مُوسَى بْنُ جَعْفَر بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْن بن علي بن أبي طالب، أبو الحسن الهاشمي :
يقال إنه ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين- وقيل: سنة تسع وعشرين ومائة، وأقدمه المهدي بغداد، ثم رده إلى المدينة وأقام بها إلى أيام الرشيد، فقدم هارون منصرفا من عمرة شهر رمضان سنة تسع وسبعين، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفي فِي محبسه.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بكر، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنِي جدي قَالَ: كان موسى بن جعفر يدعي العبد الصالح من عبادته واجتهاده. روى أصحابنا أنه دخل مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسجد سجدة في أول الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: عظيم الذنب عندي فليحسن العفو عندك. يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. فجعل يرددها حتى أصبح، وكان سخيا كريما، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار، وأربعمائة دينار، ومائتي دينار، ثم يقسمها بالمدينة. وكان مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرة فقد استغنى.
أَخْبَرَنَا الحسن قَالَ: أخبرنا الحسن حدثني جدي، حدّثنا إسماعيل بن يعقوب، حَدَّثَنِي محمد بن عبد الله البكري قَالَ: قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني، فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر فشكوت ذلك إليه، فأتيته بنقمي في
ضيعته، فخرج إلى ومعه غلام له معه منسف فيه قديد مجزع ليس معه غيره، فأكل وأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرت له قصتي، فدخل فلم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه: اذهب. ثُمَّ مد يده إلي فدفع إلي صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولى. فقمت فركبت دابتي وانصرفت.
قَالَ جدي يحيى بن الحسن: وذكر لي غير واحد من أصحابنا أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليا ، قَالَ: وكان قد قَالَ له بعض حاشيته دعنا نقتله، فنهاهم عن ذلك أشد النهي، وزجرهم أشد الزجر، وسأل عن العمري فذكر له أنه يزدرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه في مزرعته فوجده فيها، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري لا تطأ زرعنا، فوطئه بالحمار حتى وصل إليه فنزل فجلس عنده وضاحكه، وَقَالَ له كم غرمت في زرعك هذا؟ قَالَ له مائة دينار، قَالَ: فكم ترجو أن يصيب؟ قَالَ: أنا لا أعلم الغيب. قَالَ: إنما قلت لك كم ترجو أن يجيئك فيه؟ قَالَ: أرجو أن يجيئني مائتا دينار، قَالَ: فأعطاه ثلاثمائة دينار وَقَالَ: هذا زرعك على حاله. قَالَ: فقام العمري فقبل رأسه وانصرف. قَالَ: فراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا، فلما نظر إليه قَالَ: الله أعلم حيث يجعل رسالته. قَالَ:
فوثب أصحابه فقالوا له ما قصتك؟ قد كنت تقول خلاف هذا قَالَ: فخاصمهم وشاتمهم، قَالَ: وجعل يدعو لأبي الحسن موسى كلما دخل وخرج. قَالَ: فقال أبو الحسن موسى لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري: أيما كان خيرا، ما أردتم، أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟
أَخْبَرَنَا سَلامَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ المقرئ وعمر بْن مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَ اللَّه المؤدب قالا: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا القاضي الحسين بن إسماعيل، حدّثنا عبد الله بن أبي سعد، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْكِنَانِيُّ اللَّيْثِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغِيثٍ الْقُرَظِيُّ- وَبَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً- قَالَ: زَرَعْتُ بِطِّيخًا وَقِثَّاءً وَقَرْعًا فِي مَوْضِعٍ بِالْجَوَّانِيَةِ عَلَى بِئْرٍ، يُقَالُ لَهَا أُمُّ عظام، فلما قرب الخير، واستوى الزرع، بغتني الْجَرَادُ، فَأَتَى عَلَى الزَّرْعِ كُلِّهِ، وَكُنْتُ غَرِمْتُ عَلَى الزَّرْعِ وَفِي ثَمَنِ جَمَلَيْنِ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ طَلَعَ مُوسَى بْنُ جعفر بن محمّد فسلم، ثم
قال: أيش حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الْجَرَادُ فَأَكَلَ زَرْعِي، قَالَ: وَكَمْ غَرِمْتَ فِيهِ؟ قُلْتُ: مِائَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا مَعَ ثَمَنِ الْجَمَلَيْنِ. فَقَالَ: يَا عَرَفَةُ، زِنْ لأَبِي الْمُغِيثِ مِائَةً وخمسين دينارا فربحك ثَلاثِينَ دِينَارًا وَالْجَمَلَيْنِ. فَقُلْتُ: يَا مُبَارَكُ ادخل وادع لِي فِيهَا، فَدَخَلَ وَدَعَا وحَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تَمَسَّكُوا بِبَقَايَا الْمَصَائِبِ»
ثُمَّ عَلَّقْتُ عَلَيْهِ الْجَمَلَيْنِ وَسَقَيْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهَا الْبَرَكَةَ، زَكَتْ فَبِعْتُ مِنْهَا بِعَشَرَةِ آلافٍ.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أخبرنا الحسن بن محمّد العلوي، حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ:
وَذَكَرَ إِدْرِيسُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي إِلَى ضِيَاعِهِ بِسَايَةَ فَأَصْبَحْنَا فِي غداة باردة وقد دنونا منها، وأصبحنا إلى عين من عيون ساية، وخرج إِلَيْنَا مِنْ تِلْكَ الضِّيَاعِ عَبْدٌ زِنْجِيٌّ فَصِيحٌ مُسْتَذْفِرٌ بِخِرْقَةٍ ، عَلَى رَأْسِهِ قِدْرُ فَخَّارٍ يَفُورُ، فَوَقَفَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَقَالَ: أَيْنَ سَيِّدُكُمْ؟ قَالُوا: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: أَبُو مَنْ يُكْنَى؟ قَالُوا لَهُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي يَا أَبَا الْحَسَنِ هَذِهِ عَصِيدَةٌ أَهْدَيْتُهَا إِلَيْكَ، قَالَ: ضَعْهَا عِنْدَ الْغِلْمَانِ، فَأَكَلُوا مِنْهَا، قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ نَقُلْ بَلَغَ حَتَّى خَرَجَ عَلَى رَأْسِهِ حُزْمَةُ حَطَبٍ، حَتَّى وَقَفَ فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدِي هَذَا حَطَبٌ أَهْدَيْتُ إِلَيْكَ. قَالَ: ضَعْهُ عِنْدَ الْغِلْمَانِ وَهُبَّ لنا نارا. فذهب فجاء بنار. قال: وكتب أَبُو الْحَسَنِ اسْمَهُ وَاسْمَ مَوْلاهُ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ احْتَفِظْ بِهَذِهِ الرُّقْعَةِ حَتَّى أَسْأَلَكَ عَنْهَا. قَالَ: فَوَرَدْنَا إِلَى ضِيَاعِهِ، وَأَقَامَ بِهَا مَا طَابَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: امْضُوا بِنَا إِلَى زِيَارَةِ الْبَيْتِ، قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى وَرَدْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا قَضَى أَبُو الْحَسَنِ عُمْرَتَهُ دَعَا صَاعِدًا فَقَالَ اذْهَبْ فَاطْلُبْ لِي هَذَا الرَّجُلَ فَإِذَا عَلِمْتَ بِمَوْضِعِهِ فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَمْشِي إِلَيْهِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَدْعُوَهُ وَالْحَاجَةُ لِي. قال لي صَاعِدٌ: فَذَهَبْتُ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى الرَّجُلِ، فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَنِي- وَكُنْتُ أَعْرِفُهُ، وَكَانَ يَتَشَيَّعُ- فَلَمَّا رَآنِي سَلَّمَ عَلَيَّ، وَقَالَ: أَبُو الْحَسَنِ قَدِمَ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَأَيْشِ أَقْدَمَكَ؟ قُلْتُ: حَوَائِجُ؟ وقد كان عَلِمَ بِمَكَانِهِ بِسَايَةَ، فَتَتَبَّعَنِي وَجَعَلْتُ أَتَقَصَّى مِنْهُ وَيَلْحَقُنِي بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّي لا أَنْفَلِتُ مِنْهُ، مَضَيْتُ إِلَى مَوْلايَ وَمَضَى مَعِي حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لا تعلمه؟ فقلت جعلت
فِدَاكَ لَمْ أُعْلِمْهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ غُلامُكَ فُلانٌ تَبِيعُهُ؟ قَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ الْغُلامُ لَكَ وَالضَّيْعَةُ وَجَمِيعُ مَا أَمْلِكُ، قَالَ: أَمَّا الضَّيْعَةُ فَلا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُبَكَهَا وَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّ بَائِعَ الضَّيْعَةِ مَمْحُوقٌ، وَمُشْتَرِيَهَا مَرْزُوقٌ. قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ مُدِلا بِهَا، فَاشْتَرَى أَبُو الْحَسَنِ الضَّيْعَةَ وَالرَّقِيقَ مِنْهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ وَوَهَبَ لَهُ الضَّيْعَةَ.
قَالَ إِدْرِيسُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ: فَهُوَ ذَا وَلَدَهُ فِي الصَّرَّافِينَ بِمَكَّةَ. حَدَّثَنِي الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي، حَدَّثَنَا عون بن محمد قَالَ: سمعت إسحاق الموصلي- غير مرة- يقول: حَدَّثَنِي الفضل بن الربيع عن أبيه أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول يا محمد: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ
[محمد 22] قَالَ الربيع: فأرسل إليَّ ليلا فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية- وكان أحسن الناس صوتا- وَقَالَ علي بموسى بن جعفر. فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وَقَالَ: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ على كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي؟ فقال:
آلله لا فعلت ذاك. ولا هو من شأني. قَالَ: صدقت، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة. قَالَ الربيع فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق.
أَخْبَرَنَا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطيّ، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا الحسين بن القاسم، حدثني أحمد بن وهب، أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن صالح الأزدي. قَالَ: حج هارون الرشيد، فأتى قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرا له وحوله قريش وأفياء القبائل، ومعه موسى بن جعفر فلما انتهى إلى القبر قَالَ: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عمي، افتخارا على من حوله، فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا أبة.
فتغير وجه هارون وَقَالَ: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن بن محمّد العلوي، حدثني جدي، حَدَّثَنِي عمار بن أبان قَالَ: حبس أبو الحسن موسى بن جعفر عند السندي بن شاهك ، فسألته أخته أن تتولى حبسه- وكانت تتدين- ففعل، فكانت تلي خدمته،
فحكي لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه، فلم يزل كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح، ثم يذكر قليلا حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل، ثم يرقد إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة، فكان هذا دأبه. فكانت أخت السندي إذا نظرت إليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، وكان عبدا صالحا.
أَخْبَرَنَا الجوهري، حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني، حدّثنا عبد الواحد بن محمّد الخصيبي، حدثني محمّد بن إسماعيل قَالَ: بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت: إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أَخْبَرَنَا الحسن بن محمد بن العلوي قَالَ: حَدَّثَنِي جدي قَالَ: قَالَ أبو موسى العباسي، حدثني إبراهيم بن عبد السّلام بن السندي بن شاهك عن أبيه قَالَ: كان موسى بن جعفر عندنا محبوسا، فلما مات بعثنا إلى جماعة من العدول من الكرخ فأدخلناهم عليه فأشهدناهم على موته، وأحسبه قَالَ: ودفن بمقابر الشونيزي.
أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله الأصبهانيّ، حدثنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سلم الحافظ، حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد بن عامر، حَدَّثَنَا علي بن محمد الصنعاني قَالَ: قَالَ محمد بن صدقة العنبري: توفي موسى بن جعفر بن محمّد ابن علي سنة ثلاث وثمانين ومائة. وقَالَ غيره: توفي لخمس بقين من رجب.
يقال إنه ولد بالمدينة في سنة ثمان وعشرين- وقيل: سنة تسع وعشرين ومائة، وأقدمه المهدي بغداد، ثم رده إلى المدينة وأقام بها إلى أيام الرشيد، فقدم هارون منصرفا من عمرة شهر رمضان سنة تسع وسبعين، فحمل موسى معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن توفي فِي محبسه.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بكر، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَلَوِيُّ، حَدَّثَنِي جدي قَالَ: كان موسى بن جعفر يدعي العبد الصالح من عبادته واجتهاده. روى أصحابنا أنه دخل مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسجد سجدة في أول الليل، وسمع وهو يقول في سجوده: عظيم الذنب عندي فليحسن العفو عندك. يا أهل التقوى ويا أهل المغفرة. فجعل يرددها حتى أصبح، وكان سخيا كريما، وكان يبلغه عن الرجل أنه يؤذيه فيبعث إليه بصرة فيها ألف دينار، وكان يصر الصرر ثلاثمائة دينار، وأربعمائة دينار، ومائتي دينار، ثم يقسمها بالمدينة. وكان مثل صرر موسى بن جعفر إذا جاءت الإنسان الصرة فقد استغنى.
أَخْبَرَنَا الحسن قَالَ: أخبرنا الحسن حدثني جدي، حدّثنا إسماعيل بن يعقوب، حَدَّثَنِي محمد بن عبد الله البكري قَالَ: قدمت المدينة أطلب بها دينا فأعياني، فقلت لو ذهبت إلى أبي الحسن موسى بن جعفر فشكوت ذلك إليه، فأتيته بنقمي في
ضيعته، فخرج إلى ومعه غلام له معه منسف فيه قديد مجزع ليس معه غيره، فأكل وأكلت معه، ثم سألني عن حاجتي، فذكرت له قصتي، فدخل فلم يقم إلا يسيرا حتى خرج إلي فقال لغلامه: اذهب. ثُمَّ مد يده إلي فدفع إلي صرة فيها ثلاثمائة دينار، ثم قام فولى. فقمت فركبت دابتي وانصرفت.
قَالَ جدي يحيى بن الحسن: وذكر لي غير واحد من أصحابنا أن رجلا من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذيه ويشتم عليا ، قَالَ: وكان قد قَالَ له بعض حاشيته دعنا نقتله، فنهاهم عن ذلك أشد النهي، وزجرهم أشد الزجر، وسأل عن العمري فذكر له أنه يزدرع بناحية من نواحي المدينة، فركب إليه في مزرعته فوجده فيها، فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري لا تطأ زرعنا، فوطئه بالحمار حتى وصل إليه فنزل فجلس عنده وضاحكه، وَقَالَ له كم غرمت في زرعك هذا؟ قَالَ له مائة دينار، قَالَ: فكم ترجو أن يصيب؟ قَالَ: أنا لا أعلم الغيب. قَالَ: إنما قلت لك كم ترجو أن يجيئك فيه؟ قَالَ: أرجو أن يجيئني مائتا دينار، قَالَ: فأعطاه ثلاثمائة دينار وَقَالَ: هذا زرعك على حاله. قَالَ: فقام العمري فقبل رأسه وانصرف. قَالَ: فراح إلى المسجد فوجد العمري جالسا، فلما نظر إليه قَالَ: الله أعلم حيث يجعل رسالته. قَالَ:
فوثب أصحابه فقالوا له ما قصتك؟ قد كنت تقول خلاف هذا قَالَ: فخاصمهم وشاتمهم، قَالَ: وجعل يدعو لأبي الحسن موسى كلما دخل وخرج. قَالَ: فقال أبو الحسن موسى لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري: أيما كان خيرا، ما أردتم، أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟
أَخْبَرَنَا سَلامَةُ بْنُ الْحُسَيْنِ المقرئ وعمر بْن مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدَ اللَّه المؤدب قالا: أخبرنا علي بن عمر الحافظ، حدّثنا القاضي الحسين بن إسماعيل، حدّثنا عبد الله بن أبي سعد، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْكِنَانِيُّ اللَّيْثِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغِيثٍ الْقُرَظِيُّ- وَبَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً- قَالَ: زَرَعْتُ بِطِّيخًا وَقِثَّاءً وَقَرْعًا فِي مَوْضِعٍ بِالْجَوَّانِيَةِ عَلَى بِئْرٍ، يُقَالُ لَهَا أُمُّ عظام، فلما قرب الخير، واستوى الزرع، بغتني الْجَرَادُ، فَأَتَى عَلَى الزَّرْعِ كُلِّهِ، وَكُنْتُ غَرِمْتُ عَلَى الزَّرْعِ وَفِي ثَمَنِ جَمَلَيْنِ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ طَلَعَ مُوسَى بْنُ جعفر بن محمّد فسلم، ثم
قال: أيش حالك؟ فقلت: أصبحت كالصريم بغتني الْجَرَادُ فَأَكَلَ زَرْعِي، قَالَ: وَكَمْ غَرِمْتَ فِيهِ؟ قُلْتُ: مِائَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا مَعَ ثَمَنِ الْجَمَلَيْنِ. فَقَالَ: يَا عَرَفَةُ، زِنْ لأَبِي الْمُغِيثِ مِائَةً وخمسين دينارا فربحك ثَلاثِينَ دِينَارًا وَالْجَمَلَيْنِ. فَقُلْتُ: يَا مُبَارَكُ ادخل وادع لِي فِيهَا، فَدَخَلَ وَدَعَا وحَدَّثَنِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «تَمَسَّكُوا بِبَقَايَا الْمَصَائِبِ»
ثُمَّ عَلَّقْتُ عَلَيْهِ الْجَمَلَيْنِ وَسَقَيْتُهُ، فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهَا الْبَرَكَةَ، زَكَتْ فَبِعْتُ مِنْهَا بِعَشَرَةِ آلافٍ.
أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، أخبرنا الحسن بن محمّد العلوي، حَدَّثَنَا جَدِّي قَالَ:
وَذَكَرَ إِدْرِيسُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ أَبِي إِلَى ضِيَاعِهِ بِسَايَةَ فَأَصْبَحْنَا فِي غداة باردة وقد دنونا منها، وأصبحنا إلى عين من عيون ساية، وخرج إِلَيْنَا مِنْ تِلْكَ الضِّيَاعِ عَبْدٌ زِنْجِيٌّ فَصِيحٌ مُسْتَذْفِرٌ بِخِرْقَةٍ ، عَلَى رَأْسِهِ قِدْرُ فَخَّارٍ يَفُورُ، فَوَقَفَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَقَالَ: أَيْنَ سَيِّدُكُمْ؟ قَالُوا: هُوَ ذَاكَ، قَالَ: أَبُو مَنْ يُكْنَى؟ قَالُوا لَهُ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: فَوَقَفَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا سَيِّدِي يَا أَبَا الْحَسَنِ هَذِهِ عَصِيدَةٌ أَهْدَيْتُهَا إِلَيْكَ، قَالَ: ضَعْهَا عِنْدَ الْغِلْمَانِ، فَأَكَلُوا مِنْهَا، قَالَ: ثُمَّ ذَهَبَ فَلَمْ نَقُلْ بَلَغَ حَتَّى خَرَجَ عَلَى رَأْسِهِ حُزْمَةُ حَطَبٍ، حَتَّى وَقَفَ فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدِي هَذَا حَطَبٌ أَهْدَيْتُ إِلَيْكَ. قَالَ: ضَعْهُ عِنْدَ الْغِلْمَانِ وَهُبَّ لنا نارا. فذهب فجاء بنار. قال: وكتب أَبُو الْحَسَنِ اسْمَهُ وَاسْمَ مَوْلاهُ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ احْتَفِظْ بِهَذِهِ الرُّقْعَةِ حَتَّى أَسْأَلَكَ عَنْهَا. قَالَ: فَوَرَدْنَا إِلَى ضِيَاعِهِ، وَأَقَامَ بِهَا مَا طَابَ لَهُ، ثُمَّ قَالَ: امْضُوا بِنَا إِلَى زِيَارَةِ الْبَيْتِ، قَالَ: فَخَرَجْنَا حَتَّى وَرَدْنَا مَكَّةَ، فَلَمَّا قَضَى أَبُو الْحَسَنِ عُمْرَتَهُ دَعَا صَاعِدًا فَقَالَ اذْهَبْ فَاطْلُبْ لِي هَذَا الرَّجُلَ فَإِذَا عَلِمْتَ بِمَوْضِعِهِ فَأَعْلِمْنِي حَتَّى أَمْشِي إِلَيْهِ، فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَدْعُوَهُ وَالْحَاجَةُ لِي. قال لي صَاعِدٌ: فَذَهَبْتُ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى الرَّجُلِ، فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَنِي- وَكُنْتُ أَعْرِفُهُ، وَكَانَ يَتَشَيَّعُ- فَلَمَّا رَآنِي سَلَّمَ عَلَيَّ، وَقَالَ: أَبُو الْحَسَنِ قَدِمَ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَأَيْشِ أَقْدَمَكَ؟ قُلْتُ: حَوَائِجُ؟ وقد كان عَلِمَ بِمَكَانِهِ بِسَايَةَ، فَتَتَبَّعَنِي وَجَعَلْتُ أَتَقَصَّى مِنْهُ وَيَلْحَقُنِي بِنَفْسِهِ، فَلَمَّا رَأَيْتُ أَنِّي لا أَنْفَلِتُ مِنْهُ، مَضَيْتُ إِلَى مَوْلايَ وَمَضَى مَعِي حَتَّى أَتَيْتُهُ، فَقَالَ لِي: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لا تعلمه؟ فقلت جعلت
فِدَاكَ لَمْ أُعْلِمْهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَسَنِ غُلامُكَ فُلانٌ تَبِيعُهُ؟ قَالَ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ الْغُلامُ لَكَ وَالضَّيْعَةُ وَجَمِيعُ مَا أَمْلِكُ، قَالَ: أَمَّا الضَّيْعَةُ فَلا أُحِبُّ أَنْ أَسْلُبَكَهَا وَقَدْ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي أَنَّ بَائِعَ الضَّيْعَةِ مَمْحُوقٌ، وَمُشْتَرِيَهَا مَرْزُوقٌ. قَالَ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ مُدِلا بِهَا، فَاشْتَرَى أَبُو الْحَسَنِ الضَّيْعَةَ وَالرَّقِيقَ مِنْهُ بِأَلْفِ دِينَارٍ وَأَعْتَقَ الْعَبْدَ وَوَهَبَ لَهُ الضَّيْعَةَ.
قَالَ إِدْرِيسُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ: فَهُوَ ذَا وَلَدَهُ فِي الصَّرَّافِينَ بِمَكَّةَ. حَدَّثَنِي الحسن بن محمّد الخلّال، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمران، حدّثنا محمّد بن يحيى الصولي، حَدَّثَنَا عون بن محمد قَالَ: سمعت إسحاق الموصلي- غير مرة- يقول: حَدَّثَنِي الفضل بن الربيع عن أبيه أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول يا محمد: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ
[محمد 22] قَالَ الربيع: فأرسل إليَّ ليلا فراعني ذلك، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية- وكان أحسن الناس صوتا- وَقَالَ علي بموسى بن جعفر. فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه، وَقَالَ: يا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ على كذا، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي؟ فقال:
آلله لا فعلت ذاك. ولا هو من شأني. قَالَ: صدقت، يا ربيع أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة. قَالَ الربيع فأحكمت أمره ليلا، فما أصبح إلا وهو في الطريق خوف العوائق.
أَخْبَرَنَا القاضي أبو العلاء محمد بن علي الواسطيّ، حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا الحسين بن القاسم، حدثني أحمد بن وهب، أَخْبَرَنَا عبد الرحمن بن صالح الأزدي. قَالَ: حج هارون الرشيد، فأتى قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرا له وحوله قريش وأفياء القبائل، ومعه موسى بن جعفر فلما انتهى إلى القبر قَالَ: السلام عليك يا رسول الله، يا ابن عمي، افتخارا على من حوله، فدنا موسى بن جعفر فقال: السلام عليك يا أبة.
فتغير وجه هارون وَقَالَ: هذا الفخر يا أبا الحسن حقا.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أخبرنا الحسن بن محمّد العلوي، حدثني جدي، حَدَّثَنِي عمار بن أبان قَالَ: حبس أبو الحسن موسى بن جعفر عند السندي بن شاهك ، فسألته أخته أن تتولى حبسه- وكانت تتدين- ففعل، فكانت تلي خدمته،
فحكي لنا أنها قالت: كان إذا صلى العتمة حمد الله ومجده ودعاه، فلم يزل كذلك حتى يزول الليل، فإذا زال الليل قام يصلي حتى يصلي الصبح، ثم يذكر قليلا حتى تطلع الشمس، ثم يقعد إلى ارتفاع الضحى، ثم يتهيأ ويستاك ويأكل، ثم يرقد إلى قبل الزوال، ثم يتوضأ ويصلي حتى يصلي العصر، ثم يذكر في القبلة حتى يصلي المغرب، ثم يصلي ما بين المغرب والعتمة، فكان هذا دأبه. فكانت أخت السندي إذا نظرت إليه قالت: خاب قوم تعرضوا لهذا الرجل، وكان عبدا صالحا.
أَخْبَرَنَا الجوهري، حدّثنا محمّد بن عمران المرزباني، حدّثنا عبد الواحد بن محمّد الخصيبي، حدثني محمّد بن إسماعيل قَالَ: بعث موسى بن جعفر إلى الرشيد من الحبس رسالة كانت: إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلا انقضى عنك معه يوم من الرخاء، حتى نقضي جميعا إلى يوم ليس له انقضاء، يخسر فيه المبطلون.
أَخْبَرَنَا الحسن بن أبي بكر، أَخْبَرَنَا الحسن بن محمد بن العلوي قَالَ: حَدَّثَنِي جدي قَالَ: قَالَ أبو موسى العباسي، حدثني إبراهيم بن عبد السّلام بن السندي بن شاهك عن أبيه قَالَ: كان موسى بن جعفر عندنا محبوسا، فلما مات بعثنا إلى جماعة من العدول من الكرخ فأدخلناهم عليه فأشهدناهم على موته، وأحسبه قَالَ: ودفن بمقابر الشونيزي.
أخبرنا أبو سعيد الحسن بن محمد بن عبد الله الأصبهانيّ، حدثنا الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ سلم الحافظ، حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد بن عامر، حَدَّثَنَا علي بن محمد الصنعاني قَالَ: قَالَ محمد بن صدقة العنبري: توفي موسى بن جعفر بن محمّد ابن علي سنة ثلاث وثمانين ومائة. وقَالَ غيره: توفي لخمس بقين من رجب.