أسيد بن الحضير بن سماك
ابن عتيك بن رافع بن امرئ القيس، ويقال: ابن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو، وهو النبيت، بن مالك بن الأوس بن حارثة وهو العنقاء ابن عمرو، وهو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة ابن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، واسمه عمر بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو يحيى، ويقال: أبو عتيك ويقال: أبو الحضير ويقال: أبو عيسى ويقال: أبو عمرو، الأنصاري، الأوسي، الأشهلي، النقيب حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد معه العقبة، وشهد مع عمر بن الخطاب الجابية، فيما ذكره الواقدي في فتوح الشام، وذكر أن عمر جعله على ربع الأنصار، وشهد معه فتح بيت
المقدس، ثم خرج معه خرجته الثانية التي رجع فيها من سرغ أميراً على الأنصار.
روى أن رجلاً من الأنصار تخلى برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ قال: " إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ".
وعن ابن شفيع وكان طبيباً قال: دعاني أسيد بن حضير فقطعت له عرق النسا، فحدثني بحديثين: قال: أتاني أهل بيتين من قومي، من أهل بيت من بني ظفر، وأهل بيت من بني معاوية، فقالوا: كلم رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لنا أو يعطينا، أو نحواً من هذا؛ فكلمته فقال: " نعم أقسم لأهل كل بين منهم شطراً، فإن عاد الله علينا عدنا عليهم " قال: فقلت: جزاك الله خيراً يا رسول الله؛ قال: " وأنتم فجزاكم الله خيراً، فإنكم ما علمتكم أعفة صبر ".
قال: وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنكم ستلقون أثرة بعدي " فلما كان عمر بن الخطاب قسم حللاً بين الناس، فبعث إلي منها بحلة، فاستصغرتها فأعطيتها ابني، فبينما أنا أصلي إذ مر بي شاب من شباب قريش عليه حلة من تلك الحلل يجرها، فذكرت قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم ستلقون أثرة بعدي " فقلت: صدق الله ورسوله، فانطلق رجل إلى عمر فأخبره، فجاء فقال: صل يا أسيد؛ فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته، فقال: تلك حلة بعثت بها إلى فلان وهو بدري أحدي عقبي فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه، فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني! قلت: قد والله يا أمير المؤمنين ظننت أن ذاك لا يكون في زمانك.
عن عائشة، قالت: قدمنا من حج أو عمرة، فتلقينا بذي الحليفة، وكان غلمان الأنصار يتلقون أهليهم، فلقوا أسيد بن حضير فنعوا له امرأته، فتقنع وجعل يبكي؛ فقلت: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولك من المسابقة والقدم مالك، وأنت تبكي على
امرأة؛ قال: فكشف رأسه، وقال: صدقت لعمري، ليحق أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ، وقد قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال؛ قالت: قلت: وما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال: " لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ "، قالت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أسيد، قال:
بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتحدث وكان فيه مزاح يحدث القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خاصرته، فقال: أصبرني فقال: " اصطبر؟ " قال: إنك عليك قميص ولم يكن علي قميص؛ فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول الله.
عن مالك، قال: كان أسيد بن الحضير أحد النقباء، وكانت الأنصار بينهم اثنا عشر نقيباً، وكانوا سبعين رجلاً؛ قال مالك: فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام وعلى جميع الملائكة كان يشير له إلى أن يجعله نقيباً؛ قال مالك بن أنس: كنت أعجب كيف جاء من كل قبيلة رجلان، ومن قبيلة رجل حتى حدثني هذا الشيخ أن جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير إليهم يوم البيعة يوم العقبة.
قال مالك: عدة النقباء اثنا عشر رجلاً، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
وعن عبد الله بن أبي سفيان: ولقيه أسيد بن حضير، فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكنني ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقت ".
قل محمد بن سعد: وكان لأسيد من الولد: يحيى، وأمه من كندة، توفي وليس له عقب؛ وكان أبو
حضير الكتائب شريفاً في الجاهلية، وكان رئيس الأوس يوم بعاث، وهي آخر وقعة بين الأوس والخزرج في الحروب التي كانت بينهم، وقتل يومئذ حضير الكتائب؛ وكانت هذه الوقعة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قد تنبأ ودعا إلى الإسلام، ثم هاجر بعدها بست سنين إلى المدينة.
ولحضير الكتائب يقول خفاف بن ندبة السلمي: من الطويل
لو أن المنايا حدن عن ذي مهابةٍ ... لهبن حضيراً يوم غلق واقما
يطوف به حتى إذا الليل جنه ... تبوأ منه مقعداً متناعما
قال: وواقم أطم حضير الكتائب، وكان في بني الأشهل، وكان أسيد بن الحضير بعد أبيه شريفاً في قومه، في الجاهلية وفي الإسلام، يعد من عقلائهم وذوي رأيهم، وكان يكتب بالعربية في الجاهلية، وكانت الكتابة في العرب قليلاً، وكان يحسن العوم والرمي، وكان يسمى من كانت هذه الخصال فيه: الكامل، وكانت قد اجتمعت في أسيد، وكان أبوه حضير الكتائب يعرف بذلك أيضاً ويسمى به.
عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر.
قال يحيى بن بكير: مات سنة عشرين، وحمله عمر بين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع وصلى عليه.
وعن ابن حازم وابن معيقب، قالا: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصعب بن عمير مع النفر الإثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن، وكان منزله على أسعد بن زرارة، وكان إنما يسمى بالمدينة المقرئ، فخرج يوماً أسعد بن زرارة إلى دار بني عبد الأشهل، فدخل به
حائطاً من حوائط بني ظفر وهي قرية لبني ظفر دون قرية بني عبد الأشهل، وكانا ابنا عم يقال لها: بئر مرق، فسمع بهما سعد بن معاذ وكان ابن خالة أسعد بن زرارة فقال لأسيد بن حضير: آئت أسعد بن زرارة فازجره عنا فليكف عنا ما نكره، فإنه قد بلغني أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب معه يسفه سفهاءنا وضعفاءنا، فإنه لولا ما بيني وبينه من القرابة لكفيتك ذلك؛ فأخذ أسيد بن حضير الحربة، ثم خرج حتى أتاهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا والله سيد قومه قد جاءك فأبل الله فيه بلاء حسناً؛ فقال: إن يقعد أكلمه؛ فوقف عليهما متشتماً، فقال: يا أسعد ما لنا ولك تأتينا بهذا الرجل الغريب تسفه به سفهاءنا؟ فقال: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ قال: قد أنصفتم.
ثم ركز الحربة وجلس، فكلمه مصعب، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن؛ فوالله لعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم لتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! فكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ قال: تطهر وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتصلي ركعتين؛ ففعل، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً من قومي إن تابعكما لم يخالفكما أحد بعده، ثم خرج حتى أتى سعد بن معاذ؛ فلما رآه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد رجع عليكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به ممن عندكم؛ فلما وقف على النادي قال له سعد: فماذا صنعت؟ قال: قد ازدجرتهما، وقد بلغني أن بني حارثة يريدون أسعد بن زرارة ليقتلوه ليخفروك فيه لأنه ابن خالته فقام إليه سعد مغضباً، فأخذ الحربة من يده، وقال: والله ما أراك أغنيت شيئاً؛ فخرج.
فلما نظر إليه أسعد بن زرارة قد طلع عليهما، قال لمصعب: هذا والله سيد من وراءه من قومه، إن هو تابعك لم يخالفك أحد من قومه، فاصدق الله فيه؛ فقال مصعب بن عمير: إن يسمع مني أكلمه.
فلما وقف عليهما قال: يا أسعد ما دعاك إلى أن تغشاني بما أكره وهو متشتم أما
والله إنه لولا ما بيني وبينك من القرابة ما طمعت في هذا مني؛ فقالا له: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته أعفيت مما تكره؟ قال: أنصفتما بي؛ ثم ركز الحربة وجلس.
فكلمه مصعب، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن؛ قال: فوالله لعرفنا فيه الإسلام قبل أن يتكلم لتسهل وجهه؛ ثم قال: وكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ فقالا له: تطهر وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتركع ركعتين؛ فقام ففعل، ثم أخذ الحربة وانصرف عنهما إلى قومه.
فلما رآه رجال بني عبد الأشهل قالوا: نقسم بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، أي رجل تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: نعلمك والله خيرنا أفضلنا، أيمننا نقيبةً، وأفضلنا فينا رأياً؛ قال: فإن كلام نسائكم ورجالكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده، وتصدقوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلم.
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح ".
وعن أنس: أن أسيد بن حضير ورجلاً آخر من الأنصار تحدثا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة من حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبيد كل واحد منهما عصية، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترق بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحدٍ منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله.
وعن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله تعالى: " يسألونك عن المحيض " إلى آخر الآية؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه؛ فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود قالت كذا وكذا، أفلا يجامعوهن، فتغير وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظننت أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
عن عائشة، أنها قالت: كان أسيد بن حضير من أفاضل الناس، فكان يقول: لو أني أكون كما أكون في حال من أحوال ثلاثة لكنت من أهل الجنة، وما شككت في ذلك، حين أقرأ القرآن وحين أسمعه؛ وإذا سمعت خطبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإذا شهدت جنازة، فما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي بسوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه.
وعن أسيد بن حضير وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن قال:
قرأت ليلة سورة البقرة، وفرس لي مربوط، ويحيى ابني مضطجع قريب مني وهو غلام، فجالت الفرس فوقفت وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت فجالت الفرس فوقفت وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت فجالت الفرس فرفعت رأسي فإذا شيء كهيئة الظلة فيها مثل المصابيح مقبل من السماء، فهالني، فسكت؛ فلما أصبحت غدوت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فقال: " اقرأ أبا يحيى " فقلت: قد قرأت فجالت الفرس وليس لي هم إلا ابني فقال: اقرأ يا ابن حضير " فقلت قد قرأت فرفعت رأسي فإذا كهيئة الظلة فيها المصابيح فهالني؛ فقال: " تلك الملائكة دنوا لصوتك، ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم ".
عن أبي قتادة، قال: انتهينا إليهم يعني بني قريظة فلما رأونا أيقنوا بالشر، وغرز علي الراية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأزواجه؛ قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا: السيف بيننا وبينكم؛ وطلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه علي رجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمرني ألزم اللواء فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذاهم وشتمهم، فسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، وتقدمه أسيد بن حضير فقال: يا أعداء الله، لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعاً، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في حجر؛ قالوا: يا ابن الحضير، نحن مواليك دون الخزرج؛ وخاروا؛ فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إل.
وعن بشر بن يسار أن أسيد بن الحضير كان يؤم قومه، واشتكى، فصلى بهم قاعداً، فصلوا وراءه قعوداً.
وعن عروة أن أسيد بن حضير مات وعليه دين أربعة آلاف درهم، فبيعت أرضه؛ فقال عمر: أترك بني أخي عالة! فرد الأرض وباع ثمرها من الغرماء أربع سنين بأربعة آلاف، كل سنة ألف درهم.
توفي سنة عشرين وصلى عليه عمر، ودفن بالبقيع.
ابن عتيك بن رافع بن امرئ القيس، ويقال: ابن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو، وهو النبيت، بن مالك بن الأوس بن حارثة وهو العنقاء ابن عمرو، وهو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة ابن مازن بن الأزد بن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ، واسمه عمر بن يشجب بن يعرب بن قحطان أبو يحيى، ويقال: أبو عتيك ويقال: أبو الحضير ويقال: أبو عيسى ويقال: أبو عمرو، الأنصاري، الأوسي، الأشهلي، النقيب حدث عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشهد معه العقبة، وشهد مع عمر بن الخطاب الجابية، فيما ذكره الواقدي في فتوح الشام، وذكر أن عمر جعله على ربع الأنصار، وشهد معه فتح بيت
المقدس، ثم خرج معه خرجته الثانية التي رجع فيها من سرغ أميراً على الأنصار.
روى أن رجلاً من الأنصار تخلى برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: ألا تستعملني كما استعملت فلاناً؟ قال: " إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ".
وعن ابن شفيع وكان طبيباً قال: دعاني أسيد بن حضير فقطعت له عرق النسا، فحدثني بحديثين: قال: أتاني أهل بيتين من قومي، من أهل بيت من بني ظفر، وأهل بيت من بني معاوية، فقالوا: كلم رسول لله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقسم لنا أو يعطينا، أو نحواً من هذا؛ فكلمته فقال: " نعم أقسم لأهل كل بين منهم شطراً، فإن عاد الله علينا عدنا عليهم " قال: فقلت: جزاك الله خيراً يا رسول الله؛ قال: " وأنتم فجزاكم الله خيراً، فإنكم ما علمتكم أعفة صبر ".
قال: وسمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنكم ستلقون أثرة بعدي " فلما كان عمر بن الخطاب قسم حللاً بين الناس، فبعث إلي منها بحلة، فاستصغرتها فأعطيتها ابني، فبينما أنا أصلي إذ مر بي شاب من شباب قريش عليه حلة من تلك الحلل يجرها، فذكرت قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنكم ستلقون أثرة بعدي " فقلت: صدق الله ورسوله، فانطلق رجل إلى عمر فأخبره، فجاء فقال: صل يا أسيد؛ فلما قضيت صلاتي قال: كيف قلت؟ فأخبرته، فقال: تلك حلة بعثت بها إلى فلان وهو بدري أحدي عقبي فأتاه هذا الفتى فابتاعها منه، فلبسها، فظننت أن ذلك يكون في زماني! قلت: قد والله يا أمير المؤمنين ظننت أن ذاك لا يكون في زمانك.
عن عائشة، قالت: قدمنا من حج أو عمرة، فتلقينا بذي الحليفة، وكان غلمان الأنصار يتلقون أهليهم، فلقوا أسيد بن حضير فنعوا له امرأته، فتقنع وجعل يبكي؛ فقلت: غفر الله لك، أنت صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولك من المسابقة والقدم مالك، وأنت تبكي على
امرأة؛ قال: فكشف رأسه، وقال: صدقت لعمري، ليحق أن لا أبكي على أحد بعد سعد بن معاذ، وقد قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما قال؛ قالت: قلت: وما قال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قال: " لقد اهتز العرش لوفاة سعد بن معاذ "، قالت: وهو يسير بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أسيد، قال:
بينما نحن عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نتحدث وكان فيه مزاح يحدث القوم ويضحكهم فطعنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خاصرته، فقال: أصبرني فقال: " اصطبر؟ " قال: إنك عليك قميص ولم يكن علي قميص؛ فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قميصه، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ويقول: إنما أردت هذا يا رسول الله.
عن مالك، قال: كان أسيد بن الحضير أحد النقباء، وكانت الأنصار بينهم اثنا عشر نقيباً، وكانوا سبعين رجلاً؛ قال مالك: فحدثني شيخ من الأنصار أن جبريل عليه السلام وعلى جميع الملائكة كان يشير له إلى أن يجعله نقيباً؛ قال مالك بن أنس: كنت أعجب كيف جاء من كل قبيلة رجلان، ومن قبيلة رجل حتى حدثني هذا الشيخ أن جبريل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يشير إليهم يوم البيعة يوم العقبة.
قال مالك: عدة النقباء اثنا عشر رجلاً، تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس.
وعن عبد الله بن أبي سفيان: ولقيه أسيد بن حضير، فقال: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدواً، ولكنني ظننت أنها العير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صدقت ".
قل محمد بن سعد: وكان لأسيد من الولد: يحيى، وأمه من كندة، توفي وليس له عقب؛ وكان أبو
حضير الكتائب شريفاً في الجاهلية، وكان رئيس الأوس يوم بعاث، وهي آخر وقعة بين الأوس والخزرج في الحروب التي كانت بينهم، وقتل يومئذ حضير الكتائب؛ وكانت هذه الوقعة ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة قد تنبأ ودعا إلى الإسلام، ثم هاجر بعدها بست سنين إلى المدينة.
ولحضير الكتائب يقول خفاف بن ندبة السلمي: من الطويل
لو أن المنايا حدن عن ذي مهابةٍ ... لهبن حضيراً يوم غلق واقما
يطوف به حتى إذا الليل جنه ... تبوأ منه مقعداً متناعما
قال: وواقم أطم حضير الكتائب، وكان في بني الأشهل، وكان أسيد بن الحضير بعد أبيه شريفاً في قومه، في الجاهلية وفي الإسلام، يعد من عقلائهم وذوي رأيهم، وكان يكتب بالعربية في الجاهلية، وكانت الكتابة في العرب قليلاً، وكان يحسن العوم والرمي، وكان يسمى من كانت هذه الخصال فيه: الكامل، وكانت قد اجتمعت في أسيد، وكان أبوه حضير الكتائب يعرف بذلك أيضاً ويسمى به.
عن عائشة قالت: ثلاثة من الأنصار لم يكن أحد يعتد عليهم فضلاً، كلهم من بني عبد الأشهل: سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وعباد بن بشر.
قال يحيى بن بكير: مات سنة عشرين، وحمله عمر بين عمودي السرير حتى وضعه بالبقيع وصلى عليه.
وعن ابن حازم وابن معيقب، قالا: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مصعب بن عمير مع النفر الإثني عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى إلى المدينة يفقه أهلها ويقرئهم القرآن، وكان منزله على أسعد بن زرارة، وكان إنما يسمى بالمدينة المقرئ، فخرج يوماً أسعد بن زرارة إلى دار بني عبد الأشهل، فدخل به
حائطاً من حوائط بني ظفر وهي قرية لبني ظفر دون قرية بني عبد الأشهل، وكانا ابنا عم يقال لها: بئر مرق، فسمع بهما سعد بن معاذ وكان ابن خالة أسعد بن زرارة فقال لأسيد بن حضير: آئت أسعد بن زرارة فازجره عنا فليكف عنا ما نكره، فإنه قد بلغني أنه قد جاء بهذا الرجل الغريب معه يسفه سفهاءنا وضعفاءنا، فإنه لولا ما بيني وبينه من القرابة لكفيتك ذلك؛ فأخذ أسيد بن حضير الحربة، ثم خرج حتى أتاهما، فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا والله سيد قومه قد جاءك فأبل الله فيه بلاء حسناً؛ فقال: إن يقعد أكلمه؛ فوقف عليهما متشتماً، فقال: يا أسعد ما لنا ولك تأتينا بهذا الرجل الغريب تسفه به سفهاءنا؟ فقال: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته كف عنك ما تكره؟ قال: قد أنصفتم.
ثم ركز الحربة وجلس، فكلمه مصعب، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن؛ فوالله لعرفنا الإسلام في وجهه قبل أن يتكلم لتسهله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله! فكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ قال: تطهر وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتصلي ركعتين؛ ففعل، ثم قال لهما: إن ورائي رجلاً من قومي إن تابعكما لم يخالفكما أحد بعده، ثم خرج حتى أتى سعد بن معاذ؛ فلما رآه سعد بن معاذ مقبلاً قال: أحلف بالله لقد رجع عليكم أسيد بن حضير بغير الوجه الذي ذهب به ممن عندكم؛ فلما وقف على النادي قال له سعد: فماذا صنعت؟ قال: قد ازدجرتهما، وقد بلغني أن بني حارثة يريدون أسعد بن زرارة ليقتلوه ليخفروك فيه لأنه ابن خالته فقام إليه سعد مغضباً، فأخذ الحربة من يده، وقال: والله ما أراك أغنيت شيئاً؛ فخرج.
فلما نظر إليه أسعد بن زرارة قد طلع عليهما، قال لمصعب: هذا والله سيد من وراءه من قومه، إن هو تابعك لم يخالفك أحد من قومه، فاصدق الله فيه؛ فقال مصعب بن عمير: إن يسمع مني أكلمه.
فلما وقف عليهما قال: يا أسعد ما دعاك إلى أن تغشاني بما أكره وهو متشتم أما
والله إنه لولا ما بيني وبينك من القرابة ما طمعت في هذا مني؛ فقالا له: أو تجلس فتسمع، فإن رضيت أمراً قبلته، وإن كرهته أعفيت مما تكره؟ قال: أنصفتما بي؛ ثم ركز الحربة وجلس.
فكلمه مصعب، وعرض عليه الإسلام، وتلا عليه القرآن؛ قال: فوالله لعرفنا فيه الإسلام قبل أن يتكلم لتسهل وجهه؛ ثم قال: وكيف تصنعون إذا دخلتم في هذا الدين؟ فقالا له: تطهر وتطهر ثيابك، وتشهد شهادة الحق، وتركع ركعتين؛ فقام ففعل، ثم أخذ الحربة وانصرف عنهما إلى قومه.
فلما رآه رجال بني عبد الأشهل قالوا: نقسم بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم؛ فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، أي رجل تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: نعلمك والله خيرنا أفضلنا، أيمننا نقيبةً، وأفضلنا فينا رأياً؛ قال: فإن كلام نسائكم ورجالكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وحده، وتصدقوا بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلم.
وعن أبي هريرة، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر نعم الرجل أبو عبيدة، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح ".
وعن أنس: أن أسيد بن حضير ورجلاً آخر من الأنصار تحدثا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة من حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا من عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبيد كل واحد منهما عصية، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترق بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحدٍ منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله.
وعن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها ولم يجامعوها في البيوت، فسأل أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأنزل الله تعالى: " يسألونك عن المحيض " إلى آخر الآية؛ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا كل شيء إلا النكاح " فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه؛ فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله، إن اليهود قالت كذا وكذا، أفلا يجامعوهن، فتغير وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ظننت أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلتهما هدية من لبن إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأرسل في آثارهما فسقاهما، فعرفا أن لم يجد عليهما.
عن عائشة، أنها قالت: كان أسيد بن حضير من أفاضل الناس، فكان يقول: لو أني أكون كما أكون في حال من أحوال ثلاثة لكنت من أهل الجنة، وما شككت في ذلك، حين أقرأ القرآن وحين أسمعه؛ وإذا سمعت خطبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وإذا شهدت جنازة، فما شهدت جنازة قط فحدثت نفسي بسوى ما هو مفعول بها وما هي صائرة إليه.
وعن أسيد بن حضير وكان من أحسن الناس صوتاً بالقرآن قال:
قرأت ليلة سورة البقرة، وفرس لي مربوط، ويحيى ابني مضطجع قريب مني وهو غلام، فجالت الفرس فوقفت وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت فجالت الفرس فوقفت وليس لي هم إلا ابني، ثم قرأت فجالت الفرس فرفعت رأسي فإذا شيء كهيئة الظلة فيها مثل المصابيح مقبل من السماء، فهالني، فسكت؛ فلما أصبحت غدوت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته، فقال: " اقرأ أبا يحيى " فقلت: قد قرأت فجالت الفرس وليس لي هم إلا ابني فقال: اقرأ يا ابن حضير " فقلت قد قرأت فرفعت رأسي فإذا كهيئة الظلة فيها المصابيح فهالني؛ فقال: " تلك الملائكة دنوا لصوتك، ولو قرأت حتى تصبح لأصبح الناس ينظرون إليهم ".
عن أبي قتادة، قال: انتهينا إليهم يعني بني قريظة فلما رأونا أيقنوا بالشر، وغرز علي الراية عند أصل الحصن، فاستقبلونا في صياصيهم يشتمون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأزواجه؛ قال أبو قتادة: وسكتنا، وقلنا: السيف بيننا وبينكم؛ وطلع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه علي رجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمرني ألزم اللواء فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذاهم وشتمهم، فسار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إليهم، وتقدمه أسيد بن حضير فقال: يا أعداء الله، لا نبرح حصنكم حتى تموتوا جوعاً، إنما أنتم بمنزلة ثعلب في حجر؛ قالوا: يا ابن الحضير، نحن مواليك دون الخزرج؛ وخاروا؛ فقال: لا عهد بيني وبينكم ولا إل.
وعن بشر بن يسار أن أسيد بن الحضير كان يؤم قومه، واشتكى، فصلى بهم قاعداً، فصلوا وراءه قعوداً.
وعن عروة أن أسيد بن حضير مات وعليه دين أربعة آلاف درهم، فبيعت أرضه؛ فقال عمر: أترك بني أخي عالة! فرد الأرض وباع ثمرها من الغرماء أربع سنين بأربعة آلاف، كل سنة ألف درهم.
توفي سنة عشرين وصلى عليه عمر، ودفن بالبقيع.