أمية بن أبي الصلت عبد الله
ابن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن، أبو عثمان، ويقال أبو الحكم الثقفي.
شاعر جاهلي، قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل: إنه كان نبياً وإنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وأنه هو الذي أراد الله تعالى بقوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ".
قال أبو سفيان: خرجت وأمية بن أبي الصلت الثقفي تجاراً إلى الشام، فكلما نزلت منزلاً أخذ أمية سفراً له يقرؤها علينا.
فكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فجاؤوه وأهدوا له وأكرموه، وذهب معهم إلى بيتهم، ثم رجع في وسط النهار، فطرح ثوبيه، وأخذ ثوبين له أسودين فلبسهما وقال لي: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه يتناهى علم الكتاب نسأله؟ قلت: لا أرب لي فيه، والله لئن حدثني بما أحب لا أثق به، ولئن حدثني بما أكره لأوجلن منه، قال: فذهب، وخالفه شيخ من النصارى، فدخل علي فقال: ما يمنعك أن تذهب إلى هذا الشيخ؟ قلت: ألست على دينه، قال: وإن، فإنك تسمع منه عجباً وتراه؛ ثم قال لي: أثقفي أنت؟ قلت: لا ولكني قرشي.
قال: فما يمنعك من الشيخ، فوالله إنه ليحتكم، ويوصي بكم.
قال: فخرج من عندنا، ومكث أمية حتى جاءنا، بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح كئيباً حزيناً ساقطاً غبوقه على صبوحه، ما يكلمنا ولا نكلمه، ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: وهل بك من رحيل؟ قال: نعم، قال: فرحلنا فسرنا بذلك ليلتين من همه، ثم قال لي في الليلة الثالثة: ألا تحدث يا أبا سفيان؟ قلت: وهل بك من حديث؟ قال: والله ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك، قال: أما إن ذلك لشيءٌ لست فيه إنما ذلك جلت به من منقلبي؟ قال: قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إني والله لأموتن ثم لأحيين، قال: قلت: هل أنت قابل أمانتي؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، قال: فضحك ثم قال: بلى والله يا أبا سفيان، لنبعثنّ ولنحاسبنّ وليدخلنّ فريق الجنة وفريق النار، فقلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك لا فيّ ولا في نفسه، قال: فكان في ذلك ليلتين، يعجب مني وأضحك منه حتى قدمنا غوطة دمشق فبعنا متاعنا فأقمنا بها شهرين، فارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى، فلما رأوه جاؤوه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيعتهم حتى بعدما انتصف النهار، فلبس ثوبيه وذهب إليهم حتى جاءنا بعد هدأة الليل، فطرح ثوبيه ورمى بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام وأصبح حزيناً كئيباً لا يكلمنا ولا نكلمه، ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: بلى إن شئت، فرحلنا كذلك من بثه وحزنه ليالي، ثم قال لي: يا أبا سفيان، هل لك في المسير نتقدم أصحابنا؟ قلت: هل لك فيه؟ قال: فسر،
فسرنا حتى برزنا من أصحابنا ساعة ثم قال: هيا صخر! قلت: ما تشاء؟ قال: حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: إي والله، قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله.
قال: وكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم.
قال: فهل تعلم قرشياً أشرف منه؟ قلت: لا والله لا أعلمه.
قال: أمحوج هو؟ قلت: لا بل هو ذو مال كثير.
قال: وكم أتى عليه من السن؟ قلت: قد زاد على المائة.
قال: فالشرف والسن والمال أزرين به.
قلت: ولم ذاك يزري به؟ لا والله بل يزيده خيراً.
قال: هو ذلك، هل لك في المبيت؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فاضطجعنا حتى مر الثقل، قال: فسرنا حتى نزلنا في المنزل، وبتنا به، ثم رحلنا منه، فلما كان الليل قال لي: يا أبا سفيان، قلت: ما تشاء؟ قال: هل لك في مثل البارحة؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فسرنا على ناقتين بختيتين حتى إذا برزنا قال: هيا صخر هيه عن عتبة بن ربيعة، قلت: هيهاً فيه، قال: أيجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم، ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله إنه ليفعل.
فقال: وذو مال؟ قال: أتعلم قرشياً أسود منه؟ قلت: لا والله ما أعلمه.
قال: كم أتى له من السن؟ قلت: قد زاد على المائة، قال: فإن السن والشرف والمال أزرين به.
قلت: كلا والله ما أزرى به ذاك، وأنت قائل شيئاً فقله.
قال: لا تذكر حديثي حتى يأتي منه ما هو آتٍ، ثم قال: فإن الذي رأيت أصابني أني جئت هذا العالم، فسألته عن أشياء، ثم قلت: أخبرني عن هذا النبي الذي ينتظر قال: هو رجل من العرب.
قلت: قد علمت أنه من العرب فمن أي العرب هو؟ قال: من أهل بيت يحجه العرب.
قلت: وفينا بيت يحجه العرب؟! قال: هو من إخوانكم من قريش، قال: فأصابني والله شيء ما أصابني مثله قط، وخرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون إياه.
فقلت: فإذا كان ما كان فصفه لي، قال: رجل شاب حتى دخل في الكهولة، بدوّ أمره يجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة، أكثر جنده الملائكة.
قلت: وما آية ذلك؟ قال: قد رجفت الشام منذ هلك عيسى بن مريم عليه السلام ثلاثين رجفة كلها مصيبة وبقيت رجفة عامة فيها مصائب.
قال أبو سفيان: قلت له: هذا والله الباطل.
لئن بعث الله رسولاً لا يأخذه إلا
مسناً شريفاً.
قال أمية: والذي حلفت به إن هذا لهكذا يا أبا سفيان، تقول إن قول النصراني حق.
هل لك في المبيت؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فبتنا حتى جاءنا الثقل، ثم خرجنا حتى إذا كنا بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكب من خلفنا، فسألناه، فإذا هو يقول أصابت أهل الشام بعدكم رجفةٌ، دمر أهلها وأصابتهم فيها مصائب عظيمة.
قال أبو سفيان: فأقبل علي أمية فقال:: كيف ترى قول النصراني يا أبا سفيان؟ قلت: أرى والله وأظن أن ما حدثك صاحبك حق.
قال: فقدمنا مكة، فقضيت ما كان معي ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجراً، فكنت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة، فبينا أنا في منزلي جاءني الناس، يسلمون علي، ويسألون عن بضائعهم، ثم جاءني محمد بن عبد الله، وهند عندي تلاعب صبيانها، فسلم علي ورحب بي وسألني عن سفري ومقامي، ولم يسلني عن بضاعته، ثم قام فقلت لهند: والله إن هذا يعجبني، ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا قد سألني عنها، وما سألني هذا عن بضاعته، فقالت لي هند: وما علمت شأنه؟ قلت وفزعت: ما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله، فوقذتني، وذكرت قول النصراني فوجمت حتى قالت هند: ما لك؟ فانتبهت فقلت: إن هذا لهو الباطل، لهو أعقل من أن يقول هذا.
قالت: بلى والله إنه ليقول ذلك، ويواتى عليه وإن له لصحابة على دينه.
قلت: هذا الباطل.
قال: وخرجت فبينا أنا أطوف بالبيت لقيته فقلت: إن بضاعتك قد بلغت كذا وكذا وكان فيها خير فأرسل فخذها ولست آخذ منك فيها ما آخذ من قومي، فأبى علي وقال: إذاً لا آخذها.
فأرسلت: فأرسل فخذها وأنا آخذ منك ما آخذ من قومي.
فأرسل إلى بضاعته فأخذها، وأخذت منه ما كنت آخذ من غيره ولم أنشب أن خرجت إلى اليمن، فقدمت الطائف، فنزلت على أمية بن أبي الصلت، فقلت له: يا أبا عثمان، قال: ما تشاء؟ قلت: هل تذكر حديث النصراني؟ قال: أذكره.
قلت: فقد كان.
قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله.
قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب، ثم قصصت عليه خبر هند.
قال: فالله يعلم لتصبب عرقاً، ثم قال: والله يا أبا سفيان لعله أن صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حي لآتلين إلى الله في نصره عذراً.
قال: ومضيت إلى
اليمن فلم أنشب أن جاءني هناك استهلاله، فأقبلت حتى نزلت على أمية بن أبي الصلت بالطائف، فقلت: أبا عثمان، قد كان أمر الرجل ما قد بلغك وسمعت، قال: قد كان لعمري.
قلت: فأين أنت منه يا أبا عثمان؟ قال: والله ما كنت لأومن برسول من غير ثقيف أبداً.
قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة فوالله ما أنا ببعيد حتى جئت مكة فوجدت أصحابه يضربون ويحقرون، قال أبو سفيان: فجعلت أقول: فأين جنده من الملائكة؟ قال: فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة.
وعن نافع بن عاصم بن مسعود قال: إنني لفي حلقة فيها عبد الله بن عمر فقرأ رجل من القوم الآية التي في الأعراف: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ".
قال هل تدرون من هو؟ قال بعضهم: هو صيفي بن الراهب، وقال آخر: بل هو بلعم رجل من بني إسرائيل.
قال: لا.
قالوا: فمن هو؟ قال: هو أمية بن أبي الصلت.
قال الكلبي: بينا أمية راقد ومعه ابنتان له؛ إذ فزعت إحداهما فصاحت عليه، فقال: ما شأنك؟ قالت: رأيت نسرين كشطا سقف البيت فنزل أحدهما إليك فشق بطنك والآخر واقف على ظهر البيت، فناداه، فقال: أوعى؟ قال: نعم، قال: أزكا؟ قال: لا، فقال: ذاك خير أريد بأبيكما فلم يقبله.
حدث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته مائة بيت كلما أنشدته ما فيه قال: " إنه قد كاد أن يسلم ".
وحدث الشريد الهمداني قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع، فبينا أنا أمشي ذات يوم إذا وقع ناقة خلفي، فالتفت فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " الشريد؟ " فقلت: نعم، قال: " ألا أحملك؟ " قلت: بلى.
وما بي من عناءٍ ولا لغوب، ولكن أردت البركة في ركوبي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأناخ، فحملني، فقال: " أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت؟ " قلت: نعم.
قال: " هات ".
فأنشدته.
قال: " أظنه قال مئة بيت، فقال: عند الله علم أمية بن الصلت ".
قال أبو هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أصدق كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكاد ابن أبي الصلت أن يسلم ".
وعن ابن عباس قال: أنشد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول أمية بن أبي الصلت: " من الكامل "
رجلٌ وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليثٌ مرصد
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فصدق ".
وأنشد قوله:
والشمس تطلع كل آخر ليلةٍ ... صفراء يصبح لونها يتورد
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق ".
وأنشد قوله:
تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إلا معذبةً وإلا تجلد
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق ".
وعن عكرمة قال: قال ابن عباس: إن الشمس تطلع كل سنة في ثلاث مئة وستين كوة، تطلع كل يوم في كوة لا ترجع إلى تلك الكوة إلا ذلك اليوم من العام القابل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، فتقول: رب لا
تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك، يعملون بمعاصيك.
فقال: أو لم تسمعوا إلى ما قال أمية بن الصلت: حتى تجبر وتجلد؟ قلت: يا مولاي؟ أو تجلد الشمس؟ فقال: عضضت على هن أبيك إنما اضطر الروي إلى الجلد.
وعن عكرمة قال: قلت لابن عباس: أرأيت ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمية بن أبي الصلت، آمن شعره، وكفر قلبه؟ فقال: هو حقٌّ فما أنكرتم من ذلك؟ قلت: أنكرنا قوله:
والشمس تطلع كل آخر ليلةٍ ... صفراء يقبح لونها يتورد
ليست بطالعةٍ لهم في رسلها ... إلا معذبةً وإلا تجلد
ما بال الشمس تجلد؟ فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك، فيقولون لها: اطلعي اطلعي، فتقول: لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله، فيأتيها ملكٌ، فيستقل لضياء بني آدم، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها، وذلك قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما طلعت إلا بين قرني شيطان ".
وما غربت الشمس قط إلا خرت لله ساجدة، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تحتها.
وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولا غربت إلا بين قرني شيطان ".
قال ابن أبي الدنيا: إن لله تعالى من العلوم ما لا يحصى، يعطي كل واحد من ذلك ما لا يعطي غيره.
لقد روي عن بكر السهمي عن أبيه أن قوماً كانوا في سفر، فكان فيهم رجل يمر الطائر فيقول: تدرون ما يقول هذا؟ فيقولون: لا فيقول: يقول: كذا وكذا، فيحيلنا على شيء لا ندري أصادق هو أم كاذب إلى أن مروا على غنم وفيها شاة قد تخلفت على سخلة لها، فجعلت تحنو عنقها إليها وتثغو فقال: أتدرون ما تقول هذه الشاة؟ قلنا: لا، قال: تقول للسخلة: الحقي لا يأكلك الذئب كما أكل أخاك عام أول في هذا المكان، قال: فانتهينا إلى الراعي، فقلنا له: ولدت هذه الشاة قبل عامك هذا؟ قال: نعم، ولدت سخلة عام أول، فأكلها الذئب بهذا المكان، ثم أتينا على قوم فيهم ظعينة على جمل لها وهو يرغو يحنو عنقه إليها، فقال: أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قلنا: لا.
قال: فإنه يلعن
راكبته، ويزعم أنها رحلته على مخيط، فهو مزنر في سنامه.
قال: فانتهينا إليهم، فقلنا: يا هؤلاء، إن صاحبنا هذا يزعم أن هذا البعير يلعن راكبته ويزعم أنه رحلته على مخيط وأنه في سنامه قال: فأناخوا البعير، فحطوا عنه، فإذا هو كما قال.
قال الأصمعي: كل شعر قيل في السخاء غلب عليه حاتم، وكل شعر قيل في الشجاعة غلب عليه عنترة، وكل شعر قيل في الغزل غلب عليه ابن أبي ربيعة، وكل ما قيل في الزهد غلب عليه أمية بن أبي الصلت.
قال الحسين بن الحسن المروزي: سألت سفيان بن عينية عن تفسير قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ".
فقلت له: هذا ثناء وليس بدعاء.
فقال: أما بلغك حديث منصور عن مالك بن الحارث يقول الله تعالى: " إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي للسائلين؟ " قلت: نعم، قال: هذا تفسيره، ثم قال: أما بلغك ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب فضله ونائله فقال: " من الوافر "
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
ثم قال: يا حسين هذا مخلوق يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق عز وجل؟.
قال أبو عاصم: اشترى أخ لشعبة من طعام السلطان، فحبس وشركاؤه، فحبس بستة آلاف دينار بحصته، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلمه فيه، فلما دخل عليه قال له: يا أمير المؤمنين أنشدني قتادة لأمية بن أبي الصلت بقوله لعبد الله بن جدعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
كريمٌ لا يعطله صباحٌ ... عن الخلق الكريم ولا مساء
فأرضك أرض مكرمةٍ بنتها ... بنو تيمٍ وأنت لها سماء
إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
فقال: لا يا أبا سطام لا تذكرها قد عرفناها وقضيناها لك.
ادفعوا إليه أخاه، لا تلزموه شيئاً.
ومن شعر أمية بن أبي الصلت: " من الكامل "
لا ينكتون الأرض عند سؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان
بل يسفرون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان
وإذا المقل أقام وسط رحالهم ... ردوه رب صواهل وقيان
وإذا دعوتهم لكل مهمةٍ ... سدوا شعاع الشمس بالفرسان
ومن شعره: " من الطويل "
عطاؤك زينٌ لامرئٍ إن حبوته ... بخيرٍ وما كل العطاء يزين
وليس بشينٍ لامرئٍ بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين
قال سعيد بن المسيب: قدمت الفارعة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فتح مكة، وكانت ذات عقلٍ ولبٍ وجمال، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها معجباً، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: " يا فارعة هل تحفظين من شعر أخيك شيئاً؟ "، فقالت: نعم، وأعجب منه ما قد رأيت قالت: كان أخي في سفر، فلما انصرف بدأ بي، فدخل علي، فرقد على السرير وأنا أحلق أديماً في يدي إذ أقبل طائران أبيضان أو كالطيرين أبيضين، فوقع على الكوة أحدهما،
ودخل الآخر فوقع عليه فشق الواقع عليه ما بين قصته إلى عانته، ثم أدخل يده في جوفه فأخرج قلبه فوضعه في كفه ثم شمه، فقال له الطائر الأعلى: أوعى؟ قال: وعى.
قال: أزكا؟ قال: أبى، ثم رد القلب إلى مكانه، فالتأم الجرح أسرع من طرفة عين، ثم ذهبا، فلما رأيت ذلك دنوت منه فحركته، فقلت: هل تجد شيئاً؟ قال: لا، إلا توصيباً في جسدي وقد كنت ارتعت مما رأيت، فقال لي: ما لي أراك مرتاعة؟ قالت: فأخبرته الخبر، فقال: خير أريد بي ثم أصرف عني، فأنشأ يقول من أبيات: " من المنسرح "
باتت همومي تسري طوارقها ... أكف عيني والدمع سابقها
مما أتاني من اليقين ولم ... أوت براةً يقص ناطقها
أمن تلظى عليه واقدة النار محيطٌ بهم سرادقها
أم أسكن الجنة التي وعد ال ... أبرار مصفوفةٌ نمارقها
لا يستوي المنزلان ثم ولا ال ... أعمال لا تستوي طرائقها
قالت: فلما انصرف إلى رحله لم يلبث إلا يسيراً حتى ظعن في جنازته، فأتاني الخبر، فانطلقت إليه، فوجدته منعوشاً قد سجي عليه، فدنوت منه فشهق شهقة وشق بصره ونظر نحو السقف ورفع صوته: لبيكما ها أنذا لديكما لا ذو مال فيفديني ولا ذو أهل فيحميني، ثم أغمي عليه، إذ شهق شهقة، قلت: قد هلك الرجل فشق بصره نحو السقف ورفع صوته فقال: " من مجزوء الرجز "
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
لا ذو براءة فأعتذر، ولا ذو عشيرة فأنتصر، ثم أغمي عليه إذ شهق شهقةً، ونظر نحو السقف فقال:
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
إن تغفر اللهم تغفر جماً ... وأي عبدٍ لك إلا ألما
ثم أغمي عليه إذ شهق شهقة فقال:
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
" من الخفيف "
كل عيشٍ وإن تطاول دهراً ... صائرٌ مرةً إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
ثم مات.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا فارغة! إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها " إلى آخر الآية.
قال يعقوب بن السكيت: كان أمية بن أبي الصلت بسرف قال: فجاء غراب، فنعب نعبة فقال له أمية: بفيك التراب، ثم نعب نعبة أخرى قال: بفيك التراب، ثم أقبل على أصحابه، فقال: تدرون ما قال الغراب؟ يزعم أني أشرب هذا الكأس ثم أتكئ فأموت، ثم نعب نعبة أخرى، فقال: وآية ذلك أني أقع على هذه المزبلة فأبتلع عظماً ثم أقع فأموت قال: فوقع الغراب على المزبلة فابتلع عظماً فمات، فقال أمية: أما هذا فقد صدقني عن نفسه ولكن لأنظرن أيصدقني عن نفسي؟ قال: فشرب الكأس ثم اتكأ فمات.
قال ابن شهاب: قال أمية ابن أبي الصلت: " من البسيط "
ألا رسول لنا منا يخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
قال: ثم خرج أمية إلى البحرين ونبئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام أمية بالبحرين ثماني سنين، ثم قدم الطائف، فقال لهم: ما يقول محمد بن عبد الله؟ قالوا: يزعم أنه نبي فهو الذي كنت تتمنى.
قال: فخرج حتى قدم عليه مكة.
قال: فلقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا بن عبد المطلب ما هذا الذي تقول؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقول أني رسول الله وأن الله لا إله إلا هو ".
قال: فإني أريد أن أكلمك، تعدني غداً؟ قال: " فموعدك غداً ".
قال: فتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من أصحابي وتأتي وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أي ذلك شئت ".
قال: فإني آتيك في جماعة فأت في جماعة، فلما كان الغد غدا أمية في جماعةمن قريش قال: وغدا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه نفرٌ من أصحابه حتى جلسوا في ظل البيت.
قال: فتبدأ أمية فخطب، ثم سجع ثم أنشد الشعر قال: حتى إذا فرغ قال: أجبني يا بن عبد المطلب قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم ".
قال: حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه قال: فتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ قال: أشهد أنه الحق.
قالوا: فهل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره.
قال: ثم خرج أمية إلى الشام.
قال: وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فلما قتل أهل بدر، أقبل أمية من الشام حتى نزل بدراً، قال: ثم ترحل يريد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: فقال قائل: يا بن أبي الصلت ما تريد؟ قال: أريد محمداً.
قال: وما تصنع؟ قال: أؤمن به وألقي إليه مقاليد هذا الأمر.
قال: تدري من في القليب؟ قال: لا.
قال: فيه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة وهما ابنا خالك وأمه رقيقة بنت عبد الشمس.
قال: فجدع أنف ناقته وقطع ذنبها، ثم وقف على القليب يقول: " من مجزوء الكامل "
ماذا ببدرٍ فالعقن ... قل من مرازبةٍ جحاجح
قال: فرجع إلى مكة وترك الإسلام، فخرج حتى قدم الطائف، وقدم على أخته فوجدها تجلي أدماً لها، وذكر حديث الطائرين وشق بطنه وإخراج قلبه، وقول الأعلى منهما: أوعى؟ قال: وعى.
قال: أقبل؟ قال: أبى.
قال: فرده، ثم طار، فأتبعهما
أمية بصره، وقال: لبيكما لبيكما وقص بقية الحديث وأنشأ يقول من أبيات: " من الخفيف "
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قنان الجبال أرعى الوعولا
فاجعل الموت نصب عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا
وخرج من عندها حتى إذا كان بين بيتها وبيته أدركه الموت.
قال: ففيه أنزل الله عز وجل: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ".
ابن أبي ربيعة بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف، وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن، أبو عثمان، ويقال أبو الحكم الثقفي.
شاعر جاهلي، قدم دمشق قبل الإسلام، وقيل: إنه كان نبياً وإنه كان في أول أمره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وأنه هو الذي أراد الله تعالى بقوله: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ".
قال أبو سفيان: خرجت وأمية بن أبي الصلت الثقفي تجاراً إلى الشام، فكلما نزلت منزلاً أخذ أمية سفراً له يقرؤها علينا.
فكنا كذلك حتى نزلنا قرية من قرى النصارى فجاؤوه وأهدوا له وأكرموه، وذهب معهم إلى بيتهم، ثم رجع في وسط النهار، فطرح ثوبيه، وأخذ ثوبين له أسودين فلبسهما وقال لي: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه يتناهى علم الكتاب نسأله؟ قلت: لا أرب لي فيه، والله لئن حدثني بما أحب لا أثق به، ولئن حدثني بما أكره لأوجلن منه، قال: فذهب، وخالفه شيخ من النصارى، فدخل علي فقال: ما يمنعك أن تذهب إلى هذا الشيخ؟ قلت: ألست على دينه، قال: وإن، فإنك تسمع منه عجباً وتراه؛ ثم قال لي: أثقفي أنت؟ قلت: لا ولكني قرشي.
قال: فما يمنعك من الشيخ، فوالله إنه ليحتكم، ويوصي بكم.
قال: فخرج من عندنا، ومكث أمية حتى جاءنا، بعد هدأة من الليل، فطرح ثوبيه ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح كئيباً حزيناً ساقطاً غبوقه على صبوحه، ما يكلمنا ولا نكلمه، ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: وهل بك من رحيل؟ قال: نعم، قال: فرحلنا فسرنا بذلك ليلتين من همه، ثم قال لي في الليلة الثالثة: ألا تحدث يا أبا سفيان؟ قلت: وهل بك من حديث؟ قال: والله ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك، قال: أما إن ذلك لشيءٌ لست فيه إنما ذلك جلت به من منقلبي؟ قال: قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إني والله لأموتن ثم لأحيين، قال: قلت: هل أنت قابل أمانتي؟ قال: على ماذا؟ قلت: على أنك لا تبعث ولا تحاسب، قال: فضحك ثم قال: بلى والله يا أبا سفيان، لنبعثنّ ولنحاسبنّ وليدخلنّ فريق الجنة وفريق النار، فقلت: ففي أيهما أنت أخبرك صاحبك؟ قال: لا علم لصاحبي بذلك لا فيّ ولا في نفسه، قال: فكان في ذلك ليلتين، يعجب مني وأضحك منه حتى قدمنا غوطة دمشق فبعنا متاعنا فأقمنا بها شهرين، فارتحلنا حتى نزلنا قرية من قرى النصارى، فلما رأوه جاؤوه وأهدوا له وذهب معهم إلى بيعتهم حتى بعدما انتصف النهار، فلبس ثوبيه وذهب إليهم حتى جاءنا بعد هدأة الليل، فطرح ثوبيه ورمى بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام وأصبح حزيناً كئيباً لا يكلمنا ولا نكلمه، ثم قال: ألا ترحل؟ قلت: بلى إن شئت، فرحلنا كذلك من بثه وحزنه ليالي، ثم قال لي: يا أبا سفيان، هل لك في المسير نتقدم أصحابنا؟ قلت: هل لك فيه؟ قال: فسر،
فسرنا حتى برزنا من أصحابنا ساعة ثم قال: هيا صخر! قلت: ما تشاء؟ قال: حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المظالم والمحارم؟ قلت: إي والله، قال: ويصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله.
قال: وكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم.
قال: فهل تعلم قرشياً أشرف منه؟ قلت: لا والله لا أعلمه.
قال: أمحوج هو؟ قلت: لا بل هو ذو مال كثير.
قال: وكم أتى عليه من السن؟ قلت: قد زاد على المائة.
قال: فالشرف والسن والمال أزرين به.
قلت: ولم ذاك يزري به؟ لا والله بل يزيده خيراً.
قال: هو ذلك، هل لك في المبيت؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فاضطجعنا حتى مر الثقل، قال: فسرنا حتى نزلنا في المنزل، وبتنا به، ثم رحلنا منه، فلما كان الليل قال لي: يا أبا سفيان، قلت: ما تشاء؟ قال: هل لك في مثل البارحة؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فسرنا على ناقتين بختيتين حتى إذا برزنا قال: هيا صخر هيه عن عتبة بن ربيعة، قلت: هيهاً فيه، قال: أيجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم، ويأمر بصلتها؟ قلت: إي والله إنه ليفعل.
فقال: وذو مال؟ قال: أتعلم قرشياً أسود منه؟ قلت: لا والله ما أعلمه.
قال: كم أتى له من السن؟ قلت: قد زاد على المائة، قال: فإن السن والشرف والمال أزرين به.
قلت: كلا والله ما أزرى به ذاك، وأنت قائل شيئاً فقله.
قال: لا تذكر حديثي حتى يأتي منه ما هو آتٍ، ثم قال: فإن الذي رأيت أصابني أني جئت هذا العالم، فسألته عن أشياء، ثم قلت: أخبرني عن هذا النبي الذي ينتظر قال: هو رجل من العرب.
قلت: قد علمت أنه من العرب فمن أي العرب هو؟ قال: من أهل بيت يحجه العرب.
قلت: وفينا بيت يحجه العرب؟! قال: هو من إخوانكم من قريش، قال: فأصابني والله شيء ما أصابني مثله قط، وخرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون إياه.
فقلت: فإذا كان ما كان فصفه لي، قال: رجل شاب حتى دخل في الكهولة، بدوّ أمره يجتنب المظالم والمحارم ويصل الرحم ويأمر بصلتها، وهو محوج كريم الطرفين متوسط في العشيرة، أكثر جنده الملائكة.
قلت: وما آية ذلك؟ قال: قد رجفت الشام منذ هلك عيسى بن مريم عليه السلام ثلاثين رجفة كلها مصيبة وبقيت رجفة عامة فيها مصائب.
قال أبو سفيان: قلت له: هذا والله الباطل.
لئن بعث الله رسولاً لا يأخذه إلا
مسناً شريفاً.
قال أمية: والذي حلفت به إن هذا لهكذا يا أبا سفيان، تقول إن قول النصراني حق.
هل لك في المبيت؟ قلت: هل لي فيه؟ قال: فبتنا حتى جاءنا الثقل، ثم خرجنا حتى إذا كنا بيننا وبين مكة ليلتان أدركنا راكب من خلفنا، فسألناه، فإذا هو يقول أصابت أهل الشام بعدكم رجفةٌ، دمر أهلها وأصابتهم فيها مصائب عظيمة.
قال أبو سفيان: فأقبل علي أمية فقال:: كيف ترى قول النصراني يا أبا سفيان؟ قلت: أرى والله وأظن أن ما حدثك صاحبك حق.
قال: فقدمنا مكة، فقضيت ما كان معي ثم انطلقت حتى جئت اليمن تاجراً، فكنت بها خمسة أشهر، ثم قدمت مكة، فبينا أنا في منزلي جاءني الناس، يسلمون علي، ويسألون عن بضائعهم، ثم جاءني محمد بن عبد الله، وهند عندي تلاعب صبيانها، فسلم علي ورحب بي وسألني عن سفري ومقامي، ولم يسلني عن بضاعته، ثم قام فقلت لهند: والله إن هذا يعجبني، ما من أحد من قريش له معي بضاعة إلا قد سألني عنها، وما سألني هذا عن بضاعته، فقالت لي هند: وما علمت شأنه؟ قلت وفزعت: ما شأنه؟ قالت: يزعم أنه رسول الله، فوقذتني، وذكرت قول النصراني فوجمت حتى قالت هند: ما لك؟ فانتبهت فقلت: إن هذا لهو الباطل، لهو أعقل من أن يقول هذا.
قالت: بلى والله إنه ليقول ذلك، ويواتى عليه وإن له لصحابة على دينه.
قلت: هذا الباطل.
قال: وخرجت فبينا أنا أطوف بالبيت لقيته فقلت: إن بضاعتك قد بلغت كذا وكذا وكان فيها خير فأرسل فخذها ولست آخذ منك فيها ما آخذ من قومي، فأبى علي وقال: إذاً لا آخذها.
فأرسلت: فأرسل فخذها وأنا آخذ منك ما آخذ من قومي.
فأرسل إلى بضاعته فأخذها، وأخذت منه ما كنت آخذ من غيره ولم أنشب أن خرجت إلى اليمن، فقدمت الطائف، فنزلت على أمية بن أبي الصلت، فقلت له: يا أبا عثمان، قال: ما تشاء؟ قلت: هل تذكر حديث النصراني؟ قال: أذكره.
قلت: فقد كان.
قال: ومن؟ قلت: محمد بن عبد الله.
قال: ابن عبد المطلب؟ قلت: ابن عبد المطلب، ثم قصصت عليه خبر هند.
قال: فالله يعلم لتصبب عرقاً، ثم قال: والله يا أبا سفيان لعله أن صفته لهي، ولئن ظهر وأنا حي لآتلين إلى الله في نصره عذراً.
قال: ومضيت إلى
اليمن فلم أنشب أن جاءني هناك استهلاله، فأقبلت حتى نزلت على أمية بن أبي الصلت بالطائف، فقلت: أبا عثمان، قد كان أمر الرجل ما قد بلغك وسمعت، قال: قد كان لعمري.
قلت: فأين أنت منه يا أبا عثمان؟ قال: والله ما كنت لأومن برسول من غير ثقيف أبداً.
قال أبو سفيان: وأقبلت إلى مكة فوالله ما أنا ببعيد حتى جئت مكة فوجدت أصحابه يضربون ويحقرون، قال أبو سفيان: فجعلت أقول: فأين جنده من الملائكة؟ قال: فدخلني ما يدخل الناس من النفاسة.
وعن نافع بن عاصم بن مسعود قال: إنني لفي حلقة فيها عبد الله بن عمر فقرأ رجل من القوم الآية التي في الأعراف: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ".
قال هل تدرون من هو؟ قال بعضهم: هو صيفي بن الراهب، وقال آخر: بل هو بلعم رجل من بني إسرائيل.
قال: لا.
قالوا: فمن هو؟ قال: هو أمية بن أبي الصلت.
قال الكلبي: بينا أمية راقد ومعه ابنتان له؛ إذ فزعت إحداهما فصاحت عليه، فقال: ما شأنك؟ قالت: رأيت نسرين كشطا سقف البيت فنزل أحدهما إليك فشق بطنك والآخر واقف على ظهر البيت، فناداه، فقال: أوعى؟ قال: نعم، قال: أزكا؟ قال: لا، فقال: ذاك خير أريد بأبيكما فلم يقبله.
حدث عمرو بن الشريد عن أبيه قال: استنشدني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شعر أمية بن أبي الصلت فأنشدته مائة بيت كلما أنشدته ما فيه قال: " إنه قد كاد أن يسلم ".
وحدث الشريد الهمداني قال: خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حجة الوداع، فبينا أنا أمشي ذات يوم إذا وقع ناقة خلفي، فالتفت فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " الشريد؟ " فقلت: نعم، قال: " ألا أحملك؟ " قلت: بلى.
وما بي من عناءٍ ولا لغوب، ولكن أردت البركة في ركوبي مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأناخ، فحملني، فقال: " أمعك من شعر أمية بن أبي الصلت؟ " قلت: نعم.
قال: " هات ".
فأنشدته.
قال: " أظنه قال مئة بيت، فقال: عند الله علم أمية بن الصلت ".
قال أبو هريرة: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أصدق كلمةٍ قالها شاعر كلمة لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكاد ابن أبي الصلت أن يسلم ".
وعن ابن عباس قال: أنشد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قول أمية بن أبي الصلت: " من الكامل "
رجلٌ وثور تحت رجل يمينه ... والنسر للأخرى وليثٌ مرصد
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فصدق ".
وأنشد قوله:
والشمس تطلع كل آخر ليلةٍ ... صفراء يصبح لونها يتورد
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق ".
وأنشد قوله:
تأبى فما تطلع لنا في رسلها ... إلا معذبةً وإلا تجلد
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدق ".
وعن عكرمة قال: قال ابن عباس: إن الشمس تطلع كل سنة في ثلاث مئة وستين كوة، تطلع كل يوم في كوة لا ترجع إلى تلك الكوة إلا ذلك اليوم من العام القابل، ولا تطلع إلا وهي كارهة، فتقول: رب لا
تطلعني على عبادك فإني أراهم يعصونك، يعملون بمعاصيك.
فقال: أو لم تسمعوا إلى ما قال أمية بن الصلت: حتى تجبر وتجلد؟ قلت: يا مولاي؟ أو تجلد الشمس؟ فقال: عضضت على هن أبيك إنما اضطر الروي إلى الجلد.
وعن عكرمة قال: قلت لابن عباس: أرأيت ما جاء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمية بن أبي الصلت، آمن شعره، وكفر قلبه؟ فقال: هو حقٌّ فما أنكرتم من ذلك؟ قلت: أنكرنا قوله:
والشمس تطلع كل آخر ليلةٍ ... صفراء يقبح لونها يتورد
ليست بطالعةٍ لهم في رسلها ... إلا معذبةً وإلا تجلد
ما بال الشمس تجلد؟ فقال: والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك، فيقولون لها: اطلعي اطلعي، فتقول: لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله، فيأتيها ملكٌ، فيستقل لضياء بني آدم، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها، وذلك قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما طلعت إلا بين قرني شيطان ".
وما غربت الشمس قط إلا خرت لله ساجدة، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود فتغرب بين قرنيه فيحرقه الله تحتها.
وقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولا غربت إلا بين قرني شيطان ".
قال ابن أبي الدنيا: إن لله تعالى من العلوم ما لا يحصى، يعطي كل واحد من ذلك ما لا يعطي غيره.
لقد روي عن بكر السهمي عن أبيه أن قوماً كانوا في سفر، فكان فيهم رجل يمر الطائر فيقول: تدرون ما يقول هذا؟ فيقولون: لا فيقول: يقول: كذا وكذا، فيحيلنا على شيء لا ندري أصادق هو أم كاذب إلى أن مروا على غنم وفيها شاة قد تخلفت على سخلة لها، فجعلت تحنو عنقها إليها وتثغو فقال: أتدرون ما تقول هذه الشاة؟ قلنا: لا، قال: تقول للسخلة: الحقي لا يأكلك الذئب كما أكل أخاك عام أول في هذا المكان، قال: فانتهينا إلى الراعي، فقلنا له: ولدت هذه الشاة قبل عامك هذا؟ قال: نعم، ولدت سخلة عام أول، فأكلها الذئب بهذا المكان، ثم أتينا على قوم فيهم ظعينة على جمل لها وهو يرغو يحنو عنقه إليها، فقال: أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قلنا: لا.
قال: فإنه يلعن
راكبته، ويزعم أنها رحلته على مخيط، فهو مزنر في سنامه.
قال: فانتهينا إليهم، فقلنا: يا هؤلاء، إن صاحبنا هذا يزعم أن هذا البعير يلعن راكبته ويزعم أنه رحلته على مخيط وأنه في سنامه قال: فأناخوا البعير، فحطوا عنه، فإذا هو كما قال.
قال الأصمعي: كل شعر قيل في السخاء غلب عليه حاتم، وكل شعر قيل في الشجاعة غلب عليه عنترة، وكل شعر قيل في الغزل غلب عليه ابن أبي ربيعة، وكل ما قيل في الزهد غلب عليه أمية بن أبي الصلت.
قال الحسين بن الحسن المروزي: سألت سفيان بن عينية عن تفسير قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ".
فقلت له: هذا ثناء وليس بدعاء.
فقال: أما بلغك حديث منصور عن مالك بن الحارث يقول الله تعالى: " إذا شغل عبدي ثناؤه علي عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي للسائلين؟ " قلت: نعم، قال: هذا تفسيره، ثم قال: أما بلغك ما قال أمية بن أبي الصلت حين أتى ابن جدعان يطلب فضله ونائله فقال: " من الوافر "
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
ثم قال: يا حسين هذا مخلوق يكتفي بالثناء عليه دون مسألته فكيف بالخالق عز وجل؟.
قال أبو عاصم: اشترى أخ لشعبة من طعام السلطان، فحبس وشركاؤه، فحبس بستة آلاف دينار بحصته، فخرج شعبة إلى المهدي ليكلمه فيه، فلما دخل عليه قال له: يا أمير المؤمنين أنشدني قتادة لأمية بن أبي الصلت بقوله لعبد الله بن جدعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني ... حياؤك إن شيمتك الحياء
كريمٌ لا يعطله صباحٌ ... عن الخلق الكريم ولا مساء
فأرضك أرض مكرمةٍ بنتها ... بنو تيمٍ وأنت لها سماء
إذا أثنى عليك المرء يوماً ... كفاه من تعرضه الثناء
فقال: لا يا أبا سطام لا تذكرها قد عرفناها وقضيناها لك.
ادفعوا إليه أخاه، لا تلزموه شيئاً.
ومن شعر أمية بن أبي الصلت: " من الكامل "
لا ينكتون الأرض عند سؤالهم ... لتطلب العلات بالعيدان
بل يسفرون وجوههم فترى لها ... عند السؤال كأحسن الألوان
وإذا المقل أقام وسط رحالهم ... ردوه رب صواهل وقيان
وإذا دعوتهم لكل مهمةٍ ... سدوا شعاع الشمس بالفرسان
ومن شعره: " من الطويل "
عطاؤك زينٌ لامرئٍ إن حبوته ... بخيرٍ وما كل العطاء يزين
وليس بشينٍ لامرئٍ بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين
قال سعيد بن المسيب: قدمت الفارعة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد فتح مكة، وكانت ذات عقلٍ ولبٍ وجمال، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بها معجباً، فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذات يوم: " يا فارعة هل تحفظين من شعر أخيك شيئاً؟ "، فقالت: نعم، وأعجب منه ما قد رأيت قالت: كان أخي في سفر، فلما انصرف بدأ بي، فدخل علي، فرقد على السرير وأنا أحلق أديماً في يدي إذ أقبل طائران أبيضان أو كالطيرين أبيضين، فوقع على الكوة أحدهما،
ودخل الآخر فوقع عليه فشق الواقع عليه ما بين قصته إلى عانته، ثم أدخل يده في جوفه فأخرج قلبه فوضعه في كفه ثم شمه، فقال له الطائر الأعلى: أوعى؟ قال: وعى.
قال: أزكا؟ قال: أبى، ثم رد القلب إلى مكانه، فالتأم الجرح أسرع من طرفة عين، ثم ذهبا، فلما رأيت ذلك دنوت منه فحركته، فقلت: هل تجد شيئاً؟ قال: لا، إلا توصيباً في جسدي وقد كنت ارتعت مما رأيت، فقال لي: ما لي أراك مرتاعة؟ قالت: فأخبرته الخبر، فقال: خير أريد بي ثم أصرف عني، فأنشأ يقول من أبيات: " من المنسرح "
باتت همومي تسري طوارقها ... أكف عيني والدمع سابقها
مما أتاني من اليقين ولم ... أوت براةً يقص ناطقها
أمن تلظى عليه واقدة النار محيطٌ بهم سرادقها
أم أسكن الجنة التي وعد ال ... أبرار مصفوفةٌ نمارقها
لا يستوي المنزلان ثم ولا ال ... أعمال لا تستوي طرائقها
قالت: فلما انصرف إلى رحله لم يلبث إلا يسيراً حتى ظعن في جنازته، فأتاني الخبر، فانطلقت إليه، فوجدته منعوشاً قد سجي عليه، فدنوت منه فشهق شهقة وشق بصره ونظر نحو السقف ورفع صوته: لبيكما ها أنذا لديكما لا ذو مال فيفديني ولا ذو أهل فيحميني، ثم أغمي عليه، إذ شهق شهقة، قلت: قد هلك الرجل فشق بصره نحو السقف ورفع صوته فقال: " من مجزوء الرجز "
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
لا ذو براءة فأعتذر، ولا ذو عشيرة فأنتصر، ثم أغمي عليه إذ شهق شهقةً، ونظر نحو السقف فقال:
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
إن تغفر اللهم تغفر جماً ... وأي عبدٍ لك إلا ألما
ثم أغمي عليه إذ شهق شهقة فقال:
لبيكما لبيكما ... ها أنا ذا لديكما
" من الخفيف "
كل عيشٍ وإن تطاول دهراً ... صائرٌ مرةً إلى أن يزولا
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قلال الجبال أرعى الوعولا
ثم مات.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا فارغة! إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها " إلى آخر الآية.
قال يعقوب بن السكيت: كان أمية بن أبي الصلت بسرف قال: فجاء غراب، فنعب نعبة فقال له أمية: بفيك التراب، ثم نعب نعبة أخرى قال: بفيك التراب، ثم أقبل على أصحابه، فقال: تدرون ما قال الغراب؟ يزعم أني أشرب هذا الكأس ثم أتكئ فأموت، ثم نعب نعبة أخرى، فقال: وآية ذلك أني أقع على هذه المزبلة فأبتلع عظماً ثم أقع فأموت قال: فوقع الغراب على المزبلة فابتلع عظماً فمات، فقال أمية: أما هذا فقد صدقني عن نفسه ولكن لأنظرن أيصدقني عن نفسي؟ قال: فشرب الكأس ثم اتكأ فمات.
قال ابن شهاب: قال أمية ابن أبي الصلت: " من البسيط "
ألا رسول لنا منا يخبرنا ... ما بعد غايتنا من رأس مجرانا
قال: ثم خرج أمية إلى البحرين ونبئ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقام أمية بالبحرين ثماني سنين، ثم قدم الطائف، فقال لهم: ما يقول محمد بن عبد الله؟ قالوا: يزعم أنه نبي فهو الذي كنت تتمنى.
قال: فخرج حتى قدم عليه مكة.
قال: فلقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا بن عبد المطلب ما هذا الذي تقول؟ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أقول أني رسول الله وأن الله لا إله إلا هو ".
قال: فإني أريد أن أكلمك، تعدني غداً؟ قال: " فموعدك غداً ".
قال: فتحب أن آتيك وحدي أو في جماعة من أصحابي وتأتي وحدك أو في جماعة من أصحابك؟ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أي ذلك شئت ".
قال: فإني آتيك في جماعة فأت في جماعة، فلما كان الغد غدا أمية في جماعةمن قريش قال: وغدا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه نفرٌ من أصحابه حتى جلسوا في ظل البيت.
قال: فتبدأ أمية فخطب، ثم سجع ثم أنشد الشعر قال: حتى إذا فرغ قال: أجبني يا بن عبد المطلب قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم ".
قال: حتى إذا فرغ منها وثب أمية يجر رجليه قال: فتبعته قريش تقول: ما تقول يا أمية؟ قال: أشهد أنه الحق.
قالوا: فهل تتبعه؟ قال: حتى أنظر في أمره.
قال: ثم خرج أمية إلى الشام.
قال: وقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فلما قتل أهل بدر، أقبل أمية من الشام حتى نزل بدراً، قال: ثم ترحل يريد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال: فقال قائل: يا بن أبي الصلت ما تريد؟ قال: أريد محمداً.
قال: وما تصنع؟ قال: أؤمن به وألقي إليه مقاليد هذا الأمر.
قال: تدري من في القليب؟ قال: لا.
قال: فيه عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة وهما ابنا خالك وأمه رقيقة بنت عبد الشمس.
قال: فجدع أنف ناقته وقطع ذنبها، ثم وقف على القليب يقول: " من مجزوء الكامل "
ماذا ببدرٍ فالعقن ... قل من مرازبةٍ جحاجح
قال: فرجع إلى مكة وترك الإسلام، فخرج حتى قدم الطائف، وقدم على أخته فوجدها تجلي أدماً لها، وذكر حديث الطائرين وشق بطنه وإخراج قلبه، وقول الأعلى منهما: أوعى؟ قال: وعى.
قال: أقبل؟ قال: أبى.
قال: فرده، ثم طار، فأتبعهما
أمية بصره، وقال: لبيكما لبيكما وقص بقية الحديث وأنشأ يقول من أبيات: " من الخفيف "
ليتني كنت قبل ما قد بدا لي ... في قنان الجبال أرعى الوعولا
فاجعل الموت نصب عينيك واحذر ... غولة الدهر إن للدهر غولا
وخرج من عندها حتى إذا كان بين بيتها وبيته أدركه الموت.
قال: ففيه أنزل الله عز وجل: " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها ".