دَاوُد بْن عَلِيّ بْن خلف، أَبُو سُلَيْمَان الفقيه الظاهري :
أصبهاني الأصل. سمع سُلَيْمَان بْن حرب، وعمرو بن مرزوق، والقعنبي، ومحمّد ابن كثير العبدي، وَمسددا وَرحل إِلَى نيسابور. فسمع من إسحاق بْن راهويه المسند وَالتفسير، ثُمَّ قدم بَغْدَاد فسكنها وَصنف كتبه بها. وهو إمام أصحاب الظاهر، وَكَانَ وَرعا ناسكا زاهدا. وَفي كتبه حَدِيث كثير، إِلا أن الرواية عنه عزيزة جدا، روى عنه ابنه مُحَمَّد، وَزكريا بْن يَحْيَى الساجي، وَيوسف بْن يعقوب بْن مهران الداودي، وَالعباس بْن أَحْمَد المذكر.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طالب حدثَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحسنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الجراحي حدّثنا أبو عيسى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ مِهْرَانَ الدَّاوُدِيُّ.
وأَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر بْنِ إِسْمَاعِيلَ الدّاودي حدثنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشّاهد حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُذَكِّرُ الْخَضِيبُ- فِي سُوقِ الْعَطَشِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وعشرين وثلاثمائة. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بن خلف حدّثني إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدّثنا عيسى بن يونس حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلِلثَّيِّبِ نَصِيبٌ مِنْ أَمْرِهَا مَا لَمْ تَدْعُ إِلَى
سَخْطَةٍ، فَإِذَا دَعَتْ إِلَى سَخْطَةٍ وَأَوْلِيَاؤُهَا إِلَى الرضى، رُفِعَ شَأْنُهَا إِلَى السُّلْطَانِ »
. قَالَ إِسْحَاقُ فَقُلْتُ لِعِيسَى: آخِرُ الْكَلامِ مِنْ كَلامِ الزُّهْرِيِّ أَوَ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ فَلا أدري.
أخبرنا محمّد بن عمر الدّاودي حدّثنا عبد الله بن محمّد الشّاهد حدّثنا العبّاس بن أحمد المذكر حدّثنا داود بن عليّ بن خلف حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ »
. وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »
. هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُنْكَرَانِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَالْحِمْلُ فِيهِمَا عِنْدِي عَلَى الْمُذَكِّرِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ ثِقَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن علي المقرئ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد اللَّه الحافظ النَّيْسَابُورِيّ قَالَ قرأت بخط أَبِي عمرو المستملي سمعت دَاوُد بْن عَلِيّ الأَصْبَهَانِيّ يرد على إسحاق- يعني ابْن راهويه- وَما رأيت أحدا قبله وَلا بعده يرد عَلَيْهِ هيبة له.
قرأت فِي أصل كِتَابِ أَبِي عَبْد اللَّهِ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن دوست- بخطه- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُقْسِمٍ قَالَ: سمعت أبا الْعَبَّاس ثعلبا- وَقد سئل عَنْ دَاوُد الأَصْبَهَانِيّ- فَقَالَ: كَانَ عقله أكثر من علمه.
حَدَّثَنِي أَبُو الْفَرَج مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الخرجوشي قَالَ سمعت الْقَاضِي أبا علي الْحَسَن بْن مُحَمَّد الشَّافِعِيّ يقول سمعت الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل الْمَحَامِلِيّ يقول:
رأيت دَاوُد بْن عَلِيّ يصلي فما رأيت مسلما يشبهه فِي حسن تواضعه.
حَدَّثَنَا عبد العزيز بن عليّ الورّاق حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ الهمذاني- بمكة- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْحُسَيْن قَالَ: سمعت أبا عبد الله بن الْمَحَامِلِيّ يقول: صليت صلاة العيد يوم فطر فِي جامع الْمَدِينَة، فلما انصرفت، قلت فِي نفسي أدخل على داود
ابن عَلِيّ أهنيه- وَكَانَ ينزل قطيعة الربيع- قَالَ فجئته وَقرعت عَلَيْهِ الباب فأذن لي، فدخلت عَلَيْهِ وَإذا بين يديه طبق فيه أوراق هندبا، وعصارة فيها نخلة وَهُوَ يأكل، فهنيته وَتعجبت من حاله، وَرأيت أن جميع ما نحن فيه من الدنيا ليس بشيء، فخرجت من عنده وَدخلت على رجل من مجندي القطيعة يعرف بالجرجاني فلما علم بمجيئي إليه خرج إلي حاسر الرأس، حافي القدمين وَقَالَ لي: ما عنى الْقَاضِي أيده اللَّه؟ فقلت مهم. قَالَ وَما هو؟ قلت فِي جوارك دَاوُد بْن عَلِيّ وَمكانه من العلم، وَأنت فكثير البر وَالرغبة فِي الخير تغفل عنه؟ وَحدثته بما رأيت. فَقَالَ لي: دَاوُد شرس الخلق أعلم الْقَاضِي أني وَجهت إليه البارحة ألف درهم مَعَ غلامي ليستعين بها فِي بعض أموره فردها مَعَ الغلام وَقَالَ للغلام، قل له: بأي عين رأيتني؟ وَما الَّذِي بلغك من حاجتي وَخلتي، حَتَّى وَجهت إلي بهذا؟ قَالَ فتعجبت من ذلك فقلت له هات الدراهم فإني أحملها إليه أنا، فدعا بها وَدفعها إلي ثُمَّ قَالَ يا غلام ناولني الكيس الآخر، فجاءه بكيس فوزن ألفا أخرى فَقَالَ: تيك لنا وَهذه لموضع الْقَاضِي وَعنايته، قَالَ: فأخذت الألفين وَجئت إليه فقرعت بابه وَكلمني من وَراء الباب وقال ما ردة الْقَاضِي؟ قلت حاجة أكلمك فيها، فدخلت وَجلست ساعة، ثُمَّ أخرجت الدراهم وَجعلتها بين يديه، فَقَالَ: هذا جزاء من ائتمنك على سره إنما بأمانة العلم أدخلتك إلي، ارجع فلا حاجة لي فيما معك.
قَالَ الْمَحَامِلِيّ: فرجعت وَقد صغرت الدنيا فِي عيني، وَدخلت على الجرجاني فأخبرته بما كَانَ. فَقَالَ: أما أنا فقد أخرجت هذه الدراهم لله تعالى لا ترجع فِي مالي هذا، فليتول الْقَاضِي إخراجها فِي أَهْل الستر وَالعفاف، من المتجملين بالستر وَالصيانة على ما يراه، فقد أخرجتها عَنْ قلبي.
حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الدَّسْكَرِيُّ- بِحُلْوَانَ- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ قَالَ سمعت عَلِيّ بْن حمزة قَالَ سمعت أبا بَكْر بْن دَاوُد يقول سمعت أَبِي يقول: خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عُمَر بْن روح النهرواني أخبرنا المعافى بن زكريّا حدّثنا إبراهيم ابن مُحَمَّد بْن عرفة الأزدي قَالَ استنشدني أَبُو سُلَيْمَان دَاوُد بْن عَلِيّ بعقب قصيدة أنشدته مدحته فيها وَسألته الجلوس فأجابني. وَقَالَ لي- فِي شيء منها- لو بدلت مكانه. فقلت له هذا كلام العرب فَقَالَ: أحسن الشعر ما دخل القلب بلا إذن- هذا
بعد أن بدلت الكلمة- فَقَالَ لي إنسان بحضرته: ما أشد ولو عك بذكر الفراق فِي شعرك؟ فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وأى شيء أمر من الفراق؟
ثُمَّ حكى عَنْ مُحَمَّد بْن حبيب عَنْ عمارة بْن عقيل عَنْ بلال بْن جرير أنه قيل له ما كَانَ أبوك صانعا حيث يقول:
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
قَالَ: كَانَ يقلع عينه وَلا يرى مظعن أحبابه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال سمعت أبا الْحَسَن حيدرة بْن عُمَر الزندوردي الفقيه الداودي- بمكة- يقول سمعتُ أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن دَاوُد بْن عَلِيّ يقول سمعت أَبِي وَقَالَ له رجل: يا أبا سُلَيْمَان فعلت كذا وَكذا شكر اللَّه لك قَالَ: بل غفر اللَّه لي.
قَالَ: وَسمعت حيدرة بْن عُمَر يقول سمعت أبا الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن عَلِيّ الفقيه يقول: كَانَ مُحَمَّد بْن جرير من مختلفة دَاوُد بْن عَلِيّ، ثُمَّ تخلف عنه وَعقد مجلسا، فلما أخبر بذلك دَاوُد أنشأ يقول:
فلو أني بليت بهاشمي ... خئولته بنو عَبْد المدان
صبرت على أذيته وَلكن ... تعالي فانظري بمن ابتلاني
قلت: وَكَانَ دَاوُد قد حكي لأحمد بْن حَنْبَل عنه قولا فِي القرآن بدعه فيه وَامتنع من الاجتماع معه بسببه.
فأنبأنا أبو بكر البرقانيّ حدّثنا يعقوب بن موسى الأردبيلي حدّثنا أحمد بن طاهر ابن النّجم حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَمْرو البرذعي. قَالَ: كنا عند أَبِي زرعة، فاختلف رجلان من أصحابنا في أمر داود الأصبهانيّ والمزني، وهم فضل الرَّازِيّ، وَعبد الرحمن بْن خراش البغدادي، فَقَالَ ابْن خراش: دَاوُد كافر، وَقَالَ فضل المزني: جاهل، وَنحو هذا من الكلام، فأقبل عليهما أَبُو زرعة يوبخهما وَقَالَ لهما: ما وَاحد منهما لكما بصاحب، ثُمَّ قَالَ: من كَانَ عنده علم فلم يصنه، وَلم يقتصر عَلَيْهِ. وَالتجأ إِلَى الكلام، فما فِي أيديكما منه شيء. ثُمَّ قَالَ: إن الشَّافِعِيّ لا أعلم تكلم فِي كتبه بشيء من هذا الفضول الذي قد أحدثوه، ولا أدرى امتنع من ذلك إِلا ديانة، وَصانه اللَّه لما أراد أن ينفذ حكمته، ثُمَّ قَالَ: هؤلاء المتكلمون لا تكونوا منهم بسبيل فإن آخر أمرهم يرجع إِلَى شيء مكشوف ينكشفون عنه، وَإنما يتموه أمرهم سنة، سنتين، ثُمَّ ينكشف، فلا
أرى لأحد أن يناضل عَنْ أحد من هؤلاء، فإنهم إن تهتكوا يوما قيل لهذا المناضل أنت من أصحابه، وَإن طلب يوما طلب هذا به، لا ينبغي لمن يعقل أن يمدح هؤلاء، ثُمَّ قَالَ لي: ترى دَاوُد هذا؟ لو اقتصر على ما يقتصر عَلَيْهِ أَهْل العلم لظننت أنه يكمد أَهْل البدع بما عنده من البيان وَالآلة، وَلكنه تعدى، لقد قدم علينا من نيسابور فكتب إلي مُحَمَّد بْن رافع وَمحمد بْن يَحْيَى وَعمرو بْن زرارة وَحسين بْن منصور وَمشيخة نيسابور بما أحدث هناك، فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه، وَلم أبدله شيئا من ذلك، فقدم بَغْدَاد وَكَانَ بينه وَبين صالح بْن أَحْمَد حسن، فكلم صالحا أن يتلطف له فِي الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه فَقَالَ له: رجل سألني أن يأتيك؟ قَالَ ما اسمه؟ قَالَ دَاوُد، قَالَ من أين؟ قَالَ من أَهْل أصبهان، قَالَ: أي شيء صناعته؟ قَالَ وَكَانَ صالح يروغ عَنْ تعريفه إياه، فما زال أَبُو عَبْد اللَّهِ يفحص عنه حَتَّى فطن فَقَالَ هذا قد كتب إلي مُحَمَّد بْن يَحْيَى النيسابوري فِي أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني. قَالَ يا أبت ينتفي من هذا وَينكره، فَقَالَ أَبُو عَبْد الله: أحمد بن مُحَمَّد بْن يَحْيَى أصدق منه، لا تأذن له فِي المصير إلي.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر عن أحمد بن كامل القاضي. قَالَ: وَفي شهر رمضان منها- يعني سنة سبعين وَمائتين- مات دَاوُد بْن عَلِيّ بْن خلف الأَصْبَهَانِيّ يكنى أبا سُلَيْمَان، وَهُوَ أول من أظهر انتحال الظاهر، وَنفى القياس فِي الأحكام قولا، وَاضطر إليه فعلا، فسماه دليلا.
وَأَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل الْمَحَامِلِيّ- وَكَانَ به خبيرا- قَالَ: كَانَ دَاوُد جاهلا بالكلام.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَبْد اللَّهِ الوراق أنه كَانَ يورق على دَاوُد، وَأنه سمعه- وَسئل عَنِ القرآن- فَقَالَ أما الَّذِي فِي اللوح المحفوظ فغير مخلوق، وَأما الَّذِي هو بين الناس فمخلوق.
أَخْبَرَنِي الأزهري حدّثنا محمّد بن حميد اللّخميّ حدّثنا القاضي بن كامل إملاء- قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّهِ الورّاق المعروف بجوار. قَالَ: كنت أورق على دَاوُد الأَصْبَهَانِيّ، وَكنت عنده يوما فِي دهليزه مَعَ جماعة من الغرباء، فسئل عَنِ القرآن فَقَالَ: القرآن الَّذِي قَالَ اللَّه تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
[الواقعة 79] وقال:
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ
[الواقعة 78] غير مخلوق، وَأما الَّذِي بين أظهرنا يمسه الحائض
وَالجنب فهو مخلوق. قَالَ الْقَاضِي: هذا مذهب يذهب إليه الناشئ المتكلم، وَهُوَ كفر بالله، صح الخبر عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، مخافة أن يناله العدو. فجعل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كتب في المصاحف، والصحف، والألواح وغيرهما قرآنا. وَالقرآن على أي وَجه قرئ وَتلي فهو وَاحد غير مخلوق.
أَخْبَرَنِي عُبَيْد اللَّهِ بن أبي الفتح حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بْن خلف أنشدني أَبُو الْعَبَّاس عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الناشئ يهجو دَاوُد بْن عَلِيّ الأَصْبَهَانِيّ:
أقول كما قَالَ الخليل بْن أحمد ... وإن شئت ما بين النظامين فِي الشعر
عذلت على ما لو علمت ببعضه ... فسحت مكان اللوم وَالعذل من عذر
جهلت وَلم تعلم بأنك جاهل ... فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري؟!
قَالَ لي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري: وَلد دَاوُد بْن عَلِيّ الأَصْبَهَانِيّ وَإسماعيل بْن إسحاق القاضي في سنة مائتين.
وقلت: وَكذلك حكى الدارقطني عَنْ أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن نصر الْقَاضِي الذهلي أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر الداودي قَالَ قَالَ لنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّه الشاهد قَالَ لنا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّهِ المنادي:
مات دَاوُد بْن عَلِيّ بْن خلف أَبُو سُلَيْمَان الفقيه المعروف بالأصبهاني فِي ذي القعدة سنة سبعين وَمائتين، وَدفن فِي منزله، وقد بلغ فيما بلغنا ثمان وَستين سنة، وَقيل إن ميلاده كَانَ سنة اثنتين وَمائتين، وَفي كتبه حَدِيث صالح كَانَ يرويه فيها.
وأخبرنا الدّاودي حدّثنا عبد الله بن محمّد الشّاهد حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن يعقوب القلالي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن دَاوُد الأَصْبَهَانِيّ. قَالَ: رأيت أَبِي دَاوُد فِي المنام، فقلت: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ غفر لي وَسامحني، قلت: غفر لك ثم سامحك؟ قَالَ: يا بني الأمر عظيم، وَالويل كل الويل لمن لم يسامح.
أصبهاني الأصل. سمع سُلَيْمَان بْن حرب، وعمرو بن مرزوق، والقعنبي، ومحمّد ابن كثير العبدي، وَمسددا وَرحل إِلَى نيسابور. فسمع من إسحاق بْن راهويه المسند وَالتفسير، ثُمَّ قدم بَغْدَاد فسكنها وَصنف كتبه بها. وهو إمام أصحاب الظاهر، وَكَانَ وَرعا ناسكا زاهدا. وَفي كتبه حَدِيث كثير، إِلا أن الرواية عنه عزيزة جدا، روى عنه ابنه مُحَمَّد، وَزكريا بْن يَحْيَى الساجي، وَيوسف بْن يعقوب بْن مهران الداودي، وَالعباس بْن أَحْمَد المذكر.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي طالب حدثَنَا الْقَاضِي أَبُو الْحسنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الجراحي حدّثنا أبو عيسى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ مِهْرَانَ الدَّاوُدِيُّ.
وأَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عُمَر بْنِ إِسْمَاعِيلَ الدّاودي حدثنا عَبْد اللَّه بْن مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الشّاهد حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْعَبَّاسُ بْنُ أَحْمَدَ الْمُذَكِّرُ الْخَضِيبُ- فِي سُوقِ الْعَطَشِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وعشرين وثلاثمائة. قَالا: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ دَاوُدُ بْنُ عَلِيِّ بن خلف حدّثني إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حدّثنا عيسى بن يونس حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُرَّةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلِلثَّيِّبِ نَصِيبٌ مِنْ أَمْرِهَا مَا لَمْ تَدْعُ إِلَى
سَخْطَةٍ، فَإِذَا دَعَتْ إِلَى سَخْطَةٍ وَأَوْلِيَاؤُهَا إِلَى الرضى، رُفِعَ شَأْنُهَا إِلَى السُّلْطَانِ »
. قَالَ إِسْحَاقُ فَقُلْتُ لِعِيسَى: آخِرُ الْكَلامِ مِنْ كَلامِ الزُّهْرِيِّ أَوَ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ فَلا أدري.
أخبرنا محمّد بن عمر الدّاودي حدّثنا عبد الله بن محمّد الشّاهد حدّثنا العبّاس بن أحمد المذكر حدّثنا داود بن عليّ بن خلف حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا نِكَاحَ إِلا بِوَلِيٍّ »
. وَبِإِسْنَادِهِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ. قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «من آذَى ذِمِّيًّا فَأَنَا خَصْمُهُ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ »
. هَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُنْكَرَانِ بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَالْحِمْلُ فِيهِمَا عِنْدِي عَلَى الْمُذَكِّرِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ ثِقَةٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
أَخْبَرَنِي مُحَمَّد بْن علي المقرئ أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد اللَّه الحافظ النَّيْسَابُورِيّ قَالَ قرأت بخط أَبِي عمرو المستملي سمعت دَاوُد بْن عَلِيّ الأَصْبَهَانِيّ يرد على إسحاق- يعني ابْن راهويه- وَما رأيت أحدا قبله وَلا بعده يرد عَلَيْهِ هيبة له.
قرأت فِي أصل كِتَابِ أَبِي عَبْد اللَّهِ أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن يوسف بْن دوست- بخطه- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُقْسِمٍ قَالَ: سمعت أبا الْعَبَّاس ثعلبا- وَقد سئل عَنْ دَاوُد الأَصْبَهَانِيّ- فَقَالَ: كَانَ عقله أكثر من علمه.
حَدَّثَنِي أَبُو الْفَرَج مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الخرجوشي قَالَ سمعت الْقَاضِي أبا علي الْحَسَن بْن مُحَمَّد الشَّافِعِيّ يقول سمعت الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل الْمَحَامِلِيّ يقول:
رأيت دَاوُد بْن عَلِيّ يصلي فما رأيت مسلما يشبهه فِي حسن تواضعه.
حَدَّثَنَا عبد العزيز بن عليّ الورّاق حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن عَبْد اللَّهِ الهمذاني- بمكة- حَدَّثَنِي أَحْمَد بْن الْحُسَيْن قَالَ: سمعت أبا عبد الله بن الْمَحَامِلِيّ يقول: صليت صلاة العيد يوم فطر فِي جامع الْمَدِينَة، فلما انصرفت، قلت فِي نفسي أدخل على داود
ابن عَلِيّ أهنيه- وَكَانَ ينزل قطيعة الربيع- قَالَ فجئته وَقرعت عَلَيْهِ الباب فأذن لي، فدخلت عَلَيْهِ وَإذا بين يديه طبق فيه أوراق هندبا، وعصارة فيها نخلة وَهُوَ يأكل، فهنيته وَتعجبت من حاله، وَرأيت أن جميع ما نحن فيه من الدنيا ليس بشيء، فخرجت من عنده وَدخلت على رجل من مجندي القطيعة يعرف بالجرجاني فلما علم بمجيئي إليه خرج إلي حاسر الرأس، حافي القدمين وَقَالَ لي: ما عنى الْقَاضِي أيده اللَّه؟ فقلت مهم. قَالَ وَما هو؟ قلت فِي جوارك دَاوُد بْن عَلِيّ وَمكانه من العلم، وَأنت فكثير البر وَالرغبة فِي الخير تغفل عنه؟ وَحدثته بما رأيت. فَقَالَ لي: دَاوُد شرس الخلق أعلم الْقَاضِي أني وَجهت إليه البارحة ألف درهم مَعَ غلامي ليستعين بها فِي بعض أموره فردها مَعَ الغلام وَقَالَ للغلام، قل له: بأي عين رأيتني؟ وَما الَّذِي بلغك من حاجتي وَخلتي، حَتَّى وَجهت إلي بهذا؟ قَالَ فتعجبت من ذلك فقلت له هات الدراهم فإني أحملها إليه أنا، فدعا بها وَدفعها إلي ثُمَّ قَالَ يا غلام ناولني الكيس الآخر، فجاءه بكيس فوزن ألفا أخرى فَقَالَ: تيك لنا وَهذه لموضع الْقَاضِي وَعنايته، قَالَ: فأخذت الألفين وَجئت إليه فقرعت بابه وَكلمني من وَراء الباب وقال ما ردة الْقَاضِي؟ قلت حاجة أكلمك فيها، فدخلت وَجلست ساعة، ثُمَّ أخرجت الدراهم وَجعلتها بين يديه، فَقَالَ: هذا جزاء من ائتمنك على سره إنما بأمانة العلم أدخلتك إلي، ارجع فلا حاجة لي فيما معك.
قَالَ الْمَحَامِلِيّ: فرجعت وَقد صغرت الدنيا فِي عيني، وَدخلت على الجرجاني فأخبرته بما كَانَ. فَقَالَ: أما أنا فقد أخرجت هذه الدراهم لله تعالى لا ترجع فِي مالي هذا، فليتول الْقَاضِي إخراجها فِي أَهْل الستر وَالعفاف، من المتجملين بالستر وَالصيانة على ما يراه، فقد أخرجتها عَنْ قلبي.
حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ يَحْيَى بْنُ عَلِيٍّ الدَّسْكَرِيُّ- بِحُلْوَانَ- أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُقْرِئِ قَالَ سمعت عَلِيّ بْن حمزة قَالَ سمعت أبا بَكْر بْن دَاوُد يقول سمعت أَبِي يقول: خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذن.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عُمَر بْن روح النهرواني أخبرنا المعافى بن زكريّا حدّثنا إبراهيم ابن مُحَمَّد بْن عرفة الأزدي قَالَ استنشدني أَبُو سُلَيْمَان دَاوُد بْن عَلِيّ بعقب قصيدة أنشدته مدحته فيها وَسألته الجلوس فأجابني. وَقَالَ لي- فِي شيء منها- لو بدلت مكانه. فقلت له هذا كلام العرب فَقَالَ: أحسن الشعر ما دخل القلب بلا إذن- هذا
بعد أن بدلت الكلمة- فَقَالَ لي إنسان بحضرته: ما أشد ولو عك بذكر الفراق فِي شعرك؟ فَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان: وأى شيء أمر من الفراق؟
ثُمَّ حكى عَنْ مُحَمَّد بْن حبيب عَنْ عمارة بْن عقيل عَنْ بلال بْن جرير أنه قيل له ما كَانَ أبوك صانعا حيث يقول:
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل
قَالَ: كَانَ يقلع عينه وَلا يرى مظعن أحبابه.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بن يعقوب أخبرنا محمد بن نعيم الضبي قال سمعت أبا الْحَسَن حيدرة بْن عُمَر الزندوردي الفقيه الداودي- بمكة- يقول سمعتُ أَبَا بَكْر مُحَمَّد بْن دَاوُد بْن عَلِيّ يقول سمعت أَبِي وَقَالَ له رجل: يا أبا سُلَيْمَان فعلت كذا وَكذا شكر اللَّه لك قَالَ: بل غفر اللَّه لي.
قَالَ: وَسمعت حيدرة بْن عُمَر يقول سمعت أبا الْعَبَّاس مُحَمَّد بْن عَلِيّ الفقيه يقول: كَانَ مُحَمَّد بْن جرير من مختلفة دَاوُد بْن عَلِيّ، ثُمَّ تخلف عنه وَعقد مجلسا، فلما أخبر بذلك دَاوُد أنشأ يقول:
فلو أني بليت بهاشمي ... خئولته بنو عَبْد المدان
صبرت على أذيته وَلكن ... تعالي فانظري بمن ابتلاني
قلت: وَكَانَ دَاوُد قد حكي لأحمد بْن حَنْبَل عنه قولا فِي القرآن بدعه فيه وَامتنع من الاجتماع معه بسببه.
فأنبأنا أبو بكر البرقانيّ حدّثنا يعقوب بن موسى الأردبيلي حدّثنا أحمد بن طاهر ابن النّجم حَدَّثَنَا سَعِيد بْن عَمْرو البرذعي. قَالَ: كنا عند أَبِي زرعة، فاختلف رجلان من أصحابنا في أمر داود الأصبهانيّ والمزني، وهم فضل الرَّازِيّ، وَعبد الرحمن بْن خراش البغدادي، فَقَالَ ابْن خراش: دَاوُد كافر، وَقَالَ فضل المزني: جاهل، وَنحو هذا من الكلام، فأقبل عليهما أَبُو زرعة يوبخهما وَقَالَ لهما: ما وَاحد منهما لكما بصاحب، ثُمَّ قَالَ: من كَانَ عنده علم فلم يصنه، وَلم يقتصر عَلَيْهِ. وَالتجأ إِلَى الكلام، فما فِي أيديكما منه شيء. ثُمَّ قَالَ: إن الشَّافِعِيّ لا أعلم تكلم فِي كتبه بشيء من هذا الفضول الذي قد أحدثوه، ولا أدرى امتنع من ذلك إِلا ديانة، وَصانه اللَّه لما أراد أن ينفذ حكمته، ثُمَّ قَالَ: هؤلاء المتكلمون لا تكونوا منهم بسبيل فإن آخر أمرهم يرجع إِلَى شيء مكشوف ينكشفون عنه، وَإنما يتموه أمرهم سنة، سنتين، ثُمَّ ينكشف، فلا
أرى لأحد أن يناضل عَنْ أحد من هؤلاء، فإنهم إن تهتكوا يوما قيل لهذا المناضل أنت من أصحابه، وَإن طلب يوما طلب هذا به، لا ينبغي لمن يعقل أن يمدح هؤلاء، ثُمَّ قَالَ لي: ترى دَاوُد هذا؟ لو اقتصر على ما يقتصر عَلَيْهِ أَهْل العلم لظننت أنه يكمد أَهْل البدع بما عنده من البيان وَالآلة، وَلكنه تعدى، لقد قدم علينا من نيسابور فكتب إلي مُحَمَّد بْن رافع وَمحمد بْن يَحْيَى وَعمرو بْن زرارة وَحسين بْن منصور وَمشيخة نيسابور بما أحدث هناك، فكتمت ذلك لما خفت من عواقبه، وَلم أبدله شيئا من ذلك، فقدم بَغْدَاد وَكَانَ بينه وَبين صالح بْن أَحْمَد حسن، فكلم صالحا أن يتلطف له فِي الاستئذان على أبيه، فأتى صالح أباه فَقَالَ له: رجل سألني أن يأتيك؟ قَالَ ما اسمه؟ قَالَ دَاوُد، قَالَ من أين؟ قَالَ من أَهْل أصبهان، قَالَ: أي شيء صناعته؟ قَالَ وَكَانَ صالح يروغ عَنْ تعريفه إياه، فما زال أَبُو عَبْد اللَّهِ يفحص عنه حَتَّى فطن فَقَالَ هذا قد كتب إلي مُحَمَّد بْن يَحْيَى النيسابوري فِي أمره أنه زعم أن القرآن محدث فلا يقربني. قَالَ يا أبت ينتفي من هذا وَينكره، فَقَالَ أَبُو عَبْد الله: أحمد بن مُحَمَّد بْن يَحْيَى أصدق منه، لا تأذن له فِي المصير إلي.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر عن أحمد بن كامل القاضي. قَالَ: وَفي شهر رمضان منها- يعني سنة سبعين وَمائتين- مات دَاوُد بْن عَلِيّ بْن خلف الأَصْبَهَانِيّ يكنى أبا سُلَيْمَان، وَهُوَ أول من أظهر انتحال الظاهر، وَنفى القياس فِي الأحكام قولا، وَاضطر إليه فعلا، فسماه دليلا.
وَأَخْبَرَنِي الْحُسَيْن بْن إِسْمَاعِيل الْمَحَامِلِيّ- وَكَانَ به خبيرا- قَالَ: كَانَ دَاوُد جاهلا بالكلام.
وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَبْد اللَّهِ الوراق أنه كَانَ يورق على دَاوُد، وَأنه سمعه- وَسئل عَنِ القرآن- فَقَالَ أما الَّذِي فِي اللوح المحفوظ فغير مخلوق، وَأما الَّذِي هو بين الناس فمخلوق.
أَخْبَرَنِي الأزهري حدّثنا محمّد بن حميد اللّخميّ حدّثنا القاضي بن كامل إملاء- قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّهِ الورّاق المعروف بجوار. قَالَ: كنت أورق على دَاوُد الأَصْبَهَانِيّ، وَكنت عنده يوما فِي دهليزه مَعَ جماعة من الغرباء، فسئل عَنِ القرآن فَقَالَ: القرآن الَّذِي قَالَ اللَّه تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ
[الواقعة 79] وقال:
فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ
[الواقعة 78] غير مخلوق، وَأما الَّذِي بين أظهرنا يمسه الحائض
وَالجنب فهو مخلوق. قَالَ الْقَاضِي: هذا مذهب يذهب إليه الناشئ المتكلم، وَهُوَ كفر بالله، صح الخبر عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنه نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، مخافة أن يناله العدو. فجعل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما كتب في المصاحف، والصحف، والألواح وغيرهما قرآنا. وَالقرآن على أي وَجه قرئ وَتلي فهو وَاحد غير مخلوق.
أَخْبَرَنِي عُبَيْد اللَّهِ بن أبي الفتح حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس الخزاز قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بْن خلف أنشدني أَبُو الْعَبَّاس عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد الناشئ يهجو دَاوُد بْن عَلِيّ الأَصْبَهَانِيّ:
أقول كما قَالَ الخليل بْن أحمد ... وإن شئت ما بين النظامين فِي الشعر
عذلت على ما لو علمت ببعضه ... فسحت مكان اللوم وَالعذل من عذر
جهلت وَلم تعلم بأنك جاهل ... فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري؟!
قَالَ لي مُحَمَّد بْن عَلِيّ الصوري: وَلد دَاوُد بْن عَلِيّ الأَصْبَهَانِيّ وَإسماعيل بْن إسحاق القاضي في سنة مائتين.
وقلت: وَكذلك حكى الدارقطني عَنْ أَبِي طاهر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن نصر الْقَاضِي الذهلي أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عُمَر الداودي قَالَ قَالَ لنا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّه الشاهد قَالَ لنا أَبُو الْحُسَيْن أَحْمَد بْن جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّهِ المنادي:
مات دَاوُد بْن عَلِيّ بْن خلف أَبُو سُلَيْمَان الفقيه المعروف بالأصبهاني فِي ذي القعدة سنة سبعين وَمائتين، وَدفن فِي منزله، وقد بلغ فيما بلغنا ثمان وَستين سنة، وَقيل إن ميلاده كَانَ سنة اثنتين وَمائتين، وَفي كتبه حَدِيث صالح كَانَ يرويه فيها.
وأخبرنا الدّاودي حدّثنا عبد الله بن محمّد الشّاهد حَدَّثَنِي عَبْد اللَّهِ بْن مُحَمَّد بْن يعقوب القلالي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن دَاوُد الأَصْبَهَانِيّ. قَالَ: رأيت أَبِي دَاوُد فِي المنام، فقلت: ما فعل اللَّه بك؟ قَالَ غفر لي وَسامحني، قلت: غفر لك ثم سامحك؟ قَالَ: يا بني الأمر عظيم، وَالويل كل الويل لمن لم يسامح.