تميم بن أوس بن خارجة
ابن سود بن جذيمة بن دراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب، أبو رقية الداري، له صحبة.
حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث الجساسة.
وكان يسكن فلسطين وقيل: إنه سكن دمشق.
حدث عامر قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس نسألها عن قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فلما ذهبنا لنخرج قالت: كما أنتم، أحدثكم بحديثٍ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وأراها أمرت بطعامٍ يصنع فصنع، فأرادت أن تحبسنا عليه، قالت: بينما أنا في المسجد وفيه أناس - كأنها تقللهم - إذ خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحك حتى كادت تبدو نواجذه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إني حدثت حديثاً فرحت به فخرجت لأحدثكم به لتفرحوا لفرح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إن تميم الدري حدثني أنه ركب البحر في نفرٍ من أهل فلسطين فرمت بهم الريح إلى جزيرةٍ فخرجوا، فإذا هم بشيء طويل الشعر، كبير، لا يدرون ما تحت الشعر أذكر أم أنثى؟! فقلنا لها: ألا تخبرينا وتستخبرينا؟ فقال: ما أنا بمخبركم شيئاً ولا مستخبركم، ولكن ائتوا هذا الدير فإن فيه من هو فقير إلى أن يخبركم ويستخبركم، قالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة.
فأتينا الدير فإذا فيه إنسانٌ نضرٌ وجهه، به زمانة، قال - وأحسبه موثق -: من أنتم؟ قلنا: نفرٌ من العرب، قال: هل خرج نبيكم؟ قالوا: نعم، قال: فما صنعتم؟ قلنا: اتبعوه، قال: أما إن ذلك خير لهم، قال: فما فعلت فارس والروم؟ قلنا: العرب تغزوهم، قال: فما فعلت البحيرة؟ قلنا ملأى تدفق، قال: فما فعل نخلٌ بين الأردن وفلسطين؟ قلنا: قد أطعم، قال: فما فعلت عين
زغر؟ قال: تسقي ويسقى منها؛ قال: أنا الدجال، أما إني سأطأ الأرض كلها ليس طيبة ".
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طيبة المدينة لا يدخلها ".
وعن تميم الداري: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما الدين النصيحة، إنما الدين النصيحة ".
قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
وعن تميم الداري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقول الله عز وجل لملك الموت: انطلق إلى وليي فأتني به فإني قد ضربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب.
ائتني به فلأريحه.
قال: فينطلق ملك الموت إليه ومعه خمس مائةٍ من الملائكة، معهم أكفانٌ وحنوطٌ من الجنة، ومعهم ضبائر الريحان، أصل الريحانة واحد، وفي رأسها عشرين لوناً، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر؛ قال: فيجلس ملك الموت عند رأسه وتحفه الملائكة، ويضع كل ملكٍ منهم يده على عضو من أعضائه، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر من تحت ذقنه، ويفتح له باب إلى الجنة، فإن نفسه لتعلل عند ذلك بطرف الجنة؛ مرة بأرواحها ومرة بكسوتها، ومرة بثمارها كما يعلل الصبي أهله إذا بكى.
قال: وإن أزواجه ليبتهشنّ عند ذلك ابتهاشاً قال: وتنزو الروح، قال: تريد أن تخرج من العجلة إلى ما تحب، قال: ويقول ملك الموت: اخرجي يا أيتها الروح الطيبة إلى " سدرٍ مخضودٍ، وطلحٍ منضودٍ، وظلٍّ ممدودٍ، وماءٍ مسكوب " قال: ولملك الموت أشد لطفاً به من الوالدة بولدها، يعرف أن ذلك الروح حبيبٌ لربه، فهو يلتمس بلطفه تحبباً لربه، رضىً للرب عنه، فيسل روحه كما تسل الشعرة من العجين، قال: وقال الله تبارك وتعالى: " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين " وقال: " فإما إن كان من المقربين فروحٌ
وريحان وجنة نعيم " قال: روحٌ من جهد الموت، قال: وريحانٌ يتلقى به، قال: وجنة نعيم مقابلة.
قال: فإذا قبض ملك الموت روحه، قال الروح للجسد: جزاك الله عني خيراً فقد كنت سريعاً بي إلى طاعة الله، بطيئاً بي عن معصية الله، وقد نجوت وأنجيت.
قال: ويقول الجسد للروح مثل ذلك، قال: وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله فيها، وكل بابٍ من السماء يصعد منه عمله، أو ينزل منه رزقه أربعين سنة، قال: فإذا قبض ملك الموت روحه أقامت الخمس مائة من الملائكة عند جسده، فلا يقلبه بنو آدم لشقه إلا قلبته الملائكة قبلهم وعلته بأكفانٍ قبل أكفان بني آدم، وحنوط قبل حنوط بني آدم، ويقوم من بين باب بيته إلى باب قبره صفان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار، قال فيصيح عند ذلك إبليس صيحةً يتصدع منها بعض عظام جسده، ويقول لجنوده: الويل لكم كيف تخلص هذا العبد منكم؟ قال: فيقولون: إن هذا كان عبداً معصوماً، قال: فإذا صعد ملك الموت بروحه إلى السماء يستقبله جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة كلٌ يأتيه ببشارةٍ من ربه سوى بشارة صاحبه؛ قال: فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش خر الروح ساجداً؛ قال: يقول الله لملك الموت: انطلق بروح عبدي هذا فضعه في " سدرٍ مخضودٍ، وطلحٍ منضودٍ وظلٍّ ممدودٍ وماءٍ مسكوب " قال: فإذا وضع في قبره قال: جاءته الصلاة فكانت عن يمينه، وجاءه الصيام فكان عن يساره، وجاءه القرآن والذكر فكانا عند رأسه، وجاءه مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه، وجاءه الصبر فكان في ناحية القبر، قال: فيبعث الله عنقاً من العذاب قال: فيأتيه عن يمينه، فتقول الصلاة: وراءك، والله مازال دائباً عمره كله، وإنما استراح الآن حين وضع في قبره، قال: فيأتيه عن يساره فيقول الصيام مثل ذلك، قال: ثم يأتيه عند رأسه فيقول القرآن والذكر مثل ذلك، قال: ثم يأتيه من عند رجليه فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك، قال: فلا يأتيه العذاب من ناحيةٍ يلتمس هل يجد إليه مساغاً إلا وجد ولي الله قد أخذ جنته؛ فينقمع العذاب عند ذلك فيخرج.
قال: ويقول الصبر لسائر الأعمال: أما إنه لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم فإن عجزتم كنت أنا صاحبه، فأما إذ أجزأتم عنه فأنا له ذخرٌ
عند الصراط والميزان، قال: وبعث الله ملكين، أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي وأنفاسهما كاللهب، يطآن في أشعارهما، بين منكب كل واحدٍ منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة يقال لهما منكرٌ ونكير، في يد كل واحدٍ منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها؛ قال: فيقولان له: اجلس، قال: فيجلس فيستوي جالساً، قال: وتقع أكفانه في حقويه، قال: فيقولان له: من ربك؟ وما دينك ومن نبيك؟ " قالوا: يا رسول الله، ومن يطيق الكلام عند ذلك، وأنت تصف من الملكين ما تصف، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء " قال: فيقول: ربي الله وحده لا شريك له، وديني الإسلام الذي دانت به الملائكة، ونبيي محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين؛ قال: فيقولان: صدقت، قال فيدفعان القبر فيوسعانه من بين يديه أربعين ذراعاً، ومن خلفه أربعين ذراعاً، وعن يمينه أربعين ذراعاً، وعن شماله أربعين ذراعاً، ومن عند رأسه أربعين ذراعاً، ومن عند رجليه أربعين ذراعاً، قال: فيوسعان مائتي ذراع، قال: فأحسبه قال: أربعون ذراع يحاط به، قال: ثم يقولان: انظر فوقك، قال: فينظر فوقه فإذا بابٌ مفتوح إلى الجنة؛ قال: فيقولان له: ولي الله هذا منزلك إذ أطعت الله ".
قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده، إنه تصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً، قال: ثم يقال له: انظر تحتك، فينظر تحته، فإذا بابٌ مفتوحٌ إلى النار، قال: فيقولان: يا ولي الله نجوت آخر ما عليك ".
قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً "، قال: قالت عائشة: يفتح له سبعةٌ وسبعون باباً إلى الجنة، يأتيه ريحها وبردها حتى يبعثه الله، قال: فيقول الله لملك الموت: " انطلق إلى عدوي فائتني به، فإني قد بسطت له في رزقي، وسربلته نعمتي فأبى إلا معصيتي، فائتني به لأنتقم منه، قال: فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورةٍ رآها أحدٌ من الناس قط، له اثنتا عشرة عيناً،
ومعه سفود من النار، كثير الشوك، ومعه خمس مائةٍ من الملائكة معهم نحاس وجمر من جمر جهنم، ومعه سياطٌ من نار، لينها لين السياط وهي نار تأجج، قال: فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربةً يغيب أصل كل شوكةٍ من ذلك السفود في أصل كلّ شعرةٍ وعرقٍ وظفر، ثم يلويه لياً شديداً قال: فينزع روحه من أظفار قدميه، قال: فيلقيها في عقبيه؛ قال: فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفه ملك الموت عنه، قال: فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط، قال: ثم ينتره ملك الموت نترةً فينزع روحه من عقبيه فيلقيها في ركبتيه، ثم يسكر عدو الله سكرةً عند ذلك، فيرفه ملك الموت عنه، قال: فتضرب الملائكةوجهه ودبره بتلك السياط، فينتره ملك الموت نترة، قال: فينزع روحه من ركبتيه فيلقيها في حقويه، فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفه ملك الموت عنه، قال: وتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط، قال: كذلك إلى صدره، ثم كذلك إلى حلقه، قال: ثم تبسط الملائكة النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه، ويقول ملك الموت: اخرجي أيتها الروح اللعينة الملعونة إلى " سمومٍ وحميم، وظلٍّ من يحموم، لا باردٍ ولا كريم " قال: فإذا قبض ملك الموت روحه قال الروح للجسد: جزاك الله عني شراً فقد كنت سريعاً بي إلى معصية الله، بطيئاً بي عن طاعة الله، فقد هلكت وأهلكت، قال: ويقول الجسد للروح مثل ذلك، فتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عليها؛ وينطلق جنود إبليس يبشرونه بأنهم قد أوردوا عبداً من ولد آدم النار، قال: فإذا وضع في قبره ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، حتى تدخل اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى، قال: ويبعث الله إليه أفاعي دهماء كأعناق الإبل، يأخذون بأرنبته وإبهامي قدميه، فتقرضه حتى يلتقين في وسطه؛ قال: ويبعث الله ملكين، أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي، وأنفاسهما كاللهب، يطآن في أشعارهما، بين منكبي كل واحدٍ منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة، يقال لهما منكرٌ ونكير، في يد كل واحد منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها، قال: فيقولان له اجلس، قال: فيجلس، فيستوي جالساً، قال وتقع أكفانه في حقوه، قال: فيقولون له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري،
قال: فيقولان له: لا دريت ولا تليت، قال: فيضربانه ضربةً يتطاير سراره في قبره، ثم يعودان فيقولان له: انظر فوقك، فنظر، فإذا بابٌ مفتوحٌ من الجنة، قال: فيقولان: عدو الله هذا منزلك لو كنت أطعت الله.
قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرةٌ لا ترتد أبداً "، قال: فيقولان له: انظر تحتك، قال: فينظر تحته، فإذا بابٌ مفتوحٌ إلى النار، قال: فيقولان: عدو الله هذا منزلك إذ عصيت الله.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمدٍ بيده، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرةٌ لا ترتد أبداً ".
قال: وقالت عائشة: ويفتح له سبعةٌ وسبعون باباً إلى النار يأتيه حرها وسمومها حتى يبعثه الله إليها ".
حدث عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، عن أبيه قال:
قدم وفد الداريين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصرفه إلى تبوك، وهم عشرة نفر، فيهم تميم ونعيم ابنا أوس بن خارجة، ويزيد بن قيس بن خارجة، والفاكه بن النعمان بن جبلة بن صفار بن ربيعة بن دراع بن عدي بن الدار، وجبلة بن مالك بن صفارة وأبو هند والطيب ابنا ذر، وهانئ بن حبيب، وعزيز ومرة ابنا مالك بن سواد بن جذيمة فأسلموا، وسما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطيب عبد الله، وسمى عزيزاً عبد الرحمن؛ وأهدى هانئ بن حبيب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راوية خمر وأفراساً وقباء مخوصاً بالذهب فقبل الأفراس والقباء وأعطاه العباس بن عبد المطلب، فقال: ما أصنع به؟ قال: " تنزع الذهب فتحليه نساءك أو تستنفقه، ثم تبيع الديباج فتأخذ ثمنه ".
فباعه العباس من رجل من يهود بثمانية آلاف
درهم؛ وقال تميم: لنا جيرةٌ من الروم لهم قريتان، يقال لإحداهما حبرى وللأخرى بيت عينون، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي، قال: " فهما لك "، فلما قام أبو بكر أعطاه ذلك، وكتب له به كتاباً، وأقام وفد الداريين حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأوصى لهم بجاد مائة وسق.
قال أبو هند الداري: قدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة ونحن ستة نفر: تميم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بن قيس، وأبو هند بن عبد الله - وهو صاحب الحديث - وأخوه الطيب بن عبد الله، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن، وفاكه بن النعمان فأسلمنا، وسألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطعنا من أرض الشام فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سلوا حيث شئتم ".
فقال تميم: أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها، فقال أبو هند: وكذلك يكون فيها ملك العرب، وأخاف إن لا يتم لنا هذا، فقال تميم: فنسأله بيت جبرين وكورتها فقال أبو هند: هذا أكبر وأكبر، فقال: فأين ترى أن نسأله؟ فقال: أرى أن نسأله القرى التي يقع فيها حصن تل مع آبار إبراهيم؛ فقال تميم: أصبت ووفقت قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تميم أتحب تخبرني بما كنتم فيه، أو أخبرك؟ " فقال تميم: بل تخبرنا يا رسول الله، نزداد إيماناً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أردتم أمراً وأراد هذا غيره، ونعم الرأي رأى ".
قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطعة جلدٍ من أدم، فكتب لنا فيها كتاباً نسخته: "
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ذكر ما وهب محمدٌ رسول الله الداريين إذ أعطاه الله الأرض، وهب لهم بين عين وحبرون وبيت إبراهيم، بمن فيهن، لهم أبداً، شهد عباس بن عبد المطلب وجهم بن قيس وشرحبيل بن حسنة، وكتب ".
قال: ثم دخل بالكتاب إلى منزله، فعالج في زاوية الرقعة، وعساه شيءٌ لا يعرف، وعقده من خارج الرقعة بسير عقدين، وخرج إلينا به مطوياً وهو يقول: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا، والله ولي المؤمنين " ثم قال: " انصرفوا حتى تسمعوا بي قد هاجرت ".
قال أبو هند: فانصرفنا، فلما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتاباً فكتب لنا كتاباً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أنطى محمدٌ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لتميم الداري وأصحابه، إني أنطيتكم عين وحبرون والبرطوم وبيت إبراهيم بدمنهم وجميع ما فيهم نطيةً بتة، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الأبد، فمن آذاهم فيها أذله الله.
شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب ".
فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولي أبو بكر، وجه الجنود إلى الشام فكتب لنا كتاباً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر الصديق إلى أبي عبيدة بن الجراح، سلامٌ عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: امنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها، وأراد الداريون أن يزرعوها فليزرعوها، فإذا رجع أهلها إليها فهي لهم وأحق بهم، والسلام عليك ".
قال عكرمة: لما أسلم تميم الداري قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم، قال: " هي لك ".
قال: وكتب له بها، فلما استخلف عمر فظهر على الشام جاء تميم بكتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عمر: أنا شاهد ذلك، فأعطاها إياه.
قال: وبيت لحم هي القرية التي ولد عيسى ابن مريم فيها.
قال أبو عبيد: تميم الداري فخذٌ من لخم أو جذام.
وعن سماعة أن تميم الداري سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطعه قرياتٍ بالشام عينون وقلاية والموضع الذي فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات الله على نبينا وعليهم، قال: وكان بها ركحه ووطيئه قال: فأعجب ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إذا صليت فسلني ذلك ".
ففعل، فأقطعه إياهن بما فيهن.
فلما كان زمن عمر، وفتح الله الشام أمضى ذلك لهم.
قال أبو عبيد: أهل المدينة إذا شبروا الدار قالوا: بجميع أركاحها، يريدون جميع نواحيها.
وعن راشد بن سعد قال: قال تميم الداري، وهو تميم بن أوس، رجلٌ من لخم، فقال: يا رسول الله إن لي جبرةً من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرى، وأخرى يقال لها بيت عينون، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي، قال: " هما لك ".
قال: فاكتب لي بذلك كتاباً، فكتب فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من محمدٍ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتميم بن أوس الداري، أن له قرية حبرى وبيت عينون، قريتها كلها سهلها وجبلها وماؤها وحرثها، وأنباطها وبقرها، ولعقبه من بعده، لا يحاقه فيها أحد، ولا يلجه عليهم أحدٌ بظلم، فمن ظلمهم أو
أخذ من أحدٍ منهم شيئاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وكتب علي ".
فلما ولي أبو بكر كتب لهم كتاباً نسخته: هذا كتابٌ من أبي بكر أمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي استخلف في الأرض بعده، كتبه للداريين، أن لا يفسد عليهم مأثرتهم قرية حبرى وبيت عينون، لمن كان يسمع ويطيع، فلا يفسد منها شيئاً، وليقم عمرو بن العاص عليهما فليمنعهما من المفسدين.
وعن محمد بن سيرين، عن تميم الداري قال: استقطعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضاً بالشام قبل أن تفتح، فأعطانيها، ففتحها عمر بن الخطاب في زمانه، فأتيته فقلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني أرضاً من كذا إلى كذا، فجعل عمر ثلثها لابن السبيل، وثلثها لعمارتها، وترك لنا ثلثاً.
وعن مقاتل بن سليمان في قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " نزلت في بديل بن أبي ما رية مولى العاص بن وائل السهمي كان خرج مسافراً في البحر إلى أرض النجاشي، ومعه رجلان نصرانيان أحدهما يسمى تميم بن أوس الداري، وكان من لخم، وعدي بن بداء، فمات بديل وهم في السفينة في البحر؛ قال: " حين الوصية "، وذلك أنه كتب وصيةً، ثم جعله في متاعه، ثم دفعه إلى تميمٍ وصاحبه، وقال لهما: بلغا هذا المتاع أهلي.
فخلا ببعض المتاع، وحبسا جاماً من فضة مموهاً بالذهب، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية " يقول: عند الوصية يشهد وصيته " اثنان ذوا عدلٍ " من المسلمين في دينهما " أو آخران من غيركم " يعني من غير أهل دينكم النصرانيين تميم الداري وعدي بن بداء " إن أنتم " يا معشر المسلمين " ضربتم في
الأرض " للتجارة " فأصابتكم مصيبة الموت " يعني بديل بن أبي مارية حين انطلق تاجراً في البحر، فانطلق معه تميمٌ وعديٌ صاحباه، فحضره الموت فكتب وصيته ثم جعله في المتاع وقال: أبلغا هذا المتاع أهلي، فلما مات بديل قبضا المال فأخذا منه ما أعجبهما؛ وكان فيما أخذا إناءً من فضة فيه ثلاث مائة مثقال منقوشاً مموهاً بالذهب، فلما رجعا من تجارتهما دفعا بقية المال إلى ورثته، ففقدوا بعض متاعه فنظروا إلى الوصية فوجدوا المال فيه تاماً لم يبع منه ولم يهب؛ فكلموا تميماً وصاحبه فسألوهما: هل باع صاحبنا شيئاً أو اشترى فخسر فيه؟ أو طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا، قالوا: فإنا قد افتقدنا بعض ما أبدى به صاحبنا، قالا: ما لنا علم بما أبدى ولا بما كان في وصيته، ولكنه دفع إلينا هذا المال فبلغناكم إياه.
فرفعوا أمرهما إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلت " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " يعني بديل بن أبي مارية - " اثنان ذوا عدلٍ منكم " من المسلمين: عبد الله بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان " أو آخران من غيركم " من غير أهل دينكم - يعني النصرانيين " إن أنتم " يا معشر المسلمين " ضربتم في الأرض " تجاراً " فأصابتكم مصيبة الموت " يعني بديل بن أبي مارية مولى العاص بن وائل السهمي " تحبسونهما " يعني النصرانيين تقيمونهما " من بعد الصلاة " يعني صلاة العصر " فيقسمان بالله " يقول: فيحلفان بالله " إن ارتبتم " يعني إن شككتم - نظيرها في النساء الصغرى - أن المال كان أكثر من هذا الذي أتيناكم به " لا نشتري به ثمناً " يقول: لا نشتري بأيماننا عرضاً من الدنيا " ولو كان ذا قربى " يقول: ولو كان الميت ذا قرابة منا " ولا نكتم شهادة الله " إنا إذا كتمنا شيئاً من المال " إنا إذاً لمن الآثمين " بالله؛ فحلفهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند المنبر بعض صلاة العصر، فحلفا أنهما لم يخونا شيئاً من المتاع، فخلى سبيلهما.
فلما كان بعد ذلك، وجد الإناء الذي فقدوه عند تميم الداري، قالوا: هذا كان من آنية صاحبنا الذي كان أبدى بها، وقد زعمتما أنه لم يبع ولم يشتر ولم ينفق على نفسه؛ فقالا: قد كنا اشتريناه منه فنسينا أن نخبركم به.
فرفعوهما إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثانية، فقالوا: يا نبي الله إنا وجدنا مع هذين إناءً من فضة من متاع صاحبنا؛ فأنزل الله عز وجل "
فإن عثر على أنهما " يقول: فإن اطلع على أنهما يعني النصرانيين كتما شيئاً من المال أو خانا " فآخران " من أولياء الميت وهما عبد بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان " يقومان مقامهما " يعني مقام النصرانيين " من الذين استحق " الإثم " عليهم الأولين فيقسمان بالله " يعني فيحلفان بالله في دبر صلاة العصر: أن الذي قالا في وصية صاحبنا حق، وأن المال كان أكثر من الذي أتيتمانا به وأن هذا الإناء لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه وكتبه في وصيته، وأنكما خنتما، فذلك قوله تعالى " لشهادتنا " يعني عبد الله بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة " أحق من شهادتهما " يعني النصرانيين " وما اعتدينا " في الشهادة عليكما - يعني النصرانيين بشهادة المسلمين من أولياء الميت " إنا إذاً لمن الظالمين، ذلك أدنى " يعني أجر نظيرها في النساء " أن يأتوا " يعني النصرانيين " بالشهادة على وجهها " كما كانت، ولا يكتما شيئاً " أو يخافوا أن ترد أيمانٌ بعد أيمانهم " يقول: أو يخافوا أن يطلع على خيانتهما فرد شهادتهما بشهادة الرجلين المسلمين من أولياء الميت، فحلف عبد الله والمطلب كلاهما أن الذي في وصية الميت حق وأن هذه الآنية من متاع صاحبنا فأخذوا تميم بن أوس الداري وعدي بن بداء النصرانيين بتمام ما وجدا في وصية الميت حين اطلع الله تبارك وتعالى على خيانتهما في الإناء، ثم وعظ الله المؤمنين أن يفعلوا مثل هذا أو يشهدوا بما لم يروا ولم يعاينوا؛ فقال يحذرهم نقمته: " واتقوا الله " واسمعوا مواعظه " والله لا يهدي القوم الفاسقين " ثم إن تميم بن أوس الداري اعترف بالخيانة فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويحك يا تميم أسلم يتجاوز الله عنك ما كان في شركك ".
فأسلم تميم الداري وحسن إسلامه، ومات عدي بن بداء نصرانياً.
قال تميم الداري: كنت بالشام حين بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل
فقلت أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة، قال: فلما أخذت مضجعي إذا منادٍ ينادي لا أراه: عذ بالله فإن الجن لا تجير أحداً من الله.
فقلت: أيم تقول؟ فقال: قد خرج رسول الأميين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلينا خلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه؛ وذهب كيد الجن، ورميت بالشهب، فانطلق إلى محمد وأسلم.
فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهباً به، وأخبرته الخبر، فقال: قد صدقوك نجده يخرج من الحرم، ومهاجره الحرم، وهو خير الأنبياء، فلا تسبق إليه.
قال تميم: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت.
قال محمد بن سيرين: جمع القرآن على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعثمان بن عفان، وتميم الداري.
وقيل:
جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعةٌ لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد، وأبو زيد؛ واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري.
وعن أبي كعب أنه كان يختم القرآن في ثمان ليال، وكان تميم الداري يختمه في سبع.
وعن ابن سيرين أن تميم الداري كان يقرأ القرآن في ركعة.
قال: وقالت امرأة عثمان حين دخلوا عليه ليقتلوه فقالت: إن تقتلوه فقد كان يحيي الليل كله بالقرآن في ركعة.
وعن محمد بن أبي بكر عن أبيه قال: زارتنا عمرة، فباتت عندنا، فقمت من الليل فلم أرفع صوتي بالقراءة، فقالت: يا بن أخي ما منعك أن ترفع صوتك بالقراءة؟ فما كان يوقظنا إلا صوت معاذ القارئ وتميم الداري.
قال خارجة بن مصعب: ختم القرآن في الكعبة أربعةٌ من الأئمة: عثمان بن عفان؛ وتميم الداري؛ وسعيد بن جبير؛ وأبو حنيفة.
قال مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري صلى ليلةً حتى أصبح أو كرب أن يصبح يقرأ آيةً يرددها ويبكي: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءٌ محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " وعن مسروق: أن تميم الداري ردد هذه الآية حتى أبح: " إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ".
وعن منكدر بن محمد، عن أبيه: أن تميم الداري نام ليلةً لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنةً لم ينم فيها عقوبةً للذي صنع.
حدث أبو العلاء عن رجل قال: أتيت تميم الداري، فتحدثنا حتى استأنست إليه، فقلت: كم جزءاً تقرأ القرآن في ليلة؟ فغضب وقال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن في ليلة ثم يصبح فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة؟ فوالذي نفس تميمٍ بيده لأن أصلي ثلاث ركعاتٍ نافلةٍ أحب إلي من أن أقرأ القرآن في ليلةٍ ثم أصبح فأقول: قرأت القرآن الليلة.
قال: فلما أغضبني قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بقي منكم - لجديرون أن تسكتوا فلا تعلموا وأن تعنفوا من سألكم! فلما رآني قد غضبت لان وقال: ألا أحدثك يا بن أخي؟ قلت: بلى، والله ما جئت إلا لتحدثني؛ قال: أرأيت إن كنت أنا مؤمناً قوياً، وأنت مؤمن
ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك فلا تستطيع، فتنبت، أو رأيت إن كنت مؤمناً قوياً وأنا مؤمن ضعيف أتيتك ببساطي حتى أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت؟ ولكن خذ من نفسك لدينك أو من دينك لنفسك حتى يستقيم بك الأمر على عبادةٍ تطيقها.
وعن معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة، فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم، قال: فأتيت عمر فقلت: يا أمير المؤمنين تائبٌ من قبل أن تقدر عليه، قال: من أنت؟ قلت: أنا معاوية بن حرمل، قال: اذهب إلى حبر المؤمنين فانزل عليه، وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله فأخذ رجلين فذهب بهما، فصليت إلى جنبه، فضرب يده وأخذ بيدي فذهب بي فأتينا بطعام، فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع.
قال: فبينا نحن ذات يوم، إذ خرجت نارٌ بالحرة، فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار، فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أنا وما أنا؟! قال: فلم يزل به حتى قام معه، قال: وتبعتهما، فانطلقا إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها، قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير؛ قالها ثلاثاً.
وعن أنس: أن تميماً الداري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى رداءً بألف درهم، وكان يصلي بأصحابه فيه.
وقال محمد بن سيرين: إن تميم الداري اشترى حلةً بألف درهم، فكان يقوم فيها بالليل إلى الصلاة.
وعن السائب بن يزيد، قال: لم يكن يقص على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أبي بكر، ولا عمر؛ كان أول من قص تميمٌ الداري، استأذن عمر فأذن له فقص قائماً.
وعن حميد بن عبد الرحمن: أن تميم الداري استأذن عمر في القصص سنين، فأبى أن يأذن له، فاستأذنه في يوم واحد، فلما أكثر عليه قال له: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم
عن الشر؛ قال عمر: ذلك الذبح، ثم قال: عظ قبل أن أخرج في الجمعة.
فكان يفعل ذلك يوماً واحداً في الجمعة، فلما كان عثمان استزاده، فزاده يوماً آخر.
قيل:
إن تميم الداري استأذن عمر بن الخطاب في القصص، فقال له عمر: أتدري ما تريد؟ إنك تريد الذبح، ما يؤمنك أن ترفع نفسك حتى تبلغ السماء، ثم يضعك الله.
وفي حديث أن عمر أذن لتميم، وجلس إليه يوماً فقال تميم في قوله: اتقوا زلة العالم.
فكره عمر أن يسأله عنه فيقطع بالقوم، وحضر منه قيامٌ، فقال لابن عباس: إذا فرغ فسله: ما زلة العالم؟ ثم قام عمر، فجلس ابن عباس فغفل غفلة، ففرغ تميم وقام يصلي، وكان يطيل الصلاة، فقال ابن عباس: لو رجعت فقلت: ثم أتيته فرجع، وطال على عمر، فأتى ابن عباس فسأله فقال: ما صنعت؟ فاعتذر إليه فقال: انطلق، فأخذ بيده حتى أتى تميم الداري، فقال له: ما زلة العالم؟ قال: العالم يزل بالناس فيؤخذ به، فعسى أن يتوب منه العالم، والناس يأخذون به.
وعن ميسرة قال: رأى عمر بن الخطاب تميم الداري يصلي بعد العصر فضربه بدرته على رأسه.
فقال له تميم: يا عمر تضربني على صلاةٍ صليتها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال عمر: يا تميم ليس كل الناس تعلم ما تعلم.
وعن ابن عمر أن تميم الداري سأل عمر بن الخطاب عن ركوب البحر وكان عظيم التجارة في البحر، فأمر بتقصير الصلاة.
قال: يقول الله عز وجل " هو الذي يسيركم في البر والبحر " قال أبو سعيد الخدري: أول من أسرج في المساجد تميم الداري.
قال الكلابي: تميم الداري أبو رقية، لا عقب له، مات بالشام.
ابن سود بن جذيمة بن دراع بن عدي بن الدار بن هانئ بن حبيب، أبو رقية الداري، له صحبة.
حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وروى عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث الجساسة.
وكان يسكن فلسطين وقيل: إنه سكن دمشق.
حدث عامر قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس نسألها عن قضاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها، فلما ذهبنا لنخرج قالت: كما أنتم، أحدثكم بحديثٍ سمعته من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: وأراها أمرت بطعامٍ يصنع فصنع، فأرادت أن تحبسنا عليه، قالت: بينما أنا في المسجد وفيه أناس - كأنها تقللهم - إذ خرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضحك حتى كادت تبدو نواجذه، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " إني حدثت حديثاً فرحت به فخرجت لأحدثكم به لتفرحوا لفرح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إن تميم الدري حدثني أنه ركب البحر في نفرٍ من أهل فلسطين فرمت بهم الريح إلى جزيرةٍ فخرجوا، فإذا هم بشيء طويل الشعر، كبير، لا يدرون ما تحت الشعر أذكر أم أنثى؟! فقلنا لها: ألا تخبرينا وتستخبرينا؟ فقال: ما أنا بمخبركم شيئاً ولا مستخبركم، ولكن ائتوا هذا الدير فإن فيه من هو فقير إلى أن يخبركم ويستخبركم، قالوا: ما أنت؟ قالت: أنا الجساسة.
فأتينا الدير فإذا فيه إنسانٌ نضرٌ وجهه، به زمانة، قال - وأحسبه موثق -: من أنتم؟ قلنا: نفرٌ من العرب، قال: هل خرج نبيكم؟ قالوا: نعم، قال: فما صنعتم؟ قلنا: اتبعوه، قال: أما إن ذلك خير لهم، قال: فما فعلت فارس والروم؟ قلنا: العرب تغزوهم، قال: فما فعلت البحيرة؟ قلنا ملأى تدفق، قال: فما فعل نخلٌ بين الأردن وفلسطين؟ قلنا: قد أطعم، قال: فما فعلت عين
زغر؟ قال: تسقي ويسقى منها؛ قال: أنا الدجال، أما إني سأطأ الأرض كلها ليس طيبة ".
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " طيبة المدينة لا يدخلها ".
وعن تميم الداري: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إنما الدين النصيحة، إنما الدين النصيحة ".
قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: " لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ".
وعن تميم الداري، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يقول الله عز وجل لملك الموت: انطلق إلى وليي فأتني به فإني قد ضربته بالسراء والضراء فوجدته حيث أحب.
ائتني به فلأريحه.
قال: فينطلق ملك الموت إليه ومعه خمس مائةٍ من الملائكة، معهم أكفانٌ وحنوطٌ من الجنة، ومعهم ضبائر الريحان، أصل الريحانة واحد، وفي رأسها عشرين لوناً، لكل لون منها ريح سوى ريح صاحبه، ومعهم الحرير الأبيض فيه المسك الأذفر؛ قال: فيجلس ملك الموت عند رأسه وتحفه الملائكة، ويضع كل ملكٍ منهم يده على عضو من أعضائه، ويبسط ذلك الحرير الأبيض والمسك الأذفر من تحت ذقنه، ويفتح له باب إلى الجنة، فإن نفسه لتعلل عند ذلك بطرف الجنة؛ مرة بأرواحها ومرة بكسوتها، ومرة بثمارها كما يعلل الصبي أهله إذا بكى.
قال: وإن أزواجه ليبتهشنّ عند ذلك ابتهاشاً قال: وتنزو الروح، قال: تريد أن تخرج من العجلة إلى ما تحب، قال: ويقول ملك الموت: اخرجي يا أيتها الروح الطيبة إلى " سدرٍ مخضودٍ، وطلحٍ منضودٍ، وظلٍّ ممدودٍ، وماءٍ مسكوب " قال: ولملك الموت أشد لطفاً به من الوالدة بولدها، يعرف أن ذلك الروح حبيبٌ لربه، فهو يلتمس بلطفه تحبباً لربه، رضىً للرب عنه، فيسل روحه كما تسل الشعرة من العجين، قال: وقال الله تبارك وتعالى: " الذين تتوفاهم الملائكة طيبين " وقال: " فإما إن كان من المقربين فروحٌ
وريحان وجنة نعيم " قال: روحٌ من جهد الموت، قال: وريحانٌ يتلقى به، قال: وجنة نعيم مقابلة.
قال: فإذا قبض ملك الموت روحه، قال الروح للجسد: جزاك الله عني خيراً فقد كنت سريعاً بي إلى طاعة الله، بطيئاً بي عن معصية الله، وقد نجوت وأنجيت.
قال: ويقول الجسد للروح مثل ذلك، قال: وتبكي عليه بقاع الأرض التي كان يطيع الله فيها، وكل بابٍ من السماء يصعد منه عمله، أو ينزل منه رزقه أربعين سنة، قال: فإذا قبض ملك الموت روحه أقامت الخمس مائة من الملائكة عند جسده، فلا يقلبه بنو آدم لشقه إلا قلبته الملائكة قبلهم وعلته بأكفانٍ قبل أكفان بني آدم، وحنوط قبل حنوط بني آدم، ويقوم من بين باب بيته إلى باب قبره صفان من الملائكة يستقبلونه بالاستغفار، قال فيصيح عند ذلك إبليس صيحةً يتصدع منها بعض عظام جسده، ويقول لجنوده: الويل لكم كيف تخلص هذا العبد منكم؟ قال: فيقولون: إن هذا كان عبداً معصوماً، قال: فإذا صعد ملك الموت بروحه إلى السماء يستقبله جبريل في سبعين ألفاً من الملائكة كلٌ يأتيه ببشارةٍ من ربه سوى بشارة صاحبه؛ قال: فإذا انتهى ملك الموت بروحه إلى العرش خر الروح ساجداً؛ قال: يقول الله لملك الموت: انطلق بروح عبدي هذا فضعه في " سدرٍ مخضودٍ، وطلحٍ منضودٍ وظلٍّ ممدودٍ وماءٍ مسكوب " قال: فإذا وضع في قبره قال: جاءته الصلاة فكانت عن يمينه، وجاءه الصيام فكان عن يساره، وجاءه القرآن والذكر فكانا عند رأسه، وجاءه مشيه إلى الصلاة فكان عند رجليه، وجاءه الصبر فكان في ناحية القبر، قال: فيبعث الله عنقاً من العذاب قال: فيأتيه عن يمينه، فتقول الصلاة: وراءك، والله مازال دائباً عمره كله، وإنما استراح الآن حين وضع في قبره، قال: فيأتيه عن يساره فيقول الصيام مثل ذلك، قال: ثم يأتيه عند رأسه فيقول القرآن والذكر مثل ذلك، قال: ثم يأتيه من عند رجليه فيقول مشيه إلى الصلاة مثل ذلك، قال: فلا يأتيه العذاب من ناحيةٍ يلتمس هل يجد إليه مساغاً إلا وجد ولي الله قد أخذ جنته؛ فينقمع العذاب عند ذلك فيخرج.
قال: ويقول الصبر لسائر الأعمال: أما إنه لم يمنعني أن أباشر أنا بنفسي إلا أني نظرت ما عندكم فإن عجزتم كنت أنا صاحبه، فأما إذ أجزأتم عنه فأنا له ذخرٌ
عند الصراط والميزان، قال: وبعث الله ملكين، أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي وأنفاسهما كاللهب، يطآن في أشعارهما، بين منكب كل واحدٍ منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة يقال لهما منكرٌ ونكير، في يد كل واحدٍ منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها؛ قال: فيقولان له: اجلس، قال: فيجلس فيستوي جالساً، قال: وتقع أكفانه في حقويه، قال: فيقولان له: من ربك؟ وما دينك ومن نبيك؟ " قالوا: يا رسول الله، ومن يطيق الكلام عند ذلك، وأنت تصف من الملكين ما تصف، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء " قال: فيقول: ربي الله وحده لا شريك له، وديني الإسلام الذي دانت به الملائكة، ونبيي محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم النبيين؛ قال: فيقولان: صدقت، قال فيدفعان القبر فيوسعانه من بين يديه أربعين ذراعاً، ومن خلفه أربعين ذراعاً، وعن يمينه أربعين ذراعاً، وعن شماله أربعين ذراعاً، ومن عند رأسه أربعين ذراعاً، ومن عند رجليه أربعين ذراعاً، قال: فيوسعان مائتي ذراع، قال: فأحسبه قال: أربعون ذراع يحاط به، قال: ثم يقولان: انظر فوقك، قال: فينظر فوقه فإذا بابٌ مفتوح إلى الجنة؛ قال: فيقولان له: ولي الله هذا منزلك إذ أطعت الله ".
قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده، إنه تصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً، قال: ثم يقال له: انظر تحتك، فينظر تحته، فإذا بابٌ مفتوحٌ إلى النار، قال: فيقولان: يا ولي الله نجوت آخر ما عليك ".
قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك فرحة لا ترتد أبداً "، قال: قالت عائشة: يفتح له سبعةٌ وسبعون باباً إلى الجنة، يأتيه ريحها وبردها حتى يبعثه الله، قال: فيقول الله لملك الموت: " انطلق إلى عدوي فائتني به، فإني قد بسطت له في رزقي، وسربلته نعمتي فأبى إلا معصيتي، فائتني به لأنتقم منه، قال: فينطلق إليه ملك الموت في أكره صورةٍ رآها أحدٌ من الناس قط، له اثنتا عشرة عيناً،
ومعه سفود من النار، كثير الشوك، ومعه خمس مائةٍ من الملائكة معهم نحاس وجمر من جمر جهنم، ومعه سياطٌ من نار، لينها لين السياط وهي نار تأجج، قال: فيضربه ملك الموت بذلك السفود ضربةً يغيب أصل كل شوكةٍ من ذلك السفود في أصل كلّ شعرةٍ وعرقٍ وظفر، ثم يلويه لياً شديداً قال: فينزع روحه من أظفار قدميه، قال: فيلقيها في عقبيه؛ قال: فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفه ملك الموت عنه، قال: فتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط، قال: ثم ينتره ملك الموت نترةً فينزع روحه من عقبيه فيلقيها في ركبتيه، ثم يسكر عدو الله سكرةً عند ذلك، فيرفه ملك الموت عنه، قال: فتضرب الملائكةوجهه ودبره بتلك السياط، فينتره ملك الموت نترة، قال: فينزع روحه من ركبتيه فيلقيها في حقويه، فيسكر عدو الله عند ذلك سكرة، فيرفه ملك الموت عنه، قال: وتضرب الملائكة وجهه ودبره بتلك السياط، قال: كذلك إلى صدره، ثم كذلك إلى حلقه، قال: ثم تبسط الملائكة النحاس وجمر جهنم تحت ذقنه، ويقول ملك الموت: اخرجي أيتها الروح اللعينة الملعونة إلى " سمومٍ وحميم، وظلٍّ من يحموم، لا باردٍ ولا كريم " قال: فإذا قبض ملك الموت روحه قال الروح للجسد: جزاك الله عني شراً فقد كنت سريعاً بي إلى معصية الله، بطيئاً بي عن طاعة الله، فقد هلكت وأهلكت، قال: ويقول الجسد للروح مثل ذلك، فتلعنه بقاع الأرض التي كان يعصي الله عليها؛ وينطلق جنود إبليس يبشرونه بأنهم قد أوردوا عبداً من ولد آدم النار، قال: فإذا وضع في قبره ضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، حتى تدخل اليمنى في اليسرى واليسرى في اليمنى، قال: ويبعث الله إليه أفاعي دهماء كأعناق الإبل، يأخذون بأرنبته وإبهامي قدميه، فتقرضه حتى يلتقين في وسطه؛ قال: ويبعث الله ملكين، أبصارهما كالبرق الخاطف، وأصواتهما كالرعد القاصف، وأنيابهما كالصياصي، وأنفاسهما كاللهب، يطآن في أشعارهما، بين منكبي كل واحدٍ منهما مسيرة كذا وكذا، قد نزعت منهما الرأفة والرحمة، يقال لهما منكرٌ ونكير، في يد كل واحد منهما مطرقة، لو اجتمع عليها ربيعة ومضر لم يقلوها، قال: فيقولان له اجلس، قال: فيجلس، فيستوي جالساً، قال وتقع أكفانه في حقوه، قال: فيقولون له: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ فيقول: لا أدري،
قال: فيقولان له: لا دريت ولا تليت، قال: فيضربانه ضربةً يتطاير سراره في قبره، ثم يعودان فيقولان له: انظر فوقك، فنظر، فإذا بابٌ مفتوحٌ من الجنة، قال: فيقولان: عدو الله هذا منزلك لو كنت أطعت الله.
قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمد بيده إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرةٌ لا ترتد أبداً "، قال: فيقولان له: انظر تحتك، قال: فينظر تحته، فإذا بابٌ مفتوحٌ إلى النار، قال: فيقولان: عدو الله هذا منزلك إذ عصيت الله.
فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " والذي نفس محمدٍ بيده، إنه ليصل إلى قلبه عند ذلك حسرةٌ لا ترتد أبداً ".
قال: وقالت عائشة: ويفتح له سبعةٌ وسبعون باباً إلى النار يأتيه حرها وسمومها حتى يبعثه الله إليها ".
حدث عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي، عن أبيه قال:
قدم وفد الداريين على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منصرفه إلى تبوك، وهم عشرة نفر، فيهم تميم ونعيم ابنا أوس بن خارجة، ويزيد بن قيس بن خارجة، والفاكه بن النعمان بن جبلة بن صفار بن ربيعة بن دراع بن عدي بن الدار، وجبلة بن مالك بن صفارة وأبو هند والطيب ابنا ذر، وهانئ بن حبيب، وعزيز ومرة ابنا مالك بن سواد بن جذيمة فأسلموا، وسما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطيب عبد الله، وسمى عزيزاً عبد الرحمن؛ وأهدى هانئ بن حبيب لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راوية خمر وأفراساً وقباء مخوصاً بالذهب فقبل الأفراس والقباء وأعطاه العباس بن عبد المطلب، فقال: ما أصنع به؟ قال: " تنزع الذهب فتحليه نساءك أو تستنفقه، ثم تبيع الديباج فتأخذ ثمنه ".
فباعه العباس من رجل من يهود بثمانية آلاف
درهم؛ وقال تميم: لنا جيرةٌ من الروم لهم قريتان، يقال لإحداهما حبرى وللأخرى بيت عينون، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي، قال: " فهما لك "، فلما قام أبو بكر أعطاه ذلك، وكتب له به كتاباً، وأقام وفد الداريين حتى توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأوصى لهم بجاد مائة وسق.
قال أبو هند الداري: قدمنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة ونحن ستة نفر: تميم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بن قيس، وأبو هند بن عبد الله - وهو صاحب الحديث - وأخوه الطيب بن عبد الله، فسماه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبد الرحمن، وفاكه بن النعمان فأسلمنا، وسألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطعنا من أرض الشام فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سلوا حيث شئتم ".
فقال تميم: أرى أن نسأله بيت المقدس وكورها، فقال أبو هند: وكذلك يكون فيها ملك العرب، وأخاف إن لا يتم لنا هذا، فقال تميم: فنسأله بيت جبرين وكورتها فقال أبو هند: هذا أكبر وأكبر، فقال: فأين ترى أن نسأله؟ فقال: أرى أن نسأله القرى التي يقع فيها حصن تل مع آبار إبراهيم؛ فقال تميم: أصبت ووفقت قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تميم أتحب تخبرني بما كنتم فيه، أو أخبرك؟ " فقال تميم: بل تخبرنا يا رسول الله، نزداد إيماناً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أردتم أمراً وأراد هذا غيره، ونعم الرأي رأى ".
قال: فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقطعة جلدٍ من أدم، فكتب لنا فيها كتاباً نسخته: "
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ذكر ما وهب محمدٌ رسول الله الداريين إذ أعطاه الله الأرض، وهب لهم بين عين وحبرون وبيت إبراهيم، بمن فيهن، لهم أبداً، شهد عباس بن عبد المطلب وجهم بن قيس وشرحبيل بن حسنة، وكتب ".
قال: ثم دخل بالكتاب إلى منزله، فعالج في زاوية الرقعة، وعساه شيءٌ لا يعرف، وعقده من خارج الرقعة بسير عقدين، وخرج إلينا به مطوياً وهو يقول: " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا، والله ولي المؤمنين " ثم قال: " انصرفوا حتى تسمعوا بي قد هاجرت ".
قال أبو هند: فانصرفنا، فلما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المدينة قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتاباً فكتب لنا كتاباً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم.
هذا ما أنطى محمدٌ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لتميم الداري وأصحابه، إني أنطيتكم عين وحبرون والبرطوم وبيت إبراهيم بدمنهم وجميع ما فيهم نطيةً بتة، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم أبد الأبد، فمن آذاهم فيها أذله الله.
شهد أبو بكر بن أبي قحافة، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وكتب ".
فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وولي أبو بكر، وجه الجنود إلى الشام فكتب لنا كتاباً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر الصديق إلى أبي عبيدة بن الجراح، سلامٌ عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: امنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد في قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها، وأراد الداريون أن يزرعوها فليزرعوها، فإذا رجع أهلها إليها فهي لهم وأحق بهم، والسلام عليك ".
قال عكرمة: لما أسلم تميم الداري قال: يا رسول الله، إن الله مظهرك على الأرض كلها، فهب لي قريتي من بيت لحم، قال: " هي لك ".
قال: وكتب له بها، فلما استخلف عمر فظهر على الشام جاء تميم بكتاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عمر: أنا شاهد ذلك، فأعطاها إياه.
قال: وبيت لحم هي القرية التي ولد عيسى ابن مريم فيها.
قال أبو عبيد: تميم الداري فخذٌ من لخم أو جذام.
وعن سماعة أن تميم الداري سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقطعه قرياتٍ بالشام عينون وقلاية والموضع الذي فيه قبر إبراهيم وإسحاق ويعقوب صلوات الله على نبينا وعليهم، قال: وكان بها ركحه ووطيئه قال: فأعجب ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إذا صليت فسلني ذلك ".
ففعل، فأقطعه إياهن بما فيهن.
فلما كان زمن عمر، وفتح الله الشام أمضى ذلك لهم.
قال أبو عبيد: أهل المدينة إذا شبروا الدار قالوا: بجميع أركاحها، يريدون جميع نواحيها.
وعن راشد بن سعد قال: قال تميم الداري، وهو تميم بن أوس، رجلٌ من لخم، فقال: يا رسول الله إن لي جبرةً من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرى، وأخرى يقال لها بيت عينون، فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي، قال: " هما لك ".
قال: فاكتب لي بذلك كتاباً، فكتب فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم، هذا كتابٌ من محمدٍ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتميم بن أوس الداري، أن له قرية حبرى وبيت عينون، قريتها كلها سهلها وجبلها وماؤها وحرثها، وأنباطها وبقرها، ولعقبه من بعده، لا يحاقه فيها أحد، ولا يلجه عليهم أحدٌ بظلم، فمن ظلمهم أو
أخذ من أحدٍ منهم شيئاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وكتب علي ".
فلما ولي أبو بكر كتب لهم كتاباً نسخته: هذا كتابٌ من أبي بكر أمين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي استخلف في الأرض بعده، كتبه للداريين، أن لا يفسد عليهم مأثرتهم قرية حبرى وبيت عينون، لمن كان يسمع ويطيع، فلا يفسد منها شيئاً، وليقم عمرو بن العاص عليهما فليمنعهما من المفسدين.
وعن محمد بن سيرين، عن تميم الداري قال: استقطعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرضاً بالشام قبل أن تفتح، فأعطانيها، ففتحها عمر بن الخطاب في زمانه، فأتيته فقلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني أرضاً من كذا إلى كذا، فجعل عمر ثلثها لابن السبيل، وثلثها لعمارتها، وترك لنا ثلثاً.
وعن مقاتل بن سليمان في قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " نزلت في بديل بن أبي ما رية مولى العاص بن وائل السهمي كان خرج مسافراً في البحر إلى أرض النجاشي، ومعه رجلان نصرانيان أحدهما يسمى تميم بن أوس الداري، وكان من لخم، وعدي بن بداء، فمات بديل وهم في السفينة في البحر؛ قال: " حين الوصية "، وذلك أنه كتب وصيةً، ثم جعله في متاعه، ثم دفعه إلى تميمٍ وصاحبه، وقال لهما: بلغا هذا المتاع أهلي.
فخلا ببعض المتاع، وحبسا جاماً من فضة مموهاً بالذهب، فنزلت " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية " يقول: عند الوصية يشهد وصيته " اثنان ذوا عدلٍ " من المسلمين في دينهما " أو آخران من غيركم " يعني من غير أهل دينكم النصرانيين تميم الداري وعدي بن بداء " إن أنتم " يا معشر المسلمين " ضربتم في
الأرض " للتجارة " فأصابتكم مصيبة الموت " يعني بديل بن أبي مارية حين انطلق تاجراً في البحر، فانطلق معه تميمٌ وعديٌ صاحباه، فحضره الموت فكتب وصيته ثم جعله في المتاع وقال: أبلغا هذا المتاع أهلي، فلما مات بديل قبضا المال فأخذا منه ما أعجبهما؛ وكان فيما أخذا إناءً من فضة فيه ثلاث مائة مثقال منقوشاً مموهاً بالذهب، فلما رجعا من تجارتهما دفعا بقية المال إلى ورثته، ففقدوا بعض متاعه فنظروا إلى الوصية فوجدوا المال فيه تاماً لم يبع منه ولم يهب؛ فكلموا تميماً وصاحبه فسألوهما: هل باع صاحبنا شيئاً أو اشترى فخسر فيه؟ أو طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا، قالوا: فإنا قد افتقدنا بعض ما أبدى به صاحبنا، قالا: ما لنا علم بما أبدى ولا بما كان في وصيته، ولكنه دفع إلينا هذا المال فبلغناكم إياه.
فرفعوا أمرهما إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزلت " يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت " يعني بديل بن أبي مارية - " اثنان ذوا عدلٍ منكم " من المسلمين: عبد الله بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان " أو آخران من غيركم " من غير أهل دينكم - يعني النصرانيين " إن أنتم " يا معشر المسلمين " ضربتم في الأرض " تجاراً " فأصابتكم مصيبة الموت " يعني بديل بن أبي مارية مولى العاص بن وائل السهمي " تحبسونهما " يعني النصرانيين تقيمونهما " من بعد الصلاة " يعني صلاة العصر " فيقسمان بالله " يقول: فيحلفان بالله " إن ارتبتم " يعني إن شككتم - نظيرها في النساء الصغرى - أن المال كان أكثر من هذا الذي أتيناكم به " لا نشتري به ثمناً " يقول: لا نشتري بأيماننا عرضاً من الدنيا " ولو كان ذا قربى " يقول: ولو كان الميت ذا قرابة منا " ولا نكتم شهادة الله " إنا إذا كتمنا شيئاً من المال " إنا إذاً لمن الآثمين " بالله؛ فحلفهما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند المنبر بعض صلاة العصر، فحلفا أنهما لم يخونا شيئاً من المتاع، فخلى سبيلهما.
فلما كان بعد ذلك، وجد الإناء الذي فقدوه عند تميم الداري، قالوا: هذا كان من آنية صاحبنا الذي كان أبدى بها، وقد زعمتما أنه لم يبع ولم يشتر ولم ينفق على نفسه؛ فقالا: قد كنا اشتريناه منه فنسينا أن نخبركم به.
فرفعوهما إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثانية، فقالوا: يا نبي الله إنا وجدنا مع هذين إناءً من فضة من متاع صاحبنا؛ فأنزل الله عز وجل "
فإن عثر على أنهما " يقول: فإن اطلع على أنهما يعني النصرانيين كتما شيئاً من المال أو خانا " فآخران " من أولياء الميت وهما عبد بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان " يقومان مقامهما " يعني مقام النصرانيين " من الذين استحق " الإثم " عليهم الأولين فيقسمان بالله " يعني فيحلفان بالله في دبر صلاة العصر: أن الذي قالا في وصية صاحبنا حق، وأن المال كان أكثر من الذي أتيتمانا به وأن هذا الإناء لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه وكتبه في وصيته، وأنكما خنتما، فذلك قوله تعالى " لشهادتنا " يعني عبد الله بن عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة " أحق من شهادتهما " يعني النصرانيين " وما اعتدينا " في الشهادة عليكما - يعني النصرانيين بشهادة المسلمين من أولياء الميت " إنا إذاً لمن الظالمين، ذلك أدنى " يعني أجر نظيرها في النساء " أن يأتوا " يعني النصرانيين " بالشهادة على وجهها " كما كانت، ولا يكتما شيئاً " أو يخافوا أن ترد أيمانٌ بعد أيمانهم " يقول: أو يخافوا أن يطلع على خيانتهما فرد شهادتهما بشهادة الرجلين المسلمين من أولياء الميت، فحلف عبد الله والمطلب كلاهما أن الذي في وصية الميت حق وأن هذه الآنية من متاع صاحبنا فأخذوا تميم بن أوس الداري وعدي بن بداء النصرانيين بتمام ما وجدا في وصية الميت حين اطلع الله تبارك وتعالى على خيانتهما في الإناء، ثم وعظ الله المؤمنين أن يفعلوا مثل هذا أو يشهدوا بما لم يروا ولم يعاينوا؛ فقال يحذرهم نقمته: " واتقوا الله " واسمعوا مواعظه " والله لا يهدي القوم الفاسقين " ثم إن تميم بن أوس الداري اعترف بالخيانة فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ويحك يا تميم أسلم يتجاوز الله عنك ما كان في شركك ".
فأسلم تميم الداري وحسن إسلامه، ومات عدي بن بداء نصرانياً.
قال تميم الداري: كنت بالشام حين بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فخرجت إلى بعض حاجتي فأدركني الليل
فقلت أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة، قال: فلما أخذت مضجعي إذا منادٍ ينادي لا أراه: عذ بالله فإن الجن لا تجير أحداً من الله.
فقلت: أيم تقول؟ فقال: قد خرج رسول الأميين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلينا خلفه بالحجون وأسلمنا واتبعناه؛ وذهب كيد الجن، ورميت بالشهب، فانطلق إلى محمد وأسلم.
فلما أصبحت ذهبت إلى دير أيوب فسألت راهباً به، وأخبرته الخبر، فقال: قد صدقوك نجده يخرج من الحرم، ومهاجره الحرم، وهو خير الأنبياء، فلا تسبق إليه.
قال تميم: فتكلفت الشخوص حتى جئت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت.
قال محمد بن سيرين: جمع القرآن على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وعثمان بن عفان، وتميم الداري.
وقيل:
جمع القرآن على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أربعةٌ لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد، وأبو زيد؛ واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء، وقالوا: عثمان وتميم الداري.
وعن أبي كعب أنه كان يختم القرآن في ثمان ليال، وكان تميم الداري يختمه في سبع.
وعن ابن سيرين أن تميم الداري كان يقرأ القرآن في ركعة.
قال: وقالت امرأة عثمان حين دخلوا عليه ليقتلوه فقالت: إن تقتلوه فقد كان يحيي الليل كله بالقرآن في ركعة.
وعن محمد بن أبي بكر عن أبيه قال: زارتنا عمرة، فباتت عندنا، فقمت من الليل فلم أرفع صوتي بالقراءة، فقالت: يا بن أخي ما منعك أن ترفع صوتك بالقراءة؟ فما كان يوقظنا إلا صوت معاذ القارئ وتميم الداري.
قال خارجة بن مصعب: ختم القرآن في الكعبة أربعةٌ من الأئمة: عثمان بن عفان؛ وتميم الداري؛ وسعيد بن جبير؛ وأبو حنيفة.
قال مسروق: قال لي رجل من أهل مكة: هذا مقام أخيك تميم الداري صلى ليلةً حتى أصبح أو كرب أن يصبح يقرأ آيةً يرددها ويبكي: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواءٌ محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " وعن مسروق: أن تميم الداري ردد هذه الآية حتى أبح: " إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ".
وعن منكدر بن محمد، عن أبيه: أن تميم الداري نام ليلةً لم يقم يتهجد فيها حتى أصبح، فقام سنةً لم ينم فيها عقوبةً للذي صنع.
حدث أبو العلاء عن رجل قال: أتيت تميم الداري، فتحدثنا حتى استأنست إليه، فقلت: كم جزءاً تقرأ القرآن في ليلة؟ فغضب وقال: لعلك من الذين يقرأ أحدهم القرآن في ليلة ثم يصبح فيقول: قد قرأت القرآن في هذه الليلة؟ فوالذي نفس تميمٍ بيده لأن أصلي ثلاث ركعاتٍ نافلةٍ أحب إلي من أن أقرأ القرآن في ليلةٍ ثم أصبح فأقول: قرأت القرآن الليلة.
قال: فلما أغضبني قلت: والله إنكم معاشر صحابة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من بقي منكم - لجديرون أن تسكتوا فلا تعلموا وأن تعنفوا من سألكم! فلما رآني قد غضبت لان وقال: ألا أحدثك يا بن أخي؟ قلت: بلى، والله ما جئت إلا لتحدثني؛ قال: أرأيت إن كنت أنا مؤمناً قوياً، وأنت مؤمن
ضعيف، فتحمل قوتي على ضعفك فلا تستطيع، فتنبت، أو رأيت إن كنت مؤمناً قوياً وأنا مؤمن ضعيف أتيتك ببساطي حتى أحمل قوتك على ضعفي فلا أستطيع فأنبت؟ ولكن خذ من نفسك لدينك أو من دينك لنفسك حتى يستقيم بك الأمر على عبادةٍ تطيقها.
وعن معاوية بن حرمل قال: قدمت المدينة، فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم، قال: فأتيت عمر فقلت: يا أمير المؤمنين تائبٌ من قبل أن تقدر عليه، قال: من أنت؟ قلت: أنا معاوية بن حرمل، قال: اذهب إلى حبر المؤمنين فانزل عليه، وكان تميم الداري إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله فأخذ رجلين فذهب بهما، فصليت إلى جنبه، فضرب يده وأخذ بيدي فذهب بي فأتينا بطعام، فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع.
قال: فبينا نحن ذات يوم، إذ خرجت نارٌ بالحرة، فجاء عمر إلى تميم فقال: قم إلى هذه النار، فقال: يا أمير المؤمنين، ومن أنا وما أنا؟! قال: فلم يزل به حتى قام معه، قال: وتبعتهما، فانطلقا إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها، قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير؛ قالها ثلاثاً.
وعن أنس: أن تميماً الداري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشترى رداءً بألف درهم، وكان يصلي بأصحابه فيه.
وقال محمد بن سيرين: إن تميم الداري اشترى حلةً بألف درهم، فكان يقوم فيها بالليل إلى الصلاة.
وعن السائب بن يزيد، قال: لم يكن يقص على عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أبي بكر، ولا عمر؛ كان أول من قص تميمٌ الداري، استأذن عمر فأذن له فقص قائماً.
وعن حميد بن عبد الرحمن: أن تميم الداري استأذن عمر في القصص سنين، فأبى أن يأذن له، فاستأذنه في يوم واحد، فلما أكثر عليه قال له: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخير، وأنهاهم
عن الشر؛ قال عمر: ذلك الذبح، ثم قال: عظ قبل أن أخرج في الجمعة.
فكان يفعل ذلك يوماً واحداً في الجمعة، فلما كان عثمان استزاده، فزاده يوماً آخر.
قيل:
إن تميم الداري استأذن عمر بن الخطاب في القصص، فقال له عمر: أتدري ما تريد؟ إنك تريد الذبح، ما يؤمنك أن ترفع نفسك حتى تبلغ السماء، ثم يضعك الله.
وفي حديث أن عمر أذن لتميم، وجلس إليه يوماً فقال تميم في قوله: اتقوا زلة العالم.
فكره عمر أن يسأله عنه فيقطع بالقوم، وحضر منه قيامٌ، فقال لابن عباس: إذا فرغ فسله: ما زلة العالم؟ ثم قام عمر، فجلس ابن عباس فغفل غفلة، ففرغ تميم وقام يصلي، وكان يطيل الصلاة، فقال ابن عباس: لو رجعت فقلت: ثم أتيته فرجع، وطال على عمر، فأتى ابن عباس فسأله فقال: ما صنعت؟ فاعتذر إليه فقال: انطلق، فأخذ بيده حتى أتى تميم الداري، فقال له: ما زلة العالم؟ قال: العالم يزل بالناس فيؤخذ به، فعسى أن يتوب منه العالم، والناس يأخذون به.
وعن ميسرة قال: رأى عمر بن الخطاب تميم الداري يصلي بعد العصر فضربه بدرته على رأسه.
فقال له تميم: يا عمر تضربني على صلاةٍ صليتها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال عمر: يا تميم ليس كل الناس تعلم ما تعلم.
وعن ابن عمر أن تميم الداري سأل عمر بن الخطاب عن ركوب البحر وكان عظيم التجارة في البحر، فأمر بتقصير الصلاة.
قال: يقول الله عز وجل " هو الذي يسيركم في البر والبحر " قال أبو سعيد الخدري: أول من أسرج في المساجد تميم الداري.
قال الكلابي: تميم الداري أبو رقية، لا عقب له، مات بالشام.