أحمد بن العلاء بن هلال بن عمر
أبو عبد الرحمن الرقي القاضي، أخو هلال بن العلاء قدم دمشق في أيام أحمد بن طولون، وكان ممن خلع الموفق بن المتوكل بن المعتصم بها في سنة تسع وستين ومئتين.
حدث عن عبد الله بن جعفر بسنده عن عائشة رضي الله عنها فيما قال لها يعني: أهل الإفك فبرأها الله مما قالوا قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج في سفر أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه، فقالت عائشة: فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ما أنزل الله الحجاب، فأنا أحمل في هودجي فأنزل فيه، حتى إذا فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوته تلك ودنوا من المدينة نودي بالرحيل، فخرجت حتى أذنوا
بالرحيل فتبرزت لحاجتي حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فخرجت في التماسه، فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين يرحلون لي، واحتملوا هودجي فحملوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك لم يهبلهن اللحم، إنما تأكل إحدانا العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جاريةً حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، وجئت مبادرةً وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي.
فبينما أنا كذلك في منزلي إذ غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش فادلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرف حين رآني وقد كان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حتى أناخ راحلته فوطىء على يديها، وانطلق بالراحلة يقود بها حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، وقد هلك من أهل الإفك من هلك.
وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي فاشتكيت حين قدمت المدينة شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللطف الذي كنت أراه منه حين أشتكي، إنما يدخل فيقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف فذاك الذي يريبني منه، ولا أشعر بشيء حتى خرجت بعدما نقهت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب، فأقبلت أنا وأم مسطح حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت: بئس ما قلت تسبين رجلاً قد شهد بدراً! قالت: أو لم تسمعي ما قال؟ قالت: فقلت: في ماذا؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً على مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي فآتي أبوي؟ وحينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي من الغد فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمه ماذا يتحدث الناس به؟! قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها قالت: سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا؟! فمكثت تلك الليلة أبكي حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. قالت: ثم أصبحت أبكي فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد وعلياً حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الود لهم فقال: يا رسول الله، ما نعلم إلا خيراً. وأما علي فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك النساء والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك فدعا بريرة فقال: يا بريرة، رأيت شيئاً يريبك قالت: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستعذر من عبد الله بن أبي فقال: من يعذرني من رجل قد بلغ في أهلي أذاه، فوالله ما علمت إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه إن كان من إخواننا الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا ما أمرتنا. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد كان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن استحملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال: - يعني - لسعد بن عبادة، كذبت، لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، وتبادر الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على المنبر، فلم يزل يسكتهم حتى سكتوا.
فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وبت ليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي وقد لبثت ليلتي ويومي لا يرقأ لي دمع وهما يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار علي فأذنت لها، فجلست تبكي معي.
فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجلس فلم يجلس قبل ذلك منذ قيل
ما قيل. ولقد لبث شهراً لا يوحى إليه شيء، فتشهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم جلس جلسته، فقال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه، فإن العبد إذا أذنب ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإني جارية حديثة السن لم أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: والله لقد علمت أنكم قد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم فصدقتم به، وإن قلت إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني. والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف " فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون " قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة.
وما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحياً يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمرٍ، ولكني أرجو أن يري الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر عليه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي أنزل عليه، فسري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، أما بعد فقد برأك الله، فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقول إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل وأنزل الله تعالى: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبةٌ منكم " إلى آخر الآيات العشر كلها. فلما أنزل الله هذا كله في براءتي قال أبو بكر - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره -: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قاله لعائشة فأنزل الله تعالى: " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن تؤتوا أولي القربى " الآية، فقال أبو
بكر: والله، إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبداً. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل زينب بنت جحش فقال: يا زينب، ماذا علمت ورأيت؟ فقالت له زينب: ما علمت ولا رأيت إلا خيراً. أحمي سمعي وبصري. قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعصمها الله بالورع فطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أهل الإفك.
ولد أحمد بن العلاء سنة اثنتين وتسعين ومئة، وتوفي بالرقة في سنة ست وسبعين ومئتين وهو على القضاء. وقيل: مات وهو قاضي ديار مصر سنة أربع وسبعين ومئتين.
أبو عبد الرحمن الرقي القاضي، أخو هلال بن العلاء قدم دمشق في أيام أحمد بن طولون، وكان ممن خلع الموفق بن المتوكل بن المعتصم بها في سنة تسع وستين ومئتين.
حدث عن عبد الله بن جعفر بسنده عن عائشة رضي الله عنها فيما قال لها يعني: أهل الإفك فبرأها الله مما قالوا قالت:
كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أراد أن يخرج في سفر أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معه، فقالت عائشة: فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج سهمي فخرجت مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ما أنزل الله الحجاب، فأنا أحمل في هودجي فأنزل فيه، حتى إذا فرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من غزوته تلك ودنوا من المدينة نودي بالرحيل، فخرجت حتى أذنوا
بالرحيل فتبرزت لحاجتي حتى جاوزت الجيش. فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فخرجت في التماسه، فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين يرحلون لي، واحتملوا هودجي فحملوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك لم يهبلهن اللحم، إنما تأكل إحدانا العلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه، وكنت جاريةً حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش، وجئت مبادرةً وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي.
فبينما أنا كذلك في منزلي إذ غلبتني عيني فنمت، وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش فادلج فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرف حين رآني وقد كان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حتى أناخ راحلته فوطىء على يديها، وانطلق بالراحلة يقود بها حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة، وقد هلك من أهل الإفك من هلك.
وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي فاشتكيت حين قدمت المدينة شهراً، والناس يفيضون في قول أهل الإفك لا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللطف الذي كنت أراه منه حين أشتكي، إنما يدخل فيقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف فذاك الذي يريبني منه، ولا أشعر بشيء حتى خرجت بعدما نقهت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب، فأقبلت أنا وأم مسطح حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت: بئس ما قلت تسبين رجلاً قد شهد بدراً! قالت: أو لم تسمعي ما قال؟ قالت: فقلت: في ماذا؟ قالت: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً على مرضي.
فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: كيف تيكم؟ فقلت: أتأذن لي فآتي أبوي؟ وحينئذٍ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت: فأذن لي من الغد فجئت أبوي فقلت لأمي: يا أمه ماذا يتحدث الناس به؟! قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا كثرن عليها قالت: سبحان الله، ولقد تحدث الناس بهذا؟! فمكثت تلك الليلة أبكي حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم. قالت: ثم أصبحت أبكي فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسامة بن زيد وعلياً حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما يعلم من براءة أهله وبالذي في نفسه من الود لهم فقال: يا رسول الله، ما نعلم إلا خيراً. وأما علي فقال: يا رسول الله، لم يضيق الله عليك النساء والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك فدعا بريرة فقال: يا بريرة، رأيت شيئاً يريبك قالت: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستعذر من عبد الله بن أبي فقال: من يعذرني من رجل قد بلغ في أهلي أذاه، فوالله ما علمت إلا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي. فقام سعد بن معاذ فقال: يا رسول الله، أنا أعذرك منه إن كان من إخواننا الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا ما أمرتنا. فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وقد كان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن استحملته الحمية فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال: - يعني - لسعد بن عبادة، كذبت، لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، وتبادر الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائم على المنبر، فلم يزل يسكتهم حتى سكتوا.
فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وبت ليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، فأصبح أبواي عندي وقد لبثت ليلتي ويومي لا يرقأ لي دمع وهما يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان وأنا أبكي إذ استأذنت امرأة من الأنصار علي فأذنت لها، فجلست تبكي معي.
فبينما نحن كذلك إذ دخل علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجلس فلم يجلس قبل ذلك منذ قيل
ما قيل. ولقد لبث شهراً لا يوحى إليه شيء، فتشهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم جلس جلسته، فقال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه، فإن العبد إذا أذنب ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما قال، فقال: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقلت لأمي: أجيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإني جارية حديثة السن لم أقرأ كثيراً من القرآن، فقلت: والله لقد علمت أنكم قد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم فصدقتم به، وإن قلت إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني. والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف " فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون " قالت: ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا حينئذٍ أعلم أني بريئة.
وما كنت أظن أن الله ينزل في شأني وحياً يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمرٍ، ولكني أرجو أن يري الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في النوم رؤيا يبرئني الله بها، فوالله ما رام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر عليه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القرآن الذي أنزل عليه، فسري عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، أما بعد فقد برأك الله، فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: والله لا أقول إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل وأنزل الله تعالى: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبةٌ منكم " إلى آخر الآيات العشر كلها. فلما أنزل الله هذا كله في براءتي قال أبو بكر - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره -: والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قاله لعائشة فأنزل الله تعالى: " ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن تؤتوا أولي القربى " الآية، فقال أبو
بكر: والله، إني لأحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: لا أنزعها منه أبداً. وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأل زينب بنت جحش فقال: يا زينب، ماذا علمت ورأيت؟ فقالت له زينب: ما علمت ولا رأيت إلا خيراً. أحمي سمعي وبصري. قالت: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعصمها الله بالورع فطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أهل الإفك.
ولد أحمد بن العلاء سنة اثنتين وتسعين ومئة، وتوفي بالرقة في سنة ست وسبعين ومئتين وهو على القضاء. وقيل: مات وهو قاضي ديار مصر سنة أربع وسبعين ومئتين.