِيمَةٌ عَلَيْهَا شحمٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فمسَّ ذَقْنَهَا فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ لَنَا مِنْهُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ دمِيمَةٌ قبيحَةٌ لاَ تَصْلُحُ، وَاللاَتِي نظرْنَا إِليهنَّ يُمْكِنُ شِرَاءهُنَّ بثمنِ هَذِهِ.
فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ، فَإِنِّي قَدْ مَسِسْتُ ذَقْنَهَا، وَلاَ أُحبُّ أَنْ أَمسَّ جَارِيَةً، ثُمَّ لاَ أَشْتَرِيهَا.
فَاشْترَاهَا بغلاَءِ خَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ.
ثُمَّ لَمْ تزلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَخرَجَهَا مَعَهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ بكرَ بنَ مُنِيْرٍ - وَقَدْ ذكرَ معنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّفْظُ لبَكْرٍ - قَالَ: كَانَ حُمِلَ إِلَى البُخَارِيِّ بِضَاعَةٌ أَنفذَهَا إِلَيْهِ ابْنُهُ أَحْمَدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَيْهِ.
فَطَلَبُوهَا بربحِ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: انْصَرَفُوا اللَّيْلَةَ.
فَجَاءهُ مِنَ الغَدِ تُجَّارٌ آخرُوْنَ، فَطَلَبُوا مِنْهُ البِضَاعَةَ بربحِ عَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: إِنِّي
نَوَيْتُ بيعَهَا للَّذين أَتَوا البَارِحَةَ.وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حمدٍ المُلاَحِمِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَابرِ بنِ كَاتِبٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرُ قَالَ: كُنَّا مَعَ البُخَارِيِّ بِالبَصْرَةِ نكتبُ، فَفَقدنَاهُ أَيَّاماً، ثُمَّ وَجدنَاهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ عُريَانٌ، وَقَدْ نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَجَمَعنَا لَهُ الدَّرَاهِمَ، وَكسونَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ؛ أَوْ جرَّبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مرَّتينِ، فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!!
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ، فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ: كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ،
وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ الحَدِيْثَ حِسْبَةً غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنْ يُحَدِّثَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهَا وَتفَاسِيرِهَا وَعِلَلِهَا.
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ قدرَ مُقَامِهِ.
وَكَانَ أَقَامَ فِي تِلْكَ الدفعَةِ جُمْعَةً.
وَسَمِعْتُ سليماً يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً أَفْقَهَ، وَلاَ أَوْرَعَ، وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعيفِ.
ذِكْرُ كَرَمِهِ وَسَمَاحَتِهِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ يَكْرِيهَا كُلَّ سَنَةٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
فَكَانَ ذَلِكَ المُكْتَرِي رُبَّمَا حملَ مِنْهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ قِثَّاةً أَوْ قِثَّاتَينِ، لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ مُعْجَباً بِالقِثَّاءِ النَّضيجِ، وَكَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى البطيخِ أَحْيَاناً، فَكَانَ يَهَبُ لِلرَّجُلِ مائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ لحملِهِ القِثَّاءَ إِلَيْهِ أَحْيَاناً.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَستَغِلُّ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَنفقْتُ كُلَّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: كم بَيْنَ مَنْ ينفقُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، وَبَيْنَ مَنْ كَانَ خِلْواً مِنَ المَالِ، فَجَمَعَ وَكسبَ بِالعِلْمِ، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشُّوْرَى: 36]
قَالَ: وَكُنَّا بِفِرَبْر، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يبنِي رِباطاً مِمَّا يلِي بُخَارَى، فَاجْتَمَعَ بَشَرٌ كَثِيْرٌ يُعينونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ينقُلُ اللَّبِنَ، فَكُنْتُ أَقُوْلُ لَهُ: إِنَّكَ تُكْفَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي يَنْفَعُنَا.ثُمَّ أَخذَ ينقلُ الزَّنْبَرَاتِ مَعَهُ، وَكَانَ ذَبَحَ لَهُم بَقَرَةً، فَلَمَّا أَدْرَكَتِ القدورُ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ بِهَا مائَةُ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يجتمعُ مَا اجْتَمَعَ، وَكُنَّا أَخرجْنَا مَعَهُ مِنْ فِرَبْر خُبزاً بِثَلاَثَةِ درَاهمَ أَوْ أَقَلَّ، فَأَلقينَا بَيْنَ أَيديهِم، فَأَكَلَ جَمِيْعُ مَنْ حضَرَ، وَفضلتْ أَرغفَةٌ صَالِحَةٌ.
وَكَانَ الخبزُ إِذْ ذَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ بِدِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ، فَلاَ يَأْكُلُ فِيْهِ رُقَاقَةً، إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَحْيَاناً لوزتين أَوْ ثَلاَثاً.
وَكَانَ يجتنِبُ توَابِلَ القُدورِ مِثْلَ الحِمّصِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لِي يَوْماً شبهَ المُتفرِّجِ بصَاحِبِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، نَحْتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيْرٍ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْرُ كَمْ؟
قَالَ: أَحتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ يتصدَّقُ بِالكَثِيْرِ، يَأْخُذُ بِيَدِهِ صَاحِبَ الحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فيُنَاوِلُهُ مَا بَيْنَ العِشْرِيْنَ إِلَى الثَّلاَثِيْنَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ كِيْسُهُ.
وَرَأَيْتُهُ نَاولَ رَجُلاً مِرَاراً صُرَّةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَنِي بعَدَدِ مَا كَانَ فِيْهَا مِنْ بَعْدُ - فَأَرَادَ أَنْ يدعُوَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ارفُقْ، وَاشتغلْ بِحَدِيْثٍ آخرَ كيلاَ يعلمَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
قَالَ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُ مَنْزِلاً بتسعِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِي
إِلَيْكَ حَاجَةٌ تَقْضِيهَا؟قُلْتُ: نَعَمْ، وَنُعْمَى عينٍ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصيرَ إِلَى نُوْحِ بنِ أَبِي شدَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَتَحْمِلَهُ إِلَيَّ، فَفَعَلتُ.
فَقَالَ لِي: خُذْهُ إِلَيْكَ، فَاصرِفْهُ فِي ثمنِ المَنْزِلِ.
فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهُ مِنْكَ وَشكرتُهُ.
وَأَقبلنَا عَلَى الكِتَابَةِ، وَكُنَّا فِي تَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) .
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، قُلْتُ: عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ لاَ أَجْتَرِئُ رفعَهَا إِلَيْكَ، فَظنَّ أَنِّي طَمِعْتُ فِي الزِّيَادَةِ.
فَقَالَ: لاَ تحتشمْنِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَحْتَاجُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُوْنَ مأَخوذاً بِسببِكَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لأَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
فذكرَ حَدِيْثَ سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمِيْعِ مَا تَقُوْلُ، وَوهبْتُ لَكَ المَالَ الَّذِي عرضتَهُ عليَّ، عَنَيْتُ المُنَاصفَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لِي جَوَارٍ وَامْرَأَةٌ، وَأَنْتَ عَزَبٌ، فَالَّذِي يَجِبُ عليَّ أَنْ أُنَاصِفَكَ لنستوِي فِي المَالِ وَغَيْرِهِ، وَأَربحُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ فعلْتَ - رَحِمَكَ اللهُ - أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ أَنْزَلْتَنِي مِنْ نَفْسِكَ مَا لَمْ تُنْزِلْ أَحَداً، وَحللتُ مِنْكَ محلَّ الوَلَدِ، ثُمَّ حَفِظَ عليَّ حَدِيْثِي الأَوَّل، وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟
قُلْتُ: تَقْضِيهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأُسَرُّ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذِهِ الأَلفُ، تَأْمُرُ بِقَبُولِهِ، وَاصْرِفْهُ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَ لِي قَضَاءَ حَاجَتِي.
ثُمَّ جلسْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بيومِيْنِ لتَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) ، وَكَتَبْنَا مِنْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْئاً كَثِيْراً إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّينَا الظُّهرَ، وَأَقبلْنَا عَلَى الكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نكُوْنَ أَكلْنَا شَيْئاً، فرآنِي لَمَّا كَانَ قُرْبَ العصرِ شِبْهَ القَلِقِ المستوحشِ، فَتوهَّمَ فِيَّ ملاَلاً.
وَإِنَّمَا كَانَ بِيَ الحصرُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكنْ أَقدرُ عَلَى القِيَامِ، وَكُنْتُ أَتَلَوَّى اهتمَاماً بِالحصرِ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَنْزِلَ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كَاغدَةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: أَمَا إِذْ لَمْ تقبلْ ثمنَ المَنْزِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذَا فِي بَعْضِ حَوَائِجِكَ.
فجهَدَنِي، فَلَمْ أَقبلْ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، كتبنَا إِلَى الظُّهرِ أَيْضاً، فَنَاوَلَنِي
عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذِهِ فِي شرَاءِ الخُضرِ وَنحوِ ذَلِكَ.
فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مَا كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّهُ يلاَئِمُهُ، وَبعثْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَتيتُ.
فَقَالَ لِي: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، لَيْسَ فيكَ حِيْلَةٌ، فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نُعَنِّي أَنْفُسَنَا.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ جمعتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَأَيُّ رَجُلٍ يَبَرُّ خَادِمَهُ بِمثلِ مَا تَبَرُّنِي، إِنْ كُنْتُ لاَ أَعرِفُ هَذَا؛ فلَسْتُ أَعرِفُ أَكْثَرَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّارفيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَى مَنْزِلِهِ، فَجَاءتْهُ جَارِيَةٌ، وَأَرَادَتْ دُخُوْلَ المَنْزِلِ، فعثرَتْ عَلَى محبرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تمشينَ؟
قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيْقٌ، كَيْفَ أَمْشِي؟
فَبسط يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اذهبِي فَقَدْ أَعتقْتُكِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ فِيْمَا بَعْدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَغضبتْكَ الجَارِيَةُ؟
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَغضبتْنِي فَإِنِّي أَرضيْتُ نَفْسِي بِمَا فعلْتُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازُ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ شَيْخاً نحيفَ الجسمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ وَلاَ بِالقَصِيْرِ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، سَمِعْتُ جِبْرِيْلَ بنَ مِيكَائِيلَ بِمِصْرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا بَلَغْتُ خُرَاسَانَ أُصِبْتُ ببَعْضِ بَصْرِي، فعَلَّمَنِي رَجُلٌ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، وَأُغَلِّفَهُ بِالخِطْمِيِّ.
فَفَعَلْتُ، فردَّ اللهُ عليَّ بَصْرِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الوَرَّاقُ: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِفِرَبْر الحَمَّامَ، وَكُنْتُ أَنَا فِي مَشْلَحِ الحَمَّامِ، أَتعَاهَدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ نَاوَلْتُهُ ثِيَابَهُ، فلبِسَهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ الخُفَّ، فَقَالَ: مَسِسْتَ شَيْئاً فِيْهِ شعرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.فَقُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الخُفِّ؟
فَلَمْ يُخْبِرْنِي.
فتوهَّمْتُ أَنَّهُ فِي سَاقِهِ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالبِطَانَةِ.
ذِكْرُ قِصَّتِهِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ - رحِمَهُمَا اللهُ -
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ لَنَا لَمَّا وَرَدَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَقبلُوا عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، حَتَّى ظَهرَ الخَلَلُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَحَسَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: ذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايِخِ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمَّا وَردَ نَيْسَابُوْرَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، حَسَدَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ مَشَايِخِ نَيْسَابُوْرَ لَمَّا رَأَوا إِقبالَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَاجْتِمَاعَهُم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَامتحنُوهُ فِي المَجْلِسِ.
فَلَمَّا حضَرَ النَّاسُ مَجْلِسَ البُخَارِيِّ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ، مَخْلُوْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَأَعرَضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأَعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالتفَتَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَقَالَ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَفْعَالُ العبَادِ مَخْلُوْقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ.فشَغَبَ الرَّجُلُ، وَشَغَبَ النَّاسُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.
وَقَعَدَ البُخَارِيُّ فِي مَنْزِلِهِ.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ خشنَام قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِنَيْسَابُوْرَ عَنِ اللَّفْظِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: أَبَا قُدَامَةَ- عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ هُوَ القَطَّانُ قَالَ: أَعْمَالُ العبَادِ كُلُّهَا مَخْلُوْقَةٌ.
فمَرَقُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ترجِعُ عَنْ هَذَا القَوْلِ، حَتَّى نعُودَ إِلَيْكَ؟
قَالَ: لاَ أَفعلْ إِلاَّ أَنْ تَجِيئُوا بحجَّةٍ فِيْمَا تقولُونَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِي.
وَأَعجبَنِي مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ثَبَاتُهُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ المُطَّوِّعِيُّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَمَّا أَفْعَالُ العِبَادِ فمَخْلُوْقَةٌ.
فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ ) .
وَبِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِن أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.قَالَ البُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُم وَأَصْوَاتُهُم وَاكتِسَابُهُم وَكِتَابَتُهُم مَخْلُوْقَةٌ.
فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُبَيَّنُ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ، المسطورُ المَكْتُوْبُ المُوعَى فِي القُلُوْبِ، فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُوْرِ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ} [الْعَنْكَبُوت:49]
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعمَشِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جنَازَةِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَعِلَلِ الحَدِيْثِ، وَيمرُّ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِثْلَ السَّهْمِ.
فَمَا أَتَى عَلَى هَذَا شَهْرٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَلاَ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَى مَجْلِسِهِ فَلاَ يَخْتَلِفْ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُم كَتَبُوا إِلَيْنَا مِنْ بَغْدَادَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّفْظِ، وَنهينَاهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلاَ تقربوهُ، وَمَنْ يقربْهُ فَلاَ يقربْنَا، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ هَا هُنَا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بُخَارَى.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ جَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَخَرَجَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَبَانتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَجُعِلَ مَالُهُ فَيْئاً بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِهِم، وَمَنْ وَقَفَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْق وَلاَ غَيْر مَخْلُوْق، فَقَدْ ضَاهَى الكُفْرَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ، لاَ يُجَالَسْ وَلاَ يُكَلَّمْ.وَمِنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَاضِرٍ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شَاذِلٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَالبُخَارِيِّ، دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيْشٍ الحِيلَةُ لَنَا فِيْمَا بينكَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ
يَحْيَى، كُلُّ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَيْكَ يُطْرَدُ؟فَقَالَ: كم يَعْتَرِي مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الحسدُ فِي العِلْمِ، وَالعِلْمُ رِزْقُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ المَسْأَلَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْكَ؟
قَالَ: يَا بنِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْؤُوْمَةٌ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا نَالَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَتَكَلَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مَخْلُوْقٌ، سُئِلَ عَنْهَا البُخَارِيُّ، فَوَقَفَ فِيْهَا، فَلَمَّا وَقَفَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَفْعَالَنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَاسْتدلَّ لِذَلِكَ، فَهِمَ مِنْهُ الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، وَأَخَذَهُ بلاَزِمِ قَوْلِهِ هُوَ وَغَيْرهُ.
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي الحِكَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ الخَفَّافَ بِبُخَارَى يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ القَيْسِيِّ، وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيْهِ.
فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ مَا أَقُوْلُ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَحَدٌ يحكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ المَقَالَة.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، احْفَظ مَا أَقُوْلُ لَكَ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ
نَيْسَابُوْرَ وَقُومس وَالرَّيِّ وَهَمَذَان وَحلوَانَ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ أَحْمَدَ الكِنْدِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ نَيْسَابُوْرَ مَا رَأَيْتُ وَالِياً وَلاَ عَالِماً فَعَلَ بِهِ أَهْلُ نَيْسَابُوْرَ مَا فعلُوا بِهِ، اسْتَقبلُوهُ مرحلَتَيْنِ وَثَلاَثَة.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى فِي مَجْلِسِهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقبلَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ غَداً فليستقبِلْهُ.
فَاسْتقبلَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى وَعَامَّةُ العُلَمَاءِ، فَنَزَلَ دَارَ البُخَاريّينَ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: لاَ تسأَلُوهُ عَنْ شِيءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِخِلاَفِ مَا نَحْنُ فِيْهِ، وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَمِتَ بِنَا كُلُّ حَرُورِيٍّ، وَكُلُّ رَافضيٍّ، وَكُلُّ جَهْمِيٍّ، وَكُلُّ مُرْجِئٍ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ: فَازدحمَ النَّاسُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَتَّى امتلأَ السّطحُ وَالدَّارُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَأَلفَاظُنَا مِنْ أَفْعَالِنَا.
فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ، حَتَّى توَاثَبُوا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ وَأَخرجُوهُم.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَلِيٍّ المَخْلَديَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ أَظهرَ هَذَا البُخَارِيُّ قَوْلَ اللفظيَّةِ، وَاللفظيَّةُ عِنْدِي شرُّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ بِخُرَاسَانَ خصوصاً فِي هَذِهِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ لَجَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ منَّا أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيْهِ، فَمَا تَرَى؟
فَقبضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالعِبَادِ} [غَافر: 44] اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدِ المقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ أَشَراً وَلاَ بَطراً، وَلاَ طَلباً للرِّئاسَةِ، وَإِنَّمَا أَبَتْ عليَّ نَفْسِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِي لِغَلَبَةِ المُخَالِفينَ، وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ حَسَداً لَمَّا آتَانِي اللهُ لاَ غَيْر.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي خَارجٌ غَداً لتتخلَّصُوا مِنْ حَدِيْثِهِ لأَجلِي.
قَالَ: فَأَخبرْتُ جَمَاعَةَ أَصْحَابِنَا، فَوَاللهِ مَا شَيَّعَهُ غَيْرِي.
كُنْتُ مَعَهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنَ البلدِ، وَأَقَامَ عَلَى بَابِ البلدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لإِصْلاَحِ أَمرِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتوطَنَ
البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ أَكْثَرَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ الاخْتِلاَفَ إِلَيْهِ.فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ.
فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ.
وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ.
فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ!
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا ) .وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ.
فَيَقُوْلُ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً} [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: {وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43] .
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ ) ، وَقَالَ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: (مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ، فَقَدِ انْتَصَرَ ) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يَتَعرَّضُ لَنَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَفنَاءِ النَّاسِ إِلاَّ رُمِيَ بِقَارعَةٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ، وَكُلَّمَا حَدَّثَ الجُهَالُ أَنفسَهُم أَنْ يَمْكُرُوا بِنَا رَأَيْتُ مِنْ ليلتِي فِي المَنَامِ نَاراً تُوَقَدُ ثُمَّ تُطفَأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتفَعَ بِهَا، فَأَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}
[المَائِدَة: 64] .وَكَانَ هِجِّيرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ إِذَا أَتيتهُ فِي آخِرِ مَقْدَمِهِ مِنَ العِرَاقِ: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِنْ يَخْذُلْكُم فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ} [آل عِمْرَان:160] الآيَة.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَرَّاقَ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ يَقُوْلُ لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ مَرْوَ اسْتَقبلَهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِيْمَنْ اسْتَقبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، نَحْنُ لاَ نُخَالِفُكَ فِيْمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنَّ العَامَّةَ لاَ تحملُ ذَا مِنْكَ.
فَقَالَ البُخَارِيُّ: إِنِّي أَخشَى النَّارَ، أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَعْلَمُهُ حقاً أَنْ أَقُوْلَ غَيْرَهُ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (الجرحِ وَالتعديلِ ) : قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
قُلْتُ: إِنْ تركَا حَدِيْثَهُ، أَوْ لَمْ يَتْرُكَاهُ، البُخَارِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مُحتجٌّ بِهِ فِي العَالَمِ.ذِكْرُ مِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيْرِ بُخَارَى
رَوَى أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ القبَابُ عَلَى فرسخٍ مِنَ البلدِ، وَاسْتقبلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البلدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُوْرٌ إِلاَّ اسْتَقبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيْرُ وَالِدَرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الكَثِيْرُ، فَبقيَ أَيَّاماً.
قَالَ: فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدِ بنِ أَحْمَدَ أَمِيْرِ بُخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظهرَ خِلاَفَ السُّنَّةِ.
فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى، فَقَالُوا: لاَ نُفَارِقُهُ، فَأَمرَهُ الأَمِيْرُ بِالخُرُوجِ مِنَ البلدِ، فَخَرَجَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: فحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ النَّسفيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أُخرِجَ فِيْهِ مِنْ بُخَارَى، فَتقدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ فِيْهِ مَا نُثِرَ؟
فَقَالَ: لاَ أُبَالِي إِذَا سَلِمَ دينِي.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى بِيْكَنْد، فَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ حزبينِ: حزبٌ مَعَهُ، وَحزبٌ عَلَيْهِ،
إِلَى أَنْ كتبَ إِلَيْهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِم، فَقَدِمَ إِلَى أَنْ وَصلَ بَعْضَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِتْنَةٌ مِنْ سَبَبِهِ، قَوْمٌ يُرِيْدُوْنَ إِدخَالَهُ البلَدَ، وَقَوْمٌ لاَ يُرِيْدُوْنَ ذَلِكَ، إِلَى أَنِ اتَّفقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِم، فَاتَّصلَ بِهِ الخَبَرُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم بِسَبِبِهِ، فَخَرَجَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْكَبَ.فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي، ثَلاَثاً، فَسقَطَ مَيْتاً، فَاتَّصل بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَحضروهُ بِأَجمعهِم.
هَذِهِ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا يَأْتِي خِلاَفهَا.
قَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرِ بنِ خُليدِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: بعثَ الأَمِيْرُ خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ أَنِ احملْ إِلَيَّ كِتَابَ (الجَامِعِ) وَ (التَّارِيْخِ) وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ.
فَقَالَ لِرَسُوْلِهِ: أَنَا لاَ أُذِلُّ العِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ، فَاحضُرْ فِي مَسْجِدِي، أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعجبْكَ هَذَا فَإِنَّكَ سُلْطَانٌ، فَامنعنِي مِنَ المَجْلِسِ، ليَكُوْنَ لِي عذرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنِّي لاَ أَكتُمُ العِلْمَ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ) فَكَانَ سَبَبُ الوحشَةِ بَيْنَهُمَا هَذَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ أَبِي عَمْرٍو الحَافِظَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ مُنَافرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ خَالِدَ بنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيْرَ خَلِيْفَةَ الطَّاهريَّةِ بِبُخَارَى سَأَلَ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ، فيقرأَ (الجَامِعَ) وَ (التَّارِيْخَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُوْرِ عِنْدَهُ، فرَاسلَهُ بِأَنْ يعقِدَ مَجْلِساً لأَوْلاَدِهِ، لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرهُم، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: لاَ أَخُصُّ أَحَداً.فَاسْتعَانَ الأَمِيْرُ بحريثِ بنِ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ البلدِ، فَدَعَا عَلَيْهِم، فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهريَّةِ، بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ فِي البلدِ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَانٍ.
وَأَمَّا حُريثٌ، فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ.
وَأَمَّا فُلاَن، فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ، وَأَرَاهُ اللهُ فِيْهِمُ البلاَيَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ شَاذَوْيه قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَالَ حُريثُ بنُ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرُهُ: هَذَا رَجُلٌ مُشغِبٌ، وَهُوَ يُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذِهِ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَاحتَّجُوا عَلَيْهِ بِابْنِ يَحْيَى، وَاسْتعَانُوا عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ فِي نَفْيِهِ مِنَ البلدِ، فَأُخْرَجَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَرِعاً، يتجنَّبُ السُّلْطَانَ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَاصلٍ البِيْكَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بخُرُوْجِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَمقَامُهُ عِنْدنَا، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْهُ هَذِهِ الكُتُبَ، وَإِلاَّ مَنْ كَانَ يصلُ إِلَيْهِ وَبمقَامِهِ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي: فِرَبْر
وَبِيْكَنْد بقيَتْ هَذِهِ الآثَارُ فِيْهَا، وَتخرَّجَ النَّاسُ بِهِ.قُلْتُ: خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ، قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ بِبُخَارَى آثَارٌ محمودَةٌ كُلُّهَا، إِلاَّ مَوْجِدَتَهُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ، وَسببٌ لزوَالِ مُلْكِهِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ بهمذَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجَلاَّبُ، وَبمروَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقُ، وَكَانَ قَدْ مَالَ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ اللَّيْثِ، فَلَمَّا حَجَّ حبسوهُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ لسنتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ذِكْرُ وَفَاتِهِ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ غَالِبَ بنَ جِبْرِيْلَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
إِنَّهُ أَقَامَ عِنْدنَا أَيَّاماً، فمَرِضَ، وَاشتدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى مَدِيْنَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي إِخْرَاجِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَافَى
تَهَيَّأَ للرُّكُوبِ، فلبسَ خُفَّيْهِ، وَتعمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قدرَ عِشْرِيْنَ خطوَةً أَوْ نحوَهَا وَأَنَا آخِذٌ بَعْضُدِهِ وَرَجُلٌ أَخذَ مَعِي يقودُهُ إِلَى الدَّابَّةِ ليركبَهَا، فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرسلونِي، فَقَدْ ضَعُفْتُ، فَدَعَا بدعَوَاتٍ، ثُمَّ اضطجعَ، فَقَضَى -رَحِمَهُ اللهُ- فسَالَ مِنْهُ العرَقُ شَيْءٌ لاَ يُوْصَفُ، فَمَا سَكَنَ مِنْهُ العرَقُ إِلَى أَنْ أَدرجنَاهُ فِي ثِيَابِهِ.وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يعِشْ أَبُو مَنْصُوْرٍ غَالِبُ بنُ جِبْرِيْلَ بَعْدَهُ إِلاَّ القَلِيْلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ:رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ.
فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ الكرْمِيْنِيَّ يَقُوْلُ:
مَاتَ عِنْدنَا البُخَارِيُّ لَيْلَةَ عيدِ الفِطرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَقَدْ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي بَيْتٍ وَحدَهُ، فَوَجَدنَاهُ لَمَّا أَصْبَحَ وَهُوَ مَيِّتٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَاتِمٍ الخَلْقَانِيَّ فِي المَنَامِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَنْ شَيْخِي -رَحِمَهُ اللهُ- هَلْ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ، وَهُوَ ذَاكَ، يشيرُ إِلَى نَاحِيَةِ سطحٍ مِنْ سطوحِ المَنْزِلِ.
ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا لعلوِّ مَا يُشيرُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ.قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحرشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْهَ البَلْخِيَّ (ح) ، قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ البَلْخِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
ذِكْرُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُم البُخَارِيُّ وَلَمْ يروِ عَنْهُم سِوَى وَاحِدٍ:مِرْدَاسٌ الأَسْلَمِيُّ؛ عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، حَزْنٌ المَخْزُوْمِيُّ؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ المُسَيَّبُ بنُ حَزْنٍ، زَاهِرُ بنُ الأَسْوَدِ؛ عَنْهُ ابْنُهُ مَجْزَأَةُ، عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ؛ عَنْهُ حَفِيْدَهُ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ؛ عَنْهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ صُعَيْرٍ؛ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَوْلَهُ، سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيْلَةَ السُّلَمِيُّ؛ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ المُعَلَّى؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ شَجَرِيٌّ؛ تَفَرَّدَ بِالحَدِيْثِ عَنْهُ بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، خولَةُ بِنْتُ ثَامرٍ؛ عَنْهَا النُّعْمَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَجملتُهُم عَشْرَةٌ.
فصل:
(تَارِيْخُ) البُخَارِيِّ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً وَزيَادَةً، وَكِتَابُهُ فِي (الضُّعَفَاءِ) دُوْنَ السَّبْعِ مائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ خَرَّجَ لَهُم فِي (صَحِيْحِهِ) دُوْنَ الأَلفينِ.
قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الحَازمِيُّ، فـ (صَحِيْحُهُ) مُخْتَصرٌ جِدّاً. وَقَدْ
نقل الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَمَّنْ حَكَى عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ أَخرِّجْ فِي الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيْحاً.قَالَ: وَمَا تركتُ مِنَ الصَّحِيْحِ أَكْثَرُ.
لِبَعْضِهِم:
(صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ ... لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى ... هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ ... أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ... وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ ... تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى ... وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ ... وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ
ابْنِ المُغِيْرَةِ بنِ بَرْدِزْبَه، وَقِيْلَ: بَذْدُزْبَه، وَهِيَ لَفْظَةٌ بخَارِيَّةٌ، معنَاهَا الزرَّاعُ.
أَسلَمَ المُغِيْرَةُ عَلَى يَدِي اليَمَان الجُعْفِيِّ وَالِي بُخَارَى، وَكَانَ مَجُوْسِيّاً، وَطَلَبَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ العِلْمَ.فَأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا جَعْفَرٌ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ بنِ سِلَفَةَ، أَخْبَرْنَا أَبُو عَلِيٍّ البَرْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعَ أَبِي مِنْ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ، وَرَأَى حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ، وَصَافحَ ابْنَ المُبَارَكِ بكلتَا يَدَيْهِ.
قُلْتُ: وَوُلِدَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
قَاله أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ، وَرَّاقُ أَبِي عَبْدِ اللهِ فِي كِتَابِ (شمَائِلِ البُخَارِيِّ) ، جَمْعَهُ، وَهُوَ جزءٌ ضخمٌ.
أَنْبَأَنِي بِهِ أَحْمَدُ بنُ أَبِي الخَيْرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الطَّرَسُوْسِيِّ، أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ طَاهِرٍ الحَافِظ أَجَازَ لَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ خَلَفٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مِهْرَوَيْهِ الفَارِسِيُّ المُؤَدِّبُ، قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ مَرْو لزيَارَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ بنِ مَطَرٍ الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا جَدِّي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ، فَذَكَرَ الكِتَابَ فَمَا أَنْقُلُهُ عَنْهُ، فَبهَذَا السّندِ.
ثُمَّ إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِيْمَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ الفَقِيْهُ سنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ البَاقِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الفَضْلِ البَلْخِيُّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: ذهبَتْ عينَا مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي صِغَرِهِ فرأَتْ وَالِدتُهُ فِي المَنَامِ إِبْرَاهِيْمَ الخَلِيْلَ - عَلَيْهِ السَّلاَم - فَقَالَ لَهَا: يَا هَذِهِ، قَدْ رَدَّ اللهُ عَلَى ابْنِكِ بصرَهُ لكَثْرَةِ بُكَائِكِ، أَوْ كَثْرَةِ دُعَائِكِ - شكَّ البَلْخِيُّ - فَأَصْبحْنَا وَقَدْ رَدَّ اللهُ عَلَيْهِ بصرَهُ.وبَالسَّندِ المَاضِي إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمرِكَ؟
قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيْثِ وَأَنَا فِي الكُتَّابِ.
فَقُلْتُ: كم كَانَ سِنُّكَ؟
فَقَالَ: عشرُ سِنِيْنَ، أَوْ أَقَلّ، ثُمَّ خرجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْد العشرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى الدَّاخلِيِّ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْماً فِيْمَا كَانَ يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ.
فَانْتَهَرنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى الأَصْلِ فَدَخَلَ فنظَرَ فِيْهِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلاَمُ؟
قُلْتُ: هُوَ الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، فَأَخَذَ القلمَ مِنِّي، وَأَحْكَمَ كِتَابَهُ، وَقَالَ: صدقْتَ.
فَقِيْلَ لِلْبُخَارِيِّ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ حِيْنَ رددتَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً، فَلَمَّا طَعَنْتُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، كُنْتُ قَدْ حفظتُ كتبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيْعٍ، وَعرفتُ كَلاَمَ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ خرجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي بِهَا! وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ تسمِيَة شُيوخِهِ وَأَصْحَابِهِسَمِعَ بِبُخَارَى قَبْلَ أَنْ يرتحلَ مِنْ: مَوْلاَه مِنْ فَوْقِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ اليَمَانِ الجُعْفِيِّ المُسْنديِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، ليسُوا مِنْ كِبَارِ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ سَمِعَ ببلخٍ مِنْ: مكِّيِّ بنِ إِبْرَاهِيْمَ، وَهُوَ مِنْ عَوَالِي شُيوخِهِ.
وَسَمِعَ بِمَرْوَ مِنْ: عبدَانَ بنِ عُثْمَانَ، وَعَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ شَقِيْقٍ، وَصَدَقَةَ بنِ الفَضْلِ، وَجَمَاعَةٍ.
وبِنَيْسَابُوْرَ مِنْ: يَحْيَى بنِ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٍ.
وبَالرَّيِّ: إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى.
وبِبَغْدَادَ إِذْ قَدِمَ العِرَاقَ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ مِنْ: مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى بنِ الطَّبَّاعِ، وَسُرَيْجِ بنِ النُّعْمَانِ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَابِق، وَعَفَّانَ.
وبِالبَصْرَةِ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ النَّبِيْلِ، وَالأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ حَمَّادٍ الشُّعَيثِيّ صَاحِبِ ابْنِ عَوْنٍ، وَمِن مُحَمَّدِ بنِ عَرْعَرَةَ، وَحَجَّاجِ بنِ منهَالٍ، وَبدلِ بنِ المُحَبِّرِ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ رَجَاءَ، وَعِدَّةٍ.
وبِالْكُوْفَةِ مِنْ: عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى، وَأَبِي نُعَيْمٍ، وَخَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ، وَطَلْقِ بنِ غَنَّامٍ، وَخَالِدِ بنِ يَزِيْدَ المُقْرِئِ مِمَّنْ قَرَأَ عَلَى حَمْزَةَ.
وَبِمَكَّةَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُقْرِئِ، وَخَلاَّدِ بنِ يَحْيَى، وَحَسَّانِ بنِ حَسَّانٍ البَصْرِيِّ، وَأَبِي الوَلِيْدِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقِيِّ، وَالحُمَيْدِيِّ.وبَالمَدِيْنَةِ مِنْ: عَبْدِ العَزِيْزِ الأُوَيسِيِّ، وَأَيُّوْبَ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلاَلٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ.
وبمصرَ: سَعِيْدَ بنَ أَبِي مَرْيَمَ، وَأَحْمَدَ بنَ إِشكَابٍ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ يُوْسُفَ، وَأَصْبَغَ، وَعِدَّةً.
وبَالشَّامِ: أَبَا اليَمَانِ، وَآدَمَ بنَ أَبِي إِيَاسٍ، وَعَلِيَّ بنَ عَيَّاشٍ، وَبِشْرَ بنَ شُعَيْبٍ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ: أَبِي المُغِيْرَةِ عَبْدِ القُدّوس، وَأَحْمَدَ بنِ خَالِدٍ الوهبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَأَبِي مُسْهِرٍ، وَأُمَمٍ سِوَاهُم.
وَقَدْ قَالَ وَرَّاقُهُ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بلخَ، فَسَأَلونِي أَنْ أُمْلِيَ عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً، فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ ممَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ قَبْلَ مَوْته بشهرٍ يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفٍ وَثَمَانِيْنَ رَجُلاً، لَيْسَ فِيْهِم إِلاَّ صَاحِب حَدِيْثٍ، كَانُوا يَقُوْلُوْنَ: الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَعملٌ، يَزِيْدُ وَينقصُ.
قُلْتُ: فَأَعْلَى شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ حَدَّثوهُ عَنِ التَّابِعِيْنَ، وَهُم: أَبُو عَاصِمٍ،
وَالأَنْصَارِيُّ، وَمكِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوْسَى، وَأَبُو المُغِيْرَةِ، وَنحوُهُم.وَأَوْسَاطُ شُيُوْخهِ الَّذِيْنَ رَوَوْا لَهُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَشُعْبَةَ، وَشُعَيْبِ بنِ أَبِي حَمْزَةَ، وَالثَّوْرِيِّ.
ثُمَّ طَبَقَةٌ أُخْرَى دونَهُم كَأَصْحَابِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وَأَبِي عَوَانَةَ.
وَالطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ مِنْ شُيُوْخِهِ مِثْلُ أَصْحَابِ ابْنِ المُبَارَكِ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَابْنِ وَهْبٍ، وَالوَلِيْدِ بنِ مُسْلِمٍ.
ثُمَّ الطَّبَقَةُ الخَامِسَةُ، وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ الَّذِي روَى عَنْهُ الكَثِيْرَ وَيُدَلِّسُهُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ المُخَرِّمِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَة، وَهَؤُلاَءِ هُم مِنْ أَقْرَانِهِ.
وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي مُسْهِرٍ، وَشَكَّ فِي سَمَاعِهِ، فَقَالَ: فِي غَيْر (الصَّحِيْحِ) : حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ، أَوْ حَدَّثَنَا رَجُلٌ عَنْهُ.
وَروَى عَنْ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ وَاقِدٍ الحَرَّانِيِّ، لَقِيَهُ بِالعِرَاقِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الجَزِيْرَةَ.
وَقَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مُعَلَّى بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّازِيِّ بِبَغْدَادَ سنَةَ عشر.
رَوَى عَنْهُ خلقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، وَأَبُو حَاتِمٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الحَرْبِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الدُّنْيَا، وَأَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، وَصَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الحَضْرَمِيُّ مُطَيَّن، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ النَّسَفيُّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ نَاجِيَةَ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بُجَيْرٍ، وَأَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جُمْعَةَ، وَيَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ رَاوِي (الصَّحِيْحِ) ، وَمَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدٍ مِزْبَزْدَة، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، وَالحُسَيْنُ وَالقَاسِمُ ابْنَا المَحَامِلِيِّ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ الأَشْقَرِ، وَمُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ فَارِسٍ، وَمَحْمُوْدُ بنُ عَنْبَرٍ النَّسَفيُّ، وَأَممٌ لاَ يُحصَونَ.وَرَوَى عَنْهُ: مُسْلِمٌ فِي غَيْر (صَحِيْحهِ) .
وَقِيْلَ: إِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَى عَنْهُ فِي الصِّيَامِ مِنْ (سُنَنِهِ) ، وَلَمْ يَصِحَّ، لَكِن قَدْ حَكَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ (الكُنَى) لهُ أَشْيَاءَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ الخَفَّافِ، عَنِ البُخَارِيِّ.
وَقَدْ رَتَّبَ شَيْخُنَا أَبُو الحَجَّاجِ المِزِّيِّ شُيُوْخَ البُخَارِيِّ وَأَصْحَابَهُ عَلَى المُعْجَمِ كعَادَتِهِ وَذَكَرَ خَلْقاً سِوَى مَنْ ذَكَرْتُ.
وَقَدْ أَنْبَأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا اليُمْنِ اللُّغَوِيَّ أَخبرَهُم، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحَرَشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ، سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ البَلْخِيَّ، يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيُّ: رَوَى (صَحِيْحَ) البُخَارِيِّ جَمَاعَةٌ، مِنْهُم: الفِرَبْرِيُّ، وَحَمَّادُ بنُ شَاكِرٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنَ مَعْقِلٍ، وَطَاهرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَخْلَدٍ النَّسَفِيَان.
وَقَالَ الأَمِيْرُ الحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ بنُ مَاكُوْلا: آخِرُ مَنْ حَدَّثَ عَنِ البُخَارِيِّ بـ (الصَّحِيْحِ) أَبُو طَلْحَةَ مَنْصُوْرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَزْدِيُّ مِنْ أَهْلِ بَزْدَةَ.
وَكَانَ ثِقَةً، تُوُفِّيَ: سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ.
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ الأَبَرْقُوْهِيُّ بِقِرَاءتِي، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ زَيْدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَغْدَادِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ المُبَارَكِ بنِ قَفَرْجَلٍ، أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَحَامِلِيُّ سَنَة تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ -يَعْنِي: الثَّوْرِيَّ- عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ أَبِي
مُوْسَى قَالَ:قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً) .
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَكَانَ جَالِساً، فَجَاءهُ رَجُلٌ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: (اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا، وَلِيَقْضِ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُوْلِهِ مَا شَاءَ) .
أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الهَاشِمِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ بِبَغْدَادَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ المُجَلِّدُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُخَلِّصُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ يُوْنُسَ وَحَبِيْبٍ، وَيَحْيَى بن عَتِيْق، وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيْرِيْنَ، عَنْ أُمِّ عطيَّةَ، قَالَتْ: أَمَرَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تَخْرُجَ ذَوَاتُ الخُدُورِ يَوْمَ العِيْدِ.
قِيْلَ: فَالحُيَّضُ؟
قَالَ: (يَشْهَدْنَ الخَيْرَ، وَدَعْوَةَ المُسْلِمِيْنَ ) .
هذَان حَدِيْثَانِ صَحِيْحَانِ مِنْ عَالِي مَا وَقَعَ لَنَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ سِوَى (الصَّحِيْحِ) .
وَأَمَّا الصَّحِيْحُ فَهُوَ أَعْلَى مَا وَقَعَ لَنَا مِنَ الكُتُبِ السِّتَّةِ فِي أَوَّلِ مَا سَمِعْتُ الحَدِيْثَ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.فَمَا ظَنُّكَ بعلُوِّهِ اليَوْمَ وَهُوَ سنَة خَمْسَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ مائَةٍ !! لَوْ رحلَ الرَّجُلُ مِنْ مسيرَةِ سَنَةٍ لسَمَاعِهِ لمَا فَرَّطَ.
كَيْفَ وَقَدْ دَامَ عُلُوُّهُ إِلَى عَامِ ثَلاَثِيْنَ، وَهُوَ أَعْلَى الكُتُبِ السِّتَّةِ سَنَداً إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَيْءٍ كَثِيْرٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ، وَذَلِكَ لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَسنُّ الجَمَاعَةِ، وَأَقْدَمُهُم لُقِيّاً لِلْكبارِ، أَخَذَ عَنْ جَمَاعَةٍ يَرْوِي الأَئِمَّةُ الخمسَةُ، عَنْ رجلٍ عَنْهُم.
ذِكْرُ رِحلتِهِ وَطَلَبِهِ وَتَصَانِيْفِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ البُخَارِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: حَجَجْتُ، وَرَجَعَ أَخِي بِأُمِّي، وَتخلَّفْتُ فِي طلبِ الحَدِيْث فَلَمَّا طَعنْتُ فِي ثَمَانِ عَشْرَةَ، جَعَلتُ أُصَنِّفُ قضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وَأَقَاويلَهُم، وَذَلِكَ أَيَّامَ عُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوْسَى.
وصنَّفْتُ كِتَابَ (التَّارِيْخِ) إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي اللَّيَالِي المُقْمِرَةِ، وَقَلَّ اسْمٌ فِي التَّارِيْخِ إِلاَّ وَلَهُ قِصَّةٌ، إِلاَّ أَنِّي كَرِهْتُ تطويلَ الكِتَابِ.
وكُنْتُ أَختلِفُ إِلَى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَإِذَا جِئْتُ أَستحِي أَنْ أُسَلِّمَ عَلَيْهِم، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهلِهَا: كم كتبتَ اليَوْمَ؟فَقلتُ: اثْنَيْنِ، وَأَرَدْتُ بِذَلِكَ حَدِيْثَيْنِ، فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ.
فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُم: لاَ تضحكُوا، فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُم يَوْماً!!
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى الحُمَيْدِيِّ وَأَنَا ابْنُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً، وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ اخْتِلاَفٌ فِي حَدِيْثٍ، فَلَمَّا بَصُرَ بِي الحُمَيْدِيُّ قَالَ: قَدْ جَاءَ مَنْ يفصِلُ بَيْنَنَا، فَعَرضَا عَلَيَّ، فَقضيتُ لِلْحُمِيديِّ عَلَى مَنْ يُخَالِفُهُ، وَلَوْ أَنَّ مُخَالِفَهُ أَصَرَّ عَلَى خِلاَفِهِ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى دعوَاهُ، لَمَاتَ كَافِراً.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ بنُ الخلاَّل، أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلَيٍّ البَردَانِيُّ، وَابْنُ الطُّيوُرِيِّ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا هَنَّادُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنجَار، أَخْبَرَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ، سَمِعْتُ الفَضْلَ بنَ إِسْحَاقَ البَزَّازَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ منهَال العَابِدُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ قَالَ: كتبنَا عَنِ البُخَارِيِّ عَلَى بَابِ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرْيَابِيِّ، وَمَا فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ.
فقُلْنَا: ابْنُ كَمْ أَنْتَ؟
قَالَ: ابْنُ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ.
وَعَنْ.... أَنَّ البُخَارِيَّ قَالَ: أَخرجتُ هَذَا الكِتَابَ مِنْ زُهَاءِ سِتِّ مائَةِ أَلْفِ حَدِيْثٍ.أَنبأَنَا المُؤَمَّلُ بنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، أَنْبَأَنَا أَبُو اليُمْنِ الكِنْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ القَزَّازُ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ العَطَّارُ بِالرَّيِّ، سَمِعْتُ أَبَا الهَيْثَمِ الكُشْمِيهَنِيَّ، سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: مَا وضعتُ فِي كِتَابِي (الصَّحِيْحِ) حَدِيْثاً إِلاَّ اغتسلتُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ.
أَخْبَرْنَا ابْنُ الخلاَّلِ، أَخْبَرَنَا الهَمْدَانِيُّ، أَخْبَرَنَا السِّلَفِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الوَلِيْدِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ بنِ بُنْدَارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا أَدخلتُ فِي هَذَا الكِتَابِ إِلاَّ مَا صَحَّ، وَتركتُ مِنَ الصِّحَاحِ كِي لاَ يطولَ الكِتَابُ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، قُلْتُ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: تَحْفَظُ
جَمِيْعَ مَا أَدْخَلْتَ فِي المُصَنَّفِ؟ فَقَالَ: لاَ يخفَى عليَّ جَمِيْعُ مَا فِيْهِ.وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنفتُ جَمِيْعَ كُتُبِي ثَلاَث مَرَّاتٍ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَوْ نُشِرَ بَعْضُ أُسْتَاذِي هَؤُلاَءِ لَمْ يفهمُوا كَيْفَ صنَّفْتُ (التَّارِيْخَ) ، وَلاَ عرفُوهُ، ثُمَّ قَالَ: صنَّفْتُهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَخذ إِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه كِتَابَ (التَّارِيْخِ) الَّذِي صنَّفْتُ، فَأَدخلَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ، أَلاَ أُرِيكَ سِحْراً؟ قَالَ: فَنَظَرَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ، فَتَعَجَّبَ مِنْهُ، وَقَالَ: لَسْتُ أَفهُمُ تَصْنِيْفَهُ.
وَقَالَ خَلَفٌ الخيَّامُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ يَقُوْلُ: دَخَلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى العِرَاقِ فِي آخِرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمائَتَيْنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ آخِرَ ثَمَانِ مَرَّاتٍ، فِي كُلِّ ذَلِكَ أُجَالِسُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي فِي آخِرِ مَا وَدَّعْتُهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، تدعُ العِلْمَ وَالنَّاسَ، وَتصِيرُ إِلَى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا الآنَ أَذْكُرُ قَوْلَهُ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الحَاكِمِ: أَوَّل مَا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَوَرَدَهَا فِي الأَخِيْرِ سنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فَأَقَامَ بِهَا خَمْسَ سِنِيْنَ يُحَدِّثُ عَلَى الدّوامِ.أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ القوَّاسِ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ الحَرَسْتَانِيِّ قِرَاءةً عَلَيْهِ سَنَةَ تِسْعٍ وَسِتِّ مائَةٍ وَأَنَا حَاضِرٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ المُسْلَّم الفَقِيْهُ، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الغَسَّانِيُّ، حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ آدَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ البُخَارِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بِمَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَحصيتُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَامَ وَأَسْرَجَ يَسْتَذكرُ أَشْيَاءَ يُعَلِّقُهَا فِي لَيْلَةٍ ثَمَانِ عَشْرَةَ مرَّة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، إِذَا كُنْتُ مَعَهُ فِي سفرٍ، يَجْمَعُنَا بَيْتٌ وَاحِدٌ إِلاَّ فِي القيظِ أَحْيَاناً، فَكُنْتُ أَرَاهُ يقومُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ مرَّة إِلَى عِشْرِيْنَ مرَّة، فِي كُلِّ ذَلِكَ يَأْخُذُ القَدَّاحَةَ، فيُورِي نَاراً، وَيُسْرِجُ، ثُمَّ يُخرجُ أَحَادِيْثَ، فيُعلِّمُ عَلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القُدّوسِ بنَ هَمَّامٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عِدَّةً مِنَ المَشَايِخِ، يَقُوْلُوْنَ: حَوَّلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ ترَاجِمَ جَامِعِهِ بَيْنَ قَبْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْبَرِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي لِكُلِّ تَرْجَمَةٍ رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ :.... سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: صنّفْتُ (الصَّحِيْحَ) فِي سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، وَجَعَلتُهُ حُجَّةً فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ الله تَعَالَى.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ هَانِئَ بنَ النَّضْر يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ -يَعْنِي: الفِرْيَابِيَّ- بِالشَّامِ وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ فِعْلَ الشَّبَابِ فِي أَكلِ الفِرْصَادِ وَنَحْوِهِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مَعَنَا، وَكَانَ لاَ يُزَاحمنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا نَحْنُ فِيْهِ، وَيُكِبُّ عَلَى العِلْمِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ النَّجْمَ بنَ الفُضَيْل يَقُوْلُ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، كَأَنَّهُ يَمْشِي، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمْشِي خَلْفَهُ، فَكُلَّمَا رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ، وضعَ مُحَمَّدُ بنُ إِسمَاعيلَ قدَمَهُ فِي المكَانِ الَّذِي رَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدَمَهُ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كَانَ شَيْخٌ يَمُرُّ بِنَا فِي مَجْلِسِ الدَّاخلِيِّ، فَأُخْبِرُهُ بِالأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ مِمَّا يُعرِضُ عَلَيَّ، وَأُخْبِرُهُ بِقَولِهِم، فَإِذَا هُوَ يَقُوْلُ لِي يَوْماً: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، رئِيسُنَا فِي أَبو جَاد، وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ شربَ دوَاءَ الحِفْظِ يُقَالُ لَهُ: بَلاَذُر، فَقُلْتُ لَهُ يَوْماً خلوَةً: هَلْ مِنْ دوَاءٍ يشربُهُ الرَّجُلُ، فينتفعُ بِهِ لِلْحفظِ؟فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ، ثُمَّ أَقبلَ عليَّ، وَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً أَنْفَعَ لِلْحفظِ مِنْ نَهْمَةِ الرَّجُلِ، وَمُدَاومَةِ النَّظَرِ.
قَالَ: وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ مُقيماً، فَكَانَ تَرِدُ إِلَيَّ مِنْ بُخَارَى كُتُبٌ، وَكُنَّ قَرَابَاتٌ لِي يُقرِئنَ سَلاَمهنَّ فِي الكُتُبِ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ كِتَاباً إِلَى بُخَارَى، وَأَرَدْتُ أَنْ أُقرِئَهنَّ سَلاَمِي، فَذَهَبَ عليَّ أَسَامِيهنَّ حِيْنَ كَتَبْتُ كِتَابِي، وَلَمْ أُقرِئهنَّ سَلاَمِي، وَمَا أَقَلَّ مَا يَذْهَبُ عَنِّي مِنَ العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ تكن كِتَابتِي لِلْحَدِيْثِ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاَءِ.
كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عَنْ رجلٍ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ وَنِسْبَتِهِ وَحَمْلِهِ الحَدِيْثَ، إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهماً.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ إِلَيَّ أَصْلَهُ وَنُسخَتَهُ.
فَأَمَّا الآخرُونَ لاَ يُبالُونَ مَا يَكْتُبُونَ، وَكَيْفَ يَكْتُبُونَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّوْرِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً يُحْسِنُ طلبَ الحَدِيْثِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ لاَ يدعُ أَصْلاً وَلاَ فرعاً إِلاَّ قَلَعَهُ.
ثُمَّ قَالَ لَنَا: لاَ تَدَعُوا مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئاً إِلاَّ كَتَبْتُمُوهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ بَعْضُ السَّلاَطينِ فِي حَاجَةٍ لَهُ، وَدَعَا لَهُ دعَاءً كَثِيْراً.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَلاَمٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكَ اللهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ وَفَهِمْتُهُ، وَفِي بيتِهِ يُؤْتَى
الحَكَمُ وَالسَّلاَمُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ، يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ.
ذِكْرُ حِفْظِهِ وَسَعَةِ عِلْمِهِ وَذَكَائِهِ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ غُنْجَار فِي (تَارِيْخِ بُخَارَى) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ، سَمِعْتُ جَعْفَر بنَ مُحَمَّدٍ القَطَّانَ إِمَامَ كرمِيْنيَةَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَأَكْثَر، عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُم عَشْرَةُ آلاَفٍ وَأَكْثَر، مَا عِنْدِي حَدِيْثٌ إِلاَّ أَذكُرُ إِسْنَادَهُ.
قَالَ غُنْجَارٌ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الجُرْجَانِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مُحَمَّدٍ البُخَارِيَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَقِيْتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلفِ رَجُلٍ أَهْلِ الحِجَازِ وَالعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُم كَرَّاتٍ، أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ مرَّتينِ، وَأَهْلِ البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَبَالحِجَازِ سِتَّة أَعْوَامٍ، وَلاَ أُحْصِي كم دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ، مِنْهُمُ: المَكِّيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، وَيَحْيَى بنُ يَحْيَى، وَابْنُ شَقِيقٍ، وَقُتَيْبَةُ، وَشِهَابُ بنُ معمرٍ، وَبَالشَّامِ: الفِرْيَابِيُّ، وَأَبَا مُسْهِرٍ، وَأَبَا المُغِيْرَةِ، وَأَبَا اليَمَانِ، وَسَمَّى خلقاً.
ثُمَّ قَالَ: فَمَا رَأَيْتُ وَاحِداً مِنْهُم يَخْتلِف فِي هَذِهِ
الأَشْيَاءِ أَنَّ الدِّيْنَ قَوْلٌ وَعملٌ، وَأَنَّ القُرْآنَ كَلاَمُ اللهِ.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟
فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا.
فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ عِدَّةَ مَشَايِخٍ يحكُوْن أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ قَدِمَ بَغْدَادَ، فسَمِعَ بِهِ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَاجْتَمَعُوا وَعَمَدُوا إِلَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فَقلبُوا مُتونهَا وَأَسَانِيْدَهَا، وَجَعَلُوا مَتْنَ هَذَا الإِسْنَادِ هَذَا، وَإِسْنَادَ هَذَا المَتْنِ هَذَا، وَدفعُوا إِلَى كُلِّ
وَاحِدٍ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ ليُلْقُوهَا عَلَى البُخَارِيِّ فِي المَجْلِسِ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ، وَانتَدبَ أَحَدُهُم، فَسَأَلَ البُخَارِيَّ عَنْ حَدِيْثٍ مِنْ عَشَرتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.وَسَأَلَهُ عَنْ آخر، فَقَالَ: لاَ أَعرِفُهُ.
وَكَذَلِكَ حَتَّى فرغَ مِنْ عشرتِهِ.
فَكَانَ الفقهَاءُ يَلْتَفِتُ بَعْضهُم إِلَى بَعْضٍ، وَيَقُوْلُوْنَ: الرَّجُلَ فَهِمَ.
وَمَنْ كَانَ لاَ يَدْرِي قضَى عَلَى البُخَارِيِّ بِالعجزِ، ثُمَّ انتدبَ آخرُ، فَفَعَلَ كَمَا فعلَ الأَوَّلُ.
وَالبُخَارِيُّ يَقُوْلُ: لاَ أَعرِفُهُ.
ثُمَّ الثَّالِثَ وَإِلَى تمَام العشرَةِ أَنفسٍ، وَهُوَ لاَ يزيدُهُم عَلَى: لاَ أَعرِفُهُ.
فَلَمَّا عَلِمَ أَنَّهُم قَدْ فرغُوا، التفتَ إِلَى الأَوَّلِ مِنْهُم، فَقَالَ: أَمَّا حَدِيْثُكَ الأَوَّلُ فكذَا، وَالثَّانِي كَذَا، وَالثَّالِثُ كَذَا إِلَى العشرَةِ، فردَّ كُلَّ متنٍ إِلَى إِسْنَادِهِ.
وَفعلَ بِالآخرينَ مِثْلَ ذَلِكَ.
فَأَقَرَّ لَهُ النَّاسُ بِالحِفْظِ.
فَكَانَ ابْنُ صَاعِدٍ إِذَا ذكرَهُ يَقُوْلُ: الكبشُ النَّطَّاحُ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مَنْصُوْرُ بنُ إِسْحَاقَ الأَسَدِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الزَّاغُوْنِيَّ، سَمِعْتُ يُوْسُفَ بنَ مُوْسَى المَرْوَرُّوْذِيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ فِي جَامِعِهَا، إِذْ سَمِعْتُ مُنَادِيّاً يُنَادِي: يَا أَهْلَ العِلْمِ، قَدْ قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ، فَقَامُوا فِي طلبِهِ، وَكُنْتُ مَعَهُم، فرأَينَا رَجُلاً شَابّاً، يُصَلِّي خَلْفَ الأُسْطُوَانَةِ.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ، أَحَدقُوا بِهِ، وَسأَلُوهُ أَنْ يَعْقِدَ لَهُم مَجْلِسَ الإِملاَءِ، فَأَجَابهُم.
فَلَمَّا كَانَ الغدُ اجْتَمَعَ قَرِيْبٌ مِنْ كَذَا كَذَا أَلفٍ فَجَلَسَ لِلإِملاَءِ وَقَالَ: يَا أَهْلَ البَصْرَةِ، أَنَا شَابٌّ وَقَدْ سَأَلْتُمونِي أَنْ أُحدِّثَكُم، وَسأُحدِّثكُم بأَحَادِيْثَ عَنْ أَهْلِ بلدِكُم تَسْتفيدُوْنَ الكُلَّ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ جَبَلَةَ
بنِ أَبِي رَوَّاد بلدِيُّكُم، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُوْرٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ أَعْرَابِيّاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، الرَّجُلُ يُحِبُّ القَوْمَ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدكُم، إِنَّ مَا عِنْدكُم عَنْ غَيْرِ مَنْصُوْرٍ، عَنْ سَالِمٍ.
وَأَملَى مَجْلِساً عَلَى هَذَا النَّسَقِ يَقُوْلُ فِي كُلِّ حَدِيْثٍ: رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الحَدِيْثِ عندَكُم كَذَا، فَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ فُلاَنٍ، فَلَيْسَ عندَكُم، أَوْ كَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ.
قَالَ يُوْسُفُ: وَكَانَ دُخولِي البَصْرَةَ أَيَّامَ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشّوَاربِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: قَرَأَ عَلَيْنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ كِتَابَ (الهِبَةِ) ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي هِبَةِ وَكِيْعٍ إِلاَّ حَدِيْثَانِ مُسْنَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ.
وَفِي كِتَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ المُبَارَكِ خَمْسَةٌ أَوْ نحوهُ. وَفِي كِتَابِي هَذَا خَمْسُ مائَةِ
حَدِيْثٍ أَوْ أَكْثَرُ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: تَفَكَّرْتُ أَصْحَابَ أَنَسٍ، فَحضرنِي فِي سَاعَةٍ ثَلاَثُ مَائةٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا قَدِمْتُ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ كَانَ انتفَاعُهُ بِي أَكْثَر مِنِ انتفَاعِي بِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ، سَمِعْتُ أَبَا الأَزْهَرِ يَقُوْلُ: كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ أَرْبَعُ مائَةٍ مِمَّنْ يطلُبُونَ الحَدِيْثَ، فَاجْتَمَعُوا سَبْعَةَ أَيَّامٍ، وَأَحَبُّوا مُغَالطَةَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَدخلُوا إِسْنَادَ الشَّامِ فِي إِسْنَادِ العِرَاقِ، وَإِسْنَادَ اليَمَنِ فِي إِسْنَادِ الحَرَمَيْنِ، فَمَا تَعَلَّقُوا مِنْهُ بِسَقْطَةٍ لاَ فِي الإِسْنَادِ، وَلاَ فِي المَتْنِ.
وَقَالَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ، وَرُبَّمَا كُنْتُ أُغْرِبُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَحْيَدُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ وَالِي بُخَارَى: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَوْماً: رُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالبَصْرَةِ كَتَبْتُهُ بِالشَّامِ، وَرُبَّ حَدِيْثٍ سَمِعْتُهُ بِالشَّامِ كَتَبْتُهُ بِمِصْرَ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ بكَمَالِهِ؟ قَالَ: فَسَكَتَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا نمتُ البَارِحَةَ حَتَّى عَدَدْتُ كم أَدْخَلْتُ مُصَنَّفَاتِي مِنَ الحَدِيْثِ، فَإِذَا نَحْوُ مئَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مُسْنَدَةٍ.وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا كَتَبْتُ حِكَايَةً قَطُّ، كُنْتُ أَتَحَفَّظُهَا.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: صنَّفْتُ كِتَابَ (الاعتصَامِ) فِي لَيْلَةٍ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ شَيْئاً يُحتَاجُ إِلَيْهِ إِلاَّ وَهُوَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
فَقُلْتُ لَهُ: يُمكنُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ كُلِّهُ.
قَالَ: نَعَمْ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ بِنَيْسَابُوْرَ أَجلسُ فِي الجَامِعِ، فَذَهَبَ عَمْرُو بنُ زُرَارَةَ، وَإِسْحَاقُ بنُ رَاهْوَيْه إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ عَبْدِ اللهِ، وَالِي نَيْسَابُوْرَ، فَأَخبروهُ بِمكَانِي، فَاعتذرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: مذهَبُنَا إِذَا رُفِعَ إِلَيْنَا غَرِيْبٌ لَمْ نَعْرِفْهُ حبسنَاهُ حَتَّى يَظْهَرَ لَنَا أَمرُهُ.
فَقَالَ لَهُ بَعْضهُم: بَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ لَكَ: لاَ تُحْسِنُ تصلِي، فَكَيْفَ تَجْلِسُ؟
فَقَالَ: لَو قِيْلَ لِي شَيْءٌ مِنْ هذَا مَاكُنْت أَقومُ مِنْ ذَلِكَ المَجْلِسِ حَتَّى أَروِي عَشْرَةَ آلاَفِ حَدِيْثٍ، فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً.
وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ فِي مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي الخَطَّابِ، عَنْ أَنَسٍ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوْفُ عَلَى نسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ.
فَلَمْ يعرِفْ أَحَدٌ فِي المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ، وَلاَ أَبَا الخَطَّابِ.
فَقُلْتُ: أَمَا أَبُو عُرْوَةَ فَمَعْمَرٌ، وَأَبُو الخَطَّابِ قَتَادَةُ.
قَالَ: وَكَانَ الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا، يُكَنِّي المَشْهُوْرينَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَدِمَ رَجَاءُ الحَافِظُ، فَصَارَ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: مَا أَعددتَ لِقُدُومِي حِيْنَ بَلَغَكَ؟ وَفِي أَيِّ شَيْءٍ نظرتَ؟
فَقَالَ: مَا أَحَدثْتُ نَظَراً، وَلَمْ أَستعِدَّ لِذَلِكَ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تسأَلَ عَنْ شَيْءٍ، فَافعلْ.
فَجَعَلَ ينَاظرُهُ فِي أَشْيَاءَ، فَبقيَ رَجَاءُ لاَ يَدْرِي أَيْنَ هُوَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: هَلْ لَكَ فِي الزِّيَادَةِ؟ فَقَالَ اسْتحيَاءً مِنْهُ وَخجلاً: نَعَمْ.
قَالَ: سَلْ إِنْ شِئْتَ؟
فَأَخَذَ فِي أَسَامِي أَيُّوْبَ، فَعدَّ نَحْواً مِنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ سَاكتٌ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: لَقَدْ جمعتَ، فَظنَّ رَجَاءُ أَنَّهُ قَدْ صنعَ شَيْئاً، فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَاتَكَ خَيرٌ كَثِيْرٌ.
فزيَّفَ أَبُو عَبْدِ اللهِ فِي أُوْلَئِكَ سَبْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً، وَأَغربَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّيْنَ.
ثُمَّ قَالَ لَهُ رَجَاءُ: كم رويتَ فِي العِمَامَةِ السَّوْدَاءِ؟
قَالَ: هَاتِ كم رويتَ أَنْتَ؟
ثُمَّ قَالَ: نروِي نَحْواً مِنْ أَرْبَعِيْنَ
حَدِيْثاً.فَخَجِلَ رَجَاءُ مِنْ ذَاكَ، وَيبِسَ رِيقُهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلنِي أَصْحَابُ الحَدِيْثِ أَنْ أُمْلِي عَلَيْهِم لِكُلِّ مَنْ كَتَبْتُ عَنْهُ حَدِيْثاً.
فَأَمليتُ أَلفَ حَدِيْثٍ لأَلفِ رَجُلٍ مِمَّن كَتَبْتُ عَنْهُم.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سُئِلَ إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ عَمَّنْ طلَّقَ نَاسياً.
فَسَكَتَ سَاعَةً طَوِيْلَةً مُتفكِّراً، وَالتبسَ عَلَيْهِ الأَمْرُ.
فَقُلْتُ أَنَا: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ تجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّم ) .
وَإِنَّمَا يُرَادُ مبَاشرَةُ هَذِهِ الثَّلاَث العَمَلِ وَالقَلْبِ أَوِ الكَلاَمِ وَالقَلْبِ وَهَذَا لَمْ يعتقدْ بِقَلْبِهِ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: قَوَّيْتَنِي، وَأَفْتَى بِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّد: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْل يَقُوْلُ: كَانَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ إِذَا انتخبْتُ مِنْ كِتَابِهِ، نَسَخَ تِلْكَ الأَحَادِيْثِ، وَقَالَ: هَذِهِ الأَحَادِيْثُ انْتَخَبَهَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ حَدِيْثِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنِيْرٍ يَكْتُبُ عَنِ البُخَارِيِّ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمٌ.قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ أَحَادِيْثَ فِي (صَحِيْحِهِ) عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنير، عَنْ يَزِيْدَ بنِ هَارُوْنَ، وَجَمَاعَةٍ.
وَكَانَ زَاهِداً عَابِداً حَتَّى قَالَ البُخَارِيُّ: لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
قُلْتُ: وَتُوُفِّيَ هُوَ وَالإِمَامُ أَحْمَدُ فِي سَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ المَدِيْنِيَّ بِالشَّاشِ زَمَنَ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي عَرَابَةَ يَقُوْلُ: كُنَّا بِنَيْسَابُوْرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ فِي المَجْلِسِ، فَمَرَّ إِسْحَاقُ بِحَدِيْثٍ كَانَ دُوْنَ الصَّحَابِيِّ عَطَاءَ الكَيْخَارَانِيِّ.
فَقَالَ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيش كَيْخَارَان؟ فَقَالَ: قَرْيَةٌ بِاليَمَنِ، كَانَ مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ بعثَ هَذَا الرَّجُلَ، وَكَانَ يُسَمِّيهِ أَبُو بَكْرٍ، فَأُنْسِيتُهُ إِلَى اليَمَنِ، فَمَرَّ بكَيْخَارَان، فسَمِعَ مِنْهُ عَطَاءُ حَدِيْثَيْنِ.
فَقَالَ لَهُ إِسْحَاقُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَأَنَّكَ شَهِدْتَ القَوْمَ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُومسِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خميرويه، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَحفَظُ مائَةَ أَلْفِ حَدِيْثٍ صَحِيْحٍ، وَأَحفَظُ مَائَتَي أَلفِ حَدِيْثٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ الكَلْواذَانِيَّ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يَأْخُذُ الكِتَابَ مِنَ العُلَمَاءِ، فيطَّلِعُ عَلَيْهِ اطِّلاعَةً، فيحْفَظُ عَامَّةَ أَطرَافِ الأَحَادِيْثِ بِمَرَّةٍ.قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بنَ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقَ يَقُوْلُ فِي الزِّيَادَاتِ المذيَّلَةِ عَلَى شمَائِلِ أَبِي عَبْدِ اللهِ - قُلْتُ: وَلَيْسَتْ هِيَ دَاخلَةً فِي رِوَايَةِ ابْنِ خَلَفٍ الشِّيرَازيِّ - قَالَ:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: مَا جلَسْتُ لِلْحَدِيْثِ حَتَّى عرفْتُ الصَّحِيْحَ مِنَ السَّقيمِ، وَحَتَّى نظرتُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الرَّأْي، وَحَتَّى دَخَلْتُ البَصْرَةَ خَمْسَ مَرَّاتٍ أَوْ نحوهَا، فَمَا تركتُ بِهَا حَدِيْثاً صَحِيْحاً إِلاَّ كَتَبْتُهُ، إِلاَّ مَا لَمْ يَظهر لِي.
وَقَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : حَدَّثَنَا أَبُو عمْروٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ يُوْسُفَ البِيْكَنْدِيُّ، سَمِعْتُ عَليَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ عَاصِمٍ البِيْكَنْدِيَّ يَقُوْلُ: قَدِمَ عَلَيْنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: فَاجْتَمَعنَا عِنْدَهُ.
فَقَالَ بَعْضنَا: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِي.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: أَو تَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟! لَعَلَّ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى مئتَي أَلفِ حَدِيْثٍ مِنْ كِتَابِهِ.
وَإِنَّمَا عَنَى بِهِ نَفْسَهُ.
ذِكْرُ ثَنَاءِ الأَئِمَّةِ عَلَيْهِ
قَالَ أَبوجعفرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِي يَقُوْلُ:
كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ: كُلَّمَا دَخَلَ عليَّ هَذَا الصَّبِيُّ تحيَّرْتُ، وَألبسَ عليَّ أَمر الحَدِيْثِ وَغَيْرِهِ، وَلاَ أَزَالُ خَائِفاً مَا لَمْ يَخْرُجْ.قَالَ أَبُو جعفرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عُمُرَ سُلَيمُ بنُ مُجَاهِدٍ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ البِيْكَنْدِيِّ، فَقَالَ: لَوْ جِئْتَ قَبْلُ لرَأَيْتَ صَبِيّاً يَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفِ حَدِيْثٍ.
قَالَ: فَخَرَجتُ فِي طَلَبِهِ حَتَّى لَحِقْتُهُ.
قَالَ: أَنْتَ الَّذِي يَقُوْلُ: إِنِّي أَحْفَظُ سَبْعِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأَكْثَر، وَلاَ أَجيئُكَ بِحَدِيْثٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ إِلاَّ عَرَّفْتُكَ مولِدَ أَكْثَرِهِم وَوَفَاتَهُم وَمسَاكنِهِم، وَلَسْتُ أَروِي حَدِيْثاً مِنْ حَدِيْثِ الصَّحَابَةِ أَوِ التَّابِعِيْنَ إِلاَّ وَلِي مِنْ ذَلِكَ أَصْلٌ أَحْفَظُهُ حِفْظاً عَنْ كِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ صَارَ إِلَى أَبِي إِسْحَاقَ السُّرْمَارِيِّ عَائِداً، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَقِيْهٍ بحقِّهِ وَصدقِهِ، فلينظُرْ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى حِجْرِهِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لِي بَعْضُ أَصْحَابِي: كُنْتُ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ
سَلاَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ حِيْنَ قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، فَأَخبرَهُ بِمِحْنَةِ النَّاسِ، وَمَا صنعَ ابْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الأُمُورِ.فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَم لِمَنْ حضَرَهُ: أَترُوْنَ البِكْرَ أَشَدَّ حيَاءً مِنْ هَذَا؟
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَوْ قَدرْتُ أَنْ أَزيدَ فِي عُمُرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مِنْ عُمُرِي لفعلْتُ، فَإِنَّ مَوْتِي يَكُوْنُ مَوْتَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَموتُهُ ذهَابُ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ يَحْيَى بنَ جَعْفَرٍ - وَهُوَ البِيْكَنْدِيُّ - يَقُوْلُ لمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ: لَوْلاَ أَنْتَ مَا اسْتطبتُ العيشَ بِبُخَارَى.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي رَجَاء، هُوَ قُتَيْبَةُ، فسُئِلَ عَنْ طلاَقِ السَّكرَانِ، فَقَالَ: هَذَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ المَدِيْنِيِّ وَابْنُ رَاهْوَيْه قَدْ سَاقهُمُ اللهُ إِلَيْكَ، وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَكَانَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَغْلُوْبَ العقلِ حَتَّى لاَ يَذْكُرُ مَا يُحدثُ فِي سُكْرِهِ، أَنَّهُ لاَ يجوزُ عليهِ مِنْ أَمرِهِ شَيْءٌ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: لَمَّا مَاتَ أَحْمَدُ بنُ حَرْبٍ النَّيْسَابُوْرِيُّ ركبَ مُحَمَّدٌ وَإِسْحَاقُ يُشَيِّعَانِ جِنَازَتَهُ.
فكُنْتُ أَسْمَعُ أَهْلَ المَعْرِفَةِ بِنَيْسَابُوْرَ يَنْظُرُونَ، وَيَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدٌ أَفْقَهُ مِنْ إِسْحَاقَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرَ، سَمِعْتُ عبدَانَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي شَابّاً أَبصرَ مِنْ هَذَا، وَأَشَار بِيَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.وَقَالَ: سَمِعْتُ صَالِحَ بنَ مِسْمَارٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ نُعَيْمَ بنَ حَمَّادٍ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ، يَقُوْلُ: قَالَ مُسَدَّدٌ: لاَ تختَارُوا عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَا أَهْلَ خُرَاسَان.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ قُرَيْش يَقُوْلُ: قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يُوْسُفَ لِلْبُخَارِيِّ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، انظُرْ فِي كُتُبِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا فِيْهِ مِنَ السَّقْطِ.
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: كُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ يَقُوْلُ: بَيِّنْ لَنَا غَلَطَ شُعْبَةَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الحَدِيْثِ، فَسَأَلونِي أَنْ أُكلِّمَ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ ليزيدَهُم فِي القِرَاءةِ، فَفَعَلْتُ، فَدَعَا إِسْمَاعِيْلُ الجَارِيَةَ، وَأَمرَهَا أَنْ تُخْرجَ صرَّةَ دَنَانِيْرٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فرِّقْهَا عَلَيْهِم.
قُلْتُ: إِنَّمَا أَرَادُوا الحَدِيْثَ.
قَالَ: قَدْ أَجَبْتُكَ إِلَى مَا طلبْتَ مِنَ الزِّيَادَةِ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ يُضَمَّ هَذَا إِلَى ذَاكَ ليَظْهَرَ أَثركَ فِيْهِم.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ نظرَ إِلَيْهِ سُلَيْمَانُ، فَقَالَ: هَذَا يَكُوْنُ لَهُ يَوْماً صوتٌ.وَقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ السَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ -يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: ذَاكرنِي أَصْحَابُ عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ بِحَدِيْثٍ، فَقُلْتُ: لاَ أَعْرِفُهُ، فَسُرُّوا بِذَلِكَ، وَصَارُوا إِلَى عَمْرٍو، فَأَخبروهُ.
فَقَالَ: حَدِيْثٌ لاَ يَعْرِفُهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ لَيْسَ بِحَدِيْثٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي أَبُو مُصْعَبِ الزُّهْرِيُّ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَفقَهُ عِنْدنَا وَأَبصرُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
فَقِيْلَ لَهُ: جَاوزتَ الحدَّ.
فَقَالَ لِلرَّجُلِ: لَوْ أَدْرَكْتَ مَالِكاً، وَنظرتَ إِلَى وَجْهِهِ وَوجهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، لقُلْتَ: كِلاَهُمَا وَاحِدٌ فِي الفِقْهِ وَالحَدِيْثِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه يَقُوْلُ: اكتُبُوا عَنْ هَذَا الشَّابِّ -يَعْنِي: البُخَارِيّ- فَلَو كَانَ فِي زَمَنِ الحَسَنِ لاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ لمَعْرِفَتِهِ بِالحَدِيْثِ وَفقهِهِ.قَالَ: وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ حُجْرٍ يَقُوْلُ: أَخرجَتْ خُرَاسَانُ ثَلاَثَةً: أَبُو زُرْعَةَ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيَّ، وَمُحَمَّدُ عِنْدِي أَبصرُهُم وَأَعْلَمُهُم وَأَفْقَهُهُم
قَالَ: وَأَوردتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ كِتَابَ أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَلَمَّا قَرَأَهُ قَالَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ذَلِكَ الكبْش؟
فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ.
فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِثْلَهُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ الضَّوْءِ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ نُمَيْرٍ يَقُوْلاَنِ: مَا رأَينَا مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ أَحْمَدَ بنِ حنيلٍ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَا أَخرجتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ البُوْشَنْجِيُّ: سَمِعْتُ بُنْدَاراً مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ يَقُوْلُ: مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ، فَسَمِعْتُ قُدُومَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ بُنْدَارٌ: اليَوْمَ دَخَلَ سَيِّدُ الفُقَهَاءِ.وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: إِنَّ ثوبِي لاَ يَمَسُّ جلدِي مَثَلاً، مَا لَمْ ترجعْ إِلَيَّ، أَخَافُ أَنْ تجدَ فِي حَدِيْثِي شَيْئاً يُسَقِّمُنِي.
فَإِذَا رجعت فَنَظَرت فِي حَدِيْثِي طَابتْ نَفْسِي، وَأَمِنْتُ مِمَّا أَخَافُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ خَالِدٍ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ أَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْثٍ يُثْنِي عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ، وَيَقُوْلُ: لاَ أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْتُ مِثْلَهُ، كَأَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ إِلاَّ لِلْحَدِيْثِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ مَحْمُوْدَ بنَ النَّضْرِ أَبَا سهلٍ الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ وَالحِجَازَ وَالكُوْفَةَ، وَرأَيتُ علمَاءهَا، كُلَّمَا جرَى ذكرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فَضَّلُوهُ عَلَى أَنفُسِهِم.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى بُنْدَارٍ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ خُرَاسَانَ.
قَالَ: مِنْ أَيُّهَا؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
قَالَ: تَعْرِفُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ؟
قُلْتُ: أَنَا مِنْ قَرَابَتِهِ.
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُنِي فَوْقَ النَّاسِ.
قَالَ مُحَمَّدُ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: لَمَّا دَخَلْتُ البَصْرَةَ صِرتُ إِلَى مَجْلِسِ بُنْدَارٍ، فَلَمَّا وَقَعَ بصرُهُ عليَّ، قَالَ: مِنْ أَيْنَ الفَتَى؟قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ بُخَارَى.
فَقَالَ لِي: كَيْفَ تركتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
فَأَمسكتُ، فَقَالُوا لَهُ: يرحمُكَ اللهُ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِي، وَعَانقَنِي، وَقَالَ: مَرْحَباً بِمَنْ أَفتخِرُ بِهِ مُنْذُ سِنِيْنَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: لَمْ يَدْخُلْ البَصْرَةَ رَجُلٌ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ أَخينَا أَبِي عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: فَلَمَّا أَرَادَ الخُرُوجَ وَدَّعَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ موعِدُنَا الحَشْرُ أَنْ لاَ نلتقِي بَعْدُ.
وَقَالَ أَبُو قُرَيْشٍ مُحَمَّدُ بنُ جمعَةَ الحَافِظُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ بَشَّارٍ يَقُوْلُ: حفَاظُ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: أَبُو زُرْعَةَ بِالرَّيِّ، وَالدَّارِمِيُّ بِسَمَرْقَنْدَ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِبُخَارَى، وَمُسْلِمٌ بِنَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ الأَشْعَثِ البِيْكَنْدِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: انْتَهَى الحِفْظُ إِلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَان: أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديِّ، وَالحَسَنِ بنِ شُجَاعٍ البَلْخِيِّ.
قَالَ ابْنُ الأَشْعَثِ: فحكيتُ هَذَا لِمُحَمَّدِ بنِ عَقِيْلٍ البَلْخِيِّ، فَأَطرَى ذكرَ ابْنِ شُجَاعٍ.
فَقُلْتُ لَهُ: لِمَ لَمْ يَشْتَهرْ؟
قَالَ: لأَنَّهُ لَمْ يُمَتَّعْ بِالعُمُرِ.
قُلْتُ: هَذَا ابْنُ شُجَاعٍ رحلَ وَسَمِعَ: مَكِّيَّ بنَ إِبْرَاهِيْمَ، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ مُوْسَى، وَأَبَا مُسْهِرٍ.وَتُوُفِّيَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ.
وَقَالَ نَصْرُ بنُ زَكَرِيَّا المَرْوَزِيُّ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: شَبَابُ خُرَاسَان أَرْبَعَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- وَزَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى اللُّؤْلُؤِيُّ، وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ جَعْفَراً الفِرَبْرِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُنيرٍ يَقُوْلُ: أَنَا مِنْ تلاَمِيذِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَهُوَ مُعَلِّمِي وَرَأَيْتُهُ يَكْتُبُ عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا حَاشِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الوَاحِدِ، سَمِعْتُ يَعْقُوْبَ بنَ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فَقِيْهُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ المُسْنِديِّ قَالَ: حُفَّاظُ زَمَانِنَا ثَلاَثَةٌ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَحَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَحْيَى بنُ سَهْلٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الفِرَبْرِيُّ قَالَ: خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْر -رَحِمَهُ اللهُ- إِلَى بُخَارَى فِي حَاجَةٍ لَهُ.
فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَهُ ابْنُ مُنِيْرٍ: لقيتَ أَبَا عَبْدِ اللهِ؟
قَالَ: لاَ.
فطردَهُ، وَقَالَ: مَا فيكَ بَعْدَ هَذَا خَيْرٌ، إِذْ قدِمْتَ بُخَارَى وَلَمْ تَصِرْ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: حضَرتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي شَيْبَةَ، فَرَأَيْتُ رَجُلاً يَقُوْلُ فِي مَجْلِسِهِ: نَاظرَ أَبُو بَكْرٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ فِي أَحَادِيْثِ سُفْيَانَ، فَعَرفَ كُلَّهَا، ثُمَّ أَقبلَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ، فَأَغربَ عَلَيْهِ مَائَتَي حَدِيْثٍ.فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ يَقُوْلُ: ذَاكَ الفَتَى البَازِلُ - وَالبَازلُ الجملُ المُسِنُّ - إِلاَّ أَنَّهُ يُرِيْدُ هَا هُنَا البصيرُ بِالعِلْمِ، الشجَاعُ.
وَسَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَمٍ يَقُوْلُ: إِنَّ الرُّتُوتَ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ مِثْلَ: سَعِيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَنُعَيْمِ بنِ حَمَّادٍ، وَالحُمَيْدِيِّ، وَحَجَّاجِ بنِ مِنْهَالٍ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنِ أَبِي أُوَيْسٍ، وَالعَدَنِيِّ، وَالحَسَنِ الخلاَلِ بِمَكَّةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَيْمُوْنٍ صَاحِبِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ العَلاَءِ، وَالأَشَجِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ المُنْذِرِ الحِزَامِيِّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنِ مُوْسَى الفَرَّاءِ، كَانُوا يهَابُوْنَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ، وَيَقْضُونَ لَهُ عَلَى أَنفُسِهِم فِي المَعْرِفَةِ وَالنَّظَرِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي حَاتِمُ بنُ مَالِكٍ الوَرَّاقُ؟ قَالَ: سَمِعْتُ عُلَمَاءَ مَكَّةَ يَقُوْلُوْنَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِمَامُنَا وَفَقِيْهُنَا وَفَقِيْهُ خُرَاسَانَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبِي -رَحِمَهُ اللهُ- يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَخْتَلِفُ إِلَى أَبِي حَفْصٍ أَحْمَدَ بنِ حَفْصٍ البُخَارِيِّ وَهُوَ صَغِيْرٌ، فَسَمِعْتُ أَبَا
حَفْصٍ يَقُوْلُ:هَذَا شَابٌّ كَيِّسٌ، أَرْجُو أَنْ يَكُوْنَ لَهُ صِيتٌ وَذِكْرٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ محموداً الشَّافِعِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثِيْنَ عَالِماً مِنْ عُلَمَاءِ مِصْرَ، يَقُوْلُوْنَ: حَاجَتُنَا مِنَ الدُّنْيَا النَّظَرُ فِي (تَارِيْخِ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بنُ يُوْنُسَ، قَالَ: سُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي: الدَّارِمِيّ- عَنْ حَدِيْثِ سَالِمِ بنِ أَبِي حَفْصَةَ، فَقَالَ: كتبنَاهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدٌ يَقُوْلُ: سَالِمٌ ضَعِيْفٌ.
فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَقُوْلُ أَنْتَ؟
قَالَ: مُحَمَّدٌ أَبْصَرُ مِنِّي.
قَالَ: وَسُئِلَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَدِيْثِ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ: (لاَ يَكْذِبُ الكَاذِبُ إِلاَّ مِنْ مَهَانَةِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ ) .
وَقِيْلَ لَهُ: مُحَمَّدٌ يزعُمُ أَنَّ هَذَا صَحِيْحٌ، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ أَبصرُ مِنِّي، لأَنَّ همَّهُ النَّظَرُ فِي الحَدِيْثِ، وَأَنَا مَشْغُوْلٌ مريضٌ، ثُمَّ قَالَ: مُحَمَّدٌ أَكْيَسُ خلقِ اللهِ، إِنَّهُ عَقَلَ عَنِ اللهِ مَا أَمرَهُ بِهِ، وَنَهَى عَنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ، إِذَا قَرَأَ مُحَمِّدٌ القُرْآنَ، شَغَلَ قَلْبَهُ وَبصرَهُ وَسَمْعَهُ، وَتَفَكَّرَ فِي أَمْثَالِهِ، وَعرفَ حلاَلَهُ وَحرَامَهُ.
وَقَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ سُلَيْمَانُ بنُ مُجَالدٍ: إِنِّي سَأَلْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديًّ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُنَا وَأَفْقَهُنَا
وَأَغْوَصُنَا، وَأَكْثَرُنَا طلباً.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ المُؤَدِّبَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يُشْبِهُ طلبُ مُحَمَّدٍ لِلْحَدِيْثِ طلبَنَا، كَانَ إِذَا نظَرَ فِي حَدِيْثِ رَجُلٍ أَنْزَفَهُ.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ وَرَّاقُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَأَلَنِي عَبْدُ اللهِ عَنْ كِتَابِ (الأَدبِ) مِنْ تَصْنِيْفِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ: احمِلْهُ لأَنْظُرَ فِيْهِ، فَأَخَذَ الكِتَابَ مِنِّي، وَحَبَسَهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، فَلَمَّا أَخذتُ مِنْهُ، قُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ فِيْهِ حَشْواً، أَوْ حَدِيْثاً ضَعِيْفاً؟
فَقَالَ ابْنُ إِسْمَاعِيْلَ: لاَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ إِلاَّ الحَدِيْثَ الصَّحِيْحَ، وَهَلْ يُنْكَرُ عَلَى مُحَمَّدٍ؟!
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ حَاتِمَ بنَ مَنْصُوْرٍ الكِسِّيَّ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ فِي بصرِهِ وَنفَاذِهِ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو المستنيرَ بنَ عَتِيْقٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَجَاءَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: فَضْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ عَلَى العُلَمَاءِ كفضلِ الرِّجَالِ عَل?ى النِّسَاءِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، كُلُّ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ؟!
فَقَالَ: هُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ يَمْشِي عَلَى ظَهرِ الأَرْضِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: سَأَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ أَبَا رَجَاءَ
البَغْلاَنِيَّ -يَعْنِي: قُتَيْبَة- إِخْرَاجَ أَحَادِيْثِ ابْنِ عُيَيْنَةَ،فَقَالَ: مُنْذُ كَتَبْتُهَا مَا عرضتُهَا عَلَى أَحَدٍ، فَإِنِ احتسبتَ وَنظرتَ فِيْهَا، وَعلَّمتَ عَلَى الخطأِ مِنْهَا فعلتُ، وَإِلاَّ لَمْ أُحَدِّثْ بِهَا، لأَنِّي لاَ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهَا بَعْضُ الخطأِ، وَذَلِكَ أَنَّ الزِّحَامَ كَانَ كَثِيْراً، وَكَانَ النَّاسُ يُعَارِضونَ كُتُبَهُم، فيُصحِّحُ بَعْضُهُم مِنْ بَعْضٍ، وَتركتُ كِتَابِي كَمَا هُوَ، فَسُرَّ البُخَارِيُّ بِذَلِكَ، وَقَالَ: وُفِّقْتَ.
ثُمَّ أَخذَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ كُلَّ يَوْمٍ صَلاَةَ الغدَاةِ، فينظُرُ فِيْهِ إِلَى وَقْتِ خُرُوْجِهِ إِلَى المَجْلِسِ، وَيُعَلِّم عَلَى الخطأِ مِنْهُ.
فَسَمِعْتُ البُخَارِيَّ رَدَّ عَلَى أَبِي رَجَاء يَوْماً حَدِيْثاً.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا مِمَّا كَتَبَ عَنِّي أَهْلُ بَغْدَادَ، وَعَلَيْهِ علاَمَةُ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، فَلاَ أَقدِرُ أُغَيِّرُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: إِنَّمَا كتبَ أُوْلَئِكَ عَنْكَ لأَنَّكَ كُنْتَ مُجْتَازاً، وَأَنَا قَدْ كَتَبْتُ هَذَا عَنْ عِدَّةٍ عَلَى مَا أَقُوْلُ لَكَ، كَتَبْتُهُ عَنْ يَحْيَى بنِ بُكَيْرٍ، وَابْنِ أَبِي مَرْيَمَ، وَكَاتِبِ اللَّيْثِ عَنِ اللَّيْثِ، فَرَجَعَ أَبُو رَجَاءَ، وَفَهِمَ قَوْلَهُ، وَخضَعَ لَهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ يَقُوْلُ: كَانَ زَكَرِيَّا اللُّؤْلُؤِيُّ وَالحَسَنُ بنُ شُجَاعٍ ببلخَ يمشيَانِ مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ إِلَى المَشَايِخِ إِجْلاَلاً لَهُ وَإِكرَاماً.
قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه جَالِساً عَلَى السَّرِيْرِ، وَمُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ مَعَهُ وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَتَّى مرَّ عَلَى حَدِيْثٍ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
ثُمَّ رَأَيْتُ عَمْرَو بنَ زُرَارَةَ وَمُحَمَّدَ بنَ رَافِعٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ يَسْأَلاَنِهِ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ، فَلَمَّا قَامَا قَالاَ لِمَنْ حَضَرَ: لاَ تُخْدَعُوا عَن أَبِي عَبْدِ اللهِ، فَإِنَّهُ أَفْقَهُ مِنَّا وَأَعْلَمُ وَأَبصرُ.قَالَ: وَسَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: كُنَّا عِنْدَ إِسْحَاقَ وَعَمْرُو بنُ زُرَارَةَ ثَمَّ، وَهُوَ يَسْتَملِي عَلَى البُخَارِيِّ، وَأَصْحَابُ الحَدِيْثِ يَكْتُبُوْنَ عَنْهُ، وَإِسْحَاقُ يَقُوْلُ: هُوَ أَبصرُ مِنِّي.
وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَوْمَئِذٍ شَابّاً.
وَقَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ قَالَ: كُنَّا مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، فَسَأَلَهُ مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ عَنْ حَدِيْثٍ، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: هَذَا أَفقَهُ خلقِ اللهِ فِي زَمَانِنَا.
وَأَشَارَ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ وَكِيْعاً وَابْنَ عُيَيْنَةَ وَابْنَ المُبَارَكِ كَانُوا فِي الأَحيَاءِ لاحْتَاجُوا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: قَالَ لِي إِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ: انْظُرْ فِي كُتُبِي وَمَا أَملِكُهُ لَكَ، وَأَنَا شَاكرٌ لَكَ مَا دمتُ حيّاً.
وَقَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَمْرٍو الكَرْمَانِيُّ: سَمِعْتُ عَمْرَو بنَ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيَّ يَقُوْلُ: أَبُو عَبْدِ اللهِ صَدِيْقِي، ليسَ بِخُرَاسَانَ مِثْلَهُ.
فحكيتُ لمهيَارٍ بِالبَصْرَةِ عَنْ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ أَنَّهُ قَالَ: رُحِلَ إِلَيَّ مِنْ شرقِ الأَرْضِ وَغربِهَا، فَمَا رحلَ إِلَيَّ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ مهيَارٌ: صَدَقَ.
أَنَا رَأَيْتُهُ مَعَ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، وَهُمَا يَخْتَلِفَانِ جَمِيْعاً إِلَى
مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَرَأَيْتُ يَحْيَى ينقَادُ لَهُ فِي المَعْرِفَةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الأَشَجَّ، وَخَرَجَ إِلَيْنَا فِي غدَاةٍ بَارِدَةٍ، وَهُوَ يرتعدُ مِنَ البَرْدِ، فَقَالَ: أَيَكُوْنُ عندَكُم مِثْلُ ذَا البَرْدِ؟
فَقُلْتُ: مِثْلُ ذَا يَكُوْنُ فِي الخريفِ وَالرَّبِيْعِ، وَرُبَّمَا نُمسِي وَالنَّهْرُ جَارٍ، فنصبحُ وَنَحتَاجُ إِلَى الفَأَسِ فِي نَقْبِ الجَمَدِ.
فَقَالَ لِي: مِنْ أَيِّ خُرَاسَان أَنْتَ؟
قُلْتُ: مِنْ بُخَارَى.
فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: هُوَ مِنْ وَطَنِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَقَالَ لَهُ: إِذَا قَدِمَ عَلَيْك مَنْ يُتوسَّلُ بِهِ فَاعرفْ لَهُ حقَّهُ، فَإِنَّهُ إِمَامٌ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ ثَابِتٍ الشَّاشِيَّ، سَمِعْتُ إِسْمَاعِيْلَ بنَ أَبِي أُوَيْسٍ يَقُوْلُ: مَا أَخذَ عَنِّي أَحَدٌ مَا أَخذَ عَنِّي مُحَمَّدٌ، نظرَ إِلَى كُتُبِي، فرآهَا دَارسَةً، فَقَالَ لِي: أَتَأْذنُ لِي أَنْ أُجدِّدَهَا؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَاسْتَخرجَ عَامَّةَ حَدِيْثِي بِهَذِهِ العِلَّةِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المَرْوَزِيَّ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيِّ بنِ حُجْرٍ سَاعَةَ وَدَّعَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قُلْ فِي أَدبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا شِئْتَ، وَقُلْ فِي علمِ مُحَمَّدٍ مَا شِئْتَ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ اللَّيْثِ يَقُوْلُ: وذُكِرَ عِنْدَه عَبْدُ اللهِ وَمُحَمَّدٌ، فسَمِعَ بَعْضَ الجَمَاعَةِ يُفضِّلُ عَبْدَ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: إِذَا قَدمتوهُ فَقَدِّمُوهُ فِي الشِّعْرِ وَالعَرَبِيَّةِ، وَلاَ تقدّمُوهُ عَلَيْهِ فِي العِلْمِ.
وَقَالَ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: كَانَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَدُسُّ إِلَيَّ أَحَادِيْثَ مِنْ أَحَادِيْثِهِ المُشْكِلَةِ عَلَيْهِ، يَسْأَلُنِي أَنْ أَعرِضَهَا عَلَى مُحَمَّدٍ، وَكَانَ يَشتهِي أَنْ لاَ يَعْلَمَ مُحَمَّدٌ، فَكُنْتُ إِذَا عَرضْتُ عَلَيْهِ شَيْئاً يَقُوْلُ: مِنْ ثَمَّ جَاءتْ؟
وَعَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ فِي الصَّحَابَةِ لكَانَ آيَةً.وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الهَمَذَانِيُّ: كُنَّا عِنْدَ قُتَيْبَةَ بنِ سَعِيْدٍ، فَجَاءَ رَجُلٌ شَعْرَانِيٌّ يُقَالُ لَهُ: أَبُو يَعْقُوْبَ، فَسَأَلَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فنكسَ رَأْسَهُ، ثُمَّ رفعَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ، نظرْتُ فِي الحَدِيْثِ، وَنظرتُ فِي الرَّأْيِ، وَجَالَسْتُ الفُقَهَاءَ وَالزُّهَادَ وَالعُبَّادَ، مَا رَأَيْتُ مُنْذُ عقلْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسمَاعيلَ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ يَقُوْلُ: مَثَلُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ فِي صدقِهِ وَوَرَعِهِ كَمَا كَانَ عُمَرُ فِي الصَّحَابَةِ.
وَقَالَ حَاشِدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: لَمْ يجئْنَا مِنْ خُرَاسَانَ مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وروينَا عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ قَالَ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ مَنْ دَخَلَ العِرَاقَ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَاكِمُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، سَمِعَ بِبُخَارَى هَارُوْنَ بنَ الأَشْعَثِ، وَمُحَمَّدَ بنَ سَلاَمٍ، وَسَمَّى خَلْقاً مِنْ شُيُوْخِهِ.
ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الطَّيِّبِ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المُذَكِّرَ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ بنِ خُزَيْمَةَ يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ تَحْتَ أَديمِ السَّمَاءِ أَعْلَمَ بِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَحْفَظَ لَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
ثُمَّ قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ بَيْنَ يَدِي البُخَارِيِّ يَسْأَلُهُ سُؤَالَ الصَّبِيِّ.ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ أَحْمَدَ الشَّيْبَانِيَّ المُعَدَّلَ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حمدُوْنَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جِنَازَةِ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَالعِلَلِ، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَمُرُّ فِيْهِ مِثْلَ السَّهمِ، كَأَنَّهُ يَقْرَأُ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإِخلاَص:1] .
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطوّعِيّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ البُخَارِيُّ، سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: قَدْ رَأَيْتُ العُلَمَاءَ بِالحِجَازِ وَالعِرَاقَينِ، فَمَا رَأَيْتُ فِيْهِم أَجمعَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ حمدُوْن بنِ رُسْتُمَ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ فَقَالَ: دَعْنِي أُقَبِّلْ رجليكَ يَا أُسْتَاذَ الأُسْتَاذِين، وَسَيِّدَ المُحَدِّثِيْنَ، وَطبيبَ الحَدِيْثِ فِي عِلَلِهِ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: لَمْ أَرَ بِالعِرَاقِ وَلاَ بِخُرَاسَانَ فِي مَعْنَى العِلَلِ وَالتَّارِيْخِ وَمَعْرِفَةِ الأَسَانِيْدِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ عِنْدَ عَبْدِ اللهِ بنِ مُنِيْرٍ، فَلَمَّا قَامَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، جَعَلَكَ اللهُ زَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ.قَالَ التِّرْمِذِيُّ: اسْتُجِيْبَ لَهُ فِيْهِ.
قُلْتُ: ابْنُ مُنِيْرٍ مِنْ كِبَارِ الزُّهَّادِ، قَالَ.... قِيْلَ: إِنَّ البُخَارِيَّ لَمَّا قَدِمَ مِنَ العِرَاقِ، قَدْمَتَهُ الآخِرَة، وَتلقَّاهُ النَّاسُ، وَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ، وَبَالغُوا فِي بِرِّهِ.
قِيْلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: كَيْفَ لَوْ رَأَيْتُم يَوْمَ دُخُوْلِنَا البَصْرَةَ ؟
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَة: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَجْلِسُ بِبَغْدَادَ، وَكُنْتُ أَستملِي لَهُ، وَيجتمعُ فِي مَجْلِسِهِ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَقَالَ عَبْدُ المُؤْمِنِ بنُ خَلَفٍ النَّسَفِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَلِيٍّ صَالِحُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ الدَّارِمِيِّ وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ وَأَبِي زُرْعَةَ، فقَالَ: أَعْلَمُهُم بالحَدِيْثِ مُحَمِّدٌ، وأَحْفَظُهُم أَبُو زُرْعَةَ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ بنُ زبركٍ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيْسَ الرَّازِيَّ يَقُوْلُ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ: يقدَمُ عَلَيْكُم رَجُلٌ مِنْ خُرَاسَانَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا أَحْفَظُ مِنْهُ، وَلاَ قَدِمَ العِرَاقَ أَعْلَمُ مِنْهُ.
فَقَدمَ عَلَيْنَا البُخَارِيَّ.
وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ مُحَمَّدٍ: قَالَ مُوْسَى بنُ هَارُوْنَ الحَافِظُ: لَوْ أَنَّ أَهْلَ الإِسْلاَمِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يُنَصِّبُوا آخَرَ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ.وَقَالَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الفَقِيْهُ الدَّغُوْلِيُّ: كتبَ أَهْلُ بَغْدَادَ إِلَى البُخَارِيِّ:
المُسْلِمُوْنَ بِخَيْرٍ مَا بَقِيْتَ لَهُم ... وَلَيْسَ بَعْدَكَ خَيْرٌ حِيْنَ تُفْتَقَدُ
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنِ ابْنِ لَهِيْعَةَ، فَقَالَ: تَرَكَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ.
وَسُئِلَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ حُمَيْدٍ، فَقَالَ: تركَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ.
فَذُكِرَ ذَلِكَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ: بِرُّهُ لَنَا قَدِيْمٌ.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَسُئِلَ العَبَّاسُ بنُ الفَضْلِ الرَّازِيُّ الصَّائِغُ: أيُّهُمَا أَفْضَلُ، أَبُو زُرْعَةَ أَوْ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ؟
فَقَالَ: التقيتُ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ بَيْنَ حُلْوَانَ وَبَغْدَادَ، فَرَجَعتُ مَعَهُ مَرحلَةً، وَجَهِدْتُ أَنْ أَجِيءَ بِحَدِيْثٍ لاَ يَعْرِفُهُ، فَمَا أَمكنَنِي، وَأَنَا أُغْرِبُ عَلَى أَبِي زُرْعَةَ عَدَدَ شَعْرِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِي (تَارِيْخِهِ) : مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الجُعْفِيُّ طَلَبَ العِلْمَ، وَجَالَسَ النَّاسَ، وَرَحَلَ فِي الحَدِيْثِ، وَمَهَرَ فِيهِ وَأَبْصَرَ،
وَكَانَ حَسَنَ المَعْرِفَةِ، وَالحِفْظِ، وَكَانَ يتفقَّهُ.قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: رَأَيْتُ أَبِي يُطْنِبُ فِي مدحِ أَحمدَ بنِ سَيَّارٍ، وَيذكرُه بِالعِلْمِ وَالفِقْه.
وَذكر عَمَرُ بنُ حَفْصٍ الأَشْقَرُ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَجَاءُ بنُ مُرَجَّى بُخَارَى يُرِيْد الخُرُوجَ إِلَى الشَّاشِ، نَزَلَ الرّباطَ، وَسَارَ إِلَيْهِ مَشَايِخنَا، وَسِرْتُ فِيْمَنْ سَارَ إِلَيْهِ، فَسَأَلَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، فَأَخبرتُهُ بسَلاَمَتِهِ، وَقُلْتُ: لَعَلَّهُ يَجِيْئُكَ السَّاعَةَ، فَأَملَى عَلَيْنَا، وَانقضَى المَجْلِسُ، وَلَمْ يَجِئْ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي لَمْ يَجِئْهُ.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْم الثَّالِث قَالَ رَجَاءُ: إِنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ لَمْ يَرَنَا أَهْلاً لِلزِّيَارَةِ، فمُرُّوا بِنَا إِلَيْهِ نقضِ حقَّهُ، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوجِ - وَكَانَ كَالمُتَرَغّمِ عَلَيْهِ - فَجِئْنَا بجمَاعتِنَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَجَاءُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كُنْتُ بِالأَشواقِ إِلَيْكَ، وَأَشْتَهِي أَنْ تذكرَ شَيْئاً مِنَ الحَدِيْث، فَإِنِّي عَلَى الخُرُوج.
قَالَ: مَا شِئْتَ.
فَأَلقَى عَلَيْهِ رَجَاءُ شَيْئاً مِنْ حَدِيْثِ أَيُّوْبَ، وَأَبو عَبْدِ اللهِ يُجِيْبُ إِلَى أَنْ سكتَ رَجَاءُ عَنِ الإِلقَاءِ.
فَقَالَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: ترَى بَقِيَ شَيْءٌ لَمْ نذكرْهُ، فَأَخَذَ مُحَمَّدٌ يُلْقِي، وَيَقُوْلُ رَجَاءُ: مَنْ رَوَى هَذَا؟ وَأَبُو عَبْدِ اللهِ يَجِيْءُ بِإِسْنَادِهِ إِلَى أَنْ أَلقَى قَرِيْباً مِنْ بِضْعَة عشر حَدِيْثاً.
وَتَغَيَّرَ رَجَاءُ تغيُّراً شَدِيْداً، وَحَانَتْ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ نظرَةٌ إِلَى وَجْهِهِ، فَعَرفَ التَّغَيُّرَ فِيْهِ، فَقطَعَ الحَدِيْثَ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَجَاءُ قَالَ مُحَمَّدٌ: أَرَدْتُ أَنْ أَبلغَ بِهِ ضِعْفَ مَا أَلقَيْتُهُ، إِلاَّ أَنِّي خشيتُ أَنْ يدخُلَهُ شَيْءٌ، فَأَمسكتُ.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ الخَفَّافَ يَقُوْلُ: مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أَعْلَمُ بِالحَدِيْثِ مِنْ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه وَأَحْمَدَ بنِ
حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا بِعِشْرِيْنَ دَرَجَةٍ؛ وَمَنْ قَالَ فِيْهِ شَيْئاً، فمنِّي عَلَيْهِ أَلفُ لعنَةٍ.ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
وَرُوِيَ عَنِ الحُسَيْنِ بنِ مُحَمَّدٍ المَعْرُوْفِ بعُبَيْدِ العِجْلِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَلَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ يبلغُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ.
وَرَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبَا حَاتِمٍ يَسْتَمَعَانِ إِلَى مُحَمَّدٍ أَيَّ شَيْءٍ يَقُوْلُ، يجلسُونَ إِلَى جَنْبِهِ، فَذُكِرَ لعُبَيْدِ العِجْلِ قِصَّةُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَقَالَ: مَا لَهُ وَلِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ؟ كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ أُمَّةً مِنَ الأُمَمِ، وَكَانَ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بكذَا وَكَذَا، وَكَانَ دَيِّناً فَاضِلاً يُحْسِنُ كُلَّ شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بنُ حمدُوْن القصَّارُ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ، وَجَاءَ إِلَى البُخَارِيِّ، فَقَبَّلَ بَيْنَ عينيهِ، وَقَالَ: دعنِي أُقَبِّلُ رِجْليكَ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثكَ مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ، حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بنُ يَزِيْدَ الحَرَّانِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ أَبيه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي كَفَّارَةِ المَجْلِسِ، فَمَا عِلَّتُهُ؟
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ
إِسْمَاعِيْلَ: هَذَا حَدِيْثٌ مَلِيْحٌ، وَلاَ أَعْلَمُ بِهَذَا الإِسْنَادِ فِي الدُّنْيَا حَدِيْثاً غَيْرَ هَذَا الحَدِيْثِ الوَاحِدِ فِي هَذَا البَابِ، إِلاَّ أَنَّهُ معلولٌ حَدَّثَنَا بِهِ مُوْسَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ قَوْلَهُ، قَالَ مُحَمَّدٌ: وَهَذَا أَوْلَى، فَإِنَّهُ لاَ يُذكَرُ لمُوْسَى بنِ عُقْبَةَ سَمَاعٌ مِنْ سُهَيْلٍ.فَقَالَ لَهُ مُسْلِمٌ: لاَ يُبْغِضُكَ إِلاَّ حَاسِدٌ، وَأَشهدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ: سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ اسْتَقبَلَهُ أَرْبَعَةُ آلاَفِ رَجُلٍ رُكْبَاناً عَلَى الخيلِ، سِوَى مِنْ ركبَ بغلاً أَوْ حِمَاراً وَسوَى الرَّجَّالَةِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ: وَددْت أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَ البُخَارِيِّ فِي طلبِ الحَدِيْثِ، وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ أَكْثَرُهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ.
قَالاَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ عِنْدَ ذَلِكَ شَابّاً لَمْ يخرجْ وَجْهُهُ.
أَخبرنَي الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ المهدوِيُّ، سَمِعْتُ خَالِدَ بنَ عَبْدِ اللهِ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا سهلٍ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ المَرْوَزِيَّ، سَمِعْتُ أَبَا زيدٍ المَرْوَزِيَّ الفَقِيْهَ يَقُوْلُ: كُنْتُ نَائِماً بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمقَامِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لِي: يَا أَبَا زيدٍ، إِلَى مَتَى تدرسُ كِتَابَ الشَّافِعِيِّ، وَلاَ تدرُسُ كِتَابِي؟فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ وَمَا كِتَابُكَ؟
قَالَ: (جَامِعُ) مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وجدْتُ فَائِدَةً مَنْقُوْلَةً عَنْ أَبِي الخَطَّابِ بنِ دِحْيَةَ، أَنَّ الرَّمْلِيَّ الكَذَّابَةَ قَالَ: البُخَارِيُّ مَجْهُوْلٌ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى الفِرَبْرِيُّ.
قَالَ أَبُو الخَطَّابِ: وَاللهِ كذبَ فِي هَذَا وَفَجَرَ، وَالتقمَ الحَجَرَ، بَلِ البُخَارِيُّ مَشْهُوْرٌ بِالعِلْمِ وَحَمْلِهِ؛ مجمعٌ عَلَى حِفْظِهِ وَنُبْلِهِ، جَابَ البِلاَدَ، وَطَلَبَ الرِّوَايَةَ وَالإِسْنَادِ.
رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ العُلَمَاءِ إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَمَّا كِتَابُهُ فَقَدْ عرضَهُ عَلَى حَافِظِ زَمَانِهِ أَبِي زُرْعَةَ، فَقَالَ: كِتَابُكَ كُلُّهُ صَحِيْحٌ إِلاَّ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْث.
ذِكْرُ عِبَادَتِهِ وَفَضْلِهِ وَوَرَعِهِ وَصَلاَحِهِ
قَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ المُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَبِّحُ بنُ سَعِيْدٍ
قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يختمُ فِي رَمَضَانَ فِي النَّهَارِ كُلَّ يَوْمٍ خَتْمَةً، وَيقومُ بَعْدَ التّروَايحِ كُلَّ ثَلاَثِ لَيَالٍ بخَتْمَةٍ.وَقَالَ بَكْرُ بنُ مُنِيْرٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: أَرْجُو أَنْ أَلقَى اللهَ وَلاَ يحَاسبنِي أَنِّي اغتبتُ أَحَداً.
قُلْتُ: صَدَقَ -رَحِمَهُ اللهُ- وَمَن نظَرَ فَى كَلاَمِهِ فِي الجرحِ وَالتعديلِ عَلِمَ وَرعَهُ فِي الكَلاَمِ فِي النَّاسِ، وَإِنصَافَهُ فِيْمَنْ يُضَعِّفُهُ، فَإِنَّهُ أَكْثَر مَا يَقُوْلُ: مُنْكَرُ الحَدِيْثِ، سَكَتُوا عَنْهُ، فِيْهِ نظرٌ، وَنَحْو هَذَا. وَقَلَّ أَنْ يَقُوْلَ: فُلاَنٌ
..................................................................................
كَذَّابٌ، أَوْ كَانَ يَضَعُ الحَدِيْثَ.حَتَّى إِنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُ: فُلاَنٌ فِي حَدِيْثِهِ نَظَرٌ، فَهُوَ مُتَّهَمٌ وَاهٍ.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: لاَ يُحَاسبُنِي اللهُ أَنِّي اغتبْتُ أَحَداً، وَهَذَا هُوَ وَاللهِ غَايَةُ الوَرَعِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُهُ -يَعْنِي: البُخَارِيَّ- يَقُوْلُ: لاَ يَكُوْنُ لِي خصمٌ فِي الآخِرَةِ، فَقُلْتُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَنْقِمُونَ عَلَيْكَ فِي كِتَابِ (التَّارِيْخ) وَيَقُوْلُوْنَ: فِيْهِ اغتيَابُ النَّاسِ، فَقَالَ: إِنَّمَا روينَا ذَلِكَ رِوَايَةً لَمْ نَقُلْهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِنَا، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (بِئْسَ مَوْلَى العَشِيْرَةِ) يَعْنِي: حَدِيْث عَائِشَةَ.
وسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا اغتبْتُ أَحَداً قَطُّ مُنْذُ عَلِمتُ أَنَّ الغِيبَةَ تَضُرُّ أَهْلَهَا.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يُصَلِّي فِي وَقْتِ السَّحَرِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَكَانَ لاَ يُوقظنِي فِي كُلِّ مَا يقوم.
فَقُلْتُ: أَرَاكَ تحمِلُ عَلَى نَفْسِكَ، وَلَمْ توقظْنِي.
قَالَ: أَنْتَ شَابٌّ، وَلاَ أُحِبُّ أَنْ أُفْسِدَ عَلَيْكَ نَومَكَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ المُقْرِئِ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرٍ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يُصَلِّي ذَاتَ لَيْلَةٍ، فلسعَهُ الزُّنْبُورُ سَبْعَ عَشْرَةَ مَرَّةً.
فَلَمَّا قضَى الصَّلاَةَ، قَالَ: انْظُرُوا أَيش آذَانِي.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: دُعِيَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى بُسْتَانِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا صَلَّى بِالقَوْمِ الظُّهْرَ، قَامَ يتطوَّعُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ، رفعَ ذيلَ قمِيصِهِ، فَقَالَ لبَعْضِ مَنْ مَعَهُ: انظُرْ هَلْ تَرَى تَحْتَ قمِيصِي شَيْئاً؟ فَإِذَا زنبورٌ قَدْ أَبَرَهُ فِي ستِّةِ عشرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعاً، وَقَدْ تورمَ مِنْ ذَلِكَ جَسَدُهُ.فَقَالَ لَهُ بَعْضُ القَوْمِ: كَيْفَ لَمْ تخرجْ مِنَ الصَّلاَةِ أَوَّلَ مَا أَبَرَكَ؟
قَالَ: كُنْتُ فِي سُوْرَةٍ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُتِمَّهَا !!
وَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدِ بنِ جَعْفَرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ العُلَمَاءَ بِالبَصْرَةِ يَقُوْلُوْنَ: مَا فِي الدُّنْيَا مِثْلُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ فِي المَعْرِفَةِ وَالصَّلاَحِ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الوَرَّاقُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ حَمَّادٍ الآمُلِيُّ قَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي صَدْرِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ نَصْرٍ الخَفَّافُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ التَّقيُّ النَّقيُّ العَالِمُ الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ.
أَعدْتُ هَذَا لِلتَّبويبِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَامِدٍ البَزَّازُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ لَمَّا وَردَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ يَقُوْلُ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عبدَ القُدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجَبَّارِ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَقربَائِهِ بخَرْتَنْك، فسَمِعْتُهُ يدعُو لَيْلَةً إِذْ فرغَ مِنْ وِرْدِهِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ.فَمَا تمَّ الشَّهر حَتَّى مَاتَ.
وَقَدْ ذكرنَا أَنَّهُ لَمَّا أَلَّفَ (الصَّحِيْحَ) كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ تَرْجَمَةٍ.
وَرَوَى الخَطِيْبُ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الفِرَبْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، فَقَالَ لِي: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
فَقُلْتُ: أُرِيْدُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: أَقْرئْهُ مِنِّيَ السَّلاَمُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: ركبنَا يَوْماً إِلَى الرَّمْيِ، وَنَحْنُ بِفِرَبْر، فَخَرَجْنَا إِلَى الدَّربِ الَّذِي يُؤدِّي إِلَى الفُرْضَةِ.
فجعلنَا نَرمِي، وَأَصَابَ سَهْمُ أَبِي عَبْدِ اللهِ وتِدَ القنطرَةِ الَّذِي عَلَى نهرِ وَرَّادَةَ، فَانْشَقَّ الوَتِدُ.
فَلَمَّا رَآهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ، فَأَخْرَجَ السَّهمَ مِنَ الوَتِدِ، وَتركَ الرَّمْيَ.
وَقَالَ لَنَا: ارجِعُوا.
وَرجَعْنَا مَعَهُ إِلَى المَنْزِلِ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، لِي إِلَيْك حَاجَةٌ تقضيهَا؟
قلتُ: أَمْرُكَ طَاعَةٌ.
قَالَ: حَاجَةٌ مُهِمَّةٌ، وَهُوَ يتنفَّسُ الصُّعَدَاءَ.
فَقَالَ لِمَنْ مَعَنَا: اذهبُوا مَعَ أَبِي جَعْفَرٍ حَتَّى تُعِينوهُ عَلَى مَا سَأَلْتُهُ.
فَقُلْتُ: أَيَّةُ حَاجَةٍ هِيَ؟
قَالَ لِي: تضمنُ قَضَاءهَا؟
قُلْتُ: نَعَمْ، عَلَى الرَّأْسِ وَالعَيْنِ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَصِيرَ إِلَى صَاحِبِ القنطرَةِ، فَتَقُوْلَ لَهُ: إِنَّا قَدْ أَخللنَا بِالوَتِدِ، فَنُحِبُّ أَنْ تَأَذَنَ لَنَا فِي إِقَامَةِ بَدَلِهِ، أَوْ تَأَخُذَ ثَمَنَهُ،
وَتجعلنَا فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ منَّا، وَكَانَ صَاحِبَ القنطرَةِ حُمَيْدُ بنُ الأَخضرِ الفِرَبْرِيُّ.فَقَالَ لَي: أَبلغْ أَبَا عَبْدِ اللهِ السَّلاَمَ، وَقُلْ لَهُ: أَنْتَ فِي حِلٍّ مِمَّا كَانَ مِنْكَ، وَقَالَ جَمِيْعُ مُلْكِي لَكَ الفدَاءُ، وَإِنْ قُلْتُ: نَفْسِي، أَكُوْنُ قَدْ كذبْتُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أُحِبُّ أَنْ تحتَشِمنِي فِي وَتِدٍ أَوْ فِي مُلكِي.
فَأَبلغتُهُ رسَالَتَهُ، فَتهلَّلَ وَجْهُهُ، وَاسْتنَارَ، وَأَظْهَرَ سُرُوْراً، وَقَرَأَ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ عَلَى الغُربَاءِ نَحْواً مِنْ خَمْسِ مائَةِ حَدِيْثٍ، وَتصدَّقَ بِثَلاَثِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ لأَبِي مَعْشَرٍ الضَّرِيْرِ: اجعلنِي فِي حلٍّ يَا أَبَا مَعْشَرٍ.
فَقَالَ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: رويتُ يَوْماً حَدِيْثاً، فَنَظَرْتُ إِلَيْكَ، وَقَدْ أُعْجِبتَ بِهِ، وَأَنْتَ تُحرِّكُ رأْسَكَ وَيَدَكَ، فَتبسَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: أَنْتَ فِي حِلٍّ، رَحِمَكَ اللهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَرَأَيْتُهُ اسْتلقَى عَلَى قَفَاهُ يَوْماً، وَنَحْنُ بِفِرَبْر فِي تَصْنِيْفِهِ كِتَابِ (التَّفْسِيْرِ) .
وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ ذَلِكَ اليَوْمِ فِي كَثْرَةِ إِخْرَاجِ الحَدِيْثِ.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرَاكَ تَقُوْلُ: إِنِّي مَا أَثْبَتُّ شَيْئاً، بِغَيْرِ علمٍ قَطُّ مُنْذُ عَقَلْتُ، فَمَا الفَائِدَةُ فِي الاسْتلقَاءِ؟
قَالَ: أَتعبْنَا أَنفُسَنَا اليَوْمَ، وَهَذَا ثغرٌ مِنَ الثُّغُوْرِ، خَشِيْتُ أَنْ يَحْدُثَ حَدَثٌ مِنْ أَمرِ العدوِّ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَسْتريحَ، وَآخُذَ أُهبَةً، فَإِن غَافَصَنَا العَدُوُّ كَانَ بِنَا حَرَاكٌ.
قَالَ: وَكَانَ يَرْكَبُ إِلَى الرَّمْي كَثِيْراً، فَمَا أَعْلَمُنِي رَأَيْتُهُ فِي طولِ مَا صحِبْتُهُ أَخْطَأَ سهمُهُ الهَدَفَ إِلاَّ مرَّتينِ، فَكَانَ يُصِيْبُ الهدفَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَكَانَ لاَ يُسْبَقُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَكلْتُ كُرَّاثاً قَطُّ، وَلاَ القَنَابَرَى.قُلْتُ: ولِمَ ذَاكَ؟
قَالَ: كرِهْتُ أَنْ أُوذِيَ مَنْ مَعِي مِنْ نَتَنِهِمَا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ البصلُ النِّيءُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الفِرَبْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِساً مَعَ أَبِي عَبْدِ اللهِ البُخَارِيِّ بِفِرَبْر فِي المَسْجَدِ، فَدَفَعْتُ مِنْ لِحْيَتِهِ قَذَاةً مِثْلَ الذَّرَّةِ أَذْكُرُهَا، فَأَردْتُ أَنْ أُلقِيهَا فِي المَسْجَدِ، فَقَالَ: أَلقِهَا خَارجاً مِنَ المَسْجَدِ.
قَالَ: وَأَملَى يَوْماً عليَّ حَدِيْثاً كَثِيْراً، فَخَافَ مَلاَلِي، فَقَالَ: طِبْ نَفْساً، فإِن أَهْلَ الملاَهِي فِي ملاَهِيهِم، وَأَهْلَ الصّنَاعَاتِ فِي صنَاعَاتِهِم، وَالتُّجَّارَ فِي تجَارَاتِهِم، وَأَنْتَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابِهِ.
فَقُلْتُ: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا، يرحمُكَ اللهُ إِلاَّ وَأَنَا أَرَى الحظَّ لنفسِي فِيْهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَا أَردْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ بكَلاَمٍ فِيْهِ ذكرُ الدُّنْيَا إِلاَّ بدأَتُ بحمدِ اللهِ وَالثنَاءِ عَلَيْهِ.
وَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَقُوْلُوْنَ: إِنَّكَ تَنَاولْتَ فُلاَناً.
قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا ذكرْتُ أَحَداً بسوءٍ إِلاَّ أَنْ أَقُوْلَ سَاهِياً، وَمَا يَخْرُجُ اسْمُ فُلاَنٍ مِنْ صحيفَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
قَالَ: وضيَّفَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي بستَانٍ لَهُ، وضيَّفَنَا مَعَهُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا أَعجبَ صَاحِبَ البُسْتَانِ بُستَانُهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ عَمِلَ مَجَالِسَ فِيْهِ، وَأَجرَى
المَاءَ فِي أَنْهَارِهِ.فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى؟
فَقَالَ: هَذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا.
قَالَ: وَكَانَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ غَرِيمٌ قَطَعَ عَلَيْهِ مَالاً كَثِيْراً، فَبلغَهُ أَنَّهُ قَدِمَ آمُل، وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِفِرَبْر، فَقُلْنَا لَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تعبُرَ وَتَأْخُذَهُ بِمَالِكَ.
فَقَالَ: لَيْسَ لَنَا أَنْ نُرَوِّعَهُ.
ثُمَّ بَلَغَ غريْمُهُ مَكَانَهُ بِفِرَبْر، فَخَرَجَ إِلَى خُوَارزمَ، فَقُلْنَا: يَنْبَغِي أَنْ تَقُوْلَ لأَبِي سَلَمَةَ الكُشَانِيِّ عَاملِ آمُل ليكَتَبَ إِلَى خُوَارزمَ فِي أَخذِهِ، وَاسْتخرَاجِ حقِّكَ مِنْهُ.
فَقَالَ: إِنْ أَخَذْتُ مِنْهُم كِتَاباً طمِعُوا مِنِّي فِي كِتَابٍ، وَلَسْتُ أَبيعُ دينِي بدُنيَاي.
فَجَهِدْنَا، فَلَمْ يَأْخُذْ حَتَّى كلَّمْنَا السُّلْطَانُ عَنْ غَيْرِ أَمرِهِ.
فَكَتَبَ إِلَى وَالِي خُوَارزمَ.
فَلَمَّا أُبلِغَ أَبَا عَبْدِ اللهِ ذَلِكَ، وَجَدَ وَجْداً شَدِيْداً.
وَقَالَ: لاَ تكونُوا أَشفقَ عليَّ مِنْ نَفْسِي.
وَكَتَبَ كِتَاباً، وَأَرْدَفَ تِلْكَ الكُتُبَ بكُتُبٍ، وَكَتَبَ إِلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ بخُوَارِزْمَ أَنْ لاَ يُتَعرَّضَ لغريمِهِ إِلاَّ بِخَيْرٍ.
فَرَجَعَ غريمُهُ إِلَى آمُل، وَقصَدَ إِلَى نَاحِيَةِ مَرْو.
فَاجْتَمَعَ التُّجَّارُ، وَأُخْبِرَ السُّلْطَانُ بِأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ خَرَجَ فِي طَلَبِ غريمٍ لَهُ.
فَأَرَادَ السُّلْطَانُ التَّشديدَ عَلَى غريمِهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، وَصَالَحَ غريمَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ كُلَّ سَنَةٍ عَشْرَةُ دَرَاهِم شَيْئاً يَسِيْراً.
وَكَانَ المَالُ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً.
وَلَمْ يصِلْ مِنْ ذَلِكَ المَالِ إِلَى دِرْهَمٍ، وَلاَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ، يَقُوْلُ: مَا تولَّيْتُ شِرَاءَ شَيْءٍ وَلاَ بَيْعَهُ قَطُّ.
فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ وَقَدْ أَحلَّ اللهُ البيعَ؟
قَالَ: لِمَا فِيْهِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقصَانِ وَالتخليطِ، فَخشيتُ إِنْ تولّيتُ أَنْ أَستوِي بغَيرِي.
قُلْتُ: فَمَنْ كَانَ يَتَوَلَّى أَمرُكَ فِي أَسفَارِكَ وَمُبَايَعَتِكَ؟
قَالَ: كُنْتُ أُكْفَى ذَلِكَ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ خِدَاشٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ حَفْصٍ، يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ -يَعْنِي: إِسْمَاعِيْل- وَالِدِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ مِنْ مَالِي دِرْهَماً مِنْ حرَامٍ، وَلاَ دِرْهَماً مِنْ شُبْهَةٍ.قَالَ أَحْمَدُ: فَتصَاغَرَتْ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ ذَلِكَ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: أَصْدَقُ مَا يَكُوْنُ الرَّجُلُ عِنْدَ المَوْتِ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ اكترَى مَنْزِلاً، فلبِثَ فِيْهِ طَوِيْلاً، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ أَمسحْ ذَكَرِي بِالحَائِطِ، وَلاَ بِالأَرْضِ فِي ذَلِكَ المَنْزِلِ.
فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنَّ المَنْزِلَ لغَيرِي.
قَالَ: وَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللهِ يَوْماً بِفِرَبْر: بَلَغَنِي أَنَّ نَخَّاساً قَدِمَ بجَوَارِي، فَتصيرَ مَعِي؟
قُلْتُ: نَعَمْ، فصِرنَا إِلَيْهِ فَأَخْرَجَ جَوَارِيَ حِسَاناً صِبَاحاً.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ خِلاَلِهنَّ جَارِيَةٌ خَزَرِيَّةٌ دمِيمَةٌ عَلَيْهَا شحمٌ، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فمسَّ ذَقْنَهَا فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ لَنَا مِنْهُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ دمِيمَةٌ قبيحَةٌ لاَ تَصْلُحُ، وَاللاَتِي نظرْنَا إِليهنَّ يُمْكِنُ شِرَاءهُنَّ بثمنِ هَذِهِ.
فَقَالَ: اشترِ هَذِهِ، فَإِنِّي قَدْ مَسِسْتُ ذَقْنَهَا، وَلاَ أُحبُّ أَنْ أَمسَّ جَارِيَةً، ثُمَّ لاَ أَشْتَرِيهَا.
فَاشْترَاهَا بغلاَءِ خَمْسِ مائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى مَا قَالَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ.
ثُمَّ لَمْ تزلْ عِنْدَهُ حَتَّى أَخرَجَهَا مَعَهُ إِلَى نَيْسَابُوْرَ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ: سَمِعْتُ بكرَ بنَ مُنِيْرٍ - وَقَدْ ذكرَ معنَاهَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاللَّفْظُ لبَكْرٍ - قَالَ: كَانَ حُمِلَ إِلَى البُخَارِيِّ بِضَاعَةٌ أَنفذَهَا إِلَيْهِ ابْنُهُ أَحْمَدُ، فَاجْتَمَعَ بَعْضُ التُّجَّارِ إِلَيْهِ.
فَطَلَبُوهَا بربحِ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: انْصَرَفُوا اللَّيْلَةَ.
فَجَاءهُ مِنَ الغَدِ تُجَّارٌ آخرُوْنَ، فَطَلَبُوا مِنْهُ البِضَاعَةَ بربحِ عَشْرَةِ آلاَفٍ. فَقَالَ: إِنِّي
نَوَيْتُ بيعَهَا للَّذين أَتَوا البَارِحَةَ.وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ حمدٍ المُلاَحِمِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَابرِ بنِ كَاتِبٍ، سَمِعْتُ عُمَرَ بنَ حَفْصٍ الأَشْقَرُ قَالَ: كُنَّا مَعَ البُخَارِيِّ بِالبَصْرَةِ نكتبُ، فَفَقدنَاهُ أَيَّاماً، ثُمَّ وَجدنَاهُ فِي بَيْتٍ وَهُوَ عُريَانٌ، وَقَدْ نَفِدَ مَا عِنْدَهُ، فَجَمَعنَا لَهُ الدَّرَاهِمَ، وَكسونَاهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: مَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُوْنَ بحَالَةٍ إِذَا دَعَا لَمْ يُسْتَجَبْ لَهُ.
فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةُ أَخِيْهِ بحضرتِي: فَهَلْ تبيَّنْتَ ذَلِكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ مِنْ نَفْسِكَ؛ أَوْ جرَّبْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ، دعوتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ مرَّتينِ، فَاسْتجَابَ لِي، فَلَنْ أُحِبَّ أَنْ أَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَعَلَّهُ يَنْقُصُ مِنْ حسنَاتِي، أَو يُعَجِّلَ لِي فِي الدُّنْيَا.
ثُمَّ قَالَ: مَا حَاجَةُ المُسْلِمُ إِلَى الكذِبِ وَالبُخْلِ؟!!
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: خَرَجتُ إِلَى آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ، فَتخلَّفَتْ عَنِّي نَفَقَتِي، حَتَّى جَعَلتُ أَتنَاولُ الحشيشَ، وَلاَ أُخْبِرْ بِذَلِكَ أَحَداً.
فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّالِثُ أَتَانِي آتٍ لَمْ أَعرِفْهُ، فَنَاولَنِي صُرَّةَ دَنَانِيْر، وَقَالَ: أَنْفِقْ عَلَى نَفْسِكَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ الحُسَيْنَ بنَ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْديَّ يَقُوْلُ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مخصوصاً بِثَلاَثِ خِصَالٍ مَعَ مَا كَانَ فِيْهِ مِنَ الخِصَالِ المحمودَةِ: كَانَ قَلِيْلَ الكَلاَمِ، وَكَانَ لاَ يطمعُ فِيْمَا عِنْدَ النَّاسِ،
وَكَانَ لاَ يشتغِلُ بِأُمُورِ النَّاسِ، كُلُّ شُغْلِهِ كَانَ فِي العِلْمِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَقُوْلُ: مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُعَلِّمُ النَّاسَ الحَدِيْثَ حِسْبَةً غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، وَرَأَيْتُ سُلَيْمَ بنَ مُجَاهدٍ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللهِ أَنْ يُحَدِّثَهُ كُلَّ يَوْمٍ بِثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ مَعَانِيهَا وَتفَاسِيرِهَا وَعِلَلِهَا.
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ قدرَ مُقَامِهِ.
وَكَانَ أَقَامَ فِي تِلْكَ الدفعَةِ جُمْعَةً.
وَسَمِعْتُ سليماً يَقُوْلُ: مَا رَأَيْتُ بعينِي مُنْذُ سِتِّيْنَ سَنَةً أَفْقَهَ، وَلاَ أَوْرَعَ، وَلاَ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا، مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
قَالَ عَبْدُ المَجِيْدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، كَانَ يُسَوِّي بَيْنَ القَوِيِّ وَالضَّعيفِ.
ذِكْرُ كَرَمِهِ وَسَمَاحَتِهِ وَصِفَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: كَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ أَرْضٍ يَكْرِيهَا كُلَّ سَنَةٍ بِسَبْعِ مائَةِ دِرْهَمٍ.
فَكَانَ ذَلِكَ المُكْتَرِي رُبَّمَا حملَ مِنْهَا إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ قِثَّاةً أَوْ قِثَّاتَينِ، لأَنَّ أَبَا عَبْدِ اللهِ كَانَ مُعْجَباً بِالقِثَّاءِ النَّضيجِ، وَكَانَ يُؤْثِرُهُ عَلَى البطيخِ أَحْيَاناً، فَكَانَ يَهَبُ لِلرَّجُلِ مائَةَ دِرْهَمٍ كُلَّ سَنَةٍ لحملِهِ القِثَّاءَ إِلَيْهِ أَحْيَاناً.
قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: كُنْتُ أَستَغِلُّ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَ مائَةِ دِرْهَمٍ، فَأَنفقْتُ كُلَّ ذَلِكَ فِي طَلَبِ العِلْمِ.
فَقُلْتُ: كم بَيْنَ مَنْ ينفقُ عَلَى هَذَا الوَجْهِ، وَبَيْنَ مَنْ كَانَ خِلْواً مِنَ المَالِ، فَجَمَعَ وَكسبَ بِالعِلْمِ، حَتَّى اجْتَمَعَ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ: {مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشُّوْرَى: 36]
قَالَ: وَكُنَّا بِفِرَبْر، وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ يبنِي رِباطاً مِمَّا يلِي بُخَارَى، فَاجْتَمَعَ بَشَرٌ كَثِيْرٌ يُعينونَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَانَ ينقُلُ اللَّبِنَ، فَكُنْتُ أَقُوْلُ لَهُ: إِنَّكَ تُكْفَى يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا الَّذِي يَنْفَعُنَا.ثُمَّ أَخذَ ينقلُ الزَّنْبَرَاتِ مَعَهُ، وَكَانَ ذَبَحَ لَهُم بَقَرَةً، فَلَمَّا أَدْرَكَتِ القدورُ، دَعَا النَّاسَ إِلَى الطَّعَامِ، وَكَانَ بِهَا مائَةُ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرُ، وَلَمْ يَكُنْ عَلِمَ أَنَّهُ يجتمعُ مَا اجْتَمَعَ، وَكُنَّا أَخرجْنَا مَعَهُ مِنْ فِرَبْر خُبزاً بِثَلاَثَةِ درَاهمَ أَوْ أَقَلَّ، فَأَلقينَا بَيْنَ أَيديهِم، فَأَكَلَ جَمِيْعُ مَنْ حضَرَ، وَفضلتْ أَرغفَةٌ صَالِحَةٌ.
وَكَانَ الخبزُ إِذْ ذَاكَ خَمْسَةَ أَمْنَاءٍ بِدِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللهِ رُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ النَّهَارُ، فَلاَ يَأْكُلُ فِيْهِ رُقَاقَةً، إِنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ أَحْيَاناً لوزتين أَوْ ثَلاَثاً.
وَكَانَ يجتنِبُ توَابِلَ القُدورِ مِثْلَ الحِمّصِ وَغَيْرِهِ، فَقَالَ لِي يَوْماً شبهَ المُتفرِّجِ بصَاحِبِهِ: يَا أَبَا جَعْفَرٍ، نَحْتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى شَيْءٍ كَثِيْرٍ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْرُ كَمْ؟
قَالَ: أَحتَاجُ فِي السَّنَةِ إِلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ، أَوْ خَمْسَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ.
قَالَ: وَكَانَ يتصدَّقُ بِالكَثِيْرِ، يَأْخُذُ بِيَدِهِ صَاحِبَ الحَاجَةِ مِنْ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فيُنَاوِلُهُ مَا بَيْنَ العِشْرِيْنَ إِلَى الثَّلاَثِيْنَ، وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ، مِنْ غَيْرِ أَن يَشْعُرَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
وَكَانَ لاَ يُفَارِقُهُ كِيْسُهُ.
وَرَأَيْتُهُ نَاولَ رَجُلاً مِرَاراً صُرَّةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ - وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ أَخْبَرَنِي بعَدَدِ مَا كَانَ فِيْهَا مِنْ بَعْدُ - فَأَرَادَ أَنْ يدعُوَ، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: ارفُقْ، وَاشتغلْ بِحَدِيْثٍ آخرَ كيلاَ يعلمَ بِذَلِكَ أَحَدٌ.
قَالَ: وَكُنْتُ اشْتَرَيْتُ مَنْزِلاً بتسعِ مائَةٍ وَعِشْرِيْنَ دِرْهَماً، فَقَالَ: لِي
إِلَيْكَ حَاجَةٌ تَقْضِيهَا؟قُلْتُ: نَعَمْ، وَنُعْمَى عينٍ.
قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصيرَ إِلَى نُوْحِ بنِ أَبِي شدَّادٍ الصَّيْرَفِيِّ، وَتَأْخُذَ مِنْهُ أَلفَ دِرْهَمٍ، وَتَحْمِلَهُ إِلَيَّ، فَفَعَلتُ.
فَقَالَ لِي: خُذْهُ إِلَيْكَ، فَاصرِفْهُ فِي ثمنِ المَنْزِلِ.
فَقُلْتُ: قَدْ قَبِلْتُهُ مِنْكَ وَشكرتُهُ.
وَأَقبلنَا عَلَى الكِتَابَةِ، وَكُنَّا فِي تَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) .
فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ سَاعَةٍ، قُلْتُ: عَرَضَتْ لِي حَاجَةٌ لاَ أَجْتَرِئُ رفعَهَا إِلَيْكَ، فَظنَّ أَنِّي طَمِعْتُ فِي الزِّيَادَةِ.
فَقَالَ: لاَ تحتشمْنِي، وَأَخْبِرْنِي بِمَا تَحْتَاجُ، فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُوْنَ مأَخوذاً بِسببِكَ.
قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ؟
قَالَ: لأَنْ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخَى بَيْنَ أَصْحَابِهِ.
فذكرَ حَدِيْثَ سَعْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ جَعَلتُكَ فِي حِلٍّ مِنْ جَمِيْعِ مَا تَقُوْلُ، وَوهبْتُ لَكَ المَالَ الَّذِي عرضتَهُ عليَّ، عَنَيْتُ المُنَاصفَةَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: لِي جَوَارٍ وَامْرَأَةٌ، وَأَنْتَ عَزَبٌ، فَالَّذِي يَجِبُ عليَّ أَنْ أُنَاصِفَكَ لنستوِي فِي المَالِ وَغَيْرِهِ، وَأَربحُ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ.
فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ فعلْتَ - رَحِمَكَ اللهُ - أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِذْ أَنْزَلْتَنِي مِنْ نَفْسِكَ مَا لَمْ تُنْزِلْ أَحَداً، وَحللتُ مِنْكَ محلَّ الوَلَدِ، ثُمَّ حَفِظَ عليَّ حَدِيْثِي الأَوَّل، وَقَالَ: مَا حَاجَتُكَ؟
قُلْتُ: تَقْضِيهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَأُسَرُّ بِذَلِكَ.
قُلْتُ: هَذِهِ الأَلفُ، تَأْمُرُ بِقَبُولِهِ، وَاصْرِفْهُ فِي بَعْضِ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ، فَقَبِلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ ضَمِنَ لِي قَضَاءَ حَاجَتِي.
ثُمَّ جلسْنَا بَعْدَ ذَلِكَ بيومِيْنِ لتَصْنِيْفِ (الجَامِعِ) ، وَكَتَبْنَا مِنْهُ ذَلِكَ اليَوْمَ شَيْئاً كَثِيْراً إِلَى الظُّهْرِ، ثُمَّ صَلَّينَا الظُّهرَ، وَأَقبلْنَا عَلَى الكِتَابَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نكُوْنَ أَكلْنَا شَيْئاً، فرآنِي لَمَّا كَانَ قُرْبَ العصرِ شِبْهَ القَلِقِ المستوحشِ، فَتوهَّمَ فِيَّ ملاَلاً.
وَإِنَّمَا كَانَ بِيَ الحصرُ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكنْ أَقدرُ عَلَى القِيَامِ، وَكُنْتُ أَتَلَوَّى اهتمَاماً بِالحصرِ.
فَدَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ المَنْزِلَ، وَأَخْرَجَ إِلَيَّ كَاغدَةً فِيْهَا ثَلاَثُ مائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: أَمَا إِذْ لَمْ تقبلْ ثمنَ المَنْزِلِ، فَيَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذَا فِي بَعْضِ حَوَائِجِكَ.
فجهَدَنِي، فَلَمْ أَقبلْ.
ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ، كتبنَا إِلَى الظُّهرِ أَيْضاً، فَنَاوَلَنِي
عِشْرِيْنَ دِرْهَماً.فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تصرِفَ هَذِهِ فِي شرَاءِ الخُضرِ وَنحوِ ذَلِكَ.
فَاشْتَرَيْتُ بِهَا مَا كُنْتُ أَعلَمُ أَنَّهُ يلاَئِمُهُ، وَبعثْتُ بِهِ إِلَيْهِ، وَأَتيتُ.
فَقَالَ لِي: بَيَّضَ اللهُ وَجْهَكَ، لَيْسَ فيكَ حِيْلَةٌ، فَلاَ يَنْبَغِي لَنَا أَن نُعَنِّي أَنْفُسَنَا.
فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَدْ جمعتَ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَأَيُّ رَجُلٍ يَبَرُّ خَادِمَهُ بِمثلِ مَا تَبَرُّنِي، إِنْ كُنْتُ لاَ أَعرِفُ هَذَا؛ فلَسْتُ أَعرِفُ أَكْثَرَ مِنْهُ.
سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ مُحَمَّدٍ الصَّارفيَّ يَقُوْلُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللهِ فَى مَنْزِلِهِ، فَجَاءتْهُ جَارِيَةٌ، وَأَرَادَتْ دُخُوْلَ المَنْزِلِ، فعثرَتْ عَلَى محبرَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تمشينَ؟
قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ طَرِيْقٌ، كَيْفَ أَمْشِي؟
فَبسط يَدَيْهِ، وَقَالَ لَهَا: اذهبِي فَقَدْ أَعتقْتُكِ.
قَالَ: فَقِيْلَ لَهُ فِيْمَا بَعْدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَغضبتْكَ الجَارِيَةُ؟
قَالَ: إِنْ كَانَتْ أَغضبتْنِي فَإِنِّي أَرضيْتُ نَفْسِي بِمَا فعلْتُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَدِيٍّ الحَافِظُ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازُ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ شَيْخاً نحيفَ الجسمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيْلِ وَلاَ بِالقَصِيْرِ.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ التَّمِيْمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى التَّمِيْمِيُّ، سَمِعْتُ جِبْرِيْلَ بنَ مِيكَائِيلَ بِمِصْرَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: لَمَّا بَلَغْتُ خُرَاسَانَ أُصِبْتُ ببَعْضِ بَصْرِي، فعَلَّمَنِي رَجُلٌ أَنْ أَحْلِقَ رَأْسِي، وَأُغَلِّفَهُ بِالخِطْمِيِّ.
فَفَعَلْتُ، فردَّ اللهُ عليَّ بَصْرِي.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ الوَرَّاقُ: دَخَلَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بِفِرَبْر الحَمَّامَ، وَكُنْتُ أَنَا فِي مَشْلَحِ الحَمَّامِ، أَتعَاهَدُ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا خَرَجَ نَاوَلْتُهُ ثِيَابَهُ، فلبِسَهَا، ثُمَّ نَاوَلْتُهُ الخُفَّ، فَقَالَ: مَسِسْتَ شَيْئاً فِيْهِ شعرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.فَقُلْتُ: فِي أَيِّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الخُفِّ؟
فَلَمْ يُخْبِرْنِي.
فتوهَّمْتُ أَنَّهُ فِي سَاقِهِ بَيْنَ الظِّهَارَةِ وَالبِطَانَةِ.
ذِكْرُ قِصَّتِهِ مَعَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ - رحِمَهُمَا اللهُ -
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَامِدٍ البَزَّازَ قَالَ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ جَابِرٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى قَالَ لَنَا لَمَّا وَرَدَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ: اذْهَبُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
فَذَهَبَ النَّاسُ إِلَيْهِ، وَأَقبلُوا عَلَى السَّمَاعِ مِنْهُ، حَتَّى ظَهرَ الخَلَلُ فِي مَجْلِسِ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، فَحَسَدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَكَلَّمَ فِيْهِ.
وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: ذَكَرَ لِي جَمَاعَةٌ مِنَ المَشَايِخِ أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمَّا وَردَ نَيْسَابُوْرَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، حَسَدَهُ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنْ مَشَايِخِ نَيْسَابُوْرَ لَمَّا رَأَوا إِقبالَ النَّاسِ إِلَيْهِ، وَاجْتِمَاعَهُم عَلَيْهِ، فَقَالَ لأَصْحَابِ الحَدِيْثِ: إِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: اللَّفْظُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَامتحنُوهُ فِي المَجْلِسِ.
فَلَمَّا حضَرَ النَّاسُ مَجْلِسَ البُخَارِيِّ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا تَقُوْلُ فِي اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ، مَخْلُوْقٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ؟
فَأَعرَضَ عَنْهُ البُخَارِيُّ وَلَمْ يُجِبْهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأَعرضَ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ، فَالتفَتَ إِلَيْهِ البُخَارِيُّ، وَقَالَ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَأَفْعَالُ العبَادِ مَخْلُوْقَةٌ وَالامْتِحَانُ بِدْعَةٌ.فشَغَبَ الرَّجُلُ، وَشَغَبَ النَّاسُ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ.
وَقَعَدَ البُخَارِيُّ فِي مَنْزِلِهِ.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ القَيْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: أَخْبَرَنَا زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الخَطِيْبُ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ أَبُو بَكْرٍ البَرْقَانِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الإِسْمَاعِيْلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سيَّارٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ خشنَام قَالَ: سُئِلَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بِنَيْسَابُوْرَ عَنِ اللَّفْظِ، فَقَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ -يَعْنِي: أَبَا قُدَامَةَ- عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ هُوَ القَطَّانُ قَالَ: أَعْمَالُ العبَادِ كُلُّهَا مَخْلُوْقَةٌ.
فمَرَقُوا عَلَيْهِ، وَقَالُوا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ترجِعُ عَنْ هَذَا القَوْلِ، حَتَّى نعُودَ إِلَيْكَ؟
قَالَ: لاَ أَفعلْ إِلاَّ أَنْ تَجِيئُوا بحجَّةٍ فِيْمَا تقولُونَ أَقْوَى مِنْ حُجَّتِي.
وَأَعجبَنِي مِنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ ثَبَاتُهُ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ المُطَّوِّعِيُّ بِبُخَارَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ يَقُوْلُ: أَمَّا أَفْعَالُ العِبَادِ فمَخْلُوْقَةٌ.
فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ، عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ اللهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ ) .
وَبِهِ قَالَ: وَسَمِعْتُ عُبَيْدَ اللهِ بنَ سَعِيْدٍ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ
يَقُوْلُ: مَا زِلْتُ أَسمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: إِن أَفْعَالَ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.قَالَ البُخَارِيُّ: حَرَكَاتُهُم وَأَصْوَاتُهُم وَاكتِسَابُهُم وَكِتَابَتُهُم مَخْلُوْقَةٌ.
فَأَمَّا القُرْآنُ المَتْلُوُّ المُبَيَّنُ المُثْبَتُ فِي المَصَاحِفِ، المسطورُ المَكْتُوْبُ المُوعَى فِي القُلُوْبِ، فَهُوَ كَلاَمُ اللهِ لَيْسَ بِمَخْلُوْقٍ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُوْرِ الَّذِيْنَ أُوْتُوا العِلْمَ} [الْعَنْكَبُوت:49]
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ الأَعمَشِيُّ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي جنَازَةِ أَبِي عُثْمَانَ سَعِيْدِ بنِ مَرْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى يَسْأَلُهُ عَنِ الأَسَامِي وَالكُنَى وَعِلَلِ الحَدِيْثِ، وَيمرُّ فِيْهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ مِثْلَ السَّهْمِ.
فَمَا أَتَى عَلَى هَذَا شَهْرٌ حَتَّى قَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: أَلاَ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَى مَجْلِسِهِ فَلاَ يَخْتَلِفْ إِلَيْنَا، فَإِنَّهُم كَتَبُوا إِلَيْنَا مِنْ بَغْدَادَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي اللَّفْظِ، وَنهينَاهُ، فَلَمْ يَنْتَهِ، فَلاَ تقربوهُ، وَمَنْ يقربْهُ فَلاَ يقربْنَا، فَأَقَامَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ هَا هُنَا مُدَّةً، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بُخَارَى.
وَقَالَ أَبُو حَامِدٍ بنُ الشَّرْقِيِّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُوْلُ:
القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ مِنْ جَمِيْعِ جهَاتِهِ، وَحَيْثُ تُصُرِّفَ، فَمَنْ لزمَ هَذَا اسْتغنَى عَنِ اللَّفْظِ وَعمَّا سِوَاهُ مِنَ الكَلاَمِ فِي القُرْآنِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوْقٌ فَقَدْ كَفَرَ، وَخَرَجَ عَنِ الإِيْمَانِ، وَبَانتْ مِنْهُ امْرَأَتُهُ، يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ، وَجُعِلَ مَالُهُ فَيْئاً بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِي مَقَابِرِهِم، وَمَنْ وَقَفَ، فَقَالَ: لاَ أَقُوْلُ مَخْلُوْق وَلاَ غَيْر مَخْلُوْق، فَقَدْ ضَاهَى الكُفْرَ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، فَهَذَا مُبْتَدِعٌ، لاَ يُجَالَسْ وَلاَ يُكَلَّمْ.وَمِنْ ذهبَ بَعْدَ هَذَا إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ فَاتَّهِمُوهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحْضُرُ مَجْلِسَهُ إِلاَّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مذهَبِهِ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الهَيْثَمِ بِبُخَارَى، أَخْبَرَنَا الفِرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا البُخَارِيُّ، قَالَ: نظرتُ فِي كَلاَمِ اليَهُوْدِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوْسِ فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً أَضَلَّ فِي كُفْرِهِم مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَإِنِّي لأَستجهلُ مَنْ لاَ يُكَفِّرُهُم.
وَقَالَ غُنْجَارٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَاضِرٍ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرَبْرِيُّ، سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: القُرْآنُ كَلاَمُ اللهِ غَيْرُ مَخْلُوْقٍ، وَمَنْ قَالَ: مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا طَاهِرُ بنُ مُحَمَّدٍ الوَرَّاقُ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ شَاذِلٍ يَقُوْلُ: لَمَّا وَقَعَ بَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى وَالبُخَارِيِّ، دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، أَيْشٍ الحِيلَةُ لَنَا فِيْمَا بينكَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بنِ
يَحْيَى، كُلُّ مَنْ يَخْتلِفُ إِلَيْكَ يُطْرَدُ؟فَقَالَ: كم يَعْتَرِي مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الحسدُ فِي العِلْمِ، وَالعِلْمُ رِزْقُ اللهِ يُعْطِيهِ مَنْ يَشَاءُ.
فَقُلْتُ: هَذِهِ المَسْأَلَةُ الَّتِي تُحْكَى عَنْكَ؟
قَالَ: يَا بنِي، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مَشْؤُوْمَةٌ، رَأَيْتُ أَحْمَدَ بنَ حَنْبَلٍ، وَمَا نَالَهُ فِي هَذِهِ المَسْأَلَةِ، وَجَعَلْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لاَ أَتَكَلَّمَ فِيْهَا.
قُلْتُ: المَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ اللَّفْظَ مَخْلُوْقٌ، سُئِلَ عَنْهَا البُخَارِيُّ، فَوَقَفَ فِيْهَا، فَلَمَّا وَقَفَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَفْعَالَنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَاسْتدلَّ لِذَلِكَ، فَهِمَ مِنْهُ الذُّهْلِيُّ أَنَّهُ يُوَجِّهُ مَسْأَلَةَ اللَّفْظِ، فَتَكَلَّمَ فِيْهِ، وَأَخَذَهُ بلاَزِمِ قَوْلِهِ هُوَ وَغَيْرهُ.
وَقَدْ قَالَ البُخَارِيُّ فِي الحِكَايَةِ الَّتِي رَوَاهَا غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ نَصْرٍ النَّيْسَابُوْرِيَّ الخَفَّافَ بِبُخَارَى يَقُوْلُ: كُنَّا يَوْماً عِنْدَ أَبِي إِسْحَاقَ القَيْسِيِّ، وَمَعَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ المَرْوَزِيُّ، فجَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ نصرٍ: سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: مَنْ زَعَمَ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآن مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ قَدْ خَاضَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَكْثَرُوا فِيْهِ.
فَقَالَ: لَيْسَ إِلاَّ مَا أَقُوْلُ.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو الخَفَّافُ: فَأَتَيْتُ البُخَارِيَّ، فَنَاظرتُهُ فِي شِيءٍ مِنَ الأَحَادِيْثِ حَتَّى طَابَتْ نَفْسُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَا هُنَا أَحَدٌ يحكِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ هَذِهِ المَقَالَة.
فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو، احْفَظ مَا أَقُوْلُ لَكَ: مَنْ زَعَمَ مِنْ أَهْلِ
نَيْسَابُوْرَ وَقُومس وَالرَّيِّ وَهَمَذَان وَحلوَانَ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَالبَصْرَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ أَنِّي قُلْتُ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَهُوَ كَذَّابٌ، فَإِنِّي لَمْ أَقُلْهُ إِلاَّ أَنِّي قُلْتُ: أَفْعَالُ العِبَادِ مَخْلُوْقَةٌ.وَقَالَ أَبُو سَعِيْدٍ حَاتِمُ بنُ أَحْمَدَ الكِنْدِيُّ: سَمِعْتُ مُسْلِمَ بنَ الحَجَّاجِ يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ نَيْسَابُوْرَ مَا رَأَيْتُ وَالِياً وَلاَ عَالِماً فَعَلَ بِهِ أَهْلُ نَيْسَابُوْرَ مَا فعلُوا بِهِ، اسْتَقبلُوهُ مرحلَتَيْنِ وَثَلاَثَة.
فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى فِي مَجْلِسِهِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَقبلَ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ غَداً فليستقبِلْهُ.
فَاسْتقبلَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى وَعَامَّةُ العُلَمَاءِ، فَنَزَلَ دَارَ البُخَاريّينَ، فَقَالَ لَنَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى: لاَ تسأَلُوهُ عَنْ شِيءٍ مِنَ الكَلاَمِ، فَإِنَّهُ إِنْ أَجَابَ بِخِلاَفِ مَا نَحْنُ فِيْهِ، وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، ثُمَّ شَمِتَ بِنَا كُلُّ حَرُورِيٍّ، وَكُلُّ رَافضيٍّ، وَكُلُّ جَهْمِيٍّ، وَكُلُّ مُرْجِئٍ بِخُرَاسَانَ.
قَالَ: فَازدحمَ النَّاسُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، حَتَّى امتلأَ السّطحُ وَالدَّارُ، فَلَمَّا كَانَ اليَوْمُ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ، قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ، فَسَأَلَهُ عَنِ اللَّفْظِ بِالقُرْآنِ.
فَقَالَ: أَفْعَالُنَا مَخْلُوْقَةٌ، وَأَلفَاظُنَا مِنْ أَفْعَالِنَا.
فَوَقَعَ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفٌ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَقُلْ، حَتَّى توَاثَبُوا، فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الدَّارِ وَأَخرجُوهُم.
وَقَالَ الحَاكِمُ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوْبَ بنِ الأَخْرَمِ، سَمِعْتُ ابْنَ عَلِيٍّ المَخْلَديَّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى يَقُوْلُ: قَدْ أَظهرَ هَذَا البُخَارِيُّ قَوْلَ اللفظيَّةِ، وَاللفظيَّةُ عِنْدِي شرُّ مِنَ الجَهْمِيَّةِ.وَقَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ صَالِحِ بنِ هَانِئٍ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ سَلَمَةَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، هَذَا رَجُلٌ مَقْبُوْلٌ بِخُرَاسَانَ خصوصاً فِي هَذِهِ المَدِيْنَةِ، وَقَدْ لَجَّ فِي هَذَا الحَدِيْثِ حَتَّى لاَ يَقْدِرَ أَحَدٌ منَّا أَنْ يُكَلِّمَهُ فِيْهِ، فَمَا تَرَى؟
فَقبضَ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: {وَأَفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيْرٌ بِالعِبَادِ} [غَافر: 44] اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أُرِدِ المقَامَ بِنَيْسَابُوْرَ أَشَراً وَلاَ بَطراً، وَلاَ طَلباً للرِّئاسَةِ، وَإِنَّمَا أَبَتْ عليَّ نَفْسِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى وَطَنِي لِغَلَبَةِ المُخَالِفينَ، وَقَدْ قَصَدَنِي هَذَا الرَّجُلُ حَسَداً لَمَّا آتَانِي اللهُ لاَ غَيْر.
ثُمَّ قَالَ لِي: يَا أَحْمَدُ، إِنِّي خَارجٌ غَداً لتتخلَّصُوا مِنْ حَدِيْثِهِ لأَجلِي.
قَالَ: فَأَخبرْتُ جَمَاعَةَ أَصْحَابِنَا، فَوَاللهِ مَا شَيَّعَهُ غَيْرِي.
كُنْتُ مَعَهُ حِيْنَ خَرَجَ مِنَ البلدِ، وَأَقَامَ عَلَى بَابِ البلدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لإِصْلاَحِ أَمرِهِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الحَافِظَ يَقُوْلُ: لَمَّا اسْتوطَنَ
البُخَارِيُّ نَيْسَابُوْرَ أَكْثَرَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ الاخْتِلاَفَ إِلَيْهِ.فَلَمَّا وَقَعَ بَيْنَ الذُّهْلِيِّ وَبَيْنَ البُخَارِيِّ مَا وَقَعَ فِي مَسْأَلَةِ اللَّفْظِ، وَنَادَى عَلَيْهِ، وَمنعَ النَّاسَ عَنْهُ، انْقَطَعَ عَنْهُ أَكْثَرُ النَّاسِ غَيْرَ مُسْلِمٍ.
فَقَالَ الذُّهْلِيُّ يَوْماً: أَلاَ مَنْ قَالَ بِاللَّفْظِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَحْضُرَ مَجْلِسَنَا.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ رِدَاءً فَوْقَ عِمَامَتِهِ، وَقَامَ عَلَى رُؤُوْسِ النَّاسِ، وَبَعَثَ إِلَى الذُّهْلِيِّ مَا كتبَ عَنْهُ عَلَى ظَهرِ جَمَّالٍ.
وَكَانَ مُسْلِمٌ يُظْهِرُ القَوْلَ بِاللَّفْظِ وَلاَ يَكْتُمُهُ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يُوْسُفَ المُؤَذِّنَ، سَمِعْتُ أَبَا حَامِدٍ بنَ الشَّرْقِيِّ يَقُوْلُ: حضَرْتُ مَجْلِسَ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، فَقَالَ: أَلاَ مَنْ قَالَ: لَفْظِي بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ فَلاَ يَحْضُرْ مَجْلِسَنَا، فَقَامَ مُسْلِمُ بنُ الحَجَّاجِ مِنَ المَجْلِسِ.
رَوَاهَا أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَعْقُوْبَ، فَزَادَ: وَتَبِعَهُ أَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ يَعْقُوْبَ الأَخْرَمَ، سَمِعْتُ أَصْحَابَنَا يَقُوْلُوْنَ: لَمَّا قَامَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ بنُ سَلَمَةَ مِنْ مَجْلِسِ الذُّهْلِيِّ، قَالَ الذُّهْلِيُّ: لاَ يُسَاكِننِي هَذَا الرَّجُلُ فِي البلدِ.
فَخَشِيَ البُخَارِيُّ وَسَافَرَ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللهِ البُخَارِيَّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنَّ فُلاَناً يُكَفِّرُكَ!
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ
لأَخِيْهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا ) .وَكَانَ كَثِيْرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُوْلُوْنَ لَهُ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَقَعُ فيكَ.
فَيَقُوْلُ: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً} [النِّسَاء 76] وَيتلو أَيْضاً: {وَلاَ يَحيقُ المَكْرُ السَّيِّءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فَاطِر: 43] .
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ المَجِيْدِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ: كَيْفَ لاَ تدعُو اللهَ عَلَى هَؤُلاَءِ الَّذِيْنَ يظلِمُونَكَ وَيتنَاولونَكَ وَيَبْهَتُونَكَ؟
فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ ) ، وَقَالَ: - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ -: (مَنْ دَعَا عَلَى ظَالِمِهِ، فَقَدِ انْتَصَرَ ) .
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: لَمْ يَكُنْ يَتَعرَّضُ لَنَا قَطُّ أَحَدٌ مِنْ أَفنَاءِ النَّاسِ إِلاَّ رُمِيَ بِقَارعَةٍ، وَلَمْ يَسْلَمْ، وَكُلَّمَا حَدَّثَ الجُهَالُ أَنفسَهُم أَنْ يَمْكُرُوا بِنَا رَأَيْتُ مِنْ ليلتِي فِي المَنَامِ نَاراً تُوَقَدُ ثُمَّ تُطفَأُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتفَعَ بِهَا، فَأَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ تَعَالَى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَاراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}
[المَائِدَة: 64] .وَكَانَ هِجِّيرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ إِذَا أَتيتهُ فِي آخِرِ مَقْدَمِهِ مِنَ العِرَاقِ: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُم وَإِنْ يَخْذُلْكُم فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُم مِنْ بَعْدِهِ} [آل عِمْرَان:160] الآيَة.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيْرَازِيُّ: سَمِعْتُ القَاسِمَ بنَ القَاسِمِ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ وَرَّاقَ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ يَقُوْلُ لَمَّا قَدِمَ البُخَارِيُّ مَرْوَ اسْتَقبلَهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ فِيْمَنْ اسْتَقبَلَهُ، فَقَالَ لَهُ أَحْمَدُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، نَحْنُ لاَ نُخَالِفُكَ فِيْمَا تَقُوْلُ، وَلَكِنَّ العَامَّةَ لاَ تحملُ ذَا مِنْكَ.
فَقَالَ البُخَارِيُّ: إِنِّي أَخشَى النَّارَ، أُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ أَعْلَمُهُ حقاً أَنْ أَقُوْلَ غَيْرَهُ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي (الجرحِ وَالتعديلِ ) : قَدِمَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الرَّيَّ سَنَةَ خَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَسَمِعَ مِنْهُ أَبِي وَأَبُو زُرْعَةَ، وَتركَا حَدِيْثَهُ عِنْدَمَا كَتَبَ إِليهِمَا مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى أَنَّهُ أَظهرَ عِنْدَهُم بِنَيْسَابُوْرَ أَنَّ لَفْظَهُ بِالقُرْآنِ مَخْلُوْقٌ.
قُلْتُ: إِنْ تركَا حَدِيْثَهُ، أَوْ لَمْ يَتْرُكَاهُ، البُخَارِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُوْنٌ مُحتجٌّ بِهِ فِي العَالَمِ.ذِكْرُ مِحْنَتِهِ مَعَ أَمِيْرِ بُخَارَى
رَوَى أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ الشِّيرَازيُّ قَالَ: سَمِعْتُ بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُوْلُ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو عَبْدِ اللهِ بُخَارَى نُصِبَ لَهُ القبَابُ عَلَى فرسخٍ مِنَ البلدِ، وَاسْتقبلَهُ عَامَّةُ أَهْلِ البلدِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَذْكُوْرٌ إِلاَّ اسْتَقبَلَهُ، وَنُثِرَ عَلَيْهِ الدَّنَانِيْرُ وَالِدَرَاهِمُ وَالسُّكَّرُ الكَثِيْرُ، فَبقيَ أَيَّاماً.
قَالَ: فَكَتَبَ بَعْدَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ إِلَى خَالِدِ بنِ أَحْمَدَ أَمِيْرِ بُخَارَى: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَظهرَ خِلاَفَ السُّنَّةِ.
فَقَرَأَ كِتَابَهُ عَلَى أَهْلِ بُخَارَى، فَقَالُوا: لاَ نُفَارِقُهُ، فَأَمرَهُ الأَمِيْرُ بِالخُرُوجِ مِنَ البلدِ، فَخَرَجَ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرٍ: فحَكَى لِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَعْقِلٍ النَّسفيِّ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ فِي اليَوْمِ الَّذِي أُخرِجَ فِيْهِ مِنْ بُخَارَى، فَتقدَّمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، كَيْفَ تَرَى هَذَا اليَوْمَ مِنَ اليَوْمِ الَّذِي نُثِرَ عَلَيْكَ فِيْهِ مَا نُثِرَ؟
فَقَالَ: لاَ أُبَالِي إِذَا سَلِمَ دينِي.
قَالَ: فَخَرَجَ إِلَى بِيْكَنْد، فَسَارَ النَّاسُ مَعَهُ حزبينِ: حزبٌ مَعَهُ، وَحزبٌ عَلَيْهِ،
إِلَى أَنْ كتبَ إِلَيْهِ أَهْلُ سَمَرْقَنْدَ، فَسَأَلُوْهُ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهِم، فَقَدِمَ إِلَى أَنْ وَصلَ بَعْضَ قُرَى سَمَرْقَنْدَ، فَوَقَعَ بَيْنَ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ فِتْنَةٌ مِنْ سَبَبِهِ، قَوْمٌ يُرِيْدُوْنَ إِدخَالَهُ البلَدَ، وَقَوْمٌ لاَ يُرِيْدُوْنَ ذَلِكَ، إِلَى أَنِ اتَّفقُوا عَلَى أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهِم، فَاتَّصلَ بِهِ الخَبَرُ وَمَا وَقَعَ بَيْنَهُم بِسَبِبِهِ، فَخَرَجَ يُرِيْدُ أَنْ يَرْكَبَ.فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى دَابَّتِهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي، ثَلاَثاً، فَسقَطَ مَيْتاً، فَاتَّصل بِأَهْلِ سَمَرْقَنْدَ، فَحضروهُ بِأَجمعهِم.
هَذِهِ حِكَايَةٌ شَاذَّةٌ مُنْقَطِعَةٌ، وَالصَّحِيْحُ مَا يَأْتِي خِلاَفهَا.
قَالَ غُنْجَارٌ فِي (تَارِيْخِهِ) : سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدٍ المُقْرِئَ، سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ مُنِيْرِ بنِ خُليدِ بنِ عَسْكَرٍ يَقُوْلُ: بعثَ الأَمِيْرُ خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الذُّهْلِيُّ وَالِي بُخَارَى إِلَى مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ أَنِ احملْ إِلَيَّ كِتَابَ (الجَامِعِ) وَ (التَّارِيْخِ) وَغَيْرِهِمَا لأَسْمَعَ مِنْكَ.
فَقَالَ لِرَسُوْلِهِ: أَنَا لاَ أُذِلُّ العِلْمَ، وَلاَ أَحْمِلُهُ إِلَى أَبْوَابِ النَّاسِ، فَإِنْ كَانَتْ لَكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْهُ حَاجَةٌ، فَاحضُرْ فِي مَسْجِدِي، أَوْ فِي دَارِي، وَإِنْ لَمْ يُعجبْكَ هَذَا فَإِنَّكَ سُلْطَانٌ، فَامنعنِي مِنَ المَجْلِسِ، ليَكُوْنَ لِي عذرٌ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، لأَنِّي لاَ أَكتُمُ العِلْمَ لقولِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ ) فَكَانَ سَبَبُ الوحشَةِ بَيْنَهُمَا هَذَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا
بَكْرٍ بنَ أَبِي عَمْرٍو الحَافِظَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ سَبَبُ مُنَافرَةِ أَبِي عَبْدِ اللهِ أَنَّ خَالِدَ بنَ أَحْمَدَ الذُّهْلِيَّ الأَمِيْرَ خَلِيْفَةَ الطَّاهريَّةِ بِبُخَارَى سَأَلَ أَنْ يَحْضُرَ مَنْزِلَهُ، فيقرأَ (الجَامِعَ) وَ (التَّارِيْخَ) عَلَى أَوْلاَدِهِ، فَامْتَنَعَ عَنِ الحُضُوْرِ عِنْدَهُ، فرَاسلَهُ بِأَنْ يعقِدَ مَجْلِساً لأَوْلاَدِهِ، لاَ يَحْضُرُهُ غَيْرهُم، فَامْتَنَعَ، وَقَالَ: لاَ أَخُصُّ أَحَداً.فَاسْتعَانَ الأَمِيْرُ بحريثِ بنِ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي مَذْهَبِهِ، وَنَفَاهُ عَنِ البلدِ، فَدَعَا عَلَيْهِم، فَلَمْ يَأْتِ إِلاَّ شَهْرٌ حَتَّى وَرَدَ أَمْرُ الطَّاهريَّةِ، بِأَنْ يُنَادَى عَلَى خَالِدٍ فِي البلدِ، فَنُوْدِيَ عَلَيْهِ عَلَى أَتَانٍ.
وَأَمَّا حُريثٌ، فَإِنَّهُ ابْتُلِيَ بِأَهْلِهِ، فَرَأَى فِيْهَا مَا يَجِلُّ عَنِ الوَصْفِ.
وَأَمَّا فُلاَن، فَابْتُلِيَ بِأَوْلاَدِهِ، وَأَرَاهُ اللهُ فِيْهِمُ البلاَيَا.
وَقَالَ الحَاكِمُ: حَدَّثَنَا خَلَفٌ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سَهْلُ بنُ شَاذَوْيه قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ يَسْكُنُ سِكَّةَ الدَّهْقَانِ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ يَخْتَلِفونَ إِلَيْهِ، يُظْهِرُونَ شِعَارَ أَهْلِ الحَدِيْثِ مِنْ إِفرَادِ الإِقَامَةِ، وَرَفْعِ الأَيدِي فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَقَالَ حُريثُ بنُ أَبِي الوَرْقَاءِ وَغَيْرُهُ: هَذَا رَجُلٌ مُشغِبٌ، وَهُوَ يُفْسِدُ عَلَيْنَا هَذِهِ المَدِيْنَةَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى مِنْ نَيْسَابُوْرَ، وَهُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيْثِ، فَاحتَّجُوا عَلَيْهِ بِابْنِ يَحْيَى، وَاسْتعَانُوا عَلَيْهِ بِالسُّلْطَانِ فِي نَفْيِهِ مِنَ البلدِ، فَأُخْرَجَ.
وَكَانَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ وَرِعاً، يتجنَّبُ السُّلْطَانَ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهِم.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ وَاصلٍ البِيْكَنْدِيَّ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: مَنَّ اللهُ عَلَيْنَا بخُرُوْجِ أَبِي عَبْدِ اللهِ، وَمقَامُهُ عِنْدنَا، حَتَّى سَمِعْنَا مِنْهُ هَذِهِ الكُتُبَ، وَإِلاَّ مَنْ كَانَ يصلُ إِلَيْهِ وَبمقَامِهِ فِي هَذِهِ النَّوَاحِي: فِرَبْر
وَبِيْكَنْد بقيَتْ هَذِهِ الآثَارُ فِيْهَا، وَتخرَّجَ النَّاسُ بِهِ.قُلْتُ: خَالِدُ بنُ أَحْمَدَ الأَمِيْرُ، قَالَ الحَاكِمُ: لَهُ بِبُخَارَى آثَارٌ محمودَةٌ كُلُّهَا، إِلاَّ مَوْجِدَتَهُ عَلَى البُخَارِيِّ، فَإِنَّهَا زَلَّةٌ، وَسببٌ لزوَالِ مُلْكِهِ.
سَمِعَ: إِسْحَاقَ بنَ رَاهْوَيْه، وَعُبَيْدَ اللهِ بنَ عُمَرَ القَوَارِيْرِيَّ، وَطَائِفَةً.
حَدَّثَنَا عَنْهُ بهمذَانَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ الجَلاَّبُ، وَبمروَ: عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الأَزْرَقُ، وَكَانَ قَدْ مَالَ إِلَى يَعْقُوْبَ بنِ اللَّيْثِ، فَلَمَّا حَجَّ حبسوهُ بِبَغْدَادَ حَتَّى مَاتَ لسنتِهِ، وَهِيَ سَنَةُ تِسْعٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَتَيْنِ.
ذِكْرُ وَفَاتِهِ:
قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَبْدَ القدُّوسِ بنَ عَبْدِ الجبَّارِ السَّمَرْقنديَّ يَقُوْلُ: جَاءَ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ إِلَى خَرْتَنْك - قَرْيَةٌ عَلَى فَرْسَخيْنِ مِنْ سَمَرْقَنْد - وَكَانَ لَهُ بِهَا أَقربَاء، فَنَزَلَ عِنْدَهُم، فسَمِعْتُهُ لَيْلَةً يدعُو وَقَدْ فرغَ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عليَّ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ، فَاقبضنِي إِلَيْكَ، فَمَا تمَّ الشَّهْرُ حَتَّى مَاتَ، وَقبرُهُ بِخَرْتَنْك.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ، سَمِعْتُ أَبَا مَنْصُوْرٍ غَالِبَ بنَ جِبْرِيْلَ، وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ أَبُو عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ:
إِنَّهُ أَقَامَ عِنْدنَا أَيَّاماً، فمَرِضَ، وَاشتدَّ بِهِ المَرَضُ، حَتَّى وَجَّهَ رَسُوْلاً إِلَى مَدِيْنَةِ سَمَرْقَنْدَ فِي إِخْرَاجِ مُحَمَّدٍ، فَلَمَّا وَافَى
تَهَيَّأَ للرُّكُوبِ، فلبسَ خُفَّيْهِ، وَتعمَّمَ، فَلَمَّا مَشَى قدرَ عِشْرِيْنَ خطوَةً أَوْ نحوَهَا وَأَنَا آخِذٌ بَعْضُدِهِ وَرَجُلٌ أَخذَ مَعِي يقودُهُ إِلَى الدَّابَّةِ ليركبَهَا، فَقَالَ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرسلونِي، فَقَدْ ضَعُفْتُ، فَدَعَا بدعَوَاتٍ، ثُمَّ اضطجعَ، فَقَضَى -رَحِمَهُ اللهُ- فسَالَ مِنْهُ العرَقُ شَيْءٌ لاَ يُوْصَفُ، فَمَا سَكَنَ مِنْهُ العرَقُ إِلَى أَنْ أَدرجنَاهُ فِي ثِيَابِهِ.وَكَانَ فِيْمَا قَالَ لَنَا وَأَوْصَى إِلَيْنَا: أَنْ كَفِّنُونِي فِي ثَلاَثَةِ أَثوَابٍ بِيْضٍ، لَيْسَ فِيْهَا قَمِيْصٌ وَلاَ عِمَامَةٌ، فَفَعَلْنَا ذَلِكَ.
فَلَمَّا دَفَنَّاهُ فَاحَ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ رَائِحَةٌ غَاليَةٌ أَطيبُ مِنَ المِسْكِ، فَدَام ذَلِكَ أَيَّاماً، ثُمَّ علَتْ سوَارِيُّ بِيْضٌ فِي السَّمَاءِ مستطيلَةٌ بحِذَاءِ قَبْرِهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَخْتَلِفونَ وَيتعجَّبُوْنَ، وَأَمَّا التُّرَابُ فَإِنَّهُم كَانُوا يَرْفَعُوْنَ عَنِ القَبْرِ حَتَّى ظَهرَ القَبْرُ، وَلَمْ نكنْ نقدِرُ عَلَى حفظِ القَبْرِ بِالحُرَّاسِ، وَغُلِبْنَا عَلَى أَنفُسِنَا، فنصبنَا عَلَى القَبْرِ خَشَباً مُشَبَّكاً، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ عَلَى الوُصُوْلِ إِلَى القَبْرِ، فَكَانُوا يَرْفَعُوْنَ مَا حولَ القَبْرِ مِنَ التُّرَابِ، وَلَمْ يَكُوْنُوا يخلصُوْنَ إِلَى القَبْرِ، وَأَمَّا رِيْحُ الطِّيبِ فَإِنَّهُ تدَاومَ أَيَّاماً كَثِيْرَةً حَتَّى تَحَدَّثَ أَهْلُ البَلْدَة، وَتعجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ، وَظهرَ عِنْدَ مُخَالِفِيهِ أَمرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَخَرَجَ بَعْضُ مُخَالِفِيهِ إِلَى قَبْرِهِ، وَأَظهرُوا التَّوبَةَ وَالنَّدَامَةَ مِمَّا كَانُوا شرعُوا فِيْهِ مِنْ مذمومِ المَذْهَبِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَلَمْ يعِشْ أَبُو مَنْصُوْرٍ غَالِبُ بنُ جِبْرِيْلَ بَعْدَهُ إِلاَّ القَلِيْلَ، وَأَوْصَى أَنْ يُدْفَنَ إِلَى جَنْبِهِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مكِّي الجُرْجَانِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الوَاحِدِ بنَ آدَمَ الطَّواويسِيَّ يَقُوْلُ:رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ، وَمَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُوَ وَاقفٌ فِي مَوْضِعٍ، فسلَّمْتُ عَلَيْهِ، فردَّ عليَّ السَّلاَمَ.
فَقُلْتُ: مَا وُقُوفُكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: أَنتَظِرُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيَّ، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَيَّامٍ بَلَغَنِي مَوْتَهُ، فَنَظَرتُ، فَإِذَا قَدْ مَاتَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيْهَا.
وَقَالَ خَلَفُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَيَّامُ: سَمِعْتُ مَهِيبَ بنَ سُلَيْمٍ الكرْمِيْنِيَّ يَقُوْلُ:
مَاتَ عِنْدنَا البُخَارِيُّ لَيْلَةَ عيدِ الفِطرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ، وَقَدْ بَلَغَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَكَانَ فِي بَيْتٍ وَحدَهُ، فَوَجَدنَاهُ لَمَّا أَصْبَحَ وَهُوَ مَيِّتٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ الحُسَيْنِ البَزَّازَ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ البُخَارِيُّ لَيْلَةَ السَّبْتِ، لَيْلَةَ الفِطْرِ، عِنْدَ صَلاَةِ العشَاءِ، وَدُفِنَ يَوْمَ الفِطْرِ بَعْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَعَاشَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّيْنَ سَنَةً إِلاَّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَوْماً.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ:
رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بنَ حَاتِمٍ الخَلْقَانِيَّ فِي المَنَامِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بنِ حَفْصٍ، فَسَأَلْتُهُ وَأَنَا أَعْرِفُ أَنَّهُ مَيِّتٌ عَنْ شَيْخِي -رَحِمَهُ اللهُ- هَلْ رَأَيْتَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ، رَأَيْتُهُ، وَهُوَ ذَاكَ، يشيرُ إِلَى نَاحِيَةِ سطحٍ مِنْ سطوحِ المَنْزِلِ.
ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ.
فَقَالَ: رَأَيْتُهُ، وَأَشَارَ إِلَى السَّمَاءِ إِشَارَةً كَادَ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا لعلوِّ مَا يُشيرُ.
وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الفَتْحِ نَصْرُ بنُ الحَسَنِ السَّكتِيُّ السَّمرقندِيُّ، قَدِمَ عَلَيْنَا بَلَنْسِيَةَ عَامَ أَرْبَعِيْنَ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، قَالَ: قَحطَ المَطَرُ عِنْدنَا بِسَمَرْقَنْدَ فِي بَعْضِ الأَعْوَامِ، فَاسْتسقَى النَّاسُ مِرَاراً، فَلَمْ يُسْقَوا، فَأَتَى رَجُلٌ صَالِحٌ مَعْرُوْفٌ بِالصَّلاَحِ إِلَى قَاضِي سَمَرْقَنْدَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي رَأَيْتُ رأْياً أَعرضُهُ عَلَيْكَ.قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تخرجَ وَيخرجَ النَّاسُ مَعَكَ إِلَى قَبْرِ الإِمَامِ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ البُخَارِيِّ، وَقبرُهُ بخَرْتَنْك، وَنستسقِي عِنْدَهُ، فعسَى اللهُ أَنْ يَسْقِينَا.
قَالَ: فَقَالَ القَاضِي: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ.
فَخَرَجَ القَاضِي وَالنَّاسُ مَعَهُ، وَاسْتسقَى القَاضِي بِالنَّاسِ، وَبَكَى النَّاسُ عِنْدَ القَبْرِ، وَتشفَّعُوا بصَاحِبِهِ، فَأَرسلَ اللهُ -تَعَالَى- السَّمَاءَ بِمَاءٍ عَظِيْمٍ غَزِيْرٍ أَقَامَ النَّاسُ مِنْ أَجلِهِ بِخَرْتَنْك سَبْعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نحوَهَا، لاَ يَسْتَطيعُ أَحَدٌ الوُصُوْلَ إِلَى سَمَرْقَنْدَ مِنْ كَثْرَةِ المَطَرِ وَغزَارتِهِ، وَبَيْنَ خرتنك وَسَمَرْقَنْد نَحْوَ ثَلاَثَةَ أَمِيَالٍ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ فِي (تَارِيْخِهِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ القَاضِي الحرشِيُّ بِنَيْسَابُوْرَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيْمَ بنَ أَحْمَدَ الفَقِيْهَ البَلْخِيَّ (ح) ، قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّارَ البَلْخِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي يَرْوِي عَنْ: مُحَمَّدِ بنِ يُوْسُفَ الفِرَبْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُوْلُ: سَمِعَ كِتَابَ (الصَّحِيْحِ) لِمُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ تِسْعُوْنَ أَلفَ رَجُلٍ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ يَرْوِيْهِ غَيْرِي.
ذِكْرُ الصَّحَابَةِ الَّذِيْنَ أَخْرَجَ لَهُم البُخَارِيُّ وَلَمْ يروِ عَنْهُم سِوَى وَاحِدٍ:مِرْدَاسٌ الأَسْلَمِيُّ؛ عَنْهُ قَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، حَزْنٌ المَخْزُوْمِيُّ؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ ابْنُهُ أَبُو سَعِيْدٍ المُسَيَّبُ بنُ حَزْنٍ، زَاهِرُ بنُ الأَسْوَدِ؛ عَنْهُ ابْنُهُ مَجْزَأَةُ، عَبْدُ اللهِ بنُ هِشَامِ بنِ زُهْرَةَ القُرَشِيُّ؛ عَنْهُ حَفِيْدَهُ زُهْرَةُ بنُ مَعْبَدٍ، عَمْرُو بنُ تَغْلِبَ؛ عَنْهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ، عَبْدُ اللهِ بنُ ثَعْلَبَةَ بنُ صُعَيْرٍ؛ رَوَى عَنْهُ الزُّهْرِيُّ قَوْلَهُ، سُنَيْنٌ أَبُو جَمِيْلَةَ السُّلَمِيُّ؛ عَنْهُ الزُّهْرِيُّ، أَبُو سَعِيْدٍ بنُ المُعَلَّى؛ تَفَرَّدَ عَنْهُ حَفْصُ بنُ عَاصِمٍ، سُوَيْدُ بنُ النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ شَجَرِيٌّ؛ تَفَرَّدَ بِالحَدِيْثِ عَنْهُ بُشَيْرُ بنُ يَسَارٍ، خولَةُ بِنْتُ ثَامرٍ؛ عَنْهَا النُّعْمَانُ بنُ أَبِي عَيَّاشٍ، فَجملتُهُم عَشْرَةٌ.
فصل:
(تَارِيْخُ) البُخَارِيِّ، يَشْتَمِلُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ أَرْبَعِيْنَ أَلفاً وَزيَادَةً، وَكِتَابُهُ فِي (الضُّعَفَاءِ) دُوْنَ السَّبْعِ مائَةِ نَفْسٍ، وَمَنْ خَرَّجَ لَهُم فِي (صَحِيْحِهِ) دُوْنَ الأَلفينِ.
قَالَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ الحَازمِيُّ، فـ (صَحِيْحُهُ) مُخْتَصرٌ جِدّاً. وَقَدْ
نقل الإِسْمَاعِيْلِيُّ عَمَّنْ حَكَى عَنِ البُخَارِيِّ، قَالَ: لَمْ أَخرِّجْ فِي الكِتَابِ إِلاَّ صَحِيْحاً.قَالَ: وَمَا تركتُ مِنَ الصَّحِيْحِ أَكْثَرُ.
لِبَعْضِهِم:
(صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ ... لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى ... هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ ... أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ ... وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ ... تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى ... وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ ... عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ ... وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ ... وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ ... وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ ... وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ