إسماعيل بن إبراهيم بن عامر بن عابد
أبو عثمان الصابوني، النيسابوري، الحافظ، الواعظ، المفسر قدم دمشق حاجاً سنة اثنتين وثلاثين وأربعمئة، وحدث بها، وعقد مجلس التذكير.
روى عن جماعة، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل نيسابور وغيرهم.
روى عن أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، بسنده عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان؛ حب المال وطول العمر ".
وأنشد لنفسه: من البسيط
ما لي أرى الدهر لا يسخو بذي كرم ... ولا يجود بمعوان ومفضال
ولا أرى أحداً في الناس مشترياً ... حسن الثناء بإنعام وإفضال
ولا أرى أحداً في الناس مكتنزاً ... ظهور أثنية أو مدح مقوال
صاروا سواسية في لؤمهم شرعاً ... كأنما نسجوا فيه بمنوال
وقال: ورأيت في بعض أجزائي مكتوباً: من البسيط
طيب الزمان لمن خفت مؤونته ... ولن يطيب لذي الأثقال والمؤمن
فاستحسنته، وأضفت إليه من قبلي: من البسيط
هذا يزجي بيسر عمره طرباً ... وذاك ينماث في غم وفي حزن
فاجهد لتزهد في الدنيا وزينتها ... إن الحريص على الدنيا لفي محن
وقال: وكنت قلت في غياب ولدي أبي نصر عبد الله الخطيب رحمه الله ورضوانه عليه: من المنسرح
غاب وذكراه لم يغب أبداً ... وكان مثل السواد في الحدقه
لو رده الله بعد غيبته ... جعلت مالي لشكره صدقه
فلم يرد الله سبحانه وتعالى رده وقضى، قبض روحه في بعض ثغور أذربيجان متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، فصبراً لحكمه، ورضى بقضائه، وتسليماً لأمره " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " وإلى الله جل جلاله الرغبة في التفضل عليه بالمغفرة والرضوان والجمع بيننا وبينه في رياض الحنان بمنه وكرمه.
ومن ذلك قوله: " من الطويل
إذا ما أصب أموالكم ونوالكم ... ولم آمل المعروف منكم ولا البرا
وكنتم عبيداً للذي أنا عبده ... فمن أجل ماذا تعب البدن الحرا
قال عنه البيهقي الحافظ: إمام المسلمين حقاً، وشيخ الإسلام صدقاً.
قال الإمام أبو علي الحسن بن العباس: اتفق مشايخنا من أئمة الفريقين، وسائر من ينتهي إلى علم التفسير والتذكير أن أبان عثمان كامل في آلاته، مستحق للإمامة بصفاته، لم يترقل الكرسي في زمانه على ظرفه وبيانه، وثقته وصدق لسانه مثله.
وحدث أبو طالب الحراني وكان قد أمضى في خدمته العلم طرفاً صالحاً من عمره بينسابور، وقرأ على بي منصور البغدادي وأبي محمد الجويني قال: توسطت مجالس أعيان الوقت أيام السلطان أبي القاسم رحمه الله، فصادفتهم مجمعين على أن أبا عثمان إذا نطق بالتفسير قرطس في غرض الإجادة والإصابة، وإذا أخذ في التذكير والرقائق أجابته القلوب القاسية أحسن الإجابة، وأنه في علم الحديث علم بل عالم وبسائر العلوم متحقق عالم.
وقال أبو عبد الله الخوارزمي شيخ تفقه ببغداد: دخلت نيسابور عند اجتيازي إلى العراق لطلب العلم، فرأيت أبا عثمان مائساً في حلة الشباب، ولمته يومئذ كجناح الغداف أو حنك الغراب، وشيوخ التفسير إذ ذاك متوافرون كأبي سعد وأبي القاسم، وهو يعد على تقارب سنة صدراً وجيهاً، وشيخاً نبيهاً، له ما شئت من إكرام وإعظام وإجلال وإفضال.
قال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي: الأستاذ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني، الخطيب المفسر المحدث الواعظ، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع نحواً من عشرين سنة، وكان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعاً وحفظاً ونشراً لمسموعاته، وتصنيفاً وجمعاً وتحريضاً على السماع، وإقامة لمجالس الحديث.
سمع الحديث بنيسابور وذكر بعض شيوخه وبسرخس وبهراة، وسمع بالشام
والحجاز وبالجبال وغيرها من البلاد، وحدث بخراسان إلى غزنة، وبلاد الهند وبجرجان وآمل وطبرستان والثغور، وبالشام وبيت المقدس والحجاز، وأكثر الناس السماع منه، ورزق العز والجاه في الدين والدنيا، وكان جمالاً للبلد، زيناً للمحافل والمجالس، مقبولاً عند الموافق والمخالف، مجمعاً على أنه عديم النظير، وسيف السنة ودامغ أهل البدعة.
وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور، ففتك به لأجل التعصب والمذهب، فقتل، وهذا الإمام صبي بعد حول سبع سنين، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب الصعلوكي في تربيته وتهيئه أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والأستاذ الإمام أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله، وحسن إيراده الكلام، وحفظه للأحاديث، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال، ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل، وكان محترماً للحديث.
وعن بعض من يوثق بقوله من الصالحين، أنه قال: ما رويت خبراً ولا أثراً في المجلس إلا وعندي إسناده، وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس قط إلا على الطهارة.
أنشد أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي، قال: أنشدني والدي لنفسه من قصيدة أنشأها في مدح شيخ الإسلام، ويهنئه بالقدوم من الحج: من الكامل
من أبرشهر الآن إذ هبت بها ... ريح السعادة بكرة وأصيلا
بقدوم من أضحى فريد زمانه ... أعني أبا عثمان إسماعيلا
فضلاً وعقلاً واشتهار صيانة ... وعلو شأن في الورى وقبولا
من شاء أن يلقى الكمال بأسره ... خدم احتساباً ربه المأمولا
لا زال ركناً للمفاخر والعلى ... ما لاح نجم للسراة دليلا
وقال أبو الحسن الفارسي: حكى الأثبات والثقات أنه كان يعقد المجلس، وكان يعظ الناس ويبالغ فيه إذ دفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها، واستدعى فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رؤوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم، ووصف فيه أن واحداً تقدم إلى خباز يشتري الخبز فدفع الدراهم إلى صاحب الحانوت، فكان يزنها والخباز يخبز والمشتري واقف، فمات الثلاثة في الحال؛ واشتد الأمر على عامة الناس. فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ قوله تعالى: " أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض "، ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر ذلك فيه، وتغير في الحال وغلبه وجع البطن من ساعته، وأنزل من المنبر، وكان يصيح من الوجع، وحمل إلى الحمام إلى قريب من الغروب للشمس، فكان يتقلب ظهراً لبطن، ويصيح ويئن، فلم يسكن ما به، فحمل إلى بيته وبقي فيه سبعة أيام لم ينفعه علاج؛ فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكرة الموت، فودع أولاده وأوصاهم بالخير ونهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة ورفع الصوت بالبكاء؛ ثم دعا بالمقرئ أبي عبد الله خاصته حتى قرأ سورة " يس " وتغير حاله وطاب وقته، وكان يعالج سكرات الموت إلى أن قرأ إسناد ما روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة "، ثم توفي رحمه الله من ساعته عصر يوم الخميس، وحملت جنازته من الغد عصر يوم الجمعة إلى ميدان الحسين، الرابع من محرم سنة تسع وأربعين وأربعمئة، واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه
أبو يعلى، ثم نقل إلى مشهد أبيه في سكة حرب؛ وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة، وكان وقت وفاته طاعناً في سبع وسبعين من سنه.
وقال أبو الحسن عبد الغافر: ومن أحسن ما قيل فيه ما كتبته بهراة للإمام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي البوسنجي: من الكامل
أودى الإمام الحبر إسماعيل ... لهفي عليه فليس منه بديل
بكت السما والأرض يوم وفاته ... وبكى عليه الوحي والتنزيل
والشمس والقمر المنير تناوحا ... حزناً عليه وللنجوم عويل
والأرض خاشعة تبكي شجوها ... ويلي تولول: أين إسماعيل؟
أين الإمام الفرد في آدابه؟ ... ما إن له في العالمين عديل
لا تخدعنك مني الحياة فإنها ... تلهي وتنسي والمنى تضليل
وتأهبن للموت قبل نزوله ... فالموت حتم البقاء قليل
أبو عثمان الصابوني، النيسابوري، الحافظ، الواعظ، المفسر قدم دمشق حاجاً سنة اثنتين وثلاثين وأربعمئة، وحدث بها، وعقد مجلس التذكير.
روى عن جماعة، وروى عنه جماعة كثيرة من أهل نيسابور وغيرهم.
روى عن أبي سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الرازي، بسنده عن أنس بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
" يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنتان؛ حب المال وطول العمر ".
وأنشد لنفسه: من البسيط
ما لي أرى الدهر لا يسخو بذي كرم ... ولا يجود بمعوان ومفضال
ولا أرى أحداً في الناس مشترياً ... حسن الثناء بإنعام وإفضال
ولا أرى أحداً في الناس مكتنزاً ... ظهور أثنية أو مدح مقوال
صاروا سواسية في لؤمهم شرعاً ... كأنما نسجوا فيه بمنوال
وقال: ورأيت في بعض أجزائي مكتوباً: من البسيط
طيب الزمان لمن خفت مؤونته ... ولن يطيب لذي الأثقال والمؤمن
فاستحسنته، وأضفت إليه من قبلي: من البسيط
هذا يزجي بيسر عمره طرباً ... وذاك ينماث في غم وفي حزن
فاجهد لتزهد في الدنيا وزينتها ... إن الحريص على الدنيا لفي محن
وقال: وكنت قلت في غياب ولدي أبي نصر عبد الله الخطيب رحمه الله ورضوانه عليه: من المنسرح
غاب وذكراه لم يغب أبداً ... وكان مثل السواد في الحدقه
لو رده الله بعد غيبته ... جعلت مالي لشكره صدقه
فلم يرد الله سبحانه وتعالى رده وقضى، قبض روحه في بعض ثغور أذربيجان متوجهاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، فصبراً لحكمه، ورضى بقضائه، وتسليماً لأمره " ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " وإلى الله جل جلاله الرغبة في التفضل عليه بالمغفرة والرضوان والجمع بيننا وبينه في رياض الحنان بمنه وكرمه.
ومن ذلك قوله: " من الطويل
إذا ما أصب أموالكم ونوالكم ... ولم آمل المعروف منكم ولا البرا
وكنتم عبيداً للذي أنا عبده ... فمن أجل ماذا تعب البدن الحرا
قال عنه البيهقي الحافظ: إمام المسلمين حقاً، وشيخ الإسلام صدقاً.
قال الإمام أبو علي الحسن بن العباس: اتفق مشايخنا من أئمة الفريقين، وسائر من ينتهي إلى علم التفسير والتذكير أن أبان عثمان كامل في آلاته، مستحق للإمامة بصفاته، لم يترقل الكرسي في زمانه على ظرفه وبيانه، وثقته وصدق لسانه مثله.
وحدث أبو طالب الحراني وكان قد أمضى في خدمته العلم طرفاً صالحاً من عمره بينسابور، وقرأ على بي منصور البغدادي وأبي محمد الجويني قال: توسطت مجالس أعيان الوقت أيام السلطان أبي القاسم رحمه الله، فصادفتهم مجمعين على أن أبا عثمان إذا نطق بالتفسير قرطس في غرض الإجادة والإصابة، وإذا أخذ في التذكير والرقائق أجابته القلوب القاسية أحسن الإجابة، وأنه في علم الحديث علم بل عالم وبسائر العلوم متحقق عالم.
وقال أبو عبد الله الخوارزمي شيخ تفقه ببغداد: دخلت نيسابور عند اجتيازي إلى العراق لطلب العلم، فرأيت أبا عثمان مائساً في حلة الشباب، ولمته يومئذ كجناح الغداف أو حنك الغراب، وشيوخ التفسير إذ ذاك متوافرون كأبي سعد وأبي القاسم، وهو يعد على تقارب سنة صدراً وجيهاً، وشيخاً نبيهاً، له ما شئت من إكرام وإعظام وإجلال وإفضال.
قال أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي: الأستاذ الإمام شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني، الخطيب المفسر المحدث الواعظ، أوحد وقته في طريقته، وعظ المسلمين في مجالس التذكير سبعين سنة، وخطب وصلى في الجامع نحواً من عشرين سنة، وكان أكثر أهل العصر من المشايخ سماعاً وحفظاً ونشراً لمسموعاته، وتصنيفاً وجمعاً وتحريضاً على السماع، وإقامة لمجالس الحديث.
سمع الحديث بنيسابور وذكر بعض شيوخه وبسرخس وبهراة، وسمع بالشام
والحجاز وبالجبال وغيرها من البلاد، وحدث بخراسان إلى غزنة، وبلاد الهند وبجرجان وآمل وطبرستان والثغور، وبالشام وبيت المقدس والحجاز، وأكثر الناس السماع منه، ورزق العز والجاه في الدين والدنيا، وكان جمالاً للبلد، زيناً للمحافل والمجالس، مقبولاً عند الموافق والمخالف، مجمعاً على أنه عديم النظير، وسيف السنة ودامغ أهل البدعة.
وكان أبوه أبو نصر من كبار الواعظين بنيسابور، ففتك به لأجل التعصب والمذهب، فقتل، وهذا الإمام صبي بعد حول سبع سنين، وأقعد بمجلس الوعظ مقام أبيه، وحضر أئمة الوقت مجالسه، وأخذ الإمام أبو الطيب الصعلوكي في تربيته وتهيئه أسبابه، وكان يحضر مجالسه ويثني عليه، وكذلك سائر الأئمة كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، والأستاذ الإمام أبي بكر بن فورك وسائر الأئمة، ويتعجبون من كمال ذكائه وعقله، وحسن إيراده الكلام، وحفظه للأحاديث، حتى كبر وبلغ مبلغ الرجال، ولم يزل يرتفع شأنه حتى صار إلى ما صار إليه، وهو في جميع أوقاته مشتغل بكثرة العبادات ووظائف الطاعات، بالغ في العفاف والسداد وصيانة النفس، معروف بحسن الصلاة وطول القنوت، واستشعار الهيبة حتى كان يضرب به المثل، وكان محترماً للحديث.
وعن بعض من يوثق بقوله من الصالحين، أنه قال: ما رويت خبراً ولا أثراً في المجلس إلا وعندي إسناده، وما دخلت بيت الكتب قط إلا على طهارة، وما رويت الحديث ولا عقدت المجلس ولا قعدت للتدريس قط إلا على الطهارة.
أنشد أبو علي نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي، قال: أنشدني والدي لنفسه من قصيدة أنشأها في مدح شيخ الإسلام، ويهنئه بالقدوم من الحج: من الكامل
من أبرشهر الآن إذ هبت بها ... ريح السعادة بكرة وأصيلا
بقدوم من أضحى فريد زمانه ... أعني أبا عثمان إسماعيلا
فضلاً وعقلاً واشتهار صيانة ... وعلو شأن في الورى وقبولا
من شاء أن يلقى الكمال بأسره ... خدم احتساباً ربه المأمولا
لا زال ركناً للمفاخر والعلى ... ما لاح نجم للسراة دليلا
وقال أبو الحسن الفارسي: حكى الأثبات والثقات أنه كان يعقد المجلس، وكان يعظ الناس ويبالغ فيه إذ دفع إليه كتاب ورد من بخارى مشتمل على ذكر وباء عظيم وقع بها، واستدعى فيه أغنياء المسلمين بالدعاء على رؤوس الملأ في كشف ذلك البلاء عنهم، ووصف فيه أن واحداً تقدم إلى خباز يشتري الخبز فدفع الدراهم إلى صاحب الحانوت، فكان يزنها والخباز يخبز والمشتري واقف، فمات الثلاثة في الحال؛ واشتد الأمر على عامة الناس. فلما قرأ الكتاب هاله ذلك، واستقرأ من القارئ قوله تعالى: " أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض "، ونظائرها، وبالغ في التخويف والتحذير، وأثر ذلك فيه، وتغير في الحال وغلبه وجع البطن من ساعته، وأنزل من المنبر، وكان يصيح من الوجع، وحمل إلى الحمام إلى قريب من الغروب للشمس، فكان يتقلب ظهراً لبطن، ويصيح ويئن، فلم يسكن ما به، فحمل إلى بيته وبقي فيه سبعة أيام لم ينفعه علاج؛ فلما كان يوم الخميس سابع مرضه ظهرت آثار سكرة الموت، فودع أولاده وأوصاهم بالخير ونهاهم عن لطم الخدود وشق الجيوب والنياحة ورفع الصوت بالبكاء؛ ثم دعا بالمقرئ أبي عبد الله خاصته حتى قرأ سورة " يس " وتغير حاله وطاب وقته، وكان يعالج سكرات الموت إلى أن قرأ إسناد ما روي عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة "، ثم توفي رحمه الله من ساعته عصر يوم الخميس، وحملت جنازته من الغد عصر يوم الجمعة إلى ميدان الحسين، الرابع من محرم سنة تسع وأربعين وأربعمئة، واجتمع من الخلائق ما الله أعلم بعددهم، وصلى عليه ابنه أبو بكر، ثم أخوه
أبو يعلى، ثم نقل إلى مشهد أبيه في سكة حرب؛ وكان مولده سنة ثلاث وسبعين وثلاثمئة، وكان وقت وفاته طاعناً في سبع وسبعين من سنه.
وقال أبو الحسن عبد الغافر: ومن أحسن ما قيل فيه ما كتبته بهراة للإمام أبي الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي البوسنجي: من الكامل
أودى الإمام الحبر إسماعيل ... لهفي عليه فليس منه بديل
بكت السما والأرض يوم وفاته ... وبكى عليه الوحي والتنزيل
والشمس والقمر المنير تناوحا ... حزناً عليه وللنجوم عويل
والأرض خاشعة تبكي شجوها ... ويلي تولول: أين إسماعيل؟
أين الإمام الفرد في آدابه؟ ... ما إن له في العالمين عديل
لا تخدعنك مني الحياة فإنها ... تلهي وتنسي والمنى تضليل
وتأهبن للموت قبل نزوله ... فالموت حتم البقاء قليل