نفيع بن الحارث ويقال ابن مسروح
أبو بكرة الثقفي ويقال: إن اسم أبي بكرة مسروح مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل الطائف، أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حصار الطائف فأعتقه، وسكن البصرة، ووفد على معاوية.
حدث أبو بكرة قال: جئت ونبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع قد حفزني النفس، فركعت دون الصف، ثم مشيت إلى الصف، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته قال: أيكم ركع دون الصف؟ فقلت: أنا، فقال: زادك الله حرصاً، ولا تعد.
كان ولد أبي بكرة يقولون: نفيع بن الحارث الثقفي، وكان أبو بكرة ينكر ذلك، وقال لابنته حين حضرته الوفاة: اندبيني ابن مسروح الحبشي.
وكان رجلاً صالحاً ورعاً، ومات أبو بكرة والحسن بن علي في سنة واحدة، ومات الحسن بن علي سنة تسع وأربعين، وقيل: مات بعد الحسن بن علي سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وقيل: مات في ولاية زياد بن أبي سفيان بالبصرة، وكان أخاه لأمه، واسمها سمية.
وكان أبو بكرة عبداً بالطائف، فلما حاصر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الطائف قال: أيما حر نزل إلينا فهو آمن، وأيما عبد نزل إليها فهو حر، فنزل إليه عدة من عبيد أهل الطائف فيهم أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان أبو بكرة تدلى إليهم في بكرة فكنوه أبا بكرة، فكان يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان أبو بكرة مسروح عبداً للحارث بن كلدة.
قال أبو عثمان النهدي: سمعت سعد بن مالك وأبا بكرة يقولان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ".
قال: وكان سعد بن مالك أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان أبو بكرة أول من تسور على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد ثقيف.
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: أتيت عبد الله بن عمرو في بيته، فقال لي: من أنت؟ قلت: عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: من أبو بكرة؟ قلت: أما تذكر الرجل الذي وثب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سور الطائف؟ قال: بلى، فرحب بي.
حدثني رجل من ثقيف قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، فلم يرخص لنا، فقلنا: إن أرضنا أرض باردة، فسألنا أن يرخص لنا في الطهور، فلم يرخص لنا، وسألناه أن يرخص لنا في الدباء، فلم يرخص لنا فيه ساعة، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة، فأبى، وقال: " هو طليق الله وطليق رسوله "، وكان أبو بكرة خرج إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حاصر الطائف فأسلم.
أرادت ثقيف أن تدعي أبا بكرة، فقال: أنا مسروح مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان أبو بكرة لا يعرف أبوه، فإذا عيره أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، قال: فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ".
وعن عبد الرحمن بن جوشن: في قوله عز وجل: " ادعوهم لآبائهم " هو أقسط عند الله " فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين " قال: قال أبو بكرة: أنا من إخوانكم ممن لا أب له.
قال عبد العزيز بن أبي بكرة: إن أبا بكرة تزوج امرأة من بني غدانة، وإنها هلكت، فحملها إلى المقابر، فحال إخوته بينها وبين الصلاة عليها، فقال لهم: لا تفعلوا فإني أحق بالصلاة منكم، قالوا: صدق صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى عليها، ثم إنه دخل القبر، فدفعوه دفعاً عنيفاً، فوقع، فغشي عليه، فحملوه إلى أهله، فصرخ عليه يومئذ عشرون من ابن وبنت، قال عبد العزيز: وأنا يومئذ من أصغرهم. فأفاق إفاقة، فقال لهم: لا تصرخوا علي، فوالله ما من نفس تخرج أحب إلي من نفس أبي بكرة، ففزع القوم، فقالوا له: لم يا أبانا؟ قال: إني أخشى أن أدرك زماناً لا أستطيع أن آمر بمعروف، ولا أنهى عن منكر، وما خير يومئذ.
قال الحكم الأعرج: جلب رجل خشباً من السند أو الهند، فطلبه زياد أو ابن زياد منه، فأبى أن يبيعه، فغصبه إياه، فبنى صفة مسجد البصرة، فلم يصل أبو بكرة فيها حتى قلعت.
وعن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن معبد، فاستتاب نافعاً وشبل بن معبد، فتابا، فقبل شهادتهما، واستتاب أبا بكرة، فأبى وأقام، فلم يقبل شهادته، وكان أفضل القوم.
وكان أبو بكرة إذا أتاه الرجل يشهده، قال: أشهد غيري، فإن المسلمين قد فسقوني. وهذا إن صح فلأنه امتنع من أن يتوب من قذفه، وأقام عليه، ولو كان تاب منه لما ألزموه اسم الفسق.
وحدث سعد بن إبراهيم قال: يزعم أهل العراق أن القاذف لا يجلد حداً شديداً، أشهد أن أبي أخبري أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أمرت بشاة حين جلد أبو بكرة فسلخت، فلبس مسكها، فهل كان ذلك إلا من ضرب شديد؟ سأل عبيد الله بن زياد أبا بكرة: ما أعظم المصيبة؟ قال: مصيبة الرجل في دينه، قال: ليس عن هذا أسألك، قال: فموت الأب قاصمة الظهر، وموت الولد صدع في الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت المرأة حزن ساعة.
وعن الحسن قال:
مر بي أنس بن مالك وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة يعاتبه، فانطلقت معه، فدخلنا إلى الشيخ وهو مريض، فأبلغه عنه، فقال: إنه يقول: ألم أستعمل عبيد الله بن زياد على فارس؟ ألم أستعمل زواداً على دار الرزق؟ ألم أستعمل عبد الرحمن على الديوان وبيت المال؟ فقال أبو بكرة: هل زاد على أن أدخلهم النار؟ فقال أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهداً، فقال الشيخ: أقعدوني، إني لا أعلمه إلا مجتهداً، وأهل حروراء قد اجتهدوا فأصابوا أم أخطؤوا، قال أنس: فرجعنا مخصومين.
لما اشتكى أبو بكرة عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب، فأبى، فلما نزل به الموت، فعرف الموت من نفسه، وعرفوه منه، قال: أين طبيبكم، ليردها إن كان صادقاً، فقالوا: وما يغني الآن، قال: وقبل الآن، فجاءت ابنته أمة الله، فلما رأت ما به بكت، فقال: أي بنية، لا تبكي، قالت: يا أبه، فإذا لم أبك عليك فعلى من أبكي؟ فقال: لا تبكي، فوالذي نفسي بيده، ما على الأرض أحب إلي من أن تكون قد خرجت، من نفسي هذه، ولا نفس هذا الذباب الطائر، فأقبل على حرمان يعني ابن أبان وهو عند رأسه، فقال: ألا أخبرك مم ذلك؟ قال: حسبت والله أنه يوشك أن يجيء أمر يحول بيني وبين الإسلام.
ثم جاء أنس بن مالك فقعد بين يديه، وأخذ بيده، وقال: إن ابن أمك زياد أرسلني إليك يقرئك السلام، وقد بلغه الذي نزل بك من قضاء الله، فأحب أن يحدث بك عهداً، ويسلم عليك، ويفارقك عن رضى.
فقال: أمبلغه عني؟ قال: نعم، قال: فإني أحرج عليه أن يدخل لي بيتاً، ويحضر لي جنازة، قال: لم يرحمك الله وقد كان لك معظماً، ولبيتك واصلاً؟ قال في ذلك غضبه عليه، قال: ففي خاصة نفسك ما علمته إلا مجتهداً، قال؛ فأجلسوني، فأجلس، فقال: نشدتك الله لما حدثتني عن أهل النهر، أكانوا مجتهدين؟ قال: نعم قال: فأصابوا أم أخطؤوا؟ قال: هو ذلك. قال: أضجعوني.
فرجع أنس إلى زياد، فأبلغه، فركب مكانه متوجهاً إلى الكوفة، فتوفي وهو بالجلحاء، فقدم بنوه أبا برزة، فصلى عليه، " وقيل: إنه أوصى أن يصلي عليه أبو برزة ".
وعن الحسن قال: لما حضرت أبا بكرة الوفاة قال: اكتبوا وصيتي: فكتب الكاتب: هذا ما أوصى به نفيع الحبشي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يشهد أن الله ربه، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيه، وأن الإسلام دينه، وأن الكعبة قبلته، وأنه يرجو من الله ما يرجوه المعترفون بتوحيده، المقرون بربوبيته، الموقنون بوعده ووعيده، الخائفون لعذابه، المشفقون من عقابه، المؤملون لرحمته، إنه أرحم الراحمين.
أبو بكرة الثقفي ويقال: إن اسم أبي بكرة مسروح مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، من أهل الطائف، أتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حصار الطائف فأعتقه، وسكن البصرة، ووفد على معاوية.
حدث أبو بكرة قال: جئت ونبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع قد حفزني النفس، فركعت دون الصف، ثم مشيت إلى الصف، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته قال: أيكم ركع دون الصف؟ فقلت: أنا، فقال: زادك الله حرصاً، ولا تعد.
كان ولد أبي بكرة يقولون: نفيع بن الحارث الثقفي، وكان أبو بكرة ينكر ذلك، وقال لابنته حين حضرته الوفاة: اندبيني ابن مسروح الحبشي.
وكان رجلاً صالحاً ورعاً، ومات أبو بكرة والحسن بن علي في سنة واحدة، ومات الحسن بن علي سنة تسع وأربعين، وقيل: مات بعد الحسن بن علي سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة اثنتين وخمسين، وقيل: مات في ولاية زياد بن أبي سفيان بالبصرة، وكان أخاه لأمه، واسمها سمية.
وكان أبو بكرة عبداً بالطائف، فلما حاصر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل الطائف قال: أيما حر نزل إلينا فهو آمن، وأيما عبد نزل إليها فهو حر، فنزل إليه عدة من عبيد أهل الطائف فيهم أبو بكرة، فأعتقهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان أبو بكرة تدلى إليهم في بكرة فكنوه أبا بكرة، فكان يقول: أنا مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان أبو بكرة مسروح عبداً للحارث بن كلدة.
قال أبو عثمان النهدي: سمعت سعد بن مالك وأبا بكرة يقولان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام ".
قال: وكان سعد بن مالك أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان أبو بكرة أول من تسور على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في وفد ثقيف.
قال عبد الرحمن بن أبي بكرة: أتيت عبد الله بن عمرو في بيته، فقال لي: من أنت؟ قلت: عبد الرحمن بن أبي بكرة، قال: من أبو بكرة؟ قلت: أما تذكر الرجل الذي وثب إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سور الطائف؟ قال: بلى، فرحب بي.
حدثني رجل من ثقيف قال: سألنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، فلم يرخص لنا، فقلنا: إن أرضنا أرض باردة، فسألنا أن يرخص لنا في الطهور، فلم يرخص لنا، وسألناه أن يرخص لنا في الدباء، فلم يرخص لنا فيه ساعة، وسألناه أن يرد إلينا أبا بكرة، فأبى، وقال: " هو طليق الله وطليق رسوله "، وكان أبو بكرة خرج إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حاصر الطائف فأسلم.
أرادت ثقيف أن تدعي أبا بكرة، فقال: أنا مسروح مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكان أبو بكرة لا يعرف أبوه، فإذا عيره أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، قال: فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ".
وعن عبد الرحمن بن جوشن: في قوله عز وجل: " ادعوهم لآبائهم " هو أقسط عند الله " فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين " قال: قال أبو بكرة: أنا من إخوانكم ممن لا أب له.
قال عبد العزيز بن أبي بكرة: إن أبا بكرة تزوج امرأة من بني غدانة، وإنها هلكت، فحملها إلى المقابر، فحال إخوته بينها وبين الصلاة عليها، فقال لهم: لا تفعلوا فإني أحق بالصلاة منكم، قالوا: صدق صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصلى عليها، ثم إنه دخل القبر، فدفعوه دفعاً عنيفاً، فوقع، فغشي عليه، فحملوه إلى أهله، فصرخ عليه يومئذ عشرون من ابن وبنت، قال عبد العزيز: وأنا يومئذ من أصغرهم. فأفاق إفاقة، فقال لهم: لا تصرخوا علي، فوالله ما من نفس تخرج أحب إلي من نفس أبي بكرة، ففزع القوم، فقالوا له: لم يا أبانا؟ قال: إني أخشى أن أدرك زماناً لا أستطيع أن آمر بمعروف، ولا أنهى عن منكر، وما خير يومئذ.
قال الحكم الأعرج: جلب رجل خشباً من السند أو الهند، فطلبه زياد أو ابن زياد منه، فأبى أن يبيعه، فغصبه إياه، فبنى صفة مسجد البصرة، فلم يصل أبو بكرة فيها حتى قلعت.
وعن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب جلد أبا بكرة ونافع بن الحارث وشبل بن معبد، فاستتاب نافعاً وشبل بن معبد، فتابا، فقبل شهادتهما، واستتاب أبا بكرة، فأبى وأقام، فلم يقبل شهادته، وكان أفضل القوم.
وكان أبو بكرة إذا أتاه الرجل يشهده، قال: أشهد غيري، فإن المسلمين قد فسقوني. وهذا إن صح فلأنه امتنع من أن يتوب من قذفه، وأقام عليه، ولو كان تاب منه لما ألزموه اسم الفسق.
وحدث سعد بن إبراهيم قال: يزعم أهل العراق أن القاذف لا يجلد حداً شديداً، أشهد أن أبي أخبري أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أمرت بشاة حين جلد أبو بكرة فسلخت، فلبس مسكها، فهل كان ذلك إلا من ضرب شديد؟ سأل عبيد الله بن زياد أبا بكرة: ما أعظم المصيبة؟ قال: مصيبة الرجل في دينه، قال: ليس عن هذا أسألك، قال: فموت الأب قاصمة الظهر، وموت الولد صدع في الفؤاد، وموت الأخ قص الجناح، وموت المرأة حزن ساعة.
وعن الحسن قال:
مر بي أنس بن مالك وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة يعاتبه، فانطلقت معه، فدخلنا إلى الشيخ وهو مريض، فأبلغه عنه، فقال: إنه يقول: ألم أستعمل عبيد الله بن زياد على فارس؟ ألم أستعمل زواداً على دار الرزق؟ ألم أستعمل عبد الرحمن على الديوان وبيت المال؟ فقال أبو بكرة: هل زاد على أن أدخلهم النار؟ فقال أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهداً، فقال الشيخ: أقعدوني، إني لا أعلمه إلا مجتهداً، وأهل حروراء قد اجتهدوا فأصابوا أم أخطؤوا، قال أنس: فرجعنا مخصومين.
لما اشتكى أبو بكرة عرض عليه بنوه أن يأتوه بطبيب، فأبى، فلما نزل به الموت، فعرف الموت من نفسه، وعرفوه منه، قال: أين طبيبكم، ليردها إن كان صادقاً، فقالوا: وما يغني الآن، قال: وقبل الآن، فجاءت ابنته أمة الله، فلما رأت ما به بكت، فقال: أي بنية، لا تبكي، قالت: يا أبه، فإذا لم أبك عليك فعلى من أبكي؟ فقال: لا تبكي، فوالذي نفسي بيده، ما على الأرض أحب إلي من أن تكون قد خرجت، من نفسي هذه، ولا نفس هذا الذباب الطائر، فأقبل على حرمان يعني ابن أبان وهو عند رأسه، فقال: ألا أخبرك مم ذلك؟ قال: حسبت والله أنه يوشك أن يجيء أمر يحول بيني وبين الإسلام.
ثم جاء أنس بن مالك فقعد بين يديه، وأخذ بيده، وقال: إن ابن أمك زياد أرسلني إليك يقرئك السلام، وقد بلغه الذي نزل بك من قضاء الله، فأحب أن يحدث بك عهداً، ويسلم عليك، ويفارقك عن رضى.
فقال: أمبلغه عني؟ قال: نعم، قال: فإني أحرج عليه أن يدخل لي بيتاً، ويحضر لي جنازة، قال: لم يرحمك الله وقد كان لك معظماً، ولبيتك واصلاً؟ قال في ذلك غضبه عليه، قال: ففي خاصة نفسك ما علمته إلا مجتهداً، قال؛ فأجلسوني، فأجلس، فقال: نشدتك الله لما حدثتني عن أهل النهر، أكانوا مجتهدين؟ قال: نعم قال: فأصابوا أم أخطؤوا؟ قال: هو ذلك. قال: أضجعوني.
فرجع أنس إلى زياد، فأبلغه، فركب مكانه متوجهاً إلى الكوفة، فتوفي وهو بالجلحاء، فقدم بنوه أبا برزة، فصلى عليه، " وقيل: إنه أوصى أن يصلي عليه أبو برزة ".
وعن الحسن قال: لما حضرت أبا بكرة الوفاة قال: اكتبوا وصيتي: فكتب الكاتب: هذا ما أوصى به نفيع الحبشي مولى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يشهد أن الله ربه، وأن محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبيه، وأن الإسلام دينه، وأن الكعبة قبلته، وأنه يرجو من الله ما يرجوه المعترفون بتوحيده، المقرون بربوبيته، الموقنون بوعده ووعيده، الخائفون لعذابه، المشفقون من عقابه، المؤملون لرحمته، إنه أرحم الراحمين.