Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
http://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=150936&book=5540#91045e
داود بن إيشا بن عوبد بن باعز
ابن سلمون بن نحشون بن عونبارب بن إرم بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ويقال: داود بن زكريا بن بشوى نبي الله وخليفته في أرضه، من أهل بيت المقدس. روي أنه جاء إلى ناحية دمشق، وقتل جالوت عند قصر أم حكيم بقرب مرج الصفر.
حدث سعيد بن عبد العزيز، قال: في قول الله عز وجل: " إن الله مبتليكم بنهر، فمن شرب منه فليس مني، ومن لم يطعمه فإنه مني " قال: هو النهر الذي عند قنطرة أم حكيم بنت الحارث بن هشام. وقال سعيد بن عبد العزيز: وقيل: غسل يحيى لعيسى عليهما السلام.
كان سبب ما أراد الله عز وجل من الخير والكرامة بداود انه كان داود مع أربعة إخوة له، وكان أبوهم شيخاً كبيراً، فخرج إخوة داود مع طالوت وتخلف أبوهم، وأمسك داود يرعى غنماً له، وقد تقارب الناس للقتال، ودنا بعضهم من بعض؛ وكان داود رجلاً قصيراً، أزرق، أزعر قليل شعر الرأس طاهر القلب؛ فبينما هو في غنمه يرعاها إذ أتاه نداء: يا داود، انت قاتل جالوت فما تصنع هاهنا؟! استودع غنمك ربك عز وجل والحق بإخوتك، فإن طالوت قد جعل لمن يقتل جالوت نصف ماله، ويزوجه ابنته. قال: فاستودع غنمه ربه، وخرج حتى أتاه؛ فقال له: ما جاء بك؟ قال: جئت ألحق بإخوتي فأنظر ما حالهم وكره أن يخبر أباه ما سمع، وقيل إن أباه اتخذ لإخوته زاداً فقال له:
يا بني، انطلق إلى إخوتك بما لهم يتقوون به على عدوهم، فادفعه إليهم وانظر ما حالهم، وعجل الاتصراف إلي وإلى ضيعتك.
وروي عن جماعة علماء أن داود خرج ومعه زاد لإخوته، ومعه عصاه ومخلاته ومرجمته، وهي القذافة، وهي المقلاع الذي يرمي به السباع عن غنمه. قال: فبينا هو يمشي إذ ناداه حجر فقال: يا داود، احملني أقتل لك جالوت. قال: من أنت؟ قال: أنا حجر إبراهيم الذي قتل بي كذا وكذا، أنا أقتل جالوت بإذن الله. قال: فحمله، فجعله في مخلاته ثم مضى؛ فناداه حجر آخر فقال: يا داود، احملني؛ قال: من أنت؟ قال: أنا حجر إسحاق الذي قتل بي كذا وكذا، أنا أقتل جالوت بإذن الله. قال: فحمله وجعله في مخلاته ثم مضى؛ فإذا هو بحجر آخر فقال: يا داود، احملني معك؛ قال: من أنت؟ قال: أنا حجر يعقوب، أنا أقتل جالوت بإذن الله عز وجل؛ فقال له داود: كيف تقتله؟ قال: أستعين بالريح، فتلقي بيضته، وأصيب جبهته فأنفذها منه فأقتله؛ فحمله وجهله في مخلاته.
قال وهب بن منبه: لما تقدم داود أدخل يده في مخلاته فإذا تلك الحجارة الثلاثة صارت حجراً واحداً. قال: فأخرجه فوضعه في مقلاعه؛ فأوحى الله إلى الملائكة أن أعينوا عبدي داود وانصروه. قال: فتقدم داود وكبر؛ قال: فأجابه الخلق غير الثقلين؛ الملائكة وحملة العرش فمن دونهم؛ فسمع جالوت وجنده شيئاً ظنوا أن الله عز وجل قد حشر عليهم أهل الدنيا؛ وهبت ريح وأظلمت عليهم، وألقت بيضة جالوت، وقذف داود الحجر في مقلاعه، ثم أرسله، فصار الحجر ثلاثة، فأصاب أحدهم جبهة جالوت، فنفذ هامته فألقاه قتيلاً، وذهب الحجر الآخر فأصاب ميمنة جند جالوت فهزمهم، والثالث أصاب الميسرة فهزمهم؛ وظنوا أن الجبال قد خرت عليهم، فولوا مدبرين، وقتل بعضهم بعضاً؛ ومنح الله عز وجل بني إسرائيل أكتافهم حتى أبادهم. وانصرف طالوت ببني إسرائيل مظفراً، قد نصرهم الله عز وجل على عدوهم. فزوج ابنته من داود عليه السلام، وقاسمه نصف ماله.
روي عن عبدة بن حزن النصري قال: تفاخرعند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحاب الإبل وأصحاب الغنم، فقال أصحاب الإبل: وما
أنتم يا رعاة الشاء، هل تحيون شيئاً أو تصيدونه؟! ما هي إلا شويهات أحدكم، يرعاها ثم يروحها.. حتى أصمتوهم. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعث داود وهو راعي غنم، وبعث موسى وهو راعي غنم، وبعثت أنا وأنا أرعى غنم أهلي بأجياد. فغلبهم أصحاب الغنم.
وفي حديث آخر بمعناه: تفاخر رعاء الإبل ورعاء الغنم عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بعث موسى راعي غنم، وبعثت أنا راعي غنم بأجياد. فغلبهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أنزلت الصحف على إبراهيم في ليلتين من رمضان، وأنزل الزبور على داود في ست، وأنزلت التوراة على موسى لثمان عشرة من رمضان، وأنزل الفرقان على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأربع وعشرين من رمضان.
وعن مجاهد قال: قلت لابن عباس: أسجد في ص؟ فتلا هذه الآية: " ومن ذريته داود وسليمان " إلى قوله: " أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده "؟ قال: كان داود ممن أمر نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتدي به.
وعن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " حقاً لم يكن لقمان نبياً، ولكن كان عبداً صمصامةً، كثير التفكير، حسن الظن؛ أحب الله فأحبه، وضمن عليه بالحكمة. كان نائماً نصف النهار إذ جاءه نداء: يا لقمان، هل لك أن يجعلك الله خليفةً في الأرض فتحكم بين الناس بالحق؟ فانتبه، فأجاب الصوت فقال: إن يخيرني ربي قبلت، فإني أعلم إن فعل ذلك بي أعانني وعلمني وعصمني، وإن خيرني ربي قبلت العافية ولم أقبل البلاء. فقالت الملائكة بصوت لا يراهم: لم يا لقمان؟ قال: لأن الحاكم بأشد المنازل وأكدرها، يغشاه الظلم من كل مكان، ينجو ويعان
وبالحري أن ينجو؛ وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة؛ ومن يكن في الدنيا ذليلاً حرم أن يكون شريفاً؛ ومن يختر الدنيا على الآخرة تفتنه الدنيا ولا يصيب ملك الآخرة. قال: فعجبت الملائكة من حسن منطقه. فنام نومةً، فغط بالحكمة غطاً، فانتبه فتكلم بها. ثم نودي داود بعده فقبلها ولم يشترط شرط لقمان؛ فهوى في الخطيئة غير مرة، وكل ذلك يصفح الله ويتجاوز ويغفر له. وكان لقمان يؤازره بالحكمة وعلمه؛ فقال له داود: طوبى لك يا لقمان. أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية. وأوتي داود الخلافة وابتلي بالرزية أو الفتنة ".
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان داود يقول: اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، والعمل الذي يبلغني حبك؛ اللهم اجعل حبك أحب إلي من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد. قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا ذكر داود وحدث عنه قال: كان أعبد البشر.
وعن أنس بن مالك أن رجلاُ قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا خير الناس. قال: ذاك إبراهيم. قال: يا أعبد الناس. قال: ذاك داود.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلت: يا رسول الله، إني رجل أسرد الصوم، أفأصوم الدهر؟ قال: لا، قلت: أفأصوم يومين وأفطر يوماً؟ قال: لا. قال: فجعلت أناقصه حتى قال لي: صم صوم داود، فإنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً.
وعنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " خير الصيام صيام داود، كان يصوم نصف الدهر؛ وخير الصلاة صلاة داود، كان يرقد نصف الليل الأول، ويصلي آخر الليل، حتى إذا بقي سدس الليل رقده ".
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا عبد الله بن عمرو، إنك تصوم الدهر، وتقوم الليل، إنك إذا فعلت ذلك هجمت
له العين ونفهت له النفس. لا صام من صام الأبد؛ صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله. فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فقال: صم صوم داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى ".
وفي حديث آخر بمعناه: فإنه أعدل الصيام عند الله عز وجل.
وقال: هذا هو الصحيح في صومه.
وقد روي عن علي قال: كان داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم يصوم يوماً ويفطر يومين: يوماً لقضائه ويوماً لنسائه.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خفف على داود القرآن؛ فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته؛ وكان لا يأكل إلا من عمل يده.
قال سفيان: سألت الأعمش عن قوله " وألنا له الحديد "؟ قال: مثل الخيوط.
وعن ابن أبي نجيح: في قوله: " وقدر في السرد "؟ قال: لا يدق المسمار فيسلس في الحلقة، ولا يجله فيفصمها، واجعله قدراً.
وعن قتادة: " وعلمناه صنعة لبوس لكم " قال: كانت صفائح، وأول من سردها وحلقها داود.
قال وهب بن منبه: أقام داود عليه السلام صدراً من زمانه على عبادة ربه، ورحمته للمساكين، وكان قل يوم إلا وهو يخرج متنكراً لا يعرف، فإذا لقي القدام ساءلهم عن مقدمهم ثم يقول: أرأيتم داود النبي كيف حاله هو لأمته، ومن هو بين ظهريه، وهل ينقمون من أمره شيئاً؟ فيقولون: لا، هو خير خلق الله عز وجل لنفسه ولأمته؛ حتى بعث الله ملكاً في صورة رجل قادم، فلقيه داود، فسأله كما كان يسأل غيره؟ فقال: هو خير الناس لنفسه وأمته، إلا أن فيه خصلةً لو لم تكن فيه، كان كاملاً!. قال: ما هي؟ قال: يأكل ويطعم عياله من مال المسلمين؛ فعند ذلك نصب داود إلى ربه عز وجل في الدعاء أن يعلمه عملاً بيده يستغني به ويغني عياله، فألان الله عز وجل له الحديد وعلمه صنعة الدروع؛ فعمل الدرع وهو أول من عملها. فقال الله عز وجل: " أن اعمل سابغات وقدر في السرد " يعني المسامير في الحلق. قال: وكان يعمل الدرع، فإذا ارتفع من عملة درع باعها، فتصدق بثلثها، واشترى بثلثها ما يكفيه وعياله، وأمسك الثلث يتصدق به يوماً بيوم إلى أن يعمل غيرها. وقال: إن الله عز وجل أعطى داود شيئاً لم يعطه غيره، من حسن الصوت من خلقه؛ إنه كان إذا قرأ الزبور يسمع الوحش إليه حتى تؤخذ بأعناقها وما تنفر. وما صنعت الشياطين المزامير والبرابط والصنوج إلا على أصناف صوته. وكان شديد الاجتهاد، وكان إذا افتتح الزبور بالقراءة كأنما ينفخ في المزامير. وكان قد أعطي سبعين مزموراً في حلقه.
وعن عروة قال: كان داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم يخطب الناس وهو نبي، وهو يعمل قفةً من خوص، ويقول لبعض من يليه: اذهب فبعها.
وعن أبي الزاهرية قال: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعمل القفاف فيبيعها ويأكل ثمنها. وكان موسعاً عليه.
وعن الزهري: " أوبي معه " قال: سبحي معه.
قال ثابت: كان داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله، ولم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي، فعمهم الله في هذه الآية: " اعملوا آل داود شكراً، وقليل من عبادي الشكور ".
قال مسعر: لما قيل لهم: " اعملوا آل داود شكراً " لم يأت على القوم ساعة إلا ومنهم مصل.
وقال ابن شهاب: في قوله عز وجل: " اعملوا آل داود شكراً " قال: قولوا: الحمد لله.
قال ثابت البناتي: كان داود عليه السلام يطيل الصلاة، ثم يركع ثم يرفع رأسه، ثم يقول: إليك رفعت رأسي يا عامر السماء نظر العبيد إلى أربابها، يا ساكن السماء.
قال وهيب بن الورد: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جعل الليل عليه وعلى أهل بيته دولاً، لا تمر ساعةً من ليل إلا وفي بيته لله ساجد وذاكر، فلما كان نوبة داود قام يصلي لنوبته، فكأنه دخل قلبه مما هو وأهل بيته من العبادة؛ فاطلع الله على قلبه وعجبه مما هو فيه وأهل بيته من العبادة، وكان بين يديه نهر، فأنطق الله ضفدعاً من ذاك النهر فنادته فقالت: يا داود، ما يعجبك مما أنت فيه وأهل بيتك من العبادة؟ فوا لذي أكرمك بالنبوة، إني لقائمة لله على رجل ما استراحت أوداجي من تسبيحه منذ خلقني الله إلى هذه الساعة، فما
الذي يعجبك مما أنت فيه وأهل بيتك؟ قال: فتصاغر إلى داود ما هو فيه وأهل بيته من العبادة.
وعن سفيان: في قوله تعالى: " واذكر عبدنا داود ذا الأيد " ذا القوة في أمر الله، والنصرة في أمر الله والبصيرة.
قال صدقة بن يسار: كان داود في محرابه، فأبصر دودةً صغيرة، قال: ففكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله عز وجل بخلق هذهّ قال: فأنطقها الله عز وجل فقالت: يا داود، أتعجبك نفسك؟ لأنا على قدر ما آتاني الله عز وجل أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله. قال الله عز وجل " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ".
قال أنس بن مالك: إن داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم ظن في نفسه أن أحداً لم يمدح خالقه أفضل ما مدحه، وأن ملكاً نزل وهو قاعد في المحراب والبركة إلى جنبه، فقال: يا داود، افهم إلى ما تصوت الضفادع؛ فأنصت داود، فإذا الضفدع تمدحه بمدحة لم يمدحه بها داود؛ فقال له الملك: كيف ترى يا داود؟ فهمت ما قالت؟ قال: نعم، قال: ماذا قالت؟ قال: قالت سبحانك وبحمدك، منتهى علمك يا رب. قال داود: لا، والذي جعلني نبيه إني لم أمدحه بهذا. وعن المغيرة بن عتيبة قال: قال داود: هل بات أحد من خلقك الليلة أطول ذكراً لك مني؟! فأوحى الله إليه: نعم، الضفدع؛ وأنزل الله عليه " اعملوا آل داود شكراً، وقليل من عبادي الشكور ".
قال: يا رب، كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي؟! ثم قال: يا رب، كيف أطيق شكرك وأنت الذي تنعم علي ثم ترزقني على النعمة الشكر، ثم تزيدني نعمةً بعد نعمة؟! فالنعمة منك يا رب، والشكر منك، فكيف أطيق شكرك؟ قال: الآن عرفتني يا داود حق معرفتي.
وعن ثابت وغيره قال: أمسى داود عليه السلام صائماً، فلما كان عند إفطاره، أتي بشربة لبن، فقال: من أين لكم هذا اللبن؟ قالوا: من شاتنا، قال: ومن أين ثمنها؟ قالوا: يا نبي الله، من أين يسأل؛ قال: إنا معاشر الرسل أمرنا أن نأكل من الطيبات ونعمل صالحاً.
وعن سعيد المقبري، عن أبيه قال: قال داود: يا رب! قد أنعمت علي كثيراً، فدلني على أن أشكرك كثيراً؛ قال: اذكرني كثيراً، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
وعن أبي الجلد قال: قرأت في مسلة داود عليه السلام أنه قال: أي رب، كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟ قال: فأتاه الوحي أن يا داود، أليس تعلم أن الذي بك من النعم مني؟ قال: بلى يا رب. قال: فإني أرضى بذلك منك شكراً.
وعن سعيد بن عبد العزيز التنوخي أن داود عليه السلام كان يقول: سبحان مستخرج الشكر بالعطاء، ومستخرج الدعاء بالبلاء.
وعن الحسن قال: قال داود: إلهي، لو أن لكل شعرة مني لسانين يسبحانك الليل والنهار ما قضيا نعمةً من نعمك.
قال أبو المنذر: قال داود عليه السلام لما أصاب الذنب وتاب الله عليه: اللهم، ألهمني شكراً يرضيك
عني؛ قال: فألهم داود أن قل: الحمد لله رب العالمين كما ينبغي لكرم وجهك وعز جلالك. فجعل يقولها، فنودي من السماء: يا داود، أتعبت الكتبة.
وعن عبد الله بن عامر قال: أعطي داود صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من حسن الصوت ما لم يعط أحد قط حتى إن كان الطير والوحش لتعكف حوله عتى تموت عطشاً وجوعاً، وإن الآنهار لتقف.
قال وهب بن منبه: كان داود إذا قرأ القرآن لم يسمعه شيء إلا حجل كهيئة الرقص.
قال ابن عائشة: كان لداود صوت يطرب المحموم، ويسلي الثكلى، وتصغي له الوحش، حتى تؤخذ بأعناقها وما تشعر.
وعن وهب بن منبه: إن بدئ ما صنعت المزامير والبرابط والصنوج، على صوت داود؛ كان يقرأ الزبور بصوت لم تسمع الآذان بمثله قط، فتعكف الجن والإنس والطير والدواب على صوته حتى يهلك بعضها جوعاً؛ فخرج إبليس مذعوراً لما رأى من استئناس الناس والدواب بصوت داود بالزبور، فدعى عفاريته فقال: ما هذا الذي هدأكم فيمن أنتم بين ظهريه؟؟؟! قالوا: مرنا بما أحببت، قال: فإنه لا يصرفهم عنه إلا ما يشبه ما يسمعون منه؛ فعند ذلك احتفروا المزامير والبرابط، واتخذوا الصنوج على أصناف صوته. فلما سمع ذاك غواة الناس والجن انصرفوا إليهم، وانصرفت الدواب والطير أيضاً، وقام داود في بني إسرائيل يحكم فيهم بأمر الله، نبياً حكيماً عابداً مجتهداً. وكان أشد الأنبياء اجتهاداً وأكثرهم بكاءً حتى عرض له من فتنة تلك المرأة ما عرض، وكان له محراب يتوحد فيه لتلاوة الزبور، ولصلاته إذا صلى؛ وكان أسفل منه بستان لرجل من بني إسرائيل يقال له أوريا بن صورى، وكانت امرأته سابع بنت حنانا التي أصاب داود عليه السلام منها ما أصاب.
قال مالك: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أخذ في قراءة الزبور تفنقت العذارى.
قال ابن جريج: سألت عطاء عن القراءة على الغناء؟ قال: وما بذلك بأس، سمعت عبيد بن عمير يقول: كان داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأخذ المعزفة فيضرب بها ويقرأ عليها، يرد عليه صوته يريد بذلك يبكي ويبكي.
قال أبو موسى الأشعري: داود أول من قال: أما بعد. وهو " فصل الخطاب "
وعن قتادة: في قوله: " وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب " قال: البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه.
وعن شريح: الأيمان والشهود.
وعن أبي عبد الرحمن السلمي: أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم أمر بالقضاء، فقطع به، فأوحى الله عز وجل إليه أن استحلفهم باسمي وسلهم بالبينات. قال: فذاك " فصل الخطاب " وعن ابن عباس: أن رجلاً من بني إسرائيل استعدى على رجل من عظمائهم عند داود فقال: إن هذا غصبني بقراً لي، فسأل داود الرجل عن ذلك، فجحده، فسأل الآخر البينة، فلم يكن له بينة، فقال لهما داود: قوما حتى أنظر في أمركما، فقاما من عنده. فأوحى الله عز وجل إلى داود في منامه أن يقتل الرجل الذي استعدي عليه؛ فقال: هذه رؤيا، ولست أعجل حتى أتثبت، فأوحى الله إليه في منامه أن يقتله، فلم يفعل؛ فأوحى الله إليه في الثالثة أن
يفعل أو تأتيه العقوبة. فأرسل داود إليه، فقال له: إن الله أوحى إلي أن أقتلك، فقال الرجل: تقتلني بغير بينة؟! قال داود: نعم، والله لأنفذن أمر الله فيك، فلما عرف الرجل أنه قاتله قال: لا تعجل علي أخبرك، إني والله ما أخذت بهذا الذنب، ولكني كنت اغتلت أبا هذا فقتلته، فبذلك أخذت؛ فأمر به داود فقتل. فاشتدت هيبة بني إسرائيل لداود عند ذلك، وشدد به ملكه؛ وهو قوله: " وشددنا ملكه ".
وعن وهب بن منبه قال: لما كثر الشر في بني إسرائيل وشهادات الزورأعطى الله داود سلسلةً لفصل الخطاب؛ وكانت سلسلةً من ذهب، معلقةً من السماء إلى الأرض بحيال الصخرة إلى بيت المقدس؛ فإذا تشاجر اثنان في شيء قال لهما داود: اذهبا إلى السلسلة؛ فكان أولاهما بالعدل ينالها وإن كان قصيراً. قال: فاستودع رجل رجلاً لؤلؤةً لها خطر، ثم ابتغاها منه، فقال له: رددتها عليك؛ فاستعدى عليه، فانطلق المستعدى عليه فثقف عصاً فجعل فيها اللؤلؤة ثم قبض على العصا وغدا معه إلى داود؛ فقال داود: اذهبا إلى السلسلة، فذهبا، فجاء صاحب اللؤلؤة فقال: اللهم إن كنت تعلم أني استودعت هذا لؤلؤة فلم يردها علي، فأسألك أن أنالها؛ فنال السلسلة. وقال الآخر: كما أنت حتى أدعو أنا أيضاً، أمسك عصاي هذه، فدفعها إليه، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني دفعت إليه لؤلؤته فأسألك أن أنالها، فنالها. فقال داود: ما هذا!؟ ينالها الظلوم والمظلوم؟! فأوحى الله إلى داود: أن اللؤلؤة في العصا؛ فارتفعت السلسلة.
وعن وهب: أن داود أراد أن يعلم عدة بني إسرائيل كم هي؟ فبعث لذلك نقباء وعرفاء، وأمرهم أن يدفعوا إليه ما بلغ عددهم؛ فعتب الله عليه ذلك وقال: قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتى أجعلهم كعدد نجوم السماء، وأجعلهم لا يحصى عددهم، فأردت أن تعلم عددها! قلت إنه لا يحصى عددهم، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين، أو أسلط عليهم العدو ثلاثةأشهر، أو الموت ثلاثة أيام. فشاور داود بني إسرائيل، فقالوا: ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو ثلاثة أشهر؛ فإن كان لابد، فالموت بيده لا بيد
غيره. فذكر وهب أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كثيرة، لا يدرى ما عددهم. فلما رأى ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت، فتبتل إلى الله ودعاه فقال: أي رب، أنا آكل الحماض، وبنو إسرائيل يضرسون! أنا طلبت ذلك وأمرت به بني إسرائيل؛ فما كان من شيء فبي واعف عن بني إسرائيل. فاستجاب الله له، ورفع عنهم الموت. فرأى داود الملائكة سالين سيوفهم ثم يغمدونها وهم يرفعون في سلم من ذهب، من الصخرة إلى السماء، فقال داود: هذا مكان ينبغي أن نبني لله فيه مسجداً ونكرمه. فأسس داود قواعده وأراد أن يأخذ في بنائه، فأوحى الله إليه: إن هذا بيت مقدس، وإنك صبغت يديك بالدماء، ولست ببانيه، ولكن ابناً لك املكه بعدك اسمه سليمان وأسلمه من الدنيا. فلما ملك سليمان بناه وشرفه.
قال عباد بن شيبة: بلغني أن داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خلا يوماً فقال: يا رب؛ هجرني الناس فيك، وهجرتهم لك؛ فأوحى الله إلى نبيه عليه السلام: ألا أدلك على شيء يستوي فيه وجوه الناس إليك؟ أن تخالط الناس بأخلاقهم، وتحتجز الإيمان فيما بيني وبينك.
وعن كعب قال: كان داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم يقول هؤلاء الكلمات ثلاثاً حين يصبح وحين يمسي: اللهم، خلصني من كلمصيبة نزلت الليلة من السماء إلى الأرض، اللهم اجعل لي سهماً في كل حسنة نزلت الليلة من السماء إلى الأرض.
وعن سعيد قال: كان من دعاء داود: اللهم، لا تكثر علي فأطغى، ولا تقل لي فأنسى؛ فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى؛ اللهم، رزق يوم بيوم، فإذا رأيتني أجور مجالس الذاكرين إلى مجالس المتكبرين فاكسر رجلي، فإنها نعمة منك تمن بها علي.
وعن وهب قال: كان من تحميد داود: الحمد لله عدد قطر المطر، وورق الشجر، وتسبيح الملائكة، وعهدد ما يكون في البر والبحر؛ والحمد لله عدد أنفاس الخلق ولفظهم وطرفهم وظلالهم، وعدد ما عن أيمانهم وعن شمائلهم، وعدد ما قهره ملكه، ووسعه حفظه، وأحاطت به
قدرته، وأحصاه علمه؛ والحمد لله عدد ما تجري به الرياح، ويحمله السحاب، وعدد ما يختلف به الليل والنهار، وتسير به الشمس والقمر والنجوم؛ والحمد لله عدد كل شيء أدركه بصره، ونفذ فيه علمه؛ والحمد لله الذي حلم في الذنوب عن عقوبتي حتى كان لا ذنب لي؛ ولم يؤاخذني، لم يظلمني سيدي، والحمد لله الذي أردوه أيام حياتي، وهو ذخري في آخرتي؛ ولو رجوت غيره لا يقطع رجائي والحمد لله الذي تمسي أبواب الملوك مغلقةً دوني وبابه مفتوح لكل ما شئت من حاجتي بغير شفيع فيقضيها لي؛ والحمد لله الذي أخلو به في حاجتي، وأضع عنده سري في أي ساعة شئت؛ والحمد لله الذي يتحبب إلي وهو غني عني.
وعن أبي الجلد قال: قرأت في دعاء داود عليه السلام: إلهي إذا ذكرت ذنوبي ضاقت علي الأرض برحبها، فإذا ذكرت رحمتك وسعت علي؛ إلهي أن أذوق مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة أهون علي من أن أذوق مرارة الآخرة بحلاوة الدنيا.
وعن مالك بن دينار قال: بلغنا أن داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول في دعائه: اللهم، اجعل حبك أحب إلي من سمعي وبصري، ومن الماء البارد.
وعن كعب أنه حلف بالذي فلق البحر لموسى عليه السلام إنا لنجد في التوراة أن داود نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا انصرف من صلاته قال: اللهم، أصلح ديني الذي جعلته لي عصمةً، وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي؛ اللهم، أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بعفوك من نقمتك، وأعوذ بك منك؛ اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد وقال كعب: إن صهيباً صاحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حدث أن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقولهن عند انصرافه من صلاته.
وعن مكحول قال: كان من دعاء داود عليه السلام: يا رازق النعاب في عشه؛ وذاك أن الغراب إذا فقص عن فراخه فقص عنها بيضاً، فإذا رآها كذلك نفر عنها، فتفتح أفواهها، فيرسل الله عليها ذباباً يدخل في أفواهها، فيكون ذلك غذاءها حتى تسود، فإذا اسودت انقطع الذباب عنها، وعاد الغراب إليها فغذاها.
وعن سعيد بن أبي سعيد قال: كان من دعاء داود عليه السلام: اللهم، إني أعوذ بك من جار السوء، ومن زوج يشيبني قبل المشيب، ومن ولد يكون علي وباء، ومن مال يكون علي عذاباً، ومن خليل ماكر، عيناه ترياني وقلبه يرعاني، إذا رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيئةً أذاعها.
وعن عباس العمي قال: بلغني أن داود النبي صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم كان يقول في دعائه: سبحانك اللهم أنت ربي، تعاليت فوق عرشك، وجعلت حسبتك على من في السموات والأرض، فأقرب خلقك منك منزلةً أشدهم لك خشية؛ وما علم من لم يخشك، أو ما حكمة من لم يطع أمرك؟ وعن صهيب أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: اللهم، إنك لست بإله استحدثناه، ولا رب استبدعناه، ولا كان لنا قبلك من إله نلجأ إليه ونذرك؛ ولا أعانك على خلقك أحد فنشك فيك، تباركت وتعاليت. قال: هكذا كان داود عليه السلام يقوله.
وعن علي الأزدي قال: كان داود عليه السلام يقول: إني أعوذ بك من غنىً يطغي، وفقر ينسي، وهوىً يردي، وعمل يخزي.
وعن عبد الكريم بن رشيد: أن داود عليه السلام قال: أي رب، أين ألقاك؟ قال: تلقاني عند المنكسرة قلوبهم.
وفي حديث آخر بمعناه: عند المنكسرة قلوبهم من مخافتي.
وعن وهب قال: كان داود عليه السلام يقول في مناجاته: طوبى لمن أرضاك في دار الفناء، لترضيه في دار البقاء؛ طوبى لمن ذكر ساعة موته، فعمل في ساعة حياته.
زاد غيره: إلهي، ما أحلى ذكرك في أفواه المخلصين، في بيوت الصادقين الذين يؤمنون بوعدك، ويعلمون أن مرجعهم إلى أمرك يوم تقتص للمظلومين. إلهي، اجعلني ممن أزمر لك أيام الحياة، وأعظمك في مجلس الشيوخ.
قال زهير: أزمر لك: أنوح لك.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قاتل: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: أوحى الله تعالى إلى داود: يا داود، إن العبد ليأتي بالحسنة يوم القيامة فأحكمه بها في الجنة. قال داود: يا رب، ومن هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتحكمه بها في الجنة؟ قال: عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم، أحب قضاءها، قضيت على يديه أو لم تقض.
وعن كعب بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أوحى الله عز وجل إلى داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا داود، ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات بمن فيها إلا جعلت له من بين ذلك مخرجاً؛ وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماء بين يديه، وأرسخت الهوى من تحت قدميه؛ وما من عبد يطيعني إلا وأنا معطيه قبل أن يسألني، وغافر له قبل أن يستغفرني.
وعن صالح المري قال: أوحى الله عز وجل إلى داود: يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من ذكر ذنوبه في الخلاء، فاستحيا عند ذكرها، سترتها عن الحفظة وغفرتها له؛ يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من عمل من الذنوب حشو الأرض من شرقها إلى غربها، ثم ندم عليها حلب شاة سترتها عن الحفظة وغفرتها له؛ يا داود، اسمع مني، الحق أقول لك: إنه من عمل حسنةً واحدةً أدخله جنتي. قال له داود: وما تلك الحسنة؟ قال: يكشف عن مكروب كرباً ولو بشق تمرة.
قال أبوسليمان الداراني: شهدت مع أبي الأشهب جنازةً بعبادان، فسمعته يقول: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود، حذر وأنذر أصحابك أكل الشهوات، فإن القلوب المتعلقة بشهوات الدنيا، عقولها محجوبة عني.
قال أبو جعفر البصري: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: تزعم أنك تحبني، فأخرج حب الدنيا من قلبك، فإن حبي وحبها لا يجتمعان في قلب واحد.
قال أبو الحسين البصري: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: تزعم أنك تحبني وتدعي عشقي، وتسيء بي الظن صباحاً ومساءً. أما كانت لك عبرة أن شققت سبع أرضين، فأريتك ذرة في فيها برة لم أنسها؛ أما إني لولا أني أحفظ منك خصالاً لحرقتك بالنيران.
وعن صالح المري قال: قال داود عليه السلام: يا رب، دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: آثر هواي على هواك.
وعن شداد أبي عمار قال: قال داود عليه السلام: يا رب، دلني على عمل يدخلني الجنة. قال: اعمل بعمل الأبرار، ولا تبسم في وجوه الفجار.
وعن أبي الخلد قال: أوحى الله إلى داود عليه السلام: إن عبدي المؤمن إذا لقيني وهو مستحي من معاصي، غفرتها له، ونسيها حفظته.
وعن مجاهد قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: يا داود، اتق الله، لا يأخذك على ذنب لا ينظر إليك فيه أبداً، فتلقاه حين تلقاه ولا حجة لك.
وعن أبي الأشهب قال: أوحى الله إلى داود: إن أهون ما أصنع بالعبد من عبيدي إذا آثر شهوةً من شهواته علي أن أحرمه طاعتي.
قال بشر: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام، يا داود، إنما خلقت الشهوات واللذات لضعفاء عبادي؛ فأما الأبطال، فما لهم وللشهوات واللذات؛ يا داود، لا تعلقن قلبك منها بشيء، فأدنى ما أعاقبك به أن أنسخ حلاوة حبي من قلبك.
وعن أبي علي قال: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: أنين المذنبين أحب إلي من صراخ الصديقين.
وعن أبي مطيع معاوية بن يحيى قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: أن اتخذ نعلين من حديد، وعصاً من حديد؛ واطلب العلم حتى تنكسر العصا وتنخرق النعلان.
وفي رواية: قل لطالب العلم يتخذ عصاً من حديد بمثله.
وعن أبي عمران المصري قال: أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، لا تجعلن بيني وبينك عالماً
أسكنت قلبه حب الدنيا؛ أولئك القطاع على عبادي؛ إن أدنى ما أعاقبهم أن أنزع حلاوة مناجاتي من أصول قلوبهم.
وفي حديث آخر بمثله: لا تجعل بيني وبينك عالماً مفتوناً فيصدك بسكره عن طريق محبتي.
وعن عبد العزيز بن عمر قال: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود، إذا رأيت لي طالباً فكن له خادماً؛ يا داود، اصبر على المؤونة تأتك المعونة.
وعن أبي عبد الله الجدلي قال: قال الله عز وجل: يا داود، أحبني وأحب من يحبني، وحببني إلى الناس؛ قال: رب، أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى الناس؟! قال: تذكرهم آلائي فلا يذكرون مني إلا حسناً.
وعن شميط بن عجلان قال: بلغنا أن الله أوحى إلى داود فقال: يا داود ألا ترى إلى المنافق يخادعني وأنا أخدعه! يستحيي ويوقرني بلسانه وقلبه مني بعيد؛ يا داود، قل للملأ من بني إسرائيل: لا يدعوني والخطايا في أرقابهم، ليلقوها ثم يدعوني فأستجيب لهم.
قال وهب بن منبه: قرأت في مزامير داود صلى الله على نبينا وعليه وسلم: يا داود، هل تدري من أغفر له من عبادي؟ الذي إذا أذنب ذنباً ارتعدت لذلك مفاصله وأعضاؤه، فذاك الذي آمر ملائكتي أن لا تكتب عليه ذاك الذنب.
سأل رجل وهب بن منبه في مسجد الحرام، فقال: حدثني رحمك الله عن زبور داود؟ قال: وجدت في آخره ثلاثين سطراً: يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو يحبني أدخلته جنتي؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو يخاف عذابي لم
أعذبه؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: من لقيني وهو مستحي من معاصي أنسيت حفظته ذنوبه؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: لو أن عبداً من عبادي عمل حشو الدنيا ذنوباً، ثم ندم حلب شاة فاستغفرني مرةً واحدةً، فعلمت من قلبه أنه لا يريد أن يعود إليها ألقيتها عنه أسرع من هبط المطر إلى الأرض؛ يا داود، اسمع مني والحق أقول: لو أن عبداً من عبادي أتاني بحسنة واحدة حكمته في جنتي قال داود عليه السلام: إلهي، من أجل ذلك لا يحل لمن عرفك أن يقطع رجاءه منك يا داود، إنما يكفي أوليائي اليسير من العمل كما يكفي الطعام من الملح؛ هل تدري يا داود متى أتولاهم؟ إذا طهروا قلوبهم من الشرك، ونزعوا من قلوبهم الشك؛ علموا أن لي جنةً وناراً، وأنا أحيي وأميت، وأبعث من في القبور، ولم أتخذ صاحبةً ولا ولدا؛ فإن توفيتهم بيسير من العمل وهو يوقنون بذلك جعلته عظيماً. هل تدري يا داود من أسرع الناس مراً على الصراط؟ الذين يرضون بحكمي وألسنتهم رطبةً من ذكري؛ هل تدري يا داود أي المؤمنين أحب إلي؟ الذي إذا قال لا إله إلا الله اقشعر جلده؛ إني أكره له الموت كما يكره الوالد لولده ولا بد له منه. أني أريد أن أسره في دار سوى هذه، فإن نعيمها فيها بلاء، ورخاءها فيها شدة؛ فيها عدو لا يألونهم فيها خبالاً. من أجل ذلك عجلت أوليائي إلى الجنة، لولا ذلم ما مات آدم وولده حتى ينفخ في الصور. يا داود، ما تقول في نفسك؟ تقول قطعت عنهم عبادتهم، أما تعلم ما أثيب عبدي المؤمن على عثرة يعثرها؟ فكيف إذا ذاق الموت وهو من اعظم المصيبات، وهو بين أطباق التراب؛ إنما أحبسه طول ما أحبسه لأعظم له الأجر، وأجزي عمله أحسن ما كان يعمل إلى يوم القيامة؛ من أجل ذلك سميت نفسي أرحم الراحمين.
وعن ابن عباس قال: أوحى الله إلى داود: يا داود، قل للظلمة لا يذكروني، فإن حقاً علي أن من ذكرني أذكره، وإن ذكري إياهم أن ألعنهم.
وعن وهب بن منبه وزيد بن رفيع، قال: رأى داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم منجلاً من نار يهوي من السماء إلى الأرض فقال: إلهي وسيدي؛ ما هذا؟ قال: هذه لعنتي أدخلها بيت كل ظلام.
وعن أبي ذر عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن داود عليه السلام قال: إلهي، ما حق عبادك إذا هم زاروك وفي رواية: إذا هم زاروك في بيتك فإن لكل زائر على المزور حقاً؟ قال: يا داود، فإن لهم علي أن أعافيهم في دنياهم، وأغفر لهم إذا لقيتهم.
قال أبو الجلد: قرأت في مسألة داود ربه: إلهي، ما جزاء من بكى من خشيتك حتى تسيل دموعه على وجهه؟ قال: جزاؤه أن أحرم وجهه على لفح النار، وأن أؤمنه يوم الفزع.
وعن فضالة بن عبيد: أن داود سأل ربه أن يخبره بأحب الأعمال إليه؟ فقال: عشر إذا فعلتهن يا داود: لا تذكرن أحداً من خلقي إلا بخير، ولا تغتابن أحداً من خلقي، ولا تحسدن أحداً من خلقي. قال داود: يا رب، هؤلاء الثلاث لا أستطيع، فأمسك عن السبع، ولكن يا رب، اخبرني بأحبابك من خلقك أحبهم لك؟ قال: ذو سلطان يرحم الناس، ويحكم للناس كما يحكم لنفسه؛ ورجل آتاه الله عز وجل مالاً فهو ينفق منه ابتغاء وجه الله، وفي طاعة الله، ورجل يفني شبابه وقوته في طاعة الله؛ ورجل كان قلبه معلقاً في المساجد من حبه إياها؛ ورجل لقي امرأة حسناء، فأمكنته من نفسها فتركها من خشية الله؛ ورجل حيث كان يعلم أن الله معه، نقية قلوبهم، طيب كسبهم، يتحابون بحلالي، أذكر بهم ويذكرون بذكري؛ ورجل فاضت عيناه من خشية الله عز وجل.
وعن وهب بن منبه قال: قال داود عليه السلام: أي رب، أي عبادك أحب إليك؟ قال: مؤمن حسن الصورة؛ قال: فأي عبادك أغضب إليك؟ قال: كافر حسن الصورة، شكر هذا وكفر هذا.
قال أبو محمد الهروي: مكتوب في زبور داود عليه السلام: من بلغ السبعين اشتكى من غير علة وعن عبد الله بن مسعود، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن داود عليه الصلاة والسلام قال: إلهي؛ ما جزاء من شيع ميتاً إلى قبره
ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أشيعه ملائكتي فتصلي على روحه في الأرواح. قال: اللهم، فما جزاء منن يعزي حزيناً ابتغاء مرضاتك؟ قال: أن ألبسه لباس التقوى وأستره به من النار فأدخله الجنة. قال: اللهم، ما جزاء من عال يتيماً أو أرملةً ابتغاء مرضاتك؟ قال: جزاؤه أن أظله يوم لا ظل إلا ظلي. قال: اللهم، فما جزاء من سالت دموعه على وجنتيه من مخافتك؟ قال: أن أقي وجهه لفح جهنم، وأؤمنه يوم الفزع الأكبر ".
وعن ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن داود عليه السلام قال فيما خاطب ربه عز وجل: يا رب، أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود، أحب عبادي إلي نقي القلب، نقي الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءاً، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي؛ قال: يا رب، إنك لتعلم أني أحبك وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال: ذكرهم بآلائي، وبلائي ونعمائي؛ يا داود، إنه ليس من عبد يعين مظلوماً، أو يمشي معه في مظلمته إلا أثبت قدميه يوم تزول الأقدام ".
وعن أسلم قال: مكتوب في حكمة آل داود: العافية الملك الخفي.
وعن أبي أيوب القرشي مولى بني هاشم قال: قال داود عليه السلام: رب، أخبرني ما أدنى نعمتك علي؟ فأوحى إليه: يا داود، تنفس، فتنفس؛ فقال: هذا أدنى نعمتي عليك.
وعن وهب بن منبه قال: إن في حكمة آل داود: حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه؛ وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يقضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، ويصدقونه عن نفسه؛ وساعة يخلي فيها بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويحمد، فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقلوب. وحق على العاقل أن يعرف زمانه، ويحفظ لسانه، ويقبل على شأنه. وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في إحدى ثلاث: زاد لمعاده؛ ومرمة لمعاشه؛ ولذة في غير محرم.
وعن مالك بن دينار قال: قال داود عليه السلام لبنيه: معشر الأبناء؛ تعالوا حتى أعلمكم خشية الله: أيما عبد منكم أحب أن يحبني ويرى الأيام الصالحة فليحفظ عينيه أن ينظر إلى السوء، ولسانه أن ينطق بالإفك، عين الله إلى الصديقين وهو يسمع لهم.
قال عبد الله بن حبيب: قال داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم: رب كلام ندمت عليه، وما ندمت على صمت قط.
وعن أبي الدرداء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال داود عليه السلام: يا زارع السيئات، انت تحصد شوكها وحسكها ".
وعن عبد الرحمن بن أبزى قال: كان داود عليه السلام يقول: كن لليتيم كالأب الرحيم، واعلم أنك كما تزرع كذلك تحصد؛ وإن الخطيب الأحمق في نادي القوم كالمغني عند الميت؛ ولا تعد أخاك ثم لا تنجز له، فتورث بينكما العداوة. وإن المرأة السوء عند الرجل كالشيخ الكبير على ظهره الحمل الثقيل، والمرأة الصالحة عند الرجل كالملك الشاب على رأسه التاج المخوض بالذهب. وسل الله عز وجل صاحباً إن ذكرت أعانك. ما أقبح الفقر بعد الغنى! وأقبح من ذلك الكفر بعد التقى.
وفي رواية: وأقبح من ذلك الضلالة بعد الهدى.
وفي رواية: ونعوذ بالله من صاحب إذا ذكرت لم يعنك، وإذا نسيت لم يذكرك.
سئل داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أي شيء أحلى، وأي شيء أبرد، وأي شيء أحسن، وأي شيء أقبح، وأي شيء أعون، وأي شيء أعدى؟ فقال: أحلى شيء روح الله بين عباده، وأبرد
شيء عفو الله عن العباد وعفو العباد بعضهم عن بعض، وأحسن شيء السكينة مع الإيمان، وأقبح شيء الكفر بعد إيمان، وأعون شيء ذكر الله، وأعدى شيء زوج سوء وعشيرة سوء.
وعن ابن المبارك قال: قال داود لابنه: يا بني، أستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: بحسن توكله على الله فيما نابه؛ وبحسن رضاه فيما آتاه؛ وبحسن صبره فيما فاته.
وعن عروة قال: مكتوب في الحكمة: يا داود، إياك وشدة الغضب، فإن شدة الغضب مفسدةً لفؤاد الحكيم.
وعن خالد بن أبي عمران: أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان يقول: لا تفشين إلى امرأة سراً، ولا تطرقن أهلك ليلاً، ولا تأمنن ذا سلطان وإن كنت ذا قرابة.
وعن عبيد بن عمير قال: بلغني أن داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم كان يقول: اللهم لا تجعل لي أهل سوء فأكون رجل سوء.
قال سعيد الحاني قرية بالجزيرة: بينا داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم على باب منزله جالساً، ومعه جليس من بني إسرائيل يحدثه؛ إذ مر به رجل، فأسمعه واستطال عليه، فغضب له جليسه، فقال داود: دعه، فإني قد علمت من أين أتيت؛ إني قد أحدثت فيما بيني وبين ربي، فهو سلط هذا علي، فدعني حتى أدخل فأتنصل إلى ربي من الحدث الذي كان مني، حتى يعود هذا فيقبل أسفل قدمي. قال: فدخل داود، فتوضأ وصلى ركعتين وتنصل إلى ربه من الحدث الذي كان منه، وعاد إلى جليسه، وعاد الرجل من حاجته نادماً، فانكب فقبل أسفل قدم داود. قال: يا نبي الله، اغفر لي، قال: اذهب فإني قد علمت من أين أتيت.
وعن عبد الرحمن بن أبزى قال: كان داود يقول: انظر ما تكره أن يذكر منك في نادي القوم، فلا تفعله إذا خلوت.
قال يحيى بن أبي كثير: قال داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابنه سليمان: يا بني، أتدري ما جهد البلاء؟ قال: لا، قال: شراء الخبز من السوق، والانتقال من منزل إلى منزل.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " قال داود النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم: إدخالك يدك في فم التنين إلى أن تبلغ المرفق فيقضمها خير لك من أن تسأل من لم يكن له شيء ثم كان.
قال الكلبي: لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة كان في الطعام قلة، وكان يتزوج النساء، قال: فقالت اليهود: إن هذا الذي يزعم أنه نبي ليس يشبع من الطعام وهو يتزوج، فليس له هم إلا النساء! لو كان نبياً لاشتغل بنبوته عن النساء. فأنزل الله عز وجل: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً " قال: تزوج داود مئة امرأة، وتزوج سليمان سبع مئة امرأة وثلاث مئة سرية؛ فذلك قوله: " وآتيناهم ملكاً عظيماً ".
وفي حديث آخر: وكان أشدهم في ذلك حيي بن أخطب، فأكذبهم الله، وأخبرهم بفضل الله وسعته على نبيه صلوات الله عليه وبركاته فقال: " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " يعني بالناس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً " ما آتى الله سليمان بن داود، كان له ألف امرأة، سبع مئة مهيرة، وثلاث مئة سرية؛ وكانت لداود مئة امرأة، منهن أمرأة أوريا أم سليمان بن داود التي تزوجها بعد الفتنة؛ فهذا أكثر مما لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن ابن عباس قال: ما أصاب داود ما أصابه بعد القدر إلا من عجب عجب به من نفسه، وذلك أنه قال:
يا رب، ما من ساعة من ليل أو نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك، يصلي لك أو يسبح أو يكبر.. وذكر أشياء، فكره الله تعالى ذلك فقال الله: يا داود، إن ذلك لم يكن إلا بي، فلولا عوني ما قويت عليه؛ وجلالي لأكلنك إلى نفسك يوماً؛ قال: يا رب، فأخبرني به. فأصابته الفتنة ذلك اليوم.
قال بعض المشايخ: رب نظرة لآن يلقى فيها الرجل للأسد فتأكله، خير له؛ وهل لقي داود ما لقي إلا في نظرة.
وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنه ورد عليه وفد عبد القيس، وفيهم غلام وضيء الوجه، فأقعده وراء ظهره وقال: إنما أتي أخي داود عليه السلام من النظر.
وعن الحسن قال: قال داود: يا رب، ابتليت من كان قبلي فأثنيت عليهم بصبرهم، ولم تبتلني ببلاء تثني علي من بعدي؛ فأوحى الله إليه: يا داود، اخترت البلاء على العافية، فخذ حذرك، فإني أبتليك في شهرك هذا؛ وكان في رجب يوم الاثنين بعد العصر في ثلاث عشرة مضين من الشهر. قال: فلما كان ذلك اليوم دخل المحراب واستعد للبلاء؛ فبينا هو في محرابه منكب على الزبور يقرؤها إذ دخل طائر من الكوة فوقع بين يديه، جسده من ذهب، وجناحاه من ديباج، مكلل بالدر، ومنقاره زبرجد، وقوائمه فيروزج؛ فدنا منه ثم طار فوقع بين يديه، فنظر إليه يحسب أنه من طير الجنة؛ فجهل يتعجب من حسنه وله ابن صغير فقال: لو أخذت هذا الطير فنظر إليه ابني؛ فأهوى يريد أن يتناول الطير، فتباعد الطير منه، ويطعمه أحياناً ثم يفر، حتى كأنه يريد أن يضع يده عليه فيتباعد منه أيضاً؛ فما زال كذلك يدنو ويتباعد حتى قام من مجلسه وطبق الزبور ونسي البلاء؛ فطلبه في زوايا البيت، فوقع في الكوة، وطلبه في الكوة فرمى بنفسه في بستان أوريا، وكان في أصل المحراب حوض يغتسل فيه حيض بني إسرائيل، فاطلع داود فإذا بامرأة تغتسل؛ فأبصرت ظله، فنشرت شعرها فجللت جسدها كله، فزاده ذلك إعجاباً، فرجع مكانه وفي نفسه منها ما في نفسه، فبعث إليها لينظر من هي، وابنة من هي؟
فرجع إليه الرسول فقال: هي سابع بنت حنانا، وزوجها أوريا بن صورى، وهو في البلقاء مع ابن أخت داود وهو على الجيش محاصرين قلعة؛ فكتب داود إلى ابن أخته كتاباً: إذا جاءك كتابي هذا فمر أوريا بن صورى فليحمل التابوت، وليتقدم أمام الجيش، فإما أن يفتح الحصن، وإما أن يقتل وكان من فر منهم صار لعيناً وكان في سنتهم أن يتقدم أمام التابوت من كل سبط في كل عام رجل، يكون ذلك نوائب بينهم، وكان الذي يتقدم لا يرجع حتى يقتل أو يفتح الله عليه فدعا صاحب الجيش أوريا فقرأ عليه الكتاب؛ فقال أوريا: سمع وطاعة، فحمل التابوت فتقدم أمام أصحابه، فخرجت إليه المقاتلة، فقاتلهم وكان من فرسان بني إسرائيل فقتل المقاتلة وفتح الحصن. فبعث صاحب الجيش إلى داود بالفتح؛ فكتب إليه أن قدمه في قلعة أخرى كانت أحصن وأشد شوكةً من الأولى؛ فقرأ عليه الكتاب؛ فقال: سمع وطاعة؛ فحمل التابوت وسار إلى الحصن، وتقدم أمام أصحابه، فخرجت المقاتلة فقتلهم وفتح الحصن؛ فبعث صاحب الجيش بالفتح إلى داود؛ فكتب إليه الثالثة أن قدمه؛ فلما ورد الكتاب عليه قرأه عليه قال: قد علمت ما يريد، فحمل التابوت وسار أمام أصحابه، فخرجت إليه المقاتلة، فكان أول قتيل، فكتب ابن أخت داود بذلك إلى داود، فلما انقضت عدة المرأة أرسل إليها يخطبها، فتزوجها.
وفي حديث آخر عن ابن عباس بمعناه: فلما انقضت عدتها خطبها، فاشترطت عليه إن ولدت جعله خليفته من بعده، وأشهدت على ذلك خمسين رجلاً من بني إسرائيل، وكتبت عليه كتاباً؛ فما شعر بنفسه حتى ولد سليمان بن داود عليه السلام، وتسور عليه الملكان في المحراب، وخر داود ساجداً.
وفي حديث آخر عن أنس بن مالك، يرفعه إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فقتل زوج المرأة، ونزل الملكان على داود يقصان عليه قصته؛ ففطن داود، فسجد فمكث أربعين ليلةً ساجداً حتى نبت الزرع من دموعه على رأسه، وأكلت الأرض جبينه؛ يقول في سجوده من كلمات: زل داود زلةً أبعد ما بين المشرق والمغرب، رب؛ إن لم ترحم
ضعف داود وتغفر ذنبه جعلت ذنبه حديثاً في الخلوف من بعده؛ فجاءه جبريل من بعد أربعين ليلة، فقال له: يا داود؛ قد غفر الله لك الهم الذي هممت، قال داود: قد علمت أن الله قادر على أن يغفر لي الهم الذي هممت به، وقد علمت أن الله عدل لا يميل، فكيف بفلان إذا جاء يوم القيامة فقال: يا رب دمي الذي عند داود؟ فقال جبريل: ما سألت ربي عن ذلك، ولئن شئت لأفعلن، قال: نعم؛ فعرج جبريل، فسجد داود، فمكث ما شاء الله ثم نزل، فقال قد سألت الله عز وجل يا داود عن الذي أرسلتني إليه فقال: قل لداود إن الله يجمعكما يوم القيامة فيقول: هب لي دمك الذي عند داود، فيقول: هو لك يا رب، فيقول: فإن لك في الجنة ما اشتهيت وما شئت عوضاً.
قال ثابت: كان داود نبي الله صلى الله على نبينا وعليه وسلم يذكر ذنوبه، فيخاف الله عز وجل منها خوفاً تنفرج أعضاؤه من مواضعها، ثم يذكر عائدة الله تبارك وتعالى ورأفته على أهل الذنوب فيرجع كل عضو إلى مكانه.
قال أبو سليمان: ما عمل داود عليه السلام عملاً قط كان أنفع له من خطيئته؛ ما زال منها خائفاً هارباً حتى لحق بربه.
قال صفوان بن محرز: كان داود ينادي في جوف الليل: أوه من عذاب الله، أوه من قبل أن لا تنفع أوه.
قال وهب بن منبه: لما أصاب داود الخطيئة اعتزل، ثم بكى حتى رعش وحتى خدت الدموع في خده: وفي رواية: اعتزل النساء ولزم العبادة حتى سقط، ثم بكى حتى خدت الدموع وجهه.
وفي حيث عن مجاهد: أن داود عليه السلام مكث أربعين يوما ساجداً لايرفع رأسه حتى نبت المرعى من دموع عينيه حتى غطى رأسه؛ فنودي: يا داود، أجائع فتطعم، أم ظمآن فتسقى، أم عار فتكسى؟ قال: فأجيب ففي غير ما طلب، فنحب نحبة هاج العود فاحترق من حر جوفه؛ ثم أنزل الله التوبة والمغفرة؛ فقال: رب اجعل خطيئتي في كفي؛ فكان لايبسط كفه لطعام ولا لشراب ولا لشيء سوى ذلك إلا رآهاقابلته؛ قال: فإن كان ليؤتى بالقدح ثلثاه ماء، فإذا تناوله أبصر خطيئته، فما يضعه على شفتيه حتى يفيض من دموعه.
قال ابن سابط: لو عدل بكاء داود ببكاء الخلق لكان بكاء داود أكثر منه، ولوعدل بكاء آدم ببكاء داود وببكاء الخلق لكان بكاء آدم أكثر منه.
قال ثابت: اتخذ داود عليه السلام سبع حشايا من شعر، ثم حشاهن بالرماد، ثم بكى حتى أنقذهن بدموع عينيه.
وعن الحسن قال: لما أصاب داود الخطيئة حر ساجدا أربعين ليلة، فقيل له: يا داود، ارفع رأسك فقد غفرت لك، قال: يا رب، أنت حكم عدل، لاتظلم، وقد قتلت الرجل؛ قال: أستوهبك، فيهبك لي، وأثيبه الجنة.
وقال وهب بن منبه: ما رفع رأسه حتى قال له الملك: أول أمرك ذنب، وآخره معصية، ارفع رأسك، فرفع رأسه، فمكث حياته لايشرب ماء إلا مزجه بدموعه، ولا يأكل طعاما إلا بله بدموعه، ولا يضطجع على فراش إلا غراه بدموعه حتى انهزم؛ فكان لا يدفئه لحاف.
وكان داود بعد الخطيئة لا يجالس إلا الخاطئين، ثم يقول: تعالوا إلى داود الخاطئ؛ ولا يشرب شراباً إلا مزجه بدموع عينيه؛ وكان يجعل له خبز الشعير اليابس في قصعة، فلا يزال يبكي عليه حتى يبتل بدموع عينيه؛ وكان يذر عليه الملح والرماد ويأكل ويقول: هذا
أكل الخاطئين. وكان داود قبل الخطيئة يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر؛ فلما كان من خطيئته ما كان صام الدهر كله، وقام الليل كله.
وكان داود يدعو على الخاطئين قبل أن يصيب الذنب. فلما أصاب الذنب قال: يا رب اغفر للخاطئين لعلك تغفر لي معهم.
قال عطاء الخراساني: قيل لداود: ياداود، أرفع رأسك، فذهب ليرفع فإذا هو قد نشب بالأرض، فأتاه جبريل عليه السلام فاقتلعه عن وجه الأرض كما يقتلع عن الشجرة صمغها. وقيل: إنه لزق موضع مساجده على الأرض من فروة وجهه ما شاء الله. قال ابن ابن لهيعة: فكان يقول في سجوده: سبحانك، هذا شاربي دموعي، وهذا طعامي رماد بين يدي.
قال وهب بن منبه: إن داود لما تاب الله عليه قال: يارب اغفر لي، قال: نعم، قال: فكيف لي أن لا أنسى خطيئتي، فأستغفر منها لي وللخاطئين إلى يوم ألقاك؟ قال: فوشم الله خطيئته في يده اليمنى. فما رفع فيها طعاما ولا شراباً إلا بكى إذا رآها، وما قام خطيباً في الناس إلا بسط يده وراحته فاستقبل بها الناس ليروا وشم خطيئته.
وعن مجاهد أوسعيد بن المسيب قال: يبعث داود عليه السلام، وذكر خطيئته ووجله منها في قلبه، منقوشى في كفه، فإذا رأى أهاويل الموقف لم يجد منه مبعوداً ولا محرزاً إلا برحمة الله وقربه، فيشير إليه أن هاهنا، وأشار بيمينه إلى جنبه، فذلك قول الله تعالى: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " قال وهب: أوحى الله إلى داود، يا داود، ارفع رأسك فقد غفرت لك، غير أنه ليس لك عندي ذلك الود الذي كان.
قال ثابت البناني: قال داود: يارب كيف بأوريا بن حنان؟ فال: أستوهبك منه، فيهبك لي، وأرضيه من عندي، فال: يارب، الآن علمت أن قد غفرت لي.
وعن ابن غمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كان الناس يعودون داود ويظنون به مرضاً، وما كان به مرض إلا شدة الخوف والحياء من اله عز وجل.
وعن ثابت قال: كان داود عليه السلام إذا ذكر عقاب الله تخلعت أوصاله، لايشدها إلا أسر، وإذا ذكر رحة الله تراجعت.
وقال يزيد الرقاشي: كان لداود جاريتان فقد أعدهما، فكان إذا جاءه الخوف سقط واضطرب، فقعدتا على صدره ورجليه مخافة أن تغرق أعضاؤه وممفاصله فيموت.
قال خالد بن دريك: لقي داود لقمان فقال داود: كيف أصبحت يالقمان؟ قال: أصبحت في يد غيري؛ ففكر فيها داود فصعق.
وعن عثمان بن أبي العاتكة أن داود كان يقول: سبحان خالق النور، إلهي، إذا ذكرت خطيئتي ضاقت علي الأرض برحبها؛ واذا ذكرت رحمتك ارتد إلي روحي، سبحان خالق النور، إلهي، خرجت أسأل أطباء عبادتك أن يداؤوا لي خطيئتي فكلهم عليك يدلني، سبحان خالق النور، إلهي ويل لم أخطأ خطيئة حصادها عذابك إن لم تغفرها له.
قال مالك بن دينار وغيره: لما أصاب داود الخطيئة أكثر من الدعاء فلم يستجب له، فلما راى انه لايستجاب له أخذ في ننحو من النياحة؛ فرحم فغفر له.
وعن يزيد قال: كان داود إذا أراد أن يعظ الناس خرج بهم إلى الصحراء. قال: فخرج بهم ذات يوم في ثلاثين ألفاً من الناس، فوعظهم، فمات منهم عشرون ألفاً، ورجع في عشرة آلاف من الناس مرضى.
وعن وهب بن منبه أن داود عليه السلام لما تاب الله عز وجلعليه، بكى على خطيئته ثلاثين سنة لايرقأ دمعه ليلاً ولا نهاراً، وكان أصاب الخطيئة وهو ابن سبعين سنة، فقسم الدهر بعد الخطيئة على أربعة أيام: فكان يوم للقضاء بين بني إسرائيل؛ ويوم لنسائه؛ ويوم يسيح في الفيافي والجبال الساحل؛ ويوم يخلو في دار له فيها أربعة آلاف محراب؛ فيجتمع إليه الرهبان، فينوح معهم على نفسه، ويساعدونه على ذلك. فإذا كان يوم سياحته، يخرج إلى الفيافي فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي ويبكي معه الشجر والرمال والطير والوحوش، حتى يسيل من دموعه منل الأنهار، ثم يجيء إلى الجبال والحجارة والطير والدواب حتى يسيل أودية من مكانهم، ثم يجيء إلى الساحل، فيرفع صوته بالمزامير، فيبكي ويبكي معه الحيتان ودواب البحر والسباع وطير السماء، فإذا أمسى رجع؛ فإذا كان يوم نوحه على نفسه نادى مناديه: إن اليوم يوم نوح داود على نفسه فليحضر من يساعده. قال: فيدخل الدار التي فيها المحاريب، فيبسط له ثلاثة فرش من مسوح، حشوها ليف، فيجلس عليها ويجيء الرهبان أربعة آلاف راهب عليهم البرانس وفي أيديهم العصي، فيجلسون في تلك المحاريب، ثم يرفع داود صوته بالبكاء والنوح على نفسه، ويرفع الرهبان معه أصواتهم، ولا يزال يبكي حتى تغرق الفرش من دموعه، ويقع داود فيها مثل الفرخ يضطرب، فيجيء ابنه سليمان فيحمله، فيأخذ داود من تلك الدموع بكفيه ثم يمسح بها وجهه ويقول: يارب اغفر ماترى. فلو عدل بكاء داود بجميع بكاء أهل الدنيا لعدله.
قال يحيى بن أبى كثير: بلغنا أنه كان إذا كان يوم نوح داود صلى الله على نبيناً وعليه وسلم مكث قبل ذلك سبعاً لا يأكل الطعام ولايشرب الشراب ولا يقرب النساء. فإذا كان قبل ذلك بيوم أخرج له منبر إلى البرية، وأمر سليمان منادياً يستقري البلاد وما حولها من الغياض والآكام والجبال والبراري والديارات والصوامع والبيع؛ فينادي فيهم: ألا من أحب أن يستمع نوح داود فليأت. قال: فتأتي الوحش من البراري والآكام، وتأتي السباغ من الغياض، وتأتي الهوام من الجبال، وتأتي الطير من الأوكار، وتأتي الرهبان من الصوامع والديارات، وتأتي العذارى من خدورها؛ ويجتمع الناس لذلك اليوم، ويأتي داود عليه السلام حتى يرقى على المنبر ويحيط به بنو إسرائيل، وكل صنف على حزبه، فيحيطون به يصغون إليه. قال: وسليمان قائم على رأسه، فيأخذ في الثناء على ربه، فيضجون بالبكاء والصراخ، ثم يأخذ في ذكر الجنة والنار فيموت طائفة من الناس، وطائفة من السباع، وطائفة من الهوام، وطائفة الوحش، وطائفة من الرهبان والعذارى المتعبدات؛ ثم يأخذ في ذكر الموت وأهوال القيامة، ثم يأخذ في النياحة على نفسه، فيموت طائفة من هؤلاء وطائفة من هؤلاء ومن كل صنف طائفة.
فاذا رأى سليمان ماقد كان من الموت في كل فرقة منهم نادى: يا أبتاه، قد مزقت المستمعين كل ممزق، وماتت طوائف من بني إسرائيل، ومن الوحوش والهوام والسباع والرهبان! قال: فيقطع النياحة ويأخذ في البكاء. قال: فبينا هو كذلك إذ ناداه بعض عباد بني إسرائيل: ياداود، عجلت بطلب الجزاء على ربك، فخر داود عند ذلك مغشياً عليه، قال: فلما نظر إليه سليمان وما أصابه أتى بسرير فحمله عليه ثم أمر منادياً فنادى: من كان له مع داود حميم أو قريب فلتأت بسرير فلتحمله، فإن الذين كانوا مع داود قد قتلهم ذكر الجنة والنار، قال: فإن كانت المرأة لتأتي بالسرير، فتقف على أبيها أو على أخيها أو على ابنها وهو ميت، فتنادي: وابأبي، أما من قتله ذكر النار؟ وابأبي، أما من قتله ذكر الجنة؟ وابأبي، أما من قتله ذكر الخوف من الله عز وجل؟ قال: وحتى إن الوحش تجتمع على من مات منهم فتحمله، والسباع والهوام، ويتفرقون. فإذا أفاق داود من غشيته نادى سليمان: مافعلت عباد بني إسرائيل؟ مافعل فلان وفلانة؟ فيعدد نفراً من بني إسرائيل، فيقول سليمان: يا أبتاه، موتوا عن آخرهم؛ فيقوم داود فيضع
يده على رأسه ثم يدخل بيت عباته، ويغلق عليه بابه ثم ينادي: أغضبان أنت على داود، إله داود؟ أم كيف قصرت به أن يموت خوفاً منك، أوفرقاً من نارك أو سوقاً إلى جنتك ولقائك إله داود؟ فلا يزال كذلك سبعاً ينادي: إله داود، قال: فيأتي سليمان فيقف على باب بيته فينادي، يا أبتاه، أتأذن لي في الدخول عليك؟ فيأذن له، فيدخل معه بقرص شعير، فيقول؛ يا أبتاه، تقو به على ما تريد. قال: فيأكل ذلك القرص ماشاء الله، ثم يخرج إلى بني إسرائيل فيكون بينهم.
قال الفضيل بن عياض: سأل داود ربه أن يلقي في قلبه الخوف، فدخله فلم يحتمله عقله، فطاش عقله حتى ما كان يعقل صلاةً ولا شيئاً، ولا ينتفع بشيء؛ فقيل له: أتحب أن يدعك كما أنت أن يردك إلى ما كنت عليه؟ قال: ردوني، فرد عليه عقله.
قال أبو عبد الله الجدلي: ما رفع داود رأسه إلى السماء بعد الخطيئة حتى مات.
قال كعب: توفي ابن لداود، فحزن عليه حزناً شديداً، فقيل له: ما كان يعدله عندك؟ قال: ملء الأرض ذهباً؛ فقيل له: فإن لك من الأجر مثل ذلك.
وعن الحسن وغيره قال: لما نزلت آية " الذين " قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أول من جحد آدم، إن الله لما خلقه مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارئ، فجعل يعرضهم عليه، فرأى فيهم رجلاً يزهر، فقال: أي رب، أي بني هذا؟ قال: ابنك داود، قال: أي رب، وكم عمره؟ قال: ستون سنة، قال: أي رب، زد في عمره، قال: لا، إلا أن تزيده من عمرك
قال: وكان عمر آدم ألف سنة فوهب له من عمره أربعين سنة؛ فكتب الله عليه كتاباً وأشهد عليه الملائكة. فلما احتضر آدم أتته الملائكة لتقبضه، فقال: إنه قد بقي من عمري أربعون سنة! قال: قد وهبتها لابنك داود؛ قال: ما فعلت، فأنزل الله الكتاب وشهدت عليه الملائكة، وشهد به عليه، وأكمل الله لآدم ألف سنة، وأكمل لداود مئة سنة.
وفي حديث مرفوع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعناه قال: فجحد فجحدت ذريته، وخطئ فخطئت ذريته، ونسي فنسيت ذريته؛ فرأى فيهم القوي والضعيف، والغني والفقير، والصحيح والمبتلى. قال: يا رب، ألا سويت بينهم. قال: أردت أشكر.
وعن أبي هريرة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إن الله عز وجل خلق آدم من تراب، ثم جعله طيناً، ثم تركه؛ حتى إذا كان حمأ مسنوناً خلقه وصوره ثم تركه؛ حتى إذا كان صلصالاً كالفخار قال: فكان إبليس يمر به فيقول: لقد خلقت لأمر عظيم. ثم نفخ الله فيه روحه؛ فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه، فعطس فلقاه الله حمد ربه، فقال الرب: رحمك ربك، ثم قال الله: يا آدم، اذهب إلى أولئك النفر فقل لهم، فانظر ماذا يقولون؟ فجاء فسلم عليهم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله؛ فجاء إلى ربه فقال: ماذا قالوا لك؟ وهو أعلم ما قالوا له قال: يا رب، لما سلمت عليهم قالوا: وعليك السلام ورحمة الله، فقال: يا آدم، هذا تحيتك وتحية ذريتك، قال: يا رب، وما ذريتي؟ قال: اختر يدي يا آدم، قال: اخترت يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين؛ فبسط الله كفيه، فإذا كل ما هو كائن من ذريته في كف الرحمن؛ فإذا رجال منهم على أفواههم النور وإذا رجل تعجب آدم من نوره فقال: يا رب، من هذا؟ قال: هذا ابنك داود. وساق بقية الحديث في عمره إلى آخره وعن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: كان داود النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه غيرة شديدة، فكان إذا خرج أغلقت الأبواب فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع. قال: فخرج ذات يوم، وغلقت الدار؛ فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار، وإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل والدار
مغلقة؟ والله لنفتضحن بداود؛ فجاء داود، فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال لد داود: من أنت؟ قال: الذي لا أهاب الملوك، ولا يمتنع مني الحجاب؛ فقال داود: أنت والله إذاً ملك الموت، مرحباً بأمر الله، فزمل داود مكانه حتى قبضت نفسه، حتى فرغ من شأنه، فطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهم الأرض، فقال سليمان: اقبضي جناحاً جناحاً. قال أبو هريرة: يرينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، وغلبت عليه يومئذ المضرحية.
وروي أن ملك الموت أتى داود عليه السلام وهو يصعد في محرابه أو ينزل. قال: فقال: جئت لأقبض نفسك، فقال: دعني حتى أنزل أو أرتقي، قال: ما إلى ذلك سبيل، نفدت الأيام والشهور والسنون والآثار والأرزاق، فما أنت بمؤثر عنده أثراً. قال: فسجد داود على مرقاة من ذلك الدرج؛ فقبض نفسه على تلك الحال.
وقيل: مات داود يوم السبت فجأةً. وقيل: يوم الأربعاء.
وقيل: إن إبراهيم خليل الله مات فجأةً، ومات داود فجأةً، ومات سليمان بن داود فجأة، والصالحون؛ وهو تخفيف على المؤمن وتشديد على الكافر.
قال وهب بن منبه: إن الناس حضروا جنازة داود عليه السلام، فجلسوا في الشمس في يوم صائف قال: وكان شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب عليهم البرانس، سوى غيرهم من الناس؛ ولم يمت في بني إسرائيل بعد موسى وهارون نبي كانت بنو إسرائيل أشد جزعاً عليه منهم على داود. قال: فأذلقهم الحر، فنادوا سليمان أن يعجل عليهم لما أصابهم
من الحر؛ فخرج سليمان، فنادى الطير، فأجابت، فأمرها فأظلت الناس. قال: فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه حتى استمسكت الريح، فكاد الناس أن يهلكوا غماً، فصاحوا إلى سليمان عليه السلام من الغم، فخرج سليمان فنادى الطير: أن أظلي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحية الريح؛ ففعلت، فكان الناس في ظل تهب عليهم الريح. فكان ذلك من أول ما رأوا من ملك سليمان.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لقد قبض الله داود عليه السلام من بين أصحابه، ما فتنوا ولا بدلوا. ولقد مكث أصحاب المسيح على سنته وهديه مئتي سنة.
وعن عبيد بن عمير قال: لا يأمن داود يوم القيامة، يقول: رب، ذنبي ذنبي، فقال له: ادنه ثلاث مرات حتى يبلغ مكاناً الله به أعلم؛ فكأنه يأمن فيه؛ فذلك قوله: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب ".
وعن مالك بن دينار في قوله عز وجل " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " قال: يقيم الله داود عند ساق العرش فيقول: يا داود، مجدني بذلك الصوت الحسن الرخيم، فيقول: إلهي، وكيف أمجدك به وقد سلبتنيه في دار الدنيا؟ فيقول: فإني راده عليكاليوم؛ فيرده عليه، فيرفع داود صوته، فيستفرغ صوت داود نعيم أهل الجنة.
وفي رواية: فيرفع داود صوته بالزبور، فيستفرغ نعيم أهل الجنة.
والرخيم من الأصوات: الشجي.
وعن أحمد بن يونس عن ابن شهاب عن خالد بن دينار النيلي عن حماد بن جعفر عن ابن عمر قال: ألا أخبركم بأسفل أهل الجنة؟ قالوا: بلى، فقال: رجل يدخل من باب الجنة، فتتلقاه غلمانه، فيقولون له: مرحباً بك يا سيدنا قد آن لك أن تؤوب. قال:
فتمد له الزرابي أربعين سنة، ثم ينظر عن يمينه وعن شماله فيرى الجنان، فيقول: لمن ما هاهنا؟ فيقال: لك. حتى إذا انتهى رفعت له ياقوتة حمراء، أو زمردة خضراء، لها سبعون شعباً، في كل شعب سبعون غرفة، في كل غرفة سبعون باباً؛ فيقال له: اقرأ وارق؛ قال: فيرتقي حتى إذا انتهى إلى سرير ملكه اتكأ عليه سعة ميل في يمل، وله عنه فضول، يسعى عليها بسبعين ألف صحفة من ذهب، ليس ليس فيها صحفة فيها من لون صاحبتها، فيجد لذة آخرها كما يجد لذة أولها؛ ثم يسعى عليه بألوان الأشربة، فيشرب منها ما اشتهى؛ ثم يقول الغلمان: ذروه وأزواجه. قال: فيتنحى من الغلمان، فإذا من الحور العين قاعدة على سرير ملكها، فيرى مخ ساقها من صفاء اللحم والدم، فيقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا من الحور العين اللائي خبئن لك، فينظر إليها أربعين سنةً لا يرفع بصره عنها، ثم يرفع بصره إلى الغرفة فوقه فإذا أخرى أجمل منها، فيقول: ما آن لنا أن يكون لنا منك نصيب؟ فيرتقي إليها فينظر إليها أربعين سنةً لا يصرف بصره عنها. حتى إذا بلغ النعيم منهم كل مبلغ ظنوا أن لا نعين أفضل منه تجلى لهم الرب تبارك وتعالى، فنظروا إلى وجه الرحمن عز وجل، فنسوا كل نعيم عاشوه حين نظروا إلى وجه الرحمن عز وجل، فيقول: يا أهل الجنة، هللوني؛ فيتجاوبون بالتهليل؛ فيقول: يا داود، قم فمجدني كما كنت تمجدني في الدنيا. فيمجد داود ربه عز وجل.
قال أحمد بن يونس: قلت لابن شهاب: حديث خالد بن دينار في ذكر الجنة، رفعه؟ قال: نعم.
وعن عكرمة أن داود يقوم على أطول سرر في الجنة ينادي بصوته الذي أعطاه الله: لا إله إلا الله.