يعقوب بن إسحاق أبو يوسف اللغوي
المعروف أبوه بالسكيت صاحب كتاب: إصلاح المنطق وغيره. قدم دمشق مع جعفر المتوكل. وكان مؤدب أولاد المتوكل.
قال ابن السكيت: قال محمد بن السماك: من عرف الناس داراهم، ومن جهلهم ماراهم، ورأس المداراة ترك المماراة.
قال أبو بكر الخطيب: يعقوب بن إسحاق السكيت، أبو يوسف النحوي اللغوي. كان من أهل الفضل والدين، موثوقاً بكلامه وبروايته. وأبوه إسحاق هو المعروف بالسكيت. وحكي أن الفراء سأل السكيت عن نسبه فقال: خوزي أصلحك الله من قرى دورق، من كور الأهواز.
قال محمد بن فرج: كان يعقوب بن السكيت يؤدب مع أبيه بمدينة السلام، في درب القنطرة صبيان العامة حتى احتاج إلى الكسب، فجعل يتعلم النحو. وحكى عن أبيه أنه حج، وطاف
بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وسأل الله أن يعلم ابنه النحو، فتعلم النحو واللغة، وجعل يختلف إلى قوم من أهل القنطرة، فأجروا له كل دفعة عشرة وأكثر حتى اختلف إلى بشر وإبراهيم ابني هارون أخوين كانا يكتبان لمحمد بن عبد الله بن طاهر فما زال يختلف إليهما، وإلى أولادهما دهراً. فاحتاج ابن طاهر إلى رجل يعلم ولده، وجعل ولده في حجر إبراهيم، ثم قطع ليعقوب رزقاً خمسمائة درهم، ثم جعلها ألف درهم. وكان يعقوب قد خرج قبل ذلك إلى سر من رأى، وذلك في أيام المتوكل، فصيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان عند المتوكل، فضم إليه ولده، وأسنى له الرزق.
قال ثعلب: وقد ذكر يعقوب بن السكيت فقال: ما عرفنا له خربة قط.
قال أبو الحسن الطوسي: كنا في مجلس علي اللحياني، وكان عازماً على أن يملي نوادره ضعف ما أملي، فقال يوماً: تقول العرب: مثقل استعان بذقنه، فقام إليه ابن السكيت وهو حدث فقال: يا أبا الحسن، إنما هو مثقل استعان بدفيه، يريدون الجمل إذا نهض بالحمل استعان بجنبيه. فقطع الإملاء. فلما كان في المجلس الثاني أملى، فقال: تقول العرب: هو جاري مكاشري. فقام إليه يعقوب بن السكيت، فقال: أعزك الله، وما معنى مكاشري؟ إنما هو مكاسري؛ كسر بيتي إلى كسر بيته. قال: فقطع اللحياني الإملاء، فما أملى بعد ذلك شيئاً.
عن أبي سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان قال: سمعت ثعلباً يقول: عدي بن زيد العبادي أمير المؤمنين في اللغة. وكان يقول في ابن السكيت قريباً من هذا.
وقال: سمعت المبرد يقول:
ما رأيت للبغداديين كتاباً أحسن من كتاب يعقوب بن السكيت في المنطق.
قال أحمد بن محمد بن أبي شداد: شكوت إلى ابن السكيت ضيقةً، فقال: هل قلت شيئاً؟ قلت: لا، قال: فأقول أنا. فأنشدني: من البسيط
نفسي تروم أموراً لست مدركها ... ما دمت أحذر ما يأتي به القدر
ليس ارتحالك في كسب الغنى سفراً ... لكن مقامك في ضيقٍ هو السفر
قال ابن السكيت: كتب إلي صديق: قد عرضت لي قبلك حاجة، فإن نجحت بك، فالفاني حظي، والباقي حظك، وإن تتعذر فالخير مظنون منك، والعذر مقدم لك.
قال المازني: اجتمعت مع يعقوب بن السكيت عند محمد بن عبد الملك الزيات، فقال لي محمد بن عبد الملك الزيات: سل أبا يوسف عن مسألة. فكرهت ذلك، وجعلت أتباطأ، وأدافع مخافة أن أوحشه؛ لأنه كان لي صديقاً. فألح علي محمد بن عبد الملك، وقال لي: لم لا تسأله؟ فاجتهدت في اختيار مسألة سهلة لأقارب يعقوب، فقلت له: ما وزن نكتل من الفعل من قول الله تعالى: " فأرسل معنا أخانا نَكْتَلْ "؟ فقال لي: نفعل، فقلت: فينبغي أن يكون ماضيه كتل! فقال: لا، ليس هذا وزنه، إنما هو نفتعل، فقلت له: نفتعل كم حرفاً؟ قال: هو خمسة أحرف، فقلت له: فنكتل، كم
حرفاً هو؟ قال: اربعة أحرف فقلت له: أيكون أربعة أحرف بوزن خمسة أحرف؟ فانقطع، وخجل وسكت. فقال محمد بن عبد الملك: فإنما تأخذ كل شهر ألفي درهم على أنك لا تحسن ما وزن نكتل؟ قال: فلما خرجنا قال لي يعقوب: يا أبا عثمان، هل تدري ما صنعت؟ فقلت له: والله لقد قاربتك جهدي.
قال أبو الفرج: وكان يعقوب في صناعة النحو ذا بضاعة مزجاة نزرة، وقد صنف مع هذا في النحو كتاباً مختصراً لم يعد فيه القدر الذي تناله يده، وإن كان إماماً عالماً في اللغة، وقدرةً سابقاً مبرزاً في اختلاف أهلها من البصريين والكوفيين، وله فيها كتب مؤلفة حسنة، وأنواع مصنفة مفيدة.
قال ابن السكيت: إن محمد بن عبد الله بن طاهر عزم على الحج، فخرجت إليه جارية له شاعرة، فبكت لما رأت آلة السفر، فقال محمد بن عبد الله: مجزوء الرمل
دمعةٌ كاللؤلؤ الرّطب على الخدّ الأسيل
هطلت في ساعة البي ... ن من الطرف الكحيل
ثم قال لها: أجيزي، فقالت:
حين همّ القمر البا ... هر عنّا بالأفول
إنما يفتضح العشا ... ق في وقت الرّحيل
قال الخطيب: بلغني أن يعقوب بن السكيت مات في رجب من سنة ثلاث وقيل: من سنة أربع، وقيل: من سنة ست وأربعين ومائتين، وقد بلغ ثمانياً وخمسين سنةً.
المعروف أبوه بالسكيت صاحب كتاب: إصلاح المنطق وغيره. قدم دمشق مع جعفر المتوكل. وكان مؤدب أولاد المتوكل.
قال ابن السكيت: قال محمد بن السماك: من عرف الناس داراهم، ومن جهلهم ماراهم، ورأس المداراة ترك المماراة.
قال أبو بكر الخطيب: يعقوب بن إسحاق السكيت، أبو يوسف النحوي اللغوي. كان من أهل الفضل والدين، موثوقاً بكلامه وبروايته. وأبوه إسحاق هو المعروف بالسكيت. وحكي أن الفراء سأل السكيت عن نسبه فقال: خوزي أصلحك الله من قرى دورق، من كور الأهواز.
قال محمد بن فرج: كان يعقوب بن السكيت يؤدب مع أبيه بمدينة السلام، في درب القنطرة صبيان العامة حتى احتاج إلى الكسب، فجعل يتعلم النحو. وحكى عن أبيه أنه حج، وطاف
بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، وسأل الله أن يعلم ابنه النحو، فتعلم النحو واللغة، وجعل يختلف إلى قوم من أهل القنطرة، فأجروا له كل دفعة عشرة وأكثر حتى اختلف إلى بشر وإبراهيم ابني هارون أخوين كانا يكتبان لمحمد بن عبد الله بن طاهر فما زال يختلف إليهما، وإلى أولادهما دهراً. فاحتاج ابن طاهر إلى رجل يعلم ولده، وجعل ولده في حجر إبراهيم، ثم قطع ليعقوب رزقاً خمسمائة درهم، ثم جعلها ألف درهم. وكان يعقوب قد خرج قبل ذلك إلى سر من رأى، وذلك في أيام المتوكل، فصيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان عند المتوكل، فضم إليه ولده، وأسنى له الرزق.
قال ثعلب: وقد ذكر يعقوب بن السكيت فقال: ما عرفنا له خربة قط.
قال أبو الحسن الطوسي: كنا في مجلس علي اللحياني، وكان عازماً على أن يملي نوادره ضعف ما أملي، فقال يوماً: تقول العرب: مثقل استعان بذقنه، فقام إليه ابن السكيت وهو حدث فقال: يا أبا الحسن، إنما هو مثقل استعان بدفيه، يريدون الجمل إذا نهض بالحمل استعان بجنبيه. فقطع الإملاء. فلما كان في المجلس الثاني أملى، فقال: تقول العرب: هو جاري مكاشري. فقام إليه يعقوب بن السكيت، فقال: أعزك الله، وما معنى مكاشري؟ إنما هو مكاسري؛ كسر بيتي إلى كسر بيته. قال: فقطع اللحياني الإملاء، فما أملى بعد ذلك شيئاً.
عن أبي سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان قال: سمعت ثعلباً يقول: عدي بن زيد العبادي أمير المؤمنين في اللغة. وكان يقول في ابن السكيت قريباً من هذا.
وقال: سمعت المبرد يقول:
ما رأيت للبغداديين كتاباً أحسن من كتاب يعقوب بن السكيت في المنطق.
قال أحمد بن محمد بن أبي شداد: شكوت إلى ابن السكيت ضيقةً، فقال: هل قلت شيئاً؟ قلت: لا، قال: فأقول أنا. فأنشدني: من البسيط
نفسي تروم أموراً لست مدركها ... ما دمت أحذر ما يأتي به القدر
ليس ارتحالك في كسب الغنى سفراً ... لكن مقامك في ضيقٍ هو السفر
قال ابن السكيت: كتب إلي صديق: قد عرضت لي قبلك حاجة، فإن نجحت بك، فالفاني حظي، والباقي حظك، وإن تتعذر فالخير مظنون منك، والعذر مقدم لك.
قال المازني: اجتمعت مع يعقوب بن السكيت عند محمد بن عبد الملك الزيات، فقال لي محمد بن عبد الملك الزيات: سل أبا يوسف عن مسألة. فكرهت ذلك، وجعلت أتباطأ، وأدافع مخافة أن أوحشه؛ لأنه كان لي صديقاً. فألح علي محمد بن عبد الملك، وقال لي: لم لا تسأله؟ فاجتهدت في اختيار مسألة سهلة لأقارب يعقوب، فقلت له: ما وزن نكتل من الفعل من قول الله تعالى: " فأرسل معنا أخانا نَكْتَلْ "؟ فقال لي: نفعل، فقلت: فينبغي أن يكون ماضيه كتل! فقال: لا، ليس هذا وزنه، إنما هو نفتعل، فقلت له: نفتعل كم حرفاً؟ قال: هو خمسة أحرف، فقلت له: فنكتل، كم
حرفاً هو؟ قال: اربعة أحرف فقلت له: أيكون أربعة أحرف بوزن خمسة أحرف؟ فانقطع، وخجل وسكت. فقال محمد بن عبد الملك: فإنما تأخذ كل شهر ألفي درهم على أنك لا تحسن ما وزن نكتل؟ قال: فلما خرجنا قال لي يعقوب: يا أبا عثمان، هل تدري ما صنعت؟ فقلت له: والله لقد قاربتك جهدي.
قال أبو الفرج: وكان يعقوب في صناعة النحو ذا بضاعة مزجاة نزرة، وقد صنف مع هذا في النحو كتاباً مختصراً لم يعد فيه القدر الذي تناله يده، وإن كان إماماً عالماً في اللغة، وقدرةً سابقاً مبرزاً في اختلاف أهلها من البصريين والكوفيين، وله فيها كتب مؤلفة حسنة، وأنواع مصنفة مفيدة.
قال ابن السكيت: إن محمد بن عبد الله بن طاهر عزم على الحج، فخرجت إليه جارية له شاعرة، فبكت لما رأت آلة السفر، فقال محمد بن عبد الله: مجزوء الرمل
دمعةٌ كاللؤلؤ الرّطب على الخدّ الأسيل
هطلت في ساعة البي ... ن من الطرف الكحيل
ثم قال لها: أجيزي، فقالت:
حين همّ القمر البا ... هر عنّا بالأفول
إنما يفتضح العشا ... ق في وقت الرّحيل
قال الخطيب: بلغني أن يعقوب بن السكيت مات في رجب من سنة ثلاث وقيل: من سنة أربع، وقيل: من سنة ست وأربعين ومائتين، وقد بلغ ثمانياً وخمسين سنةً.