ابْنُ الفُرَاتِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى العَاقُوْلِيُّ
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ العَاقُوْلِيُّ، الكَاتِبُ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: ابتَاعَ جَدُّهُم ضِيَاعاً بِالعَاقُوْلِ، وَانْتَقَلَ إِلَيْهَا، فَنُسِبُوا إِلَى العَاقُوْلِ.
كَانَ ابْنُ الفُرَاتِ يَتَوَلَّى أَمرَ الدَّوَاوِيْنِ زَمَنَ المُكْتَفِي، فَلَمَّا وَلِيَ المُقْتَدِرُ، وَوَزَرَ لَهُ العَبَّاسُ بنُ الحَسَنِ، بَقِيَ ابْنُ الفُرَاتِ عَلَى وِلاَيَتِهِ، فَجَرَتْ
فِتْنَةُ ابْنِ المُعْتَزِّ، وَقُتِلَ العَبَّاسُ الوَزِيْرُ، فَوَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَتَمَكَّنَ، فَأَحسَنَ وَعَدَلَ، وَكَانَ سَمحاً مِفضَالاً مُحْتَشِماً، رَأْساً فِي حِسَابِ الدِّيْوَانِ، لَهُ ثَلاَثَةُ بَنِيْنَ؛ المُحَسَّنُ وَالفَضْلُ وَالحُسَيْنُ، ثُمَّ عُزِلَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ، ثُمَّ وَزَرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ إِثرَ عَزلِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى، ثُمَّ عُزِلَ بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً بِحَامِدِ بنِ العَبَّاسِ، ثُمَّ وَلِيَهَا سَنَةَ، وَوَلَّى وَلَدَهُ المُحَسّنَ الدَّوَاوِيْنَ، فَعَسَفَ وَصَادَرَ وَعَذَّبَ، وَظَلَمَ أَبُوْهُ أَيْضاً، وَاسْتَأْصَلَ جَمَاعَةً، فَعُزِلَ بَعْدَ سَنَةٍ إِلاَّ أَيَّاماً.وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَصَلَ المُحَدِّثِيْنَ بِعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ صَاحِبَ خَبَرِ ابْنِ الفُرَاتِ رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَربَابِ الحَوَائِجِ اشْتَرَى خُبزاً وَجُبْناً، فَأَكَلَهُ فِي الدِّهلِيزِ، فَأَقْلَقَهُ هَذَا، وَأَمرَ بِنَصْبِ مَطْبَخٍ لِمَنْ يَحضُرُ مِنْ أَربَابِ الحَوَائِجِ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ طُوْلَ أَيَّامِه.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ اللُّغَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ: قَالَ لِي رَجُلٌ:
كُنْتُ أَخدُمُ الوَزِيْرَ ابْنَ الفُرَاتِ، فَحُبِسَ وَلَهُ عِنْدِي خَمْسُ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَتَلَطَّفْتُ بِالسَّجَّانِ حَتَّى أُدخِلْتُ، فَلَمَّا رَآنِي، تَعَجَّبَ، وَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟
فَأَخْرَجتُ الذَّهَبَ، وَقُلْتُ: تَنْتَفِعُ بِهَذَا.
فَأَخَذَهُ مِنِّي، ثُمَّ رَدَّهُ، وَقَالَ: يَكُوْن عِنْدَك وَدِيعَةً.
فَرَجَعتُ، ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَعَادَ إِلَى دَسْتِهِ، فَأَتَيْتُه، فَطَأَطَأَ رأْسَهُ، وَلَمْ يَمْلأْ عَيْنَيْهِ مِنِّي، وَطَال إِعْرَاضُهُ، حَتَّى أَنفَقتُ الذَّهَبَ، وَسَاءتْ حَالِي إِلَى يَوْمٍ، فَقَالَ لِي: وَرَدَتْ سُفُنٌ مِنَ الهِنْدِ، ففسرهَا وَاقْبِضْ حَقَّ بَيْتِ المَالِ، وَخُذْ رَسْمَنَا.
فَعُدتُ إِلَى بَيْتِي، فَأَعطَتْنِي المَرْأَةُ خِمَاراً وَقُرْطَتَيْنِ، فَبِعتُ ذَلِكَ، وَتَجَهَّزتُ بِهِ، وَانحَدَرْتُ، وَفَسَّرْتُ السُّفنَ، وَقَبَضْتُ الحَقَّ وَرَسَمَ الوَزِيْرِ، وَأَتَيْتُ بَغْدَادَ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: سَلِّمْ حَقَّ بَيْتِ المَالِ، وَاقبِضِ الرَّسْمَ إِلَى بَيْتِكَ.
قُلْتُ: هُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ
أَلفَ دِيْنَارٍ.قَالَ: فَحَفِظتُهَا، وَطَالَتِ المُدَّةُ، وَرَأَى فِي وَجْهِي ضُرّاً، فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي، مَا لِي أَرَاكَ مُتَغيِّرَ اللَّوْنِ، سَيِّئَ الحَالِ.
فَحَدَّثْتُهُ بِقِصَّتِي، قَالَ: وَيْحَكَ! وَأَنْت مِمَّنْ يُنفِقُ فِي مُدَّةٍ يَسِيْرَةٍ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً؟!
قُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ لِي ذَلِكَ؟
قَالَ: يَا جَاهِلُ! مَا قُلْتُ لَكَ احْمِلْهَا إِلَى مَنْزِلِكَ، أَتُرَانِي لَمْ أَجِدْ مَنْ أُوْدِعُهُ غَيْرَكَ؟ وَيْحَكَ! أَمَا رَأَيْتَ إِعرَاضِي عَنْكَ؟ إِنَّمَا كَانَ حَيَاءً مِنْكَ، وَتَذَكَّرتُ جَمِيْلَ صُنْعِكَ وَأَنَا مَحْبُوْسٌ، فَصِرْ إِلَى مَنْزِلِكَ، وَاتَّسِعْ فِي النَّفَقَةِ، وَأَنَا أُفَكِّرُ لَكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
ذَكَرَ ابْنُ مُقْلَةَ: أَنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسَ ابْنِ الفُرَاتِ فِي أَوَّلِ وَزَارَتِهِ، فَأُدخِلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ فِي مِحَفَّةٍ، فَدَفَعَ الوَزِيْرُ إِلَيْهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ سِرّاً، فَأَنْشَدَ:
أَيَادِيكَ عِنْدِي مُعَظَّمَاتٌ جَلاَئِلُ ... طَوَالَ المدَى شُكْرِي لَهُنَّ قَصِيْرُ
فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شُكْرِي غَنِيّاً فَإِنَّنِي ... إِلَى شُكْرِ مَا أَوْلَيْتَنِي لَفَقِيْرُ
قِيْلَ: كَانَ ابْنُ الفُرَاتِ يَلتَذُّ بِقَضَاءِ حَوَائِجِ الرَّعِيَّةِ، وَمَا رَدَّ أَحَداً قَطُّ عَنْ حَاجَةٍ رَدَّ آيِسٍ، بَلْ يَقُوْلُ: تُعَاوِدُنِي أَوْ يَقُوْلُ: أُعَوِّضُك مِنْ هَذَا.
سَمِعَ الصُّوْلِيُّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ يَقُوْلُ:
حِيْنَ وَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ، مَا افْتَقَرَتِ الوِزَارَةُ إِلَى أَحَدٍ قَطُّ افْتِقَارَهَا إِلَيْهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمَّا قُبِضَ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ، نَظَرنَا، فَإِذَا هُوَ يُجرِي عَلَى خَمْسَةِ آلاَفِ نَفْسٍ، أَقَلُّ جَارِي أَحَدِهِم فِي الشَّهْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفُ قفيز دَقِيْقٍِ، وَأَعلاَهُم مائَةُ دِيْنَارٍ وَعَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ.
الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ النَّوْفَلِيُّ:
أَنَّهُم كَانُوا يُجَالسُوْنَ ابْنَ الفُرَاتِ قَبْلَ الوِزَارَةِ، وَجَلَسَ مَعَهُم لَيْلَةً لَمَّا وَزَرَ، فَلَمْ يَجِئِ الفَرَّاشُونَ
بِالتُّكَأِ، فَغَضِبَ عَلَيْهِم، وَقَالَ: إِنَّمَا رَفَعَنِي اللهُ لأَضَعَ مِن جُلَسَائِي؟! وَاللهِ! لاَ جَالَسُونِي إِلاَّ بِتُكَاءينِ.فَكُنَّا كَذَلِكَ لَيَالِي حَتَّى اسْتَعفَينَا، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُرِيدُ الدُّنْيَا إِلاَّ لِخَيْرٍ أُقَدِّمُه، أَوْ صَدِيْقٍ أَنْفَعُه، وَلَوْلاَ أَنَّ النُّزَولَ عَنِ الصَّدْرِ سُخْفٌ لاَ يَصْلُحُ لِمِثْلِ حَالِي، لَسَاوَيْتُكُم فِي المَجْلِسِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَطُّ دَعَا أَحَداً مِنْ كُتَّابِهِ بِغَيْرِ كُنْيَتِهِ، وَمَرِضَ مَرَّةً، فَقَالَ: مَا غَمِّي بِعِلَّتِي بِأَشَدَّ مِنْ غَمِّي بِتَأَخُّرِ حَوَائِجِ النَّاسِ وَفِيْهِمُ المُضْطَّرُ.
وَكَانَ يَمنَعُ النَّاسَ مِنَ المَشْيِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَمِنْ شِعْرِهِ - وَيُقَالُ: مَا عَمِلَ غَيْرَهُمَا -:
مُعَذِّبَتِي هَلْ لِي إِلَى الوَصْلِ حِيلَةٌ ... وَهَل إِلَى اسْتَعطَافِ قَلْبكِ مِنْ وَجْهِ
فَلاَ خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَأَنْتِ بَخِيْلَةٌ ... وَلاَ خَيْرَ فِي وَصْلٍ يَجِيْءُ عَلَى كُرْهِ
وَبَلَغَنَا أَن ابْن الفُرَاتِ كَانَ يَسْتَغِلُّ مِنْ أَملاَكه إِلَى أَنْ أُعيد إِلَى الوزرَاة سَبْعَة آلاَف أَلف دِيْنَار، لأَنَّه - فِيْمَا قِيْلَ -:كَانَ يُحَصِّلُ مِنْ ضيَاعه فِي العَام أَلفِي أَلف دِيْنَار.
وَقِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ كَاتَبَ العَرَبَ أَنْ يَكْبِسُوا بَغْدَادَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَلَمَّا وَزَرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، خُلِعَ عَلَيْهِ سَبْعُ خِلَعٍ، وَسُقِيَ يَوْمَئِذٍ فِي دَارِهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفَ رِطْلِ ثَلْجٍ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: مَدَحتُهُ، فَوَصَلَنِي بِسِتِّ مائَةِ دِيْنَارٍ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ هِشَامٍ الكَاتِبُ: دَخَلتُ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ فِي وِزَارَتِهِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ غَلَبَ ابْنُهُ المُحَسّنُ عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ أُمُوْرِه، فَقِيْلَ لَهُ: هُوَ ذَا يُسرِفُ
أَبُو أَحْمَدَ المُحَسّنُ فِي مَكَارِهِ النَّاسِ بِلاَ فَائِدَةٍ، وَيَضرِبُ مَنْ يُؤَدِّي بِغَيْرِ ضَرْبٍ.فَقَالَ: لَوْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا بِأَعدَائِهِ وَمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، لَمَا كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ الأَحرَارِ، وَلَكَانَ مَيِّتاً، وَقَدْ أَحسَنتُ إِلَى النَّاسِ دفعَتَيْنِ، فَمَا شَكَرُونِي، وَاللهِ لأُسِيْئَنَّ.
فَمَا سمَضَتْ إِلاَّ أَيَّامٌ يَسِيْرَةٌ حَتَّى قُبِضَ عَلَيْهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمَّا وَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ ثَالِثاً، خَرَجَ مُتَغَيِّظاً عَلَى النَّاسِ لِمَا كَانَ فَعَلَه حَامِدٌ الوَزِيْرُ بِابْنِهِ المُحَسَّنِ، فَأَطلَقَ يَدَ ابْنِه عَلَى النَّاسِ، فَقَتَلَ حَامِداً بِالعَذَابِ، وَأَبارَ العَالَمَ، وَكَانَ مَشْؤُوْماً عَلَى أَهْلِهِ، مَاحِياً لِمَنَاقِبِهِم.
قَالَ المُعْتَضِدُ لِعَبْدِ اللهِ وَزِيْرِه: أُرِيْدُ أَعْرِفَ ارْتِفَاعَ الدُّنْيَا.
فَطَلَبَ الوَزِيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمَاعَةٍ، فَاسْتَمْهَلُوهُ شَهْراً، وَكَانَ ابْنُ الفُرَاتِ وَأَخُوْهُ أَبُو العَبَّاسِ مَحْبُوْسَيْنِ، فَأُعْلِما بِذَلِكَ، فَعَمِلاَهُ فِي يَوْمَيْنِ، وَأَنفَذَاهُ، فَأُخرِجَا، وَعُفِيَ عَنْهُمَا.
وَكَانَ أَخُوْهُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ أَكتَبَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَوفَرَهُم أَدَباً، امْتَدَحَهُ البُحْتُرِيُّ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأَخُوْهُمَا جَعْفَرٌ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الوِزَارَةُ، فَأَبَاهَا.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: قَبَضَ المُقْتَدِرُ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ، وَهَرَبَ ابْنُهُ، فَاشْتَدَّ السُّلْطَانُ وَجَمِيْعُ الأَوْلِيَاءِ فِي طَلَبِهِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ، وَقَدْ حَلَقَ لِحْيَتَه، وَتَشَبَّهَ بِامْرَأَةٍ فِي خُفٍّ وَإِزَارٍ، ثُمَّ طُولِبَ هُوَ وَأَبُوْهُ بِالأَمْوَالِ، وَسُلِّمَا إِلَى الوَزِيْرِ عُبَيْدِ
اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَعَلمَا أَنَّهُمَا لاَ يفلتَانِ، فَمَا أَذعَنَا بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَتَلَهُمَا نَازُوْكُ، وَبَعَثَ بِرَأْسَيْهِمَا إِلَى المُقْتَدِرِ فِي سَفَطٍ، وَغَرَّقَ جَسَدَيْهِمَا.وَقَالَ القَاضِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ البُهْلُوْلِ بَعْدَ أَنْ عُزِلَ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ وِزَارَتِهِ الثَّالِثَةِ:
قُلْ لِهَذَا الوَزِيْرِ قَوْلَ مُحِقٍّ ... بَثَّهُ النَّصْحُ أَيَّمَا إِبثَاثِ
قَدْ تَقَلَّدْتَهَا ثَلاَثاً ثَلاَثاً ... وَطَلاَقُ البَتَاتِ عِنْدَ الثَّلاَثِ
ضُرِبَتْ عُنُقُ المُحَسَّنِ بَعْدَ أَنْوَاعِ العَذَابِ فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَأُلقِيَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيْهِ، فَارْتَاعَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُلقِيَ الرَّأْسَانِ فِي الفُرَاتِ، وَكَانَ لِلْوَزِيْرِ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً وَشُهُوْرٌ، وَلِلْمُحَسَّنِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً.
ابْنُ أَخِيْهِ: الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ: أَبُو الفَتْحِ الفَضْلُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ.
الوَزِيْرُ الكَبِيْرُ، أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ العَاقُوْلِيُّ، الكَاتِبُ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: ابتَاعَ جَدُّهُم ضِيَاعاً بِالعَاقُوْلِ، وَانْتَقَلَ إِلَيْهَا، فَنُسِبُوا إِلَى العَاقُوْلِ.
كَانَ ابْنُ الفُرَاتِ يَتَوَلَّى أَمرَ الدَّوَاوِيْنِ زَمَنَ المُكْتَفِي، فَلَمَّا وَلِيَ المُقْتَدِرُ، وَوَزَرَ لَهُ العَبَّاسُ بنُ الحَسَنِ، بَقِيَ ابْنُ الفُرَاتِ عَلَى وِلاَيَتِهِ، فَجَرَتْ
فِتْنَةُ ابْنِ المُعْتَزِّ، وَقُتِلَ العَبَّاسُ الوَزِيْرُ، فَوَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ سَنَةَ سِتٍّ وَتِسْعِيْنَ، وَتَمَكَّنَ، فَأَحسَنَ وَعَدَلَ، وَكَانَ سَمحاً مِفضَالاً مُحْتَشِماً، رَأْساً فِي حِسَابِ الدِّيْوَانِ، لَهُ ثَلاَثَةُ بَنِيْنَ؛ المُحَسَّنُ وَالفَضْلُ وَالحُسَيْنُ، ثُمَّ عُزِلَ فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِيْنَ، ثُمَّ وَزَرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ إِثرَ عَزلِ عَلِيِّ بنِ عِيْسَى، ثُمَّ عُزِلَ بَعْدَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً بِحَامِدِ بنِ العَبَّاسِ، ثُمَّ وَلِيَهَا سَنَةَ، وَوَلَّى وَلَدَهُ المُحَسّنَ الدَّوَاوِيْنَ، فَعَسَفَ وَصَادَرَ وَعَذَّبَ، وَظَلَمَ أَبُوْهُ أَيْضاً، وَاسْتَأْصَلَ جَمَاعَةً، فَعُزِلَ بَعْدَ سَنَةٍ إِلاَّ أَيَّاماً.وَقِيْلَ: إِنَّهُ وَصَلَ المُحَدِّثِيْنَ بِعِشْرِيْنَ أَلْفَ دِرْهَمٍ.
وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: أَنَّ صَاحِبَ خَبَرِ ابْنِ الفُرَاتِ رُفِعَ إِلَيْهِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَربَابِ الحَوَائِجِ اشْتَرَى خُبزاً وَجُبْناً، فَأَكَلَهُ فِي الدِّهلِيزِ، فَأَقْلَقَهُ هَذَا، وَأَمرَ بِنَصْبِ مَطْبَخٍ لِمَنْ يَحضُرُ مِنْ أَربَابِ الحَوَائِجِ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ طُوْلَ أَيَّامِه.
قَالَ ابْنُ فَارِسٍ اللُّغَوِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو الحَسَنِ البَصْرِيُّ: قَالَ لِي رَجُلٌ:
كُنْتُ أَخدُمُ الوَزِيْرَ ابْنَ الفُرَاتِ، فَحُبِسَ وَلَهُ عِنْدِي خَمْسُ مائَةِ دِيْنَارٍ، فَتَلَطَّفْتُ بِالسَّجَّانِ حَتَّى أُدخِلْتُ، فَلَمَّا رَآنِي، تَعَجَّبَ، وَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟
فَأَخْرَجتُ الذَّهَبَ، وَقُلْتُ: تَنْتَفِعُ بِهَذَا.
فَأَخَذَهُ مِنِّي، ثُمَّ رَدَّهُ، وَقَالَ: يَكُوْن عِنْدَك وَدِيعَةً.
فَرَجَعتُ، ثُمَّ أُفْرِجَ عَنْهُ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَعَادَ إِلَى دَسْتِهِ، فَأَتَيْتُه، فَطَأَطَأَ رأْسَهُ، وَلَمْ يَمْلأْ عَيْنَيْهِ مِنِّي، وَطَال إِعْرَاضُهُ، حَتَّى أَنفَقتُ الذَّهَبَ، وَسَاءتْ حَالِي إِلَى يَوْمٍ، فَقَالَ لِي: وَرَدَتْ سُفُنٌ مِنَ الهِنْدِ، ففسرهَا وَاقْبِضْ حَقَّ بَيْتِ المَالِ، وَخُذْ رَسْمَنَا.
فَعُدتُ إِلَى بَيْتِي، فَأَعطَتْنِي المَرْأَةُ خِمَاراً وَقُرْطَتَيْنِ، فَبِعتُ ذَلِكَ، وَتَجَهَّزتُ بِهِ، وَانحَدَرْتُ، وَفَسَّرْتُ السُّفنَ، وَقَبَضْتُ الحَقَّ وَرَسَمَ الوَزِيْرِ، وَأَتَيْتُ بَغْدَادَ، فَقَالَ الوَزِيْرُ: سَلِّمْ حَقَّ بَيْتِ المَالِ، وَاقبِضِ الرَّسْمَ إِلَى بَيْتِكَ.
قُلْتُ: هُوَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُوْنَ
أَلفَ دِيْنَارٍ.قَالَ: فَحَفِظتُهَا، وَطَالَتِ المُدَّةُ، وَرَأَى فِي وَجْهِي ضُرّاً، فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي، مَا لِي أَرَاكَ مُتَغيِّرَ اللَّوْنِ، سَيِّئَ الحَالِ.
فَحَدَّثْتُهُ بِقِصَّتِي، قَالَ: وَيْحَكَ! وَأَنْت مِمَّنْ يُنفِقُ فِي مُدَّةٍ يَسِيْرَةٍ خَمْسَةً وَعِشْرِيْنَ أَلْفاً؟!
قُلْتُ: وَمِنْ أَيْنَ لِي ذَلِكَ؟
قَالَ: يَا جَاهِلُ! مَا قُلْتُ لَكَ احْمِلْهَا إِلَى مَنْزِلِكَ، أَتُرَانِي لَمْ أَجِدْ مَنْ أُوْدِعُهُ غَيْرَكَ؟ وَيْحَكَ! أَمَا رَأَيْتَ إِعرَاضِي عَنْكَ؟ إِنَّمَا كَانَ حَيَاءً مِنْكَ، وَتَذَكَّرتُ جَمِيْلَ صُنْعِكَ وَأَنَا مَحْبُوْسٌ، فَصِرْ إِلَى مَنْزِلِكَ، وَاتَّسِعْ فِي النَّفَقَةِ، وَأَنَا أُفَكِّرُ لَكَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
ذَكَرَ ابْنُ مُقْلَةَ: أَنَّهُ حَضَرَ مَجْلِسَ ابْنِ الفُرَاتِ فِي أَوَّلِ وَزَارَتِهِ، فَأُدخِلَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ فِي مِحَفَّةٍ، فَدَفَعَ الوَزِيْرُ إِلَيْهِ عَشْرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ سِرّاً، فَأَنْشَدَ:
أَيَادِيكَ عِنْدِي مُعَظَّمَاتٌ جَلاَئِلُ ... طَوَالَ المدَى شُكْرِي لَهُنَّ قَصِيْرُ
فَإِنْ كُنْتَ عَنْ شُكْرِي غَنِيّاً فَإِنَّنِي ... إِلَى شُكْرِ مَا أَوْلَيْتَنِي لَفَقِيْرُ
قِيْلَ: كَانَ ابْنُ الفُرَاتِ يَلتَذُّ بِقَضَاءِ حَوَائِجِ الرَّعِيَّةِ، وَمَا رَدَّ أَحَداً قَطُّ عَنْ حَاجَةٍ رَدَّ آيِسٍ، بَلْ يَقُوْلُ: تُعَاوِدُنِي أَوْ يَقُوْلُ: أُعَوِّضُك مِنْ هَذَا.
سَمِعَ الصُّوْلِيُّ عُبَيْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ طَاهِرٍ يَقُوْلُ:
حِيْنَ وَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ، مَا افْتَقَرَتِ الوِزَارَةُ إِلَى أَحَدٍ قَطُّ افْتِقَارَهَا إِلَيْهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمَّا قُبِضَ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ، نَظَرنَا، فَإِذَا هُوَ يُجرِي عَلَى خَمْسَةِ آلاَفِ نَفْسٍ، أَقَلُّ جَارِي أَحَدِهِم فِي الشَّهْرِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفُ قفيز دَقِيْقٍِ، وَأَعلاَهُم مائَةُ دِيْنَارٍ وَعَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ.
الصُّوْلِيُّ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ العَبَّاسِ النَّوْفَلِيُّ:
أَنَّهُم كَانُوا يُجَالسُوْنَ ابْنَ الفُرَاتِ قَبْلَ الوِزَارَةِ، وَجَلَسَ مَعَهُم لَيْلَةً لَمَّا وَزَرَ، فَلَمْ يَجِئِ الفَرَّاشُونَ
بِالتُّكَأِ، فَغَضِبَ عَلَيْهِم، وَقَالَ: إِنَّمَا رَفَعَنِي اللهُ لأَضَعَ مِن جُلَسَائِي؟! وَاللهِ! لاَ جَالَسُونِي إِلاَّ بِتُكَاءينِ.فَكُنَّا كَذَلِكَ لَيَالِي حَتَّى اسْتَعفَينَا، فَقَالَ: وَاللهِ مَا أُرِيدُ الدُّنْيَا إِلاَّ لِخَيْرٍ أُقَدِّمُه، أَوْ صَدِيْقٍ أَنْفَعُه، وَلَوْلاَ أَنَّ النُّزَولَ عَنِ الصَّدْرِ سُخْفٌ لاَ يَصْلُحُ لِمِثْلِ حَالِي، لَسَاوَيْتُكُم فِي المَجْلِسِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمْ أَسْمَعْهُ قَطُّ دَعَا أَحَداً مِنْ كُتَّابِهِ بِغَيْرِ كُنْيَتِهِ، وَمَرِضَ مَرَّةً، فَقَالَ: مَا غَمِّي بِعِلَّتِي بِأَشَدَّ مِنْ غَمِّي بِتَأَخُّرِ حَوَائِجِ النَّاسِ وَفِيْهِمُ المُضْطَّرُ.
وَكَانَ يَمنَعُ النَّاسَ مِنَ المَشْيِ بَيْنَ يَدَيْهِ.
وَمِنْ شِعْرِهِ - وَيُقَالُ: مَا عَمِلَ غَيْرَهُمَا -:
مُعَذِّبَتِي هَلْ لِي إِلَى الوَصْلِ حِيلَةٌ ... وَهَل إِلَى اسْتَعطَافِ قَلْبكِ مِنْ وَجْهِ
فَلاَ خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَأَنْتِ بَخِيْلَةٌ ... وَلاَ خَيْرَ فِي وَصْلٍ يَجِيْءُ عَلَى كُرْهِ
وَبَلَغَنَا أَن ابْن الفُرَاتِ كَانَ يَسْتَغِلُّ مِنْ أَملاَكه إِلَى أَنْ أُعيد إِلَى الوزرَاة سَبْعَة آلاَف أَلف دِيْنَار، لأَنَّه - فِيْمَا قِيْلَ -:كَانَ يُحَصِّلُ مِنْ ضيَاعه فِي العَام أَلفِي أَلف دِيْنَار.
وَقِيْلَ عَنْهُ: إِنَّهُ كَاتَبَ العَرَبَ أَنْ يَكْبِسُوا بَغْدَادَ - فَاللهُ أَعْلَمُ -.
وَلَمَّا وَزَرَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ، خُلِعَ عَلَيْهِ سَبْعُ خِلَعٍ، وَسُقِيَ يَوْمَئِذٍ فِي دَارِهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفَ رِطْلِ ثَلْجٍ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: مَدَحتُهُ، فَوَصَلَنِي بِسِتِّ مائَةِ دِيْنَارٍ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ هِشَامٍ الكَاتِبُ: دَخَلتُ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ فِي وِزَارَتِهِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ غَلَبَ ابْنُهُ المُحَسّنُ عَلَيْهِ فِي أَكْثَرِ أُمُوْرِه، فَقِيْلَ لَهُ: هُوَ ذَا يُسرِفُ
أَبُو أَحْمَدَ المُحَسّنُ فِي مَكَارِهِ النَّاسِ بِلاَ فَائِدَةٍ، وَيَضرِبُ مَنْ يُؤَدِّي بِغَيْرِ ضَرْبٍ.فَقَالَ: لَوْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا بِأَعدَائِهِ وَمَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، لَمَا كَانَ مِنْ أَوْلاَدِ الأَحرَارِ، وَلَكَانَ مَيِّتاً، وَقَدْ أَحسَنتُ إِلَى النَّاسِ دفعَتَيْنِ، فَمَا شَكَرُونِي، وَاللهِ لأُسِيْئَنَّ.
فَمَا سمَضَتْ إِلاَّ أَيَّامٌ يَسِيْرَةٌ حَتَّى قُبِضَ عَلَيْهِ.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: لَمَّا وَزَرَ ابْنُ الفُرَاتِ ثَالِثاً، خَرَجَ مُتَغَيِّظاً عَلَى النَّاسِ لِمَا كَانَ فَعَلَه حَامِدٌ الوَزِيْرُ بِابْنِهِ المُحَسَّنِ، فَأَطلَقَ يَدَ ابْنِه عَلَى النَّاسِ، فَقَتَلَ حَامِداً بِالعَذَابِ، وَأَبارَ العَالَمَ، وَكَانَ مَشْؤُوْماً عَلَى أَهْلِهِ، مَاحِياً لِمَنَاقِبِهِم.
قَالَ المُعْتَضِدُ لِعَبْدِ اللهِ وَزِيْرِه: أُرِيْدُ أَعْرِفَ ارْتِفَاعَ الدُّنْيَا.
فَطَلَبَ الوَزِيْرُ ذَلِكَ مِنْ جَمَاعَةٍ، فَاسْتَمْهَلُوهُ شَهْراً، وَكَانَ ابْنُ الفُرَاتِ وَأَخُوْهُ أَبُو العَبَّاسِ مَحْبُوْسَيْنِ، فَأُعْلِما بِذَلِكَ، فَعَمِلاَهُ فِي يَوْمَيْنِ، وَأَنفَذَاهُ، فَأُخرِجَا، وَعُفِيَ عَنْهُمَا.
وَكَانَ أَخُوْهُ أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ أَكتَبَ أَهْلِ زَمَانِهِ، وَأَوفَرَهُم أَدَباً، امْتَدَحَهُ البُحْتُرِيُّ، وَمَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَأَخُوْهُمَا جَعْفَرٌ عُرِضَتْ عَلَيْهِ الوِزَارَةُ، فَأَبَاهَا.
قَالَ الصُّوْلِيُّ: قَبَضَ المُقْتَدِرُ عَلَى ابْنِ الفُرَاتِ، وَهَرَبَ ابْنُهُ، فَاشْتَدَّ السُّلْطَانُ وَجَمِيْعُ الأَوْلِيَاءِ فِي طَلَبِهِ، إِلَى أَنْ وُجِدَ، وَقَدْ حَلَقَ لِحْيَتَه، وَتَشَبَّهَ بِامْرَأَةٍ فِي خُفٍّ وَإِزَارٍ، ثُمَّ طُولِبَ هُوَ وَأَبُوْهُ بِالأَمْوَالِ، وَسُلِّمَا إِلَى الوَزِيْرِ عُبَيْدِ
اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ، فَعَلمَا أَنَّهُمَا لاَ يفلتَانِ، فَمَا أَذعَنَا بِشَيْءٍ، ثُمَّ قَتَلَهُمَا نَازُوْكُ، وَبَعَثَ بِرَأْسَيْهِمَا إِلَى المُقْتَدِرِ فِي سَفَطٍ، وَغَرَّقَ جَسَدَيْهِمَا.وَقَالَ القَاضِي أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ البُهْلُوْلِ بَعْدَ أَنْ عُزِلَ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ وِزَارَتِهِ الثَّالِثَةِ:
قُلْ لِهَذَا الوَزِيْرِ قَوْلَ مُحِقٍّ ... بَثَّهُ النَّصْحُ أَيَّمَا إِبثَاثِ
قَدْ تَقَلَّدْتَهَا ثَلاَثاً ثَلاَثاً ... وَطَلاَقُ البَتَاتِ عِنْدَ الثَّلاَثِ
ضُرِبَتْ عُنُقُ المُحَسَّنِ بَعْدَ أَنْوَاعِ العَذَابِ فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَبِيْعٍ الآخِرِ، سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَأُلقِيَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيْهِ، فَارْتَاعَ، ثُمَّ قُتِلَ، ثُمَّ أُلقِيَ الرَّأْسَانِ فِي الفُرَاتِ، وَكَانَ لِلْوَزِيْرِ إِحْدَى وَسَبْعُوْنَ سَنَةً وَشُهُوْرٌ، وَلِلْمُحَسَّنِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً.
ابْنُ أَخِيْهِ: الوَزِيْرُ الأَكْمَلُ: أَبُو الفَتْحِ الفَضْلُ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُوْسَى بنِ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ.