مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ بن البراء بن سبرة بن سيار، أبو بكر التميمي، قاضى الموصل، يعرف بابن الجعابي :
حدث عن عبد الله بْن مُحَمَّد بْن البختري الحنائي، ومُحَمَّد بْن الحسن بن سماعه الحضرمي، ومحمد بن يحيى المروزي، ويوسف بن يعقوب القاضي، وأبي خليفة الفضل بن الحباب، ومحمد بن جعفر القتات، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن زياد الرازي، ومحمد بْن إسماعيل العطار، وجعفر الفريابي، وإبراهيم بن علي المعمري، والهيثم بن خلف الدوري، ومحمد بن سهل العطار، ومحمود بن محمد الواسطي، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الدِّينَوَرِيُّ، وأحمد بن الحسن الصوفي، وخلق كثير من أمثالهم.
وكان أحد الحفاظ الموجودين. صحب أبا العباس بن عقدة وعنه أخذ الحفظ، وله تصانيف كثيرة في الأبواب والشيوخ، ومعرفة الإخوة والأخوات، وتواريخ
الأمصار. وكان كثير الغرائب، ومذهبه في التشيع معروف، وكان يسكن بعض سكك باب البصرة.
روى عنه الدارقطني، وابن شاهين. وَحَدَّثَنَا عنه أَبُو الْحَسَن بْن رزقويه، وابن الفضل القطان، وعلي بن أحمد بن عمر المقرئ، وعلي بن أحمد الرزاز، ومحمد بن طلحة الثعالبي، وأبو نعيم الحافظ، وأبو سعيد بن حسنويه الأصبهاني، وغيرهم.
حَدَّثَنَا الحسين بن علي الصيمري قَالَ: سمعت أبا عبد الله بن الأبنوسي يقول:
سمعت القاضي أبا بكر الجعابي يقول: مولدي في صفر سنة أربع وثمانين، لست أو سبع بقين منه.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن يعقوب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد النيسابوري قَالَ: سمعتُ أَبَا علي الحافظ يَقُولُ: ما رأيت في المشايخ أحفظ من عبدان، ولا رأيت احفظ لحديث أهل الكوفة من أبي العباس بن عقدة، ولا رأيت في أصحابنا أحفظ من أبي بكر بن الجعابي، وذاك أني حسبت أبا بكر من البغداديين الذين يحفظون شيخا واحدا، أو ترجمة واحدة أو بابا واحدا، فقال لي أبو إسحاق بن حمزة يوما: يا أبا علي لا تغلط في أبي بكر بن الجعابي، فإنه يحفظ حديثا كثيرا، فخرجنا يوما من عند أبي محمد بن صاعد وهو يسايرني وقد توجهنا إلى طريق بعيد فقلنا له: يا أبا بكر أيش أسند الثوري عن منصور؟ فمر في الترجمة، فقلت له: أيش عند أيوب السختياني عن الحسن؟ فمر فيه، فما زلت أجره من حديث مصر، إلى الشام، إلى العراق إلى أفراد الخراسانيين، وهو يجيب. فقلت له: أيش روى الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأبي سعيد بالشركة؟ فأخذ يسرد هذه الترجمة حتى ذكر بضعة عشر حديثا، فحيرني حفظه.
قال محمد بن عبد الله: فسمعت أبا بكر بن الجعابي عند منصرفه من حلب وأنا ببغداد يذكر فضل أبي علي وحفظه، فحكيت له هذه الحكاية. فقال: يقول هذا القول وهو أستاذي على الحقيقة. قلت: حسب ابن الجعابي شهادة أبي علي له أنه لم ير في البغداديين أحفظ منه. وقد رأى يحيى بن صاعد، وأبا طالب أحمد بن نصر، وأبا بَكْرٍ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن زِيَادٍ النيسابوري، وعامة أهل ذلك العصر. وكان أبو علي قد انتهى إليه الحفظ عن الخراسانيين، مع اشتهاره بالورع والديانة، والصدق والأمانة، وأما أبو إسحاق بن حمزة فمحله عند الأصبهانيين يفوق على كل من عاصره.
ولقد حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ علي السوذرجاني بأصبهان قَالَ:
سمعت أبا عبد الله بن مندة يقول: كتبت عن ألف شيخ لم أر فيهم أحفظ من إبراهيم ابن حمزة.
حَدَّثَنِي أبو الوليد الْحَسَن بن مُحَمَّد الدربندي من أصل كتابه قَالَ: سمعت محمد ابن الحسين بن الفضل القطان يقول: سمعت أبا بكر بن الجعابي يقول: دخلت الرقة فكان لي ثم قمطران كتبا . فأنفذت غلامي إلى ذلك الرجل الذي كتبي عنده، فرجع الغلام مغموما فقال: ضاعت الكتب. فقلت: يا بني لا تغتم فإن فيها مائتي ألف حديث لا يشكل على منها حديث، لا إسنادا ولا متنا .
حَدَّثَنَا علي بن أبي علي المعدل، عن أبيه. قَالَ: ما شاهدنا أحفظ من أبي بكر بن الجعابيّ. وسمعت من يقول إنه يحفظ مائتي ألف حديث، ويجيب في مثلها، إلا أنه كان يفضل الحفاظ، فإنه كان يسوق المتون بألفاظها، وأكثر الحفاظ يتسامحون في ذلك وإن اثبتوا المتن، وإلا ذكروا لفظة منه أو طرفا، وقالوا: وذكر الحديث. وكان يزيد عليهم بحفظه المقطوع والمرسل والحكايات والأخبار، ولعله كان يحفظ من هذا قريبًا مما يحفظ من الحديث المسند الذي يتفاخر الحفاظ بحفظه. وكان إماما في المعرفة بعلل الحديث، وثقات الرجال من معتليهم وضعفائهم وأسمائهم وأنسابهم؛ وكناهم ومواليدهم، وأوقات وفاتهم، ومذاهبهم، وما يطعن به على كل واحد، وما يوصف به من السداد، وكان في آخر عمره قد انتهى هذا العلم إليه. حتى لم يبق في زمانه من يتقدمه فيه في الدنيا .
حَدَّثَنِي رَفِيقِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْغَالِبِ الضَّرَّابُ قَالَ: سمعت أبا الْحَسَن بْن رزقويه يقول: كان ابن الجعابي يملي مجلسه فتمتلئ السكة التي يملي فيها والطريق، ويحضره ابن مظفر، والدارقطني، ولم يكن الجعابي يملي الأحاديث كلها بطرقها إلا من حفظه.
حَدَّثَنِي الحسن بن محمّد بن الأشقر البلخي قَالَ: سمعت القاضي أبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي غير مرة يقول: سمعت الجعابيّ يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث، وأذاكر بستمائة ألف حديث .
أخبرنا محمّد بن أحمد بن يعقوب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد النيسابوري- وذكر ابن الجعابي- فقال: سمعتُ أَبَا علي الحافظ يَقُولُ: ما رأيتُ من البغداديين احفظ منه. وَقَالَ أيضا: سمعت أبا علي يقول: ما رأينا من أصحابنا أحرص على العلم من أبي بكر الجعابي، ذاكرته بأحاديث لعبد الله بن محمد الدينوري. فقال: يا أبا علي صاحبك ما انتخبت عليه من حديثه؟ قلت: نعم فاستعارها مني فأعرته إياها، فتخلف عن المجلس أياما فسالت عنه فقالوا: قد خرج فما كان إلا بعد أيام حتى جاء فسئل عن غيبته فقال: إن أبا علي ذكر لي عن عبد الله بن وهب الدينوري أحاديث لم أصبر عنها فخرجت إلى الدينور وسمعتها وانصرفت.
ثم قَالَ أبو علي: الذي كان انتخبه أبو بكر بن الجعابي لنفسه عليه كان أحسن من الذي أخذه مني. فسمعت أبا علي يقول: قلت لأبي بكر بن الجعابي: لو دخلت خراسان بعد أن دخلت إلى الدينور؟ فقال: يا أبا علي لقد حدثتني نفسي بهذا وهممت به، فقلت اذهب إلى العجم فلا يفهمون عني ولا افهم عنهم فهذا الذي ردني.
حَدَّثَنِي أبو القاسم الأزهريّ، أَخْبَرَنِي أبو عبد الله بن بكير عن بعض أصحاب الحديث. قَالَ الأزهري وأظنه ابن دران قَالَ: وعد ابن الجعابي أصحاب الحديث يوما يملى فيه، فتعمد ابن مظفر الإملاء في ذلك اليوم وألزمني الحضور عنده ففعلت. ثم انصرفت من المجلس [فلقيني ابن الجعابيّ وقال لي ذهبت إلى ابن المظفر] وتنكبت الطريق التي تؤديك إلى للاستحياء مني؟ فقلت: قد كان ذاك. فقال: كم عدد الأحاديث التي أملاها؟ فقلت: كذا وكذا. فقال: أيما أحب إليك؟ تذكر إسناد كل حديث، وأذكر لك متنه، أو تذكر لي متنه وأذكر لك إسناده. فقلت: بل اذكر المتون. فقال: افعل ذاك. فجعلت أقول له روى حديثا متنه كذا، فيقول: هو عنده عن فلان عن فلان. وأقول أملى حديثا متنه كذا، فيقول: حدثكم به عن فلان عن فلان حتى ذكرت له متون جميع الأحاديث وَأَخْبَرَنِي بأسانيدها كلها. فلم يخطئ في شيء منها. أو كما قَالَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْفَقِيهُ قَالَ: سمعت أبا الحسن الدّارقطنيّ
يقول: الحسن وعلي ابنا صالح بن صالح بن حي وهما أخوان لا ثالث لهما. ثم قَالَ:
وقد غلط ابن الجعابي، فقال: صالح بن صالح هو أخوهما فوافقته، فتبين له أنه أخطأ.
سمعت القاضي أبا القاسم التنوخي يقول: تقلد ابن الجعابي قضاء الموصل فلم يحمد في ولايته.
حَدَّثَنِي عبيد الله بن أبي الفتح، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن محمد الإستراباذي قَالَ:
سمعت أبا القاسم إبراهيم بن إسماعيل المصري بإستراباذ يقول: كنا بأرجان مع الأستاذ الرئيس أبي الفضل بن العميد في مجلس شرابه ومعنا أبو بكر بن الجعابي الحافظ البغدادي يشرب فأتي بكأس بعد ما ثمل قليلا فقال: لا أطيق شربه. فقال الأستاذ الرئيس: ولم ذاك؟ فقال: لما أقوله قال: فقل. فقال:
يا خليلي جنباني الرحيقا ... إنني لست للرحيق مطيقا
فقال الأستاذ، ولم، وهي تجلب الفرح وتنفي الترح؟ فقال:
غير أني وجدت للكأس نارا ... تلهب الجسم والمزاج الرقيقا
فإذا ما جمعتها ومزاجي ... حرقته بناره تحريقا
أنشدني أَبُو القاسم عَبْد الواحد بْن علي الأسدي لأبي الحسن محمد بن عبد الله ابن سكرة الهاشمي في ابن الجعابي:
ابن الجعابي ذو سجايا ... محمودة منه مستطابه
رأى الرّيا والنفاق خطا ... في ذي العصابة وذي العصابه
يعطي الإمام ما اشتهاه ... ويثبت الأمر في القرابه
حتى إذا غاب عنه ... يبيت الأمر في الصحابه
وإن خلا الشيخ بالنصارى ... رأيت سمعان أو مرابه
قد فطن الشيخ للمعاني ... فالغر من لامه وعابه
سألت أبا بكر البرقاني عن أبي الجعابي فقال: حَدَّثَنَا عنه الدارقطني وكان صاحب غرائب، ومذهبه معروف في التشيع. قلت: قد طعن عليه في حديثه وسماعه؟ فقال:
ما سمعت فيه إلا خيرًا.
ذكر أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي أنه سأل أبا الحسن الدارقطني عن ابن الجعابي: هل تكلم فيه إلا بسبب المذهب؟ فقال: خلط.
وهكذا ذكر الحاكم أَبُو عَبْد اللَّه بْن البيع أَنَّهُ ذكر الدارقطني يذكر وَقَالَ أيضا عن أبي الحسن قَالَ لي الثقة من أصحابنا ممن كان يعاشره: أنه كان نائما فكتبت على رجله كتابة، قَالَ: فكنت أراه إلى ثمانية أيام لم يمسه الماء.
حَدَّثَنِي أبو نعيم الأصبهاني. فقال: مات أبو بكر الجعابي ببغداد في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
حَدَّثَنِي الحسن بن أَحْمَد بن عبد الله الصوفي قَالَ: قَالَ لنا علي بن أَحْمَد بن عمر المقرئ: مات أبو بكر بن الجعابيّ الحافظ في نصف رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، ودفن من غد.
حَدَّثَنِي الأزهري: أن ابن الجعابي لما مات صُلِّيَ عليه في جامع المنصور، وحمل إلى مقابر قريش فدفن بها. قَالَ: وكانت سكينة نائحة الرافضة تنوح على جنازته، وكان أوصى بأن تحرق كتبه فأحرق جميعها، وأحرق معها كتب للناس كانت عنده .
قَالَ الأزهري: فحدثني أبو الحسين ابن البواب قَالَ: كان لي عند ابن الجعابي مائة وخمسون جزءا فذهبت في جملة ما أحرق.
حدث عن عبد الله بْن مُحَمَّد بْن البختري الحنائي، ومُحَمَّد بْن الحسن بن سماعه الحضرمي، ومحمد بن يحيى المروزي، ويوسف بن يعقوب القاضي، وأبي خليفة الفضل بن الحباب، ومحمد بن جعفر القتات، ومحمد بْن إِبْرَاهِيم بْن زياد الرازي، ومحمد بْن إسماعيل العطار، وجعفر الفريابي، وإبراهيم بن علي المعمري، والهيثم بن خلف الدوري، ومحمد بن سهل العطار، ومحمود بن محمد الواسطي، وعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبٍ الدِّينَوَرِيُّ، وأحمد بن الحسن الصوفي، وخلق كثير من أمثالهم.
وكان أحد الحفاظ الموجودين. صحب أبا العباس بن عقدة وعنه أخذ الحفظ، وله تصانيف كثيرة في الأبواب والشيوخ، ومعرفة الإخوة والأخوات، وتواريخ
الأمصار. وكان كثير الغرائب، ومذهبه في التشيع معروف، وكان يسكن بعض سكك باب البصرة.
روى عنه الدارقطني، وابن شاهين. وَحَدَّثَنَا عنه أَبُو الْحَسَن بْن رزقويه، وابن الفضل القطان، وعلي بن أحمد بن عمر المقرئ، وعلي بن أحمد الرزاز، ومحمد بن طلحة الثعالبي، وأبو نعيم الحافظ، وأبو سعيد بن حسنويه الأصبهاني، وغيرهم.
حَدَّثَنَا الحسين بن علي الصيمري قَالَ: سمعت أبا عبد الله بن الأبنوسي يقول:
سمعت القاضي أبا بكر الجعابي يقول: مولدي في صفر سنة أربع وثمانين، لست أو سبع بقين منه.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بن أَحْمَد بن يعقوب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد النيسابوري قَالَ: سمعتُ أَبَا علي الحافظ يَقُولُ: ما رأيت في المشايخ أحفظ من عبدان، ولا رأيت احفظ لحديث أهل الكوفة من أبي العباس بن عقدة، ولا رأيت في أصحابنا أحفظ من أبي بكر بن الجعابي، وذاك أني حسبت أبا بكر من البغداديين الذين يحفظون شيخا واحدا، أو ترجمة واحدة أو بابا واحدا، فقال لي أبو إسحاق بن حمزة يوما: يا أبا علي لا تغلط في أبي بكر بن الجعابي، فإنه يحفظ حديثا كثيرا، فخرجنا يوما من عند أبي محمد بن صاعد وهو يسايرني وقد توجهنا إلى طريق بعيد فقلنا له: يا أبا بكر أيش أسند الثوري عن منصور؟ فمر في الترجمة، فقلت له: أيش عند أيوب السختياني عن الحسن؟ فمر فيه، فما زلت أجره من حديث مصر، إلى الشام، إلى العراق إلى أفراد الخراسانيين، وهو يجيب. فقلت له: أيش روى الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأبي سعيد بالشركة؟ فأخذ يسرد هذه الترجمة حتى ذكر بضعة عشر حديثا، فحيرني حفظه.
قال محمد بن عبد الله: فسمعت أبا بكر بن الجعابي عند منصرفه من حلب وأنا ببغداد يذكر فضل أبي علي وحفظه، فحكيت له هذه الحكاية. فقال: يقول هذا القول وهو أستاذي على الحقيقة. قلت: حسب ابن الجعابي شهادة أبي علي له أنه لم ير في البغداديين أحفظ منه. وقد رأى يحيى بن صاعد، وأبا طالب أحمد بن نصر، وأبا بَكْرٍ عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن زِيَادٍ النيسابوري، وعامة أهل ذلك العصر. وكان أبو علي قد انتهى إليه الحفظ عن الخراسانيين، مع اشتهاره بالورع والديانة، والصدق والأمانة، وأما أبو إسحاق بن حمزة فمحله عند الأصبهانيين يفوق على كل من عاصره.
ولقد حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ علي السوذرجاني بأصبهان قَالَ:
سمعت أبا عبد الله بن مندة يقول: كتبت عن ألف شيخ لم أر فيهم أحفظ من إبراهيم ابن حمزة.
حَدَّثَنِي أبو الوليد الْحَسَن بن مُحَمَّد الدربندي من أصل كتابه قَالَ: سمعت محمد ابن الحسين بن الفضل القطان يقول: سمعت أبا بكر بن الجعابي يقول: دخلت الرقة فكان لي ثم قمطران كتبا . فأنفذت غلامي إلى ذلك الرجل الذي كتبي عنده، فرجع الغلام مغموما فقال: ضاعت الكتب. فقلت: يا بني لا تغتم فإن فيها مائتي ألف حديث لا يشكل على منها حديث، لا إسنادا ولا متنا .
حَدَّثَنَا علي بن أبي علي المعدل، عن أبيه. قَالَ: ما شاهدنا أحفظ من أبي بكر بن الجعابيّ. وسمعت من يقول إنه يحفظ مائتي ألف حديث، ويجيب في مثلها، إلا أنه كان يفضل الحفاظ، فإنه كان يسوق المتون بألفاظها، وأكثر الحفاظ يتسامحون في ذلك وإن اثبتوا المتن، وإلا ذكروا لفظة منه أو طرفا، وقالوا: وذكر الحديث. وكان يزيد عليهم بحفظه المقطوع والمرسل والحكايات والأخبار، ولعله كان يحفظ من هذا قريبًا مما يحفظ من الحديث المسند الذي يتفاخر الحفاظ بحفظه. وكان إماما في المعرفة بعلل الحديث، وثقات الرجال من معتليهم وضعفائهم وأسمائهم وأنسابهم؛ وكناهم ومواليدهم، وأوقات وفاتهم، ومذاهبهم، وما يطعن به على كل واحد، وما يوصف به من السداد، وكان في آخر عمره قد انتهى هذا العلم إليه. حتى لم يبق في زمانه من يتقدمه فيه في الدنيا .
حَدَّثَنِي رَفِيقِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْغَالِبِ الضَّرَّابُ قَالَ: سمعت أبا الْحَسَن بْن رزقويه يقول: كان ابن الجعابي يملي مجلسه فتمتلئ السكة التي يملي فيها والطريق، ويحضره ابن مظفر، والدارقطني، ولم يكن الجعابي يملي الأحاديث كلها بطرقها إلا من حفظه.
حَدَّثَنِي الحسن بن محمّد بن الأشقر البلخي قَالَ: سمعت القاضي أبا عمر القاسم بن جعفر الهاشمي غير مرة يقول: سمعت الجعابيّ يقول: أحفظ أربعمائة ألف حديث، وأذاكر بستمائة ألف حديث .
أخبرنا محمّد بن أحمد بن يعقوب، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله بْن مُحَمَّد النيسابوري- وذكر ابن الجعابي- فقال: سمعتُ أَبَا علي الحافظ يَقُولُ: ما رأيتُ من البغداديين احفظ منه. وَقَالَ أيضا: سمعت أبا علي يقول: ما رأينا من أصحابنا أحرص على العلم من أبي بكر الجعابي، ذاكرته بأحاديث لعبد الله بن محمد الدينوري. فقال: يا أبا علي صاحبك ما انتخبت عليه من حديثه؟ قلت: نعم فاستعارها مني فأعرته إياها، فتخلف عن المجلس أياما فسالت عنه فقالوا: قد خرج فما كان إلا بعد أيام حتى جاء فسئل عن غيبته فقال: إن أبا علي ذكر لي عن عبد الله بن وهب الدينوري أحاديث لم أصبر عنها فخرجت إلى الدينور وسمعتها وانصرفت.
ثم قَالَ أبو علي: الذي كان انتخبه أبو بكر بن الجعابي لنفسه عليه كان أحسن من الذي أخذه مني. فسمعت أبا علي يقول: قلت لأبي بكر بن الجعابي: لو دخلت خراسان بعد أن دخلت إلى الدينور؟ فقال: يا أبا علي لقد حدثتني نفسي بهذا وهممت به، فقلت اذهب إلى العجم فلا يفهمون عني ولا افهم عنهم فهذا الذي ردني.
حَدَّثَنِي أبو القاسم الأزهريّ، أَخْبَرَنِي أبو عبد الله بن بكير عن بعض أصحاب الحديث. قَالَ الأزهري وأظنه ابن دران قَالَ: وعد ابن الجعابي أصحاب الحديث يوما يملى فيه، فتعمد ابن مظفر الإملاء في ذلك اليوم وألزمني الحضور عنده ففعلت. ثم انصرفت من المجلس [فلقيني ابن الجعابيّ وقال لي ذهبت إلى ابن المظفر] وتنكبت الطريق التي تؤديك إلى للاستحياء مني؟ فقلت: قد كان ذاك. فقال: كم عدد الأحاديث التي أملاها؟ فقلت: كذا وكذا. فقال: أيما أحب إليك؟ تذكر إسناد كل حديث، وأذكر لك متنه، أو تذكر لي متنه وأذكر لك إسناده. فقلت: بل اذكر المتون. فقال: افعل ذاك. فجعلت أقول له روى حديثا متنه كذا، فيقول: هو عنده عن فلان عن فلان. وأقول أملى حديثا متنه كذا، فيقول: حدثكم به عن فلان عن فلان حتى ذكرت له متون جميع الأحاديث وَأَخْبَرَنِي بأسانيدها كلها. فلم يخطئ في شيء منها. أو كما قَالَ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ غَالِبٍ الْفَقِيهُ قَالَ: سمعت أبا الحسن الدّارقطنيّ
يقول: الحسن وعلي ابنا صالح بن صالح بن حي وهما أخوان لا ثالث لهما. ثم قَالَ:
وقد غلط ابن الجعابي، فقال: صالح بن صالح هو أخوهما فوافقته، فتبين له أنه أخطأ.
سمعت القاضي أبا القاسم التنوخي يقول: تقلد ابن الجعابي قضاء الموصل فلم يحمد في ولايته.
حَدَّثَنِي عبيد الله بن أبي الفتح، حَدَّثَنَا عبد الرحمن بن محمد الإستراباذي قَالَ:
سمعت أبا القاسم إبراهيم بن إسماعيل المصري بإستراباذ يقول: كنا بأرجان مع الأستاذ الرئيس أبي الفضل بن العميد في مجلس شرابه ومعنا أبو بكر بن الجعابي الحافظ البغدادي يشرب فأتي بكأس بعد ما ثمل قليلا فقال: لا أطيق شربه. فقال الأستاذ الرئيس: ولم ذاك؟ فقال: لما أقوله قال: فقل. فقال:
يا خليلي جنباني الرحيقا ... إنني لست للرحيق مطيقا
فقال الأستاذ، ولم، وهي تجلب الفرح وتنفي الترح؟ فقال:
غير أني وجدت للكأس نارا ... تلهب الجسم والمزاج الرقيقا
فإذا ما جمعتها ومزاجي ... حرقته بناره تحريقا
أنشدني أَبُو القاسم عَبْد الواحد بْن علي الأسدي لأبي الحسن محمد بن عبد الله ابن سكرة الهاشمي في ابن الجعابي:
ابن الجعابي ذو سجايا ... محمودة منه مستطابه
رأى الرّيا والنفاق خطا ... في ذي العصابة وذي العصابه
يعطي الإمام ما اشتهاه ... ويثبت الأمر في القرابه
حتى إذا غاب عنه ... يبيت الأمر في الصحابه
وإن خلا الشيخ بالنصارى ... رأيت سمعان أو مرابه
قد فطن الشيخ للمعاني ... فالغر من لامه وعابه
سألت أبا بكر البرقاني عن أبي الجعابي فقال: حَدَّثَنَا عنه الدارقطني وكان صاحب غرائب، ومذهبه معروف في التشيع. قلت: قد طعن عليه في حديثه وسماعه؟ فقال:
ما سمعت فيه إلا خيرًا.
ذكر أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السلمي أنه سأل أبا الحسن الدارقطني عن ابن الجعابي: هل تكلم فيه إلا بسبب المذهب؟ فقال: خلط.
وهكذا ذكر الحاكم أَبُو عَبْد اللَّه بْن البيع أَنَّهُ ذكر الدارقطني يذكر وَقَالَ أيضا عن أبي الحسن قَالَ لي الثقة من أصحابنا ممن كان يعاشره: أنه كان نائما فكتبت على رجله كتابة، قَالَ: فكنت أراه إلى ثمانية أيام لم يمسه الماء.
حَدَّثَنِي أبو نعيم الأصبهاني. فقال: مات أبو بكر الجعابي ببغداد في سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.
حَدَّثَنِي الحسن بن أَحْمَد بن عبد الله الصوفي قَالَ: قَالَ لنا علي بن أَحْمَد بن عمر المقرئ: مات أبو بكر بن الجعابيّ الحافظ في نصف رجب سنة خمس وخمسين وثلاثمائة، ودفن من غد.
حَدَّثَنِي الأزهري: أن ابن الجعابي لما مات صُلِّيَ عليه في جامع المنصور، وحمل إلى مقابر قريش فدفن بها. قَالَ: وكانت سكينة نائحة الرافضة تنوح على جنازته، وكان أوصى بأن تحرق كتبه فأحرق جميعها، وأحرق معها كتب للناس كانت عنده .
قَالَ الأزهري: فحدثني أبو الحسين ابن البواب قَالَ: كان لي عند ابن الجعابي مائة وخمسون جزءا فذهبت في جملة ما أحرق.