Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=149839&book=5538#55847e
أبان بن سعيد أبي أحيحة بن العاص
ابن أمية بن عبد شمس أبو الوليد الأموي له صحبة واستعمله النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بعض سراياه، ثم ولاه البحرين، وقدم الشام مجاهداً فقتل يوم أجنادين. وقيل: يوم اليرموك. وقيل: مات سنة تسع وعشرين.
لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبو بكر أبان بن سعيد بن العاص إلى اليمن، فكلمه فيروز في دم داذويه فقال: إن قيساً قتل عمي غدراً على عدائه، وقد كان دخل في الإسلام، وشرك في قتل الكذاب، فأرسل أبان يعلى بن أمية إلى قيس فقال: اذهب فل له. أجب أبان بن سعيد فإن تردد فاضربه بسيفك، فقدم عليه يعلى، فقال: أجب الأمير أبان، فقال له قيس: أنت ابن عمي فأخبرني لم أرسل إلي؟ فقال له: إن ابن الديلمي كلمه فيك أنك قتلت عمه رجلاً مسلماً على عدائك، قال قيس: ما كان مسلماً لا هو ولا أنا، وكنت طالب ذحل قد قتل أبي وقتل عمي عبيدة وقتل أخي الأسود، فأقبل مع يعلى، فقال أبان لقيس: أقتلت رجلاً قد دخل في الإسلام، وشرك في قتل الكذاب؟ قال: قدرت أيها الأمير، فاسمع مني: أما الإسلام فلم يسلم لا هو ولا أنا، وكنت رجلاً طالب ذحل. وأما الإسلام فتقبل مني وأبايعك عليه، وأما يميني فهذه هي لك بكل حدث يحدثه كل إنسان من مذحج. قال: قد قبلنا منك، فأمر أبان المؤذن أن ينادي بالصلاة وصلى أبان بالناس صلاة خفيفة، ثم خطب فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد وضع كل دم كان في الجاهلية فمن أحدث في الإسلام حدثاً أخذناه به ثم جلس، فقال: يابن الديلمي، تعال خاصم صاحبك واختصما فقال أبان: هذا دم قد وضعه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا نتكلم فيه، وقال أبان لقيس: الحق بأمير المؤمنين يعني عمرو أنا أكتب لك أني قضيت بينكما، فكتب إلى عمر أن فيروز وقيساً اختصما عندي في دم داذويه فأقام قيس عندي البينة أنه كان في الجاهلية فقضيت بينهما.
قال سعيد بن العاص: لما قتل أبي يوم بدر كنت في حجر عمي أبان بن سعيد، وكان ولي صدق، وإنه خرج تاجراً إلى الشام فمكث هنالك سنة، ثم قدم علينا، وكان شديد السب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شديد الحرد عليه، فلما بلغني قدومه خرجت حتى جئته، فكان أول ما سأل عنه أن قال: ما فعل محمد؟ فقال عمي عبد الله بن سعيد: هو والله أعز ما كان قط، وأعلاه أمراً، والله فاعلٌ به وفاعل، فسكت ولم يسبه كما كان يفعل، وقام القوم فمكث ليالي، ثم أرسل إلى سراة بني أمية وقد صنع لهم طعاماً. فلما أكلوا قال: ما فعل رسول الله محمد؟ قالوا: فعل الله به وفعل، وقد أكثرت من السؤال عنه فما شأنك؟ فقال: شأني والله أني ما أرى شراً دخلتم إلا دخلت فيه، ولا شراً وخيراً تركتموه إلا تركته ولم أره خيراً، تعلمون أني كنت بقرية يقال لها بامردى وكان بها راهب لم ير له وجه مذ أربعين سنة.
فبينا أنا ذات ليلة هنالك إذا النصارى يطيبون المصانع والكنائس ويصنعون الأطعمة ويلبسون الثياب فأنكرت ذلك منهم فقلت: ما شأنكم؟ قالوا: هذا راهب يقال له: بكا، لم ينزل إلى الأرض ولم ير فيها منذ أربعين سنة، وهو نازل اليوم، فيمكث أربعين ليلة يأتي المصانع والكنائس وينزل على الناس. فلما كان الغد نزل فخرجوا، واجتمعوا، وخرجت فنظرت إليه فإذا شيخ كبير، فخرجوا وخرج معهم يطوف فيهم، فمكث أياماً، وإني قلت لصاحب منزلي: اذهب معي إلى هذا الراهب، فإني أريد أن أسأله عن شيء فخرج معي حتى دخلنا عليه فقلت: لي إليك حاجة فاخلني فقام من عنده فقلت: إني رجل من قريش، وإن رجلاً منا خرج فينا يزعم أن الله عز وجل أرسله مثلما أرسل موسى وعيسى، فقال: ممن هو؟ فقلت: من قريش، قال: وأين بلدكم؟ قلت: تهامة ثم مكة قال: لعلكم تجار العرب أهل بيتهم، قلت: نعم، قال: ما اسم صاحبك؟ قلت: محمد، قال: ألا أصفه لك ثم أخبرك عنه؟ قلت: بلى، قال: مذ كم خرج فيكم؟ قلت: منذ عشرين سنة أو دون ذلك بقليل، قال: فهو يومئذٍ ابن أربعين سنة! قلت: أجل،
قال: وهو رجل سبط الرأس، حسن الوجه، قصد الطول شئن اليدين، في عينه حمرة، لا يقاتل ببلده ما كان فيه، فإذا خرج منه قاتل فظفر، وظهر عليه، يكثر أصحابه، ويقل عدوه، قلت: والله ما أخطأت من صفته ولا أمره واحدةً، فأخبرني عنه، قال: ما اسمك؟ قلت: أبان، قال: كيف أنت أصدقته أم كذبته؟ قلت: بل كذبته، فرفع يده فضرب ظهري بكفٍ لينة واحدة ثم قال: أيخط بيده؟ قلت: لا، قال: هو والله نبي هذه الأمة، والله ليظهرن عليكم، ثم ليظهرن على العرب، ثم ليظهرن على الأرض، لو قد خرج. فخرج مكانه، فدخل صومعته، وتشبث الناس به وما أدخله صومعته غير حديثي، فقال: اقرأ على الرجل الصالح السلام، يا قوم ما ترون؟ قالوا: والله ما كنا نحسب أن تتكلم بهذا أبداً ولا تذكره.
قال سعيد: وبلغنا مكانه وسيره يريد باقي غزوة الحديبية. فلما رجع تبعه عمي فأسلم.
كان خالد بن سعيد وعمرو بن سعيد قد أسلما وهاجرا إلى أرض الحبشة، وأقام غيرهما من ولد أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية على ما هم عليه، ولم يسلموا حتى كان نفير بدر، فلم يتخلف منهم أحد، خرجوا جميعاً في النفير إلى بدر، فقتل العاص بن سعيد على كفره، قتله علي بن أبي طالب، رضي الله عنه وعبيدة بن سعيد قتله الزبير بن العوام، وأفلت أبان بن سعيد فجعل خالد وعمرو يكتبان إلى أبان بن سعيد ويقولان: نذكرك الله أن تموت على ما مات عليه أبوك وعلى ما قتل عليه أخواك، فيغضب من ذلك ويقول: لا أفارق دين آبائي أبداً. وكان أبو أحيحة قد مات بمال له بالظريبة نحو الطائف وهو كافر، فأنشأ أبان بن سعيد يقول: من الطويل
ألا ليت ميتاً بالظريبة شاهدٌ ... لما يفتري في الدين عمرٌو وخالد
أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا ... يعينان من أعدائنا من نكابد
فأجابه خالد بن سعيد: من الطويل
أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه ... ولا هو عن سوء المقالة مقصر
يقول إذا اشتدت عليه أموره ... ألا ليت ميتاً بالظريبة ينشر
فدع عنك ميتاً قد مضى لسبيله ... وأقبل على الحي الذي هو أفقر
قال: فأقام أبان بن سعيد على ما كان عليه بمكة على دين الشرك حتى قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديبية، وبعث عثمان بن عفان إلى أهل مكة، فتلقاه أبان بن سعيد فأجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وانصرف عثمان إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت هدنة الحديبية، فأقبل خالد وعمرو ابنا سعيد بن العاص من أرض الحبشة في السفينتين، وكانا آخر من خرج منها ومع خالد وعمرو أهلهما وأولادهما فلما كانا بالشعيبة أرسلا إلى أخيهما أبان بن سعيد وهو بمكة رسولاً وكتبا إليه يدعوانه إلى الله وحده وإلى الإسلام فأجابهما، وخرج في إثرهما حتى وافاهما بالمدينة مسلماً، ثم خرجوا جميعاً حتى قدموا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر سنة سبع من الهجرة.
فلما صدر الناس من الحج سنة تسع بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبان بن سعيد إلى البحرين عاملاً عليها، فسأله أبان أن يحالف عبد القيس فأذن له في ذلك وقال: يا رسول الله، اعهد إلي عهداً في صدقاتهم وجزيتهم وما تجروا به فأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يأخذ من المسلمين ربع العشر مما تجروا به، ومن كل حالم من يهودي أو نصراني أو مجوسي ديناراً الذكر والأنثى، وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى مجوسي هجر يعرض عليهم الإسلام فإن أبوا عرض عليهم الجزية بأن لا تنكح نساؤهم ولا تؤكل ذبائحهم وكتب لهم صدقات الإبل والبقر والغنم على فرضها وسنتها كتاباً منشوراً مختوماً في أسفله.
قال الحسن: لما قدم أبان بن سعيد بن العاص على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبان، كيف تركت
أهل مكة؟ قال: تركتهم وقد جهدوا يعني المطر وتركت الإذخر وقد أعذق وتركت الثماد وقد حاص قال: فاغرورقت عينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: أنا أنصحكم ثم أبان بعدي.
قال الحسن: وكان أبان يقرأ هذا الحرف " وقالوا أإذا ضللنا في الأرض " أي نتنا.
حدث عنبسة بن سعيد بن العاص أنه سمع أبا هريرة يحدث سعيد بن العاص أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر وإن حزمهم الليف، فقال أبان: اقسم لنا يا رسول الله، فقال أبو هريرة: لا تقسم لهم يا رسول الله، فقال له أبان: أنت هذا يا وبر كلاماً نحو هذا، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجلس يا أبان، ولم يقسم لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
لما جاء عثمان بن عفان مكة عام الحديبية برسالة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى قريش قالت له قريش: شمر إزارك، فقال له أبان بن سعيد: من المنسرح
أسبل وأقبل ولا تخف أحداً ... بنو سعيد أعزة الحرم
فقال عثمان: إن التشمير من أخلاقنا.
قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي جهم: خرج أبان بن سعيد بن العاص بلواء معقود أبيض وراية سوداء، يحمل لواءه رافع مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أشرف على البحرين تلقته عبد القيس حتى قدم على المنذر بن ساوى بالبحرين. قال جعفر بن محمود بن محمد: استقبله المنذر بن ساوى على ليلة من منزله معه ثلاث مئة من قومه، فاعتنقا ورحب به وسأل عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخفى المسألة فأخبره
أبان بذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أياه، وأنه قد شفعه في قومه، وأقام أبان بن سعيد بالبحرين يأخذ صدقات المسلمين وجزية معاهديهم، وكتب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره بما اجتمع عنده من المال فبعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين فحمل ذلك المال.
قال عيسى بن طلحة: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وارتدت العرب ارتد أهل هجر عن الإسلام فقال أبان بن سعيد لعبد القيس أبلغوني مأمني قالوا: بل أقم فلنجاهد معك في سبيل الله، فإن الله معز دينه ومظهره على ما سواه وعبد القيس لم ترجع عن الإسلام قال: بل أبلغوني مأمني فأشهد أمر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فليس مثلي يغيب عنهم، فأحيا بحياتهم وأموت بموتهم، فقالوا، لا نفعل، أنت أعز الناس وهذا عليك وعلينا فيه مقالة، يقول قائل: فر من القتال.
قال أبو بكر بن عبد الله بن أبي جهم: ومشى إليه الجارود العبدي فقال: أنشدك الله أن تخرج من بين أظهرنا فإن دارنا منيعة ونحن سامعون مطيعون ولو كنت اليوم بالمدينة لوجهك أبو بكر إلينا لمحالفتك إيانا، فلا تفعل فإنك إن قدمت على أبي بكر لامك وفيل رأيك، وقال: تخرج من عند قوم أهل سمع وطاعة ثم رجعك إلينا قال: إذاً لا أرجع أبداً ولا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلما أبى عليهم إلا كلمة واحدة قال أبان: إن معي مالاً قد اجتمع قالوا: احمله فحمل مئة ألف درهم وخرج معه ثلاث مئة من عبد القيس خفراً حتى قدم المدينة على أبي بكر فلامه أبو بكر، وقال: ألا تثبت مع قوم لم يرتدوا ولم يبدلوا. قال أبان: هم على ذلك ما أرغبهم في الإسلام وأحسن نياتهم، ولكن لا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع:
قال عمر بن الخطاب لأبان بن سعيد حين قدم المدينة: ما كان حقك أن تقدم، وتترك عملك بغير إذن إمامك ثم على هذه الحال، ولكنك أمنته فقال: أبان: إني والله، ما كنت لأعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولو كنت عاملاً لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت عاملاً لأبي بكر في فضله وسابقته وقديم إسلامه، ولكن لا أعمل بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشاور
أبو بكر أصحابه فيمن يبعث إلى البحرين فقال له عثمان بن عفان: ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم فقدم عليهم بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم، وعرف بلادهم يعني: العلاء بن الحضرمي فأبى ذلك عمر عليه وقال: أكره أبان بن سعيد فإنه رجل قد حالفهم فأبى أبو بكر أن يكرهه، وقال: لا أفعل، لا أكره رجلاً يقول: لا أعمل لأحد بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأجمع أبو بكر بعثة العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
ولما استعمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبان بن سعيد على البحرين قالوا: يا رسول الله، أوصه بنا. قال: فوصاه بهم. وقال أبان بن سعيد: يا رسول الله، أوصهم بي فأوصاهم به، قال خالد: فهم يعدون هذا حلفاً بيننا وبينهم.
وأبان بن سعيد روى عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الناس معادن.
استشهد يوم أجنادين. ويقال يوم مرج الصفر. واليومان جميعاً سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر. ويقال: يوم اليرموك سنة خمس عشرة في خلافة عمر بن الخطاب.
وقيل مات سنة سبع وعشرين. وهو وهم وتوفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبان بن سعيد عامل على البحرين لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.