82896. محمد بن جدعان1 82897. محمد بن جرير الطبري الإمام المفسر أبو جعفر...1 82898. محمد بن جرير بن ابي الحسن بن ابي علي بن جرير الاموي القرشي ابو عب...1 82899. محمد بن جرير بن رستم أبو جعفر الطبري2 82900. محمد بن جرير بن يزيد الطبري1 82901. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري182902. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب1 82903. محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب ابو جعفر الطبري...1 82904. محمد بن جعفر3 82905. محمد بن جعفر أبو الفرج البغدادي1 82906. محمد بن جعفر أبو بكر البغدادي الوراق...1 82907. محمد بن جعفر أبو جعفر1 82908. محمد بن جعفر أبو جعفر القومسي1 82909. محمد بن جعفر أبو جعفر بن أبي الحسين السمناني...1 82910. محمد بن جعفر أبو عبد الله البصري1 82911. محمد بن جعفر ابو الحسن الجهرمي1 82912. محمد بن جعفر ابو بكر العطار النحوي خرتك...1 82913. محمد بن جعفر ابو بكر القاضي1 82914. محمد بن جعفر ابو بكر الكتاني الاحول المؤدب...1 82915. محمد بن جعفر ابو جعفر البغدادي1 82916. محمد بن جعفر ابو جعفر الفيدي1 82917. محمد بن جعفر ابو جعفر الكوفي2 82918. محمد بن جعفر ابو جعفر المدائني1 82919. محمد بن جعفر ابو عبد الله البصري1 82920. محمد بن جعفر ابو عبد الله الكوفي1 82921. محمد بن جعفر ابو عبد الله الهذلي البصري...1 82922. محمد بن جعفر ابو علي غندر1 82923. محمد بن جعفر ابو عمران الوركاني1 82924. محمد بن جعفر الأنصاري أبو جعفر1 82925. محمد بن جعفر البزاز1 82926. محمد بن جعفر البزاز أبو جعفر المدائني...1 82927. محمد بن جعفر البغدادي يعرف بلقلوق1 82928. محمد بن جعفر البيكندي1 82929. محمد بن جعفر الخلال1 82930. محمد بن جعفر الدباغ1 82931. محمد بن جعفر الزبيري1 82932. محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر العلوي...1 82933. محمد بن جعفر الصيدلاني صهر ابي العباس المبرد...1 82934. محمد بن جعفر القواذي1 82935. محمد بن جعفر المتوكل بن محمد1 82936. محمد بن جعفر المتوكل علي الله بن محمد المعتصم بالله...1 82937. محمد بن جعفر المخزومي2 82938. محمد بن جعفر المخزومي الحجازي1 82939. محمد بن جعفر المدائني3 82940. محمد بن جعفر المدائني أبو جعفر1 82941. محمد بن جعفر المدائني ابو جعفر1 82942. محمد بن جعفر المدائني البزاز ابو جعفر...1 82943. محمد بن جعفر المدائني الثقفي1 82944. محمد بن جعفر المعبر الواذاري1 82945. محمد بن جعفر المنتصر بالله1 82946. محمد بن جعفر الهذلى الكرابيسي أبو عبد الله غندر...2 82947. محمد بن جعفر الهذلي أبو عبد الله غندر...1 82948. محمد بن جعفر الهذلي صاحب الكرابيس البصري...1 82949. محمد بن جعفر الوركاني1 82950. محمد بن جعفر بن أبي أبو جعفر الكلبي الكوفي...1 82951. محمد بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري1 82952. محمد بن جعفر بن أعين أبو بكر البغدادي...1 82953. محمد بن جعفر بن إبراهيم بن عيسى1 82954. محمد بن جعفر بن ابى كثير1 82955. محمد بن جعفر بن ابي الازهر1 82956. محمد بن جعفر بن ابي داود الانباري1 82957. محمد بن جعفر بن ابي طالب3 82958. محمد بن جعفر بن ابي طالب الهاشمي1 82959. محمد بن جعفر بن ابي كثير4 82960. محمد بن جعفر بن ابي كثير الانصاري1 82961. محمد بن جعفر بن ابي كثير المدني1 82962. محمد بن جعفر بن ابي كثير مولى بنى زريق...1 82963. محمد بن جعفر بن ابي مؤاتية1 82964. محمد بن جعفر بن ابي مواثة الكلبي1 82965. محمد بن جعفر بن ابي هاشم الوركاني1 82966. محمد بن جعفر بن احمد ابو بكر التميمي العسكري...1 82967. محمد بن جعفر بن احمد ابو بكر القاضي الرافقي...1 82968. محمد بن جعفر بن احمد بن ابراهيم1 82969. محمد بن جعفر بن احمد بن ادريس1 82970. محمد بن جعفر بن احمد بن ادريس بن يوسف بن شداد ابو علي...1 82971. محمد بن جعفر بن احمد بن جعفر بن الحسن بن وهب ابو بكر الحريري المع...1 82972. محمد بن جعفر بن احمد بن حجاج1 82973. محمد بن جعفر بن احمد بن سليمان1 82974. محمد بن جعفر بن احمد بن عمر بن شبيب ابو الحس الصيرفي...1 82975. محمد بن جعفر بن احمد بن عيسى ابو الطيب الوراق...1 82976. محمد بن جعفر بن احمد بن محمد بن عبد العزيز بن علي بن اسماعيل العب...1 82977. محمد بن جعفر بن احمد بن يزيد ابو بكر الصيرفي المطيري...1 82978. محمد بن جعفر بن احمد بن يزيد المطيري1 82979. محمد بن جعفر بن الحس بن سليمان بن علي بن صالح...1 82980. محمد بن جعفر بن الحسن بن سليمان1 82981. محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد1 82982. محمد بن جعفر بن الحسين بن محمد بن زكريا ابو بكر الوراق غندر...1 82983. محمد بن جعفر بن الحسين وقيل محمد بن أبي الحسين أبو جعفر القومسي ا...1 82984. محمد بن جعفر بن الدوري1 82985. محمد بن جعفر بن الزبير2 82986. محمد بن جعفر بن الزبير القرشي1 82987. محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام4 82988. محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام بن خويلد القرشي المدني...1 82989. محمد بن جعفر بن العباس بن جعفر ابو بكر النجار...1 82990. محمد بن جعفر بن العباس بن عيسى بن ابي جعفر المنصور...1 82991. محمد بن جعفر بن القاسم بن سماعه ابو الطيب البزار...1 82992. محمد بن جعفر بن ايوب ابو العباس الخشاب...1 82993. محمد بن جعفر بن بديل أبو الفضل الخزاعي...1 82994. محمد بن جعفر بن بكار ابو الطيب الكاتب...1 82995. محمد بن جعفر بن بكر بن ابراهيم ابو الحسين البزاز...1 Prev. 100
«
Previous

محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري

»
Next
مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرِ بنِ يَزِيْدَ بنِ كَثِيْرٍ الطَّبَرِيُّ
الإِمَامُ، العَلَمُ، المجتهدُ، عَالِمُ العَصر، أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ البَدِيْعَة، مِنْ أَهْلِ آمُل طَبَرِسْتَان.
مَوْلِدُه: سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَطَلَبَ العِلْمَ بَعْد الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ وَأَكْثَرَ التَّرحَال، وَلقِي نُبَلاَء الرِّجَال، وَكَانَ مِنْ أَفرَاد الدَّهْر عِلْماً، وَذكَاءً، وَكَثْرَةَ تَصَانِيْف.
قلَّ أَنْ تَرَى العُيُونُ مثلَه.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، عَنْ أَبِي رَوْح الهَرَوِيّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرٌ
المُسْتَمْلِي، أَخبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو بنُ حَمْدَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الفَقِيْه، وَمُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيّ، قَالاَ:حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَنِيْع، حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيْلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ - صلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم - قَالَ لِضُبَاعَة: (حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي ) ، حَدِيْثٌ حَسَنٌ غَرِيْبٌ مِنْ أَعْلَى مَا عِنْدِي عَنِ ابْنِ جَرِيْرٍ.
سَمِعَ: مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ المَلِكِ بنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُوْسَى السُّدِّيّ، وَإِسْحَاقَ بنَ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، وَمُحَمَّدَ بنَ أَبِي مَعْشَر - حَدَّثَهُ بِالمَغَازِي عَنْ أَبِيْهِ - وَمُحَمَّدَ بنَ حُمَيْد الرَّازِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ مَنِيْع، وَأَبَا كُرَيْبٍ مُحَمَّدَ بنَ العَلاَءِ، وَهَنَّاد بنَ السَّرِيّ، وَأَبَا هَمَّام السَّكُوْنِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ، وَبُنْدَاراً، وَمُحَمَّدَ بنَ المُثَنَّى، وَسُفْيَانَ بنَ وَكِيْع، وَالفَضْلَ بنَ الصَّبَّاحِ، وَعَبْدَةَ بنَ عَبْدِ اللهِ الصَّفَّار، وَسَلْمَ بنَ جُنَادَةَ، وَيُوْنُسَ بنَ عَبْدِ الأَعْلَى، وَيَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ المِقْدَامِ العِجْلِيّ، وَبِشْرَ بنَ مُعَاذٍ العَقَدِيّ، وَسَوَّار بنَ عَبْدِ اللهِ العَنْبَرِيّ، وَعَمْرو بنَ عَلِيٍّ الفَلاَّس، وَمُجَاهِدَ بنَ مُوْسَى، وَتَمِيْمَ بنَ المُنْتَصِر، وَالحَسَنَ بنَ عَرَفَةَ، وَمهنَّا بنَ يَحْيَى، وَعَلِيَّ بنَ سَهْل الرَّمْلِيّ، وَهَارُوْنَ بنَ إِسْحَاقَ الهَمْدَانِيّ، وَالعَبَّاسَ بنَ الوَلِيْدِ العُذْرِيّ، وَسَعِيْدَ بنَ عَمْرٍو السَّكُوْنِيّ، وَأَحْمَدَ ابْنَ أَخِي ابْنِ وَهْبٍ،
وَمُحَمَّدَ بنَ مَعْمَر القَيْسِيّ، وَإِبْرَاهِيْمَ بنَ سَعِيْدٍ الجَوْهَرِيّ، وَنَصْرَ بنَ عَلِيٍّ الجَهْضَمِيّ، وَمُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ بَزِيع، وَصَالِحَ بنَ مِسْمَار المَرْوَزِيّ، وَسَعِيْدَ بنَ يَحْيَى الأُمَوِيّ، وَنَصْرَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَوْدِيّ، وَعَبْدَ الحمِيدِ بنَ بيَان السُّكَّرِيّ، وَأَحْمَدَ بنَ أَبِي سُرَيْج الرَّازِيّ، وَالحَسَنَ بنَ الصَّبَّاحِ البَزَّار، وَأَبَا عَمَّارٍ الحُسَيْنَ بنَ حُرَيْث، وَأُمَماً سِوَاهُم.وَاستقرَّ فِي أَوَاخِرِ أَمره بِبَغْدَادَ.
وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الاجْتِهَاد.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو شُعَيْب عَبْدُ اللهِ بنُ الحَسَنِ الحَرَّانِيّ - وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ - وَأَبُو القَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي، وَأَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ، وَمخلدُ بنُ جَعْفَرٍ البَاقَرْحِي، وَالقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ زَبْرٍ، وَأَحْمَدُ بنُ القَاسِمِ الخَشَّاب، وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَمْدَانُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الكَاتِب، وَعَبْدُ الغَفَّار بنُ عَبيدِ اللهِ الحُضَيْنِي، وَأَبُو المُفَضَّل مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الشَّيْبَانِيّ، وَالمُعَلَّى بنُ سَعِيْدٍ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ أَبُو سَعِيْدٍ بنُ يُوْنُسَ: مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ مِنْ أَهْلِ آمُل، كتبَ بِمِصْرَ، وَرَجَعَ إِلَى بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ تَصَانِيْف حسنَةً تَدُلُّ عَلَى سَعَة عِلْمِهِ.
وَقَالَ الخَطِيْبُ :مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ بنِ يَزِيْدَ بنِ كَثِيْرِ بنِ غَالِب: كَانَ أَحَدُ أَئِمَّةِ العُلَمَاء، يُحكم بِقَوله، وَيُرجع إِلَى رأَيهِ لِمَعْرِفَتِهِ وَفَضْله، وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مِنَ الْعُلُوم مَا لَمْ يُشَارِكْهُ فِيْهِ أَحَد مِنْ أَهْلِ عَصْره، فَكَانَ حَافِظاً لكتَاب الله، عَارِفاً بِالقِرَاءات، بَصِيْراً بِالمَعَانِي، فَقِيْهاً فِي أَحْكَام القُرْآن، عَالِماً بِالسُّنَنِ وَطُرُقِهَا، صَحيحِهَا وَسَقيمِهَا، وَنَاسِخِهَا وَمَنْسوخِهَا، عَارِفاً بِأَقوَال الصَّحَابَة وَالتَّابِعِيْنَ، عَارِفاً بِأَيَّام النَّاس وَأَخْبَارهم، وَلَهُ الكِتَابُ المَشْهُوْرُ فِي (
أَخْبَار الأُمَم وَتَارِيْخهِم) وَلَهُ كِتَاب (التَّفْسِيْر) لَمْ يصَنّف مثلُه، وَكِتَاب سَمَّاهُ (تَهْذِيْب الآثَار) لَمْ أَرَ سِوَاهُ فِي مَعْنَاهُ، لَكِن لَمْ يُتِمَّه، وَلَهُ فِي أُصُوْل الفِقْه وَفُرُوْعه كتبٌ كَثِيْرَةٌ مِنْ أَقَاويل الفُقَهَاء، وَتَفَرَّدَ بِمَسَائِلَ حُفِظَت عَنْهُ.قُلْتُ: كَانَ ثِقَةً، صَادِقاً، حَافِظاً، رَأْساً فِي التَّفْسِيْر، إِمَاماً فِي الفِقْه، وَالإِجْمَاع وَالاخْتِلاَف، عَلاَّمَةٌ فِي التَّارِيْخ وَأَيَّام النَّاس، عَارِفاً بِالقِرَاءات وَبَاللُّغَة، وَغَيْر ذَلِكَ.
قَرَأَ القُرْآنَ بِبَيْرُوْت عَلَى العَبَّاسِ بنِ الوَلِيْدِ.
ذَكَرَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرٍ الفرغَانِيّ: أَنَّ مَوْلِدُهُ بآمُل.
وَقِيْلَ: إِنَّ المُكْتَفِي أَرَادَ أَنْ يحبِّسَ وَقفاً تجتمعُ عَلَيْهِ أَقَاويلُ العُلَمَاء، فَأَحضر لَهُ ابْن جَرِيْرٍ، فَأَملَى عَلَيْهِم كِتَاباً لِذَلِكَ، فَأُخْرَجت لَهُ جَائِزَة، فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُولهَا، فَقِيْلَ لَهُ: لاَ بُدَّ مِنْ قَضَاء حَاجَة.
قَالَ: أسأَلُ أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ أَنْ يمْنَع السُّؤال يَوْم الجُمُعَة، فَفَعَل ذَلِكَ.
وَكَذَا التمسَ مِنْهُ الوَزِيْرُ أَنْ يعملَ لَهُ كِتَاباً فِي الفِقْه، فَأَلَّف لَهُ كِتَاب (الخَفِيْف) فَوجَّه إِلَيْهِ بِأَلفِ دِيْنَار، فَرَدَّهَا.
الخَطِيْب: حَدَّثَنِي أَبُو الفَرَجِ مُحَمَّدُ بنُ عبيدِ اللهِ الشِّيرَازيُّ الخَرْجُوشِيّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مَنْصُوْر الشِّيرَازِي، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ أَحْمَدَ الصحَّاف السِّجِسْتَانِيّ، سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ البَكْرِيَّ يَقُوْلُ:
جَمعتِ الرِّحلَةُ بَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَابْن خُزَيْمَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ نَصْرٍ المَرْوَزِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ الرُّويَانِي بِمِصْرَ، فَأَرملُوا وَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُم مَا يقُوتُهُم، وَأَضَرَّ بِهِم الْجُوع، فَاجْتَمَعُوا لَيْلَةً فِي مَنْزِلٍ كَانُوا يَأْوونَ إِلَيْهِ، فَاتَّفَقَ رأَيُهُم عَلَى أَنْ يَسْتَهمُوا
وَيضربُوا القُرْعَة، فَمَنْ خَرجتْ عَلَيْهِ القُرعَةُ سَأَلَ لأَصْحَابِهِ الطَّعَام، فَخَرَجت القرعَة عَلَى ابْنِ خُزَيْمَة، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَمْهِلونِي حَتَّى أُصَلِّي صَلاَة الخِيرَة.قَالَ: فَاندفعَ فِي الصَّلاَةِ، فَإِذَا هُم بِالشُّموع وَخَصِيٍّ مِنْ قَبْل وَالِي مِصْر يَدَقُّ البَاب، فَفَتَحُوا، فَقَالَ: أَيُّكُم مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ؟
فَقِيْلَ: هُوَ ذَا.
فَأَخْرَجَ صرَّةً فِيْهَا خَمْسُوْنَ دِيْنَاراً، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَأَيُّكُم مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ؟
فَأَعطَاهُ خَمْسِيْنَ دِيْنَاراً، وَكَذَلِكَ للرُّويَانِي، وَابْن خُزَيْمَةَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الأَمِيْرَ كَانَ قَائِلاً بِالأَمس، فَرَأَى فِي المَنَامِ أَنَّ المَحَامِدَ جِيَاعٌ قَدْ طَوَوْا كَشْحَهُم، فَأَنفذَ إِلَيْكُم هَذِهِ الصُّرَر، وَأَقسمَ عَلَيْكُم: إِذَا نفدَتْ، فَابْعَثُوا إِلَيَّ أَحَدَكُم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الفرغَانِيُّ فِي (ذيل تَارِيْخه) عَلَى (تَارِيْخ الطَّبَرِي) ، قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَاد، وَكَانَتْ مَعَهُ بِضَاعَةٌ يتقوَّتُ مِنْهَا، فَسرقت فَأَفضَى بِهِ الحَالُ إِلَى بيعِ ثِيَابِهِ وَكُمَّي قَمِيصِهِ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصدقَائِه: تنشَطُ لتَأَدِيْب بَعْضِ وَلد الوَزِيْر أَبِي الحَسَنِ عبيد اللهِ بنِ يَحْيَى بنِ خَاقَان؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَمَضَى الرَّجُل، فَأَحكَمَ لَهُ أَمره، وَعَاد فَأَوصَلَه إِلَى الوَزِيْرِ بَعْدَ أَنْ أَعَاره مَا يلبَسُهُ، فَقرَّبه الوَزِيْر وَرفعَ مَجْلِسه، وَأَجرَى عَلَيْهِ عَشْرَة دَنَانِيْر فِي الشَّهْرِ، فَاشترطَ عَلَيْهِ أَوقَاتَ طلبه لِلْعِلم وَالصَّلوَات وَالرَّاحَة، وَسأَل إِسلافَهُ رِزْقَ شَهْر، فَفَعَل، وَأدخل فِي
حُجْرَة التَّأَدِيْب، وَخَرَجَ إِلَيْهِ الصَّبيّ - وَهُوَ أَبُو يَحْيَى - فَلَمَّا كتَّبه أَخَذَ الخَادِمُ اللَّوْحَ، وَدخلُوا مُسْتَبْشِرين، فَلَمْ تبقَ جَارِيَةٌ إِلاَّ أَهدتْ إِلَيْهِ صينيةٌ فِيْهَا درَاهُمُ وَدنَانير، فردَّ الجَمِيْع وَقَالَ: قَدْ شُورطتُ عَلَى شَيْءٍ، فَلاَ آخُذُ سِوَاهُ.فَدَرَى الوَزِيْر ذَلِكَ، فَأدخلته إِلَيْهِ وَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هَؤُلاَءِ عبيدٌ وَهُم لاَ يملكُون فعظُم ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ.
وَكَانَ رُبَّمَا أَهدَى إِلَيْهِ بَعْضُ أَصدقَائِه الشَّيْءَ فيَقْبله، وَيكَافِئُهُ أَضعَافاً لِعِظَمِ مُروءته.
قَالَ الفَرغَانِي: وَكَتَبَ إِلَيَّ المرَاغِي يَذْكُرُ أَنَّ المُكْتَفِي قَالَ لِلْوَزِيْرِ: أُرِيْدُ أَنْ أَقفَ وَقفاً.
فَذَكَرَ القِصَّةَ وَزَاد: فردَّ الأَلفَ عَلَى الوَزِيْرِ وَلَمْ يَقْبَلْهَا، فَقِيْلَ لَهُ: تصدَّق بِهَا.
فَلَمْ يَفْعَلْ، وَقَالَ: أَنْتُم أَوْلَى بِأَمْوَالكُم وَأَعرَفُ بِمَنْ تصدَّقُوْنَ عَلَيْهِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عبيدِ اللهِ اللُّغَوِيَّ يَحْكِي:
أَنَّ مُحَمَّدَ بنَ جَرِيْر مكثَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً يَكْتُبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا أَرْبَعِيْنَ وَرقَة.
قَالَ الخَطِيْبُ: وَبلغَنِي عَنْ أَبِي حَامِد أَحْمَدَ بنِ أَبِي طَاهِرٍ الإِسْفَرَايينِيُّ الفَقِيْه أَنَّهُ، قَالَ: لَوْ سَافرَ رَجُلٌ إِلَى الصِّينِ حَتَّى يحصِّلَ تَفْسِيْرَ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ لَمْ يَكُنْ كَثِيْراً.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ حُسَيْنَك بنَ عَلِيٍّ يَقُوْلُ: أَوَّل مَا سَأَلَنِي ابْنُ خُزَيْمَةَ فَقَالَ لِي: كتبتَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ الطَّبرِيّ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: وَلِمَ؟
قُلْتُ: لأَنَّه كَانَ لاَ يَظهر، وَكَانَتِ الحَنَابِلَةُ تمنعُ مِنَ الدُّخول عَلَيْهِ، قَالَ: بِئس مَا فَعَلْتَ، ليتَكَ لمْ تَكْتُبْ عَنْ كُلِّ مَنْ كتبتَ عَنْهُم، وَسَمِعْتَ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ بَالُويه يَقُوْلُ: قَالَ لِي: أَبُو بَكْرٍ بنُ
خُزَيْمَة: بَلَغَنِي أَنَّك كتبتَ التَّفْسِيْرَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ؟قُلْتُ: بَلَى، كتبتُه عَنْهُ إِمْلاَءً.
قَالَ: كُلّه؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فِي أَي سَنَة؟
قُلْتُ: مِنْ سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ إِلَى سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
قَالَ: فَاسْتعَارَهُ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ رَدَّهُ بَعْد سِنِيْنَ، ثُمَّ قَالَ: لَقَدْ نظرتُ فِيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِره، وَمَا أَعْلَمُ عَلَى أَديمِ الأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، وَلَقَدْ ظَلَمَتْهُ الحَنَابِلَة.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الفَرْغَانِي: تَمَّ مِنْ كُتُبِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ كِتَاب (التَّفْسِيْر) الَّذِي لَوِ ادَّعَى عَالِمٌ أَنْ يصَنِّف مِنْهُ عَشْرَة كُتُبْ، كُلُّ كِتَابٍ مِنْهَا يَحْتوِي عَلَى عِلْمٍ مفرَد مستقصَىً لفعل.
وَتَمَّ مِنْ كُتُبِهِ كِتَاب (التَّارِيْخ) إِلَى عصره، وَتمَّ أَيْضاً كِتَاب (تَارِيْخ الرِّجَال) مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ، وَإِلَى شُيُوْخه الَّذِيْنَ لَقِيَهُم، وَتمَّ لَهُ كِتَاب (لطيف القَوْل فِي أَحْكَام شرَائِع الإِسْلاَم) وَهُوَ مَذْهَبُهُ الَّذِي اختَاره، وَجَوَّدَهُ، وَاحتجَّ لَهُ، وَهُوَ ثَلاَثَةٌ وَثَمَانُوْنَ كِتَاباً، وَتمَّ لَهُ كِتَاب (القرَاءات وَالتنَزِيْل وَالعدد) ، وَتمَّ لَهُ كِتَاب (اخْتِلاَف عُلَمَاء الأَمصَار) ، وَتم لَهُ كِتَاب (الخَفِيْف فِي أَحْكَام شرَائِع الإِسْلاَم) وَهُوَ مُخْتَصَر لطيف، وَتمَّ لَهُ كِتَاب (التبصير) وَهُوَ رسَالَةٌ إِلَى أَهْل طَبَرِسْتَان، يشرحُ فِيْهَا مَا تقلَّده مِنْ أُصُوْل الدِّيْنِ، وَابتدأَ بِتَصْنِيف كِتَاب (تَهْذِيْب الآثَار) وَهُوَ مِنْ عجَائِب كتبه، ابْتِدَاء بِمَا أَسنده الصِّدِّيقُ مِمَّا صَحَّ عِنْدَهُ سَنَدُهُ، وَتكلَّم عَلَى كُلِّ حَدِيْثٍ مِنْهُ بِعِلَلِهِ وَطُرُقه، ثُمَّ فِقْهه، وَاخْتِلاَف العُلَمَاء وَحججهُم، وَمَا فِيْهِ مِنَ المَعَانِي وَالغَريب، وَالرَّدّ عَلَى المُلْحِدين، فَتَمَّ مِنْهُ مسندُ العشرَةِ وَأَهْل البَيْت وَالموَالِي، وَبَعْض (مُسْند ابْن عَبَّاسٍ) ، فَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِه.
قُلْتُ: هَذَا لَوْ تمَّ لكَانَ يَجِيْءُ فِي مائَة مُجَلَّد.
قَالَ: وَابتدأَ بِكِتَابه (البَسيط) فَخَرَجَ مِنْهُ كِتَاب (الطهَارَة) فَجَاءَ فِي نَحْوٍ مِنْ أَلفٍ وَخَمْسِ مائَة وَرقَة، لأَنَّه ذكرَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْهُ اخْتِلاَفَ الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِيْنَ، وَحجَّة كُلِّ قَوْل، وَخَرَجَ مِنْهُ أَيْضاً أَكْثَر كِتَاب الصَّلاَة، وَخَرَجَ مِنْهُ آدَاب الْحُكَّام.وَكِتَاب (المحَاضِر وَالسجلاَت) ، وَكِتَاب (تَرْتِيْب العُلَمَاء) وَهُوَ مِنْ كتبه النفيسَة، ابتدأَه بآدَاب النُّفُوْسِ وَأَقوَال الصُّوْفِيَّة، وَلَمْ يُتِمَّه، وَكِتَاب (المنَاسك) ، وَكِتَاب (شَرْح السُّنَّة) وَهُوَ لطيف، بَيَّنَ فِيْهِ مذهَبَه وَاعْتِقَادَه، وَكِتَابه (المُسْنَد) المخرَّج، يَأْتِي فِيْهِ عَلَى جَمِيْعِ مَا رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ مِنْ صَحِيْحٍ وَسقيمٍ، وَلَمْ يُتِمَّه، وَلَمَّا بلغه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ تَكَلَّمَ فِي حَدِيْث غَدِيْر خُمّ، عَمل كِتَاب (الفَضَائِل) فَبدأَ بِفضل أَبِي بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَر، وَتكلَّم عَلَى تَصْحِيْحِ حَدِيْث غَدِير خُمّ، وَاحتجَّ لِتَصْحِيْحِهِ، وَلَمْ يتمَّ الكِتَاب.
وَكَانَ مِمَّنْ لاَ تَأْخُذُه فِي اللهِ لومَةُ لاَئِم مَعَ عَظِيْم مَا يلحَقُه مِنَ الأَذَى وَالشَّنَاعَات، مِنْ جَاهِل، وَحَاسد، وَمُلحد، فَأَمَّا أَهْلُ الدِّين وَالعِلْم، فغيرُ منكرينَ علمَه، وَزهدَه فِي الدُّنْيَا، وَرفضَهُ لَهَا، وَقنَاعته - رَحِمَهُ اللهُ - بِمَا كَانَ يردُ عَلَيْهِ مِنْ حصَّةٍ مِنْ ضَيعَةٍ خلَّفهَا لَهُ أَبُوْهُ بطَبَرِسْتَان يَسِيْرَة.
وَحَدَّثَنِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: اسْتخرتُ اللهَ وَسأَلتهُ العُوْنَ عَلَى مَا نويتُهُ مِنْ تصنيفِ التَّفْسِيْر قَبْلَ أَنْ أَعْمَلَهُ ثَلاَث سِنِيْنَ، فَأَعَاننِي.
القَاضِي أَبُو عَبْدِ اللهِ القُضَاعِي: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ نَصْرٍ بن الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ عبيدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ السِّمْسَار، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ عَقِيْلٍ الوَرَّاق:
أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الطَّبرِيَّ قَالَ لأَصْحَابِهِ: هَلْ تَنْشَطُوْنَ لتَارِيْخِ العَالَمْ مِنْ آدم إِلَى وَقْتِنَا؟
قَالُوا: كم قدرُه؟
فَذكر نَحْو ثَلاَثِيْنَ أَلفِ وَرقَة، فَقَالُوا: هَذَا مِمَّا تَفْنَى
الأَعْمَارُ قَبْل تمَامِه!فَقَالَ: إِنَّا للهِ! مَاتَتِ الهِمَم.
فَاختصرَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ ثَلاَثَةِ آلاَفِ وَرقَة، وَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يُمْلِي التَّفْسِيْرَ قَالَ لَهُم نَحْواً مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَملاَهُ عَلَى نَحْوٍ مِنْ قدر (التَّارِيْخ) .
قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ القَاضِي: أَرْبَعَةٌ كُنْتُ أُحِبُّ بَقَاءهُم: أَبُو جَعْفَرٍ بنُ جَرِيْرٍ، وَالبَرْبَرِي، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، وَالمَعْمَرِيّ، فَمَا رَأَيْتُ أَفهَمَ مِنْهُم وَلاَ أَحْفَظ.
قَالَ الفَرغَانِي: وَحَدَّثَنِي هَارُوْنُ بنُ عَبْدِ العَزِيْز: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيّ: أَظهرتُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيّ، وَاقتديتُ بِهِ بِبَغْدَادَ عشرَ سِنِيْنَ، وَتلقَّاهُ مِنِّي ابْنُ بَشَّار الأَحْوَل أُسْتَاذ ابْنِ سُرَيْج.
قَالَ هَارُوْنُ: فَلَمَّا اتَّسَعَ علمُه أَدَّاهُ اجْتِهَادُه وَبحثُه إِلَى مَا اختَارَهُ فِي كُتُبِهِ.
قَالَ الفرغَانِي: وَكَتَبَ إِلَيَّ المرَاغِي، قَالَ: لَمَّا تقلَّد الخَاقَانِيُّ الوِزَارَةَ وَجَّهَ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِي بِمَالٍ كَثِيْرٍ، فَامْتَنَعَ مِنْ قَبُوله، فَعَرض عَلَيْهِ القَضَاء فَامْتَنَعَ، فَعَرض عَلَيْهِ المَظَالِم فَأَبَى، فَعَاتبه أَصْحَابه وَقَالُوا: لَكَ فِي هَذَا ثَوَاب، وَتُحْيِي سُنَّةً قَدْ دَرَسَتْ.
وَطمعُوا فِي قَبُوله المَظَالِم، فَبَاكروهُ لِيَرْكَبَ مَعَهُم لقبُول ذَلِكَ، فَانتَهَرَهُم وَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ أَنِّي لَوْ رغبتُ فِي ذَلِكَ لَنَهَيْتُمُونِي عَنْهُ.
قَالَ: فَانْصَرَفْنَا خَجِلين.
أَبُو الفَتْح بنُ أَبِي الفَوَارِس: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سَهْلِ ابْنِ الإِمَامِ - صَاحِبِ مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ -:
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ جَرِيْر وَهُوَ يُكَلِّم ابْنَ صَالِحٍ الأَعْلَم، وَجرَى ذكر عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ: مَنْ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعمر ليسَا بِإِمَامِي هدَىً، أَيش هُوَ؟
قَالَ: مبتَدع.
فَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ إِنكَاراً عَلَيْهِ: مُبْتَدِعٌ مُبْتَدِعٌ! هَذَا يُقْتَل.
وَقَالَ مخلدُ البَاقَرحِي: أَنشدنَا مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ لِنَفْسِهِ:
إِذَا أَعْسَرْتُ لَمْ يَعْلَمْ رَفِيْقِي ... وَأَسْتَغْنِي فَيَسْتَغْنِي صَدِيْقِيحَيَائِي حَافِظٌ لِي مَاءَ وَجْهِي ... وَرِفْقِي فِي مُطَالَبَتِي رَفِيْقِي
وَلَوْ أَنِّي سَمَحْتُ بِمَاءِ وَجْهِي ... لكُنْتُ إِلَى العُلَى سَهْلَ الطَّرِيْقِ
وَله:
خُلْقَانِ لاَ أَرْضَى فَعَالَهُمَا ... بَطَرُ الغِنَى وَمَذَلَّةُ الفَقْرِ
فَإِذَا غَنِيْتَ فَلاَ تَكُنْ بَطِراً ... وَإِذَا افْتَقَرْتَ فَتِهْ عَلَى الدَّهْرِ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الفَرْغَانِي: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيّ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ وَقتُ صَلاَة الظُّهر مَنْ يَوْم الاثْنَيْنِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيْهِ - فِي آخِره - ابْنُ جَرِيْرٍ طلبَ مَاءً لِيُجَدِّدَ وُضوءهُ، فَقِيْلَ لَهُ: تُؤخِّر الظُّهر تجمع بينهَا وَبَيْنَ العَصْر.
فَأَبَى وَصَلَّى الظُّهر مفردَة، وَالعصرَ فِي وَقتهَا أَتمَّ صَلاَة وَأَحسَنَهَا.
وحضرَ وَقتَ مَوْتِه جَمَاعَةٌ مِنْهُم: أَبُو بَكْرٍ بنُ كَامِلٍ فَقِيْلَ لَهُ قَبْلَ خُرُوْج روحه: يَا أَبَا جَعْفَرٍ! أَنْتَ الحجَّة فِيْمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الله فِيْمَا نَدِينُ بِهِ، فَهَلْ مِنْ شَيْءٍ توصينَا بِهِ مِنْ أَمر دِيْنِنَا، وَبيِّنَةٍ لَنَا نَرْجُو بِهَا السَّلاَمَة فِي مَعَادِنَا؟
فَقَالَ: الَّذِي أَدينُ اللهَ بِهِ وَأَوصِيْكُم هُوَ مَا ثَبَّتُّ فِي كُتُبِي، فَاعمَلُوا بِهِ وَعَلَيْهِ.
وَكَلاَماً هَذَا مَعْنَاهُ، وَأَكْثَرَ مِنَ التشهّد وَذَكَرَ الله - عَزَّ وَجَلَّ - وَمسحَ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَغَمَّضَ بصَرَهُ بِيَدِهِ، وَبَسَطَهَا وَقَدْ فَارقَتْ روحُهُ الدُّنْيَا.
وَكَانَ مَوْلِدُهُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَمائَتَيْنِ، وَرَحَلَ مِنْ آمُل لمَّا تَرَعْرَعَ وَحفِظَ القُرْآن، وَسمحَ لَهُ أَبُوْهُ فِي أَسفَاره، وَكَانَ طول حيَاتِهِ يمدُّه بِالشَّيْءِ بَعْد
الشَّيْءِ إِلَى البلدَان، فيقتَات بِهِ، وَيَقُوْلُ فِيْمَا سَمِعْتُه: أَبطأَتْ عَنِّي نفقَةُ وَالدِي، وَاضطُرِرْتُ إِلَى أَنْ فتقتُ كُمَّيْ قَمِيصي فَبِعْتُهُمَا.قُلْتُ: جمع طرق حَدِيْث: غَدِيْر خُمّ، فِي أَرْبَعَةِ أَجزَاء، رَأَيْتُ شَطْرَهُ، فَبهَرَنِي سَعَةُ رِوَايَاته، وَجزمتُ بِوُقُوع ذَلِكَ.
قيل لاِبْنِ جَرِيْرٍ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ يُمْلِي فِي مَنَاقِب عليّ.
فَقَالَ: تكبيرَة مِنْ حَارس.
وَقَدْ وَقَعَ بَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ وَبَيْنَ ابْن أَبِي دَاوُدَ، وَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لاَ يُنْصِفُ الآخر، وَكَانَتِ الحَنَابِلَةُ حزبَ أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ، فكَثُرُوا وَشَغَّبُوا عَلَى ابْنِ جَرِيْرٍ، وَنَاله أَذَىً، وَلَزِمَ بيتَه، نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الهوَى.
وَكَانَ ابْنُ جَرِيْرٍ مِنْ رِجَال الكَمَال، وَشُنِّعَ عَلَيْهِ بِيَسِيْر تشيُّع، وَمَا رأَينَا إِلاَّ الخَيْر، وَبَعْضُهُم ينْقل عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُجِيز مسحَ الرِّجْلَيْن فِي الْوضُوء، وَلَمْ نَرَ ذَلِكَ فِي كُتُبِه.
وَلأَبِي جَعْفَرٍ فِي تآلِيفه عبارَةٌ وَبلاغَة، فَمِمَّا قَاله فِي كِتَاب (الآدَاب النفيسَة وَالأَخلاَق الحمِيدَة) :القَوْلُ فِي البيَان عَنِ الحَال الَّذِي يَجِبُ عَلَى العَبْد مرَاعَاةُ حَاله فِيْمَا يَصْدُرُ مِنْ عَمَله للهِ عَنْ نَفْسِه، قَالَ: إِنَّهُ لاَ حَالَةَ مِنْ أَحْوَال المُؤْمِن يَغْفُلُ عدُوُّهُ المُوكلُ بِهِ عَنْ دُعَائِه إِلَى سَبِيلهُ، وَالقُعُود لَهُ رَصَداً بِطرق رَبِّهِ المُسْتقيمَة، صَادّاً لَهُ عَنْهَا، كَمَا قَالَ لربِّه - عزَّ ذِكْرُهُ - إِذْ جَعَلَهُ مِنَ المُنْظَرين: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُسْتَقِيْمْ ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيْهِمْ وَمِنْ خَلْفِهم} [الأَعرَاف:16، 17] طَمَعاً مِنْهُ فِي تَصْدِيْقِ ظَنَّهِ عَلَيْهِ إِذْ قَالَ لربِّه: {لَئِنْ أَخَّرْتَنِي إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَتَهُ إِلاَّ قَلِيْلاً} [الإِسرَاء:62] فَحَقٌ عَلَى كُلِّ ذِي حِجَىً أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ فِي تَكْذِيب ظَنَّهِ، وَتَخْييْبِهِ مِنْهُ أَمَلَهُ وَسَعْيِهِ فِيْمَا أَرْغَمَهُ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ فِعل العَبْد أَبلغُ فِي مكروهِهِ مِنْ طَاعته رَبّهُ، وَعِصْيَانِهِ أَمرَه، وَلاَ شَيْءَ أَسَرُّ إِلَيْهِ مِنْ عِصْيَانِهِ رَبّهُ، وَاتِّبَاعِه أَمرَه.
فَكلامُ أَبِي جَعْفَرٍ مِنْ هَذَا النَّمط، وَهُوَ كَثِيْرٌ مُفِيْد.وَقَدْ حَكَى أَبُو عَلِيٍّ التَّنُوْخِيّ فِي (النشوَار) لَهُ، عَنْ عُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ السُّلَمِيّ، قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ منجو القَائِد قَالَ: حَدَّثَنِي غُلاَمٌ لاِبْنِ المزوّق، قَالَ:
اشْتَرَى مَوْلاَيَ جَارِيَة، فَزَوَّجَنِيْهَا، فَأَحْبَبْتُهَا وَأَبْغَضَتْنِي حَتَّى ضَجِرْتُ، فَقُلْتُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقُ ثَلاَثاً، لاَ تُخَاطِبِيْنِي بِشَيْءٍ إِلاَّ قُلْتُ لَكِ مثلَه، فَكَم أَحتملُكِ؟
فَقَالَتْ فِي الحَال: أَنْتَ طَالِقٌ ثَلاَثاً فَأُبْلِسْتُ، فَدُلِلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ، فَقَالَ لِي: أَقِمْ مَعَهَا بَعْدَ أَنْ تَقُولُ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً إِنْ طَلَّقْتُكِ.
فَاسْتَحْسَنَ هَذَا الجَوَاب.
وَذكرَهُ شَيْخُ الحَنَابِلَة ابْنُ عَقِيْلٍ، وَقَالَ: وَلَهُ جَوَابٌ آخر: أَنْ يَقُوْلَ كَقَوْلِها سوَاء: أَنْتَ طَالِقٌ ثَلاَثاً - بِفَتْح التَّاء - فَلاَ يَحْنَث.
وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ: وَمَا كَانَ يلزمُهُ أَنْ يَقُوْلَ لَهَا ذَاكَ عَلَى الْفَوْر، فَلَهُ التَّمَادِي إِلَى قَبْلِ المَوْت.
قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً، وَقَصَدَ الاسْتفهَام أَوْ عَنَى أَنَّهَا طَالِقٌ مِنْ وَثَاق، أَوْ عَنَى الطَّلْقَ لَمْ يَقَعْ طلاَقٌ فِي بَاطِن الأَمْر.
وَله جَوَابٌ آخر عَلَى قَاعدَة مُرَاعَاة سَبَب اليَمِين وَنيَّة الحَالف، فَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُوْلَ لَهَا مَا قَالَتْهُ، إِذْ مِنَ المَعْلُوْم بِقَرِيْنَةِ الحَال اسْتثنَاءُ ذَلِكَ قطعاً، لأَنَّه مَا قَصَدَ إِلاَّ أَنَّهَا إِذَا قَالَتْ لَهُ مَا يُؤذيه أَنْ يُؤذيهَا بِمِثْلِهِ، وَلَوْ جَاوبهَا بِالطَّلاَقِ لَسُرَّتْ هِيَ، وَلتَأَذَّى هُوَ، كَمَا اسْتُثْنِي مِنْ عُموم قَوْله تَعَالَى: {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النَّمْل:23] بقرينَة الحَال أَنَّهَا لَمْ تُؤْتَ لِحْيَةً لاَ إِحليلاً.
وَمِنَ المَعْلُوْم اسْتثنَاؤُهُ بِالضَّرورَة الَّتِي لَمْ يَقْصِدْهَا الحَالفُ قَطُّ لَوْ حلف: لاَ تقولِي لِي شَيْئاً إِلاَّ قُلْتُ لَكِ مثلَه، أَنَّهَا لَوْ كَفَرَتْ وَسَبَّتِ الأَنْبِيَاءَ فَلَمْ يُجَاوِبْهَا بِمثلِ ذَلِكَ لأَحسنَ.
ثمَّ يَقُوْلُ طَائِفَةٌ مِنَ الفُقَهَاء: إِنَّهُ لَمْ يَحْنَثْ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ - وَالعيَاذُ بِاللهِ -
قَصَدَ دُخُوْلَ ذَلِكَ فِي يمِينِهِ.وَأَمَّا عَلَى مَذْهَب دَاوُدَ بنِ عَلِيٍّ، وَابْنِ حَزْمٍ، وَالشِّيْعَة، وَغَيْرهم، فَلاَ شَيْء عَلَيْهِ، وَرأَوا الحلفَ وَالأَيْمَان بِالطَّلاَق مِنْ أَيْمَان اللَّغْوِ، وَأَنَّ اليَمِين لاَ تنعقدُ إِلاَّ بِاللهِ.
وذهبَ إِمَامٌ فِي زَمَانِنَا إِلَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى حضٍّ أَوْ مَنْعٍ بِالطَّلاَق، أَوِ العِتَاق، أَوِ الحَجِّ وَنحو ذَلِكَ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يمِين، وَلاَ طلاَقَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي كِتَاب (التبصير فِي معَالِم الدِّيْنِ) :القَوْل فِيْمَا أُدْرِكَ علمُهُ مِنَ الصِّفَات خَبراً، وَذَلِكَ نَحْو إِخبارِهِ تَعَالَى أَنَّهُ سَمِيعٌ بَصِيْرٌ، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِقَوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المَائِدَة:64] وَأَنَّ لَهُ وَجْهاً بِقَوله: {وَيَبْقَى وَجْهَ رَبِّكَ} [الرَّحْمَن:27] وَأَنَّهُ يَضْحَكُ بِقَوله فِي الحَدِيْثِ: (لَقِيَ اللهَ وَهُوَ يَضْحَكُ إِلَيْهِ ) ، وَ (أَنَّهُ يَنْزِلُ إِلَى سمَاء الدُّنْيَا) لخبرِ رَسُوْلِهِ بِذَلِكَ، وَقَالَ
عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (مَا مِنْ قَلْبٍ إِلاَّ وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَن ) .إِلَى أَنْ قَالَ: فَإِنَّ هَذِهِ المَعَانِي الَّتِي وُصفت وَنظَائِرهَا مِمَّا وَصَفَ اللهُ نَفْسهُ وَرَسُوْلُه مَا لاَ يَثْبُتُ حَقِيْقَةُ عِلْمِهِ بِالفِكر وَالرَّويَّة، لاَ نُكَفِّرُ بِالجَهْل بِهَا أَحَداً إِلاَّ بَعْد انتهَائِهَا إِلَيْهِ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ: أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمنَاء الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ الأَسَدِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو القَاسِمِ بنُ أَبِي العَلاَءِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي نَصْرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيْدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ مُسْتَمْلِي ابْنِ جَرِيْرٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بنُ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيُّ بِعَقِيدَتِهِ، فَمِنْ ذَلِكَ: وَحَسْبُ امرِئٍ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ رَبّهُ هُوَ الَّذِي عَلَى الْعَرْش اسْتوَى، فَمَنْ تجَاوَزَ ذَلِكَ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ.
وَهَذَا (تَفْسِيْر) هَذَا الإِمَام مشحونٌ فِي آيَات الصِّفَاتِ بِأَقوَالِ السَّلَفِ عَلَى الإِثْبَات لَهَا، لاَ عَلَى النَّفِي وَالتَّأْوِيْل، وَأَنَّهَا لاَ تُشْبِهُ صِفَاتِ المَخْلُوْقينَ أَبَداً.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، أَخْبَرَنَا المُسْلِمُ بنُ أَحْمَدَ المَازِنِيّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ بِبَعْلَبَكَّ سَنَة إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَة، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَافِظ، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الحَسَنِ هِبَةِ اللهِ بنِ الحَسَنِ الأَدِيْب لاِبْنِ دُرَيْد.
قُلْتُ: يَرْثِي ابْنَ جَرِيْر:
لَنْ تَسْتَطِيْعَ لأَمْرِ اللهِ تَعْقِيْبَا ... فَاسْتَنْجِدِ الصَّبْرَ أَوْ فَاسْتَشْعِرِ الحُوْبَا
وَافْزَعْ إِلَى كَنَفِ التَّسْلِيم وَارْضَ بِمَا ... قَضَى المُهَيْمِنُ مَكْرُوْهَا وَمَحْبُوبَا
إِنَّ الرَّزِيَّة لاَوَفْرٌ تُزَعْزِعُهُ ... أَيْدِي الحَوَادِثِ تَشْتِيْتاً وَتَشْذِيْبَا
وَلاَ تفرُّق أُلاَّفٍ يَفُوْتُ بِهِم ... بَيْنٌ يُغَادِرُ حَبْلَ الوَصْلِ مَقْضُوبَالَكِنَّ فِقْدَانَ مَنْ أَضحَى بِمَصْرَعِهِ ... نُوْرُ الهُدَى وَبهَاءُ العِلْمِ مَسْلُوْبَا
إِنَّ المنيَّةَ لَمْ تُتْلِفْ بِهِ رَجُلاً ... بَلْ أَتْلَفَتْ عَلَماً لِلدِّيْنِ مَنْصُوبَا
أَهْدَى الرَّدَى للثَّرَى إِذْ نَالَ مُهْجَتَهُ ... نَجْماً عَلَى مَنْ يُعَادِي الحَقَّ مَصْبُوبَا
كَانَ الزَّمَانُ بِهِ تَصْفُو مَشَارِبُهُ ... فَالآنَ أَصْبَحَ بِالتَّكْدِيْرِ مَقْطُوبَا
كَلاَّ وَأَيَّامُهُ الغُرُّ الَّتِي جَعَلَتْ ... لِلْعِلْمِ نُوْراً وَلِلتَّقْوَى مَحَارِيْبَا
لاَ يَنْسَرِي الدَّهْرُ عَنْ شِبْهٍ لَهُ أَبَداً ... مَا اسْتَوْقَفَ الحَجُّ بِالأَنصَابِ أُرْكُوبَا
إِذَا انتَضَى الرَّأْي فِي إِيضَاحِ مُشْكِلَةٍ ... أَعَادَ مَنْهَجَهَا المَطْمُوْسَ مَلْحُوبَا
لاَ يُوْلِجُ اللَّغْو وَالعَوْرَاء مَسْمَعَهُ ... وَلاَ يُقَارِفُ مَا يُغْشِيْهِ تَأْنِيْبَا
تَجْلُو مَوَاعِظُهُ رَيْنَ القُلُوبِ كَمَا ... يَجْلُو ضِيَاءَ سَنَا الصُّبْحِ الغَيَاهِيْبَا
لاَ يَأْمَنُ العَجْزَ وَالتَّقْصِيْرَ مَادِحُهُ ... وَلاَ يَخَافُ عَلَى الإِطنَابِ تَكْذِيْبَا
وَدَّتْ بِقَاعُ بِلاَدِ اللهِ لَوْ جُعِلَتْ ... قَبْراً لَهُ لَحَبَاهَا جِسْمُهُ طِيْبَا
كَانَتْ حَيَاتُكَ لِلدُّنْيَا وَسَاكِنِهَا ... نُوْراً فَأَصْبَحَ عَنْهَا النُّوْرُ مَحْجُوْبَا
لَوْ تَعْلَمُ الأَرْضُ مَنْ وَارَتْ لَقَدْ خَشَعَتْ ... أَقْطَارُهَا لَكَ إِجلاَلاً وَتَرْحِيْبَا
إِنْ يَنْدِبُوْكَ فَقَدْ ثُلَّتْ عُرُوْشُهُمُ ... وَأَصْبَحَ العِلْمُ مَرْثِياً وَمَنْدُوبَا
وَمِنْ أَعَاجِيْبِ مَا جَاءَ الزَّمَانُ بِهِ ... وَقَدْ يُبِيْنُ لَنَا الدَّهْرُ الأَعَاجِيْبَا
أَنْ قَدْ طَوَتْكَ غُمُوْضُ الأَرْضِ فِي لِحفٍ ... وَكُنْتَ تَمْلأُ مِنْهَا السَّهْلَ وَاللُّوبَا قَالَ أَحْمَدُ بنُ كَامِلٍ: تُوُفِّيَ ابْنُ جَرِيْرٍ عَشِيَّة الأَحَدِ لِيَوْمَيْنِ بَقِيَا مِنْ شَوَّال سَنَةَ عَشْرٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَدُفِنَ فِي دَارهِ بِرَحْبَةِ يَعْقُوْب - يَعْنِي: بِبَغْدَادَ -.
قَالَ: وَلَمْ يُغَيِّر شَيْبَه، وَكَانَ السَّوَادُ فِيْهِ كَثِيْراً، وَكَانَ أَسمر إِلَى الأُدْمَةِ، أَعْيَنَ، نَحِيْفَ الجِسْمِ، طَوِيْلاً، فَصِيْحاً، وَشَيَّعَهُ مَنْ لاَ يُحْصِيْهُم إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، وَصُلِّيَ عَلَى قَبْره عِدَّة شهورٍ ليلاً وَنهَاراً إِلَى أَنْ قَالَ: وَرثَاهُ خلقٌ مِنَ الأَدباء وَأَهْل الدِّين، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَبِي سَعِيْدٍ بن الأَعْرَابِيّ:
حَدَثٌ مُفْظِعٌ وَخَطْبٌ جَلِيْلٌ ... دَقَّ عَنْ مِثْلِهِ اصْطِبَارُ الصَّبُورِ
قَامَ نَاعِي العُلُومِ أَجْمَعِ لمَّا ... قَامَ نَاعِي مُحَمَّدِ بنِ جَرِيْرٍ