96071. همام بن زيد1 96072. همام بن صبيح1 96073. همام بن عبد الله التيمي1 96074. همام بن عبد الله التيمي الكوفى1 96075. همام بن عبد الله الكوفي التيمى ابو هشام...1 96076. همام بن غالب بن صعصعة196077. همام بن قبيصة بن مسعود1 96078. همام بن مالك1 96079. همام بن محمد بن أبي شيبان العبسي1 96080. همام بن محمد بن سعيد1 96081. همام بن مسلم الزاهد3 96082. همام بن مسلمة1 96083. همام بن معاوية1 96084. همام بن منبه6 96085. همام بن منبه الصنعاني1 96086. همام بن منبه بن سيح ابو عقبة الابناوي...1 96087. همام بن منبه بن كامل1 96088. همام بن منبه بن كامل أبو عقبة الصنعاني...1 96089. همام بن منبه بن كامل بن سيج1 96090. همام بن منبه بن كامل بن سيج الأبناوي1 96091. همام بن منبه بن كامل بن سيج الابناوي الصنعاني...1 96092. همام بن منبه بن كامل بن سيج الصنعاني1 96093. همام بن نافع3 96094. همام بن نافع أبو عبد الرزاق الصنعاني...1 96095. همام بن نافع اليماني مولى حمير1 96096. همام بن يحيى5 96097. همام بن يحيى البصري1 96098. همام بن يحيى العوذي1 96099. همام بن يحيى بن دينار2 96100. همام بن يحيى بن دينار أبو عبد الله البصري...1 96101. همام بن يحيى بن دينار ابو عبد الله العوذي...1 96102. همام بن يحيى بن دينار ابو عبد الله العوذي الازدي البصري...1 96103. همام بن يحيى بن دينار الازدي1 96104. همام بن يحيى بن دينار العوذي1 96105. همام بن يحيى بن دينار العوذي المحلمي...1 96106. همام مولى النبي1 96107. همدان2 96108. همدان بريد عمر بن الخطاب1 96109. همدان مولى عمر بن الخطاب1 96110. همذان بريد عمر بن الخطاب1 96111. هميان بن ثمامة بن سريرة2 96112. هميان بن نمامة بن سريرة1 96113. هميل بن الدمون1 96114. هميم بن همام بن يوسف1 96115. همينة بنت خالد1 96116. همينة بنت خالد بن اسعد بن عامر2 96117. همينة بنت خلف1 96118. هناد1 96119. هناد بن إبراهيم أبو المظفر النسفي1 96120. هناد بن ابراهيم بن محمد بن نصر بن اسماعيل بن عصمة ابو المظفر النس...1 96121. هناد بن السري1 96122. هناد بن السري أبو السري التميمي1 96123. هناد بن السري أبو السري الحنظلي الكوفي...1 96124. هناد بن السري ابو السري الكوفى الوراق...1 96125. هناد بن السري الصغير الدارمي1 96126. هناد بن السري العابد1 96127. هناد بن السري بن مصعب أبو السري الدارمي...1 96128. هناد بن السري بن مصعب الدارمي التميمي الكوفي...1 96129. هناد بن السري بن مصعب بن أبي بكر بن شبر بن صعفوق...1 96130. هناد بن السري بن مصعب  التميمي الدارمي الكوفي الوراق...1 96131. هناد بن سليم1 96132. هناد بن سليمان القرشي1 96133. هنبل بن محمد بن يحيى بن هنبل1 96134. هند ابن خديجة1 96135. هند الجهنية1 96136. هند الخولانية1 96137. هند الخولانية امرأة بلال بن رباح1 96138. هند ام سلمة زوج النبي1 96139. هند امراة بلال بن رباح سماها سعيد1 96140. هند بن هند بن ابي هالة1 96141. هند بن أبي هالة4 96142. هند بن أسماء بن حارثة بن1 96143. هند بن ابي هالة4 96144. هند بن ابي هالة الاسيدي التميمي1 96145. هند بن ابي هالة التميمي1 96146. هند بن اسماء الاسلمي1 96147. هند بن اسماء بن حارثة بن هند1 96148. هند بن اسماء بن حارثة بن هند الاسلمي1 96149. هند بن اسماء بن جارثة او حارثة1 96150. هند بن حارثة3 96151. هند بن حارثة الأسلمي1 96152. هند بن حارثة الاسلمي1 96153. هند بن حارثة بن هند الاسلمي1 96154. هند بن سعد بن حنيف بن سهل1 96155. هند بن سعد بن سهل بن حنيف2 96156. هند بن عمرو1 96157. هند بن عمرو الجملي2 96158. هند بن عمرو بن جندلة1 96159. هند بن هند بن ابي هالة2 96160. هند بن هند بن ابي هالة التميمي1 96161. هند بنت أبي أمية أم سلمة1 96162. هند بنت أبي سفيان1 96163. هند بنت أثاثة1 96164. هند بنت أسماء بن خارجة بن حصن الفزارية...1 96165. هند بنت أوس1 96166. هند بنت ابي امية2 96167. هند بنت ابي امية المخزومية1 96168. هند بنت ابي امية بن المغيرة2 96169. هند بنت ابي سفيان بن حرب1 96170. هند بنت ابي طالب2 Prev. 100
«
Previous

همام بن غالب بن صعصعة

»
Next
همام بن غالب بن صعصعة
ابن ناجية بن عقال بم محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم أبو فراس بن أبي خطل التميمي البصري الشاعر، المعروف بالفرزدق وفد على معاوية يطلب ميراث عمه الحتات، ووفد على الوليد بن عبد الملك، وعلى هشام بن عبد الملك، وقيل إنه لم يفد إلا على هشام.
قال همام: حدثني الطرماح بن عدي الشاعر قال: لقيت نابغة بني جعدة الشاعر، فقلت له: لقيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: نعم، وأنشدته قصيدتي التي أقول فيها:
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
قال: فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد بدا الغضب في وجهه، فقال: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقلت: إلى الجنة يا رسول الله، قال: أجل إن شاء الله. فلما رأيته سري عنه قلت:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له ... بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذاما أورد الأمر أصدرا
فقال لي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا يفضض الله فاك. مرتين.
قال الفرزدق: رآني أبو هريرة فقال لي: يا فرزدق، إني أراك صغير القدمين، وأنا سمعته صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن لي حوضا كما بين أيلة وعمان، فإن استطعت أن يكون لقدميك عليه موضع فافعل. وفي آخر بمعناه: فاطلب لهما موضعاً في الجنة، فقلت: إن لي ذنوباً كثيرة، فقال: لا تأيس، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: إن بالمغرب بابا مفتوحا لا يغلق - زاد في رواية -: حتى تطلع الشمس من مغربها.
وفي آخر فقال: إن التوبة لا تزال تقبل ما لم تطلع الشمس من مغربها. عمل عبد عمل من شيء.
وفي حديث آخر فقال: إن قدميك صغيرتان، وكم من محصنة قد قذفتها، وإن لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حوضاً ما بين أيلة إلى كذا وكذا، وهو قائم بذناباه يقول: إلي إلي، فإن استطعت فلا تحرمه. قال: فلما قدمت قال: ما صنعت من شيء فلا تعظمه.
وللفرزدق رحلة مع أبيه، وهو صغير إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قال الفرزدق: دخلت مع أبي على علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وبين يديه سيوف يذوقها، فقال لأبي: من أنت؟ قال: غالب بن صعصعة، قال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم. قال: فمت فعلت؟ قال: ذعذعتها النوائب والحقوق، فقال: ذلك خير سبيلها، من هذا معك؟ فقال: هذا ابني همام، وهو يقول الشعر، فقال: علمه القرآن، فهو خير له.
سمي الفرزدق لشبه وجهه بالخبرة، وهي فرزدقة. واسمه همام. والفرزدق: الرغيف الضخم الذي تتخذ منه النساء الفتوت، ويقال للقطعة من العجين التي تبسط فيخبز منها، شبه وجهه بذلك لأنه كان غليظاً جهماً.
قال الجارود: كان رجل من بني رياح يقال له: ابن وثيل - وكان شاعراً - أتى الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مئة من الإبل، وهذا مئة من الإبل إذا وردت الماء. فلما وردت الإبل قاما إليها بالسيوف يكسعان عراقيبها، فخرج الناس على الحمران والبغال
يريدون اللحم، وعلي بن أبي طالب عليه السلام بالكوفة، فخرج على بغلة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البيضاء، وهو ينادي: يا أيها الناس، لا تأكلوا من لحومها، فإنه أهل لغير الله.
كان بسر بن سعيد من العباد المنقطعين وأهل الزهد في الدنيا، وكان ثقة، كثير الحديث، ورعا، وكان قد أتى البصرة في حاجة له، ثم أراد الرجوع إلى المدينة، فرافقه الفرزدق الشاعر. فلم يشعر أهل المدينة إلا وقد طلعا عليهم في محمل، فعجب أهل المدينة لذلك. وكان الفرزدق يقول: ما رأيت رفيقاً خيراً من بسر بن سعيد. وكان بسر يقول: ما رأيت رفيقاً خيراً من الفرزدق.
قال الفرزدق: لقيت أبا هريرة بالشام، فقال لي: أنت الفرزدق؟ قلت: نعم، قال: أنت الذي يقول الشعر؟ قلت: نعم، قال: اتق وانظر، فلعلك إن بقيت أن تلقى قوماً يخبرونك أن الله لن يغفر لك فلا تقنطن من رحمة الله.
قال الفرزدق: رأيت أنف عرفجة من ذهب، وكان أصيب أنفه يوم الكلاب، فاتخذ أنفاً من فضة، فأنتن عليه، فرأيته بعد ذلك صنعه من ذهب. وزعم منصور بن سعيد أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بذلك.
قال الفرزدق: خرجت من البصرة أريد العمرة، فرأيت عسكرا في البرية، فقلت: عسكر من
هذا؟ قالوا: عسكر الحسين بن علي عليه السلام، فقلت: لأقضين بحق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه، فأتيته، فسلمت، فقال: من الرجل؟ فقلت: الفرزدق بن غالب، قال: هذا نسب قصير، فقلت: أنت أقصر مني نسباً، أنت ابن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لي: أبو من؟ قلت: أبو فراس، فقال لي: يا أبا فراس، كيف خلقت الناس؟ ومن أين؟ وإلى أين؟ قلت: من البصرة، أريد العمرة، وما سألت عنه من أمر الناس فقلوبهم معك، وسيوفهم مع بني أمية، والقضاء ينزل من السماء، فاغرورقت عيناه، وقال: هكذا الناس في كل زمان أتباع لذي الدينار والدرهم، والدين لغو على ألسنتهم، فإذا فحصوا بالابتلاء قل الديانون.
قال الفرزدق: لقيت حسناً، فقلت: يا أبي أنت لو أقمت حتى يصدر الناس لرجوت أن ينقصف أهل الموسم معك، فقال: لم آمنهم يا أبا فراس، قال: فدخلت مكة، فإذا فسطاط وهيئة، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: لعبد الله بن عمرو بن العاص، فأتيته، فإذا شيخ أحمر، فسلمت: فقال: من؟ قلت: الفرزدق، أترى أن أنصر حسيناً، قال: إذاً تصيب أجراً وذخراً، قلت: بلا دنيا، فأطرق ثم قال: يا بن غالب، لتتمن خلافة يزيد، فانظرن، فكرهت ما قال، فسببت يزيد ومعاوية، قال: مه، قبحك الله، فغضبت فشتمته وقمت. فلو حضره حشمه لأوجعوني. فلما قضيت الحج رجعت، فإذا عير، فصرخت، ألا بايعا الحسين، فردوا على الأفناء.
قال إسماعيل بن يسار: لقي الفرزدق حسيناً، فسلم عليه، فوصله بأربع مئة دينار، فقالوا: يا أبا عبد الله، تعطي شاعراً متهتراً؟! فقال: إن خير ما أمضيت من مالك ما وقيت به عرضك، والفرزدق شاعر لا يؤمن، فقال قوم لإسماعيل: وما عسى أن يقول في الحسين، ومكانه مكانه، وأبوه وأمه من قد علمت؟ قال: اسكتوا، فإن الشاعر ملعون، إن لم يقل في أبيه وأمه قال في نفسه.
قال الفرزدق: لما خرج الحسين لقيت عبد الله بن عمرو قلت له: إن هذا الرجل قد خرج فما ترى؟ قال: أرى أن تخرج معه، فإنك إن أردت دنيا أصبتها، وإن أردت آخرة أصبتها، فرحلت نحوه. فلما كنت ببعض الطريق بلغني قتله، فرجعت إلى عبد الله فقلت: أين ما قلت لي؟ قال: كان رأياً رأيته.
قال مغيرة: لم يكن أحد من أشراف العرب بالبادية كان أحسن ديناً من صعصعة جد الفرزدق، ولم يهاجر، وهو الذي أحيا ألف موءودة، وحمل على ألف فرس، وهو الذي افتخر به الفرزدق، فقال: المتقارب
ومنا الذي منع الوائدات ... فأحيا الوئيد فلم يوأد
قال صعصعة بن ناجية: أتيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلمت، وعلمني آياً من القرآن، فقلت: يا رسول الله، إني عملت في الجاهلية أعمالاً، فهل في ذلك من أجر، قال: وما هي؟ قال: أضللت ناقتين لي عشراوين، فخرجت أبغيهما على جمل لي، فبينا أنا أسير إذ رفع لي بيتان في فضاء من الأرض، فقصدت نحوهما، فإذا في أحدهما شيخ، فقلت: هل أحسست من ناقتين عشراوين، قال: وما نارهما؟ قلت: ميسم بني دارم، قال: قد وجدتهما، وقد ولدتهما، وظأرتا على أولادهما، وقد أحيا الله بهما أهل بيت من قومك من مضر، فبينا هو يخاطبني إذ قالت امرأة من البيت الآخر: قد ولدت، قد ولدت، قال: وما ولدت؟ إن كان غلاما فقد شاركنا في قومنا، وإن كان جارية فادفناها،
قلت: وما هذه المولودة؟ قال: ابنة لي، قلت: هل لك أن تبيعنيها؟ قال: تقول لي هذا وقد أخبرتك أني من العرب من مضر؟ قلت: إني لا أشتري منك رقبتها، إنما أشتري منك روحها؟ قال: بكم؟ قلت: بناقتي، قال: على أن تزيدني بعيرك هذا، قلت: نعم، على أن ترسل معي رسولاً، فإذا بلغت أهلي دفعته إليه، ففعل. فلما بلغت أهلي دفعت الجمل للرسول، ثم فكرت ثم قلت: والله إن هذه لمكرمة ما سبقني إليها أحد من العرب، وكنت لا أسمع بموءودة إلا اشتريتها بناقتين عشراوين وجمل، فجاء الإسلام وقد استحييت ثلاث مئة وستين، من الموءودة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا باب من الخير، ولك أجره إذ من الله عليك بالإسلام. قال: وذلك مصداق قول الفرزدق:
وجدي الذي منع الوائدات ... وأحيا الوئيد فلم يوأد
مات غالب بن صعصعة أبو الفرزدق بسيف كاظمة، فدفن على رابية، فآلى الفرزدق على نفسه أن يكون قبر أبيه مأهولاً معموراً لا يستجير به أحد إلا أجاره، ولا يلوذ به عان إلا فكه، ولا يأتيه غارم إلا أدى عنه. فلما شرعت العداوة بين الفرزدق وبين بني جعفر بن كلاب، وعزم أن يهجوهم خرجت امرأة من رؤسائهم - قيل: إنها أم ذي الأهدام نفيع - ومضت إلى سيف كاظمة، وضربت على قبر أبي الفرزدق فسطاطاً، وأقامت به أياماً. فلما رحلت عنه حملت حصيات من قبره، فأتت بها الفرزدق، فألقتها بين يديه، وقالت له: سألتك بصاحب هذه التربة إلا أعفيتني من ذكرك في هجائك في شعر، قال: ورب الكعبة اليمانية لا ذكرتك بسوء أبداً، فهاجى بني جعفر بن كلاب. فلما صار إليها قال:
عجوز تصلي الخمس عاذت بغالب ... فلا والذي عاذت به لا أضيرها
لئن نافع لم يرع أرحام أمه ... وكانت كدلو لا يزال يعيرها
لبئس دم المولود مس ثيابها ... عشية نادى بالغلام بشيرها
وإني على إشفاقها من مخافتي ... وإن عقها بي نافع لمجيرها
وكان رجل من بني منقر كاتب غلاماً له كان منشؤه البادية على ألف درهم على أن يؤديها إليه بعد حول، فسعى فيها، ومضى الحول، ولم يصل إليها، فخرج من البصرة متنكراً حتى أتى سيف كاظمة، فحمل من قبر غالب أبي الفرزدق حصيات وأتى بهن الفرزدق، وهو واقف بالمربد، يبيع إبلاً له، فألقاهن في حجره، وقال: إني مستجير غارم، قال: وما بك، لا أبالك؟ فأنشده:
بقبر ابن ليلى غالب عذت بعدما ... خشيت الردى أو أن أرد على قسر
بقبر امرئ تقري المئين عظامه ... ولم يك إلا غالباً ميت يقري
فقال لي استقدم أمامك إنما ... فكاكك أن تلقى الفرزدق في المصر
فقال له الفرزدق: مالك؟ قال: إني مكاتب، وقد عجزت، قال: وكم كتابك؟ قال: ألف درهم، قال: لك ألف لكتابك، وألف معونة لك، ولك ناقة سوداء، ولك كسوة سابغة، قال: فأعطني، قال: والله لا تريم من مكانك حتى أفي لك بما قلت، فعجل ذلك ليله.
ولما وجه الحجاج بتميم بن زيد إلى السند قدم البصرة فحمل من أهلها قوماً كثيراً، وحمل معه رجلاً قصاباً، يقال له خنيس. فلما نظرت أمه إلى ذلك ركبت بعيراً لها، ولحقت بقبر غالب، فحملت منه حصيات، ثم أتت بهن الفرزدق، فألقتهن على بابه، فخرج مذعوراً، فقال: ما بك؟ قالت: ابني وواحدي، قال: وأين هو؟ قالت: مع تميم بن زيد بالسند، فدعا برجل، فقال: اكتب ما أمليه عليك، فكتب:
تميم بن زيد لا تكونن حاجتي ... بظهر فلا يعيا علي جوابها
وهب لي خنيساً واحتسب فيه منة ... لعبرة أم ما يسوغ شرابها
أتتني فعاذت يا تميم بغالب ... وبالحفرة السافي عليها ترابها
وقد علم الأقوام أنك ماجد ... وليث إذا ما الحرب شب شبابها
فلما قرأ تميم الكتاب لميدر حبيش، أم خنيس، فقال: انظروا من كان في هذا العسكر له هذا الاسم، فرجعوا به إلى الفرزدق، فأصابوا ستة نفر من خنيس وحبيش فوجه بهم إليه، وقيل إنه لما حضر إليه الستة نفر: سأل عن ابن العجوز البصرية فقال أحدهم: أنا هو، فكتب له منشور ونقل عطاؤه إلى البصرة، وكتب منشوراً: لا يزعجه أحد حتى يقول هو: قد فرغت من حاجة تميم بن زيد، وأعطاه ألف درهم، وحمله على البريد إلى البصرة، وأجاب الفرزدق عن كتابه، ووجه مع الجواب عشرة آلاف درهم ثم تأمل الخمسة الباقين، فقال: قد أتي بكم وكل واحد منكم يرجو، والرجاء ذمام، والله لا خيبت آمالكم، فكتب لكل واحد منهم منشوراً، وأمر لهم بنفقاتهم إلى مواطنهم.
قال عبد الكريم: دخلت على الفرزدق، فتحرك، فإذا في رجليه قيد، فقلت: ما هذا يا أبا فراس؟! قال: حلفت ألا أخرجه من رجلي حتى أحفظ القرآن.
قال جرير: نبعة الشعر الفرزدق.
قال ابن شبرمة: كان الفرزدق أشعر الناس.
قال أبو عمرو بن العلاء: لم أر بدوياً أقام بالحضر إلا فسد لسانه غير رؤبة بن العجاج والفرزدق، كأنهما زادا على طول الإقامة جدة وحدة.
قال المبرد: قال لي الفتح بن خاقان: أيهما تقدم، الفرزدق أم جريراً؟ فقلت: كلاهما عندي غاية، وفي الذروة، وإنما أقول على قدر الخاطر: إذا أحببت المسامحة والسهولة، وقلة التكلف ملت إلى جرير، وإذا أحببت الركانة والرزانة ملت إلى الفرزدق.
قال أبو يحيى الضبي: لما هرب الفرزدق من زياد حين استعدى عليه بنو نهشل في هجائه أباهم أتى سعيداً، وهو على المدينة أيام معاوية، فاستجاره فأجاره، والحطيئة وكعب بن جعيل حاضراه فأنشده الفرزدق:
ترى النفر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان آلى
بني عم النبي ورهط عمرو ... وعثمان الألى غلبوا فعالا
قياماً ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا
فقال الحطيئة: هذا والله الشعر، لا ما تعلل به منذ اليوم أيها الأمير، فقال كعب بن جعيل: فضله على نفسك، ولا تفضله على غيرك، فقال: بلى والله أفضله على نفسي وعلى غيري. أدركت من قبلك وسبقت من بعدك، لئن بقيت لتبرزن علينا. ثم قال له الحطيئة: يا غلام، أنجدت امك؟ قال: لا بل أبي. يريد الحطيئة: إن كانت أمك أنجدت، فإني أصبتها، فأشبهتني، فألفاه لقن الجواب فنعاه عليه
الطرماح حين هجاه فقال:
فاسأل قفيرة بالمروت هل شهدت ... سوط الحطيئة بين السجف والنضد
أم كان في غالب شعر فيشبهه ... شعر ابنه فينال الشعر من صدد؟
جاءت به نطفةً من شر ما اتسقت ... منه إلى شر واد شق في بلد
كان الفرزدق جالساً في حلقة الحسن، فقال رجل: يا أبا سعيد، ما تقول في رجل قال فلان: طلقت امرأتي، وعتقت مملوكي، وفعلت وفعلت، فقال الفرزدق: يا أبا سعيد، أجيبه؟ قال: نعم، قال الفرزدق: أو ليس قد قلت في ذلك شعراً؟ فقال: وما قلت؟ وليس كل ما قلت يؤخذ به، فقال الفرزدق:
فلست بمأخوذ بشيء تقوله ... إذا لم تعمد عاقدات العزائم
فقال الحسن: أصاب أبو فراس، والقول ما قال أبو فراس.
سأل رجل الحسن - والفرزدق عنده - عن قول الله عز وجل (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) ، فقال الفرزدق: تسأل أبا سعيد، وقد قلت بذلك شعراً؟ فقال له الحسن: ما هو؟ قال:
وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلالا ومن بين بها لم تطلق
فتبسم الحسن ولم يرد عليه ما قال، قال: تحل لكم السبايا أن تطؤوهن بملك اليمين من غير أن يطلقهن أزواجهن.
أتى الفرزدق الحسن فقال: إني قد هجوت إبليس، فاسمع، قال: لا حاجة لنا بالقول، قال: لتسمعن أو لأخرجن، فأقول للناس: إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس، فقال الحسن: اسكت، فإنك عن لسانه تنطق.
قال سلام بن مسكين: كنت في حبس بلال والفرزدق معي في السجن، فقلت: يا أبا فراس، تمزق أعراض الناس، وتتناولهم بلسانك! فقال لي: اسمع ما أقول: والله إنه تبارك وتعالى أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، ومن عيني هاتين، ومن عشيرتي، أفترى الله يعذبني بعد هذا، إنه لأكرم من ذلك.
قيل لابن هبيرة: من سيد أهل العراق؟ قال: الفرزدق، هجاني ملكاً ومدحني سوقة. وقال لخالد حين قدم العراق:
ألا قطع الرحمن ظهر مطية ... أتتنا تخطى عن دمشق بخالد
وكيف يؤم الناس من كانت أمه ... تدين بأن الله ليس بواحد
وقال:
نزلت بجيله واسطاً فتمكنت ... ونفت فزارة عن قرار المنزل
وقال:
لعمري لئن كانت بجيلة زانها ... جرير لقد أخزى بجيلة خالد
لقي الفرزدق شاب من أهل البصرة، فقال: يا أبا فراس، أسألك عن مسألة، قال: سل، قال: أيهما أحب إليك: تسبق الخير أو يسبقك؟ قال: يا بن أخي؟ لم تأل أن شددت وأحببت ألا تجعل لي مخرجاً، أفتجيبني أنت إن أجبتك؟ قال: نعم، قال: فاحلف، فغلظ عليه، ثم قال: نكون معاً، لا يسبقني ولا أسبقه. أسألك الآن؟ قال: نعم، قال: أيما أحب إليك: أن ترجع الآن على منزلك، فتجد امرأتك قابضة بكذا وكذا من رجل أو تجد رجلاً قابضاً على كذا وكذا منها؟ مر الفرزدق بمجلس لبني حرام ومعه عنبسة الفيل مولى عثمان بن عفان - وهو جد عبد الكريم بن روح - فقال: يا أبا فراس، متى تذهب إلى الآخرة؟ قال: وما حاجتك إلى ذلك؟ قال: اكتب معك إلى أبي، قال: أنا لا أذهب حيث أبوك، ابوك في النار. ولكن اكتب مع ريالوه واسطفانوس.
كان أسد بن عبد الله القسري شديد التعصب، فاجتمع عنده ذات يوم جماعة من الشعراء، فيهم الفرزدق، فقال له: أنشدنا، قال الفرزدق: فعلمت أنه يكره شعري، فقلت: أيها الأمير، لو أمرت غيري لأنشدك، فقال: أنشدني، ودعني من غيرك، فأنشدته قصيدة أقول فيها:
فإن الناس لولا نحن كانوا ... كما خرز تساقط من نظام
قال: فبم؟ واضطرب، ثم أقبل علي كالمهدد، فقال: أنشدنا، ودعنا من فخرك، فأنشدته: البسيط
يختلف الناس ما لم نجتمع لهم ... فلا خلاف إذا ما استجمعت مضر
منا الكواهل والأعناق تقدمها ... والرأس منا وفيه السمع والبصر
ولا نلين لمن يبغي تهضمنا ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر
فاربد وجهه، واضطرب، وقال: أي رأس منكم فيه السمع والبصر؟ قال الفرزدق: فبركت بين يديه، وقلت: على الخبير سقطت: قريش وكنانة، فلم يجد لي جواباً حين ذكرت قريشاً، ثم فكر فقال: كذبت، قريش سبط من الأسباط، وهي حيث جعلها الله أمةً وسطاً، فقلت: إن كانت قريش سبطاً، ولم تكن من مضر فهي إذاً من بني إسرائيل، فضحك الناس، وأمر بنا فأخرجنا.
ولما خاصمت الفرزدق زوجته نوار إلى عبد الله بن الزبير، وطلب فسخ نكاحها قال: الطويل
لعمري لقد أردى نواراً وساقها ... إلى الغور أحلام قليل عقولها
أطاعت بني أم النسير فأصبحت ... على قتب يعلو الفلاة دليلها
منها:
وإن الذي يسعى ليفسد زوجتي ... كساع إلى أسد الشرى يستبيلها
وفيهن عن أبوالهن بسالة ... وبسطة أيد يمنع الضيم طولها
فدونكها يا بن الزبير فإنها ... مولهةً يوهي الحجارة قيلها
ولما طلق الفرزدق امرأته النوار ثلاثاً قال لأبي شفقل: امض بنا إلى الحسن نشهده
على طلاق النوار، قال: فقلت له: أخشى أن يبدو لك فيها، فتشهد عليك الحسن، فتجلد، ويفرق بينكما، فقال: لا بد منه، فمضيا إلى الحسن، فأخبره، فقال له الحسن: قد شهدنا عليك، ثم بدا له بعد فادعاها، فشهد عليه الحسن، ففرق بينهما، فأنشأ يقول:
ندمت ندامة الكسعي لما ... مضت مني مطلقة نوار
وكانت جنتي فخرجت منها ... كآدم حين أخرجه الضرار
فلو أني ملكت يدي وقلبي ... لكان علي للقدر اختيار
ولما ماتت النوار امرأة الفرزدق أوصت أن يصلي عليها الحسن بن أبي الحسن البصري، فحضر جنازتها آجلاء أهل البصرة، والحسن على بغلته، والفرزدق على بعيره، فقال له الحسن: يا أبا فراس، ما يقول الناس؟ قال: يقول الناس: حضر الجنازة خير الناس وشر الناس، قال: ما أنا بخيرهم، ولا أنت بشرهم. يا أبا فراس، ما أغددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ ثمانين سنة. فقال الحسن بيده: نعم والله العدة. فلما صلى عليها الحسن مالوا إلى قبرها لدفنها، فأنشأ الفرزدق يقول:
أخاف وراء القبر إن لم يعافني ... أشد من القبر التهاباً وأضيقا
إذا جاءني يوم القيامة قائد ... عنيف وسواق يسوق الفرزدقا
لقد خاب من أولاد آدم من مشى ... إلى النار مغلول القلادة أزرقا
يساق إلى ذل الجحيم مسربلاً ... سرابيل قطران لباساً محرقا
إذا شربوا فيها الصديد رأيتهم ... يذوبون من حر الصديد تمزقا
فبكى الحسن ثم التزم الفرزدق، وقال: لقد كنت من أبغض الناس إلي، وإنك اليوم من أحب الناس إلي.
شهد الحسن جنازة أبي رجاء العطاردي على بغلة، والفرزدق معه على بعيره، فقال له الفرزدق: يا أبا سعيد، يستشرفنا الناس، فيقولون: خير الناس، وشر الناس، فقال الحسن: يا أبا فراس، كم أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره، ذاك خير من الحسن، وكم من شيخ مشرك أنت خير منه يا أبا فراس، قال: الموت يا أبا سعيد، قال له الحسن: وما أعددت له يا أبا فراس؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة، قال: إن للا إله إلا الله شروطا، فإياك وقذف المحصنة، يا أبا فراس كم من محصنة قد قذفتها، فاستغفر الله، قال: فهل من توبة أبا سعيد؟ قال: نعم.
زاد في آخر بمعناه: ثم وقف الحسن ملياً ثم قال: أما أنت يا أبا رجاء فقد استرحت من غموم الدنيا ومكابدتها، فجعل الله لك في الموت راحة طويلة، ثم أقبل على الفرزدق فقال: يا أبا فراس، كن من مثل هذا على حذر، فإنما نحن وأنت بالأثر، قال: فبكى الفرزدق ثم أنشأ يقول:
فلسنا بأنجى منهم غير أننا ... بقينا قليلا بعدهم وترحلوا
حدث محمد بن زياد - وكان في ديماس الحجاج زماناً حتى أطلقه سليمان حين قام - قال:
انتهيت إلى الفرزدق، وهو ينشد بمكة، بالردم مديح سليمان:
وكم أطلقت كفاك من قيد بائس ... ومن عقدة ما كان يرجى انحلالها
كثيراً من الأسرى التي قد تكنعت ... فككت وأعناقاً عليها غلالها
فقلت: أنا أحدهم، فأخذ بيدي وقال: أيها الناس، سلوه فو الله ما كذبت: قال الفرزدق يذكر ولادة برة بنت مر قريشاً - يعني: أم النضر بن كنانة: الوافر
هم أبناء برة بنت مر ... فأكرم بالخؤولة والعموم
فما فحل بأنجب من قريش ... وما خال بأكرم من تميم
ومن شعر الفرزدق: " الكامل "
إن المهالبة الذين تحملوا ... دفع المكاره عن ذوي المكروه
زانوا قديمهم بحسن حديثهم ... وكريم أخلاق وحسن وجوه
قدم جرير على عمر بن عبد العزيز، وهو يتولى المدينة، فأنزله في دار، وبعث إليه بجارية تخدمه، فقالت له: إني أراك شعثاً، فهل لك في الغسل؟ فجاءته بغسل وماء، فقال لها: تنحي عني، ثم اغتسل. ثم قدم الفرزدق فأنزله داراً وبعث إليه بجارية، فعرضت عليه مثل ذلك، فوثب عليها، فخرجت إلى عمر، فنفاه من المدينة، وأجله ثلاثاً، ففي ذلك يقول:
توعدني وأجلني ثلاثاً ... كما لبثت لمهلكها ثمود
فبلغ ذلك جرير فقال:
نفساك الأغر ابن عبد العزيز ... بحقك تنفى عن المسجد
وشبهت نفسك أشقى ثمود ... فقالوا ضللت ولم تهتد
وقد أخروا حين حل العذاب ... ثلاث ليال إلى الموعد
قدم الفرزدق المدينة في سنة جدبة، فمشى أهل المدينة إلى عمر بن عبد العزيز، وهو يومئذ أميرها فقالوا: إن الفرزدق قدم في هذه السنة الجدبة التي قد حلقت أموالها، وليس عند أحد ما يعطيه، فلو أن الأمير بعث إليه وأرضاه، وتقدم إليه ألا يعرض لأحد بمدح ولا هجاء. فبعث إليه عمر: إنك يا فرزدق قدمت مدينتنا هذه في هذه السنة الجدبة، وليس عند أحد ما يعطيه شاعراً، وقد أمرت لك بأربعة آلاف درهم، فخذها، ولا تعرض لأحد بمدح ولا هجاء. قال: فأخذها الفرزدق، ومر بعبد الله بن عمرو بن عثمان، وهو جالس في سقيفة داره، وعليه مطرف خز وجبة حمراء فقال:
أعبد الله أنت أحق ماش ... وساع بالجماهير الكبار
فللفاروق أمك وابن أروى ... أبوك فأنت منصدع النهار
هما قمرا السماء وأنت نجم ... به في الليل يدلج كل سار
فخلع عليه جبته والمطرف والعمامة، ودعا له بعشرة آلاف درهم، فسمع ذلك عمر بن عبد العزيز، فبعث إليه عمر: ألم أتقدم إليك يا فرزدق ألا تعرض لأحد بمدح
ولا هجاء؟ اخرج، فقد أجلتك ثلاثاً، فإن وجدتك بعد ثلاث نكلت بك، فخرج الفرزدق وهو يقول:
توعدني وأجلني ثلاثاً ... كما وعدت لمهلكها ثمود
كان الحجاج يتمثل بهذا البيت من شعر الفرزدق لما مات ابنه:
فما ابنك إلا من بني الناس فاصبري ... فلن يرجع الموتى خنين المآتم
كان شاعر من بني حرام بن سماك قد هجا الفرزدق، فأخذوه، فأتوا به الفرزدق، وقالوا له: هذا بين يديك، فإن شئت فاضرب، وإن شئت فاحلق، لا عدوى، ولا قصاص، فخلى عنه وقال:
فمن يك خائفاً لأذاة شعري ... فقد أمن الهجاء بنو حرام
هم قادوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام
كتب الفرزدق إلى جرير كتاباً يدعوه إلى الصلح، ويقول: ذهبت أيامنا بالباطل وكرت أيامنا، وقطعنا الدهر بشتم العشيرة، فهلم إلى الصلح، فجعل جرير يقرئ كتابه الناس، ويقول: دعاني إلى الصلح، فإذا في آخر كتابه:
شهدت طهية والبراجم كلها ... أن الفرزدق نال أم جرير
وقال بعض الخلفاء لجرير والفرزدق: حتى متى لا تنزعان، فقال جرير: يا أمير المؤمنين، إنه يظلمني، قال: صدق، إني أظلمه، ووجدت أبي يظلم أباه.
خرج الفرزدق حاجاً فمر بالمدينة، فدخل على سكينة بنت الحسين بن علي بن
أبي طالب مسلماً عليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كما قلت، أشعر منك الذي يقول:
بنفسي من تجنبه عزيز ... علي ومن زيارته لمام
ومن أمسى وأصبح لا أراه ... ويطرقني إذا هجع النيام
فقال: لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري أحسن من هذا، فقالت: أقيموه، فخرج. فلما كان الغد عاد إليها، فقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كما قلت، أشعر منك الذي يقول:
لولا الحياء لهاجني استعبار ... ولزرت قبرك والحبيب يزار
كانت إذا هجر الضجيع فراشها ... خزن الحديث وعفت الأسرار
لا يلبث القرناء أن يتفرقوا ... ليل يكر عليهم ونهار
قال: لئن أذنت لي لأسمعنك من شعري ما هو أحسن من هذا، فأمرت به، فأخرج، فعاد إليها من الغد، وحولها جوار مولدات، كأن التماثيل عن يمينها وعن شمالها، فأبصر الفرزدق واحدة منهن، كأنها ظبية، أدماء، فمات عشقاً لها، وجنوناً بها، وقالت: يا فرزدق، من أشعر الناس؟ قال: أنا، قالت: ليس كذلك، أشعر منك الذي يقول:
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
فقال: يا بنة رسول الله، إن لي عليك حقاً عظيماً لموالاتي لك ولآبائك، وإني صرت إليك من مكة قاصداً لك إرادة التسليم عليك، فلقيت في مدخلي إليك من التكذيب لي، وتعنيفي إياي أن أسمعك شعري ما قطع ظهري، وعيل صبري،
والمنايا تغدو وتروع، ولا أدري لعلي لا أفارق المدينة حتى أموت، فإن أنا مت فمري من يدفني في درع هذه الجارية، وأومأ إلى الجارية التي كلف بها، فضحكت سكينة حتى كادت تخرج من بردها، وأمرت له بألف درهم وكسى وطيب، وأمرت له بالجارية يجتمع إليها وقالت: يا أبا فراس، إنما أنت واحد منا - أهل البيت - لا يسؤك ما جرى، خذ ما أمرنا لك به، وأحسن إلى الجارية، وأكرم صحبتها. قال الفرزدق: فلم أزل أرى البركة بدعائها في نفسي ومالي.
قال أبو عبيدة: أول حمام بني بالبصرة حمام منجاب السعدي، وإن الفرزدق كان ذات يوم على باب دربه في أطمار خز إذ مرت به امرأة نبيلة برزة، فقالت له: كيف الطريق إلى حمام منجاب؟ فقال: هاهنا، وأومأ إلى دربه. فلما ولجت المرأة الدرب كامشها فاحتملها، وقد علم الله ما كان بعد ذلك.
وحدث بعض أهله قال: كنت عند رأس الفرزدق ألقنه الشهادة، فكنت أقول: يا أبا فراس، قل لا إله إلا الله، فيقول:
يا رب قائلة يوماً وقد لعبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب
ثم يقول: نعم، لا إله إلا الله، إلي أن مات.
ولما احتضر الفرزدق قال:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جل عن العتاب
إلى من تفزعون إذا حثوتم ... بأيديكم علي من التراب
قال أبو عمرو بن العلاء: حضرت الفرزدق، وهو يجود بنفسه، فما رأيت أحسن ثقة بالله منه. وذلك في أول سنة عشر ومئة. فلم أنشب أن قدم جرير من اليمامة، فاجتمع إليه الناس،
فما وجدوه كما عهدوه، فقلت له في ذلك، فقال: أطفأ الفرزدق جمرتي، وأسال عبرتي، وقرب ميتي، ثم شخص إلى اليمامة، فنعي لنا في رمضان من تلك السنة.
وقيل: إن الفرزدق عاش حتى قارب المئة، ومات سنة أربع عشرة ومئة.
وكان له من الولد لبطة وسبطة وخبطة وركضة، فانقرض عقبه.
وقيل: إن جريراً مات بعده بأربعين يوماً.
قال لبطة بن الفرزدق: رأيت أبي في النوم، فقال لي: يا بني، نفعتني الكلمة التي خاطبت بها الحسن. يعني: لما قال له: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة.
لما نعي الفرزدق إلى جرير، وهو بالبادية اعترض الطريق، فإذا أعرابي على قعود له، فقال له جرير: من أين؟ قال: من البصرة، قال: هل من حاسة خبر؟ قال: نعم، بينا أنا بالمربد فإذا جنازة عظيمة قد حفل لها الناس، فيها الحسن البصري، فقلت: من؟ قالوا: الفرزدق، فبكى جرير بكاءً شديداً، فقال له قومه: أتبكي على رجل يهجوك وتهجوه مذ أربعون سنة؟! قال: إليكم عني، فما تساب رجلان، ولا تناطح كيسان فمات أحدهما إلا تبعه الآخر عن قريب:
لعمري لئن كان المخبر صادقاً ... لقد عظمت بلوى تميم وجلت
فلا حملت بعد الفرزدق حرة ... ولاذات حمل من نفاس تعلت
هو الوافد المحبو والرافع الثأى ... إذا النعل يوماً بالعشيرة زلت