أَبُو سَعْدٍ الْغِفَارِيُّ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ نَا حَيْوَةُ ارنا أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلانِيُّ أَنَّ أَبَا سَعْدٍ الْغِفَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كَانَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَتَبَّعُ الحرير من الثوب فيئزعه.
Ibn al-Athīr (d. 1233 CE) - Usd al-ghāba fī maʿrifat al-ṣaḥāba - ابن الأثير - أسد الغابة
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 7491 1. ابو سعد الغفاري32. ابان المحاربي4 3. ابان بن سعيد1 4. ابجر المزني1 5. ابراهيم ابن النبي2 6. ابراهيم ابو رافع1 7. ابراهيم الاشهلي1 8. ابراهيم الانصاري2 9. ابراهيم الثقفي1 10. ابراهيم الزهري1 11. ابراهيم العذري1 12. ابراهيم النجار1 13. ابراهيم بن الحارث1 14. ابراهيم بن خلاد1 15. ابراهيم بن عباد1 16. ابراهيم بن عبد الله2 17. ابراهيم بن قيس1 18. ابراهيم بن نعيم1 19. ابرهة1 20. ابزى الخزاعي1 21. ابم رمل1 22. ابن2 23. ابن ابي1 24. ابن ابي حمامة1 25. ابن ابي مرحب1 26. ابن الادرع1 27. ابن الاسفع1 28. ابن البجير2 29. ابن الحنظلية1 30. ابن الدحداح1 31. ابن الشياب3 32. ابن الفراسي4 33. ابن القشب2 34. ابن اللتبية1 35. ابن المنتفق2 36. ابن النعمان1 37. ابن ام مكتوم2 38. ابن ثعلبة2 39. ابن جارية1 40. ابن جعدبة2 41. ابن جمرة1 42. ابن جميل2 43. ابن حيدة1 44. ابن خالد1 45. ابن زمل1 46. ابن سبرة1 47. ابن سندر1 48. ابن سيلان4 49. ابن شيبة1 50. ابن عائذ1 51. ابن عائش1 52. ابن عباس2 53. ابن عبس2 54. ابن عدس1 55. ابن عسال1 56. ابن عصام1 57. ابن عفيف1 58. ابن غنام4 59. ابن فسحم1 60. ابن ليلى1 61. ابن مربع1 62. ابن مسعدة2 63. ابن مسعود الغفاري2 64. ابن مسعود الوهبي2 65. ابن معيز2 66. ابن ناسح1 67. ابن نضلة1 68. ابنا قريظة2 69. ابنا مليكة1 70. ابو1 71. ابو ابراهيم3 72. ابو ابراهيم الحجبي3 73. ابو ابراهيم مولى ام سلمة2 74. ابو ابي ابن ام حرام2 75. ابو اثيلة بن راشد1 76. ابو احمد بن جحش3 77. ابو اخزم1 78. ابو ادريس5 79. ابو اذينة العبدي1 80. ابو ارطاة الاحمسي2 81. ابو اروى الدوسي5 82. ابو اسحاق السببعي1 83. ابو اسحاق السبيعي4 84. ابو اسرائيل الانصاري1 85. ابو اسماء الشامي2 86. ابو اسيد2 87. ابو اسيد الساعدي4 88. ابو اسيد بن علي1 89. ابو اسيرة1 90. ابو الاخنس2 91. ابو الازهر4 92. ابو الازهر الانماري4 93. ابو الازور الاحمري1 94. ابو الازور ضرار بن الخطاب1 95. ابو الاسود5 96. ابو الاسود بن سندر1 97. ابو الاسود بن يزيد1 98. ابو الاشعث4 99. ابو الاعور الانصاري2 100. ابو الاعور الجرمي5 ▶ Next 100
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 7491 1. ابو سعد الغفاري32. ابان المحاربي4 3. ابان بن سعيد1 4. ابجر المزني1 5. ابراهيم ابن النبي2 6. ابراهيم ابو رافع1 7. ابراهيم الاشهلي1 8. ابراهيم الانصاري2 9. ابراهيم الثقفي1 10. ابراهيم الزهري1 11. ابراهيم العذري1 12. ابراهيم النجار1 13. ابراهيم بن الحارث1 14. ابراهيم بن خلاد1 15. ابراهيم بن عباد1 16. ابراهيم بن عبد الله2 17. ابراهيم بن قيس1 18. ابراهيم بن نعيم1 19. ابرهة1 20. ابزى الخزاعي1 21. ابم رمل1 22. ابن2 23. ابن ابي1 24. ابن ابي حمامة1 25. ابن ابي مرحب1 26. ابن الادرع1 27. ابن الاسفع1 28. ابن البجير2 29. ابن الحنظلية1 30. ابن الدحداح1 31. ابن الشياب3 32. ابن الفراسي4 33. ابن القشب2 34. ابن اللتبية1 35. ابن المنتفق2 36. ابن النعمان1 37. ابن ام مكتوم2 38. ابن ثعلبة2 39. ابن جارية1 40. ابن جعدبة2 41. ابن جمرة1 42. ابن جميل2 43. ابن حيدة1 44. ابن خالد1 45. ابن زمل1 46. ابن سبرة1 47. ابن سندر1 48. ابن سيلان4 49. ابن شيبة1 50. ابن عائذ1 51. ابن عائش1 52. ابن عباس2 53. ابن عبس2 54. ابن عدس1 55. ابن عسال1 56. ابن عصام1 57. ابن عفيف1 58. ابن غنام4 59. ابن فسحم1 60. ابن ليلى1 61. ابن مربع1 62. ابن مسعدة2 63. ابن مسعود الغفاري2 64. ابن مسعود الوهبي2 65. ابن معيز2 66. ابن ناسح1 67. ابن نضلة1 68. ابنا قريظة2 69. ابنا مليكة1 70. ابو1 71. ابو ابراهيم3 72. ابو ابراهيم الحجبي3 73. ابو ابراهيم مولى ام سلمة2 74. ابو ابي ابن ام حرام2 75. ابو اثيلة بن راشد1 76. ابو احمد بن جحش3 77. ابو اخزم1 78. ابو ادريس5 79. ابو اذينة العبدي1 80. ابو ارطاة الاحمسي2 81. ابو اروى الدوسي5 82. ابو اسحاق السببعي1 83. ابو اسحاق السبيعي4 84. ابو اسرائيل الانصاري1 85. ابو اسماء الشامي2 86. ابو اسيد2 87. ابو اسيد الساعدي4 88. ابو اسيد بن علي1 89. ابو اسيرة1 90. ابو الاخنس2 91. ابو الازهر4 92. ابو الازهر الانماري4 93. ابو الازور الاحمري1 94. ابو الازور ضرار بن الخطاب1 95. ابو الاسود5 96. ابو الاسود بن سندر1 97. ابو الاسود بن يزيد1 98. ابو الاشعث4 99. ابو الاعور الانصاري2 100. ابو الاعور الجرمي5 ▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Ibn al-Athīr (d. 1233 CE) - Usd al-ghāba fī maʿrifat al-ṣaḥāba - ابن الأثير - أسد الغابة are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو متشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114706&book=5556#207b63
أَبُو بصرة الْغِفَارِيّ اسْمه حميل بن بصرة
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114706&book=5556#adf58d
أبو بصرة الغفاري اسمه جميل بن بصرة له صحبة
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114706&book=5556#0b2f57
أبو بصرة الغفارى ، اختلف في اسمه، فقيل: جميل بن بصرة - بالجيم. وقيل: حميل بن بصرة -بالحاء المضمومة- وهو الاصح عندى. واللَّه أعلم. وقد ذكرنا ذلك كله وذكرنا من قاله ونسبناه في بابه من كتاب الصحابة .
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114706&book=5556#c091cc
أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ اسْمُهُ جَمِيلُ بْنُ بَصْرَةَ، عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ , قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ
- حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: " إِنِّي رَاكِبٌ إِلَى يَهُودَ، فَمَنِ انْطَلَقَ مِنْكُمْ مَعِي إِلَيْهِمْ، فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ، فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ " , فَلَمَّا جِئْنَاهُمْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: وَعَلَيْكُمْ " رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ , مِثْلَهُ
- حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ، ثنا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ، ثنا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ: " أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: " إِنِّي رَاكِبٌ إِلَى يَهُودَ، فَمَنِ انْطَلَقَ مِنْكُمْ مَعِي إِلَيْهِمْ، فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ، فَإِنْ سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ، فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ " , فَلَمَّا جِئْنَاهُمْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: وَعَلَيْكُمْ " رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ , مِثْلَهُ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114706&book=5556#003de3
أَبُو بصرة الغفاري.
اختلف فِي اسمه. فقيل: جميل بن بصرة. وقيل:
حميل ، كل ذلك مضبوط محفوظ عنهم، وأصح ذلك جميل. وهو جميل
ابن بصرة بْن وقاص بْن حبيب بْن غفار. روى عنه أبو هريرة. أخبرنا خلف ابن قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الحسن الطوسي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل، أخبرني سَعِيد بْن أبي مريم، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جعفر، أخبرني زيد ابْن أسلم، عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أبي هريرة، قَالَ: أتيت الطور، فلقيت جميل بْن بصرة الغفاري صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر الحديث.
وَقَالَ يَزِيد بْن زريع، عَنْ روح بْن القاسم، عَنْ زيد بْن أسلم، عَنْ سَعِيد بْن سَعِيد الْمَقْبُرِيّ- أن أبا بصرة جميل بْن بصرة لقي أبا هريرة، وَهُوَ مقبل من الطور ...
فذكر الحديث. وَقَالَ علي بْن المديني: اسم أبي بصرة الغفاري جميل بْن بصرة.
قاله لي بعض ولده. روى عنه أَبُو تميم الجيشاني مرفوعًا فِي المحافظة عَلَى صلاة العصر، وأنه لا صلاة بعدها حَتَّى يطلع الشاهد، والشاهد النجم سكن أَبُو بصرة الحجاز، ثم تحول إِلَى مصر. ويقال: إن عزة التي يشبب بها كثير عزة هي بنت ابنه. والله أعلم.
اختلف فِي اسمه. فقيل: جميل بن بصرة. وقيل:
حميل ، كل ذلك مضبوط محفوظ عنهم، وأصح ذلك جميل. وهو جميل
ابن بصرة بْن وقاص بْن حبيب بْن غفار. روى عنه أبو هريرة. أخبرنا خلف ابن قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الحسن الطوسي، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل، أخبرني سَعِيد بْن أبي مريم، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن جعفر، أخبرني زيد ابْن أسلم، عَنْ سَعِيد الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أبي هريرة، قَالَ: أتيت الطور، فلقيت جميل بْن بصرة الغفاري صاحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... فذكر الحديث.
وَقَالَ يَزِيد بْن زريع، عَنْ روح بْن القاسم، عَنْ زيد بْن أسلم، عَنْ سَعِيد بْن سَعِيد الْمَقْبُرِيّ- أن أبا بصرة جميل بْن بصرة لقي أبا هريرة، وَهُوَ مقبل من الطور ...
فذكر الحديث. وَقَالَ علي بْن المديني: اسم أبي بصرة الغفاري جميل بْن بصرة.
قاله لي بعض ولده. روى عنه أَبُو تميم الجيشاني مرفوعًا فِي المحافظة عَلَى صلاة العصر، وأنه لا صلاة بعدها حَتَّى يطلع الشاهد، والشاهد النجم سكن أَبُو بصرة الحجاز، ثم تحول إِلَى مصر. ويقال: إن عزة التي يشبب بها كثير عزة هي بنت ابنه. والله أعلم.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114523&book=5556#7641d1
أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ اسْمه جُنْدُب بن جُنَادَة
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114523&book=5556#631561
أبو ذر الغِفَارى، اختلف في اسمه واسم أبيه اختلافا كثيرا، وقد ذكزله في بابه من كتاب الصحابة، واصح ما فيه جُنْدُب بن جُنَادة بن قيس بن عمرو بن مُلَيْل بن صُغَير بن غفار بن مُلَيل بن ضمرة بن كنانة بن خزيمة. كان إسلامه قديما بعد أربعة أو خمسة، ثم انصرف إلى بلاد قومه فاقام بها حتى قدم على النبى عليه السلام بعد بدر واحد، لم يشهدهما وكان فاضلا زاهدا في الدنيا، ورعا له فضائل حمة، شهد له رسول اللَّه صلى اللَّه عليه (وسلم) بأنه "أصدق الناس لهجة وأقولهم بالحق وأنه في زهد عيسى بن مريم . توفى بالربذة سنة احدى وثلاثين. وصلى عليه ابن مسعود. ثم مات بعده في ذلك العام.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114523&book=5556#1a5a94
أَبُو ذر الغفاري.
ويقال أَبُو الذر. والأول أكثر وأشهر. واختلف فِي اسمه اختلافًا كثيرًا، فقيل جندب بْن جنادة، وَهُوَ أكثر وأصح وما قيل فيه إن شاء اللَّه تعالى. وقيل: برير بْن عَبْد اللَّهِ. وبرير بْن جنادة. وبرير بْن عشرقة وقيل: برير بْن جندب وقيل: جندب بْن عَبْد اللَّهِ. وقيل: جندب بْن السكن.
والمشهور جندب بْن جنادة بْن قيس بْن عَمْرو بْن مليل بْن صعير بن حرام بن غفار. وقيل جندب بن سُفْيَانَ بْن جنادة بْن عبيد بْن الواقفة بن الحرام بن غفار ابن مليل بن صمرة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بْن مضر بْن نزار الغفاري، وأمه رملة بنت الوقيعة، من بني غفار بْن مليل أيضا.
كَانَ من كبار الصحابة قديم الإسلام. يقال: أسلم بعد أربعة، فكان خامسًا، ثم انصرف إِلَى بلاد قومه فأقام بها حَتَّى قدم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وله فِي إسلامه خبر حسن يروى من حديث ابْن عباس، ومن حديث عَبْد اللَّهِ بْن الصامت عنه.
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو بكر مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قَالَ لأَخِيهِ أُنَيْسٍ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي، وَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ ائْتِنِي. فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَّةَ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ كَلامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ. فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي فِيمَا أَرَدْتُ، فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لا يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ، فَاضْطَجَعَ. فَرَآهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لا يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ وَلا أَسْأَلُهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ مِنَ الْغَدِ رَجَعْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَقِيتُ يَوْمِي حَتَّى أَمْسَيْتُ، وَسِرْتُ إِلَى مَضْجَعِي فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ:
أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْرِفَ مَنْزِلَهُ! فَأَقَامَهُ وَذَهَبَ بِهِ معه وما يسأله واحد منهما
صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَقَامَهُ عَلَيٌّ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَلا تُحَدِّثَنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ هَذَا الْبَلَدَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدُنِي فَعَلْتُ. فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي، حَتَّى تَدْخُلَ مَعِي مُدْخَلِي. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ أَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلْتُ مَعَهُ، وَحَيَّيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكُنْتُ أَوَّلُ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ. فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ. فَعَرَضَ عَلَيَّ الإِسْلامَ فَأَسْلَمْتُ، وَشَهِدْتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ، وَاكْتُمْ أَمْرَكَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَإِنِّي أَخْشَاهُمْ عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُصَوِّتَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول اللَّهِ. فَثَارَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَيْلَكُمْ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارَتِكُمْ إِلَى الشَّامِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ إِلَى مِثْلِهَا، وَثَارُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ فَأَنْقَذَهُ ثُمَّ لَحِقَ بِقَوْمِهِ، فَكَانَ هَذَا أَوَّلُ إِسْلامِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حدثني الليث.
ابن سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَكَانَ يَسْخَرُ بِآلِهَتِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ قدم على رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِمَ فِي اسْمِهِ فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو نَمْلَةَ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَرٍّ. قَالَ: نَعَمْ أَبُو ذَرٍّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ جُنْدَبٍ مِنْ خَبَرِهِ مَا لَمْ يَقَعْ هُنَا. وتوفي أَبُو ذر رضي اللَّه عنه بالربذة سنة إحدى وثلاثين أَوِ اثنتين وثلاثين، وصلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُودٍ، ثم مات رضي اللَّه عنه بعده فِي ذلك العام. وقد قيل:
توفي سنة أربع وعشرين. والأول أصح إن شاء اللَّه تعالى. وَقَالَ علي رضي اللَّه عنه: وعى أَبُو ذر علمًا عجز الناس عنه، ثم أوكأ عَلَيْهِ، فلم يخرج شَيْئًا منه. وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَبُو ذر فِي أمتي عَلَى زهد عِيسَى ابْن مريم. وَقَالَ أَبُو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرّك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرناه منه علمًا.
حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا ابن وضاح، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة، حدثنا علي بن زيد بن جدعان، عَنْ بِلالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ- أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَخْبَارِهِ فِي بَابِ الْجِيمِ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا هُوَ أَتَمُّ مِنْ هَذَا وَالْحَمْدُ للَّه تَعَالَى.
ذكر سيف بْن عُمَرَ، عَنِ القعقاع بْن الصلت، عن رجل من كليب بن
الحلحال، عَنِ الحلحال بْن دري الضبي، قَالَ: خرجنا حجاجًا مَعَ ابْن مَسْعُود سنة أربع وعشرين ونحن أربعة عشر راكبًا حَتَّى أتينا عَلَى الربذة، فشهدنا أبا ذر فغسلناه وكفناه ودفناه هناك.
ويقال أَبُو الذر. والأول أكثر وأشهر. واختلف فِي اسمه اختلافًا كثيرًا، فقيل جندب بْن جنادة، وَهُوَ أكثر وأصح وما قيل فيه إن شاء اللَّه تعالى. وقيل: برير بْن عَبْد اللَّهِ. وبرير بْن جنادة. وبرير بْن عشرقة وقيل: برير بْن جندب وقيل: جندب بْن عَبْد اللَّهِ. وقيل: جندب بْن السكن.
والمشهور جندب بْن جنادة بْن قيس بْن عَمْرو بْن مليل بْن صعير بن حرام بن غفار. وقيل جندب بن سُفْيَانَ بْن جنادة بْن عبيد بْن الواقفة بن الحرام بن غفار ابن مليل بن صمرة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بْن مضر بْن نزار الغفاري، وأمه رملة بنت الوقيعة، من بني غفار بْن مليل أيضا.
كَانَ من كبار الصحابة قديم الإسلام. يقال: أسلم بعد أربعة، فكان خامسًا، ثم انصرف إِلَى بلاد قومه فأقام بها حَتَّى قدم عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وله فِي إسلامه خبر حسن يروى من حديث ابْن عباس، ومن حديث عَبْد اللَّهِ بْن الصامت عنه.
فَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد المؤمن، قال: حدثنا أبو بكر مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ بْنِ دَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الأَشْعَثِ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ أَبَا ذَرٍّ مَبْعَثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قَالَ لأَخِيهِ أُنَيْسٍ: ارْكَبْ إِلَى هَذَا الْوَادِي، وَاعْلَمْ لِي عِلْمَ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ الْخَبَرُ مِنَ السَّمَاءِ، وَاسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ ائْتِنِي. فَانْطَلَقَ الأَخُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَسَمِعَ مِنْ قَوْلِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَقَالَ: رَأَيْتُهُ يَأْمُرُ بِمَكَّةَ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ، وَسَمِعْتُ مِنْهُ كَلامًا مَا هُوَ بِالشِّعْرِ. فَقَالَ: مَا شَفَيْتَنِي فِيمَا أَرَدْتُ، فَتَزَوَّدَ وَحَمَلَ شَنَّةً لَهُ فِيهَا مَاءٌ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَأَتَى الْمَسْجِدَ، فَالْتَمَسَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ لا يَعْرِفُهُ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ، فَاضْطَجَعَ. فَرَآهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ. فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لا يَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ وَلا أَسْأَلُهُ. قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ مِنَ الْغَدِ رَجَعْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَبَقِيتُ يَوْمِي حَتَّى أَمْسَيْتُ، وَسِرْتُ إِلَى مَضْجَعِي فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ:
أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْرِفَ مَنْزِلَهُ! فَأَقَامَهُ وَذَهَبَ بِهِ معه وما يسأله واحد منهما
صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فَأَقَامَهُ عَلَيٌّ مَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: أَلا تُحَدِّثَنِي مَا الَّذِي أَقْدَمَكَ هَذَا الْبَلَدَ؟ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَنِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لَتُرْشِدُنِي فَعَلْتُ. فَفَعَلَ، فَأَخْبَرَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ، وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا أَصْبَحْتَ فَاتْبَعْنِي، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ شَيْئًا أَخَافُ عَلَيْكَ قُمْتُ كَأَنِّي أُرِيقُ الْمَاءَ، فَإِنْ مَضَيْتُ فَاتْبَعْنِي، حَتَّى تَدْخُلَ مَعِي مُدْخَلِي. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ أَقْفُوهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلْتُ مَعَهُ، وَحَيَّيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ، فَقُلْتُ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكُنْتُ أَوَّلُ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلامِ. فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلامُ، مَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ. فَعَرَضَ عَلَيَّ الإِسْلامَ فَأَسْلَمْتُ، وَشَهِدْتُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَأَخْبِرْهُمْ، وَاكْتُمْ أَمْرَكَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَإِنِّي أَخْشَاهُمْ عَلَيْكَ. فَقُلْتُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأُصَوِّتَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَشْهَدُ أَنْ لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول اللَّهِ. فَثَارَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ حَتَّى أَضْجَعُوهُ، وَأَتَى الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: وَيْلَكُمْ، أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ مِنْ غِفَارٍ، وَأَنَّ طَرِيقَ تِجَارَتِكُمْ إِلَى الشَّامِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْقَذَهُ مِنْهُمْ، ثُمَّ عَادَ مِنَ الْغَدِ إِلَى مِثْلِهَا، وَثَارُوا إِلَيْهِ فَضَرَبُوهُ، فَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ فَأَنْقَذَهُ ثُمَّ لَحِقَ بِقَوْمِهِ، فَكَانَ هَذَا أَوَّلُ إِسْلامِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، قَالَ. حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: حدثني الليث.
ابن سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، قَالَ: قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَكَانَ يَسْخَرُ بِآلِهَتِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ قدم على رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ. فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِمَ فِي اسْمِهِ فَقَالَ: أَنْتَ أَبُو نَمْلَةَ، فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَرٍّ. قَالَ: نَعَمْ أَبُو ذَرٍّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ جُنْدَبٍ مِنْ خَبَرِهِ مَا لَمْ يَقَعْ هُنَا. وتوفي أَبُو ذر رضي اللَّه عنه بالربذة سنة إحدى وثلاثين أَوِ اثنتين وثلاثين، وصلى عَلَيْهِ ابْن مَسْعُودٍ، ثم مات رضي اللَّه عنه بعده فِي ذلك العام. وقد قيل:
توفي سنة أربع وعشرين. والأول أصح إن شاء اللَّه تعالى. وَقَالَ علي رضي اللَّه عنه: وعى أَبُو ذر علمًا عجز الناس عنه، ثم أوكأ عَلَيْهِ، فلم يخرج شَيْئًا منه. وَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أَبُو ذر فِي أمتي عَلَى زهد عِيسَى ابْن مريم. وَقَالَ أَبُو ذر: لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يحرّك طائر جناحيه في السماء إلا ذكرناه منه علمًا.
حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا ابن وضاح، حدثنا ابن أبي شيبة، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى الأَشْيَبُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سلمة، حدثنا علي بن زيد بن جدعان، عَنْ بِلالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ- أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ، وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ أَخْبَارِهِ فِي بَابِ الْجِيمِ مِنَ الأَسْمَاءِ مَا هُوَ أَتَمُّ مِنْ هَذَا وَالْحَمْدُ للَّه تَعَالَى.
ذكر سيف بْن عُمَرَ، عَنِ القعقاع بْن الصلت، عن رجل من كليب بن
الحلحال، عَنِ الحلحال بْن دري الضبي، قَالَ: خرجنا حجاجًا مَعَ ابْن مَسْعُود سنة أربع وعشرين ونحن أربعة عشر راكبًا حَتَّى أتينا عَلَى الربذة، فشهدنا أبا ذر فغسلناه وكفناه ودفناه هناك.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114523&book=5556#b64ffa
أبو ذر الغفاري اسمه جندب بن جنادة بن سفيان وقد قيل ان اسم أبيه يزيد
ويقال أيضا سكن وكان أبو ذر ممن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بنى غفار إلى مكة واختفى في استار الكعبة أياما كثيرة لا يخرج منها الا لحاجة الانسان من غير ان يطعم أو يشرب شيئا الا ماء زمزم حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فآمن به وهو أول من حياه بتحية الاسلام ثم هاجر إلى المدينة وشهد جوامع المشاهد ومات بالربذة في خلافة عثمان بن عفان سنة ثنتين وثلاثين
ويقال أيضا سكن وكان أبو ذر ممن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من بنى غفار إلى مكة واختفى في استار الكعبة أياما كثيرة لا يخرج منها الا لحاجة الانسان من غير ان يطعم أو يشرب شيئا الا ماء زمزم حتى رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فآمن به وهو أول من حياه بتحية الاسلام ثم هاجر إلى المدينة وشهد جوامع المشاهد ومات بالربذة في خلافة عثمان بن عفان سنة ثنتين وثلاثين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154907&book=5556#f53b1e
أبو ذر الغفاري
صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، والأظهر أنه جندب بن جنادة. وهو من أعيان الصحابة. قديم الإسلام. أسلم بمكة قبل الهجرة، ورجع إلى بلاد قومه، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً.
وشهد فتح بيت المقدس، والجابية مع عمر بن الخطاب، وقدم دمشق، ورآه بها الأحنف بن قيس، وقيل: ببيت المقدس، وقيل: بحمص.
وذكر أبو بكر البلاذري قال: بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال له أبو ذر: إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية.
قال خالد بن حيان: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
وقال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد دمشق فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أعلى شفع يدري هذا ينصرف أم على وتر، فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله أعلى شفع تدري انصرفت أم على وتر؟ فقال: إلا أدر فإن الله يدري؛ إني سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدةً
إلا رفعه الله بها درجةً وحظ عنه بها خطيئة، قلت: من أنت، رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر. قال الأحنف: فتقاصرت إلي نفسي مما وقع في نفسي عليه.
قال أبو زرعة: وممن نزل الشام من مصر أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، نزل بيت المقدس يوم ارتحله عثمان إلى المدينة.
قال ابن سعد في الطبقة الثانية:
وأبو ذر، واسمه جندب بن جنادة وساق نسبه إلى غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
قال: وكان خامساً في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، وتوفي لأربع سنين بقيت من خلافة عثمان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود بالربذة زاد غيره: سنة اثنتين وثلاثين.
ووقع في طبقات ابن سميع أنه بدري، وهو وهم؛ فإن أبا ذر لم يشهد بدراً.
وقال البخاري: هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حجازي. ومات بالربذة في زمن عثمان.
قال أبو أحمد الحاكم: أبو ذر جندب بن جنادة ويقال: برير بن جندب، ويقال: برير بن جنادة، ويقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن. والمشهور: جندب بن جنادة الحجازي. له صحبة. وأمه: رملة بنت الوقيعة، من بني غفار أيضاً.
قال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها.
قال ابن منده: ويقال: إن اسم أبي ذر جنادة بن السكن.
قال أبو نعيم: اختلف في اسمه ونسبه، وكان يتعبد قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، يقوم بالليل مصلياً، حتى إذا كان آخر الليل سقط كأنه خرقة، ثم أسلم بمكة في أول الدعوة، وهو رابع الإسلام، وهو أول من حيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحية الإسلام، وبايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذه في الله لومة لائم، ثم كان يشبه بعيسى بن مريم عبادةً ونسكاً، لم يتلوث بشيء من فضول الدنيا حتى فارقها. ثبت على العهد الذي بايع عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التخلي عن فضول الدنيا، والتبرئ منها؛ كان يرى إقبالها محنةً وهواناً، وإدبارها نعمةً وامتناناً. حافظ على وصية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في محبة المساكين ومجالستهم، ومباينة المكثرين في مفارقتهم. كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فرغ منه أوى إلى مسجده، واستوطنه. سيد من آثر العزلة والوحدة، وأول من تكلم في علم الفناء والبقاء. كان وعاءً ملئ علماً فربط عليه.
كان رجلاً آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، توفي بالربذة، فولي غسله وتكفينه والصلاة عليه عبد الله بن مسعود في نفر كان منهم حجر بن الأدبر، سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بها. وكان يؤاخي سلمان الفارسي. لم تقل الغبراء، ولم تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق منه.
عن رجل من بني عامر قال: كنت كافراً فهداني الله إلا الإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، وقد نعت لي أبو ذر، فحججت، فدخلت مسجد منىً، فعرفته، فالتفت، فإذا شيخ معروق آدم عليه قطري.
وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية محلوق، يشبه بعضه بعضاً. قال: فخرج، فاتبعته، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر.
وفي صحيح مسلم: حدثنا هداب بن خالد الأزدي وقال محمد بن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني أبو النضر قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتى أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاءً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجةً
بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد يعدو أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر زاد في رواية أخرى: قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا.
قال: فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: هذا الصابئ، فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين، فأتتا علي وهما يدعوان إسافاً ونائلة، فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ها هنا أحد من
أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وهما هابطتان، قال: مالكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمةً تملأ الفم. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته كنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: وعليك ورحمة الله، ممن أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقد عني صاحبه، وكان أعلم به مني، فرفع رأسه ثم قال: متى كنت ها هنا؟ قلت: منذ ثلاثين بين ليلة ويم، قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، فما وجدت على كبدي سخفة جوع. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها مباركة، إنها طعام طعم. فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في إطعامه الليلة، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم.
فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ فقلت: صنعت أني أسلمت، وصدقت، قال: ما لي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. فأتينا أمنا، فقالت: ما لي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت، وصدقت. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.
رواه ابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: صليت قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، قلت: أين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، كنت أصلي حتى إذا كان نصف الليل سقطت كأني خرقة فذكر الحديث نحو ما مضى إلى أن قال: فانطلق أخي أنيس، فأتى مكة، فلما قدم قال: أتيت رجلاً تسميه الناس الصابئ، هو أشبه الناس بك.
قال أبو ذر:
فأتيت مكة، فرأيت، رجلاً هو أضعف القوم في عيني، فقلت: أين الرجل الذي تسميه الناس الصابئ؟ فرفع صوته علي، وقال: صابئ، صابئ. فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها، فكنت فيها خمس عشرة من بين يوم وليلة فذكر الحديث في اجتماعه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ما مضى، وقال: قال صاحبه: يا رسول الله، أتحفني بضيافته الليلة.
رواه مسلم في الصحيح مختصراً، ثم قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومحمد بن حاتم قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق الأخ حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت. فتزود وحمل شنةً له، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يعرفه،
وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه يعني الليل، فاضطجع، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: أما أنى للرجل أن يعلم منزله!؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالثة فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره، فقال: إنه حق، وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بني ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه.
وقال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثنا المثنى بن سعيد القصير، حدثني أبو جمرة قال: قال ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: أنطلق إلى هذا الرجل فكلمه، وائتني بخبره. فانطلق، فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله لقد رأيته رجلاً يأمر
بالخير، وينهى عن الشر، فقلت: لم تشفني من الخبر. فأخذت جراباً وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. فمر علي فقال: كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء، ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فمر بي علي فقال: ما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا، قال: ما أمرك، وما أقدمك هذه البلدة؟ قلت: إن كتمته علي أخبرتك، قال: فإني أفعل. قلت: بلغنا أنه قد خرج رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه.
قال: أما إنك قد رشدت لأمرك، هذا وجهي إليه فاتبعني، فادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحداً أخافه عليك قمت إلى الحائط. وامض أنت. قال: فمضى، ومضيت معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه علي، فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. قلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن ما بين أظهركم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا، فضربت لأموت، وأدركني العباس، فأكب علي ثم قال: ويحكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم، وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت، فقلت ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فضربوني، وأدركني العباس، فأكب علي.
قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر.
عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً ينفرد وحده بقطع الطريق،
ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي، ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام، وسمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذ بمكة يدعو مختفياً، فأقبل يسأل عنه، حتى أتاه في منزله وقبل ذلك ما قد طلب من يوصله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجد أحداً فانتهى إلى الباب، فاستأذن، فدخل، وعنده أبو بكر، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين، وهو يقول: يا رسول الله، والله لا نستسر بالإسلام، ولنظهرنه، فلا يرد عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقلت: يا محمد، إلام تدعو؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له، وخلع الأوثان، وتشهد أني رسول الله. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. ثم قال أبو ذر: يا رسول الله، إني منصرف إلى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك، فإني أرى قومك عليك جميعاً. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصبت، فانصرف. فكان يكون بأسفل ثنية غزال، فكان يعترض لعيرات قريش، فيقتطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئاً. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومضى بدر وأحد، ثم قدم، فأقام بالمدينة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي ذر قال: كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة، وأنا الرابع، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: سلام عليك يا نبي الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: من أنت؟ قلت: أنا جندب رجل من بني غفار، قال: فرأيتها في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث ارتدع، كأنه ود أني كنت من قبيلة أرفع من قبيلتي. قال: وكنت من قبيلة فيها رقةً، كانوا يسرقون الحاج بمحاجن لهم.
قال جبير بن نفير: كان أبو ذر، وعمرو بن عبسة، كل واحد منهم يقول: أنا ربع الإسلام. وقال: وكان أبو ذر يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وبلال.
وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت في الإسلام خامساً.
قال الواقدي: قالوا: وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وصفهم صفوفاً يعني يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها، وسمى حامليها. قال: وكان في بني غفار راية يحملها أبو ذر.
قال: وكان أبو ذر يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري، كان نضواً أعجف، فقلت: أعلفه أياماً، ثم ألحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعلفته أياماً، ثم خرجت، فلما كنت بذي المروة أذم بي، وتلومت عليه يوماً فلم أر به حركة. فأخذت متاعي، فحملته على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشياً في حر شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحداً يلحقه من المسلمين، وطلعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف النهار، وقد بلغ مني العطش، فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كن أبا ذر، فلما تأملني القوم قالوا: يا رسول الله، هذا أبو ذر، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دنوت منه، فقال:
مرحباً بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر؟ فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعز أهلي علي تخلفاً، لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنباً إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى، فأتي بإناء من ماء فشربه.
وعن غضيف بن الحارث، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب.
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبو ذر: وكان أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له سؤالاً.
فذكر حديثاً.
وعن حاطب قال: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدري إلا صببته في صدر مالك بن ضمرة.
وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً.
وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل شيء حتى عن مسح الحصا، فقال: واحدة.
قال: أوصاني حبي بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم، وأنظر إلى من تحتي ولا
أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال عمر مولى غفرة: ما أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه؛ قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عون بن مالك، عن أبي ذر أنه جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا ذر هل صليت الضحى؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، فقام فصلى، ثم جلس، فقال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شياطين الإنس، قلت: يا رسول الله، هل للإنس شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عبيد بن عمير، عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أبا ذر ألا أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها نفعك الله بها؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي، قال: جاور القبور تذكر بها وعيد الآخرة، وزرها بالنهار، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى؛ فإن في معالجة جسد خاو عظةً، وشيع الجنائز؛ فإن ذلك يحرك القلب ويحزنه، وأعلم أن أهل الحزن في أمن الله، وجالس أهل البلاء والمساكين، وكل معهم، ومع خادمك لعل الله يرفعك يوم القيامة، والبس الخشن الصفيق من الثياب تذللاً لله عز وجل وتواضعاً لعل الفخر والبطر لا يجدان فيك مساغاً، وتزين أحياناً في عبادة الله بزينة حسنة تعففاً وتكرماً، فإن ذلك لا يضرك إن شاء الله وعسى أن يحدث لله شكراً.
وسئل أبو ذر: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيني قط
إلا صافحني، ولقد جئت مرةً، فقيل لي: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبك، فجئت، فاعتنقني، فكان ذلك أجود وأجود.
وقال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي توفي فيه، فأتيته، فوجدته نائماً، فأكببت عليه، فرفع يده فالتزمني.
سئل علي بن أبي طالب عن أبي ذر، فقال: علم العلم ثم أوكى فربط عليه ربطاً شديداً.
وقال أيضاً: أبو ذر وعاء ملئ علماً ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيء، حتى قبض.
وقال أيضاً: وعى علماً عجز فيه وكان شحيحاً حريصاً؛ شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال، فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه؛ أعجز عن كشفه، أم عما عنده من العلم، أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: كان أبو ذر جالساً إلى جنب أبي بن كعب يوم الجمعة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيةً لم يكن أبو ذر سمعها، فقال أبو ذر لأبي: متى أنزلت هذه الآية؟ فلم يكلمه، فلما أقيمت الصلاة قال له أبو ذر: ما منعك أن تكلمني حين سألتك؟ فقال أبي: إنه ليس لك من جمعتك إلا ما لغوت. فانطلق أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره، فقال: صدق أبي، فقال أبو ذر: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه.
وعن أبي أمامة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى أبي ذر غلاماً، فقال: يا أبا ذر، أطعمه مما تأكل، واكسه مما تلبس، فلم يكن عنده غير ثوب واحد، فجعله نصفين، فراح إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما شأن ثوبك يا أبا ذر؟ فقال: إن الفتى الذي دفعته إلي أمرتني أن أطعمه مما آكل، وأكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلا هذا الثوب فناصفته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن إليه يا أبا ذر، فانطلق أبو ذر فأعتقه، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما فعل فتاك؟ قال: ليس لي فتى، قد أعتقته، قال: أجرك الله يا أبا ذر.
قال عبد الله بن مليل: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطاه الله سبعة رفقاء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر، فذكرهم، وفيهم أبو ذر.
وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد.
وعن علي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر زاد علي: طلب شيئاً من الزهد عجز عنه الناس.
وعن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره
أن ينظر إلى تواضع وفي رواية: إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.
وعن مالك بن مرثد، عن أبيه قال: قال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقل الغبراء، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق، ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم. قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبراً ونسكا فعليكم بأبي ذر.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته. من سره أن ينظر إلى شبه عيسى بن مريم خلقاً وخلقاً فلينظر إلى أبي ذر.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا له نظير في أمتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي نظيري. ومن سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي أبو بكر الصديق، وأحسنهم خلقاً أبو عبيدة بن الجراح، وأصدقهم لهجةً أبو ذر، وأشدهم في الحق عمر، وأقضاهم علي.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني رأيت أني وزنت بأربعين أنت فيهم، فوزنتهم.
عن أبي ذر قال: والله ما كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أخذت إلا عنه، أو عن كتاب الله عز وجل.
وقال: والله إني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما غيرت، ولا بدلت.
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.
وقال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كيف أنت عند ولاة يستأثرون عليك؟ قلت: قلت: والذي بعثك بالحق، أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك. قال: أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ اصبر حتى تلحقني وفي رواية: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك، وفي رواية: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها وضرب بيده نحو الشام ولا أرى أمراءك إلا يحولون بينك وبين ذلك قلت: فآخذ سيفي، وأضرب به من حال بيني وبين أمرك؟ قال: لا، ولكن تسمع وتطيع ولو لعبد حبشي. فلما بلغ البناء سلعاً خرج من المدينة حتى أتى الشام، فتكاب الناس عليه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلى أبي ذر. فكتب إليه عثمان يأمره بالقدوم عليه، فقال: سمعاً وطاعة. فلما قدم على عثمان قال له: ها هنا عندي. قال: الدنيا لا حاجة لي فيها، قال: تأتي الربذة، قال: إن أذنت لي. فلما قدم الربذة حضرت الصلاة، قيل له: تقدم يا أبا ذر، فقال: من على هذا الماء؟ قالوا: هذا، فإذا عبد حبشي. قال أبو ذر: الله أكبر، أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي. فتقدم، فصلى خلفه أبو ذر.
وقال أبو ذر: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فاضطجع فيه. فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطج فيه، فضبني برجله، فاستويت جالساً، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: ألحق بأرض الشام، قال: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: آخذ سيفي، فأضرب به من يخرجني، قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على منكبي ثم قال: غفراً أبا ذر، غفراً أبا ذر، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود. قال: فلما نفيت إلى الربذة أقمت الصلاة، فتقدمهم رجل أسود كان فيها على بعض الصدقة، فلما رآني أخذ يرجع ليقدمني، فقلت: كما أنت أنقاد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بعدي بلاء، قلت: في الله؟ قال: في الله قلت: مرحباً بأمر الله.
وقال أبو ذر: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن.
قال عبد الله بن أبي قيس: خرجنا مع غضيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فأتينا أبا الدرداء، فسلمنا عليه، فقال أبو الدرداء: الق أبا ذر، فقل: يقول لك أبو الدرداء: اتق الله، وخف الناس، فقال أبو ذر: اللهم غفراً، إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد رأينا فقد رأى، أو ما علم أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذني في الله
لومة لائم.
عن أبي اليمان، وأبي المثنى أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وواثقني سبعاً، وأشهد الله علي تسعاً ألا أخاف في الله لومة لائم. ثم قال أبو المثنى: قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يشترط علي: أن لا تسأل الناس شيئاً، قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه.
عن أبي اليمان قال: لما قفل الناس عام غزوة قبرس وعليهم معاوية، ومعه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا بالشام، فخرج إلى الكنيسة التي إلى جانب أنطرسوس التي يقال لها كنيسة معاوية، وبمقامه عندها دعيت كنيسة معاوية، فقام في الناس قبل أن يتفرقوا إلى أجنادهم، فقال: إنا قاسموا غنائمكم على ثلاثة أسهم: سهم للسفن فإنها مراكبكم، وسهم للقبط، فإنكم لم يكن لكم حيلة إلا بهم، وسهم لكم. فقام أبو ذر، فقال: كلا والله لا نقسم سهامنا على ذلك، أتقسم للسفن وهي مما أفاء الله علينا؟ وتقسم للقبط وإنما هم خولنا؟ والله ما أبالي من قال أو ترك، لقد بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله علي سبعاً: ألا تأخذني في الله لومة لائم.
فقال معاوية: تقسم الغنائم جميعاً على المسلمين.
قال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي: حدثني أبو كثير، حدثني أبي قال:
أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ثم قال: أرقيب أنت علي؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار بيده إلى
قفاه ثم ظننت أن أنفذ كلمةً سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.
وفي رواية: أن رجلاً أتى أبا ذر فقال: إن المصدقين يعني جباة الصدقة إزدادوا علينا، فنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ قال: لا، قف مالك عليهم فقل: ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلاً فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة.
وعلى رأسه فتىً من قريش، فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتوى؟ فذكر ما سبق.
وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي؛ ثم ضرب بيده على صدره.
عن أبي الطفيل، عن ابن أخي أبي ذر قال: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لن يسلط أحد على قتلي، ولن يفتنونني عن ديني. وأخبرني أني أسلمت فرداً، وأموت فرداً، وأبعث يوم القيامة فرداً.
قال الأحنف بن قيس: أتيت المدينة، ثم أتيت الشام، فجمعت، فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها، يصلي ويخف صلاته. فجلست إليه، قال: قم عني لا أغرك بشر، فقلت: كيف تغرني بشر؟ قال: إن هذا يعني معاوية نادى مناديه أن لا يجالسني أحد.
وفي رواية: كنت جالساً في حلقة بمسجد المدينة، فأقبل رجل لا تراه حلقة إلا فروا حتى انتهى إلى الحلقة التي كنت فيها، ففروا، وثبت، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: فما يفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن
الكنوز، قلت: فإن أعطيتنا قد بلغت وارتفعت، أفتخاف علينا منها؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن يكون أثمان دينكم، فإذا كان أثمان دينكم فدعوهم وإياها.
وقال: قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليهم في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.
قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم دعاني، فقال: يا أبا ذر، فأجبته، فقال: ترى أحداً، فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظنه يبعث بي في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً! فقلت: مالك ولإخوانك قريش، لا تعتريهم، وتصيب منهم؟ قال: لا وربك ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله.
قال مالك بن أوس بن الحدثان: قدم أبو ذر من الشام، فدخل المسجد وأنا جالس، فسلم علينا، وأتى سارية، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم قرأ: ألهاكم التكاثر حتى ختمها، واجتمع الناس عليه، فقالوا له: يا أبا ذر، حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، من
جمع ديناراً أو درهماً، أو تبراً، أو فضة لا يعده لغريم، ولا للنفقة في سبيل الله كوي به. قلت: يا أبا ذر، انظر ما تخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هذه الأموال قد فشت. فقال: من أنت يا بن أخي؟ فانتسبت له، قال: قد عرفت نسبك الأكبر، ما تقرأ " والذين يكنِزُون الذهبَ والفضةَ ولا ينفقونَها في سبيلِ الله "؟ وفي رواية: قدم أبو ذر من الشام وأنا جالس مع عثمان بن عفان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو ذر فسلم عليه، فقال عثمان: كيف أنت يا أبا ذر؟ قال: بخير، فكيف أنت؟ ثم ولى وهو يقول: " ألهاكُمُ التكاثرُ حتى زُرْتُم المقابر "، ورفع صوته وكان صلب الصوت حتى ارتج المسجد بقراءة السورة كلها، حتى مالت القراءة إلى سارية من سواري المسجد. فصلى ركعتين فتجوز فيهما، فاحتوشه الناس وقالوا: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلست قبالة وجهه.
فذكر نحو ما تقدم.
قال عبيد الله بن شميط: سمعت أبي يقول: بلغنا أن أبا ذر كان يقول وهو في مجلس معاوية: لقد عرفنا خياركم من شراركم، ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل. فقال رجل: يا أبا ذر، أتعلم الغيب؟ فقال معاوية: دعوا الشيخ فالشيخ أعلم منكم، من خيارنا يا أبا ذر؟ قال: خياركم أزهدكم في الدنيا، وأرغبكم في الآخرة، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة.
حدثنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من الباب الذي لا يدخل عليه منه، فتخوفنا عثمان عليه، فانتهى إليه، فسلم عليه وقال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، لو أمرتني أن آخذ بعرقوتي قتب لأخذت بهما حتى أموت. ثم استأذنه إلى الربذة، فقال: نعم نأذن لك.
عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان، فلما دخل إليه حسر عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين يريد الخوارج قال ابن شوذب: سيماهم التسبيت يعني الحلق فقال له عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلت إليك لتجاورنا بالمدينة، قال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة، قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صريمته. فلما خرج من عنده قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فاخذموها، ودعونا وربنا.
حدثني غزوان أبو حاتم قال: بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له إذ مر به رجل من قريش، فقال: يا أبا ذر، ما يجلسك ها هنا؟ قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا. فدخل الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فأذن له، فجاء حتى جلس ناحية القوم وميراث عبد الرحمن يقسم، فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحاق، أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ فقال: لا، فقام أبو ذر ومعه عصاً، فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا بن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس عليه حق في ماله إذا أدى الزكاة، والله تعالى يقول: " ويُؤْثِرون على أنفسهم " الآية، " ويُطْعِمون الطعامَ على حُبّه "، و" في أموالِهِمْ حَقُّ معلوم للسائل والمْحُروم "، فجعل يذكر نحو هذا
من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى! عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية، فكان يحب الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار، فقال عثمان: ألا ترضون من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان، ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنةً، فضربه، فشجه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذر، اتق الله، واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له: يا بن اليهودية، ما أنت وما ها هنا؟! والله لتسمعن مني أو لا أدخل عليك، والله لا يسمع أحد من اليهود إلا فتنوه.
قال زيد بن وهب: حدثني أبو ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا بلغ البناء سلعاً فارتحل إلى الشام. فلما بلغ البناء سلعاً قدمت الشام، وكنت بها، فتلوت هذه الآية " والذين يكِنُزون الذَّهبَ والفِضّةَ "، فقال معاوية: هذه للكفار، فقلت: هي لأهل الإسلام. فكتب إلى عثمان: إن هذا يفسد، فكتب إلي عثمان، فقدمت المدينة، فأجفل الناس ينتظرونني، كأنهم لم يروني قط، فقال لي عثمان: لو ارتحلت إلى الربذة؟ قال: فارتحلنا إلى الربذة.
وفي رواية: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، فقلت: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: " والذين يكنزون الذهبَ والفضةَ "، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، وقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمت المدينة، فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال:
إن شئت تنحيت، فكنت قريباً. قال: فذلك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر علي حبشي لسمعت وأطعت.
قال موسى بن عبيدة: أخبرني ابن نفيع، عن ابن عباس قال:
استأذن أبو ذر على عثمان وأنا عنده، فتغافلوا عنه ساعةً، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا أبو ذر بالباب يستأذنك، فقال: ائذن له إن شئت، إنه يؤذينا ويبرح بنا، قال: فأذنت له، فجلس على سرير مرمول من هذه البحرية، فرجف به السرير، وكان عظيماً طويلاً، فقال له عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر؟ قال: ما قلت: قال عثمان: إني أنزع عليك بالبينة، قال: والله ما أدري ما بينتك، وما تأتي به؟ وقد علمت ما قلت، قال: فكيف قلت إذاً؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه، وكلكم قد أصاب من الدنيا، وأنا على ما عاهدني عليه، وعلى الله تمام النعمة. وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية، فكان يحدث بالشام، فاستهوى قلوب الرجال، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته، وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، ولا تبر، ولا فضة إلا شيء ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم. وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية أنقذك الله من النار، فإني أخطأت بك. قال: يا بني، قل له: يقول لك أبو ذر: والله ما أصبح عندنا منه دينار، ولكن أنظرنا ثلاثاً حتى نجمع لك دنانيرك. فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان: أما بعد، فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله فابعث إلى أبي ذر، فإنه قد أوغل صدور الناس. فكتب إليه عثمان: أقدم علي. فقدم عليه المدينة.
قال شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه يسلم عليهم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص فيه بعد فلم يسمعه أبو ذر، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد.
قال عبد بن سيدان السلمي: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً، فقال الناس: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة وفي رواية: لو أن عثمان أمرني أن أمشي على رأسي لمشيت، وفي رواية: لو أمرني ألا أجلس ما جلست ما حملتني رجلاي ولو كنت على بعير يعني موثقاً ما أطلقت نفسي حتى يكون هذا الذي يطلقني.
وفي رواية: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين، أتحسب أني من قوم والله ما أنا منهم، ولا أدركتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ولا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، سيماهم التحليق. والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي ولو أوثقتني بعرقوتي قتب ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني.
عن شيخين من بني ثعلبة: رجل وامرأته قالا: نزلنا الربذة، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية، فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا، واستأنس بنا، فبينا نحن كذلك
إذ أتاه نفر من أهل العراق، حسبته قال: من أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا ذر، فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب له رايةً، فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الإسلام، لا تعرضوا علي ذاكم، ولا تذلوا السلطان؛ فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة وأطول جبل لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق أو قال: ما بين الشرق والغرب لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي.
عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ جاءه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: إني تركت أبا ذر يسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء: إنا لله وإنا إليه راجعون! لو أن أبا ذر قطعني عضواً عضواً ما هجته مما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه.
قال الحافظ أبو القاسم رحمه الله: ولم يسير عثمان أبا ذر، لكنه خرج هو إلى الربذة لما تخوف من الفتنة التي حذره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج عقيب ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عثمان ظن أنه هو الذي أخرجه.
ثم أسند عن عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعاً وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام.
وذكر الحديث في رجوعه، ثم خروجه إلى الربذة، وموته بها.
قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلساً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة. وقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا بهيئة ما تركته فيها، وإنه والله ما منكم أحد إلا قد تشبث منها بشيء.
قال مالك بن دينار: قال أبو ذر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثك بالحق لا لقيتك إلا على الذي فارقتك عليه.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في جهنم عقبة كؤود لا يقطعها إلا المخفون، قلت: أمن المخفين أنا يا رسول الله؟ قال: عندك طعام يوم؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام غد؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام بعد غد؟ قلت: لا، قال: لو كان عندك طعام ثلاثة أيام لكنت من المثقلين.
وقال أبو ذر: كان قوتي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل جمعة صاعاً فلست بزائد عليه حتى ألقاه.
قال إبراهيم التيمي: دخل شباب من قريش على أبي ذر فقالوا له: فضحتنا بالدنيا، وأغضبوه، فقال: مالي وللدنيا، وإنما يكفيني صاع من طعام في كل جمعة، وشربة من ماء في كل يوم.
قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا رجل عليه برد، وعلى غلامه برد مثله، فقلنا له، لو أخذت
برد غلامك هذا فضممته إلى بردك هذا فلبسته كانا حلةً، واشتريت لغلامك برداً غيره؟ قال: إني سأحدثكم عن ذلك: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجميةً، فنلت منها، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعذره مني، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، ساببت فلاناً؟ فقلت: نعم، قال: فذكرت أمه؟ فقلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه، فقال لي: إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على حال ساعتي من الكبر؟ قال: على حال ساعتك من الكبر؛ إنهم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه.
عن سليمان بن يسار قال: قال أبو ذر حدثان إسلامه لابن عمه: يا بن الأمة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذهبت عنك أعرابيتك بعد.
عن عطاء بن أبي مروان، عن أبي ذر أنه رآه في نمرة مؤتزراً بها، قائماً يصلي، فقلت: يا أبا ذر، مالك ثوب غير هذه النمرة؟ قال: لو كان لي رأيته علي، قلت: رأيت عليك منذ أيام ثوبين، فقال: يا بن أخي، أعطيتهما من هو أحوج مني إليهما، قلت: والله إنك لمحتاج إليهما، قال: اللهم غفراً، إنك لمعظم للدنيا، ألست ترى علي هذه البردة؟ ولي أخرى للمسجد، ولي أعنز نحلبها، ولي أحمرة نحمل عليها ميرتنا، وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟
قال عبد الله بن خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق، فقيل له: يا أبا ذر، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في الفناء، ويدخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأةً غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني، قالوا له: لو اتخذت بساطاً ألين من هذا؟ قال: اللهم غفراً، خذ مما خولت ما بدا لك.
عن رجل من بني سليم قال:
جاورت أبا ذر بالربذة وله فيها قطيع إبل، له فيها راع ضعيف، فقلت: يا أبا ذر، ألا أكون لك صاحباً أكف راعيكم، وأقتبس بعض ما لعل الله ينفعني به. فقال له أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فما كنت لي مطيعاً فأنت لي صاحب، وإلا فلست لي بصاحب. قلت: وما الذي تسألني الطاعة فيه؟ قال: لا أدعوك لشيء من مالي إلا توخيت أفضله. قال: فلبثت معه ما شاء الله، فذكر له في أهل الماء حاجة، فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل، فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه، فذكرت حاجتهم إليه، فتركته وأخذت ناقةً ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها، فحانت منه نظرة، فرآني، فقال: يا أخا بني سليم، جنبني، يا أخا بني سليم أجتنبني، فلما فهمتها خليت الناقة ثم رجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل، فجئت به، فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ فقال رجلان: نحن، فقال: إما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء، فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً مما تفعلون.
فلما فرقوا اللحم دعاني، فقال: ما أدري حفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك، ولكن لما تصفحت الإبل وجدت أفضلها فحلها، فهممت بأخذه، ثم ذكرت حاجتكم إليه فتركته. قال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت:
ما تركته إلا لذلك. قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي إليه؟ يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها، والوارث، ينتظر متى يوضع رأسك فيستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن؛ مع أن الله تعالى قال: " لَنْ تنالوا البِرَّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّون "، وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي.
عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا هو يتلظى على صاحبه.
عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر له من حطب قد أصابه مطر، ودموعه تسيل، فقالت له امرأة له: كان لك عن هذا مندوحة، فلو شئت كفيت، فقال أبو ذر: فهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله. قال: فكأنما ألقمها حجراً؛ حتى إذا أنضج ما في القدر جاء بصحفة، فكسر فيها خبزاً له غليظاً، ثم جاء بالذي كان في القدر، فكبه عليه، ثم جاء به، وقال لي: ادن، فأكلنا جميعاً، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقةً من لبن معزاة، فقلت: أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشاً؟ فقال: أتريد لي حساباً أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالاً نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساءً
نلبسه، وبرمة نطبخ فيها، وصحفة نأكل فيها، وبطة فيها زيت، وغرارة فيها دقيق؟ قلت: فإن عطاءك أربعمائة دينار، وأنت في شرف من العطاء فأين يذهب عطاؤك؟ فقال: لي في هذه القرية وأشار إلى قرية بالشام ثلاثون فرساً، فإذا خرج عطائي اشتريت لها علفاً، وأرزاقاً لمن يقوم عليها، ونفقة لأهلي، فإن بقي منها شيء اشتريت به فلوساً، فجعلته عند نبطي ها هنا، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه، ثم أحمل عليها في سبيل الله. وليس عند آل أبي ذر دينار، ولا درهم.
قال ميمون بن مهران: لما احتضر أبو ذر قال لامرأته: أين تلك النفقة؟ فجاءت بثلاثة عشر درهماً، فأمر بها فوضعت مواضعها، ثم قال: إن كانت محرقتي ما بين عانتي إلى ذقني.
عن محمد بن المنذر قال: بعث حبيب بن مسلمة إلى أبي ذر وهو بالشام ثلاثمائة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، فما أحد أغنى بالله منا، لنا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل.
وعن ابن سيرين قال: بلغ رجلاً كان بالشام من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار فقال: ما وجد عبداً لله هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من سأل وله أربعون فقد ألحف، ولآل أبي ذر أربعون درهماً، وأربعون شاةً، وماهنان يعني خادمين.
عن أبي شعبة قال:
مر قوم بأبي ذر بالربذة، فعرضوا عليه النفقة، فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وأحمرة ننتقل عليها، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة إني لأخاف الحساب فيها.
وفي رواية: وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب الفضل.
عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزى عليها، ويصلح آلة بقيتها، فإذا رجعت أخذها فأصلح آلتها، وحمل على الأخرى.
عن جسر بن الحسن قال: كان عطاء أبي ذر أربعة آلاف، فكان يشتري عشرين فرساً فيرتبطها بحمص، فكان يحمل على عشر عاماً، وعشر عاماً.
قال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى: حدثني أبي، عن جدي قال: خرج أبو الدرداء إلى السوق يشتري قميصاً، فلقي أبا ذر، فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: وبكم؟ قال: بعشرة دراهم. فوضع أبو ذر يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه، فلم أقدر، فقلت: يا أبا ذر، لا تفعل، مر معي، فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم. فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوأته، فقلت له: اتق الله ووار سوأتك! فقال: ما أجد ما أواري به سوأتي، فألقيت إليه الثوب، ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قميصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمة على الطريق تبكي، قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي، وأبطأت على أهلي. فذهبت
معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، وإناء بدرهم. فقالت: يا شيخ، أما إذ فعلت ما فعلت فامش معي إلى أهلي، فإني قد أبطأت، وأنا أخاف أن يضربوني، قال: فمشيت معها إلى مواليها فدعوت، فخرج لي مولاها، فقال: ما عناك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمكم أبطأت عنكم، وأشفقت أن تضربوها، فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها. قال: فأنا أشهدك أنها حرة لوجه الله لممشاك معها.
قال أبو الدرداء: فقلت: أبو ذر أرشد مني، كساني قميصاً، وكسا مسكيناً قميصاً، وأعتق رقبةً بعشرة دراهم.
قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكناً تدرأ بظله، فمر عليه أبو ذر، فقال: ما هذا؟ تعمر داراً أمر الله بخرابها؟! لأن أكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيها! فلما فرغ أبو الدرداء من بنائه قال: إني قائل على بنائي هذا شيئاً:
بنيت داراً ولست عامرها ... لقد علمت إذ بنيت أين داري
قال ابن سعد: يسنده إلى ابن بريدة، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر، فجعل أبو موسى يلزمه، وكان الأشعري رجلاً خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر اسود كث الشعر، فجعل الأشعري يلزمه ويقول أبو ذر: إليك عني، ويقول الأشعري: مرحباً بأخي، ويدفعه أبو ذر ويقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.
قال: ثم لقي أبا هريرة، فالتزمه، وقال: مرحباً بأخي، فقال له أبو ذر: إليك عني، هل كنت عملت لهؤلاء؟ قال: نعم. قال: قد تطاولت في البناء، واتخذت زرعاً وماشيةً؟ قال: لا، قال: أنت أخي، أنت أخي.
قال سفيان الثوري: قال أبو ذر: لك في مالك شريكان أيهما جاء أخذ ولم يؤامرك: الحدثان والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يدك. وأنت تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس الثلاثة نصيباً فافعل.
قال جعفر بن سليمان: دخل رجل على أبي ذر، فجعل يقلب بصره في بيته. فقال له: يا أبا ذر، أين متاعك؟ وفي رواية: ما أرى في بيتك متاعاً، ولا غير ذلك من الأثاث فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا. قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
وعن ابن جدعان، عمن سمع أبا ذر في مسجد المدينة يقول لرجل: بم تخوفني؟ فوالله للفقر أحب إلي من الغنى، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها.
وقال أبو ذر: أحب الإسلام وأهله، وأحب الفقراء، وأحب الغريب من كل قلبك. وادخل في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر، ولا يأمن رجل أن يكون على خير فيرجع إلى شر، فيموت بشر، ولا ييأس رجل أن يكون على شر، فيرجع إلى خير، فيموت بخير، وليردك عن الناس ما تعرف من نفسك.
وقال: يا أيها الناس، إني بكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير لعظائم الأمور.
وقال: وددت أني شجرة تعضد، وددت أني لم أخلق.
قال المدائني: قال عمر بن الخطاب لأبي ذر: يا أبا ذر، من أنعم الناس بالاً؟ قال: برئ في الثواب، قد أمن من العقاب فبشر بالثواب. قال: صدقت يا أبا ذر.
وأسند ابن أبي الدنيا عن بعضهم قال: جاء غلام لأبي ذر وقد كسر رجل شاة له، فقال له أبو ذر: من كسر رجل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولم؟ قال: لأغيظك، لتضربني، فتأثم. فقال أبو ذر: لأغيظن من حرضك على غيظي! فأعتقه.
قالت أم طلق: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثاً شاحباً بيده صوف، قد جعل عودين وهو يغزل به ذلك الصوف، فنظرت يمنةً ويسرة فلم أر في بيته شيئاً، فناولته شيئاً من دقيق وسويق، فجعله في طرف ثوبه، فقال: أما ثوابك فعلى الله.
وفي رواية: رأيته شعثاً شحباً، وفي يده صوف منفوش وعودان، قد وضع أحدهما على الآخر، وهو يغزل ذلك الصوف.
قال عيسى بن عميلة الفزاري: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمةً له، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصره، وقرب إليهم تمراً وهو يسير، ثم تعذر إليهم، وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به. قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئاً.
قال أبو ذر: أن تملي خيراً فيكتب لك خير من السكوت، والسكوت خير من أن تملي شراً، والجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء.
وفي رواية رفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أبو الأسود الدؤلي: قد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما رأيت بأبي ذر شبيهاً.
قال ابن سعد: قال محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي ذر وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة، وهو المعنق ليموت، وقال: لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر، فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة، وأبو ذر حين أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بعد ذلك.
عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة.
عن أبي ذر أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم.
وفي حديث آخر أن أبا ذر سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمرة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، فأدى الذي عليه فيها.
عن غالب بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً قال: كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس، فكان إذا دخل خلع
خفيه، فإذا بزق، أو تنخع تنخع عليهما. قال: ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته.
عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت منه، فقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ فقال: لا بل كنت أصلي.
عن بريدة بن سفيان ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما صار أبو ذر إلى الربذة وأصابه قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني، وكفناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا به ذلك، ثم وضعاه على قارعة الطريق، فأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عماراً، فلم يرعهم إلا بجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها، فقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي، وقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، فنزل هو وأصحابه فواروه.
عن محمد بن كعب
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له عام تبوك: تخلف أبو ذر، وهو في الطريق، فطلع، فقال: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. قال: فلما حضرت أبا ذر الوفاة، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان من إمارة عثمان، قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها،
فذبحت شاةً، ثم قصبتها. ثم قال لها: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إن أبا ذر يقسم عليكم ألا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة، ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. ثم خرجت ابنته، فتلقتهم، وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر! قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه، وقد مات، فادفنوه، فقالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فمالوا إليه، وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يموت وحده، ويبعث وحده. فغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرؤ عليكم السلام، وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا. وحملوهم حتى قدموا بهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم الله أبا ذر.
عن دري قال: خرجنا حجاجاً مع ابن مسعود ونحن أربعة عشر راكباً فسماهم، وفيهم: علقمة، والأسود وذلك سنة إحدى وعشرين، وفي رواية: أربعاً وعشرين حتى أتينا على الربذة، فإذا امرأة قد تلقتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذر. فغسلناه، وكفناه؛ فإذا خباؤه منضوح بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ قالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح، ولا يأكلون، فذوفي تلك المسكة بماء، ثم رشي بها الخباء، وأقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم، فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم. فلما دفناه دعتنا إلى الطعام، فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين منا
قريب، فنستأمره، فقدمنا مكة، وأخبرناه الخبر، فقال: رحم الله أبا ذر، وغفر له نزوله بالربذة. فلما صدر خرج، فأخذ طريق الربذة، وضم عياله إلى عياله، وتوجه نحو المدينة، وتوجهنا نحو العراق.
وعن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر قالت: لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدان لي بتغييبك، وليس معنا ثوب يسعك كفناً، ولا لك. فقال: لا تبك، وأبشري، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذبت، ولا كذبت، فأبصري الطريق. فقلت: أنى وقد ذهب الحاج، وتقطعت الطرق؟!؟ فقال: انظري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأقوم عليه، ثم أرجع إليه فأمرضه. فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي، فأسرعوا، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي، فقالوا: مالك يا أمة الله؟ فقلت: امرؤ من المسلمين، تكفنونه، يموت، فقالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: نعم. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فسلموا عليه، فرحب بهم، وقال: أبشروا، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة، فيصبران ويحتسبا، فيريان النار أبداً. وسمعته يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منك بفلاة من الأرض، فتشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت. وقال: أنشدكم الله، لا يكفني منكم رجل كان أميراً أو عريفاً، أو
بريداً، أو نقيباً. فكفنه أنصاري في ردائه وثوبين عنده من غزل أمه، ودفنه النفر الذين معه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، في نفر كلهم يماني.
قال المدائني: مات أبو ذر بالربذة، وصلى عليه ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين، وقدم ابن مسعود المدينة، فأقام عشرة أيام، ثم مات بعد عاشره.
زاد غيره فيمن مات هذه السنة: معاذ بن عمرو بن الجموح، وأبا الدرداء، وكعب الأحبار.
صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اختلف في اسمه اختلافاً كبيراً، والأظهر أنه جندب بن جنادة. وهو من أعيان الصحابة. قديم الإسلام. أسلم بمكة قبل الهجرة، ورجع إلى بلاد قومه، ولم يشهد مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدراً.
وشهد فتح بيت المقدس، والجابية مع عمر بن الخطاب، وقدم دمشق، ورآه بها الأحنف بن قيس، وقيل: ببيت المقدس، وقيل: بحمص.
وذكر أبو بكر البلاذري قال: بنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال له أبو ذر: إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهذا الإسراف. فسكت معاوية.
قال خالد بن حيان: كان أبو ذر وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق.
وقال الأحنف بن قيس: دخلت مسجد دمشق فإذا رجل يكثر الركوع والسجود، قلت: لا أخرج حتى أنظر أعلى شفع يدري هذا ينصرف أم على وتر، فلما فرغ قلت: يا أبا عبد الله أعلى شفع تدري انصرفت أم على وتر؟ فقال: إلا أدر فإن الله يدري؛ إني سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثم بكى، ثم قال: سمعت خليلي أبا القاسم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ما من عبد يسجد لله سجدةً
إلا رفعه الله بها درجةً وحظ عنه بها خطيئة، قلت: من أنت، رحمك الله؟ قال: أنا أبو ذر. قال الأحنف: فتقاصرت إلي نفسي مما وقع في نفسي عليه.
قال أبو زرعة: وممن نزل الشام من مصر أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري، نزل بيت المقدس يوم ارتحله عثمان إلى المدينة.
قال ابن سعد في الطبقة الثانية:
وأبو ذر، واسمه جندب بن جنادة وساق نسبه إلى غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار.
قال: وكان خامساً في الإسلام، ولكنه رجع إلى بلاد قومه، فأقام بها حتى قدم على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد ذلك، وتوفي لأربع سنين بقيت من خلافة عثمان، وصلى عليه عبد الله بن مسعود بالربذة زاد غيره: سنة اثنتين وثلاثين.
ووقع في طبقات ابن سميع أنه بدري، وهو وهم؛ فإن أبا ذر لم يشهد بدراً.
وقال البخاري: هاجر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. حجازي. ومات بالربذة في زمن عثمان.
قال أبو أحمد الحاكم: أبو ذر جندب بن جنادة ويقال: برير بن جندب، ويقال: برير بن جنادة، ويقال: جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن السكن. والمشهور: جندب بن جنادة الحجازي. له صحبة. وأمه: رملة بنت الوقيعة، من بني غفار أيضاً.
قال ابن يونس: شهد فتح مصر، واختط بها.
قال ابن منده: ويقال: إن اسم أبي ذر جنادة بن السكن.
قال أبو نعيم: اختلف في اسمه ونسبه، وكان يتعبد قبل مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، يقوم بالليل مصلياً، حتى إذا كان آخر الليل سقط كأنه خرقة، ثم أسلم بمكة في أول الدعوة، وهو رابع الإسلام، وهو أول من حيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بتحية الإسلام، وبايع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذه في الله لومة لائم، ثم كان يشبه بعيسى بن مريم عبادةً ونسكاً، لم يتلوث بشيء من فضول الدنيا حتى فارقها. ثبت على العهد الذي بايع عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من التخلي عن فضول الدنيا، والتبرئ منها؛ كان يرى إقبالها محنةً وهواناً، وإدبارها نعمةً وامتناناً. حافظ على وصية الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له في محبة المساكين ومجالستهم، ومباينة المكثرين في مفارقتهم. كان يخدم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإذا فرغ منه أوى إلى مسجده، واستوطنه. سيد من آثر العزلة والوحدة، وأول من تكلم في علم الفناء والبقاء. كان وعاءً ملئ علماً فربط عليه.
كان رجلاً آدم طويلاً أبيض الرأس واللحية، توفي بالربذة، فولي غسله وتكفينه والصلاة عليه عبد الله بن مسعود في نفر كان منهم حجر بن الأدبر، سنة اثنتين وثلاثين، ودفن بها. وكان يؤاخي سلمان الفارسي. لم تقل الغبراء، ولم تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق منه.
عن رجل من بني عامر قال: كنت كافراً فهداني الله إلا الإسلام، وكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فوقع ذلك في نفسي، وقد نعت لي أبو ذر، فحججت، فدخلت مسجد منىً، فعرفته، فالتفت، فإذا شيخ معروق آدم عليه قطري.
وقال الأحنف بن قيس: قدمت المدينة، فدخلت مسجدها، فبينما أنا أصلي إذ دخل رجل آدم طوال أبيض الرأس واللحية محلوق، يشبه بعضه بعضاً. قال: فخرج، فاتبعته، فقلت: من هذا؟ قالوا: أبو ذر.
وفي صحيح مسلم: حدثنا هداب بن خالد الأزدي وقال محمد بن سعد: أخبرنا هاشم بن القاسم الكناني أبو النضر قالا: حدثنا سليمان بن المغيرة، أخبرنا حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس. فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أما ما مضى من معروفك فقد كدرته، ولا جماع لك فيما بعد. فقربنا صرمتنا، فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا بثوبه فجعل يبكي. فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتى أنيس بصرمتنا ومثلها معها.
قال: وقد صليت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاءً حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس. فقال أنيس: إن لي حاجةً
بمكة، فاكفني. فانطلق أنيس حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله. قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر وكان أنيس أحد الشعراء قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر فما يلتئم على لسان أحد يعدو أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون.
قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر زاد في رواية أخرى: قال: نعم، وكن على حذر من أهل مكة، فإنهم قد شنفوا له، وتجهموا.
قال: فأتيت مكة، فتضعفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابئ؟ فأشار إلي، فقال: هذا الصابئ، فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع.
قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان إذ ضرب الله على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد منهم غير امرأتين، فأتتا علي وهما يدعوان إسافاً ونائلة، فقلت: هن مثل الخشبة غير أني لا أكني فانطلقتا تولولان، وتقولان: لو كان ها هنا أحد من
أنفارنا! فاستقبلهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وهما هابطتان، قال: مالكما؟ قالتا: الصابئ بين الكعبة وأستارها، قال: ما قال لكما؟ قالتا: إنه قال لنا كلمةً تملأ الفم. وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته كنت أول من حياه بتحية الإسلام، فقال: وعليك ورحمة الله، ممن أنت؟ قلت: من غفار، فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار، فذهبت آخذ بيده، فقد عني صاحبه، وكان أعلم به مني، فرفع رأسه ثم قال: متى كنت ها هنا؟ قلت: منذ ثلاثين بين ليلة ويم، قال: فمن كان يطعمك؟ قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، فما وجدت على كبدي سخفة جوع. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنها مباركة، إنها طعام طعم. فقال أبو بكر: يا رسول الله، ائذن لي في إطعامه الليلة، فانطلق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وانطلقت معهما، ففتح أبو بكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف، فكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غبرت ما غبرت، ثم أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب، فهل أنت مبلغ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم.
فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ فقلت: صنعت أني أسلمت، وصدقت، قال: ما لي رغبة عن دينك، فإني قد أسلمت وصدقت. فأتينا أمنا، فقالت: ما لي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت، وصدقت. فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم قبل أن يقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة فقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، فأسلم نصفهم الباقي. وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله، إخوتنا، نسلم على الذي أسلموا عليه، فأسلموا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله.
رواه ابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذر قال: صليت قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين، قلت: أين كنت توجه؟ قال: حيث وجهني الله، كنت أصلي حتى إذا كان نصف الليل سقطت كأني خرقة فذكر الحديث نحو ما مضى إلى أن قال: فانطلق أخي أنيس، فأتى مكة، فلما قدم قال: أتيت رجلاً تسميه الناس الصابئ، هو أشبه الناس بك.
قال أبو ذر:
فأتيت مكة، فرأيت، رجلاً هو أضعف القوم في عيني، فقلت: أين الرجل الذي تسميه الناس الصابئ؟ فرفع صوته علي، وقال: صابئ، صابئ. فرماني الناس حتى كأني نصب أحمر، فاختبأت بين الكعبة وبين أستارها، فكنت فيها خمس عشرة من بين يوم وليلة فذكر الحديث في اجتماعه بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو ما مضى، وقال: قال صاحبه: يا رسول الله، أتحفني بضيافته الليلة.
رواه مسلم في الصحيح مختصراً، ثم قال: وحدثني إبراهيم بن محمد بن عرعرة، ومحمد بن حاتم قالا: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا المثنى بن سعيد، عن أبي جمرة، عن ابن عباس قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني.
فانطلق الأخ حتى قدم مكة، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر. فقال: ما شفيتني فيما أردت. فتزود وحمل شنةً له، فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد، فالتمس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو لا يعرفه،
وكره أن يسأل عنه، حتى أدركه يعني الليل، فاضطجع، فرآه علي، فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، فظل ذلك اليوم ولا يرى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى أمسى، فعاد إلى مضجعه، فمر به علي، فقال: أما أنى للرجل أن يعلم منزله!؟ فأقامه، فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان يوم الثالثة فعل مثل ذلك، فأقامه علي معه، ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك هذا البلد؟ قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني فعلت. ففعل، فأخبره، فقال: إنه حق، وهو رسول الله، فإذا أصبحت فاتبعني، فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك منه قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي. ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بني ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد، فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، فقال: ويلكم! ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم؟ فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقذه.
وقال أبو قتيبة سلم بن قتيبة: حدثنا المثنى بن سعيد القصير، حدثني أبو جمرة قال: قال ابن عباس: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر؟ قلنا: بلى، قال: قال: كنت رجلاً من غفار، فبلغنا أن رجلاً قد خرج بمكة يزعم أنه نبي، فقلت لأخي: أنطلق إلى هذا الرجل فكلمه، وائتني بخبره. فانطلق، فلقيه ثم رجع، فقلت: ما عندك؟ قال: والله لقد رأيته رجلاً يأمر
بالخير، وينهى عن الشر، فقلت: لم تشفني من الخبر. فأخذت جراباً وعصا ثم أقبلت إلى مكة، فجعلت لا أعرفه، وأكره أن أسأل عنه، وأشرب من ماء زمزم، وأكون في المسجد. فمر علي فقال: كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم، قال: فانطلق إلى المنزل، فانطلقت معه، لا يسألني عن شيء، ولا أخبره. فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه، وليس أحد يخبرني عنه بشيء، فمر بي علي فقال: ما آن للرجل أن يعود؟ قلت: لا، قال: ما أمرك، وما أقدمك هذه البلدة؟ قلت: إن كتمته علي أخبرتك، قال: فإني أفعل. قلت: بلغنا أنه قد خرج رجل يزعم أنه نبي، فأرسلت أخي ليكلمه، فرجع ولم يشفني من الخبر، فأردت أن ألقاه.
قال: أما إنك قد رشدت لأمرك، هذا وجهي إليه فاتبعني، فادخل حيث أدخل، فإني إن رأيت أحداً أخافه عليك قمت إلى الحائط. وامض أنت. قال: فمضى، ومضيت معه حتى دخل، ودخلت معه على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: يا رسول الله، اعرض علي الإسلام، فعرضه علي، فأسلمت مكاني، فقال لي: يا أبا ذر، أكتم هذا الأمر وارجع إلى بلدك، فإذا بلغك ظهورنا فأقبل. قلت: والذي بعثك بالحق لأصرخن ما بين أظهركم. فجاء إلى المسجد وقريش فيه، فقال: يا معشر قريش، إني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، فقاموا، فضربت لأموت، وأدركني العباس، فأكب علي ثم قال: ويحكم! تقتلون رجلاً من غفار، ومتجركم، وممركم على غفار؟ فأقلعوا عني، فلما أصبحت الغد رجعت، فقلت ما قلت بالأمس، فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ. فضربوني، وأدركني العباس، فأكب علي.
قال: فكان هذا أول إسلام أبي ذر.
عن خفاف بن إيماء بن رحضة قال: كان أبو ذر رجلاً يصيب الطريق، وكان شجاعاً ينفرد وحده بقطع الطريق،
ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه، أو على قدميه كأنه السبع، فيطرق الحي، ويأخذ ما أخذ. ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام، وسمع بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يومئذ بمكة يدعو مختفياً، فأقبل يسأل عنه، حتى أتاه في منزله وقبل ذلك ما قد طلب من يوصله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يجد أحداً فانتهى إلى الباب، فاستأذن، فدخل، وعنده أبو بكر، وقد أسلم قبل ذلك بيوم أو يومين، وهو يقول: يا رسول الله، والله لا نستسر بالإسلام، ولنظهرنه، فلا يرد عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً، فقلت: يا محمد، إلام تدعو؟ قال: إلى الله وحده لا شريك له، وخلع الأوثان، وتشهد أني رسول الله. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله. ثم قال أبو ذر: يا رسول الله، إني منصرف إلى أهلي، وناظر متى يؤمر بالقتال فألحق بك، فإني أرى قومك عليك جميعاً. فقال: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أصبت، فانصرف. فكان يكون بأسفل ثنية غزال، فكان يعترض لعيرات قريش، فيقتطعها، فيقول: لا أرد إليكم منها شيئاً حتى تشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإن فعلوا رد عليهم ما أخذ منهم، وإن أبوا لم يرد عليهم شيئاً. فكان على ذلك حتى هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومضى بدر وأحد، ثم قدم، فأقام بالمدينة مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي ذر قال: كنت رابع الإسلام، أسلم قبلي ثلاثة، وأنا الرابع، فأتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلت: سلام عليك يا نبي الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فرأيت الاستبشار في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: من أنت؟ قلت: أنا جندب رجل من بني غفار، قال: فرأيتها في وجه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حيث ارتدع، كأنه ود أني كنت من قبيلة أرفع من قبيلتي. قال: وكنت من قبيلة فيها رقةً، كانوا يسرقون الحاج بمحاجن لهم.
قال جبير بن نفير: كان أبو ذر، وعمرو بن عبسة، كل واحد منهم يقول: أنا ربع الإسلام. وقال: وكان أبو ذر يقول: لقد رأيتني ربع الإسلام، لم يسلم قبلي إلا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وبلال.
وعن موسى بن عقبة، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت في الإسلام خامساً.
قال الواقدي: قالوا: وعبأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه، وصفهم صفوفاً يعني يوم حنين ووضع الرايات والألوية في أهلها، وسمى حامليها. قال: وكان في بني غفار راية يحملها أبو ذر.
قال: وكان أبو ذر يقول: أبطأت في غزوة تبوك من أجل بعيري، كان نضواً أعجف، فقلت: أعلفه أياماً، ثم ألحق برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فعلفته أياماً، ثم خرجت، فلما كنت بذي المروة أذم بي، وتلومت عليه يوماً فلم أر به حركة. فأخذت متاعي، فحملته على ظهري، ثم خرجت أتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماشياً في حر شديد، وقد تقطع الناس فلا أرى أحداً يلحقه من المسلمين، وطلعت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصف النهار، وقد بلغ مني العطش، فنظر ناظر من الطريق، فقال: يا رسول الله، إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده، فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: كن أبا ذر، فلما تأملني القوم قالوا: يا رسول الله، هذا أبو ذر، فقام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دنوت منه، فقال:
مرحباً بأبي ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فقال: ما خلفك يا أبا ذر؟ فأخبره خبر بعيره، ثم قال: إن كنت لمن أعز أهلي علي تخلفاً، لقد غفر الله لك يا أبا ذر بكل خطوة ذنباً إلى أن بلغتني، ووضع متاعه عن ظهره، ثم استسقى، فأتي بإناء من ماء فشربه.
وعن غضيف بن الحارث، عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب.
وعن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبو ذر: وكان أكثر أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له سؤالاً.
فذكر حديثاً.
وعن حاطب قال: قال أبو ذر: ما ترك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئاً مما صبه جبريل وميكائيل في صدره إلا قد صبه في صدري، ولا تركت شيئاً مما صبه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صدري إلا صببته في صدر مالك بن ضمرة.
وقال أبو ذر: لقد تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وهو يذكرنا منه علماً.
وقال: سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن كل شيء حتى عن مسح الحصا، فقال: واحدة.
قال: أوصاني حبي بخمس: أرحم المساكين وأجالسهم، وأنظر إلى من تحتي ولا
أنظر إلى من فوقي، وأن أصل الرحم وإن أدبرت، وأن أقول الحق وإن كان مراً، وأن أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال عمر مولى غفرة: ما أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه؛ قولنا: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عون بن مالك، عن أبي ذر أنه جلس إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا أبا ذر هل صليت الضحى؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين، فقام فصلى، ثم جلس، فقال: يا أبا ذر، تعوذ بالله من شياطين الإنس، قلت: يا رسول الله، هل للإنس شياطين؟ قال: نعم يا أبا ذر، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة؟ قلت: ما هو؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن عبيد بن عمير، عن أبي ذر قال: دخلت المسجد فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: يا أبا ذر ألا أوصيك بوصايا إن أنت حفظتها نفعك الله بها؟ قلت: بلى بأبي أنت وأمي، قال: جاور القبور تذكر بها وعيد الآخرة، وزرها بالنهار، ولا تزرها بالليل، واغسل الموتى؛ فإن في معالجة جسد خاو عظةً، وشيع الجنائز؛ فإن ذلك يحرك القلب ويحزنه، وأعلم أن أهل الحزن في أمن الله، وجالس أهل البلاء والمساكين، وكل معهم، ومع خادمك لعل الله يرفعك يوم القيامة، والبس الخشن الصفيق من الثياب تذللاً لله عز وجل وتواضعاً لعل الفخر والبطر لا يجدان فيك مساغاً، وتزين أحياناً في عبادة الله بزينة حسنة تعففاً وتكرماً، فإن ذلك لا يضرك إن شاء الله وعسى أن يحدث لله شكراً.
وسئل أبو ذر: هل كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيني قط
إلا صافحني، ولقد جئت مرةً، فقيل لي: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلبك، فجئت، فاعتنقني، فكان ذلك أجود وأجود.
وقال: أرسل إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي توفي فيه، فأتيته، فوجدته نائماً، فأكببت عليه، فرفع يده فالتزمني.
سئل علي بن أبي طالب عن أبي ذر، فقال: علم العلم ثم أوكى فربط عليه ربطاً شديداً.
وقال أيضاً: أبو ذر وعاء ملئ علماً ثم أوكى عليه فلم يخرج منه شيء، حتى قبض.
وقال أيضاً: وعى علماً عجز فيه وكان شحيحاً حريصاً؛ شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال، فيعطى ويمنع، أما إنه قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ.
فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه؛ أعجز عن كشفه، أم عما عنده من العلم، أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: كان أبو ذر جالساً إلى جنب أبي بن كعب يوم الجمعة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فتلا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيةً لم يكن أبو ذر سمعها، فقال أبو ذر لأبي: متى أنزلت هذه الآية؟ فلم يكلمه، فلما أقيمت الصلاة قال له أبو ذر: ما منعك أن تكلمني حين سألتك؟ فقال أبي: إنه ليس لك من جمعتك إلا ما لغوت. فانطلق أبو ذر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأخبره، فقال: صدق أبي، فقال أبو ذر: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه.
وعن أبي أمامة: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دفع إلى أبي ذر غلاماً، فقال: يا أبا ذر، أطعمه مما تأكل، واكسه مما تلبس، فلم يكن عنده غير ثوب واحد، فجعله نصفين، فراح إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ما شأن ثوبك يا أبا ذر؟ فقال: إن الفتى الذي دفعته إلي أمرتني أن أطعمه مما آكل، وأكسوه مما ألبس، وإنه لم يكن معي إلا هذا الثوب فناصفته. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحسن إليه يا أبا ذر، فانطلق أبو ذر فأعتقه، فسأله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما فعل فتاك؟ قال: ليس لي فتى، قد أعتقته، قال: أجرك الله يا أبا ذر.
قال عبد الله بن مليل: سمعت علياً يقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنه لم يكن قبلي نبي إلا قد أعطاه الله سبعة رفقاء وزراء، وإني أعطيت أربعة عشر، فذكرهم، وفيهم أبو ذر.
وعن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمرت بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني الله أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، وسلمان، والمقداد.
وعن علي، وأبي الدرداء، وعبد الله بن عمرو بن العاص قالوا: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر زاد علي: طلب شيئاً من الزهد عجز عنه الناس.
وعن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره
أن ينظر إلى تواضع وفي رواية: إلى زهد عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر.
وعن مالك بن مرثد، عن أبيه قال: قال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما تقل الغبراء، ولا تظل الخضراء من ذي لهجة أصدق، ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم. قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: يا رسول الله، أفنعرف ذلك له؟ قال: نعم فاعرفوه له.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فإذا أردتم أن تنظروا إلى أشبه الناس بعيسى بن مريم هديا وبراً ونسكا فعليكم بأبي ذر.
وعن ابن مسعود قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا ذر ليباري عيسى بن مريم في عبادته. من سره أن ينظر إلى شبه عيسى بن مريم خلقاً وخلقاً فلينظر إلى أبي ذر.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نبي إلا له نظير في أمتي: أبو بكر نظير إبراهيم، وعمر نظير موسى، وعثمان نظير هارون، وعلي نظيري. ومن سره أن ينظر إلى عيسى بن مريم فلينظر إلى أبي ذر الغفاري.
عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أرحم أمتي أبو بكر الصديق، وأحسنهم خلقاً أبو عبيدة بن الجراح، وأصدقهم لهجةً أبو ذر، وأشدهم في الحق عمر، وأقضاهم علي.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني رأيت أني وزنت بأربعين أنت فيهم، فوزنتهم.
عن أبي ذر قال: والله ما كذبت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أخذت إلا عنه، أو عن كتاب الله عز وجل.
وقال: والله إني لعلى العهد الذي فارقت عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما غيرت، ولا بدلت.
عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب قال لعبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء، وأبي ذر: ما هذا الحديث عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: وأحسبه حبسهم بالمدينة حتى أصيب.
وقال أبو ذر: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
كيف أنت عند ولاة يستأثرون عليك؟ قلت: قلت: والذي بعثك بالحق، أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك. قال: أفلا أدلك على ما هو خير لك من ذلك؟ اصبر حتى تلحقني وفي رواية: تنقاد لهم حيث قادوك، وتنساق لهم حيث ساقوك حتى تلقاني وأنت على ذلك، وفي رواية: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها وضرب بيده نحو الشام ولا أرى أمراءك إلا يحولون بينك وبين ذلك قلت: فآخذ سيفي، وأضرب به من حال بيني وبين أمرك؟ قال: لا، ولكن تسمع وتطيع ولو لعبد حبشي. فلما بلغ البناء سلعاً خرج من المدينة حتى أتى الشام، فتكاب الناس عليه، فكتب معاوية إلى عثمان: إن كان لك بالشام حاجة فأرسل إلى أبي ذر. فكتب إليه عثمان يأمره بالقدوم عليه، فقال: سمعاً وطاعة. فلما قدم على عثمان قال له: ها هنا عندي. قال: الدنيا لا حاجة لي فيها، قال: تأتي الربذة، قال: إن أذنت لي. فلما قدم الربذة حضرت الصلاة، قيل له: تقدم يا أبا ذر، فقال: من على هذا الماء؟ قالوا: هذا، فإذا عبد حبشي. قال أبو ذر: الله أكبر، أمرت أن أسمع وأطيع ولو لعبد حبشي، فأنت عبد حبشي. فتقدم، فصلى خلفه أبو ذر.
وقال أبو ذر: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فاضطجع فيه. فأتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا مضطج فيه، فضبني برجله، فاستويت جالساً، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: ألحق بأرض الشام، قال: كيف تصنع إذا أخرجت منها؟ قلت: آخذ سيفي، فأضرب به من يخرجني، قال: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يده على منكبي ثم قال: غفراً أبا ذر، غفراً أبا ذر، بل تنقاد معهم حيث قادوك، وتنساق معهم حيث ساقوك ولو لعبد أسود. قال: فلما نفيت إلى الربذة أقمت الصلاة، فتقدمهم رجل أسود كان فيها على بعض الصدقة، فلما رآني أخذ يرجع ليقدمني، فقلت: كما أنت أنقاد لأمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، أنت رجل صالح، وسيصيبك بعدي بلاء، قلت: في الله؟ قال: في الله قلت: مرحباً بأمر الله.
وقال أبو ذر: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألا نغلب على أن نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر، ونعلم الناس السنن.
قال عبد الله بن أبي قيس: خرجنا مع غضيف بن الحارث نريد بيت المقدس، فأتينا أبا الدرداء، فسلمنا عليه، فقال أبو الدرداء: الق أبا ذر، فقل: يقول لك أبو الدرداء: اتق الله، وخف الناس، فقال أبو ذر: اللهم غفراً، إن كنا قد سمعنا فقد سمع، وإن كنا قد رأينا فقد رأى، أو ما علم أني بايعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ألا تأخذني في الله
لومة لائم.
عن أبي اليمان، وأبي المثنى أن أبا ذر قال: بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وواثقني سبعاً، وأشهد الله علي تسعاً ألا أخاف في الله لومة لائم. ثم قال أبو المثنى: قال أبو ذر: فدعاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: هل لك إلى بيعة ولك الجنة؟ قلت: نعم، وبسطت يدي، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يشترط علي: أن لا تسأل الناس شيئاً، قلت: نعم، قال: ولا سوطك إن سقط منك حتى تنزل إليه فتأخذه.
عن أبي اليمان قال: لما قفل الناس عام غزوة قبرس وعليهم معاوية، ومعه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذين كانوا بالشام، فخرج إلى الكنيسة التي إلى جانب أنطرسوس التي يقال لها كنيسة معاوية، وبمقامه عندها دعيت كنيسة معاوية، فقام في الناس قبل أن يتفرقوا إلى أجنادهم، فقال: إنا قاسموا غنائمكم على ثلاثة أسهم: سهم للسفن فإنها مراكبكم، وسهم للقبط، فإنكم لم يكن لكم حيلة إلا بهم، وسهم لكم. فقام أبو ذر، فقال: كلا والله لا نقسم سهامنا على ذلك، أتقسم للسفن وهي مما أفاء الله علينا؟ وتقسم للقبط وإنما هم خولنا؟ والله ما أبالي من قال أو ترك، لقد بايعني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خمساً، وأوثقني سبعاً، وأشهد الله علي سبعاً: ألا تأخذني في الله لومة لائم.
فقال معاوية: تقسم الغنائم جميعاً على المسلمين.
قال بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي: حدثني أبو كثير، حدثني أبي قال:
أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه، فأتاه رجل، فوقف عليه، فقال: ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا؟ فرفع رأسه إليه ثم قال: أرقيب أنت علي؟! لو وضعتم الصمصامة على هذه وأشار بيده إلى
قفاه ثم ظننت أن أنفذ كلمةً سمعتها من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها.
وفي رواية: أن رجلاً أتى أبا ذر فقال: إن المصدقين يعني جباة الصدقة إزدادوا علينا، فنغيب عنهم بقدر ما ازدادوا علينا؟ قال: لا، قف مالك عليهم فقل: ما كان لكم من حق فخذوه، وما كان باطلاً فذروه، فما تعدوا عليك جعل في ميزانك يوم القيامة.
وعلى رأسه فتىً من قريش، فقال: أما نهاك أمير المؤمنين عن الفتوى؟ فذكر ما سبق.
وعن ثعلبة بن الحكم، عن علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي؛ ثم ضرب بيده على صدره.
عن أبي الطفيل، عن ابن أخي أبي ذر قال: أخبرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لن يسلط أحد على قتلي، ولن يفتنونني عن ديني. وأخبرني أني أسلمت فرداً، وأموت فرداً، وأبعث يوم القيامة فرداً.
قال الأحنف بن قيس: أتيت المدينة، ثم أتيت الشام، فجمعت، فإذا أنا برجل لا ينتهي إلى سارية إلا فر أهلها، يصلي ويخف صلاته. فجلست إليه، قال: قم عني لا أغرك بشر، فقلت: كيف تغرني بشر؟ قال: إن هذا يعني معاوية نادى مناديه أن لا يجالسني أحد.
وفي رواية: كنت جالساً في حلقة بمسجد المدينة، فأقبل رجل لا تراه حلقة إلا فروا حتى انتهى إلى الحلقة التي كنت فيها، ففروا، وثبت، فقلت: من أنت؟ فقال: أنا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قلت: فما يفر الناس منك؟ قال: إني أنهاهم عن
الكنوز، قلت: فإن أعطيتنا قد بلغت وارتفعت، أفتخاف علينا منها؟ قال: أما اليوم فلا، ولكن يوشك أن يكون أثمان دينكم، فإذا كان أثمان دينكم فدعوهم وإياها.
وقال: قدمت المدينة، فبينما أنا في حلقة فيها ملأ من قريش إذ جاء رجل أخشن الثياب، أخشن الجسد، أخشن الوجه، فقام عليهم، فقال: بشر الكنازين برضف يحمى عليهم في نار جهنم، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم حتى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل.
قال: فوضع القوم رؤوسهم، فما رأيت أحداً منهم رجع إليه شيئاً، فأدبر، فتبعته حتى جلس إلى سارية، فقلت: ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم، فقال: إن هؤلاء لا يعقلون شيئاً، إن خليلي أبا القاسم دعاني، فقال: يا أبا ذر، فأجبته، فقال: ترى أحداً، فنظرت ما علي من الشمس، وأنا أظنه يبعث بي في حاجة له، فقلت: أراه، فقال: ما يسرني أن لي مثله ذهباً أنفقه كله إلا ثلاثة دنانير، ثم هؤلاء يجمعون الدنيا، لا يعقلون شيئاً! فقلت: مالك ولإخوانك قريش، لا تعتريهم، وتصيب منهم؟ قال: لا وربك ما أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله.
قال مالك بن أوس بن الحدثان: قدم أبو ذر من الشام، فدخل المسجد وأنا جالس، فسلم علينا، وأتى سارية، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم قرأ: ألهاكم التكاثر حتى ختمها، واجتمع الناس عليه، فقالوا له: يا أبا ذر، حدثنا ما سمعت من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لهم: سمعت حبيبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: في الإبل صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البر صدقته، من
جمع ديناراً أو درهماً، أو تبراً، أو فضة لا يعده لغريم، ولا للنفقة في سبيل الله كوي به. قلت: يا أبا ذر، انظر ما تخبر عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإن هذه الأموال قد فشت. فقال: من أنت يا بن أخي؟ فانتسبت له، قال: قد عرفت نسبك الأكبر، ما تقرأ " والذين يكنِزُون الذهبَ والفضةَ ولا ينفقونَها في سبيلِ الله "؟ وفي رواية: قدم أبو ذر من الشام وأنا جالس مع عثمان بن عفان في مسجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو ذر فسلم عليه، فقال عثمان: كيف أنت يا أبا ذر؟ قال: بخير، فكيف أنت؟ ثم ولى وهو يقول: " ألهاكُمُ التكاثرُ حتى زُرْتُم المقابر "، ورفع صوته وكان صلب الصوت حتى ارتج المسجد بقراءة السورة كلها، حتى مالت القراءة إلى سارية من سواري المسجد. فصلى ركعتين فتجوز فيهما، فاحتوشه الناس وقالوا: حدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجلست قبالة وجهه.
فذكر نحو ما تقدم.
قال عبيد الله بن شميط: سمعت أبي يقول: بلغنا أن أبا ذر كان يقول وهو في مجلس معاوية: لقد عرفنا خياركم من شراركم، ولنحن أعرف بكم من البياطرة بالخيل. فقال رجل: يا أبا ذر، أتعلم الغيب؟ فقال معاوية: دعوا الشيخ فالشيخ أعلم منكم، من خيارنا يا أبا ذر؟ قال: خياركم أزهدكم في الدنيا، وأرغبكم في الآخرة، وشراركم أرغبكم في الدنيا وأزهدكم في الآخرة.
حدثنا عبد الله بن الصامت قال: دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من الباب الذي لا يدخل عليه منه، فتخوفنا عثمان عليه، فانتهى إليه، فسلم عليه وقال: أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين؟ والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، لو أمرتني أن آخذ بعرقوتي قتب لأخذت بهما حتى أموت. ثم استأذنه إلى الربذة، فقال: نعم نأذن لك.
عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال: دخلت مع أبي ذر على عثمان، فلما دخل إليه حسر عن رأسه وقال: والله ما أنا منهم يا أمير المؤمنين يريد الخوارج قال ابن شوذب: سيماهم التسبيت يعني الحلق فقال له عثمان: صدقت يا أبا ذر، إنما أرسلت إليك لتجاورنا بالمدينة، قال: لا حاجة لي في ذلك، ائذن لي إلى الربذة، قال: نعم، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة تغدو عليك وتروح، قال: لا حاجة لي في ذلك، تكفي أبا ذر صريمته. فلما خرج من عنده قال: دونكم معاشر قريش دنياكم فاخذموها، ودعونا وربنا.
حدثني غزوان أبو حاتم قال: بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له إذ مر به رجل من قريش، فقال: يا أبا ذر، ما يجلسك ها هنا؟ قال: يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا. فدخل الرجل، فقال: يا أمير المؤمنين، ما بال أبي ذر على الباب لا يؤذن له؟ فأمر فأذن له، فجاء حتى جلس ناحية القوم وميراث عبد الرحمن يقسم، فقال عثمان لكعب: يا أبا إسحاق، أرأيت المال إذا أدي زكاته هل يخشى على صاحبه فيه تبعة؟ فقال: لا، فقام أبو ذر ومعه عصاً، فضرب بها بين أذني كعب، ثم قال: يا بن اليهودية، أنت تزعم أنه ليس عليه حق في ماله إذا أدى الزكاة، والله تعالى يقول: " ويُؤْثِرون على أنفسهم " الآية، " ويُطْعِمون الطعامَ على حُبّه "، و" في أموالِهِمْ حَقُّ معلوم للسائل والمْحُروم "، فجعل يذكر نحو هذا
من القرآن. فقال عثمان للقرشي: إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى! عن ابن عباس قال: كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية، فكان يحب الوحدة والخلوة. فدخل على عثمان وعنده كعب الأحبار، فقال عثمان: ألا ترضون من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان، ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبو ذر محجنةً، فضربه، فشجه، فاستوهبه عثمان، فوهبه له، وقال: يا أبا ذر، اتق الله، واكفف يدك ولسانك. وقد كان قال له: يا بن اليهودية، ما أنت وما ها هنا؟! والله لتسمعن مني أو لا أدخل عليك، والله لا يسمع أحد من اليهود إلا فتنوه.
قال زيد بن وهب: حدثني أبو ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا بلغ البناء سلعاً فارتحل إلى الشام. فلما بلغ البناء سلعاً قدمت الشام، وكنت بها، فتلوت هذه الآية " والذين يكِنُزون الذَّهبَ والفِضّةَ "، فقال معاوية: هذه للكفار، فقلت: هي لأهل الإسلام. فكتب إلى عثمان: إن هذا يفسد، فكتب إلي عثمان، فقدمت المدينة، فأجفل الناس ينتظرونني، كأنهم لم يروني قط، فقال لي عثمان: لو ارتحلت إلى الربذة؟ قال: فارتحلنا إلى الربذة.
وفي رواية: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، فقلت: ما أنزلك هذا؟ قال: كنت بالشام، فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية: " والذين يكنزون الذهبَ والفضةَ "، فقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، وقلت: نزلت فينا وفيهم. فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة، فقدمت المدينة، فكثر الناس علي كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكر ذلك لعثمان، فقال:
إن شئت تنحيت، فكنت قريباً. قال: فذلك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر علي حبشي لسمعت وأطعت.
قال موسى بن عبيدة: أخبرني ابن نفيع، عن ابن عباس قال:
استأذن أبو ذر على عثمان وأنا عنده، فتغافلوا عنه ساعةً، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذا أبو ذر بالباب يستأذنك، فقال: ائذن له إن شئت، إنه يؤذينا ويبرح بنا، قال: فأذنت له، فجلس على سرير مرمول من هذه البحرية، فرجف به السرير، وكان عظيماً طويلاً، فقال له عثمان: أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر؟ قال: ما قلت: قال عثمان: إني أنزع عليك بالبينة، قال: والله ما أدري ما بينتك، وما تأتي به؟ وقد علمت ما قلت، قال: فكيف قلت إذاً؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه، وكلكم قد أصاب من الدنيا، وأنا على ما عاهدني عليه، وعلى الله تمام النعمة. وسأله عن أشياء، فأخبره بالذي يعلمه، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية، فكان يحدث بالشام، فاستهوى قلوب الرجال، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته، وكان يقول: لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم، ولا تبر، ولا فضة إلا شيء ينفقه في سبيل الله، أو يعده لغريم. وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها، فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: اذهب إلى أبي ذر فقل: أنقذ جسدي من عذاب معاوية أنقذك الله من النار، فإني أخطأت بك. قال: يا بني، قل له: يقول لك أبو ذر: والله ما أصبح عندنا منه دينار، ولكن أنظرنا ثلاثاً حتى نجمع لك دنانيرك. فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان: أما بعد، فإن كان لك بالشام حاجة أو بأهله فابعث إلى أبي ذر، فإنه قد أوغل صدور الناس. فكتب إليه عثمان: أقدم علي. فقدم عليه المدينة.
قال شداد بن أوس: كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه الشدة، ثم يخرج إلى قومه يسلم عليهم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرخص فيه بعد فلم يسمعه أبو ذر، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد.
قال عبد بن سيدان السلمي: تناجى أبو ذر وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما، ثم انصرف أبو ذر مبتسماً، فقال الناس: مالك ولأمير المؤمنين؟ قال: سامع مطيع، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل لفعلت. وأمره عثمان أن يخرج إلى الربذة وفي رواية: لو أن عثمان أمرني أن أمشي على رأسي لمشيت، وفي رواية: لو أمرني ألا أجلس ما جلست ما حملتني رجلاي ولو كنت على بعير يعني موثقاً ما أطلقت نفسي حتى يكون هذا الذي يطلقني.
وفي رواية: لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال: يا أمير المؤمنين، أتحسب أني من قوم والله ما أنا منهم، ولا أدركتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ولا يرجعون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، سيماهم التحليق. والله لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي ولو أوثقتني بعرقوتي قتب ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني.
عن شيخين من بني ثعلبة: رجل وامرأته قالا: نزلنا الربذة، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية، فقالوا: هذا من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذناه أن نغسل رأسه، فأذن لنا، واستأنس بنا، فبينا نحن كذلك
إذ أتاه نفر من أهل العراق، حسبته قال: من أهل الكوفة، فقالوا: يا أبا ذر، فعل بك هذا الرجل وفعل، فهل أنت ناصب له رايةً، فنكملك برجال ما شئت؟ فقال: يا أهل الإسلام، لا تعرضوا علي ذاكم، ولا تذلوا السلطان؛ فإنه من أذل السلطان فلا توبة له، والله لو أن عثمان صلبني على أطول خشبة وأطول جبل لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو سيرني ما بين الأفق إلى الأفق أو قال: ما بين الشرق والغرب لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي، ولو ردني إلى منزلي لسمعت، وأطعت، وصبرت، واحتسبت، ورأيت أن ذلك خير لي.
عن عبد الرحمن بن غنم قال: كنت عند أبي الدرداء إذ جاءه رجل من أهل المدينة، فسأله فقال: إني تركت أبا ذر يسير إلى الربذة، فقال أبو الدرداء: إنا لله وإنا إليه راجعون! لو أن أبا ذر قطعني عضواً عضواً ما هجته مما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول فيه.
قال الحافظ أبو القاسم رحمه الله: ولم يسير عثمان أبا ذر، لكنه خرج هو إلى الربذة لما تخوف من الفتنة التي حذره النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما خرج عقيب ما جرى بينه وبين أمير المؤمنين عثمان ظن أنه هو الذي أخرجه.
ثم أسند عن عبد الله بن الصامت قال: قالت أم ذر: والله ما سير عثمان أبا ذر ولكن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إذا بلغ البناء سلعاً فاخرج منها، فلما بلغ البناء سلعاً وجاوز خرج أبو ذر إلى الشام.
وذكر الحديث في رجوعه، ثم خروجه إلى الربذة، وموته بها.
قال أبو ذر: إني لأقربكم مجلساً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم القيامة. وقال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة من خرج من الدنيا بهيئة ما تركته فيها، وإنه والله ما منكم أحد إلا قد تشبث منها بشيء.
قال مالك بن دينار: قال أبو ذر للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: والذي بعثك بالحق لا لقيتك إلا على الذي فارقتك عليه.
عن أبي ذر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يكون في جهنم عقبة كؤود لا يقطعها إلا المخفون، قلت: أمن المخفين أنا يا رسول الله؟ قال: عندك طعام يوم؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام غد؟ قلت: نعم، قال: أعندك طعام بعد غد؟ قلت: لا، قال: لو كان عندك طعام ثلاثة أيام لكنت من المثقلين.
وقال أبو ذر: كان قوتي على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كل جمعة صاعاً فلست بزائد عليه حتى ألقاه.
قال إبراهيم التيمي: دخل شباب من قريش على أبي ذر فقالوا له: فضحتنا بالدنيا، وأغضبوه، فقال: مالي وللدنيا، وإنما يكفيني صاع من طعام في كل جمعة، وشربة من ماء في كل يوم.
قال المعرور بن سويد: نزلنا الربذة، فإذا رجل عليه برد، وعلى غلامه برد مثله، فقلنا له، لو أخذت
برد غلامك هذا فضممته إلى بردك هذا فلبسته كانا حلةً، واشتريت لغلامك برداً غيره؟ قال: إني سأحدثكم عن ذلك: كان بيني وبين صاحب لي كلام، وكانت أمه أعجميةً، فنلت منها، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعذره مني، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، ساببت فلاناً؟ فقلت: نعم، قال: فذكرت أمه؟ فقلت: من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه، فقال لي: إنك امرؤ فيك جاهلية، قلت: على حال ساعتي من الكبر؟ قال: على حال ساعتك من الكبر؛ إنهم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه، وليلبسه من لباسه، ولا يكلفه ما يغلبه.
عن سليمان بن يسار قال: قال أبو ذر حدثان إسلامه لابن عمه: يا بن الأمة، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما ذهبت عنك أعرابيتك بعد.
عن عطاء بن أبي مروان، عن أبي ذر أنه رآه في نمرة مؤتزراً بها، قائماً يصلي، فقلت: يا أبا ذر، مالك ثوب غير هذه النمرة؟ قال: لو كان لي رأيته علي، قلت: رأيت عليك منذ أيام ثوبين، فقال: يا بن أخي، أعطيتهما من هو أحوج مني إليهما، قلت: والله إنك لمحتاج إليهما، قال: اللهم غفراً، إنك لمعظم للدنيا، ألست ترى علي هذه البردة؟ ولي أخرى للمسجد، ولي أعنز نحلبها، ولي أحمرة نحمل عليها ميرتنا، وعندنا من يخدمنا ويكفينا مهنة طعامنا، فأي نعمة أفضل مما نحن فيه؟
قال عبد الله بن خراش: رأيت أبا ذر بالربذة في ظلة له سوداء، وتحته امرأة له سحماء، وهو جالس على قطعة جوالق، فقيل له: يا أبا ذر، إنك امرؤ ما يبقى لك ولد، فقال: الحمد لله الذي يأخذهم في الفناء، ويدخرهم في دار البقاء، قالوا: يا أبا ذر، لو اتخذت امرأةً غير هذه؟ قال: لأن أتزوج امرأة تضعني أحب إلي من امرأة ترفعني، قالوا له: لو اتخذت بساطاً ألين من هذا؟ قال: اللهم غفراً، خذ مما خولت ما بدا لك.
عن رجل من بني سليم قال:
جاورت أبا ذر بالربذة وله فيها قطيع إبل، له فيها راع ضعيف، فقلت: يا أبا ذر، ألا أكون لك صاحباً أكف راعيكم، وأقتبس بعض ما لعل الله ينفعني به. فقال له أبو ذر: إن صاحبي من أطاعني، فما كنت لي مطيعاً فأنت لي صاحب، وإلا فلست لي بصاحب. قلت: وما الذي تسألني الطاعة فيه؟ قال: لا أدعوك لشيء من مالي إلا توخيت أفضله. قال: فلبثت معه ما شاء الله، فذكر له في أهل الماء حاجة، فقال: ائتني ببعير من الإبل، فتصفحت الإبل، فإذا أفضلها فحلها ذلول، فهممت بأخذه، فذكرت حاجتهم إليه، فتركته وأخذت ناقةً ليس في الإبل بعد الفحل أفضل منها، فجئت بها، فحانت منه نظرة، فرآني، فقال: يا أخا بني سليم، جنبني، يا أخا بني سليم أجتنبني، فلما فهمتها خليت الناقة ثم رجعت إلى الإبل، فأخذت الفحل، فجئت به، فقال لجلسائه: من رجلان يحتسبان عملهما؟ فقال رجلان: نحن، فقال: إما لا فأنيخاه، ثم اعقلاه، ثم انحراه، ثم عدوا بيوت الماء، فجزئوا لحمه على عددهم، واجعلوا بيت أبي ذر بيتاً مما تفعلون.
فلما فرقوا اللحم دعاني، فقال: ما أدري حفظت وصيتي فظهرت بها، أم نسيت فأعذرك؟ قلت: ما نسيت وصيتك، ولكن لما تصفحت الإبل وجدت أفضلها فحلها، فهممت بأخذه، ثم ذكرت حاجتكم إليه فتركته. قال: ما تركته إلا لحاجتي إليه؟ قلت:
ما تركته إلا لذلك. قال: أفلا أخبرك بيوم حاجتي إليه؟ يوم أوضع في حفرتي، فذلك يوم حاجتي. إن في المال ثلاثة شركاء: القدر لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو بشرها، والوارث، ينتظر متى يوضع رأسك فيستفيئها وأنت ذميم، وأنت الثالث، فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة فلا تكن؛ مع أن الله تعالى قال: " لَنْ تنالوا البِرَّ حتّى تُنْفِقُوا ممّا تُحِبُّون "، وإن هذا الجمل كان مما أحب من مالي فأحببت أن أقدمه لنفسي.
عن سعيد بن أبي الحسن أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف، فكان إذا أخذ عطاءه دعا خادمه فسأله عما يكفيه للسنة فاشتراه، ثم اشترى فلوساً بما بقي، وقال: إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا هو يتلظى على صاحبه.
عن رجل من أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر له من حطب قد أصابه مطر، ودموعه تسيل، فقالت له امرأة له: كان لك عن هذا مندوحة، فلو شئت كفيت، فقال أبو ذر: فهذا عيشي، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله. قال: فكأنما ألقمها حجراً؛ حتى إذا أنضج ما في القدر جاء بصحفة، فكسر فيها خبزاً له غليظاً، ثم جاء بالذي كان في القدر، فكبه عليه، ثم جاء به، وقال لي: ادن، فأكلنا جميعاً، ثم أمر جاريته أن تسقينا، فسقتنا مذقةً من لبن معزاة، فقلت: أبا ذر، لو اتخذت في بيتك عيشاً؟ فقال: أتريد لي حساباً أكثر من هذا؟ أليس هذا مثالاً نرقد عليه، وعباءة نبسطها، وكساءً
نلبسه، وبرمة نطبخ فيها، وصحفة نأكل فيها، وبطة فيها زيت، وغرارة فيها دقيق؟ قلت: فإن عطاءك أربعمائة دينار، وأنت في شرف من العطاء فأين يذهب عطاؤك؟ فقال: لي في هذه القرية وأشار إلى قرية بالشام ثلاثون فرساً، فإذا خرج عطائي اشتريت لها علفاً، وأرزاقاً لمن يقوم عليها، ونفقة لأهلي، فإن بقي منها شيء اشتريت به فلوساً، فجعلته عند نبطي ها هنا، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه، ثم أحمل عليها في سبيل الله. وليس عند آل أبي ذر دينار، ولا درهم.
قال ميمون بن مهران: لما احتضر أبو ذر قال لامرأته: أين تلك النفقة؟ فجاءت بثلاثة عشر درهماً، فأمر بها فوضعت مواضعها، ثم قال: إن كانت محرقتي ما بين عانتي إلى ذقني.
عن محمد بن المنذر قال: بعث حبيب بن مسلمة إلى أبي ذر وهو بالشام ثلاثمائة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبو ذر: ارجع بها إليه، فما أحد أغنى بالله منا، لنا ظل نتوارى به، وثلة من غنم تروح علينا، ومولاة لنا تصدقت علينا بخدمتها، ثم إني لأتخوف الفضل.
وعن ابن سيرين قال: بلغ رجلاً كان بالشام من قريش أن أبا ذر به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار فقال: ما وجد عبداً لله هو أهون عليه مني؟ سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: من سأل وله أربعون فقد ألحف، ولآل أبي ذر أربعون درهماً، وأربعون شاةً، وماهنان يعني خادمين.
عن أبي شعبة قال:
مر قوم بأبي ذر بالربذة، فعرضوا عليه النفقة، فقال أبو ذر: عندنا أعنز نحلبها، وأحمرة ننتقل عليها، ومحررة تخدمنا، وفضل عباءة إني لأخاف الحساب فيها.
وفي رواية: وفضل عباءة عن كسوتنا، وإني لأخاف أن أحاسب الفضل.
عن يحيى قال: كان لأبي ذر ثلاثون فرساً يحمل عليها، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزى عليها، ويصلح آلة بقيتها، فإذا رجعت أخذها فأصلح آلتها، وحمل على الأخرى.
عن جسر بن الحسن قال: كان عطاء أبي ذر أربعة آلاف، فكان يشتري عشرين فرساً فيرتبطها بحمص، فكان يحمل على عشر عاماً، وعشر عاماً.
قال إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى: حدثني أبي، عن جدي قال: خرج أبو الدرداء إلى السوق يشتري قميصاً، فلقي أبا ذر، فقال: أين تريد يا أبا الدرداء؟ قال: أريد أن أشتري قميصاً، قال: وبكم؟ قال: بعشرة دراهم. فوضع أبو ذر يده على رأسه ثم قال: ألا إن أبا الدرداء من المسرفين. قال: فالتمست مكاناً أتوارى فيه، فلم أقدر، فقلت: يا أبا ذر، لا تفعل، مر معي، فاكسني أنت، قال: وتفعل؟ قلت: نعم. فأتى السوق، فاشترى قميصاً بأربعة دراهم. قال: فانصرفت حتى إذا كنت بين منزلي والسوق لقيت رجلاً لا يكاد يواري سوأته، فقلت له: اتق الله ووار سوأتك! فقال: ما أجد ما أواري به سوأتي، فألقيت إليه الثوب، ثم انصرفت إلى السوق، فاشتريت قميصاً بأربعة دراهم، ثم انصرفت إلى منزلي، فإذا خادمة على الطريق تبكي، قد اندق إناؤها، فقلت: ما يبكيك؟ فقالت: اندق إنائي، وأبطأت على أهلي. فذهبت
معها إلى السوق، فاشتريت لها سمناً بدرهم، وإناء بدرهم. فقالت: يا شيخ، أما إذ فعلت ما فعلت فامش معي إلى أهلي، فإني قد أبطأت، وأنا أخاف أن يضربوني، قال: فمشيت معها إلى مواليها فدعوت، فخرج لي مولاها، فقال: ما عناك يا أبا الدرداء؟ فقلت: خادمكم أبطأت عنكم، وأشفقت أن تضربوها، فسألتني أن آتيكم لتكفوا عنها. قال: فأنا أشهدك أنها حرة لوجه الله لممشاك معها.
قال أبو الدرداء: فقلت: أبو ذر أرشد مني، كساني قميصاً، وكسا مسكيناً قميصاً، وأعتق رقبةً بعشرة دراهم.
قال ثابت البناني: بنى أبو الدرداء مسكناً تدرأ بظله، فمر عليه أبو ذر، فقال: ما هذا؟ تعمر داراً أمر الله بخرابها؟! لأن أكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيها! فلما فرغ أبو الدرداء من بنائه قال: إني قائل على بنائي هذا شيئاً:
بنيت داراً ولست عامرها ... لقد علمت إذ بنيت أين داري
قال ابن سعد: يسنده إلى ابن بريدة، قال: لما قدم أبو موسى الأشعري لقي أبا ذر، فجعل أبو موسى يلزمه، وكان الأشعري رجلاً خفيف اللحم، قصيراً، وكان أبو ذر اسود كث الشعر، فجعل الأشعري يلزمه ويقول أبو ذر: إليك عني، ويقول الأشعري: مرحباً بأخي، ويدفعه أبو ذر ويقول: لست بأخيك، إنما كنت أخاك قبل أن تستعمل.
قال: ثم لقي أبا هريرة، فالتزمه، وقال: مرحباً بأخي، فقال له أبو ذر: إليك عني، هل كنت عملت لهؤلاء؟ قال: نعم. قال: قد تطاولت في البناء، واتخذت زرعاً وماشيةً؟ قال: لا، قال: أنت أخي، أنت أخي.
قال سفيان الثوري: قال أبو ذر: لك في مالك شريكان أيهما جاء أخذ ولم يؤامرك: الحدثان والقدر، كلاهما يمر على الغث والسمين، والورثة ينتظرون متى تموت فيأخذون ما تحت يدك. وأنت تقدم لنفسك؛ فإن استطعت ألا تكون أخس الثلاثة نصيباً فافعل.
قال جعفر بن سليمان: دخل رجل على أبي ذر، فجعل يقلب بصره في بيته. فقال له: يا أبا ذر، أين متاعك؟ وفي رواية: ما أرى في بيتك متاعاً، ولا غير ذلك من الأثاث فقال: إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا. قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت ها هنا، فقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
وعن ابن جدعان، عمن سمع أبا ذر في مسجد المدينة يقول لرجل: بم تخوفني؟ فوالله للفقر أحب إلي من الغنى، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها.
وقال أبو ذر: أحب الإسلام وأهله، وأحب الفقراء، وأحب الغريب من كل قلبك. وادخل في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر، ولا يأمن رجل أن يكون على خير فيرجع إلى شر، فيموت بشر، ولا ييأس رجل أن يكون على شر، فيرجع إلى خير، فيموت بخير، وليردك عن الناس ما تعرف من نفسك.
وقال: يا أيها الناس، إني بكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبر، وصوموا في الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير لعظائم الأمور.
وقال: وددت أني شجرة تعضد، وددت أني لم أخلق.
قال المدائني: قال عمر بن الخطاب لأبي ذر: يا أبا ذر، من أنعم الناس بالاً؟ قال: برئ في الثواب، قد أمن من العقاب فبشر بالثواب. قال: صدقت يا أبا ذر.
وأسند ابن أبي الدنيا عن بعضهم قال: جاء غلام لأبي ذر وقد كسر رجل شاة له، فقال له أبو ذر: من كسر رجل هذه الشاة؟ قال: أنا، قال: ولم؟ قال: لأغيظك، لتضربني، فتأثم. فقال أبو ذر: لأغيظن من حرضك على غيظي! فأعتقه.
قالت أم طلق: دخلت على أبي ذر فرأيته شعثاً شاحباً بيده صوف، قد جعل عودين وهو يغزل به ذلك الصوف، فنظرت يمنةً ويسرة فلم أر في بيته شيئاً، فناولته شيئاً من دقيق وسويق، فجعله في طرف ثوبه، فقال: أما ثوابك فعلى الله.
وفي رواية: رأيته شعثاً شحباً، وفي يده صوف منفوش وعودان، قد وضع أحدهما على الآخر، وهو يغزل ذلك الصوف.
قال عيسى بن عميلة الفزاري: أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمةً له، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه، ولقد رأيته ليلة حلب حتى ما بقي في ضروع غنمه شيء إلا مصره، وقرب إليهم تمراً وهو يسير، ثم تعذر إليهم، وقال: لو كان عندنا ما هو أفضل من هذا لجئنا به. قال: وما رأيته ذاق تلك الليلة شيئاً.
قال أبو ذر: أن تملي خيراً فيكتب لك خير من السكوت، والسكوت خير من أن تملي شراً، والجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء.
وفي رواية رفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قال أبو الأسود الدؤلي: قد رأيت أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فما رأيت بأبي ذر شبيهاً.
قال ابن سعد: قال محمد بن إسحاق: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أبي ذر وبين المنذر بن عمرو أحد بني ساعدة، وهو المعنق ليموت، وقال: لم تكن المؤاخاة إلا قبل بدر، فلما نزلت آية المواريث انقطعت المؤاخاة، وأبو ذر حين أسلم رجع إلى بلاد قومه فأقام بها حتى مضت بدر وأحد والخندق، ثم قدم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة بعد ذلك.
عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن أبي ذر قال: كنت ردف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو على حمار وعليه بردعة أو قطيفة.
عن أبي ذر أنه قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا أبا ذر، إني أراك ضعيفاً، وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين، ولا تولين مال يتيم.
وفي حديث آخر أن أبا ذر سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الإمرة، فقال: إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، فأدى الذي عليه فيها.
عن غالب بن عبد الرحمن قال: لقيت رجلاً قال: كنت أصلي مع أبي ذر في بيت المقدس، فكان إذا دخل خلع
خفيه، فإذا بزق، أو تنخع تنخع عليهما. قال: ولو جمع ما في بيته لكان رداء هذا الرجل أفضل من جميع ما في بيته.
عن أبي عثمان النهدي قال: رأيت أبا ذر يميد على راحلته، وهو مستقبل مطلع الشمس، فظننته نائماً، فدنوت منه، فقلت: أنائم أنت يا أبا ذر؟ فقال: لا بل كنت أصلي.
عن بريدة بن سفيان ومحمد بن كعب القرظي قالا: لما صار أبو ذر إلى الربذة وأصابه قدره لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه فأوصاهما أن اغسلاني، وكفناني، وضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم قولوا له: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا به ذلك، ثم وضعاه على قارعة الطريق، فأقبل عبد الله بن مسعود في رهط من أهل العراق عماراً، فلم يرعهم إلا بجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل أن تطأها، فقام إليهم الغلام، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأعينونا على دفنه، فاستهل عبد الله يبكي، وقال: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تمشي وحدك، وتموت وحدك، وتبعث وحدك، فنزل هو وأصحابه فواروه.
عن محمد بن كعب
أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل له عام تبوك: تخلف أبو ذر، وهو في الطريق، فطلع، فقال: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده. قال: فلما حضرت أبا ذر الوفاة، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان من إمارة عثمان، قال لابنته: استشرفي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، قال: فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها،
فذبحت شاةً، ثم قصبتها. ثم قال لها: إذا جاءك الذين يدفنونني فقولي لهم: إن أبا ذر يقسم عليكم ألا تركبوا حتى تأكلوا. فلما نضجت قدرها قال لها: انظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم، هؤلاء ركب مقبلون، قال: استقبلي بي الكعبة، ففعلت، وقال: بسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله. ثم خرجت ابنته، فتلقتهم، وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر! قالوا: وأين هو؟ فأشارت لهم إليه، وقد مات، فادفنوه، فقالوا: نعم، ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك. وإذا ركب من أهل الكوفة فيهم عبد الله بن مسعود، فمالوا إليه، وابن مسعود يبكي ويقول: صدق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يموت وحده، ويبعث وحده. فغسلوه، وكفنوه، وصلوا عليه، ودفنوه. فلما أرادوا أن يرتحلوا قالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرؤ عليكم السلام، وأقسم ألا تركبوا حتى تأكلوا. ففعلوا. وحملوهم حتى قدموا بهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله وقال: يرحم الله أبا ذر.
عن دري قال: خرجنا حجاجاً مع ابن مسعود ونحن أربعة عشر راكباً فسماهم، وفيهم: علقمة، والأسود وذلك سنة إحدى وعشرين، وفي رواية: أربعاً وعشرين حتى أتينا على الربذة، فإذا امرأة قد تلقتنا، فقالت: اشهدوا أبا ذر. فغسلناه، وكفناه؛ فإذا خباؤه منضوح بمسك، فقلنا للمرأة: ما هذا؟ قالت: كانت مسكة، فلما حضر قال: إن الميت يحضره شهود يجدون الريح، ولا يأكلون، فذوفي تلك المسكة بماء، ثم رشي بها الخباء، وأقريهم ريحها، واطبخي هذا اللحم، فإنه سيشهدني قوم صالحون يلون دفني، فاقريهم. فلما دفناه دعتنا إلى الطعام، فأكلنا، وأردنا احتمالها، فقال ابن مسعود: أمير المؤمنين منا
قريب، فنستأمره، فقدمنا مكة، وأخبرناه الخبر، فقال: رحم الله أبا ذر، وغفر له نزوله بالربذة. فلما صدر خرج، فأخذ طريق الربذة، وضم عياله إلى عياله، وتوجه نحو المدينة، وتوجهنا نحو العراق.
وعن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه، عن أم ذر قالت: لما حضر أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلت: وما لي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الأرض، ولا يدان لي بتغييبك، وليس معنا ثوب يسعك كفناً، ولا لك. فقال: لا تبك، وأبشري، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لنفر أنا منهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بالفلاة، والله ما كذبت، ولا كذبت، فأبصري الطريق. فقلت: أنى وقد ذهب الحاج، وتقطعت الطرق؟!؟ فقال: انظري. قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب، فأقوم عليه، ثم أرجع إليه فأمرضه. فبينما أنا كذلك إذا أنا برجال على رواحلهم كأنهم الرخم، فألحت بثوبي، فأسرعوا، ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إلي، فقالوا: مالك يا أمة الله؟ فقلت: امرؤ من المسلمين، تكفنونه، يموت، فقالوا: ومن هو؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: نعم. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، وأسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فسلموا عليه، فرحب بهم، وقال: أبشروا، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: لا يموت بين امرأين من المسلمين ولدان أو ثلاثة، فيصبران ويحتسبا، فيريان النار أبداً. وسمعته يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منك بفلاة من الأرض، فتشهده عصابة من المسلمين وليس من أولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، وإني أنا الذي أموت بفلاة، والله ما كذبت ولا كذبت. وقال: أنشدكم الله، لا يكفني منكم رجل كان أميراً أو عريفاً، أو
بريداً، أو نقيباً. فكفنه أنصاري في ردائه وثوبين عنده من غزل أمه، ودفنه النفر الذين معه، منهم: حجر بن الأدبر، ومالك الأشتر، في نفر كلهم يماني.
قال المدائني: مات أبو ذر بالربذة، وصلى عليه ابن مسعود سنة اثنتين وثلاثين، وقدم ابن مسعود المدينة، فأقام عشرة أيام، ثم مات بعد عاشره.
زاد غيره فيمن مات هذه السنة: معاذ بن عمرو بن الجموح، وأبا الدرداء، وكعب الأحبار.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154907&book=5556#4277d0
أَبُو ذَر الْغِفَارِيّ صَحَابِيّ مَشْهُور مُخْتَلف فِي اسْمه فِي التَّهْذِيب
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155230&book=5556#cd9858
أَبُو ذَرٍّ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ الغِفَارِيُّ
وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ - أَخِي ثَعْلَبَةَ - ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ، أَوْلاَدِ بَكْرٍ، أَخِي مُرَّةَ، وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ، ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.
قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.
وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ سُفْيَانُ بنُ هَانِئ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ،
وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو مُرَاوِحٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ، وَزَيْدُ بنُ ظَبْيَانَ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ الخَشْخَاشِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَمُوَرِّقُ العِجْلِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ شَرِيْكٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ - شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ - وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ، وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ.فَاتَتْهُ بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ،
حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ:عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُوْنِي أَكْسُكُم.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوْنِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ البَحْرَ أَنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً.
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) .
قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ، قَالَ:
كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَنُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ، فَحَجَجْتُ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى، فَعَرَفْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ مَعْرُوْقٌ، آدَمُ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِطْرِيٌّ.
وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ:قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ، آدَمُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مَحْلُوْقٌ، يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
فَاتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَابْنُ عَوْنٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ، وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا وَأَحَسَنَ.
فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم أُنَيْسٌ.
فَجَاءَ خَالُنَا، فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ لَهُ، فَقُلْتُ:
أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلاَ جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ.
فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْساً، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: لِمَنْ؟
قَالَ: للهِ.
قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ؟
قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي.فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَ.
فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِيْنِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
قُلْتُ: فَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ؟
قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ.
قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.
فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ!
قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ!
فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ الصَّابِئَ؟
فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئُ.
قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ، وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا.
وَلَقَدْ لَبِثْتُ - يَا ابْنَ أَخِي - ثَلاَثِيْنَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، جَاءتِ امْرَأَتَانِ تَطُوْفَانِ،
وَتَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا.فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الآخَرَ.
فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَكْنِي.
فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ، تَقُوْلاَنِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا؟
فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ، فَقَالَ: (مَا لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا.
قَالَ: (فَمَا قَالَ لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ.
قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: (عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ! مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ.
فَأَهْوَى بِيَدِهِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ.
فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَدَفَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا؟) .
قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ، مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ.
قَالَ: (فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟) .
قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ، وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
قَالَ: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ).
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ.فَانْطَلَقْنَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا.
وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ، وَيَأْجُرَكَ فِيْهِم؟) .
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَلَقِيْتُ أُنَيْساً.
فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟
قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِيْنِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم، وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُم.
وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا.
فَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي.
وَجَاءتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ.
فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غِفَارُ، غَفَرَ اللهُ لَهَا! وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟
قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَكَلِّمْهُ.
فَانْطَلَقَ، فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟
قَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ.
قُلْتُ: لَمْ تَشْفِنِي؟
فَأَخَذْتُ جِرَاباً وَعَصاً، ثُمَّ
أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ.فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ؟
قُلتُ: نَعَمْ.
قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لاَ أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ يُخْبِرُنِي!
فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ، جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ.
فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ.
قَالَ: أَمَا قَدْ رَشَدْتَ! هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي! وَامْضِ أَنْتَ.
فَمَضَى، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ.
فَعَرَضَ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: (يَا أَبَا ذَرٍّ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ! فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُوْرُنَا، فَأَقْبِلْ) .
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيْهِ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ.
فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ!
فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ:
وَيْلَكُم! تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ!
فَأَطْلَقُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ!
فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ.
فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيْقِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ.ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ، وَكَانَ شُجَاعاً، يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ، يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ، وَيُغِيْرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ، فَيَطْرُقُ الحَيَّ، وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ، وَسَمِعَ مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً، فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُوَحِّدُ، وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رَابِعَ الإِسْلاَمِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ، فَقُلْتُ:
سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ.
وَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: جُنْدُبٌ، رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ فِيْهِم مَنْ يَسْرُقُ الحَاجَّ.
وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، مِنْ عَجَفِ بَعِيْرِي.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوْكٍ، جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ.
فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ.
فَيَقُوْلُ: (دَعُوْهُ، إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُكُم، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ) .
حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيْرُهُ.
قَالَ: وَتَلَوَّمَ بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَنَظَرَ نَاظِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيْقِ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُنْ أَبَا ذَرٍّ) .
فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ، قَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- أَبُو ذَرٍّ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحَدَهُ) .
فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ.فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ، فَقَالَ:
إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ.
فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ.
فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي، وَقَالَ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ) .
فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى أَجَنَّهُ.
شَرِيْكٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي، وَلاَ بَيَاضُ شَعْرِي، أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟
قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ، وَحِمَاراً، وَأَعْنُزاً، وَرَكَائِبَ.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ، فَقَالَ: (إِنَّكَ ضَعِيْفٌ، وَإِنَّهَا خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ
مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا ) .أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ إِذَا حَضَرَ، وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ.
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ: حَدَّثَتْنِي جَبَلَةُ بِنْتُ مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إِلاَّ قَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي؛ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ فِي صَدْرِي إِلاَّ قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صَدْرِ مَالِكِ بنِ ضَمْرَةَ.
هَذَا مُنْكَرٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوْصَانِي بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ فَوْقِي، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَنْ أَقُوْلَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ).
الأَعْمَشُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ ) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلُهُ.
وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى - وَهُوَ وَاهٍ -: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ ) .
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ؟) .
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ، وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ! مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ).
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ.ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَرَجُلٌ، عَنْ زَاذَانَ، قَالاَ:
سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ فَقَالَ:
وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ، وَكَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ، حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ، يُكْثِرُ السُّؤَالَ، وَعَجِزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ - قَالَ: وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ - فَانْتَهَى إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنْ قَالَ:
أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم، وَلاَ أُدْرِكُهُمْ.
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ.
يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ، ثُمَّ أَوْكَى، فَرَبَطَ عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً !
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً، أَوْكَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، مُرْسَلاً:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ، وَتُبْ عَلَيْهِ) .
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ
وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ) .فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا ذَرٍّ.
شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي اللهُ -تَعَالَى- أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ) .
قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ).
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوَى إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ.
فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي المَسْجِدِ، فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى اسْتَوَى جَالِساً.
فَقَالَ: (أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً؟) .
قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ؟ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرِهِ؟
فَجَلَسَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ؟) .
قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ، وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ، فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ لَهُ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ؟) .
قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَيَكُوْنُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي.
قَالَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ؟) .
قَالَ: آخُذُ إِذاً سَيْفِي فَأُقَاتِلُ حَتَّى أَمُوْتَ.
قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) .
قَالَ: بَلَى، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تَلْقَانِي وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) .
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ ) .وَفِي (المُسْنَدِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، وَأَبِي المُثَنَّى:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً، وَوَاثَقَنِي سَبْعاً، وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً: أَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
أَبُو اليَمَانِ: هُوَ الهَوْزَنِيُّ.
الدَّغُوْلِيُّ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي، أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟) .
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: (قُمْ، فَصَلِّ) .
فَقُمْتُ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ) .
قُلْتُ: وَهَلْ لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ؟
قَالَ: (نَعَمْ) .
ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ؟ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ؟
قَالَ: (خَيْرُ مَوْضُوْعٍ، فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ، وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ) .
قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ؟
قَالَ: (فَرْضٌ مُجْزِئٌ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ؟
قَالَ: (أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَعِنْدَ اللهِ مَزِيْدٌ) .
قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ؟
قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟
قَالَ: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ؟
قَالَ: (آدَمُ) .
قُلْتُ: نَبِيّاً كَانَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، مُكَلَّمٌ) .قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمّاً غَفِيْراً ) .
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي ذَرٍّ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا - وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ - وَلاَ أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ) .
قَالَ: أَوَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ؟
قَالَ: (لاَ) .
قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: (اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ) .
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الشَّامَ.
فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ، ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً، أَوْ شَيْئاً، فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللهُ.
فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ، ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ، فَتَأَخَّرَ وَقْتَ الصَّلاَةِ - لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ -.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ.
سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ.
عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ:
أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي، وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ.
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَنِ الفُتْيَا.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ! لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا.
اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ.
وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلاَ نَفْسِي.
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ.
الجُرَيْرِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: قَدِمْتُ
المَدِيْنَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الجَسَدِ، أَخْشَنُ الوَجْهِ.فَقَامَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: بَشِّرِ الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ.
قَالَ: فَوَضَعَ القَوْمُ رُؤُوْسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً.
فَأَدْبَرَ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ:
مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ.
قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً، إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ) .
فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: (تَرَى أُحُداً؟) .
فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ - وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ - فَقُلْتُ: أَرَاهُ.
فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ) ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً!
فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لاَ تَعْتَرِيْهِمْ، وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ؟
قَالَ: لاَ وَرَبِّكَ، مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيْهِمْ عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، ... فَذَكَرَ بَعْضَهُ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، قَالَ:قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَأَتَى سَارِيَةً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيْهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ دِيْنَاراً، أَوْ تِبْراً، أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ، وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ كُوِيَ بِهِ) .
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! انْظُرْ مَا تُخْبِرُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ.
قَالَ: مَنْ أَنْتَ، ابْنَ أَخِي؟
فَانْتَسَبْتُ لَهُ.
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ، مَا تَقْرَأُ: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ} [التَّوْبَةُ : 35] .
مُوْسَى: ضُعِّفَ، رَوَاهُ عَنْهُ: الثِّقَاتُ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَا.
فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ! إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: إِنْ
كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ.فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ، وَضَرَبَ كَعْباً، وَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً أُنْفِقُهُ، وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ) .
أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ، وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ؛ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَالَ:
وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! - يُرِيْدُ الخَوَارِجَ، قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ الحَلْقُ -.
قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ.
قَالَ: نَعَمْ، وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: دُوْنَكُمْ - مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ - دُنْيَاكُمْ، فَاعْذِمُوْهَا، وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ كَعْبٌ.
فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ جَمَعَ
هَذَا المَالَ، فَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ؟قَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لأَرْجُو لَهُ.
فَغَضِبَ، وَرَفَعَ عَلَيْهِ العَصَا، وَقَالَ:
وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ، لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ:
بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا يُجْلِسُكَ هَا هُنَا؟
قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْذَنُوا لَنَا.
فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى البَابِ؟
فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً، وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ تَبِعَةً؟
قَالَ: لاَ.
فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَضَرَبَهُ بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا ابْنَ اليَهُوْدِيّةِ! تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الْحَشْر: 9] .. الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الدَّهْر: 8] ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ ؛ فَكَانَ يُحِبُّ الوَحْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً، فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ:يَا أَبَا ذَرٍّ! اتَّقِ اللهَ، وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا أَبُو ذَرٍّ بِالبَابِ.
قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا.
فَأَذِنْتُ لَهُ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ، فَرَجَفَ بِهِ السَّرِيْرُ - وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً -.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ!
قَالَ: مَا قُلْتُ.
قَالَ: إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ، وَمَا تَأْتِي بِهِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ.
قَالَ: فَكَيْفَ إِذاً قُلْتَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي الَّذِيْ يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ) وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ.
وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَعْلَمُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ، فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّامِ، فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِيْنَارٌ، وَلاَ دِرْهَمٌ، وَلاَ تِبْرٌ، وَلاَ فِضَّةٌ، إِلاَّ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ.
وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ، فَأَنْفَقَهَا.
فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا رَسُوْلَهُ، فَقَالَ:اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنِّي أَخْطَأْتُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! قُلْ لَهُ:
يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ، وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ، كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ، فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ صُدُوْرَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِمَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ، قَالَ:
قَالَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم، ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ، فَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ.
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ، فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ، قَالَ:
مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي، لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ، وَاللهِ لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا اسْتَطَعْتُ، إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ، فَقَالَ لِي: (وَيْحَكَ بَعْدِي) .
فَبَكَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنِّي لَبَاقٍ بَعْدَكَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ عَلَى سَلْعٍ، فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ، أَرْضِ قُضَاعَةَ) .
قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع أَصْحَابِكَ، وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ.وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْمَعْ وَأَطِعْ لِمَنْ كَانَ عَلَيْكَ) .
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ ثَابِتِ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ السُّلَمَيِّ، قَالَ:
تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّماً.
فَقَالُوا: مَا لَكَ وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ، وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ، ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ، لَفَعَلْتُ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! افْتَحِ البَابَ، لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، قَالاَ:
نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ، فَأَذِنَ لَنَا، وَاسْتَأْنَسَ بِنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ - حَسِبْتُهُ
قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ - فَقَالُوا:يَا أَبَا ذَرٍّ، فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ! فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ مَا شِئْتَ؟
فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، لاَ تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم، وَلاَ تُذِلُّوا السُّلْطَانَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ، وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ:
قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ - تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ - وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا) .
قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً: مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ) ، وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا مِنْكُم إِلاَّ مَنْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا:
لَو عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ!
فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ
مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَابَبْتَ فُلاَناً؟) .قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (ذَكَرْتَ أُمَّهُ؟) .
قُلْتُ: مَنْ سَابَّ الرِّجَالَ ذُكِرَ أَبُوْهُ وَأُمُّهُ.
فَقَالَ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: (إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ، وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ ) .
قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ وَالخَلُوْقِ.
فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ: (إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ) ، وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ، [مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيْرُ].
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، دَعَا خَادِمَهُ، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ لِلسَّنَةِ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً بِمَا بَقِيَ.
وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عَلَيْهِ، إِلاَّ وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا، فَإِذَا رَجَعَتْ أَخَذَهَا، فَأَصْلَحَ آلَتَهَا، وَحَمَلَ عَلَى الأُخْرَى.قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَسْكَناً، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ:
مَا هَذَا! تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا، لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ فِي عَذِرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ.
حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى، لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ - وَكَانَ أَبُو مُوْسَى قَصِيْراً، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ - فَيَقُوْلُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي!
وَيَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي!
فَيَقُوْلُ: لَسْتُ بِأَخِيْكَ! إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تَلِيَ.
وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً، بِيَدِهِ صُوْفٌ، قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ، وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا، فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً، فَنَاوَلْتُهُ شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ، فَقَالَ لِي: أَمَّا ثَوَابُكَ، فَعَلَى اللهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ، فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَيُقَالُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ، مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ ) .فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُ لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيْلِ الخَيْرِ، وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً.
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ.
وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى النَّاسِ، يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ وَمُدَارَاةٌ، وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - فَنَصَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ
خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ:أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً.
قَالَ: لاَ تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: (لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ) .
فَكُلُّهُمْ مَاتَ فِي جَمَاعِةٍ وَقَرْيَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي، وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ أَمُوْتُ، فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ، فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ، مَا كَذَبْتُ، وَلاَ كُذِبْتُ.
قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟!
قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ.
فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ، إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا.
قَالُوا: مَا لَكِ؟
قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تُكَفِّنُوْنَهُ، وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ.
قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ.
فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ.
فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالَ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا، فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً) .
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيْهِ، أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً،
فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، إِلاَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ:أَنَا صَاحِبُكَ، ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي، وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي، فَكَفِّنِّي.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ، بَكَتِ امْرَأَتُهُ ... ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ:
فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ، مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بنُ الأَشْتَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ امْرَأَتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ.
فَوَضَعَاهُ، وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ العِرَاقِ عُمَّاراً، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلاَّ بِهِ، قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ.
فَقَامَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَمْشِي
وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ) .ثُمَّ نَزَلُوا، فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ حَدِيْثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ، فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ.
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَظَنَنْتُهُ نَائِماً، فَدَنَوْتُ، وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْتُ أُصَلِّي.
وَقِيْلَ: جُنْدُبُ بنُ سَكَنٍ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقِيْلَ: بُرَيْرُ بنُ عَبْدِ اللهِ.
وَنَبَّأَنِّي الدِّمْيَاطِيُّ: أَنَّهُ جُنْدُبُ بنُ جُنَادَةَ بنِ سُفْيَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ حَرَامِ بنِ غِفَارَ - أَخِي ثَعْلَبَةَ - ابْنَيْ مُلَيْلِ بنِ ضَمْرَةَ أَخِي لَيْثٍ وَالدِّيْلِ، أَوْلاَدِ بَكْرٍ، أَخِي مُرَّةَ، وَالِدِ مُدْلِجِ بنِ مُرَّةَ، ابْنَيْ عَبْدِ مَنَاةَ بنِ كِنَانَةَ.
قُلْتُ: أَحَدُ السَّابِقِيْنَ الأَوَّلِيْنَ، مِنْ نُجَبَاءِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قِيْلَ: كَانَ خَامِسَ خَمْسَةٍ فِي الإِسْلاَمِ.
ثُمَّ إِنَّهُ رُدَّ إِلَى بِلاَدِ قَوْمِهِ، فَأَقَامَ بِهَا بِأَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أَنْ هَاجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَاجَرَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- وَلاَزَمَهُ، وَجَاهَدَ مَعَهُ.
وَكَانَ يُفْتِي فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ.
رَوَى عَنْهُ: حُذَيْفَةُ بنُ أَسِيْدٍ الغِفَارِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَجُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الخَوْلاَنِيُّ، وَزَيْدُ بنُ وَهْبٍ، وَأَبُو الأَسْوَدِ الدُّئِلِيِّ، وَرِبْعِيُّ بنُ حِرَاشٍ، وَالمَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ، وَزِرُّ بنُ حُبَيْشٍ، وَأَبُو سَالِمٍ الجَيْشَانِيُّ سُفْيَانُ بنُ هَانِئ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ غَنْمٍ،
وَالأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، وَقَيْسُ بنُ عُبَادٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَسُوَيْدُ بنُ غَفَلَةَ، وَأَبُو مُرَاوِحٍ، وَأَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَسَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَخَرَشَةُ بنُ الحُرِّ، وَزَيْدُ بنُ ظَبْيَانَ، وَصَعْصَعَةُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَأَبُو السَّلِيْلِ ضُرَيْبُ بنُ نُفَيْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ شَقِيْقٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي لَيْلَى، وَعُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ، وَغُضَيْفُ بنُ الحَارِثِ، وَعَاصِمُ بنُ سُفْيَانَ، وَعُبَيْدُ بنُ الخَشْخَاشِ، وَأَبُو مُسْلِمٍ الجَذْمِيُّ، وَعَطَاءُ بنُ يَسَارٍ، وَمُوْسَى بنُ طَلْحَةَ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ المُحَارِبِيُّ، وَمُوَرِّقُ العِجْلِيُّ، وَيَزِيْدُ بنُ شَرِيْكٍ التَّيْمِيُّ، وَأَبُو الأَحْوَصِ المَدَنِيُّ - شَيْخٌ لِلزُّهْرِيِّ - وَأَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ، وَأَبُو بَصْرَةَ الغِفَارِيُّ، وَأَبُو العَالِيَةِ الرِّيَاحِيُّ، وَابْنُ الحَوْتِكيَّةِ، وَجَسْرَةُ بِنْتُ دَجَاجَةَ.فَاتَتْهُ بَدْرٌ، قَالَهُ: أَبُو دَاوُدَ.
وَقِيْلَ: كَانَ آدَمَ، ضَخْماً، جَسِيْماً، كَثَّ اللِّحْيَةِ.
وَكَانَ رَأْساً فِي الزُّهْدِ، وَالصِّدْقِ، وَالعِلْمِ، وَالعَمَلِ، قَوَّالاً بِالحَقِّ، لاَ تَأْخُذُهُ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائِمٍ، عَلَى حِدَّةٍ فِيْهِ.
وَقَدْ شَهِدَ فَتْحَ بَيْتِ المَقْدِسِ مَعَ عُمَرَ.
أَخْبَرَنَا الخَضِرُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَزْدِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا زَيْنُ الأُمَنَاءِ حَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ الحَافِظُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الحُسَيْنِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ سُلْوَانَ، أَخْبَرَنَا الفَضْلُ بنُ جَعْفَرٍ التَّمِيْمِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ القَاسِمِ الهَاشِمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ،
حَدَّثَنَا سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ، عَنْ رَبِيْعَةَ بنِ يَزِيْدَ، عَنْ أَبِي إدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ:عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ جِبْرِيْلَ، عَنِ اللهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُم مُحَرَّماً، فَلاَ تَظَالَمُوا.
يَا عِبَادِي، إِنَّكُمُ الَّذِيْنَ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا الَّذِي أَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَلاَ أُبَالِي، فَاسْتَغْفِرُوْنِي أَغْفِرْ لَكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُوْنِي أُطْعِمْكُم.
يَا عِبَادِي، كُلُّكُم عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُوْنِي أَكْسُكُم.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ مِنْكُم، لَمْ يَزِدْ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً.
يَا عِبَادِي، لَو أَنَّ أَوَّلَكُم وَآخِرَكُم، وَإِنْسَكُم وَجِنَّكُم، كَانُوا فِي صَعِيْدٍ وَاحِدٍ، فَسَأَلُوْنِي، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُم مَا سَأَلَ، لَمْ يَنْقُصْ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً، إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ البَحْرَ أَنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ غَمْسَةً وَاحِدَةً.
يَا عِبَادِي، إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُم أَحْفَظُهَا عَلَيْكُم، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً، فَلْيَحْمَدِ اللهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ) .
قَالَ سَعِيْدٌ: كَانَ أَبُو إِدْرِيْسَ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيْثِ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
نَقَلَ الوَاقِدِيُّ، عَنْ خَالِدِ بنِ حَيَّانَ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدَمَشْقَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ البَرْقِيِّ: أَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ: يَزِيْدُ بنُ جُنَادَةَ.
وَقَالَ سَعِيْدُ بنُ عَبْدِ العَزِيْزِ: اسْمُهُ بُرَيْرٌ.
قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: عَنْ رَجُلٍ عَامِرِيٍّ، قَالَ:
كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ المَاءِ وَمَعِي أَهْلِي، فَتُصِيْبُنِي الجَنَابَةُ، فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، فَنُعِتَ لِي أَبُو ذَرٍّ، فَحَجَجْتُ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَ مِنَى، فَعَرَفْتُهُ، فَإِذَا شَيْخٌ مَعْرُوْقٌ، آدَمُ، عَلَيْهِ حُلَّةٌ قِطْرِيٌّ.
وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: حَدَّثَنِي الأَحْنَفُ بنُ قَيْسٍ، قَالَ:قَدِمْتُ المَدِيْنَةَ، فَدَخَلْتُ مَسْجِدَهَا، فَبَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ طُوَالٌ، آدَمُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، مَحْلُوْقٌ، يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضاً.
فَاتَّبَعْتُهُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟
قَالُوا: أَبُو ذَرٍّ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ، وَابْنُ عَوْنٍ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ، وَكَانُوا يُحِلُّوْنَ الشَّهْرَ الحَرَامَ، فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، فَنَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، فَأَكْرَمَنَا وَأَحَسَنَ.
فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكَ يُخَالِفُكَ إِلَيْهِم أُنَيْسٌ.
فَجَاءَ خَالُنَا، فَذَكَرَ لَنَا مَا قِيْلَ لَهُ، فَقُلْتُ:
أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوْفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلاَ جِمَاعَ لَكَ فِيْمَا بَعْدُ.
فَقَدَّمْنَا صِرْمَتَنَا، فَاحْتَمَلَنَا عَلَيْهَا، وَجَعَلَ خَالُنَا يَبْكِي، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، فَأَتَيَا الكَاهِنَ، فَخَيَّرَ أُنَيْساً، فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا.
قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثِ سِنِيْنَ.
قُلْتُ: لِمَنْ؟
قَالَ: للهِ.
قُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهَ؟
قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أُلْقِيْتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ.
فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ، فَاكْفِنِي.فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ، فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ جَاءَ.
فَقُلْتُ: مَا صَنَعْتَ؟
قَالَ: لَقِيْتُ رَجُلاً بِمَكَّةَ عَلَى دِيْنِكَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ.
قُلْتُ: فَمَا يَقُوْلُ النَّاسُ؟
قَالَ: يَقُوْلُوْنَ: شَاعِرٌ، كَاهِنٌ، سَاحِرٌ.
قَالَ: وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ.
فَقَالَ: لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الكَهَنَةِ، وَمَا هُوَ بِقَوْلِهِم، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْوَالِ الشُّعَرَاءِ، فَمَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُم لَكَاذِبُوْنَ!
قُلْتُ: فَاكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ!
فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَتَضَعَّفْتُ رَجُلاً مِنْهُم، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَدْعُوْنَهُ الصَّابِئَ؟
فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقَالَ: الصَّابِئُ.
قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ، وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيّاً عَلَيَّ، فَارْتَفَعْتُ حِيْنَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ، فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ، وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا.
وَلَقَدْ لَبِثْتُ - يَا ابْنَ أَخِي - ثَلاَثِيْنَ، بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ، مَا لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانَ، جَاءتِ امْرَأَتَانِ تَطُوْفَانِ،
وَتَدْعُوَانِ إِسَافاً وَنَائِلَةَ، فَأَتَتَا عَلَيَّ فِي طَوَافِهِمَا.فَقُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الآخَرَ.
فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا، فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الخَشَبَةِ، غَيْرَ أَنِّي لاَ أَكْنِي.
فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلاَنِ، تَقُوْلاَنِ: لَو كَانَ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا؟
فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُوْلُ اللهِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَتَانِ، فَقَالَ: (مَا لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا.
قَالَ: (فَمَا قَالَ لَكُمَا؟) .
قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ كَلِمَةً تَمْلأُ الفَمَ.
قَالَ: وَجَاءَ رَسُوْلُ اللهِ حَتَّى اسْتَلَمَ الحَجَرَ، ثُمَّ طَافَ بِالبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ، ثُمَّ صَلَّى، وَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلاَمِ.
قَالَ: (عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ! مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: مِنْ غِفَارَ.
فَأَهْوَى بِيَدِهِ، وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ.
فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، فَدَفَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي.
قَالَ: ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: (مَتَى كُنْتَ هَا هُنَا؟) .
قُلْتُ: مُنْذُ ثَلاَثِيْنَ، مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ.
قَالَ: (فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟) .
قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلاَّ مَاءُ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ، وَمَا أَجِدُ عَلَى بَطْنِي سَخْفَةَ جُوْعٍ.
قَالَ: (إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ).
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ.فَانْطَلَقْنَا، فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَاباً، فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيْبِ الطَّائِفِ، فَكَانَ أَوَّلَ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا.
وَأَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: (إِنَّهُ قَدْ وُجِّهَتْ لِي أَرْضٌ ذَاتُ نَخْلٍ، لاَ أُرَاهَا إِلاَّ يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ، وَيَأْجُرَكَ فِيْهِم؟) .
قَالَ: فَانْطَلَقْتُ، فَلَقِيْتُ أُنَيْساً.
فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟
قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
قَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِيْنِكَ، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ.
فَأَسْلَمَتْ أُمُّنَا، فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُم، وَكَانَ يَؤُمُّهُم إِيْمَاءُ بنُ رَحَضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُم.
وَقَالَ نِصْفُهُم: إِذَا قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المَدِيْنَةَ أَسْلَمْنَا.
فَقَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَدِيْنَةَ، فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمُ البَاقِي.
وَجَاءتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِخْوَانُنَا، نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ.
فَأَسْلَمُوا، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (غِفَارُ، غَفَرَ اللهُ لَهَا! وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ) .
أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
قَالَ أَبُو جَمْرَةَ: قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ: أَلاَ أُخْبِرُكُم بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟
قُلْنَا: بَلَى.
قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً بِمَكَّةَ قَدْ خَرَجَ، يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، فَكَلِّمْهُ.
فَانْطَلَقَ، فَلَقِيَهُ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟
قَالَ: وَاللهِ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ.
قُلْتُ: لَمْ تَشْفِنِي؟
فَأَخَذْتُ جِرَاباً وَعَصاً، ثُمَّ
أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ، فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، وَأَكُوْنُ فِي المَسْجِدِ.فَمَرَّ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ غَرِيْبٌ؟
قُلتُ: نَعَمْ.
قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى المَنْزِلِ.
فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ، لاَ أَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ، وَلاَ يُخْبِرُنِي!
فَلَمَّا أَصْبَحَ الغَدُ، جِئْتُ إِلَى المَسْجِدِ لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَيْءٍ.
فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ، فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعُوْدَ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ؟
قُلْتُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَيَّ أَخْبَرْتُكَ.
قَالَ: أَفْعَلُ.
قُلْتُ: قَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ نَبِيٌّ.
قَالَ: أَمَا قَدْ رَشَدْتَ! هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي وَادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَداً أَخَافُهُ عَلَيْكَ، قُمْتُ إِلَى الحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي! وَامْضِ أَنْتَ.
فَمَضَى، وَمَضَيْتُ مَعَهُ، فَدَخَلْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:
يَا رَسُوْلَ اللهِ، اعْرِضْ عَلَيَّ الإِسْلاَمَ.
فَعَرَضَ عَلَيَّ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: (يَا أَبَا ذَرٍّ، اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ! فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُوْرُنَا، فَأَقْبِلْ) .
فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ.
فَجَاءَ إِلَى المَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيْهِ، فَقَالَ:
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ.
فَقَامُوا، فَضُرِبْتُ لأَمُوْتَ!
فَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ، وَقَالَ:
وَيْلَكُم! تَقْتَلُوْنَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُم وَمَمَرُّكُم عَلَى غِفَارَ!
فَأَطْلَقُوا عَنِّي، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ، رَجَعْتُ، فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ.
فَقَالُوا: قُوْمُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئ!
فَصُنِعَ بِي كَذَلِكَ، وَأَدْرَكَنِي العَبَّاسُ، فَأَكَبَّ عَلَيَّ.
فَهَذَا أَوَّلُ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ.
أَخْرَجَهُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، مِنْ طَرِيْقِ المُثَنَّى بنِ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ.ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ شِبْلٍ، عَنْ خُفَافِ بنِ إِيْمَاءَ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً يُصِيْبُ، وَكَانَ شُجَاعاً، يَنْفَرِدُ وَحْدَهُ، يَقْطَعُ الطَّرِيْقَ، وَيُغِيْرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ أَوْ قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبُعُ، فَيَطْرُقُ الحَيَّ، وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإِسْلاَمَ، وَسَمِعَ مَقَالَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَوْمَئِذٍ يَدْعُو مُخْتَفِياً، فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ.
وَعَنْ أَبِي مَعْشَرٍ السِّنْدِيِّ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَيُوَحِّدُ، وَلاَ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
النَّضْرُ بنُ مُحَمَّدٍ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو زُمَيْلٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رَابِعَ الإِسْلاَمِ، أَسْلَمَ قَبْلِي ثَلاَثَةٌ، فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللهِ، فَقُلْتُ:
سَلاَمٌ عَلَيْكَ يَا نَبِيَّ اللهِ.
وَأَسْلَمْتُ، فَرَأَيْتُ الاسْتِبْشَارَ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ: (مَنْ أَنْتَ؟) .
قُلْتُ: جُنْدُبٌ، رَجُلٌ مِنْ غِفَارَ.
قَالَ: فَرَأَيْتُهَا فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَكَانَ فِيْهِم مَنْ يَسْرُقُ الحَاجَّ.
وَعَنْ مَحْفُوظِ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ عَائِذٍ، عَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، قَالَ:كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَعَمْرُو بنُ عَبَسَةَ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُوْلُ: أَنَا رُبُعُ الإِسْلاَمِ.
قَالَ الوَاقِدِيُّ: كَانَ حَامِلَ رَايَةِ غِفَارَ يَوْمَ حُنَيْنٍ: أَبُو ذَرٍّ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: أَبْطَأْتُ فِي غَزْوَةِ تَبُوْكٍ، مِنْ عَجَفِ بَعِيْرِي.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا سَارَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى تَبُوْكٍ، جَعَلَ لاَ يَزَالُ يَتَخَلَّفُ الرَّجُلُ.
فَيَقُوْلُوْنَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ تَخَلَّفَ فُلاَنٌ.
فَيَقُوْلُ: (دَعُوْهُ، إِنْ يَكُنْ فِيْهِ خَيْرٌ فَسَيَلْحَقُكُم، وَإِنْ يَكُنْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمُ اللهُ مِنْهُ) .
حَتَّى قِيْلَ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، تَخَلَّفَ أَبُو ذَرٍّ، وَأَبْطَأَ بِهِ بَعِيْرُهُ.
قَالَ: وَتَلَوَّمَ بَعِيْرُ أَبِي ذَرٍّ، فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَيْهِ أَخَذَ مَتَاعَهُ، فَجَعَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ، وَخَرَجَ يَتْبَعُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَنَظَرَ نَاظِرٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا لَرَجُلٌ يَمْشِي عَلَى الطَّرِيْقِ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (كُنْ أَبَا ذَرٍّ) .
فَلَمَّا تَأَمَّلَهُ القَوْمُ، قَالُوا: هُوَ -وَاللهِ- أَبُو ذَرٍّ!
فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (رَحِمَ اللهُ أَبَا ذَرٍّ، يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحَدَهُ) .
فَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرْبِهِ، وَسُيِّرَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ.فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ أَوْصَى امْرَأَتَهُ وَغُلاَمَهُ، فَقَالَ:
إِذَا مِتُّ فَاغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّوْنَ بِكُمْ فَقُوْلاَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ.
فَلَمَّا مَاتَ فَعَلاَ بِهِ ذَلِكَ، فَاطَّلَعَ رَكْبٌ، فَمَا عَلِمُوا بِهِ حَتَّى كَادَتْ رَكَائِبُهُم تَوَطَّأُ السَّرِيْرَ.
فَإِذَا عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الكُوفَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قِيْلَ: جِنَازَةُ أَبِي ذَرٍّ.
فَاسْتَهَلَّ ابْنُ مَسْعُوْدٍ يَبْكِي، وَقَالَ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَرْحَمُ اللهُ أَبَا ذَرٍّ! يَمْشِي وَحْدَهُ، وَيَمُوْتُ وَحْدَهُ، وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ) .
فَنَزَلَ، فَوَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، حَتَّى أَجَنَّهُ.
شَرِيْكٌ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ كُلَيْبِ بنِ شِهَابٍ:
سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُوْلُ: مَا تُؤْيِسُنِي رِقَّةُ عَظْمِي، وَلاَ بَيَاضُ شَعْرِي، أَنْ أَلْقَى عِيْسَى ابْنَ مَرْيَمَ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟
قَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ، وَحِمَاراً، وَأَعْنُزاً، وَرَكَائِبَ.
يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ: أَخْبَرَنَا الحَارِثُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُوْلَ اللهِ الإِمْرَةَ، فَقَالَ: (إِنَّكَ ضَعِيْفٌ، وَإِنَّهَا خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ
مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا، وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيْهَا ) .أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي مَرْيَمَ: عَنْ حَبِيْبِ بنِ عُبَيْدٍ، عَنْ غُضَيْفِ بنِ الحَارِثِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ:
كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِئُ أَبَا ذَرٍّ إِذَا حَضَرَ، وَيَتَفَقَّدُهُ إِذَا غَابَ.
فُضَيْلُ بنُ مَرْزُوقٍ: حَدَّثَتْنِي جَبَلَةُ بِنْتُ مُصَفَّحٍ، عَنْ حَاطِبٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا تَرَكَ رَسُوْلُ اللهِ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ جِبْرِيْلُ وَمِيْكَائِيْلُ فِي صَدْرِهِ إِلاَّ قَدْ صَبَّهُ فِي صَدْرِي؛ وَلاَ تَرَكْتُ شَيْئاً مِمَّا صَبَّهُ فِي صَدْرِي إِلاَّ قَدْ صَبَبْتُهُ فِي صَدْرِ مَالِكِ بنِ ضَمْرَةَ.
هَذَا مُنْكَرٌ.
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي الرِّجَالِ: أَخْبَرَنَا عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ، عَنِ ابْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَوْصَانِي بِخَمْسٍ: أَرْحَمُ المَسَاِكِيْنَ وَأُجَالِسُهُم، وَأَنْظُرُ إِلَى مَنْ تَحْتِي وَلاَ أَنْظُرُ إِلَى مَنْ فَوْقِي، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَنْ أَقُوْلَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ).
الأَعْمَشُ: عَنْ عُثْمَانَ بنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي حَرْبٍ بنِ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو:سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ، وَلاَ أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ مِنْ رَجُلٍ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ ) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ بِلاَلِ بنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلُهُ.
وَجَاءَ نَحْوُهُ لِجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
أَبُو أُمَيَّةَ بنُ يَعْلَى - وَهُوَ وَاهٍ -: عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تَوَاضُعِ عِيْسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ ) .
سَلاَّمُ بنُ مِسْكِيْنٍ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بنُ دِيْنَارٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (أَيُّكُمْ يَلْقَانِي عَلَى الحَالِ الَّذِي أُفَارِقُهُ عَلَيْهِ؟) .
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنَا.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا أَظَلَّتِ الخَضْرَاءُ، وَلاَ أَقَلَّتِ الغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ! مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى زُهْدِ عِيْسَى فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ).
حَجَّاجُ بنُ مُحَمَّدٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيْهِ.ثُمَّ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَرَجُلٌ، عَنْ زَاذَانَ، قَالاَ:
سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ فَقَالَ:
وَعَى عِلْماً عَجِزَ عَنْهُ، وَكَانَ شَحِيْحاً عَلَى دِيْنِهِ، حَرِيْصاً عَلَى العِلْمِ، يُكْثِرُ السُّؤَالَ، وَعَجِزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ العِلْمِ.
سُلَيْمَانُ بنُ المُغِيْرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بنِ هِلاَلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ مِنْ بَابٍ لاَ يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ - قَالَ: وَتَخَوَّفَنَا عُثْمَانُ عَلَيْهِ - فَانْتَهَى إِلَيْهِ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلاَّ أَنْ قَالَ:
أَحَسِبْتَنِي مِنْهُم يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ؟ وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُم، وَلاَ أُدْرِكُهُمْ.
ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ.
يَحْيَى بنُ سَلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ: عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ، عَنْ عَلِيٍّ:
أَنَّهُ قِيْلَ لَهُ: حَدِّثْنَا عَنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدِّثْنَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
قَالَ: عَلِمَ العِلْمَ، ثُمَّ أَوْكَى، فَرَبَطَ عَلَيْهِ رِبَاطاً شَدِيْداً !
أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ: سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ:
أَبُو ذَرٍّ وِعَاءٌ مُلِئَ عِلْماً، أَوْكَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى قُبِضَ.
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، مُرْسَلاً:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأَبِي ذَرٍّ، وَتُبْ عَلَيْهِ) .
وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيَ سَبْعَةَ رُفَقَاءَ
وَوُزَرَاءَ، وَإِنِّي أُعْطِيْتُ أَربَعَةَ عَشَرَ) .فَسَمَّى فِيْهِم أَبَا ذَرٍّ.
شَرِيْكٌ: عَنْ أَبِي رَبِيْعَةَ الإِيَادِيِّ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أُمِرْتُ بِحُبِّ أَرْبَعَةٍ، وَأَخْبَرَنِي اللهُ -تَعَالَى- أَنَّهُ يُحِبُّهُمْ) .
قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (عَلِيٌّ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَسَلْمَانُ، وَالمِقْدَادُ بنُ الأَسْوَدِ).
قَالَ شَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَتْنِي أَسْمَاءُ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خِدْمَتِهِ، أَوَى إِلَى المَسْجِدِ، وَكَانَ هُوَ بَيْتَهُ.
فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَجَدَهُ مُنْجَدِلاً فِي المَسْجِدِ، فَنَكَتَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِجْلِهِ حَتَّى اسْتَوَى جَالِساً.
فَقَالَ: (أَلاَ أَرَاكَ نَائِماً؟) .
قَالَ: فَأَيْنَ أَنَامُ؟ هَلْ لِي مِنْ بَيْتٍ غَيْرِهِ؟
فَجَلَسَ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ؟) .
قَالَ: أَلْحَقُ بِالشَّامِ، فَإِنَّ الشَّامَ أَرْضُ الهِجْرَةِ، وَأَرْضُ المَحْشَرِ، وَأَرْضُ الأَنْبِيَاءِ، فَأَكُوْنُ رَجُلاً مِنْ أَهْلِهَا.
قَالَ لَهُ: (كَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنَ الشَّامِ؟) .
قَالَ: أَرْجِعُ إِلَيْهِ، فَيَكُوْنُ بَيْتِي وَمَنْزِلِي.
قَالَ: (فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا أَخْرَجُوْكَ مِنْهُ الثَّانِيَةَ؟) .
قَالَ: آخُذُ إِذاً سَيْفِي فَأُقَاتِلُ حَتَّى أَمُوْتَ.
قَالَ: فَكَشَّرَ إِلَيْهِ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: (أَدُلُّكَ عَلَى خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟) .
قَالَ: بَلَى، بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُوْلَ اللهِ.
قَالَ: (تَنْقَادُ لَهُمْ حَيْثُ قَادُوْكَ حَتَّى تَلْقَانِي وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ) .
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ ) .وَفِي (المُسْنَدِ) : أَخْبَرَنَا أَبُو المُغِيْرَةِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي اليَمَانِ، وَأَبِي المُثَنَّى:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ: بَايَعَنِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْساً، وَوَاثَقَنِي سَبْعاً، وَأَشْهَدَ اللهَ عَلَيَّ سَبْعاً: أَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ.
أَبُو اليَمَانِ: هُوَ الهَوْزَنِيُّ.
الدَّغُوْلِيُّ : أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّائِغُ بِمَكَّةَ، أَخْبَرَنَا المُقْرِي، أَخْبَرَنَا المَسْعُوْدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ الشَّامِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ الخَشْخَاشِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ:
أَتَيْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي المَسْجِدِ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: (أَصَلَّيْتَ؟) .
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: (قُمْ، فَصَلِّ) .
فَقُمْتُ، فَصَلَّيْتُ، ثُمَّ أَتَيْتُهُ.
فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! اسْتَعِذْ بِاللهِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ وَالجِنِّ) .
قُلْتُ: وَهَلْ لِلإِنْسِ مِنْ شَيَاطِيْنَ؟
قَالَ: (نَعَمْ) .
ثُمَّ قَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ! أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوْزِ الجَنَّةِ؟ قُلْ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّلاَةُ؟
قَالَ: (خَيْرُ مَوْضُوْعٍ، فَمَنْ شَاءَ أَكْثَرَ، وَمَنْ شَاءَ أَقَلَّ) .
قُلْتُ: فَمَا الصِّيَامُ؟
قَالَ: (فَرْضٌ مُجْزِئٌ) .
قُلْتُ: فَمَا الصَّدَقَةُ؟
قَالَ: (أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ، وَعِنْدَ اللهِ مَزِيْدٌ) .
قُلْتُ: فَأَيُّهَا أَفْضَلُ؟
قَالَ: جُهْدٌ مِنْ مُقِلٍّ، أَوْ سِرٌّ إِلَى فَقِيْرٍ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ أَعْظَمُ؟
قَالَ: (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّوْمُ) .
قُلْتُ: فَأَيُّ الأَنْبِيَاءِ كَانَ أَوَّلَ؟
قَالَ: (آدَمُ) .
قُلْتُ: نَبِيّاً كَانَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، مُكَلَّمٌ) .قُلْتُ: فَكَمِ المُرْسَلُوْنَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (ثَلاَثُ مائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ، جَمّاً غَفِيْراً ) .
هِشَامٌ: عَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لأَبِي ذَرٍّ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا - وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ - وَلاَ أَرَى أُمَرَاءكَ يَدَعُوْنَكَ) .
قَالَ: أَوَلاَ أُقَاتِلُ مَنْ يَحُوْلُ بَيْنِي وَبَيْنَ أَمْرِكَ؟
قَالَ: (لاَ) .
قَالَ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟
قَالَ: (اسْمَعْ وَأَطِعْ، وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ) .
فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّهُ قَدْ أَفْسَدَ الشَّامَ.
فَطَلَبَهُ عُثْمَانُ، ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ، فَوَجَدُوا عِنْدَهُمْ كِيْساً، أَوْ شَيْئاً، فَظَنُّوْهُ دَرَاهِمَ، فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللهُ.
فَإِذَا هِيَ فُلُوْسٌ.
فَقَالَ عُثْمَانُ: كُنْ عِنْدِي.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ، ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
فَأَذِنَ لَهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهَا، وَعَلَيْهَا عَبْدٌ حَبَشِيٌّ لِعُثْمَانَ، فَتَأَخَّرَ وَقْتَ الصَّلاَةِ - لَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ -.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ، فَصَلِّ.
سُفْيَانُ بنُ حُسَيْنٍ: عَنِ الحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
كُنْتُ رِدْفَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بَرْذَعَةٌ، أَوْ قَطِيْفَةٌ.
عَفَّانُ: أَخْبَرَنَا سَلاَمٌ أَبُو المُنْذِرِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ وَاسِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:أَوْصَانِي خَلِيْلِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِسَبْعٍ:
أَمَرَنِي بِحُبِّ المَسَاكِيْنِ، وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُوْنِي، وَأَنْ لاَ أَسْأَلَ أَحَداً شَيْئاً، وَأَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ، وَأَنْ أَقُوْلَ الحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرّاً، وَأَلاَّ أَخَافَ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، وَأَنْ أُكْثِرَ مِنْ قَوْلِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ.
الأَوْزَاعِيُّ: حَدَّثَنِي أَبُو كَثِيْرٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَتَيْتُ أَبَا ذَرٍّ وَهُوَ جَالِسٌ عِنْدَ الجَمْرَةِ الوُسْطَى، وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَسْتَفْتُوْنَهُ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَلَمْ يَنْهَكَ أَمِيْرُ المُؤْمِنِيْنَ عَنِ الفُتْيَا.
فَرَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَرَقِيْبٌ أَنْتَ عَلَيَّ! لَوْ وَضَعْتُمُ الصَّمْصَامَةَ عَلَى هَذِهِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قَفَاهُ - ثُمَّ ظَنَنْتُ أَنِّي أُنْفِذُ كَلِمَةً سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ تُجِيْزُوا عَلَيَّ، لأَنْفَذْتُهَا.
اسْمُ أَبِي كَثِيْرٍ: مَرْثَدٌ.
وَعَنْ ثَعْلَبَةَ بنِ الحَكَمِ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ لاَ يُبَالِي فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، غَيْرَ أَبِي ذَرٍّ، وَلاَ نَفْسِي.
ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهِ.
الجُرَيْرِيُّ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنِ الأَحْنَفِ، قَالَ: قَدِمْتُ
المَدِيْنَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيْهَا مَلأٌ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الجَسَدِ، أَخْشَنُ الوَجْهِ.فَقَامَ عَلَيْهِم، فَقَالَ: بَشِّرِ الكَنَّازِيْنَ بِرَضْفٍ يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوْضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوْضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَجَلْجَلُ.
قَالَ: فَوَضَعَ القَوْمُ رُؤُوْسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً مِنْهُم رَجَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً.
فَأَدْبَرَ، فَتَبِعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ:
مَا رَأَيْتُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ.
قَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً، إِنَّ خَلِيْلِي أَبَا القَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَعَانِي، فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ) .
فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ: (تَرَى أُحُداً؟) .
فَنَظَرْتُ مَا عَلَيَّ مِنَ الشَّمْسِ - وَأَنَا أَظُنُّهُ يَبْعَثُنِي فِي حَاجَةٍ - فَقُلْتُ: أَرَاهُ.
فَقَالَ: (مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي مِثْلَهُ ذَهَباً أُنْفِقُهُ كُلُّهُ إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيْرَ) ثُمَّ هَؤُلاَءِ يَجْمَعُوْنَ الدُّنْيَا لاَ يَعْقِلُوْنَ شَيْئاً!
فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلإِخْوَانِكَ مِنْ قُرَيْشٍ، لاَ تَعْتَرِيْهِمْ، وَلاَ تُصِيْبُ مِنْهُمْ؟
قَالَ: لاَ وَرَبِّكَ، مَا أَسْأَلُهْمُ دُنْيَا، وَلاَ أَسْتَفْتِيْهِمْ عَنْ دِيْنٍ حَتَّى أَلْحَقَ بِاللهِ وَرَسُوْلِهِ.
الأَسْوَدُ بنُ شَيْبَانَ: عَنْ يَزِيْدَ بنِ الشِّخِّيْرِ، عَنْ أَخِيْهِ مُطَرِّفٍ، عَنِ أَبِي ذَرٍّ، ... فَذَكَرَ بَعْضَهُ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ مَالِكِ بنِ أَوْسِ بنِ الحَدَثَانِ، قَالَ:قَدِمَ أَبُو ذَرٍّ مِنَ الشَّامِ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ وَأَنَا جَالَسٌ، فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، وَأَتَى سَارِيَةً، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيْهِمَا، ثُمَّ قَرَأَ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} .
وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ، فَقَالُوا: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ: سَمِعْتُ حَبِيْبِي رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (فِي الإِبِلِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البَقَرِ صَدَقَتُهَا، وَفِي البُرِّ صَدَقَتُهُ، مَنْ جَمَعَ دِيْنَاراً، أَوْ تِبْراً، أَوْ فِضَّةً لاَ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ، وَلاَ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ كُوِيَ بِهِ) .
قُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ! انْظُرْ مَا تُخْبِرُ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ هَذِهِ الأَمْوَالَ قَدْ فَشَتْ.
قَالَ: مَنْ أَنْتَ، ابْنَ أَخِي؟
فَانْتَسَبْتُ لَهُ.
فَقَالَ: قَدْ عَرَفْتُ نَسَبَكَ الأَكْبَرَ، مَا تَقْرَأُ: {وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنَهَا فِي سَبِيْلِ اللهِ} [التَّوْبَةُ : 35] .
مُوْسَى: ضُعِّفَ، رَوَاهُ عَنْهُ: الثِّقَاتُ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو قَبِيْلٍ، سَمِعْتُ مَالِكَ بنَ عَبْدِ اللهِ الزِّيَادِيَّ يُحَدَّثُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ:
أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَا.
فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ! إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ، وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: إِنْ
كَانَ فَضَلَ فِيْهِ حَقُّ اللهِ فَلاَ بَأْسَ عَلَيْهِ.فَرَفَعَ أَبُو ذَرٍّ عَصَاهُ، وَضَرَبَ كَعْباً، وَقَالَ:
سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي هَذَا الجَبَلَ ذَهَباً أُنْفِقُهُ، وَيُتَقَبَّلُ مِنِّي، أَذَرُ خَلْفِي مِنْهُ سِتَّةَ أَوَاقٍ) .
أَنْشُدُكَ اللهَ يَا عُثْمَانُ، أَسَمِعْتَهُ قَالَ مِرَاراً؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: هَذَا دَالٌّ عَلَى فَضْلِ إِنْفَاقِهِ، وَكَرَاهِيَةِ جَمْعِهِ؛ لاَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيْمٍ.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا دَخَلَ حَسَرَ عَنْ رَأْسِهِ، وَقَالَ:
وَاللهِ مَا أَنَا مِنْهُمْ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! - يُرِيْدُ الخَوَارِجَ، قَالَ ابْنُ شَوْذَبٍ: سِيْمَاهُمُ الحَلْقُ -.
قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: صَدَقْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكَ لِتُجَاوِرَنَا بِالمَدِيْنَةِ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، ائْذَنْ لِي إِلَى الرَّبَذَةِ.
قَالَ: نَعَمْ، وَنَأْمُرُ لَكَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ، تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوْحُ.
قَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، يَكْفِي أَبَا ذَرٍّ صُرَيْمَتُهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ، قَالَ: دُوْنَكُمْ - مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ - دُنْيَاكُمْ، فَاعْذِمُوْهَا، وَدَعُوْنَا وَرَبَّنَا.
قَالَ: وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقْسِمُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ كَعْبٌ.
فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى كَعْبٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا إِسْحَاقَ! مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ جَمَعَ
هَذَا المَالَ، فَكَانَ يَتَصَدَّقُ مِنْهُ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ؟قَالَ كَعْبٌ: إِنِّي لأَرْجُو لَهُ.
فَغَضِبَ، وَرَفَعَ عَلَيْهِ العَصَا، وَقَالَ:
وَمَا تَدْرِيْ يَا ابْنَ اليَهُوْدِيَّةِ، لَيَوَدَّنَّ صَاحِبُ هَذَا المَالِ لَوْ كَانَ عَقَارِبَ فِي الدُّنْيَا تَلْسَعُ السُّوَيْدَاءَ مِنْ قَلْبَهِ.
السَّرِيُّ بنُ يَحْيَى: حَدَّثَنَا غَزْوَانُ أَبُو حَاتِمٍ، قَالَ:
بَيْنَا أَبُو ذَرٍّ عِنْدَ بَابِ عُثْمَانَ لِيُؤْذَنَ لَهُ، إِذْ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ:
يَا أَبَا ذَرٍّ! مَا يُجْلِسُكَ هَا هُنَا؟
قَالَ: يَأْبَى هَؤُلاَءِ أَنْ يَأْذَنُوا لَنَا.
فَدَخَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! مَا بَالُ أَبِي ذَرٍّ عَلَى البَابِ؟
فَأَذِنَ لَهُ، فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ نَاحِيَةً، وَمِيْرَاثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقْسَمُ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِكَعْبٍ: أَرَأَيْتَ المَالَ إِذَا أُدِّيَ زَكَاتُهُ هَلْ يُخْشَى عَلَى صَاحِبِهِ فِيْهِ تَبِعَةً؟
قَالَ: لاَ.
فَقَامَ أَبُو ذَرٍّ، فَضَرَبَهُ بِعَصَا بَيْنَ أُذُنَيْهِ، ثُمَّ قَالَ:
يَا ابْنَ اليَهُوْدِيّةِ! تَزْعُمُ أَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ إِذَا آتَى زَكَاتَهُ، وَاللهُ يَقُوْلُ: {وَيُؤْثِرُوْنَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الْحَشْر: 9] .. الآيَةَ، وَيَقُوْلُ: {وَيُطْعِمُوْنَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ} [الدَّهْر: 8] ، فَجَعَلَ يَذْكُرُ نَحْوَ هَذَا مِنَ القُرْآنِ.
فَقَالَ عُثْمَانُ لِلقُرَشِيِّ: إِنَّمَا نَكْرَهُ أَنْ نَأْذَنَ لأَبِي ذَرٍّ مِنْ أَجْلِ مَا تَرَى.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَخْتَلِفُ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى المَدِيْنَةِ مَخَافَةَ الأَعْرَابِيَّةِ ؛ فَكَانَ يُحِبُّ الوَحْدَةَ، فَدَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ وَعِنْدَهُ كَعْبٌ ... ، الحَدِيْثَ.
وَفِيْهِ: فَشَجَّ كَعْباً، فَاسْتَوْهَبَهُ عُثْمَانُ، فَوَهَبَهُ لَهُ، وَقَالَ:يَا أَبَا ذَرٍّ! اتَّقِ اللهَ، وَاكْفُفْ يَدَكَ وَلِسَانَكَ.
مُوْسَى بنُ عُبَيْدَةَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ نُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَأْذَنَ أَبُو ذَرٍّ عَلَى عُثْمَانَ، فَتَغَافَلُوا عَنْهُ سَاعَةً، فَقُلْتُ:
يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! هَذَا أَبُو ذَرٍّ بِالبَابِ.
قَالَ: ائْذَنْ لَهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُؤْذِيَنَا وَتُبَرِّحَ بِنَا.
فَأَذِنْتُ لَهُ، فَجَلَسَ عَلَى سَرِيْرٍ مَرْمُوْلٍ، فَرَجَفَ بِهِ السَّرِيْرُ - وَكَانَ عَظِيْماً طَوِيْلاً -.
فَقَالَ عُثْمَانُ: أَمَا إِنَّكَ الزَّاعِمُ أَنَّكَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ!
قَالَ: مَا قُلْتُ.
قَالَ: إِنِّي أَنْزِعُ عَلَيْكَ بِالبَيِّنَةِ.
قَالَ: وَاللهِ مَا أَدْرِيْ مَا بَيِّنَتُكَ، وَمَا تَأْتِي بِهِ؟! وَقَدْ عَلِمْتُ مَا قُلْتُ.
قَالَ: فَكَيْفَ إِذاً قُلْتَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّي الَّذِيْ يَلْحَقُ بِي عَلَى العَهْدِ الَّذِي عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ) وَكُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اللهِ تَمَامُ النِّعْمَةِ.
وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ، فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي يَعْلَمُهُ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ إِلَى الشَّامِ، فَيَلْحَقَ بِمُعَاوِيَةَ، فَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّامِ، فَاسْتَهْوَى قُلُوْبَ الرِّجَالِ، فَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُنْكِرُ بَعْضَ شَأْنِ رَعِيَّتِهِ، وَكَانَ يَقُوْلُ:
لاَ يَبِيْتَنَّ عِنْدَ أَحَدِكُمْ دِيْنَارٌ، وَلاَ دِرْهَمٌ، وَلاَ تِبْرٌ، وَلاَ فِضَّةٌ، إِلاَّ شَيْءٌ يُنْفِقُهُ فِي سَبِيْلِ اللهِ، أَوْ يُعِدُّهُ لِغَرِيْمٍ.
وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِيْنَارٍ فِي جُنْحِ اللِّيْلِ، فَأَنْفَقَهَا.
فَلَمَّا صَلَّى مُعَاوِيَةُ الصُّبْحَ، دَعَا رَسُوْلَهُ، فَقَالَ:اذْهَبْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَقُلْ: أَنْقِذْ جَسَدِي مِنْ عَذَابِ مُعَاوِيَةَ، فَإِنِّي أَخْطَأْتُ.
قَالَ: يَا بُنَيَّ! قُلْ لَهُ:
يَقُوْلُ لَكَ أَبُو ذَرٍّ: وَاللهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَنَا مِنْهُ دِيْنَارٌ، وَلَكِنْ أَنْظِرْنَا ثَلاَثاً حَتَّى نَجْمَعَ لَكَ دَنَاِنْيَرَكَ.
فَلَمَّا رَأَى مُعَاوِيَةُ أَنَّ قَوْلَهُ صَدَّقَ فِعْلَهُ، كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ:
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنْ كَانَ لَكَ بِالشَّامِ حَاجَةٌ أَوْ بِأَهْلِهِ، فَابْعَثْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، فَإِنَّهُ قَدْ وَغَّلَ صُدُوْرَ النَّاسِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ: اقْدَمْ عَلَيَّ، فَقَدِمَ.
ابْنُ لَهِيْعَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُغِيْرَةِ، عَنْ يَعْلَى بنِ شَدَّادٍ، قَالَ:
قَالَ شَدَّادُ بنُ أَوْسٍ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَسْمَعُ الحَدِيْثَ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ فِيْهِ الشِّدَّةُ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى قَوْمِهِ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم، ثُمَّ إِنَّ رَسُوْلَ اللهِ يُرَخِّصُ فِيْهِ بَعْدُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ أَبُو ذَرٍّ، فَتَعَلَّقَ أَبُو ذَرٍّ بِالأَمْرِ الشَّدِيْدِ.
عَاصِمُ بنُ كُلَيْبٍ: عَنْ أَبِي الجُوَيْرِيَةِ، عَنْ زَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ، إِذْ جَاءَ أَبُو ذَرٍّ، فَلَمَّا رَآهُ عُثْمَانُ، قَالَ:
مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي.
فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَرْحَباً وَأَهْلاً بِأَخِي، لَقَدْ أَغْلَظْتَ عَلَيْنَا فِي العَزِيْمَةِ، وَاللهِ لَوْ عَزَمْتَ عَلَيَّ أَنْ أَحْبُوَ لَحَبَوْتُ مَا اسْتَطَعْتُ، إِنِّي خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَ حَائِطِ بَنِي فُلاَنٍ، فَقَالَ لِي: (وَيْحَكَ بَعْدِي) .
فَبَكَيْتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، وَإِنِّي لَبَاقٍ بَعْدَكَ؟
قَالَ: (نَعَمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ البِنَاءَ عَلَى سَلْعٍ، فَالْحَقْ بِالمَغْرِبِ، أَرْضِ قُضَاعَةَ) .
قَالَ عُثْمَانُ: أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَكَ مَع أَصْحَابِكَ، وَخِفْتُ عَلَيْكَ جُهَّالَ النَّاسِ.وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ:
قَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اسْمَعْ وَأَطِعْ لِمَنْ كَانَ عَلَيْكَ) .
جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ: عَنْ ثَابِتِ بنِ الحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيْدَانَ السُّلَمَيِّ، قَالَ:
تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّماً.
فَقَالُوا: مَا لَكَ وَلأَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ؟
قَالَ: سَامِعٌ مُطِيْعٌ، وَلَو أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدَنٍ، ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ، لَفَعَلْتُ.
وَأَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ.
مَيْمُوْنُ بنُ مِهْرَانَ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ سِيدَانَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ:
لَوْ أَمَرَنِي عُثْمَانُ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى رَأْسِي لَمَشَيْتُ.
وَقَالَ أَبُو عِمْرَانَ الجَوْنِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ، قَالَ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ! افْتَحِ البَابَ، لاَ تَحْسَبُنِي مِنْ قَوْمٍ يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّيْنِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ.
يَزِيْدُ: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ، عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، قَالاَ:
نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ، أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَأْذَنَّاهُ بِأَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ، فَأَذِنَ لَنَا، وَاسْتَأْنَسَ بِنَا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِكَ، إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ - حَسِبْتُهُ
قَالَ: مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ - فَقَالُوا:يَا أَبَا ذَرٍّ، فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ! فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَكَ رَايَةً فَنُكَمِّلَكَ بِرِجَاَلٍ مَا شِئْتَ؟
فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ، لاَ تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُم، وَلاَ تُذِلُّوا السُّلْطَانَ؛ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلاَ تَوْبَةَ لَهُ، وَاللهِ لَو صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ حَبْلٍ لَسَمِعْتُ وَصَبَرْتُ، وَرَأَيْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِي.
حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ:
قَالَتْ أُمُّ ذَرٍّ: وَاللهِ مَا سَيَّرَ عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ - تَعْنِي إِلَى الرَّبَذَةِ - وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا بَلَغَ البِنَاءُ سَلْعاً، فَاخْرُجْ مِنْهَا) .
قَالَ غَالِبٌ القَطَّانُ لِلحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، أَكَانَ عُثْمَانُ أَخْرَجَ أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: مَعَاذَ اللهِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو: عَنْ عِرَاكِ بنِ مَالِكٍ:
قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبُكُم مَجْلِساً مِنْ رَسُوْلِ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، إِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً: مَنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيئَتِهِ بِمَا تَرَكْتُهُ عَلَيْهِ) ، وَإِنَّهُ -وَاللهِ- مَا مِنْكُم إِلاَّ مَنْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بِشَيْءٍ.
قَالَ المَعْرُوْرُ بنُ سُوَيْدٍ: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ، فَإِذَا بِرَجُلٍ عَلَيْهِ بُرْدٌ، وَعَلَى غُلاَمِهِ مِثْلُهُ، فَقُلْنَا:
لَو عَمِلْتَهُمَا حُلَّةً لَكَ، وَاشْتَرَيْتَ لِغُلاَمِكَ غَيْرَهُ!
فَقَالَ: سَأُحَدِّثُكُم: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبٍ لِي كَلاَمٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً، فَنِلْتُ
مِنْهَا، فَقَالَ لِي رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَابَبْتَ فُلاَناً؟) .قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: (ذَكَرْتَ أُمَّهُ؟) .
قُلْتُ: مَنْ سَابَّ الرِّجَالَ ذُكِرَ أَبُوْهُ وَأُمُّهُ.
فَقَالَ: (إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيْهِ جَاهِلِيَّةٌ) ... ، وَذَكَرَ الحَدِيْثَ.
إِلَى أَنْ قَالَ: (إِخْوَانُكُم، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيْكُم، فَمَنْ كَانَ أَخُوْهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طِعَامِهِ، وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ، وَلاَ يُكَلِّفْهُ مَا يَغْلِبُهُ ) .
قَتَادَةُ: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ:
أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ، وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سُوَدَاءُ مُشَعَّثَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ المَجَاسِدِ وَالخَلُوْقِ.
فَقَالَ: أَلاَ تَنْظُرُوْنَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ العِرَاقَ، فَإِذَا أَتَيْتُهَا مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ، وَإِنَّ خَلِيْلِي عَهِدَ إِلَيَّ: (إِنَّ دُوْنَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيْقاً ذَا دَحْضٍ وَمَزَلَّةٍ) ، وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ، [مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَوَاقِيْرُ].
أَبُو هِلاَلٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ أَبِي الحَسَنِ:
أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءهُ، دَعَا خَادِمَهُ، فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيْهِ لِلسَّنَةِ، فَاشْتَرَاهُ، ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوْساً بِمَا بَقِيَ.
وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ وِعَاءٍ ذَهَبٍ وَلاَ فِضَّةٍ يُوْكَى عَلَيْهِ، إِلاَّ وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ.
قَالَ يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ: كَانَ لأَبِي ذَرٍّ ثَلاَثُوْنَ فَرَساً يَحْمِلُ عَلَيْهَا، فَكَانَ يَحْمِلُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْهَا يَغْزُو عَلَيْهَا، وَيُصْلِحُ آلَةَ بَقِيَّتِهَا، فَإِذَا رَجَعَتْ أَخَذَهَا، فَأَصْلَحَ آلَتَهَا، وَحَمَلَ عَلَى الأُخْرَى.قَالَ ثَابِتٌ البُنَانِيُّ: بَنَى أَبُو الدَّرْدَاءِ مَسْكَناً، فَمَرَّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ، فَقَالَ:
مَا هَذَا! تُعَمِّرُ دَاراً أَذِنَ اللهُ بِخَرَابِهَا، لأَنْ تَكُوْنَ رَأَيْتُكَ تَتَمَرَّغُ فِي عَذِرَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنَ رَأَيْتُكَ فِيْمَا رَأَيْتُكَ فِيْهِ.
حُسَيْنٌ المُعَلِّمُ: عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ:
لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوْسَى، لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَجَعَلَ أَبُو مُوْسَى يُكْرِمُهُ - وَكَانَ أَبُو مُوْسَى قَصِيْراً، خَفِيْفَ اللَّحْمِ، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلاً أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ - فَيَقُوْلُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي!
وَيَقُوْلُ أَبُو مُوْسَى: مَرْحَباً بِأَخِي!
فَيَقُوْلُ: لَسْتُ بِأَخِيْكَ! إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تَلِيَ.
وَعَنْ أُمِّ طَلْقٍ، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ، فَرَأَيْتُهُ شَعِثاً شَاحِباً، بِيَدِهِ صُوْفٌ، قَدْ جَعَلَ عُوْدَيْنِ، وَهُوَ يَغْزِلُ بِهِمَا، فَلَمْ أَرَ فِي بَيْتِهِ شَيْئاً، فَنَاوَلْتُهُ شَيْئاً مِنْ دَقِيْقٍ وَسَوِيْقٍ، فَقَالَ لِي: أَمَّا ثَوَابُكَ، فَعَلَى اللهِ.
وَقِيْلَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ خَلَّفَ بِنْتاً لَهُ، فَضَمَّهَا عُثْمَانُ إِلَى عِيَالِهِ.
قَالَ الفَلاَّسُ، وَالهَيْثَمُ بنُ عَدِيٍّ، وَغَيْرُهُمَا: مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ.
وَيُقَالُ: مَاتَ فِي ذِي الحِجَّةِ.
وَيُقَالُ: إِنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ الَّذِي دَفَنَهُ عَاشَ بَعْدَهُ نَحْواً مِنْ عَشْرَةِ أَيَّامٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأَبِي ذَرٍّ، مَعَ قُوَّةِ أَبِي ذَرٍّ فِي بَدَنِهِ وَشَجَاعَتِهِ: (يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنِّي أَرَاكَ ضَعِيْفاً، وَإِنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي، لاَ تَأَمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيْمٍ ) .فَهَذَا مَحْمُوْلٌ عَلَى ضَعْفِ الرَّأْيِ؛ فَإِنَّهُ لَو وَلِيَ مَالَ يَتِيْمٍ لأَنْفَقَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيْلِ الخَيْرِ، وَلَتَرَكَ اليَتِيْمَ فَقِيْراً.
فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَسْتَجِيْزُ ادِّخَارَ النَّقْدَيْنِ.
وَالَّذِي يَتَأَمَّرُ عَلَى النَّاسِ، يُرِيْدُ أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ حِلْمٌ وَمُدَارَاةٌ، وَأَبُو ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- كَانَتْ فِيْهِ حِدَّةٌ - كَمَا ذَكَرْنَاهُ - فَنَصَحَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَلَهُ مائَتَا حَدِيْثٍ وَأَحَدٌ وَثَمَانُوْنَ حَدِيْثاً، اتَّفَقَا مِنْهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ حَدِيْثاً، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثَيْنِ، وَمُسْلِمٌ بِتِسْعَةَ عَشَرَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ، أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ
خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ:أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ المَوْتُ بِالرَّبَذَةِ، فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ، فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَغْيِيْبِكَ، وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَناً.
قَالَ: لاَ تَبْكِي، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُوْلُ: (لَيَمُوْتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاَةٍ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ المُؤْمِنِيْنَ) .
فَكُلُّهُمْ مَاتَ فِي جَمَاعِةٍ وَقَرْيَةٍ، فَلَمْ يَبْقَ غَيْرِي، وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالفَلاَةِ أَمُوْتُ، فَرَاقِبِي الطَّرِيْقَ، فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُوْلُ، مَا كَذَبْتُ، وَلاَ كُذِبْتُ.
قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ، وَقَدِ انْقَطَعَ الحَاجُّ؟!
قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيْقَ.
فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ، إِذْ هِيَ بِالقَوْمِ تَخُبُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ، فَأَقْبَلُوا حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا.
قَالُوا: مَا لَكِ؟
قَالَتْ: رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ تُكَفِّنُوْنَهُ، وَتُؤْجَرُوْنَ فِيْهِ.
قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟
قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ.
فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نُحُوْرِهَا يَبْتَدِرُوْنَهُ.
فَقَالَ: أَبْشِرُوا، أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِيْنَ قَالَ فِيْكُمْ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا قَالَ.
سَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: (مَا مِنِ امْرَأَيْنِ مِنَ المُسْلِمِيْنَ هَلَكَ بَيْنَهُمَا وَلَدَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ، فَاحْتَسَبَا وَصَبَرَا، فَيَرَيَانِ النَّارَ أَبَداً) .
ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ أَصْبَحْتُ اليَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَو أَنَّ ثَوْباً مِنْ ثِيَابِي يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيْهِ، أَنْشُدُكُمُ اللهَ أَنْ لاَ يُكَفِّنَنِي رَجُلٌ مِنْكُم كَانَ أَمِيْراً أَوْ عَرِيْفاً أَوْ بَرِيْداً،
فَكُلُّ القَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئاً، إِلاَّ فَتَىً مِنَ الأَنْصَارِ، قَالَ:أَنَا صَاحِبُكَ، ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي، وَأَحَدُ ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ.
قَالَ: أَنْتَ صَاحِبِي، فَكَفِّنِّي.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَبِي إِسْرَائِيْلَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ الأَشْتَرِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ المَوْتُ، بَكَتِ امْرَأَتُهُ ... ، فَذَكَرَهُ، وَزَادَ:
فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِيْنَ شَهِدُوْهُ، مِنْهُم: حُجْرُ بنُ الأَدْبَرِ، وَمَالِكُ بنُ الأَشْتَرِ.
ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا بُرَيْدَةُ بنُ سُفْيَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ، قَالَ:
لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ، وَأَصَابَهُ بِهَا قَدَرُهُ، لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلاَّ امْرَأَتُهُ وَغُلاَمُهُ، فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلاَنِي، وَكَفِّنَانِي، وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيْقِ، فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ قُوْلُوا: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَأَعِيْنُوْنَا عَلَيْهِ.
فَوَضَعَاهُ، وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُوْدٍ فِي رَهْطٍ مِنَ العِرَاقِ عُمَّاراً، فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلاَّ بِهِ، قَدْ كَادَتِ الإِبِلُ أَنْ تَطَأَهُ.
فَقَامَ الغُلاَمُ، فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَاسْتَهَلَّ عَبْدُ اللهِ يَبْكِي، وَيَقُوْلُ:
صَدَقَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (تَمْشِي
وَحْدَكَ، وَتَمُوْتُ وَحْدَكَ، وَتُبْعَثُ وَحْدَكَ) .ثُمَّ نَزَلُوا، فَوَارَوْهُ، ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللهِ حَدِيْثَهُ، وَمَا قَالَ لَهُ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيْرِهِ وَحْدَهُ إِلَى تَبُوْكٍ.
وَعَنْ عِيْسَى بنِ عُمَيْلَةَ : أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلُبُ غُنَيْمَةً لَهُ، فَيَبْدَأُ بِجِيْرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ.
عَاصِمٌ الأَحْوَلُ: عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيْدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ، فَظَنَنْتُهُ نَائِماً، فَدَنَوْتُ، وَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟
قَالَ: لاَ، بَلْ كُنْتُ أُصَلِّي.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64250&book=5556#4d5ce7
أَبُو رهم الغفاري، اسمه كلثوم بْن الحصين.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64250&book=5556#9d4a00
أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ
- أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ. واسمه كلثوم بن الحصين بْن خلف بْن عُبَيْد بن معشر بْن زَيْد بْن أحيمس بْن غفار بْن مليك بْن ضمرة بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. أسلم بعد قَدُومِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وشهد معه أحدًا ورمي يومئذٍ بسهمٍ فوقع فِي نحره فجاء إِلَى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبسق عليه فبرأ. فكان أبو رهم يسمى المنحور. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ أَسُوقُ الْهَدْيَ وَأَرْكَبُ عَلَى الْبُدْنِ فِي عَمْرَةِ الْقَضِيَّةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ مِنَ الطَّائِفِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ وَأَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ إِلَى جَنْبِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَاقَةٍ لَهُ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ لَهُ غَلِيظَتَانِ. إِذْ زَحَمَتْ نَاقَتُهُ نَاقَةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أَبُو رُهْمٍ. فَوَقَعَ حَرْفُ نَعْلِي عَلَى . قَالَ فَأَخَذَنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِي وَمَا تَأَخَّرَ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ لَعَظِيمِ مَا صَنَعْتُ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا بِالْجِعْرَانَةِ خَرَجْتُ أَرْعَى الظُّهْرَ وَمَا هُوَ يَوْمِي فرقا أن يأتي للنبي. ع. رَسُولٌ يَطْلُبُنِي. فَلَمَّا رَوَّحْتُ الرِّكَابَ سَأَلْتُ فَقَالُوا: طَلَبَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: إِحْدَاهُنَّ وَاللَّهِ. فَجِئْتُهُ وَأَنَا أَتَرَقَّبُ فَقَالَ: . قَالَ أَبُو رُهْمٍ: فَرِضَاهُ عَنِّي كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا رُهْمٍ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى تَبُوكَ إِلَى قَوْمِهِ يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَطْلُبَهُمْ بِبِلادِهِمْ. فَأَتَاهُمْ إِلَى مجالهم فشهد تبوك منهم جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ. وَلَمْ يَزَلْ أَبُو رُهْمٍ مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة يَغْزُو مَعَهُ إِذَا غَزَا. وَكَانَ لَهُ مَنْزِلٌ بِبَنِي غِفَارٍ. وَكَانَ أَكْثَرُ ذَلِكَ يَنْزِلُ الصَّفْرَاءَ وَغَيْقَةَ وَمَا وَالاهَا. وَهِيَ أَرْضُ كِنَانَةَ. عَبْد الله. و- عبد الرَّحْمَن ابنا الهبيب مِن بني سعد بْن لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كنانة. وأمهما أم نوفل بِنْت نوفل بْن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصي. أسلما قديمًا وشهدا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدًا. وقتلا يومئذٍ شهيدين فِي شوَّال عَلَى رأس اثنين وثلاثين شهرا مِن الهجرة.
- أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ. واسمه كلثوم بن الحصين بْن خلف بْن عُبَيْد بن معشر بْن زَيْد بْن أحيمس بْن غفار بْن مليك بْن ضمرة بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ. أسلم بعد قَدُومِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة وشهد معه أحدًا ورمي يومئذٍ بسهمٍ فوقع فِي نحره فجاء إِلَى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فبسق عليه فبرأ. فكان أبو رهم يسمى المنحور. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: كُنْتُ مِمَّنْ أَسُوقُ الْهَدْيَ وَأَرْكَبُ عَلَى الْبُدْنِ فِي عَمْرَةِ الْقَضِيَّةِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسِيرُ مِنَ الطَّائِفِ إِلَى الْجِعْرَانَةِ وَأَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيُّ إِلَى جَنْبِ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَاقَةٍ لَهُ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلانِ لَهُ غَلِيظَتَانِ. إِذْ زَحَمَتْ نَاقَتُهُ نَاقَةَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال أَبُو رُهْمٍ. فَوَقَعَ حَرْفُ نَعْلِي عَلَى . قَالَ فَأَخَذَنِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْرِي وَمَا تَأَخَّرَ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ لَعَظِيمِ مَا صَنَعْتُ. فَلَمَّا أَصْبَحْنَا بِالْجِعْرَانَةِ خَرَجْتُ أَرْعَى الظُّهْرَ وَمَا هُوَ يَوْمِي فرقا أن يأتي للنبي. ع. رَسُولٌ يَطْلُبُنِي. فَلَمَّا رَوَّحْتُ الرِّكَابَ سَأَلْتُ فَقَالُوا: طَلَبَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: إِحْدَاهُنَّ وَاللَّهِ. فَجِئْتُهُ وَأَنَا أَتَرَقَّبُ فَقَالَ: . قَالَ أَبُو رُهْمٍ: فَرِضَاهُ عَنِّي كَانَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. قَالَ وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبَا رُهْمٍ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى تَبُوكَ إِلَى قَوْمِهِ يَسْتَنْفِرُهُمْ إِلَى عَدُوِّهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَطْلُبَهُمْ بِبِلادِهِمْ. فَأَتَاهُمْ إِلَى مجالهم فشهد تبوك منهم جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ. وَلَمْ يَزَلْ أَبُو رُهْمٍ مَعَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالمدينة يَغْزُو مَعَهُ إِذَا غَزَا. وَكَانَ لَهُ مَنْزِلٌ بِبَنِي غِفَارٍ. وَكَانَ أَكْثَرُ ذَلِكَ يَنْزِلُ الصَّفْرَاءَ وَغَيْقَةَ وَمَا وَالاهَا. وَهِيَ أَرْضُ كِنَانَةَ. عَبْد الله. و- عبد الرَّحْمَن ابنا الهبيب مِن بني سعد بْن لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كنانة. وأمهما أم نوفل بِنْت نوفل بْن خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قصي. أسلما قديمًا وشهدا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحدًا. وقتلا يومئذٍ شهيدين فِي شوَّال عَلَى رأس اثنين وثلاثين شهرا مِن الهجرة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=86580&book=5556#fd46b7
أبو رهم الغفاري كلثوم بن الحصين. ابن عبيد بن حماس من بني غفار وكان ممن بايع تحت الشجرة سكن المدينة
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد الله قال حدثني ابن الأموي قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال فحدثني الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مضى لسفره يعني في غزوة الفتح واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين بن عبيد بن خلف.
أخبرنا عبد الله قال حدثني ابن الأموي قال نا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني الزهري عن ابن أخي أبي رهم أنه سمع أبا رهم واسمه كلثوم بن الحصين الليثي وكان من أصحاب بيعة الشجرة يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فسرت ذات ليلة.
- وحدثني أحمد بن منصور وغيره قال نا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني ابن أخي أبي رهم أنه سمع أبا رهم الغفاري وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه تحت الشجرة يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة تبوك فلما فصل سرى ليلة فسرت قريبا منه فألقى علي النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلته فيفزعني دنوها خشية أن أصيب //// رجله في الغرز فأوخر راحلتي حتى غلبتني عيني في بعض الليل فزحمت راحلتي راحلة النبي صلى الله عليه وسلم ورجله في الغرز فأصابت رجله فلم أستيقظ إلا بقوله: حس فرفعت رأسي فقلت: استغفر لي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سر فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يسئلني عن من تخلف من بني غفار فقال: وهو يسئلني: ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط؟ فحدثته بتخلفهم.
فقال: ما فعل النفر السود؟ أو قال: القصار الجعاد القطاط؟ الذين لهم نعم بشبكة وشرخ؟ فتذكرت في بني غفار فلم أذكرهم حتى تذكرت رهطا من أسلم قال: فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولئك رهط من أسلم وقد تخلفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما يمنع أحد أولئك حين يتخلف أن يحمل على بعير من إبله امرءا نشيطا في سبيل الله تعالى فإن أعز أهلي علي أن يتخلف عني المهاجرين من قريش والأنصار وغفار وأسلم.
وهذا لفظ حديث عبد الرزاق عن معمر.
أخبرنا عبد الله قال حدثني عمي وأحمد بن محمد القاضي قالا: نا أحمد بن أيوب قال: نا إبراهيم بن سعد قال قال محمد بن إسحاق أخبرني ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن ابن أخي أبي رهم الغفاري أنه سمع أبا رهم كلثوم بن الحصين وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فذكر الحديث وزاد في إسناده ابن أكيمة الليثي.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخبرنا عبد الله قال حدثني ابن الأموي قال حدثني أبي عن ابن إسحاق قال فحدثني الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مضى لسفره يعني في غزوة الفتح واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن الحصين بن عبيد بن خلف.
أخبرنا عبد الله قال حدثني ابن الأموي قال نا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني الزهري عن ابن أخي أبي رهم أنه سمع أبا رهم واسمه كلثوم بن الحصين الليثي وكان من أصحاب بيعة الشجرة يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فسرت ذات ليلة.
- وحدثني أحمد بن منصور وغيره قال نا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري قال أخبرني ابن أخي أبي رهم أنه سمع أبا رهم الغفاري وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين بايعوه تحت الشجرة يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة تبوك فلما فصل سرى ليلة فسرت قريبا منه فألقى علي النعاس فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلته فيفزعني دنوها خشية أن أصيب //// رجله في الغرز فأوخر راحلتي حتى غلبتني عيني في بعض الليل فزحمت راحلتي راحلة النبي صلى الله عليه وسلم ورجله في الغرز فأصابت رجله فلم أستيقظ إلا بقوله: حس فرفعت رأسي فقلت: استغفر لي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سر فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يسئلني عن من تخلف من بني غفار فقال: وهو يسئلني: ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط؟ فحدثته بتخلفهم.
فقال: ما فعل النفر السود؟ أو قال: القصار الجعاد القطاط؟ الذين لهم نعم بشبكة وشرخ؟ فتذكرت في بني غفار فلم أذكرهم حتى تذكرت رهطا من أسلم قال: فقلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم
أولئك رهط من أسلم وقد تخلفوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما يمنع أحد أولئك حين يتخلف أن يحمل على بعير من إبله امرءا نشيطا في سبيل الله تعالى فإن أعز أهلي علي أن يتخلف عني المهاجرين من قريش والأنصار وغفار وأسلم.
وهذا لفظ حديث عبد الرزاق عن معمر.
أخبرنا عبد الله قال حدثني عمي وأحمد بن محمد القاضي قالا: نا أحمد بن أيوب قال: نا إبراهيم بن سعد قال قال محمد بن إسحاق أخبرني ابن شهاب عن ابن أكيمة الليثي عن ابن أخي أبي رهم الغفاري أنه سمع أبا رهم كلثوم بن الحصين وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك فذكر الحديث وزاد في إسناده ابن أكيمة الليثي.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155952&book=5556#164172
أَبُو الغُصْنِ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الغِفَارِيُّ مَوْلاَهُم
هُوَ الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، المُعَمَّرُ، بَقِيَّةُ المَشْيَخَةِ، أَبُو الغُصْنِ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الغِفَارِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
يَرْوِي عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَخَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ الفَقِيْهِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ كَيْسَانَ المَقْبُرِيِّ، وَالقُدَمَاءِ.
وَرَأَى: جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ - فِيْمَا اعْتَرَفَ بِهِ أَبُو حَاتِمٍ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ جُحَا صَاحِبُ تِيْكَ النَّوَادِرِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً فِي رِوَايَة عَبَّاسٍ: هُوَ صَالِحٌ، لَيْسَ حَدِيْثُه بِذَاكَ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ
يَحْيَى: ضَعِيْفٌ.قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ.
وَكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، كَثِيْرَ الوَهْمِ فِيْمَا يَرْوِي، لاَ يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إِذَا لَمْ يُتَابِعْه غَيْرُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَاشَ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ مائَةً وَخَمْسَ سِنِيْنَ.
وَمَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
هُوَ الشَّيْخُ، العَالِمُ، الصَّادِقُ، المُعَمَّرُ، بَقِيَّةُ المَشْيَخَةِ، أَبُو الغُصْنِ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ الغِفَارِيُّ مَوْلاَهُم، المَدَنِيُّ.
عِدَادُهُ فِي صِغَارِ التَّابِعِيْنَ.
يَرْوِي عَنْ: أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَسَعِيْدِ بنِ المُسَيِّبِ، وَنَافِعِ بنِ جُبَيْرٍ، وَخَارِجَةَ بنِ زَيْدٍ الفَقِيْهِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ كَيْسَانَ المَقْبُرِيِّ، وَالقُدَمَاءِ.
وَرَأَى: جَابِرَ بنَ عَبْدِ اللهِ - فِيْمَا اعْتَرَفَ بِهِ أَبُو حَاتِمٍ -.
حَدَّثَ عَنْهُ: مَعْنُ بنُ عِيْسَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، وَبِشْرُ بنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ، وَالقَعْنَبِيُّ، وَإِسْمَاعِيْلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، وَجَمَاعَةٌ.
وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ جُحَا صَاحِبُ تِيْكَ النَّوَادِرِ.
وَقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ، وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِيْنٍ أَيْضاً فِي رِوَايَة عَبَّاسٍ: هُوَ صَالِحٌ، لَيْسَ حَدِيْثُه بِذَاكَ.
وَرَوَى: أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنْ
يَحْيَى: ضَعِيْفٌ.قَالَ ابْنُ حِبَّانَ: هُوَ مِنْ مَوَالِي عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ.
وَكَانَ قَلِيْلَ الحَدِيْثِ، كَثِيْرَ الوَهْمِ فِيْمَا يَرْوِي، لاَ يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إِذَا لَمْ يُتَابِعْه غَيْرُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: يُكْتَبُ حَدِيْثُه.
قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: عَاشَ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ مائَةً وَخَمْسَ سِنِيْنَ.
وَمَاتَ: سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ وَمائَةٍ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=126100&book=5556#25f7eb
أبو صالح الغفارى مصرى. روى عن عقبة بن عامر وصلة بن الحارث . اسمه سعيد بن عبد الرحمن. روى عنه إبراهيم بن نَشِيط وعمار بن سعد والحجاج بن شداد والمصريون.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114544&book=5556#854b66
أَبُو مرْثَد الغنوي اسْمه كَنّاز بن حُصَيْن
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114544&book=5556#9b70f7
أبو مَرْثد الغنوى ، كَنَّاز بن حصين. وقيل: كناز بن حصين. وقيل: غير ذلك مما قد ذكرناه. وهو حليف حمزة بن عبد المطلب، شهد هو وابنه مرثد بن أبى مرثد بدرا. وقد ذكرناهما وطرفا من أخبارهما في الاستيعاب.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114544&book=5556#c82087
أَبُو مرثد الغنوي.
من بني غني بْن أعصر بن سعد بن قيس عيلان ابن مضر، اسمه كناز بْن حصن. ويقال: كناز بن حصين بن يربوع بن عمرو ابن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف. وقيل: الحصين بن يربوع بن طريف ابن خرشة بْن عبيد بْن سعد بْن عوف بْن كعب بْن جلان بْن غنم بْن غنى ابن أعصر بْن سعد بْن قيس. وقد قيل: اسم أبي مرثد حصن بْن كناز، والأول
أشهر وأكثر. وقيل: ابْن خلان أَوْ جلان بن غنى الغنوي، حليف حمزة ابن عبد المطلب، وَكَانَ تربة. وابنه مرثد بْن أبى مرثد حليف حمزة أيضا، شهدا جميعًا بدرًا. وقتل مرثد يوم الرجيع فِي حياة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حسب مَا ذكرناه فِي بابه.
وأما أَبُو مرثد فآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بينه وبين عبادة ابن الصامت، وشهد أَبُو مرثد سائر المشاهد مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات سنة اثنتي عشرة فِي خلافة أبي بكر، وَهُوَ ابْن ست وستين سنة، وَكَانَ فِيمَا قيل رَجُلا طويلًا، كثير الشعر، وصحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو مرثد الغنوي، وابنه مرثد بْن أبي مرثد، وابنه أنيس بْن مرثد بْن أبي مرثد.
يعد أَبُو مرثد فِي الشاميين. روى عنه واثلة [بْن الأسقع. قَالَ] الْوَاقِدِيّ: فيمن.
شهد بدرًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو مرثد كناز بْن الحصين الغنوي وابنه مرثد بْن أبي مرثد حليفًا حمزة بْن عبد المطلب من غنىّ.
من بني غني بْن أعصر بن سعد بن قيس عيلان ابن مضر، اسمه كناز بْن حصن. ويقال: كناز بن حصين بن يربوع بن عمرو ابن يربوع بن خرشة بن سعد بن طريف. وقيل: الحصين بن يربوع بن طريف ابن خرشة بْن عبيد بْن سعد بْن عوف بْن كعب بْن جلان بْن غنم بْن غنى ابن أعصر بْن سعد بْن قيس. وقد قيل: اسم أبي مرثد حصن بْن كناز، والأول
أشهر وأكثر. وقيل: ابْن خلان أَوْ جلان بن غنى الغنوي، حليف حمزة ابن عبد المطلب، وَكَانَ تربة. وابنه مرثد بْن أبى مرثد حليف حمزة أيضا، شهدا جميعًا بدرًا. وقتل مرثد يوم الرجيع فِي حياة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حسب مَا ذكرناه فِي بابه.
وأما أَبُو مرثد فآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بينه وبين عبادة ابن الصامت، وشهد أَبُو مرثد سائر المشاهد مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومات سنة اثنتي عشرة فِي خلافة أبي بكر، وَهُوَ ابْن ست وستين سنة، وَكَانَ فِيمَا قيل رَجُلا طويلًا، كثير الشعر، وصحب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو مرثد الغنوي، وابنه مرثد بْن أبي مرثد، وابنه أنيس بْن مرثد بْن أبي مرثد.
يعد أَبُو مرثد فِي الشاميين. روى عنه واثلة [بْن الأسقع. قَالَ] الْوَاقِدِيّ: فيمن.
شهد بدرًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو مرثد كناز بْن الحصين الغنوي وابنه مرثد بْن أبي مرثد حليفًا حمزة بْن عبد المطلب من غنىّ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114544&book=5556#be4422
أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ اسْمُهُ: كَنَّازُ بْنُ الْحُصَيْنِ، شَهِدَ بَدْرًا، رَوَى عَنْهُ: وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهَا» كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرٍ، وَرَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ
- حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا»
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْحَضْرَمِيُّ، ثنا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، ثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَيْهَا» كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَابِرٍ، عَنْ بُسْرٍ، وَرَوَاهُ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ بُسْرٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ
- حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللهِ التُّسْتَرِيُّ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ، ثنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، ثنا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ، وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا»
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=114544&book=5556#6d31b7
أبو مرثد الغنوي اسمه كناز بن الحصين قتل بأجنادين بالشام وقد قيل انه مات في خلافة أبى بكر الصديق
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=102511&book=5556#435508
أَبُو بَصْرَةَ جَمِيلُ بْنُ بَصْرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ حَرَامِ بْنِ غِفَارِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: " إِنِّي رَاكِبٌ غَدًا إِلَى يَهُودَ فَمَنِ انْطَلَقَ مِنْكُمْ مَعِي فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ " فَلَمَّا جِئْنَاهُمْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: وَعَلَيْكُمْ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، نا هَنَّادٌ، نا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُجَبَّرٍ، وَحَدَّثَنَا مُطَيِّنٌ، نا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، نا الدَّرَاوَرْدِيُّ، جَمِيعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ حَمِيلٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُضْرَبُ الْمَطَايَا إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجَبَّرٍ، نا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الطُّورِ لِيُصَلِّيَ فَلَقِيَ حَمِيلًا الْغِفَارِيَّ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُضْرَبُ الْمَطَايَا إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، نا قُتَيْبَةُ، نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَيْرِ بنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ وَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ النَّجْمُ»
حَدَّثَنَاهُ بِشْرُ بْنُ مُوسَى، نا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَكُمْ صَلَاةً فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ الْوِتْرَ الْوِتْرَ» إِلَّا إِنَّهُ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: " إِنِّي رَاكِبٌ غَدًا إِلَى يَهُودَ فَمَنِ انْطَلَقَ مِنْكُمْ مَعِي فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَإِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ فَقُولُوا: وَعَلَيْكُمْ " فَلَمَّا جِئْنَاهُمْ سَلَّمُوا عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: وَعَلَيْكُمْ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، نا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِإِسْنَادِهِ نَحْوَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، نا هَنَّادٌ، نا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسَاوِرٍ، نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُجَبَّرٍ، وَحَدَّثَنَا مُطَيِّنٌ، نا ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ، نا الدَّرَاوَرْدِيُّ، جَمِيعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ حَمِيلٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُضْرَبُ الْمَطَايَا إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»
حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، نا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُجَبَّرٍ، نا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ خَرَجَ إِلَى الطُّورِ لِيُصَلِّيَ فَلَقِيَ حَمِيلًا الْغِفَارِيَّ فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُضْرَبُ الْمَطَايَا إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ»
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، نا قُتَيْبَةُ، نا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَيْرِ بنِ نُعَيْمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ وَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ عُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا فَمَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ النَّجْمُ»
حَدَّثَنَاهُ بِشْرُ بْنُ مُوسَى، نا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، نا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ زَادَكُمْ صَلَاةً فَصَلُّوهَا مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ الْوِتْرَ الْوِتْرَ» إِلَّا إِنَّهُ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64245&book=5556#9998cf
أَبُو ذَرٍّ
- أَبُو ذَرٍّ واسمه جندب بْن جنادة بْن كعيب بْن صعير بْن الوقعة بْن حرام بْن سُفْيَان بْن عُبَيْد بْن حرام بْن غفار بْن مليل بْن ضمرة بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ بْن خُزَيْمَة بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ يُخْبِرُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْمُ أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرُ وَهِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بن السائب الكلبي وغيرهما من أهل العلم. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَسَمِعْتُ أَبَا مَعْشَرٍ نَجِيحًا يَقُولُ: وَاسْمُ أَبِي ذَرٍّ بُرَيْرُ بْنُ جنادة. قال: أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكِنَانِيُّ أَبُو النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ الْغِفَارِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ. فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَّا فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا. قَالَ فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكِ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسُ. قَالَ فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا مَا قِيلَ لَهُ فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفٍ فَقَدْ كَدَّرْتَ وَلا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ. قَالَ فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا وَتَغَطَّى خَالُنَا بِثَوْبِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ. فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَبَّرَ أُنَيْسًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ. قَالَ فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا وَقَدْ صَلَّيْتُ بِابْنِ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلاثَ سِنِينَ. فَقُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ. فَقُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي اللَّهُ. أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ. فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ. فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ فَرَاثَ عَلَيَّ. يَعْنِي أَبْطَأَ. ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ. قَالَ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ. وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ. فَقَالَ أُنَيْسٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ. وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشَّعْرِ فَلا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعِيدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ. وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ! فَقُلْتُ: اكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ. قَالَ: نَعَمْ. وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنَّعُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا لَهُ. فَانْطَلَقْتُ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَاسْتَضْعَفْتُ رَجُلا مِنْهُمْ فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَ الصَّابِئَ؟ قَالَ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: هَذَا الصَّابِئُ. فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ فَخَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نَصَبٌ أَحْمَرُ. فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا وَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ فَلَبِثْتُ بِهَا يَا ابْنَ أَخِي ثَلاثِينَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ مَا لِي طَعَامٌ إِلا مَاءَ زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ. قَالَ فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانِ إِذْ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أَصْمِخَتِهِمْ فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرَ امْرَأَتَيْنِ. فَأَتَتَا عَلَيَّ وَهُمَا تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةً. قَالَ فَقُلْتُ أَنْكِحَا أَحَدُهُمَا الآخَرَ. فَمَا ثناهما ذلك عن قولهما. قَالَ فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هُنَا مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُكَنِّ. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلانِ وَتَقُولانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا. قَالَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ مِنَ الْجَبَلِ فَقَالَ: مَا لَكُمَا؟ قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَالَ: فَمَا قَالَ لَكُمَا؟ قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبُهُ فَاسْتَلَمَا الْحَجَرَ وَطَافَا بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَلَّى فَأَتَيْتُهُ حِينَ قَضَى صَلاتَهُ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بتحية الإسلام. فَقَالَ: وَعَلَيْكَ رَحْمَةُ اللَّهِ. مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ قلت: من غفار. فأهوى بيده إلى جَبْهَتِهِ هَكَذَا. قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ. فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ فقد عني صَاحِبُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي فَقَالَ: مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟ قُلْتُ: كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلاثِينَ مِنْ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلا مَاءَ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي فَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخَفَةَ جُوعٍ. . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ. قَالَ فَفَعَلَ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا. فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَذَاكَ أَوَّلُ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا. قَالَ فَغَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقْتُ حَتَّى لَقِيتُ أَخِي أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ أُنَيْسٌ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ فَأَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ فَاحْتَمَلْنَا فَأَتَيْنَا قَوْمَنَا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - المدينة. وكان يؤمهم إيماء بن رحضة. وَكَانَ سَيِّدَهُمْ. وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ بَقِيَّتُهُمْ وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ إِخْوَتُنَا. فَأَسْلَمُوا . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلا يُصِيبُ الطَّرِيقَ وَكَانَ شُجَاعًا يَتَفَرَّدُ وَحْدَهُ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيُغِيرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرَ فَرَسِهِ أَوْ عَلَى قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبْعُ. فَيَطْرُقُ الْحَيَّ وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإسلام وسمع بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ يَدْعُو مُخْتَفِيًا. فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ قَدْ طَلَبَ مَنْ يُوَصِّلُهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَانْتَهَى إِلَى الْبَابِ فَاسْتَأْذَنَ فَدَخَلَ. وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لا نَسْتَسِرُّ بِالإِسْلامِ وَلَنُظْهِرَنَّهُ. فَلا يَرُدُّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا. فَقُلْتُ: . فَكَانَ يَكُونُ بِأَسْفَلِ ثَنِيَّةِ غَزَالٍ. فَكَانَ يَعْتَرِضُ لِعِيرَاتِ قُرَيْشٍ فَيَقْتَطِعُهَا فَيَقُولُ: لا أَرُدُّ إِلَيْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَشْهَدُوا أَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَإِنْ فَعَلُوا رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا. فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَضَى بَدْرٌ وَأَحَدٌ. ثُمَّ قَدِمَ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَجِيحٌ أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. وَلا يَعْبُدُ الأَصْنَامَ. فَمَرَّ عليه رجل من أهل مكة بعد ما أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرِّ إِنَّ رَجُلا بِمَكَّةَ يَقُولُ مِثْلَ مَا تَقُولُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. وَيَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ. قَالَ: مِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ فَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَهْشٍ وَهُوَ الْمُقْلُ فَتُزَوَّدَهُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ يُضِيفُ النَّاسَ وَيُطْعِمُهُمُ الزَّبِيبَ. فَجَلَسَ مَعَهُمْ فَأَكَلَ ثُمَّ سَأَلَ مِنَ الْغَدِ: هَلْ أَنْكَرْتُمْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: نَعَمِ. ابْنَ عَمٍّ لِي يَقُولُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ. قَالَ: فَدُلَّنِي عَلَيْهِ. قَالَ فَدَلَّهُ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاقِدٌ عَلَى دُكَّانٍ قَدْ سَدَلَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَنَبَّهَهُ أَبُو ذَرٍّ فَانْتَبَهَ فَقَالَ: أَنْعِمْ صَبَاحًا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: عَلَيْكَ السَّلامُ. قَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ: أَنْشِدْنِي مَا تَقُولُ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِإِسْلامِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَيْسَ ضَيْفِي أَمْسِ؟ فَقَالَ: بَلَى. قَالَ: فَانْطَلَقَ مَعِي. فَذَهَبَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى بَيْتِهِ فَكَسَاهُ ثَوْبَيْنِ مَمْشُقَيْنِ فَأَقَامَ أَيَّامًا ثُمَّ رَأَى امْرَأَةً تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَتَدْعُو بِأَحْسَنِ دُعَاءٍ فِي الأَرْضِ تَقُولُ: أَعْطِنِي كَذَا وَكَذَا وَافْعَلْ بِي كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ قَالَتْ فِي آخِرِ ذَلِكَ: يَا إِسَافُ وَيَا نَائِلَةُ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنْكِحِي أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ. فَتَعَلَّقَتْ بِهِ وَقَالَتْ: أَنْتَ صَابِئٌ. فَجَاءَ فِتْيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَضَرَبُوهُ. وَجَاءَ نَاسٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَنَصَرُوهُ وَقَالُوا: مَا لِصَاحِبِنَا يُضْرَبُ وَتَتْرُكُونَ صُبَاتَكُمْ؟ فَتَحَاجَزُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا قُرَيْشٌ فَلا أَدَعُهُمْ حَتَّى أَثْأَرَ مِنْهُمْ. ضَرَبُونِي. فَخَرَجَ حَتَّى أَقَامَ بِعُسْفَانَ وَكُلَّمَا أَقْبَلَتْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ يَحْمِلُونَ الطَّعَامَ يُنَفِّرُ بِهِمْ عَلَى ثَنِيَّةِ غَزَالٍ فَتَلَقَّى أَحْمَالَهَا فَجَمَعُوا الْحِنَطَ. قَالَ يَقُولُ أَبُو ذَرٍّ لِقَوْمِهِ: لا يَمَسُّ أَحَدٌ حَبَّةً حَتَّى تَقُولُوا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَيَقُولُونَ لا إله إلا الله ويأخذون الغرائر. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ في الإسلام خامسا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نجيح أبو معشر عن محمد بن قيس عن حكام بن أبي الوضاح الْبَصْرِيِّ قال: كَانَ إِسْلامُ أَبِي ذَرٍّ رَابِعًا أو خامسا. قال: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ حَكَّامٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْقَسَّامُ الْقَصِيرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُمْ بِبَدْءِ إِسْلامِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلا خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ. أَرْسَلَ أَخَاهُ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ هَذَا الرَّجُلِ وَبِمَا تَسْمَعُ مِنْهُ. فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَسَمِعَ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا شَفَيْتَنِي. فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَمَعَهُ شَنَّةٌ فِيهَا مَاؤُهُ وَزَادُهُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَفَرِقَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ وَلَمَّا يَلْقَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فَبَاتَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ. قَالَ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ. وَغَدَا أَبُو ذَرٍّ يَطْلُبُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَلْقَهُ. وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا عَنْهُ. فعاد فنام حتى أمسى فمر به عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْرِفَ مَنْزِلَهُ؟ فَانْطَلَقَ بِهِ فَبَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ لا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ. فَأَصْبَحَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَأَخَذَ عَلَى عَلِيٍّ لَئِنْ أَفْشَى إِلَيْهِ الَّذِي يُرِيدُ لَيَكْتُمَنَّ عَلَيْهِ وَلَيَسْتُرَنَّهُ. فَفَعَلَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ خُرُوجُ هَذَا الرَّجُلِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ. فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيَأْتِيَنِي بِخَبَرِهِ وَبِمَا سَمِعَ مِنْهُ فَلَمْ يَأْتِنِي بِمَا يَشْفِيَنِي مِنْ حديثه. فَجِئْتُ بِنَفْسِي لأَلْقَاهُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنِّي غَادٍ فَاتَّبِعْ أَثَرِي فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ اعْتَلَلْتُ بِالْقِيَامِ كَأَنِّي أُهَرِيقُ الْمَاءَ فَآتِيكَ. وَإِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا فَاتَّبِعْ أَثَرِي حَتَّى تَدْخُلَ حَيْثُ أَدْخَلُ. فَفَعَلَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَثَرِ عَلِيٍّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ. وَسَمِعَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ مِنْ سَاعَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: تَرْجِعُ إِلَى قَوْمِكَ حَتَّى يَبْلُغَكَ أَمْرِي. قَالَ فَقَالَ لَهُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا أَرْجِعُ حَتَّى أَصْرُخَ بِالإِسْلامِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: صَبَأَ الرَّجُلُ صَبَأَ الرَّجُلُ. فَضَرَبُوهُ حَتَّى صُرِعَ. فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: قَتَلْتُمُ الرَّجُلَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. أَنْتُمْ تُجَّارٌ وطريقكم عَلَى غِفَارَ. فَتُرِيدُونَ أَنْ يُقْطَعَ الطَّرِيقَ؟ فَأَمْسَكُوا عَنْهُ. ثُمَّ عَادَ الْيَوْمَ الثَّانِي فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ ضَرَبُوهُ حَتَّى صُرِعَ. فَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ. فَأَمْسَكُوا عَنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَدْءَ إسلام أبي ذر. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي حَكِيمٍ يُخْبِرُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ حِدْثَانَ إِسْلامِهِ لابْنِ عَمِّهِ: يَا ابْنَ الأمة. . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَالْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي سَاعِدَةَ وَهُوَ الْمُعْنِقُ لِيَمُوتَ. وَأَنْكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ أَبِي ذَرٍّ وَالْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ: لَمْ تَكُنِ الْمُؤَاخَاةُ إِلا قَبْلَ بَدْرٍ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَيَّةُ الْمَوَارِيثِ انْقَطَعَتِ الْمُؤَاخَاةُ. وَأَبُو ذَرٍّ حِينَ أَسْلَمَ رَجَعَ إِلَى بِلادِ قَوْمِهِ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَضَتْ بَدْرٌ وَأَحَدٌ وَالْخَنْدَقُ ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - المدينة بعد ذلك. قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ خَالِدِ بْنِ وَهْبَانَ وَكَانَ ابْنُ خَالَةِ أَبِي ذَرٍّ. عَنْ أَبِي ذَرٍّ قال: . قال: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ. قَالَ فَقُلْتُ مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ» التوبة: . وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ. قَالَ فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ كَلامٌ فَكَتَبَ يَشْكُونِي إِلَى عُثْمَانَ. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ أَقْدِمِ الْمَدِينَةَ. فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَكَثُرَ النَّاسُ عَلَيَّ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا. فَذَاكَ أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيَّ حَبَشِيٌّ لَسَمِعْتُ وَلأَطَعْتُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَدْ أَفْسَدَ النَّاسَ بِالشَّامِ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ فَقَدِمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَوَجَدُوا عِنْدَهُ كَيْسًا أو شيئا فظنوا أنها دَرَاهِمَ. فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ! فَإِذَا هِيَ فُلُوسٌ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: كُنَّ عِنْدِي تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوحُ اللِّقَاحُ. قَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ. فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ إِلَى الرَّبَذَةِ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَعَلَيْهَا عَبْدٌ لِعُثْمَانَ حَبَشِيُّ فَتَأَخَّرَ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ فَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ فَأَنْتَ عَبْدٌ حَبَشِيُّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الأَجْرِ عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ قَالا: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَّاهُ أَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ فَأَذِنَ لَنَا وَاسْتَأْنَسَ بِنَا. فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. حَسِبْتُهُ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. فَقَالُوا: يَا أَبَا ذَرٍّ فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَنَا رَايَةً؟ فَلْنُكْمِلْ بِرِجَالٍ مَا شِئْتَ. فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلامِ لا تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُمْ وَلا تُذِلُّوا السُّلْطَانَ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلا تَوْبَةَ لَهُ. وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ أَطْوَلِ جَبَلٍ لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَصَبَرْتُ وَاحْتَسَبْتُ وَرُئِيتُ أَنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لِي. وَلَوْ سَيَّرَنِي مَا بَيْنَ الأُفُقِ إِلَى الأُفُقِ. أَوْ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَصَبَرْتُ وَاحْتَسَبْتُ وَرُئِيتُ أَنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لِي. وَلَوْ رَدَّنِي إِلَى مَنْزِلِي لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَصَبَرْتُ وَاحْتَسَبْتُ وَرُئِيتُ أَنَّ ذَاكَ خير لي. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ السُّلَمِيِّ قَالَ: تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا. ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّمًا فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: مَا لَكَ وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: سَامِعٌ مُطِيعٌ وَلَوْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدْنَ ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ لَفَعَلْتُ. وَأَمَرَهُ عثمان أن يخرج إلى الربذة. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بردعة أو قطيفة. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ بِلالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُرَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بن سيرين قال: . قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبِكُمْ مَجْلِسًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ إِنِّي سَمِعْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ أَقْرَبُكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيْئَةِ مَا تَرَكْتُهُ فِيهَا. وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بشيء غيري. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الْحَرِيرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَصْفَرِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ ثُمَّ أَتَيْتُ الشَّامَ فَجَمَعْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ لا يَنْتَهِي إِلَى سَارِيَةٍ إِلا خَرَّ أَهْلُهَا. يُصَلِّي وَيُخِفُّ صَلاتَهُ. قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو ذَرٍّ. فَقَالَ لِي: فَأَنْتَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ قُلْتُ: أَنَا الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ. قَالَ: قُمْ عَنِّي لا أُعِدُّكَ بِشَرٍّ. فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَعِدُنِي بِشَرٍّ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا. يَعْنِي مُعَاوِيَةَ. نَادَى مُنَادِيهِ أَلا يُجَالِسَنِي أُحُدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ. وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي. وَأَمَرَنِي أَنْ لا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا. وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ. وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرَّا. وَأَمَرَنِي أَنْ لا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مَنْ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كنز تحت العرش. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فَخَرَجَ عَطَاؤُهُ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ. قَالَ فَجَعَلَتْ تَقْضِي حَوَائِجَهُ. قَالَ فَفَضَلَ مَعَهَا سِلَعٌ. قَالَ فَأَمَرَهَا أَنْ تشتري به فلوسا. قال قلت: لو أذخرته لِلْحَاجَةِ تَبُوءُ بِكَ أَوْ لِلضَّيْفِ يَنْزِلُ بِكَ. قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ أَيَّ مَالٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أُوكِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَمْرٌ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُفْرِغَهُ فِي سَبِيلِ الله. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلافٍ فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءَهُ دَعَا خَادِمَهُ فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيهِ لِسَنَةٍ فَاشْتَرَاهُ لَهُ. ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوسًا بِمَا بَقِيَ وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مَنْ وَعَى ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يُوكِي عَلَيْهِ إِلا وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو ذَرٍّ خُذِ الْعَطَاءَ مَا كَانَ مُتْعَةً فإذا كان دينا فارفضه. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عن الحسين المعلم عن أبي بريدة قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ فَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يَلْزَمُهُ. وَكَانَ الأَشْعَرِيُّ رَجُلا خَفِيفَ اللَّحْمِ قَصِيرًا. وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلا أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ. فَجَعَلَ الأَشْعَرِيُّ يَلْزَمُهُ وَيَقُولُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي. وَيَقُولُ الأَشْعَرِيُّ: مَرْحَبًا بِأَخِي. وَيَدْفَعُهُ أَبُو ذَرٍّ وَيَقُولُ: لَسْتُ بِأَخِيكِ إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ. قَالَ ثُمَّ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَالْتَزَمَهُ وَقَالَ: مَرْحَبًا بِأَخِي. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي. هَلْ كُنْتَ عَمِلْتَ لِهَؤُلاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَطَاوَلْتَ فِي الْبِنَاءِ أَوِ اتَّخَذْتَ زَرْعًا أَوْ مَاشِيَةً؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَنْتَ أخي أنت أخي. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ أَبُو عَامِرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ رَجُلا طَوِيلا آدَمَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ شِهَابٍ الْجَرْمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: مَا يُؤْسِنِي رِقَّةُ عَظْمِي وَلا بَيَاضُ شَعْرِي أَنْ أَلْقَى عِيسَى ابْنَ مريم. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فِي مَظَلَّةٍ وَتَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَحْمَاءُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَالَ غَيْرُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي هَذَا الحديث مظلة شعر. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟ فَقَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ وَعَفْوًا وَأَعْنُزًا وَرَكَائِبَ. قَالَ: الْعَفْوُ الْحِمَارُ الذَّكَرُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ . قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن سعد قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإِمَارَةَ فَقَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلا قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَانَ إِذَا دَخَلَ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَإِذَا بَزَقَ أو تنخع تنخع عليهما. قَالَ وَلَوْ جَمَعَ مَا فِي بَيْتِهِ لَكَانَ رِدَاءُ هَذَا الرَّجُلِ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي بَيْتِهِ. قَالَ جَعْفَرٌ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِمَهْرَانَ بْنِ مَيْمُونٍ فَقَالَ: مَا أَرَاهُ كَانَ ما في بيته يسوي درهمين. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَجُلٌ عَنْ زَاذَانَ قَالا: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ . فَلَمْ يَدْرُوا مَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَعَى عِلْمًا عَجَزَ فِيهِ. أَعَجَزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ أَمْ عَنْ طَلَبِ مَا طَلَبَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي لا يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ. قَالَ: وَتَخَوَّفْنَا عُثْمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَانْتَهَى إِلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلا أَنْ قَالَ: أَحَسِبْتَنِي مِنْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَاللَّهِ مَا أَنَا مِنْهُمُ وَلا أُدْرِكُهُمْ. لَوْ أَمَرْتَنِي أَنْ آخُذَ بِعَرْقُوَتَيْ قَتَبٍ لأَخَذْتُ بِهِمَا حَتَّى أَمَرْتَ. قَالَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ. قَالَ فَقَالَ: نَعَمْ نَأْذَنُ لَكَ وَنَأْمُرُ لَكَ بِنِعَمٍ مِنْ نَعَمٍ الصَّدَقَةِ فَتُصِيبُ مِنْ رِسْلِهَا. فَقَالَ فَنَادَى أَبُو ذَرٍّ: دُونَكُمْ مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ دُنْيَاكُمْ فَاعْذِمُوهَا لا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا. قَالَ فَمَا نَرَاهُ بِشَيْءٍ. قَالَ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى قدمنا الربذة. قال: فصادفنا مولى لعثمان غلاما حبشيا يَؤُمُّهُمْ فَنُودِيَ بِالصَّلاةِ فَتَقَدَّمَ فَلَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ نَكَصَ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمَ فصل. فصلى خلفه أبو ذر. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ. يَعْنِي ابْنَ الأَشْتَرِ. أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لا يَدَ لِي بِتَغْيِيبِكَ وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَنًا. فَقَالَ: لا تَبْكِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُولُ: لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَعِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَاتَ فِي جَمَاعَةٍ وَقَرْيَةٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيْرِي وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالْفَلاةِ أَمُوتُ. فَرَاقِبِي الطَّرِيقَ فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُولُ لَكَ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ. قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ وَقَدِ انْقَطَعَ الْحَاجُّ؟ قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيقَ. فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا هِيَ بِالْقَوْمِ تَجِدِّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ. قَالَ عَفَّانُ: هَكَذَا قَالَ: تَجِدُّ بِهِمْ. وَالصَّوَابُ تَخُدُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا قَالُوا: مَا لَكِ؟ قَالَتِ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تُكَفِّنُونَهُ وَتُؤْجَرُونَ فِيهِ. قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهُمْ وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نحورها يَبْتَدِرُونَهُ فَقَالَ: أَبْشِرُوا أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِينَ قَالَ فِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ. أَبْشِرُوا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْقَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلا فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ: أَنَا صَاحِبُكَ. ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي وَأَحَدُ ثَوْبِيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ. قَالَ: أَنْتَ صاحبي فكفني. قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ الْمَوْتُ بَكَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: أَبْكِي لأَنَّهُ لا يَدَانِ لِي بِتَغْيِيبِكَ وَلَيْسَ لِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ. قَالَ: فَلا تَبْكِي . وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكِ النَّفَرِ رَجُلٌ إِلا قَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِفَلاةٍ وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ فَأَبْصِرِي الطَّرِيقَ. فَقَالَتْ: أَنَّى وَقَدِ انْقَطَعَ الْحَاجُّ وَتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ؟ فَكَانَتْ تَشُدُّ إِلَى كَثِيبٍ تَقُومُ عَلَيْهِ تَنْظُرُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَتُمَرِّضُهُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْكَثِيبِ. فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا هِيَ بِنَفَرٍ تَخُدُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ عَلَى رِحَالِهِمْ. فَأَلاحَتْ بِثَوْبِهَا فَاقْبَلُوا حتى وقفوا عليها فقالوا: مَا لَكَ؟ قَالَتِ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَمُوتُ تُكَفِّنُونَهُ. قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهُمْ وَوَضَعُوا السِّيَاطَ فِي نُحُورِهَا يستبقون إليه حتى جاؤوه فَقَالَ: أَبْشِرُوا. فَحَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي . أنتم تسمعون. لو كان لي ثَوْبٌ يَسَعُنِي كَفَنًا لَمْ أُكَفَّنْ إِلا فِي ثَوْبٍ هُوَ لِي. أَوْ لامْرَأَتِي ثَوْبٌ يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلا فِي ثَوْبِهَا. فَأَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالإِسْلامَ أَلا يُكَفِّنِّي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ عَرِيفًا أَوْ نَقِيبًا أَوْ بَرِيدًا. فَكُلُّ القوم قد كان قَارَفَ بَعْضَ ذَلِكَ إِلا فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: أَنَا أُكَفِّنُكَ. فَإِنِّي لَمْ أُصِبْ مِمَّا ذَكَرْتَ شَيْئًا. أُكَفِّنُكَ فِي رِدَائِي هَذَا الَّذِي عَلَيَّ وَفِي ثَوْبَيْنِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي حَاكَتْهُمَا لِي. قَالَ: أَنْتَ فَكَفِّنِّي. قَالَ فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ شَهِدُوهُ. مِنْهُمْ حُجْرُ بْنُ الأَدْبَرِ وَمَالِكٌ الأَشْتَرُ فِي نَفَرٍ كلهم يمان. قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الأَسْلَمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ وَأَصَابَهُ بِهَا قَدْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتُهُ وَغُلامُهُ فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلانِي وَكَفِّنَانِي وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ فَقُولُوا هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلا ذَلِكَ بِهِ. ثُمَّ وَضَعَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عُمَّارًا فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلا بِالْجَنَازَةِ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ قَدْ كَادَتِ الإبل أن تَطَأُهَا. فَقَامَ إِلَيْهِ الْغُلامُ فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. ... ثُمَّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَوَارَوْهُ. ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعود حديثه وَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - في مسيره إلى تبوك. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ رَآهُ فِي نَمِرَةٍ مُؤْتَزِرًا بِهَا قَائِمًا يُصَلِّي فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَمَا لَكَ ثَوْبٌ غَيْرُ هَذِهِ النَّمِرَةِ؟ قَالَ: لَوْ كَانَ لِي لَرَأَيْتَهُ عَلَيَّ. قُلْتُ: فَإِنِّي رَأَيْتُ عَلَيْكَ مُنْذُ أَيَّامٍ ثَوْبَيْنِ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَعْطَيْتُهُمَا مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِمَا مِنِّي. قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَمُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. قَالَ: اللَّهُمَّ غَفْرًا. إِنَّكَ لَمُعَظِّمُ للدنيا. أَلَيْسَ تَرَى عَلَيَّ هَذِهِ الْبُرْدَةَ وَلِي أُخْرَى لِلْمَسْجِدِ وَلِي أَعْنُزٌ نَحْلِبُهَا وَلِي أَحْمِرَةٌ نَحْتَمِلُ عَلَيْهَا مِيرَتَنَا وَعِنْدَنَا مَنْ يَخْدُمُنَا وَيَكْفِينَا مِهْنَةَ طَعَامِنَا فَأَيُّ نِعْمَةٍ أَفْضَلُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ أَبِي شُعْبَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمَنَا أَبَا ذَرٍّ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فَأَبَى أَبُو ذَرٍّ أَنْ يَأْخُذَ وَقَالَ: لَنَا أَحْمِرَةٌ نَحْتَمِلُ عَلَيْهَا وَأَعْنُزٌ نَحْلِبُهَا وَمُحَرَّرَةٌ تَخْدُمُنَا وَفَضْلُ عَبَاءَةٍ عَنْ كِسْوَتِنَا وإني لأخاف أن أحاسب بالفضل. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَمِيلَةَ الْفَزَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلِبُ غُنَيْمَةً لَهُ فَيَبْدَأُ بِجِيرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ لَيْلَةً حَلَبَ حَتَّى مَا بَقِيَ فِي ضُرُوعِ غَنَمِهِ شَيْءٌ إِلا مُصِرَّةً. وَقَرَّبَ إِلَيْهِمْ تَمْرًا وَهُوَ يَسِيرٌ. ثُمَّ تَعَذَّرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا لَجِئْنَا بِهِ. قَالَ وَمَا رَأَيْتُهُ ذَاقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ شَيْئًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدِمَشْقَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خراش الْكَعْبِيُّ قَالَ: وَجَدْتُ أَبَا ذَرٍّ فِي مِظَلَّةِ شَعْرٍ بِالرَّبَذَةِ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَحْمَاءُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ تَزَوَّجُ سَحْمَاءَ! قَالَ: أَتَزَوَّجُ مَنْ تَضَعُنِي أَحَبُّ إِلِيَّ مِمَّنْ تَرْفَعُنِي. مَا زَالَ لِيَ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى ما ترك لي الحق صديقا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ مُشَنَّفَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْمَجَاسِدِ وَلا الْخَلُوقِ. قَالَ فَقَالَ: أَلا تَنْظُرُونَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ هَذِهِ السُّوَيْدَاءُ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ الْعِرَاقَ فَإِذَا أَتَيْتُ الْعِرَاقَ مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ. أَلا وَإِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّ دُونَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيقًا ذَا دَحَضٍ وَمَزَلَّةٍ. وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ ونحن مواقير. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ فَظَنَنْتُهُ نَائِمًا فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟ فَقَالَ: لا بل كنت أصلي. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ تَبِعْتُهُ جُوَيْرِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ هَذِهِ ابْنَتَكَ؟ قال: تزعم أمها ذاك. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُسِيَ أَبُو ذَرٍّ بُرْدَيْنِ فَأَتَّزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِشَمْلَةٍ وَكَسَا أَحَدَهُمَا غُلامَهُ. ثُمَّ خَرَجَ عَلَى القوم فقالوا له: لو كنت لبستهما جَمِيعًا كَانَ أَجْمَلَ. قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنِّي . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَالَ: صَحِبْتُ أَبَا ذَرٍّ فَأَعْجَبَتْنِي أَخْلاقُهُ كُلُّهَا إلا خلق واحد. قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ الْخُلُقُ؟ قَالَ: كَانَ رَجُلا فَطِنًا فَكَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ انْتَضَحَ.
- أَبُو ذَرٍّ واسمه جندب بْن جنادة بْن كعيب بْن صعير بْن الوقعة بْن حرام بْن سُفْيَان بْن عُبَيْد بْن حرام بْن غفار بْن مليل بْن ضمرة بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ بْن خُزَيْمَة بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ يُخْبِرُ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اسْمُ أَبِي ذَرٍّ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ. وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرُ وَهِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بن السائب الكلبي وغيرهما من أهل العلم. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: وَسَمِعْتُ أَبَا مَعْشَرٍ نَجِيحًا يَقُولُ: وَاسْمُ أَبِي ذَرٍّ بُرَيْرُ بْنُ جنادة. قال: أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكِنَانِيُّ أَبُو النَّضْرِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ الْغِفَارِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارَ وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ. فَخَرَجْتُ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَّا فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا. قَالَ فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ فَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ عَنْ أَهْلِكِ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسُ. قَالَ فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا مَا قِيلَ لَهُ فَقُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفٍ فَقَدْ كَدَّرْتَ وَلا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ. قَالَ فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا وَتَغَطَّى خَالُنَا بِثَوْبِهِ وَجَعَلَ يَبْكِي. فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ. فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَبَّرَ أُنَيْسًا بِمَا هُوَ عَلَيْهِ. قَالَ فَأَتَانَا بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا وَقَدْ صَلَّيْتُ بِابْنِ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلاثَ سِنِينَ. فَقُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ. فَقُلْتُ: أَيْنَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: أَتَوَجَّهُ حَيْثُ يُوَجِّهُنِي اللَّهُ. أُصَلِّي عِشَاءً حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ السَّحَرِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ حَتَّى تَعْلُوَنِي الشَّمْسُ. فَقَالَ أُنَيْسٌ: إِنَّ لِي حَاجَةً بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ. فَانْطَلَقَ أُنَيْسٌ فَرَاثَ عَلَيَّ. يَعْنِي أَبْطَأَ. ثُمَّ جَاءَ فَقُلْتُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ. قَالَ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قَالَ: يَقُولُونَ شَاعِرٌ كَاهِنٌ سَاحِرٌ. وَكَانَ أُنَيْسٌ أَحَدَ الشُّعَرَاءِ. فَقَالَ أُنَيْسٌ: وَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ. وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشَّعْرِ فَلا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ بَعِيدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ. وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ! فَقُلْتُ: اكْفِنِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأَنْظُرَ. قَالَ: نَعَمْ. وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنَّعُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا لَهُ. فَانْطَلَقْتُ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَاسْتَضْعَفْتُ رَجُلا مِنْهُمْ فَقُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَ الصَّابِئَ؟ قَالَ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَقَالَ: هَذَا الصَّابِئُ. فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ فَخَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ كَأَنِّي نَصَبٌ أَحْمَرُ. فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا وَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ فَلَبِثْتُ بِهَا يَا ابْنَ أَخِي ثَلاثِينَ مِنْ بَيْنِ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ مَا لِي طَعَامٌ إِلا مَاءَ زَمْزَمَ. فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ. قَالَ فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانِ إِذْ ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى أَصْمِخَتِهِمْ فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرَ امْرَأَتَيْنِ. فَأَتَتَا عَلَيَّ وَهُمَا تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةً. قَالَ فَقُلْتُ أَنْكِحَا أَحَدُهُمَا الآخَرَ. فَمَا ثناهما ذلك عن قولهما. قَالَ فَأَتَتَا عَلَيَّ فَقُلْتُ: هُنَا مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أُكَنِّ. فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلانِ وَتَقُولانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا. قَالَ فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ مِنَ الْجَبَلِ فَقَالَ: مَا لَكُمَا؟ قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا. قَالَ: فَمَا قَالَ لَكُمَا؟ قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ. فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَاحِبُهُ فَاسْتَلَمَا الْحَجَرَ وَطَافَا بِالْبَيْتِ ثُمَّ صَلَّى فَأَتَيْتُهُ حِينَ قَضَى صَلاتَهُ فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بتحية الإسلام. فَقَالَ: وَعَلَيْكَ رَحْمَةُ اللَّهِ. مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ قلت: من غفار. فأهوى بيده إلى جَبْهَتِهِ هَكَذَا. قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارَ. فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ فقد عني صَاحِبُهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي فَقَالَ: مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟ قُلْتُ: كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ ثَلاثِينَ مِنْ بَيْنَ لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ. قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قَالَ قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلا مَاءَ زَمْزَمَ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي فَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخَفَةَ جُوعٍ. . قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي طَعَامِهِ اللَّيْلَةَ. قَالَ فَفَعَلَ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا. فَفَتَحَ أَبُو بَكْرٍ بَابًا فَجَعَلَ يَقْبِضُ لَنَا مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَذَاكَ أَوَّلُ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا. قَالَ فَغَبَرْتُ مَا غَبَرْتُ فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَانْطَلَقْتُ حَتَّى لَقِيتُ أَخِي أُنَيْسًا فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ أُنَيْسٌ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ فَأَتَيْنَا أُمَّنَا فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ. قَالَ فَاحْتَمَلْنَا فَأَتَيْنَا قَوْمَنَا فَأَسْلَمَ نِصْفُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم - المدينة. وكان يؤمهم إيماء بن رحضة. وَكَانَ سَيِّدَهُمْ. وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ: إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ أَسْلَمْنَا. فَقَدِمَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ بَقِيَّتُهُمْ وَجَاءَتْ أَسْلَمُ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ إِخْوَتُنَا. فَأَسْلَمُوا . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ عَنْ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلا يُصِيبُ الطَّرِيقَ وَكَانَ شُجَاعًا يَتَفَرَّدُ وَحْدَهُ يَقْطَعُ الطَّرِيقَ وَيُغِيرُ عَلَى الصِّرَمِ فِي عَمَايَةِ الصُّبْحِ عَلَى ظَهْرَ فَرَسِهِ أَوْ عَلَى قَدَمَيْهِ كَأَنَّهُ السَّبْعُ. فَيَطْرُقُ الْحَيَّ وَيَأْخُذُ مَا أَخَذَ. ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ الإسلام وسمع بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ يَدْعُو مُخْتَفِيًا. فَأَقْبَلَ يَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ. وَقَبْلَ ذَلِكَ قَدْ طَلَبَ مَنْ يُوَصِّلُهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَانْتَهَى إِلَى الْبَابِ فَاسْتَأْذَنَ فَدَخَلَ. وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ أَسْلَمَ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ. وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لا نَسْتَسِرُّ بِالإِسْلامِ وَلَنُظْهِرَنَّهُ. فَلا يَرُدُّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا. فَقُلْتُ: . فَكَانَ يَكُونُ بِأَسْفَلِ ثَنِيَّةِ غَزَالٍ. فَكَانَ يَعْتَرِضُ لِعِيرَاتِ قُرَيْشٍ فَيَقْتَطِعُهَا فَيَقُولُ: لا أَرُدُّ إِلَيْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى تَشْهَدُوا أَلا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. فَإِنْ فَعَلُوا رَدَّ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ شَيْئًا. فَكَانَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَضَى بَدْرٌ وَأَحَدٌ. ثُمَّ قَدِمَ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نَجِيحٌ أَبُو مَعْشَرٍ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ يَتَأَلَّهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَيَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. وَلا يَعْبُدُ الأَصْنَامَ. فَمَرَّ عليه رجل من أهل مكة بعد ما أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرِّ إِنَّ رَجُلا بِمَكَّةَ يَقُولُ مِثْلَ مَا تَقُولُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. وَيَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ. قَالَ: مِمَّنْ هُوَ؟ قَالَ: مِنْ قُرَيْشٍ. قَالَ فَأَخَذَ شَيْئًا مِنْ بَهْشٍ وَهُوَ الْمُقْلُ فَتُزَوَّدَهُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَرَأَى أَبَا بَكْرٍ يُضِيفُ النَّاسَ وَيُطْعِمُهُمُ الزَّبِيبَ. فَجَلَسَ مَعَهُمْ فَأَكَلَ ثُمَّ سَأَلَ مِنَ الْغَدِ: هَلْ أَنْكَرْتُمْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: نَعَمِ. ابْنَ عَمٍّ لِي يَقُولُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ. قَالَ: فَدُلَّنِي عَلَيْهِ. قَالَ فَدَلَّهُ. وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاقِدٌ عَلَى دُكَّانٍ قَدْ سَدَلَ ثَوْبَهُ عَلَى وَجْهِهِ. فَنَبَّهَهُ أَبُو ذَرٍّ فَانْتَبَهَ فَقَالَ: أَنْعِمْ صَبَاحًا. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: عَلَيْكَ السَّلامُ. قَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ: أَنْشِدْنِي مَا تَقُولُ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَهُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِإِسْلامِهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: أَلَيْسَ ضَيْفِي أَمْسِ؟ فَقَالَ: بَلَى. قَالَ: فَانْطَلَقَ مَعِي. فَذَهَبَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ إِلَى بَيْتِهِ فَكَسَاهُ ثَوْبَيْنِ مَمْشُقَيْنِ فَأَقَامَ أَيَّامًا ثُمَّ رَأَى امْرَأَةً تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَتَدْعُو بِأَحْسَنِ دُعَاءٍ فِي الأَرْضِ تَقُولُ: أَعْطِنِي كَذَا وَكَذَا وَافْعَلْ بِي كَذَا وَكَذَا. ثُمَّ قَالَتْ فِي آخِرِ ذَلِكَ: يَا إِسَافُ وَيَا نَائِلَةُ. قَالَ أَبُو ذَرٍّ: أَنْكِحِي أَحَدَهُمَا صَاحِبَهُ. فَتَعَلَّقَتْ بِهِ وَقَالَتْ: أَنْتَ صَابِئٌ. فَجَاءَ فِتْيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَضَرَبُوهُ. وَجَاءَ نَاسٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَنَصَرُوهُ وَقَالُوا: مَا لِصَاحِبِنَا يُضْرَبُ وَتَتْرُكُونَ صُبَاتَكُمْ؟ فَتَحَاجَزُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَّا قُرَيْشٌ فَلا أَدَعُهُمْ حَتَّى أَثْأَرَ مِنْهُمْ. ضَرَبُونِي. فَخَرَجَ حَتَّى أَقَامَ بِعُسْفَانَ وَكُلَّمَا أَقْبَلَتْ عِيرٌ لِقُرَيْشٍ يَحْمِلُونَ الطَّعَامَ يُنَفِّرُ بِهِمْ عَلَى ثَنِيَّةِ غَزَالٍ فَتَلَقَّى أَحْمَالَهَا فَجَمَعُوا الْحِنَطَ. قَالَ يَقُولُ أَبُو ذَرٍّ لِقَوْمِهِ: لا يَمَسُّ أَحَدٌ حَبَّةً حَتَّى تَقُولُوا لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَيَقُولُونَ لا إله إلا الله ويأخذون الغرائر. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ في الإسلام خامسا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنِي نجيح أبو معشر عن محمد بن قيس عن حكام بن أبي الوضاح الْبَصْرِيِّ قال: كَانَ إِسْلامُ أَبِي ذَرٍّ رَابِعًا أو خامسا. قال: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ حَكَّامٍ الْبَصْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْقَسَّامُ الْقَصِيرُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو جَمْرَةَ الضُّبَعِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُمْ بِبَدْءِ إِسْلامِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلا خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ. أَرْسَلَ أَخَاهُ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِخَبَرِ هَذَا الرَّجُلِ وَبِمَا تَسْمَعُ مِنْهُ. فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَسَمِعَ مِنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَجَعَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَأْمُرُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاقِ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: مَا شَفَيْتَنِي. فَخَرَجَ أَبُو ذَرٍّ وَمَعَهُ شَنَّةٌ فِيهَا مَاؤُهُ وَزَادُهُ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَفَرِقَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا عَنْ شَيْءٍ وَلَمَّا يَلْقَ رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَدْرَكَهُ اللَّيْلُ فَبَاتَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ. قَالَ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى مَنْزِلِهِ وَلَمْ يَسْأَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ. وَغَدَا أَبُو ذَرٍّ يَطْلُبُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فَلَمْ يَلْقَهُ. وَكَرِهَ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا عَنْهُ. فعاد فنام حتى أمسى فمر به عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا آنَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْرِفَ مَنْزِلَهُ؟ فَانْطَلَقَ بِهِ فَبَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ لا يَسْأَلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ شَيْءٍ. فَأَصْبَحَ الْيَوْمَ الثَّالِثَ فَأَخَذَ عَلَى عَلِيٍّ لَئِنْ أَفْشَى إِلَيْهِ الَّذِي يُرِيدُ لَيَكْتُمَنَّ عَلَيْهِ وَلَيَسْتُرَنَّهُ. فَفَعَلَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ خُرُوجُ هَذَا الرَّجُلِ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ. فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيَأْتِيَنِي بِخَبَرِهِ وَبِمَا سَمِعَ مِنْهُ فَلَمْ يَأْتِنِي بِمَا يَشْفِيَنِي مِنْ حديثه. فَجِئْتُ بِنَفْسِي لأَلْقَاهُ. فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إِنِّي غَادٍ فَاتَّبِعْ أَثَرِي فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ مَا أَخَافُ عَلَيْكَ اعْتَلَلْتُ بِالْقِيَامِ كَأَنِّي أُهَرِيقُ الْمَاءَ فَآتِيكَ. وَإِنْ لَمْ أَرَ أَحَدًا فَاتَّبِعْ أَثَرِي حَتَّى تَدْخُلَ حَيْثُ أَدْخَلُ. فَفَعَلَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَثَرِ عَلِيٍّ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ. وَسَمِعَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْلَمَ مِنْ سَاعَتِهِ. ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: تَرْجِعُ إِلَى قَوْمِكَ حَتَّى يَبْلُغَكَ أَمْرِي. قَالَ فَقَالَ لَهُ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا أَرْجِعُ حَتَّى أَصْرُخَ بِالإِسْلامِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: صَبَأَ الرَّجُلُ صَبَأَ الرَّجُلُ. فَضَرَبُوهُ حَتَّى صُرِعَ. فَأَتَاهُ الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ وَقَالَ: قَتَلْتُمُ الرَّجُلَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ. أَنْتُمْ تُجَّارٌ وطريقكم عَلَى غِفَارَ. فَتُرِيدُونَ أَنْ يُقْطَعَ الطَّرِيقَ؟ فَأَمْسَكُوا عَنْهُ. ثُمَّ عَادَ الْيَوْمَ الثَّانِي فَصَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ ضَرَبُوهُ حَتَّى صُرِعَ. فَأَكَبَّ عَلَيْهِ الْعَبَّاسُ وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ. فَأَمْسَكُوا عَنْهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَدْءَ إسلام أبي ذر. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَنْ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي حَكِيمٍ يُخْبِرُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ حِدْثَانَ إِسْلامِهِ لابْنِ عَمِّهِ: يَا ابْنَ الأمة. . قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: آخَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ وَالْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي سَاعِدَةَ وَهُوَ الْمُعْنِقُ لِيَمُوتَ. وَأَنْكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هَذِهِ الْمُؤَاخَاةَ بَيْنَ أَبِي ذَرٍّ وَالْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ: لَمْ تَكُنِ الْمُؤَاخَاةُ إِلا قَبْلَ بَدْرٍ فَلَمَّا نَزَلَتْ أَيَّةُ الْمَوَارِيثِ انْقَطَعَتِ الْمُؤَاخَاةُ. وَأَبُو ذَرٍّ حِينَ أَسْلَمَ رَجَعَ إِلَى بِلادِ قَوْمِهِ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى مَضَتْ بَدْرٌ وَأَحَدٌ وَالْخَنْدَقُ ثُمَّ قَدِمَ عَلَى رَسُول اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - المدينة بعد ذلك. قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِي الْجَهْمِ عَنْ خَالِدِ بْنِ وَهْبَانَ وَكَانَ ابْنُ خَالَةِ أَبِي ذَرٍّ. عَنْ أَبِي ذَرٍّ قال: . قال: أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ. قَالَ فَقُلْتُ مَا أَنْزَلَكَ مَنْزِلَكَ هَذَا؟ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فَاخْتَلَفْتُ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: «وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ» التوبة: . وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ فَقُلْتُ: نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ. قَالَ فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ كَلامٌ فَكَتَبَ يَشْكُونِي إِلَى عُثْمَانَ. قَالَ فَكَتَبَ إِلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ أَقْدِمِ الْمَدِينَةَ. فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ وَكَثُرَ النَّاسُ عَلَيَّ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ. قَالَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُثْمَانَ فَقَالَ لِي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيْتَ فَكُنْتَ قَرِيبًا. فَذَاكَ أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ وَلَوْ أُمِّرَ عَلَيَّ حَبَشِيٌّ لَسَمِعْتُ وَلأَطَعْتُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ بْنُ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عُثْمَانَ: إِنَّ أَبَا ذَرٍّ قَدْ أَفْسَدَ النَّاسَ بِالشَّامِ. فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُثْمَانُ فَقَدِمَ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَعَثُوا أَهْلَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَوَجَدُوا عِنْدَهُ كَيْسًا أو شيئا فظنوا أنها دَرَاهِمَ. فَقَالُوا: مَا شَاءَ اللَّهُ! فَإِذَا هِيَ فُلُوسٌ. فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَالَ لَهُ عُثْمَانُ: كُنَّ عِنْدِي تَغْدُو عَلَيْكَ وَتَرُوحُ اللِّقَاحُ. قَالَ: لا حَاجَةَ لِي فِي دُنْيَاكُمْ. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِي حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى الرَّبَذَةِ. فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ إِلَى الرَّبَذَةِ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَعَلَيْهَا عَبْدٌ لِعُثْمَانَ حَبَشِيُّ فَتَأَخَّرَ. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمْ فَصَلِّ فَقَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ فَأَنْتَ عَبْدٌ حَبَشِيُّ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ الأَجْرِ عَنْ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ رَجُلٌ وَامْرَأَتُهُ قَالا: نَزَلْنَا الرَّبَذَةَ فَمَرَّ بِنَا شَيْخٌ أَشْعَثُ أَبْيَضُ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَّاهُ أَنْ نَغْسِلَ رَأْسَهُ فَأَذِنَ لَنَا وَاسْتَأْنَسَ بِنَا. فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. حَسِبْتُهُ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. فَقَالُوا: يَا أَبَا ذَرٍّ فَعَلَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ وَفَعَلَ فَهَلْ أَنْتَ نَاصِبٌ لَنَا رَايَةً؟ فَلْنُكْمِلْ بِرِجَالٍ مَا شِئْتَ. فَقَالَ: يَا أَهْلَ الإِسْلامِ لا تَعْرِضُوا عَلَيَّ ذَاكُمْ وَلا تُذِلُّوا السُّلْطَانَ فَإِنَّهُ مَنْ أَذَلَّ السُّلْطَانَ فَلا تَوْبَةَ لَهُ. وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ عُثْمَانَ صَلَبَنِي عَلَى أَطْوَلِ خَشَبَةٍ أَوْ أَطْوَلِ جَبَلٍ لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَصَبَرْتُ وَاحْتَسَبْتُ وَرُئِيتُ أَنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لِي. وَلَوْ سَيَّرَنِي مَا بَيْنَ الأُفُقِ إِلَى الأُفُقِ. أَوْ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَصَبَرْتُ وَاحْتَسَبْتُ وَرُئِيتُ أَنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لِي. وَلَوْ رَدَّنِي إِلَى مَنْزِلِي لَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَصَبَرْتُ وَاحْتَسَبْتُ وَرُئِيتُ أَنَّ ذَاكَ خير لي. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الْحَجَّاجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ السُّلَمِيِّ قَالَ: تَنَاجَى أَبُو ذَرٍّ وَعُثْمَانُ حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا. ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرٍّ مُتَبَسِّمًا فَقَالَ لَهُ النَّاسُ: مَا لَكَ وَلأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: سَامِعٌ مُطِيعٌ وَلَوْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَ صَنْعَاءَ أَوْ عَدْنَ ثُمَّ اسْتَطَعْتُ أَنْ أَفْعَلَ لَفَعَلْتُ. وَأَمَرَهُ عثمان أن يخرج إلى الربذة. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَيْهِ بردعة أو قطيفة. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلامُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُوسَى قَالا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ بِلالِ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حُرَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بن سيرين قال: . قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِنِّي لأَقْرَبِكُمْ مَجْلِسًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ إِنِّي سَمِعْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ أَقْرَبُكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا كَهَيْئَةِ مَا تَرَكْتُهُ فِيهَا. وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلا وَقَدْ تَشَبَّثَ مِنْهَا بشيء غيري. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كَعْبٍ صَاحِبُ الْحَرِيرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الأَصْفَرِ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ ثُمَّ أَتَيْتُ الشَّامَ فَجَمَعْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَجُلٍ لا يَنْتَهِي إِلَى سَارِيَةٍ إِلا خَرَّ أَهْلُهَا. يُصَلِّي وَيُخِفُّ صَلاتَهُ. قَالَ فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا أَبُو ذَرٍّ. فَقَالَ لِي: فَأَنْتَ مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ قُلْتُ: أَنَا الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ. قَالَ: قُمْ عَنِّي لا أُعِدُّكَ بِشَرٍّ. فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَعِدُنِي بِشَرٍّ؟ قَالَ: إِنَّ هَذَا. يَعْنِي مُعَاوِيَةَ. نَادَى مُنَادِيهِ أَلا يُجَالِسَنِي أُحُدٍ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلامٌ أَبُو الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَاسِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِسَبْعٍ: أَمَرَنِي بِحُبِّ الْمَسَاكِينِ وَالدُّنُوِّ مِنْهُمْ. وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ دُونِي وَلا أَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقِي. وَأَمَرَنِي أَنْ لا أَسْأَلَ أَحَدًا شَيْئًا. وَأَمَرَنِي أَنْ أَصِلَ الرَّحِمَ وَإِنْ أَدْبَرَتْ. وَأَمَرَنِي أَنْ أَقُولَ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرَّا. وَأَمَرَنِي أَنْ لا أَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ. وَأَمَرَنِي أَنْ أُكْثِرَ مَنْ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ فَإِنَّهُنَّ مِنْ كنز تحت العرش. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فَخَرَجَ عَطَاؤُهُ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ. قَالَ فَجَعَلَتْ تَقْضِي حَوَائِجَهُ. قَالَ فَفَضَلَ مَعَهَا سِلَعٌ. قَالَ فَأَمَرَهَا أَنْ تشتري به فلوسا. قال قلت: لو أذخرته لِلْحَاجَةِ تَبُوءُ بِكَ أَوْ لِلضَّيْفِ يَنْزِلُ بِكَ. قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ أَيَّ مَالٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أُوكِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ جَمْرٌ عَلَى صَاحِبِهِ حَتَّى يُفْرِغَهُ فِي سَبِيلِ الله. قَالَ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هِلالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عَطَاؤُهُ أَرْبَعَةَ آلافٍ فَكَانَ إِذَا أَخَذَ عَطَاءَهُ دَعَا خَادِمَهُ فَسَأَلَهُ عَمَّا يَكْفِيهِ لِسَنَةٍ فَاشْتَرَاهُ لَهُ. ثُمَّ اشْتَرَى فُلُوسًا بِمَا بَقِيَ وَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مَنْ وَعَى ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً يُوكِي عَلَيْهِ إِلا وَهُوَ يَتَلَظَّى عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ السَّعْدِيِّ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو ذَرٍّ خُذِ الْعَطَاءَ مَا كَانَ مُتْعَةً فإذا كان دينا فارفضه. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو أَبُو مَعْمَرٍ الْمِنْقَرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ عن الحسين المعلم عن أبي بريدة قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ فَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يَلْزَمُهُ. وَكَانَ الأَشْعَرِيُّ رَجُلا خَفِيفَ اللَّحْمِ قَصِيرًا. وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ رَجُلا أَسْوَدَ كَثَّ الشَّعْرِ. فَجَعَلَ الأَشْعَرِيُّ يَلْزَمُهُ وَيَقُولُ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي. وَيَقُولُ الأَشْعَرِيُّ: مَرْحَبًا بِأَخِي. وَيَدْفَعُهُ أَبُو ذَرٍّ وَيَقُولُ: لَسْتُ بِأَخِيكِ إِنَّمَا كُنْتُ أَخَاكَ قَبْلَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ. قَالَ ثُمَّ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَالْتَزَمَهُ وَقَالَ: مَرْحَبًا بِأَخِي. فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: إِلَيْكَ عَنِّي. هَلْ كُنْتَ عَمِلْتَ لِهَؤُلاءِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: هَلْ تَطَاوَلْتَ فِي الْبِنَاءِ أَوِ اتَّخَذْتَ زَرْعًا أَوْ مَاشِيَةً؟ قَالَ: لا. قَالَ: أَنْتَ أخي أنت أخي. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ أَبُو عَامِرٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ رَجُلا طَوِيلا آدَمَ أَبْيَضَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ. قَالَ: أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ كُلَيْبِ بْنِ شِهَابٍ الْجَرْمِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ: مَا يُؤْسِنِي رِقَّةُ عَظْمِي وَلا بَيَاضُ شَعْرِي أَنْ أَلْقَى عِيسَى ابْنَ مريم. قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خِرَاشٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ فِي مَظَلَّةٍ وَتَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَحْمَاءُ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: وَقَالَ غَيْرُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي هَذَا الحديث مظلة شعر. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ أُخْتٍ لأَبِي ذَرٍّ: مَا تَرَكَ أَبُو ذَرٍّ؟ فَقَالَ: تَرَكَ أَتَانَيْنِ وَعَفْوًا وَأَعْنُزًا وَرَكَائِبَ. قَالَ: الْعَفْوُ الْحِمَارُ الذَّكَرُ. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ . قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْبَجَلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن سعد قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الإِمَارَةَ فَقَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلا قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَكَانَ إِذَا دَخَلَ خَلَعَ خُفَّيْهِ فَإِذَا بَزَقَ أو تنخع تنخع عليهما. قَالَ وَلَوْ جَمَعَ مَا فِي بَيْتِهِ لَكَانَ رِدَاءُ هَذَا الرَّجُلِ أَفْضَلَ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي بَيْتِهِ. قَالَ جَعْفَرٌ: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِمَهْرَانَ بْنِ مَيْمُونٍ فَقَالَ: مَا أَرَاهُ كَانَ ما في بيته يسوي درهمين. قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: . قَالَ: أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو حَرْبِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَرَجُلٌ عَنْ زَاذَانَ قَالا: سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ . فَلَمْ يَدْرُوا مَا يُرِيدُ بِقَوْلِهِ وَعَى عِلْمًا عَجَزَ فِيهِ. أَعَجَزَ عَنْ كَشْفِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ أَمْ عَنْ طَلَبِ مَا طَلَبَ مِنَ الْعِلْمِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ الْكِلابِيُّ قَالا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلالٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي ذَرٍّ فِي رَهْطٍ مِنْ غِفَارَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي لا يُدْخَلُ عَلَيْهِ مِنْهُ. قَالَ: وَتَخَوَّفْنَا عُثْمَانَ عَلَيْهِ. قَالَ: فَانْتَهَى إِلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. قَالَ: ثُمَّ مَا بَدَأَهُ بِشَيْءٍ إِلا أَنْ قَالَ: أَحَسِبْتَنِي مِنْهُمْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ وَاللَّهِ مَا أَنَا مِنْهُمُ وَلا أُدْرِكُهُمْ. لَوْ أَمَرْتَنِي أَنْ آخُذَ بِعَرْقُوَتَيْ قَتَبٍ لأَخَذْتُ بِهِمَا حَتَّى أَمَرْتَ. قَالَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَهُ إِلَى الرَّبَذَةِ. قَالَ فَقَالَ: نَعَمْ نَأْذَنُ لَكَ وَنَأْمُرُ لَكَ بِنِعَمٍ مِنْ نَعَمٍ الصَّدَقَةِ فَتُصِيبُ مِنْ رِسْلِهَا. فَقَالَ فَنَادَى أَبُو ذَرٍّ: دُونَكُمْ مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ دُنْيَاكُمْ فَاعْذِمُوهَا لا حَاجَةَ لَنَا فِيهَا. قَالَ فَمَا نَرَاهُ بِشَيْءٍ. قَالَ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى قدمنا الربذة. قال: فصادفنا مولى لعثمان غلاما حبشيا يَؤُمُّهُمْ فَنُودِيَ بِالصَّلاةِ فَتَقَدَّمَ فَلَمَّا رَأَى أَبَا ذَرٍّ نَكَصَ. فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَبُو ذَرٍّ: تَقَدَّمَ فصل. فصلى خلفه أبو ذر. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ. يَعْنِي ابْنَ الأَشْتَرِ. أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ فَبَكَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَتْ: أَبْكِي أَنَّهُ لا يَدَ لِي بِتَغْيِيبِكَ وَلَيْسَ عِنْدِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ كَفَنًا. فَقَالَ: لا تَبْكِي فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ يَقُولُ: لَيَمُوتَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ تَشْهَدُهُ عِصَابَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ: فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَعِي فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَاتَ فِي جَمَاعَةٍ وَقَرْيَةٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ غَيْرِي وَقَدْ أَصْبَحْتُ بِالْفَلاةِ أَمُوتُ. فَرَاقِبِي الطَّرِيقَ فَإِنَّكِ سَوْفَ تَرَيْنَ مَا أَقُولُ لَكَ فَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ. قَالَتْ: وَأَنَّى ذَلِكَ وَقَدِ انْقَطَعَ الْحَاجُّ؟ قَالَ: رَاقِبِي الطَّرِيقَ. فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا هِيَ بِالْقَوْمِ تَجِدِّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ. قَالَ عَفَّانُ: هَكَذَا قَالَ: تَجِدُّ بِهِمْ. وَالصَّوَابُ تَخُدُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ حَتَّى وَقَفُوا عَلَيْهَا قَالُوا: مَا لَكِ؟ قَالَتِ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تُكَفِّنُونَهُ وَتُؤْجَرُونَ فِيهِ. قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهُمْ وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ فِي نحورها يَبْتَدِرُونَهُ فَقَالَ: أَبْشِرُوا أَنْتُمُ النَّفَرُ الَّذِينَ قَالَ فِيكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ. أَبْشِرُوا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: الْقَوْمِ كَانَ نَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلا فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ كَانَ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ: أَنَا صَاحِبُكَ. ثَوْبَانِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي وَأَحَدُ ثَوْبِيَّ هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ عَلَيَّ. قَالَ: أَنْتَ صاحبي فكفني. قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الأَشْتَرِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَ أَبَا ذَرٍّ الْمَوْتُ بَكَتِ امْرَأَتُهُ فَقَالَ لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: أَبْكِي لأَنَّهُ لا يَدَانِ لِي بِتَغْيِيبِكَ وَلَيْسَ لِي ثَوْبٌ يَسَعُكَ. قَالَ: فَلا تَبْكِي . وَلَيْسَ مِنْ أُولَئِكِ النَّفَرِ رَجُلٌ إِلا قَدْ مَاتَ فِي قَرْيَةٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَا الَّذِي أَمُوتُ بِفَلاةٍ وَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ وَلا كُذِبْتُ فَأَبْصِرِي الطَّرِيقَ. فَقَالَتْ: أَنَّى وَقَدِ انْقَطَعَ الْحَاجُّ وَتَقَطَّعَتِ الطُّرُقُ؟ فَكَانَتْ تَشُدُّ إِلَى كَثِيبٍ تَقُومُ عَلَيْهِ تَنْظُرُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَيْهِ فَتُمَرِّضُهُ ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى الْكَثِيبِ. فَبَيْنَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا هِيَ بِنَفَرٍ تَخُدُّ بِهِمْ رَوَاحِلُهُمْ كَأَنَّهُمُ الرَّخَمُ عَلَى رِحَالِهِمْ. فَأَلاحَتْ بِثَوْبِهَا فَاقْبَلُوا حتى وقفوا عليها فقالوا: مَا لَكَ؟ قَالَتِ: امْرُؤٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَمُوتُ تُكَفِّنُونَهُ. قَالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: أَبُو ذَرٍّ. فَفَدَوْهُ بِآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهُمْ وَوَضَعُوا السِّيَاطَ فِي نُحُورِهَا يستبقون إليه حتى جاؤوه فَقَالَ: أَبْشِرُوا. فَحَدَّثَهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي . أنتم تسمعون. لو كان لي ثَوْبٌ يَسَعُنِي كَفَنًا لَمْ أُكَفَّنْ إِلا فِي ثَوْبٍ هُوَ لِي. أَوْ لامْرَأَتِي ثَوْبٌ يَسَعُنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلا فِي ثَوْبِهَا. فَأَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالإِسْلامَ أَلا يُكَفِّنِّي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ أَمِيرًا أَوْ عَرِيفًا أَوْ نَقِيبًا أَوْ بَرِيدًا. فَكُلُّ القوم قد كان قَارَفَ بَعْضَ ذَلِكَ إِلا فَتًى مِنَ الأَنْصَارِ قَالَ: أَنَا أُكَفِّنُكَ. فَإِنِّي لَمْ أُصِبْ مِمَّا ذَكَرْتَ شَيْئًا. أُكَفِّنُكَ فِي رِدَائِي هَذَا الَّذِي عَلَيَّ وَفِي ثَوْبَيْنِ فِي عَيْبَتِي مِنْ غَزْلِ أُمِّي حَاكَتْهُمَا لِي. قَالَ: أَنْتَ فَكَفِّنِّي. قَالَ فَكَفَّنَهُ الأَنْصَارِيُّ فِي النَّفَرِ الَّذِينَ شَهِدُوهُ. مِنْهُمْ حُجْرُ بْنُ الأَدْبَرِ وَمَالِكٌ الأَشْتَرُ فِي نَفَرٍ كلهم يمان. قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الأَسْلَمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَفَى عُثْمَانُ أَبَا ذَرٍّ إِلَى الرَّبَذَةِ وَأَصَابَهُ بِهَا قَدْرُهُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ إِلا امْرَأَتُهُ وَغُلامُهُ فَأَوْصَاهُمَا أَنِ اغْسِلانِي وَكَفِّنَانِي وَضَعَانِي عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فَأَوَّلُ رَكْبٍ يَمُرُّ بِكُمْ فَقُولُوا هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. فَلَمَّا مَاتَ فَعَلا ذَلِكَ بِهِ. ثُمَّ وَضَعَاهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ. وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ عُمَّارًا فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلا بِالْجَنَازَةِ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ قَدْ كَادَتِ الإبل أن تَطَأُهَا. فَقَامَ إِلَيْهِ الْغُلامُ فَقَالَ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَعِينُونَا عَلَى دَفْنِهِ. ... ثُمَّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَوَارَوْهُ. ثُمَّ حَدَّثَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مسعود حديثه وَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم - في مسيره إلى تبوك. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ رَآهُ فِي نَمِرَةٍ مُؤْتَزِرًا بِهَا قَائِمًا يُصَلِّي فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ أَمَا لَكَ ثَوْبٌ غَيْرُ هَذِهِ النَّمِرَةِ؟ قَالَ: لَوْ كَانَ لِي لَرَأَيْتَهُ عَلَيَّ. قُلْتُ: فَإِنِّي رَأَيْتُ عَلَيْكَ مُنْذُ أَيَّامٍ ثَوْبَيْنِ. فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَعْطَيْتُهُمَا مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِمَا مِنِّي. قُلْتُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ لَمُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا. قَالَ: اللَّهُمَّ غَفْرًا. إِنَّكَ لَمُعَظِّمُ للدنيا. أَلَيْسَ تَرَى عَلَيَّ هَذِهِ الْبُرْدَةَ وَلِي أُخْرَى لِلْمَسْجِدِ وَلِي أَعْنُزٌ نَحْلِبُهَا وَلِي أَحْمِرَةٌ نَحْتَمِلُ عَلَيْهَا مِيرَتَنَا وَعِنْدَنَا مَنْ يَخْدُمُنَا وَيَكْفِينَا مِهْنَةَ طَعَامِنَا فَأَيُّ نِعْمَةٍ أَفْضَلُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ عَنْ أَبِي شُعْبَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمَنَا أَبَا ذَرٍّ يَعْرِضُ عَلَيْهِ فَأَبَى أَبُو ذَرٍّ أَنْ يَأْخُذَ وَقَالَ: لَنَا أَحْمِرَةٌ نَحْتَمِلُ عَلَيْهَا وَأَعْنُزٌ نَحْلِبُهَا وَمُحَرَّرَةٌ تَخْدُمُنَا وَفَضْلُ عَبَاءَةٍ عَنْ كِسْوَتِنَا وإني لأخاف أن أحاسب بالفضل. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَلِيٍّ الأَسْلَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَمِيلَةَ الْفَزَارِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ رَأَى أَبَا ذَرٍّ يَحْلِبُ غُنَيْمَةً لَهُ فَيَبْدَأُ بِجِيرَانِهِ وَأَضْيَافِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ. وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ لَيْلَةً حَلَبَ حَتَّى مَا بَقِيَ فِي ضُرُوعِ غَنَمِهِ شَيْءٌ إِلا مُصِرَّةً. وَقَرَّبَ إِلَيْهِمْ تَمْرًا وَهُوَ يَسِيرٌ. ثُمَّ تَعَذَّرَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ: لَوْ كَانَ عِنْدَنَا مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا لَجِئْنَا بِهِ. قَالَ وَمَا رَأَيْتُهُ ذَاقَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ شَيْئًا. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ: كَانَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ فِي مِظَلَّتَيْنِ مِنْ شَعْرٍ بِدِمَشْقَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خراش الْكَعْبِيُّ قَالَ: وَجَدْتُ أَبَا ذَرٍّ فِي مِظَلَّةِ شَعْرٍ بِالرَّبَذَةِ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ سَحْمَاءُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ تَزَوَّجُ سَحْمَاءَ! قَالَ: أَتَزَوَّجُ مَنْ تَضَعُنِي أَحَبُّ إِلِيَّ مِمَّنْ تَرْفَعُنِي. مَا زَالَ لِيَ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى ما ترك لي الحق صديقا. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي قِلابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ بِالرَّبَذَةِ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ مُشَنَّفَةٌ لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَرُ الْمَجَاسِدِ وَلا الْخَلُوقِ. قَالَ فَقَالَ: أَلا تَنْظُرُونَ مَا تَأْمُرُنِي بِهِ هَذِهِ السُّوَيْدَاءُ؟ تَأْمُرُنِي أَنْ آتِيَ الْعِرَاقَ فَإِذَا أَتَيْتُ الْعِرَاقَ مَالُوا عَلَيَّ بِدُنْيَاهُمْ. أَلا وَإِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّ دُونَ جِسْرِ جَهَنَّمَ طَرِيقًا ذَا دَحَضٍ وَمَزَلَّةٍ. وَإِنَّا أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ وَفِي أَحْمَالِنَا اقْتِدَارٌ أَحْرَى أَنْ نَنْجُوَ مِنْ أَنْ نَأْتِيَ عَلَيْهِ ونحن مواقير. قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ يَمِيدُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ مَطْلِعَ الشَّمْسِ فَظَنَنْتُهُ نَائِمًا فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: أَنَائِمٌ أَنْتَ يَا أَبَا ذَرٍّ؟ فَقَالَ: لا بل كنت أصلي. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ تَبِعْتُهُ جُوَيْرِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ هَذِهِ ابْنَتَكَ؟ قال: تزعم أمها ذاك. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: كُسِيَ أَبُو ذَرٍّ بُرْدَيْنِ فَأَتَّزَرَ بِأَحَدِهِمَا وَارْتَدَى بِشَمْلَةٍ وَكَسَا أَحَدَهُمَا غُلامَهُ. ثُمَّ خَرَجَ عَلَى القوم فقالوا له: لو كنت لبستهما جَمِيعًا كَانَ أَجْمَلَ. قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنِّي . قَالَ: أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ قَالَ: صَحِبْتُ أَبَا ذَرٍّ فَأَعْجَبَتْنِي أَخْلاقُهُ كُلُّهَا إلا خلق واحد. قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ الْخُلُقُ؟ قَالَ: كَانَ رَجُلا فَطِنًا فَكَانَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلاءِ انْتَضَحَ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64245&book=5556#02e55a
أبو ذر اسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة بن حرام بن غفار بن مليل
- أبو ذر. اسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة بن حرام بن غفار بن مليل. أمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار بن مليل, ويقال: جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار. مات بالربذة سنة اثنتين وثلاثين, وصلى عليه عبد الله بن مسعود.
- أبو ذر. اسمه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الوقيعة بن حرام بن غفار بن مليل. أمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار بن مليل, ويقال: جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار. مات بالربذة سنة اثنتين وثلاثين, وصلى عليه عبد الله بن مسعود.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=157493&book=5556#4e737c
أَبُو جَعْفَرٍ بنُ حَمْدَانَ أَحْمَدُ بنُ حَمْدَانَ بنِ عَلِيٍّ
الإِمَامُ، الحَافِظُ الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، المجَابُ الدَّعوَة، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْدَانَ بنِ عَلِيِّ بنِ سِنَان الحِيْرِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَالدُ الشَّيْخَيْن: أَبِي العَبَّاسِ مُحَمَّد، وَأَبِي عَمْرٍو مُحَمَّد.
مَوْلِدُهُ فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ قَبْل ذَلِكَ.
وَسَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ الأَزْهَر، وَعَبْدَ اللهِ بنَ هَاشِمٍ الطُّوْسِيّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بِشْر، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيّ، فَمَنْ بَعْدهُم بِبَلَدِهِ، وَارْتَحَلَ وَحَجّ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي يَحْيَى بن أَبِي مَيْسَرَة، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ أَبِي غرَزَة الغِفَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل القَاضِي، وَعُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيّ، وَالحَسَن بنِ عَلِيِّ بنِ زِيَادٍ، وَمُعَاذ بن نجدَة، وَأَمثَالِهِم.
وَارْتَحَلَ بِوَلَدِهِ أَبِي العَبَّاسِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ البَجَلِيِّ وَغَيْرهُ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِابْنه أَبِي عَمْرٍو إِلَى الحَسَنِ بنِ سُفْيَان وَأَقرَانِه، وَصَنَّفَ (الصَّحِيْحَ) المستخرجَ عَلَى (صَحِيْح مُسْلِم) وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحِيْرِيُّ الزَّاهِدُ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ، وَابْنَاهُ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو بنَ حَمْدَان يَقُوْلُ:
لَمَّا بلغَ أَبِي مِنْ
كتَاب مُسْلِم إِلَى حَدِيْث مُحَمَّد بن عَبَّاد، عَنْ سُفْيَانَ: (يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا ) لَمْ يجدْه عِنْد أَحَد عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ، فَقِيْلَ لَهُ: هُوَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ: فَرَحَلَ إِلَيْهِ قَاصداً مِنْ نَيْسَابُوْر لسَمَاع هَذَا الحَدِيْث.قُلْتُ: وَرَحَلَ لأَجل وَلَدَيْهِ، قَالَ: وَخَرَجَ أَبِي - عَلَى كِبَرِ السِّنّ - إِلَى جُرْجَان ليسمعَ مِنْ عِمْرَان بن مُوْسَى بن مجَاشِع حَدِيْثَ سُوَيْد بن سَعِيْد، عَنْ حَفْص بن مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ أَتَاهُم آتٍ) وَذَكَرَ الحَدِيْثَ، وَسَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كُلّ مَا قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي فُلاَن، فَهُوَ مُنَاولَةٌ وَعَرْض.
وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يَقُوْلُ: كَانَ أَبِي يُحْيي اللَّيْل.
الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الشُّعَيْبِيّ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو بن حَمْدَان يَقُوْلُ: عرضتُ هَذَا الحَدِيْث - يَعْنِي: الحَدِيْث الَّذِي أَسنده بَعْد - عَلَى ابْنِ عُقْدَة، فَقَالَ: حَدَّثْنَاهُ شَيْخٌ طُوَالٌ يُقَال لَهُ: ابْن سِنَانٍ.فَقُلْتُ: ذَاكَ أَبِي.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوذِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيّ، حَدَّثَنِي أَبِي أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَر بن مَنِيْعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَار، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقْتُ امرأَتِي وَهِيَ حَائِض، فسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ عُمَر رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيْضَ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكهَا، فَإِنَّ تِلْكَ العِدَّة الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاء ) .
رَوَاهُ الحَاكِم، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الحِيْرِيّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوّ.
وَبِهِ: قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ.وَبِهِ: قَالَ: وأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ النَّرْسِيّ، حَدَّثَنَا القَطَّانُ، عَنْ عُبَيْد اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ: (أَنْتِ جَمِيْلَة) .
وَبِهِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْمَاطِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّان بِهَذَا.
خَرَّجَهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي قُدَامَةَ السَّرَخْسِيّ.
قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: صحبَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ أَبَا حَفْص النَّيْسَابُوْرِيّ، وَالشَّاهَ بنَ شُجَاع.
وَكَانَ الجُنَيْد يُكَاتِبهُ، وَكَانَ أَبُو عُثْمَانَ الحِيْرِيّ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سُبل الخَائِفين فليَنْظُرْ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ أَبِي فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ
وَثَلاَثِ مائَةٍ، قَبْل ابْن خُزَيْمَةَ بِأَيَّام، وَكَانَ أَبِي يَخْتلف مَعَ أَبِي عُثْمَانَ إِلَى أَبِي حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيّ مُدَّة.قُلْتُ: مَاتَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي ثَانِي ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ كَانَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ ذِكرُهُ يَملأُ الْفَم.
خلَّفَ وَلدين مَشْهُورَيْن: أَبَا العَبَّاسِ بنَ حَمْدَان - شَيْخَ خُوَارزم - وَمسنِدَ نَيْسَابُوْر أَبَا عَمْرٍو بن حَمْدَانَ.
الإِمَامُ، الحَافِظُ الزَّاهِدُ، القُدْوَةُ، المجَابُ الدَّعوَة، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ حَمْدَانَ بنِ عَلِيِّ بنِ سِنَان الحِيْرِيُّ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَالدُ الشَّيْخَيْن: أَبِي العَبَّاسِ مُحَمَّد، وَأَبِي عَمْرٍو مُحَمَّد.
مَوْلِدُهُ فِي حُدُوْدِ الأَرْبَعِيْنَ وَمائَتَيْنِ، أَوْ قَبْل ذَلِكَ.
وَسَمِعَ: أَحْمَدَ بنَ الأَزْهَر، وَعَبْدَ اللهِ بنَ هَاشِمٍ الطُّوْسِيّ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ بِشْر، وَمُحَمَّدَ بنَ يَحْيَى الذُّهْلِيّ، فَمَنْ بَعْدهُم بِبَلَدِهِ، وَارْتَحَلَ وَحَجّ.
وَأَخَذَ عَنْ: أَبِي يَحْيَى بن أَبِي مَيْسَرَة، وَأَبِي عَمْرٍو بنِ أَبِي غرَزَة الغِفَارِيّ، وَإِسْمَاعِيْل القَاضِي، وَعُثْمَانَ بنِ سَعِيْدٍ الدَّارِمِيّ، وَالحَسَن بنِ عَلِيِّ بنِ زِيَادٍ، وَمُعَاذ بن نجدَة، وَأَمثَالِهِم.
وَارْتَحَلَ بِوَلَدِهِ أَبِي العَبَّاسِ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ أَيُّوْبَ البَجَلِيِّ وَغَيْرهُ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِابْنه أَبِي عَمْرٍو إِلَى الحَسَنِ بنِ سُفْيَان وَأَقرَانِه، وَصَنَّفَ (الصَّحِيْحَ) المستخرجَ عَلَى (صَحِيْح مُسْلِم) وَكَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ العِلْمِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو عُثْمَانَ سَعِيْدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ الحِيْرِيُّ الزَّاهِدُ، وَأَبُو عَلِيٍّ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الحَافِظُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ سَعْدٍ، وَأَبُو الوَلِيْدِ حَسَّانُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو العَبَّاسِ بنُ عُقْدَةَ، وَابْنَاهُ، وَطَائِفَةٌ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو بنَ حَمْدَان يَقُوْلُ:
لَمَّا بلغَ أَبِي مِنْ
كتَاب مُسْلِم إِلَى حَدِيْث مُحَمَّد بن عَبَّاد، عَنْ سُفْيَانَ: (يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا ) لَمْ يجدْه عِنْد أَحَد عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ، فَقِيْلَ لَهُ: هُوَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى المَوْصِلِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّادٍ: فَرَحَلَ إِلَيْهِ قَاصداً مِنْ نَيْسَابُوْر لسَمَاع هَذَا الحَدِيْث.قُلْتُ: وَرَحَلَ لأَجل وَلَدَيْهِ، قَالَ: وَخَرَجَ أَبِي - عَلَى كِبَرِ السِّنّ - إِلَى جُرْجَان ليسمعَ مِنْ عِمْرَان بن مُوْسَى بن مجَاشِع حَدِيْثَ سُوَيْد بن سَعِيْد، عَنْ حَفْص بن مَيْسَرَةَ، عَنْ مُوْسَى بنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: (بَيْنَمَا النَّاسُ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ إِذْ أَتَاهُم آتٍ) وَذَكَرَ الحَدِيْثَ، وَسَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو، سَمِعْتُ أَبِي يَقُوْلُ: كُلّ مَا قَالَ البُخَارِيُّ: قَالَ لِي فُلاَن، فَهُوَ مُنَاولَةٌ وَعَرْض.
وَسَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يَقُوْلُ: كَانَ أَبِي يُحْيي اللَّيْل.
الحَاكِم: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيْدٍ الشُّعَيْبِيّ، سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو بن حَمْدَان يَقُوْلُ: عرضتُ هَذَا الحَدِيْث - يَعْنِي: الحَدِيْث الَّذِي أَسنده بَعْد - عَلَى ابْنِ عُقْدَة، فَقَالَ: حَدَّثْنَاهُ شَيْخٌ طُوَالٌ يُقَال لَهُ: ابْن سِنَانٍ.فَقُلْتُ: ذَاكَ أَبِي.
أَخْبَرَنَا أَبُو الفَضْلِ أَحْمَدُ بنُ هِبَةِ اللهِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَتِسْعِيْنَ، عَنْ عَبْدِ المُعِزِّ بنِ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بنُ طَاهِرٍ فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ الكَنْجَرُوذِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَمْرٍو الحِيْرِيّ، حَدَّثَنِي أَبِي أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الأَزْهَر بن مَنِيْعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ دِيْنَار، عَنْ أَبِيْهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقْتُ امرأَتِي وَهِيَ حَائِض، فسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ عُمَر رَسُوْل اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ، ثُمَّ تَحِيْضَ حَيْضَةً أُخْرَى ثُمَّ تَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا إِنْ شَاءَ أَوْ يُمْسِكهَا، فَإِنَّ تِلْكَ العِدَّة الَّتِي أَمَرَ اللهُ أَنْ تُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاء ) .
رَوَاهُ الحَاكِم، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الحِيْرِيّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوّ.
وَبِهِ: قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي أَبُو جَعْفَرٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ القَطَّانُ.وَبِهِ: قَالَ: وأَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ النَّرْسِيّ، حَدَّثَنَا القَطَّانُ، عَنْ عُبَيْد اللهِ بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ، وَقَالَ: (أَنْتِ جَمِيْلَة) .
وَبِهِ: قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ إِسْحَاقَ الأَنْمَاطِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى القَطَّان بِهَذَا.
خَرَّجَهُ مُسْلِم عَنْ أَبِي قُدَامَةَ السَّرَخْسِيّ.
قَالَ أَبُو عَبْد الرَّحْمَنِ السُّلَمِيّ: صحبَ الشَّيْخُ أَبُو جَعْفَرٍ أَبَا حَفْص النَّيْسَابُوْرِيّ، وَالشَّاهَ بنَ شُجَاع.
وَكَانَ الجُنَيْد يُكَاتِبهُ، وَكَانَ أَبُو عُثْمَانَ الحِيْرِيّ يَقُوْلُ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سُبل الخَائِفين فليَنْظُرْ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ.
قَالَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو يَقُوْلُ:
تُوُفِّيَ أَبِي فِي سَنَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ
وَثَلاَثِ مائَةٍ، قَبْل ابْن خُزَيْمَةَ بِأَيَّام، وَكَانَ أَبِي يَخْتلف مَعَ أَبِي عُثْمَانَ إِلَى أَبِي حَفْصٍ النَّيْسَابُوْرِيّ مُدَّة.قُلْتُ: مَاتَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي ثَانِي ذِي القَعْدَةِ مِنْ سَنَة إِحْدَى عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، وَقَدْ كَانَ الإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ ذِكرُهُ يَملأُ الْفَم.
خلَّفَ وَلدين مَشْهُورَيْن: أَبَا العَبَّاسِ بنَ حَمْدَان - شَيْخَ خُوَارزم - وَمسنِدَ نَيْسَابُوْر أَبَا عَمْرٍو بن حَمْدَانَ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=117366&book=5556#5a8e79
أبو حازم . عبد الرحمن بن حازم. روى عن مجاهد. روى عنه الفضيل بن غزوان - مجهول.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=117366&book=5556#1b9d01
أَبُو حَازِمٍ وَالِدُ كَرِيمٍ، ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي الْوُحْدَانِ
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جُبَارَةُ بْنُ مُغَلِّسٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ كَرِيمِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «اخْتَصَمَ رَجُلَانِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلَدٍ , فَقَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدِهِمَا»
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثنا جُبَارَةُ بْنُ مُغَلِّسٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ، عَنْ كَرِيمِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «اخْتَصَمَ رَجُلَانِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَلَدٍ , فَقَضَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَحَدِهِمَا»
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=117366&book=5556#81fee1
أَبُو حازم
والد قيس بْن أبي حازم الأحمسي، كوفي، اختلف فِي اسمه، فقيل: عوف بن الحارث. وقيل: عبد عوف بن الحارث. وقيل: حصين ابن عوف. وَقَالَ خليفة: اسم أبي حازم والد قيس: عوف بن عبد عوف ابن خنيس بْن هلال بْن الحارث بْن رزاح بن كليب بن عمرو بن لؤيّ ابن رهم بْن معاوية بْن أحمس بْن الغوث بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث الأحمسي، له صحبة، هكذا نسبه خليفة وابن السكن، وخالفا الْوَاقِدِيّ فِي بعض الأسماء.
رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقُمْتُ فِي الشَّمْسِ، فَأَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى الظِّلِّ. وَقَدْ غَلَطَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الصَّحَابَةِ فَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا حَازِمٍ الأَنْصَارِيَّ لِحَدِيثٍ رواه حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي حَازِمٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ: لا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ. وهذا أَبُو حازم التمار اسمه دينار مولى أبي رهم الغفاري، يروي عَنِ البياضي، وأبي هريرة، وابن حديدة، وَهُوَ من صغار التابعين لا كبارهم، لا يشتبه ولا يشك أنه لا صحبة له عَلَى من له أدنى علم بهذا الشأن.
وحديثه هَذَا إنما يرويه عَنِ البياضي كذلك. قَالَ مالك وغيره: والبياضي هَذَا اسمه فروة بْن عَمْرو بن ودقة بن عبيد بن عامر بن بياضة. هَذَا وبياضة فخذ من الأنصار من الخزرج. وقد مضى ذكره ونسبه إلى الخزرج فِيمَا تقدم من هَذَا الكتاب فِي بابه منه مجوّدا هناك. والحمد للَّه.
والد قيس بْن أبي حازم الأحمسي، كوفي، اختلف فِي اسمه، فقيل: عوف بن الحارث. وقيل: عبد عوف بن الحارث. وقيل: حصين ابن عوف. وَقَالَ خليفة: اسم أبي حازم والد قيس: عوف بن عبد عوف ابن خنيس بْن هلال بْن الحارث بْن رزاح بن كليب بن عمرو بن لؤيّ ابن رهم بْن معاوية بْن أحمس بْن الغوث بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث الأحمسي، له صحبة، هكذا نسبه خليفة وابن السكن، وخالفا الْوَاقِدِيّ فِي بعض الأسماء.
رَوَى شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقُمْتُ فِي الشَّمْسِ، فَأَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى الظِّلِّ. وَقَدْ غَلَطَ بَعْضُ مَنْ أَلَّفَ فِي الصَّحَابَةِ فَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا حَازِمٍ الأَنْصَارِيَّ لِحَدِيثٍ رواه حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبي حَازِمٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الْحَدِيثَ: لا يَجْهَرُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ. وهذا أَبُو حازم التمار اسمه دينار مولى أبي رهم الغفاري، يروي عَنِ البياضي، وأبي هريرة، وابن حديدة، وَهُوَ من صغار التابعين لا كبارهم، لا يشتبه ولا يشك أنه لا صحبة له عَلَى من له أدنى علم بهذا الشأن.
وحديثه هَذَا إنما يرويه عَنِ البياضي كذلك. قَالَ مالك وغيره: والبياضي هَذَا اسمه فروة بْن عَمْرو بن ودقة بن عبيد بن عامر بن بياضة. هَذَا وبياضة فخذ من الأنصار من الخزرج. وقد مضى ذكره ونسبه إلى الخزرج فِيمَا تقدم من هَذَا الكتاب فِي بابه منه مجوّدا هناك. والحمد للَّه.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=117366&book=5556#1ef94e
أَبُو حَازِم وَالِد قيس اسْمه عَوْف بن الْحَارِث