Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
http://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154600&book=5516#4c8b19
هند بنت عتبة بن ربيعة
ابن عبد شمس بن عبد مناف، العبشمية القرشية، أم معاوية بن أبي سفيان من النسوة اللائي بايعن سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. أسلمت يوم فتح مكة، وشهدت اليرموك، وقدمت على ابنها معاوية في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
روت هند امرأة أبي سفيان قالت: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن أبا سفيان شحيح، وإنه لا يعطيني وولدي إلا ما أخذت منه، وهو لا يعلم، فهل علي في ذلك حرج؟ قال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
وكانت هند تزوجها حفص بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، فولدت له أبان، ثم خلف عليها أبو سفيان بن حرب، فولدت له معاوية وعتبة.
وأم هند صفية بنت أمية بن حارثة بن الأوقص بن مرة بن هلال.
وكانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان من فتيان قريش، وله بيت للضيافة، يغشاه الناس عن غير إذن فخلا ذلك البيت يوماً، فاضطجع الفاكه، وهند فيه في القائلة، ثم خرج الفاكه، وأقبل رجل ممن كان يغشاه، فولج البيت. فلما رأى المرأة ولى هارباً، وأبصره الفاكه، وهو خارج من البيت، فأقبل إلى هند فضربها برجله، وقال: من هذا الذي كان عندك؟ قالت: ما رأيت أحداً ولا تنبهت حتى أنبهتني، قال لها: الحقي بأبيك، وتكلم فيها الناس، فقال لها أبوها: إن الناس قد أكثروا فيك، فأنبئيني نبأك، فإن يكن الرجل عليك صادقاً دسست إليه من يقتله، فتنقطع عنك القالة، وإن يك كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن. فحافت له بما كانوا
يحلفون في الجاهلية إنه لكاذب عليها، فقال عتبة للفاكه: يا هذا، إنك قد رميت ابنتي بأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن.
فخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، وخرجوا معهم بهند، ونسوة معها. فلما شارفوا البلاد تنكرت حال هند، وتغير وجهها، فقال لها أبوها: إني أرى ما بك من تنكر الحال، وما ذاك عندك غلا لمكروه، فألا كان هذا قبل أن يشتهر للناس مسيرنا؟ قالت: لا والله يا أبتاه، ما ذاك لمكروه، وإني أعرف أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب، ولا آمنه أن يسمني ميسماً يكون علي سبة في العرب، قال: إني سوف أختبره قبل أن ينظر في أمرك، فصفر لفرسه حتى أدلى، ثم أخذ حبة من حنطة، فأدخلها في إحليله، وأوكى عليها بسير. فلما وردوا على الكاهن أكرمهم، ونحر لهم. فلما تغدوا قال له عتبة: إنا قد جئناك في أمر، وإني قد خبأت لك خباً، أختبرك به، فانظر ما هو، قال: ثمرة في كمرة، قال: أريد أبين من هذا، قال: حبة من بر في إحليل مهر. قال: صدقت، انظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من إحداهن فيضرب كتفها، ويقول: انهضي. حتى دنا من هند، فضرب كتفها، فقال: انهضي غير رسحاء، ولا زانية، ولتلدن ملكاً يقال له: معاوية. فوثب إليها الفاكه، فأخذ بيدها، فنترت يدها من يده، وقالت: إليك، فو الله لأحرصن على أن يكون ذاك من غيرك.
فتزوجها أبو سفيان، فجاءت بمعاوية.
قالت هند لأبيها: إني امرأة قد ملكت أمري، فلا تزوجني رجلاً حتى تعرضه علي، فقال لها: ذلك لك، ثم قال لها يوماً: إنه قد خطبك رجلان من قومك، ولست مسمياً لك واحداً منهما حتى أصفه لك: أما الأول ففي الشرف الصميم، والحسب الكريم، تخالين
به هوجاً من غفلته، وذلك إسجاج من شيمته، حسن الصحابة، حسن الإجابة، إن تابعته تابعك، وإن ملت كان معك، تقضين عليه في ماله، وتكتفين برأيك في ضعفه. وأما الآخر ففي الحسب الحسيب، والرأي الأريب، بدار أرومته، وعز عشيرته، يؤدب أهله، ولا يؤدبونه، إن اتبعوه أسهل بهم، وإن جانبوه توعر بهم، شديد الغيرة، سريع الطيرة، شديد حجاب القبة، إن حاج فغير منزور، وإن نوزع فغير مقهور. قد بينت لك حالهما.
قالت: إما الأول فسيد مطيع لكريمته، موات لها فيما عسى - إن لم تعصم - أن تلين بعد إبائها، ويضع تحت جناحها. إن جاءت له بولد أحمقت، وإن أنجبت فعن خطأ ما أنجبت، اطو ذكر هذا عني، فلا تسمه لي. وأما الآخر فبعل الحرة الكريمة، إني لأخلاق هذا لوامقة، وإني له لموافقة، وإني لآخذه بأدب البعل مع لزومي قبتي، وقلة تلفتي، وإن السليل بيني وبينه لحري أن يكون المدافع عن حريم عشيرته، الذائد عن كتيبتها، المحامي عن حقيقتها، الرأس لأرومتها، غير مواكل ولا زميل عند صعصعة الحوادث، فمن هو؟ قال: أبو سفيان بن حرب، قالت: فزوجه، ولا تلقني
إليه إلقاء المتسلس السلس، ولا تسمه سمة المواطس الضرس، استخر الله في السماء يخر لك بعلمه في القضاء.
زاد في حديث بمعناه، وسمى فيه الرجلين: سهيل بن عمرو، وأبو سفيان بن حرب: وتزوج سهيل امرأة فولدت له غلاماً، فمر ذات يوم مع أبيه برجل يقود ناقة وشاة، فقال لأبيه: هذه بنت هذه؟ فقال: رحم الله هنداً.
ومن سعر هند بنت عتبة تبكي أباها عتبة بن ربيعة:
أعيني جودا بدمع سرب ... على خير خندف لم ينقلب
على عتبة الخير ذي المرمات ... وذي الفضلات قريع العرب
ساد الكهول فتى ناشئاً ... وساد الشباب ولما يشب
تداعى له قومه غدوة ... بنو هاشم وبنو المطلب
ببيض خفاف جلتها العيون ... تلوح بأيديهم كالشهب
يذيقونه حد أسيافهم ... يعلونه بعدما قد سحب
فمن كان في نسب خاملاً ... فنحن سلالة بيت الذهب
ولسنا كجلدة رفغ البعير ... بين العجان وبين الذنب
كان مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس من فتيان قريش جمالاً وسخاء وشعراً، فعشق هند بنت عتبة حتى اشتهر أمرهما، فاستحيا، وخرج إلى الحيرة ليسلوها،
فنادم عمرو بن هند، وكان له مكرماً، ثم تزوج أبو سفيان هنداً في غيبة مسافر، ثم خرج أبو سفيان إلى الحيرة تاجراً، ولقي مسافر بن أبي عمرو، فسأله مسافر عن مكة، وأخبار قريش، فأخبره ثم قال: وإني تزوجت هنداً، فأسف مسافر، ومرض حتى سقى بطنه فقال:
ألا إن هنداً أصبحت منك محرماً ... وأصبحت من أدنى حموتها حما
وأصبحت كالمسلوب جفن سلاحه ... تقلب بالكفين قوساً وأسهما
فدعا له عمرو بن هند الأطباء، فقالوا: ليس له دواء إلا الكي، فقال له: ما ترى؟ قال: أفعل، فدعا له طبيباً من العياد، فأحمى مكاويه حتى صارت كالنار، ثم قال: أمسكوه لي، فقال مسافر: لست أحتاج إلى ذلك، فجعل يضع عليه المكاوي. فلما رأى الطبيب صبره هاله ذلك، وفعلها - يعني: الحدث - فقال مسافر:
قد يضرط العير والمكواة في النار
فأرسلها مثلاً. قال: فلم ينفعه ذلك شيئاً، فخرج يريد مكة، فأدركه الموت، بهبالة، فدفن بها، ونعي إلى أهل مكة.
قال زياد بن حدير: قال معاوية: أسرجوا لي حماراً غليظ الوسط، فركبه، ومر بشيخ، فقال له:
أرأيت أبا سفيان؟ قال: نعم، رأيته حين تزوج هنداً، فأطعمنا في أول يوم لحم جزور، وسقانا خمراً، وفي اليوم الثاني لحم غنم وسقانا نبيذاً، وفي اليوم الثلث لحم طير وسقانا عسلاً، وإن كانت لذوات أزواج، فقال معاوية: كلهم كان كريماً.
قال أبو هريرة: رأيت هنداً بمكة كأن وجهها فلقة قمر، وخلفها من عجيزتها مثل الرجل الجالس، ومعها صبي يلعب. فمر رجل، فنظر إليه، فقال: إني لأرى غلاماً إن عاش ليسودن قومه، فقالت هند: إن لم يسد إلا قومه فأماته الله. وهو معاوية بن أبي سفيان.
سافر أبو سفيان سفراً أضرت به الغربة، فاشترى جارية، فبلغ ذلك هنداً، فوجدت عليه، وكتبت إليه:
يا قليل الوفاء ما كان فيما ... كان منا إليك ما ترعانا
كيف يبقى لك الجديد من النا ... س إذا كنت تطرح الخلقانا
فوجه أبو سفيان الجارية التي كان اشترى.
جاءت هند في الأحزاب يوم أحد، وكانت نذرت لئن قدرت على حمزة بن عبد المطلب لتأكلن من كبده، فلما كان حيث أصيب حمزة، ومثلوا بالقتلى، وجاؤوا بحزة من كبده، فأخذتها تمضغها لتأكلها، فلم تستطع أن تبتلعها، فلفظتها، فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إن الله قد حرم على النار أن تذوق لحم حمزة شيئاً أبداً ". قال محمد الراوي: وهذه شديدة على هذه المسكينة.
وعن ابن مسعود قال: قال أبو سفيان يوم أحد: قد كانت في القوم مثلة، وإن كانت عن غير ملأ مني، ما أمرت، ولا نهيت، ولا أحببت، ولا كرهت، ولا أساءني، ولا سرني، قال: فنظروا فإذا خمزة قد بقر بطنه، وأخذت هند كبده، فلاكتها، فلم تستطع أن تأكلها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أأكلت منها شيئاً؟ قالوا: لا، قال: ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار.
قيل لأم عمارة: يا أم عمارة، هل كن نساء قريش يومئذ يقاتلن مع أزواجهن؟ فقالت: أعوذ بالله، لا والله ما رأيت امرأة منهن رمت بسهم ولا بحجر، ولكن رأيت معهن الدفاف والأكبار، يضربن، ويذكرن القوم قتلى بدر، ومعهن مكاحل ومرواد، فكلما ولى رجل أو تكعكع ناولته إحداهن مروداً ومكحلة، ويقلن: إنما أنت امرأة. ولقد رأيتهن ولين منهزمات مشمرات - ولها عنهن الرجال أصحاب الخيل، ونجوا على متون الخيل - يتبعن الرجال على الأقدام، فجعلن يسقطن على الطريق. ولقد رأيت هند بنت عتبة، وكانت امرأة ثقيلة ولها خلق، قاعدة خاشية من الخيل، ما بها مشي، ومعها امرأة أخرى، حتى كر القوم علينا، فأصابوا ما أصابوا، فعند الله نحتسب ما أصابنا يومئذ من قبل الرماة، ومعصيتهم الرسول.
وعن الزبير قال: ولد عتبة بن ربيعة أبا حذيفة بن عتبة، وكان من الهاجرين الأولين، شهد بدراً، وقتل يوم اليمامة شهيداً. وله تقول أخته هند بنت عتبة:
فما شكرت أباً رباك من صغر ... حتى شببت شباباً غير محجون
الأحوال الأثعل الشؤوم طائره ... أبو حذيفة شر الناس في الدين
قال معاوية: سمعت أمي هنداً تقول - وهي تذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تقول: فعلت يوم أحد ما فعلت من المثلة بعمه وأصحابه، كلما سارت قريش مسيراً فأنا معها بنفسي، حتى رأيت في النوم ثلاث ليال: رأيت كأني في ظلمة، لا أبصر سهلاً ولا جبلاً، وأرى من تلك
الظلمة انفرجت عني بضوء مكانه، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعوني. ثم رأيت في الليلة الثانية كأني على الطريق، فإذا بهبل عن يميني، يدعوني، وإذا بسياف يدعوني عن يساري، وإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين يدي قال: تعالي، هلم إلى الطريق، ثم رأيت الليلة الثالثة كأني واقفة على شفير جهنم يريدون أن يدفعوني فيها، وإذا أنا بهبل يقول: ادخلي فيها، فالتفت فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورائي أخذ بثيابي فباعدني عن شفير جهنم، وفزعت، فقلت: هذا شيء قد بين لي، فغدوت إلى صنم في بيتنا، فجعلت أضربه، وأقول: طالما كنت معك إلا في غرور، وأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأسلمت، وبايعته. وفي رواية: أن هنداً لما أسلمت جعلت تضرب صنماً لها في بيتها بالقدوم فلذة فلذة، وهي تقول: كنا منك في غرور.
قال عروة: قالت هند لأبي سفيان: إني أريد أن أبايع محمداً، قال: قد رأيتك تكرهين هذا الحديث أمس؟؟؟؟؟؟؟ قالت: إني والله، والله ما رأيت الله عبد حق عبادته في هذا المسجد قبل الليلة. والله إن باتوا إلا مصلين قياماً وركوعاً وسجوداً، قال: فإنك قد فعلت ما فعلت، فاذهبي برجل من قومك معك، فذهبت إلى عثمان، فذهب معها، فاستأذن لها،
ودخلت وهي منقلبة، فقال: تبايعني على ألا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي، ول تزني، فقالت: أو هل تزني الحرة؟ قال: لا، ولا تقتلي ولدك، فقالت: إنا ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً، قال: قتلهم الله يا هند. فلما فرغ من الآية بايعته، فقالت: يا رسول الله، إني بايعتك على ألا أسرق، ولا أزني، وإن أبا سفيان رجل بخيل، ولا يعطيني ما يكفيني إلا ما أخذت منه من غير علمه، قال: ما تقول يا أبا سفيان؟ فقال أبو سفيان: أما يابساً فلا، وأما رطباً فأحله. قال: فحدثتني عائشة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لها: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ".
وعن فاطمة بنت عتبة، أن أبا حذيفة بن عتبة ذهب بها وبأختها تبايعان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فلما اشترط عليهن قالت هند: أو تعلم في نساء قومك من هذه الهنات والعاهات شيئاً..؟؟ الحديث.
قال عبد الله بن الزبير: لما كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام امرأة عكرمة بن أبي جهل، وأسلمت امرأة صفوان بن أمية البغوم بنت المعذل، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة، وهند بنت منبه بن الحجاج، وهي أم عبد الله بن عمرو بن العاص في عشر نسوة من قريش، فأتين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بالأبطح، فبايعنه، فدخلن عليه، وعنده زوجتاه، وابنته فاطمة، ونساء من بني عبد المطلب، فتكلمت هند بنت عتبة، فقالت: يا رسول الله، الحمد لله الذي أظهر الدين الذي اختار لنفسه لتمسني رحمتك يا محمد، إني امرأة مؤمنة بالله، مصدقة، ثم كشفت عن نقابها، فقالت: أنا هند بنت عتبة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مرحباً بك، فقالت: والله يا رسول الله ما كان على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك، ولقد أصبحت وما على الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وزيادة أيضاً.
ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهن القرآن، وبايعهن، فقالت هند من بينهن: يا رسول الله، نماسحك؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إني لا أصافح النساء، إن قولي لمئة امرأة مثل قولي لامرأة واحدة. ويقال: وضع على يده ثوباً، ثم مسحن على يده يومئذ. ويقال: كان يؤتى بقدح من ماء، فيدخل يده فيه، ثم يرفعه إليهن، فيدخلن أيديهن فيه. والقول الأول أثبتهما: إني لا أصافح النساء.
وفي رواية: إنه لما قال: ولا تقتلن أولادكن قالت هند: وهل تركت لنا ولداً إلا قتلته يوم بدر؟ وفي حديث آخر: وفرغ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بيعة الرجال، ثم دعا النساء، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الصفا، وعمر أسفل منه، يبايع النساء لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئاً وهند مقنعة رأسها بين النساء، فقالت - ورفعت رأسها -: والله إنك لتأخذ علينا أمراً ما رأيتك أخذته على الرجال، وقد أعطيناك. قال: ولا تسرقن، قالت: إني لآخذ من أبي سفيان هنات، فما أدري أيحلهن أم لا، فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى، وفيما غبر فهو لك حلال. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وإنك لهند؟ قالت: نعم، فاعف عما سلف عفا الله عنك. قال: ولا تقتلن أولادكن، قالت: قد ربيناهم صغاراً، وقتلتموهم ببدر كباراً، وأنت وهم أعلم، فضحك عمر حتى استغرب. وقال: ولا تأتين ببهتان تفترينه بين أيديكن وأرجلكن، قالت: والله إن البهتان لشيء قبيح، ولبعض التجاوز أمثل، وما أمرتنا إلا بالرشد، ومكارم الأخلاق. قال: ولا تعصين في معروف، قالت: ما جلسنا هذا المجلس، ونحن نحب أن نعصيك في شيء. قال: ولا تزنين، قالت: أو تزني الحرة؟ فأقر النساء بما أخذ عليهن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمر عمر، فبايعهن، واستغفر لهن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
زاد في آخر: والبهتان: أن تقذف المرأة ولداً من غير زوجها على زوجها، فتقول لزوجها: هو منك، وليس منه. ثم قال عند قوله: ولا يعصينك في معروف: في طاعة الله، فيما نهى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه من النوح، وتمزيق الثياب، وأن تخلو مع غريب في حضر أو سفر، أو تسافر فوق ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم، ونحو ذلك. فذلك قوله: " واستغفر لهن الله إن الله غفور " لما كان في الشرك منهن " رحيم " فيما بقي.
وعن جويرية قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهند يوم الفتح: كيف ترين الإسلام؟ فقالت: بأبي وأمي ما أحسنه لولا ثلاث خصال: التجبية، والخمار، وزقو هذا العبد الأسود فوق الكعبة. فقال: أما قولك: التجبية فلا صلاة إلا بركوع، وأما زقو هذا العبد فوق الكعبة فنعم عبد الله هو، وأما الخمار فأي شيء أستر من الخمار؟ فقالت: بأبي وأمي إني كنت أحب أن تعرف الفرعاء من الزعراء، قال: وكانت امرأة لها شعر.
وعن عائشة قالت: جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتبايعه، فنظر إلى يديها فقال لها: اذهبي فغيري يديك، قالت: فذهبت فغيرتها بحناء، ثم جاءت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئاً.. الحديث. وفي آخره: فبايعته، ثم قالت له - وعليها سواران من ذهب -: ما تقول في هذين السوارين؟ قال: جمرتان من نار جهنم.
وعن أبي حصين الهذلي قال: لما أسلمت هند أرسلت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهدية - وهو بالأبطح - مع مولاة لها بجديين مرضوفين وقد - القد لبأ يجعل في جلد سخلة صغيرة - فانتهت الجارية
إلى خيمة
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلمت، واستأذنت، فأذن لها، فدخلت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بين نسائه: أم سلمة زوجته وميمونة ونساء من بني عبد المطلب، فقالت: إن مولاتي أرسلت إليك بهذه الهدية، وهي معتذرة إليك، وتقول: إن غنمنا اليوم قليلة الوالدة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بارك الله لكم في غنمكم، وأكثر والدتها، فرجعت المولاة إلى هند فأخبرتها بدعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسرت بذلك. وكانت المولاة تقول: لقد رأينا من كثرة غنمنا ووالدتها ما لم نكن نرى قبل ولا قريب، فتقول هند: هذا دعاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبركته، فالحمد لله هدانا للإسلام. ثم تقول: لقد كنت أرى في النوم أني في الشمس أبداً قائمة، والظل مني قريب لا أقدر عليه. فلما دنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منا رأيت كأني دخلت الظل.
استقرضت هند بنة عتبة من عمر بن الخطاب من بيت المال أربعة آلاف درهم تتجر فيها وتضمنها، فأقرضها، فخرجت إلى بلاد كلب، فاشترت، وباعت، فبلغها أن أبا سفيان وعمرو بن أبي سفيان قد أتيا معاوية، فعدلت إليه من بلاد كلب، فأتت معاوية - وكان أبو سفيان قد طلقها - فقال: ما أقدمك أي أمه؟! قالت: النظر إليك. أي بني، إنه عمر، وإنما يعمل لله، وقد أتاك أبوك، فخشيت أن تخرج إليه من كل شيء، وأهل ذاك هو، فلا يعلم الناس من أين أعطيته، فيؤنبونك، ويؤنبك عمر، فلا تستقيلها أبداً، فبعث إلى أبيه وإلى أخيه بمئة دينار، وكساهما، وحملهما. فتعظمها عمرو، فقال أبو سفيان: لا تعظمها، فإن هذا عطاءً لم تغب عنه هند، ومشورةً قد حضرتها هند، ورجعوا جميعاً، فقال أبو سفيان لهند: أربحت؟ قالت: الله أعلم، معي تجارة إلى المدينة. فلما أتت المدينة، وباعت شكت الوضيعة عن أمره، فقال لها عمر: لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين، هذه مشورة لم يغب عنها أبو سفيان، فبعث إليه، فحبسه حتى وفته، وقال له: بكم أجازك معاوية؟ قال: بمئة دينار.
ولما شخص أبو سفيان إلى معاوية بالشام، ومعه ابناه عتبة وعنبسة كتبت هند إلى معاوية سراً: قد قدم أبوك وأخواك فلا تغذم لهم فيعزلك ابن الخطاب - أي لا تعطهم الكثير، يقال: غذم لهم من المال - احمل أباك على فرس، وأعطه أربعة آلاف درهم، واحمل عتبة على بغل، وأعطه ألفي درهم، واحمل عنبسة على حمار، وأعطه ألف درهم، ففعل معاوية ذلك، فقال أبو سفيان: أشهد أن هذا رأي هند.
كانت هند امرأة عاقلة جزلة. فلما ولى عمر بن الخطاب يزيد بن أبي سفيان ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية، فقال أبو سفيان لهند: كيف ترين؟ صار ابنك تابعاً لابني، فقالت: إن اضطرب حبل العرب فستعلم أين يقع ابنك مما يكون فيه ابني، فمات يزيد بالشام، فولى عمر معاوية موضعه، فقالت هند لمعاوية: والله يا بني إنه لقلما ولدت حرة مثلك، وقد استنهضك هذا الرجل، فاعمل بموافقه، أحببت ذلك أم كرهته. وقال له أبو سفيان: يا بني، إن هؤلاء الرهط من المهاجرين، سبقونا وتأخرنا، فرفعهم سبقهم، وقصر بنا تأخرنا، فصاروا قادة، وصرنا أتباعاً، وقد ولوك جسيماً من أمورهم، فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس فيه، فإن بلغته أورثته عقبك.