[نوح بن عبد الرحمن روى عن الحسن روى عنه موسى بن اسماعيل أبو سلمة سمعت أبي يقول ذلك - ] .
Ibn Abī Ḥātim al-Rāzī (d. 938 CE) - al-Jarḥ wa-l-taʿdīl - ابن أبي حاتم الرازي - الجرح والتعديل
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 17284 16065. نوح بن ذكوان5 16066. نوح بن ربيعة1 16067. نوح بن سالم2 16068. نوح بن صعصعة3 16069. نوح بن عباد ابو عباد البصري1 16070. نوح بن عبد الرحمن316071. نوح بن قيس الحداني الطاحي1 16072. نوح بن يزيد البغدادي ابو محمد المؤدب...1 16073. نوشجان ابو المغيرة3 16074. نوف البكالي بن امراة كعب1 16075. نوف بن عبد الله2 16076. نوفل ابو الجراح1 16077. نوفل الاشجعي1 16078. نوفل بن الحارث3 16079. نوفل بن سليمان الهنائي2 16080. نوفل بن مساحق بن عبد الله4 16081. نوفل بن مسعود السهمي المديني1 16082. نوفل بن مطهر ابو مسعود الضبي1 16083. نوفل بن معاوية بن عروة الديلي الحجازي...1 16084. نيار بن مكرم الاسلمي6 16085. هارون ابو اسحاق الكوفي2 16086. هارون الاصم1 16087. هارون الاعور1 16088. هارون الاقطع الحلاج1 16089. هارون الانصاري2 16090. هارون الحضرمي2 16091. هارون بن ابراهيم الاهوازي1 16092. هارون بن ابي ابراهيم البربري2 16093. هارون بن ابي الهيذام اسمه محمد1 16094. هارون بن ابي زياد التميمي3 16095. هارون بن ابي عبيد الله الاشعري المصيصصي...1 16096. هارون بن ابي عيسى الشامي1 16097. هارون بن ابي هارون العبدي البغدادي1 16098. هارون بن اسحاق الهمداني ابو القاسم1 16099. هارون بن اسماعيل الخزاز ابو الحسن البصري...1 16100. هارون بن الفضيل ابو يعلى الحناط الرازي...1 16101. هارون بن المثني الحنفي2 16102. هارون بن المغيرة الرازي ابو حمزة البجلي...1 16103. هارون بن ايوب2 16104. هارون بن تميم الراسبي3 16105. هارون بن حاتم3 16106. هارون بن حميد الواسطي1 16107. هارون بن حيان الرقي4 16108. هارون بن حيان القزويني1 16109. هارون بن دينار العجلي1 16110. هارون بن رئاب ابو الحسن الاسيدي1 16111. هارون بن راشد البصري2 16112. هارون بن زاذى السلمي1 16113. هارون بن زياد القشيري3 16114. هارون بن زيد بن ابي الزرقاء الموصلي1 16115. هارون بن سعد3 16116. هارون بن سعد العجلي الكوفي3 16117. هارون بن سعد مولى قريش1 16118. هارون بن سعيد الايلي1 16119. هارون بن سلمان الفراء ابو موسى2 16120. هارون بن صالح الهمداني3 16121. هارون بن صالح بن ابراهيم بن محمد1 16122. هارون بن عبد الله ابو يحيى الزهري1 16123. هارون بن عبد الله الحضرمي3 16124. هارون بن عبد الله بن مروان البزاز1 16125. هارون بن عبيد1 16126. هارون بن عمران الموصلي1 16127. هارون بن عمرو بن يزيد بن زياد بن ابي زياد المخزومي الدمشقي...1 16128. هارون بن عنترة الشيباني1 16129. هارون بن قيس3 16130. هارون بن محمد بن بكار بن بلال2 16131. هارون بن مسلم3 16132. هارون بن مسلم بن هرمز ابو الحسين2 16133. هارون بن معروف ابو علي1 16134. هارون بن موسى ابو علي الاشناني الهمذاني...1 16135. هارون بن موسى بن ابي علقمة الفروي1 16136. هارون بن هارون3 16137. هارون بن هارون بن عبد الله التيمي الهديري...1 16138. هارون بن يزيد ابو موسى الجمال1 16139. هاشم2 16140. هاشم بن ابي هريرة الحمصي ابو معاوية1 16141. هاشم بن البريد ابو علي1 16142. هاشم بن القاسم ابو النضر5 16143. هاشم بن القاسم الحراني3 16144. هاشم بن الوليد الهروي ابو طالب2 16145. هاشم بن بلال ابو عقيل1 16146. هاشم بن خالد بن ابي جميل الدمشقي1 16147. هاشم بن زيد الدمشقي2 16148. هاشم بن سعد3 16149. هاشم بن سعيد الكوفي2 16150. هاشم بن صالح الخشني1 16151. هاشم بن عبد الله بن الزبير3 16152. هاشم بن عبد الواحد الجشاش ابو بشر القيسي...1 16153. هاشم بن مرزوق2 16154. هاشم بن مسمع1 16155. هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتيبة1 16156. هاشم بن يعلى المقدسي ابو الدرداء1 16157. هانئ بن المتوكل الاسكندراني1 16158. هانئ ابو سليمان الربعي1 16159. هانئ الداري2 16160. هانئ الشامي ابو مالك جد يزيد1 16161. هانئ بن الهزهاز2 16162. هانئ بن ايوب الحنفي1 16163. هانئ بن حزام4 16164. هانئ بن سعيد النخعي ابو عمرو1 ◀ Prev. 100▶ Next 100
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 17284 16065. نوح بن ذكوان5 16066. نوح بن ربيعة1 16067. نوح بن سالم2 16068. نوح بن صعصعة3 16069. نوح بن عباد ابو عباد البصري1 16070. نوح بن عبد الرحمن316071. نوح بن قيس الحداني الطاحي1 16072. نوح بن يزيد البغدادي ابو محمد المؤدب...1 16073. نوشجان ابو المغيرة3 16074. نوف البكالي بن امراة كعب1 16075. نوف بن عبد الله2 16076. نوفل ابو الجراح1 16077. نوفل الاشجعي1 16078. نوفل بن الحارث3 16079. نوفل بن سليمان الهنائي2 16080. نوفل بن مساحق بن عبد الله4 16081. نوفل بن مسعود السهمي المديني1 16082. نوفل بن مطهر ابو مسعود الضبي1 16083. نوفل بن معاوية بن عروة الديلي الحجازي...1 16084. نيار بن مكرم الاسلمي6 16085. هارون ابو اسحاق الكوفي2 16086. هارون الاصم1 16087. هارون الاعور1 16088. هارون الاقطع الحلاج1 16089. هارون الانصاري2 16090. هارون الحضرمي2 16091. هارون بن ابراهيم الاهوازي1 16092. هارون بن ابي ابراهيم البربري2 16093. هارون بن ابي الهيذام اسمه محمد1 16094. هارون بن ابي زياد التميمي3 16095. هارون بن ابي عبيد الله الاشعري المصيصصي...1 16096. هارون بن ابي عيسى الشامي1 16097. هارون بن ابي هارون العبدي البغدادي1 16098. هارون بن اسحاق الهمداني ابو القاسم1 16099. هارون بن اسماعيل الخزاز ابو الحسن البصري...1 16100. هارون بن الفضيل ابو يعلى الحناط الرازي...1 16101. هارون بن المثني الحنفي2 16102. هارون بن المغيرة الرازي ابو حمزة البجلي...1 16103. هارون بن ايوب2 16104. هارون بن تميم الراسبي3 16105. هارون بن حاتم3 16106. هارون بن حميد الواسطي1 16107. هارون بن حيان الرقي4 16108. هارون بن حيان القزويني1 16109. هارون بن دينار العجلي1 16110. هارون بن رئاب ابو الحسن الاسيدي1 16111. هارون بن راشد البصري2 16112. هارون بن زاذى السلمي1 16113. هارون بن زياد القشيري3 16114. هارون بن زيد بن ابي الزرقاء الموصلي1 16115. هارون بن سعد3 16116. هارون بن سعد العجلي الكوفي3 16117. هارون بن سعد مولى قريش1 16118. هارون بن سعيد الايلي1 16119. هارون بن سلمان الفراء ابو موسى2 16120. هارون بن صالح الهمداني3 16121. هارون بن صالح بن ابراهيم بن محمد1 16122. هارون بن عبد الله ابو يحيى الزهري1 16123. هارون بن عبد الله الحضرمي3 16124. هارون بن عبد الله بن مروان البزاز1 16125. هارون بن عبيد1 16126. هارون بن عمران الموصلي1 16127. هارون بن عمرو بن يزيد بن زياد بن ابي زياد المخزومي الدمشقي...1 16128. هارون بن عنترة الشيباني1 16129. هارون بن قيس3 16130. هارون بن محمد بن بكار بن بلال2 16131. هارون بن مسلم3 16132. هارون بن مسلم بن هرمز ابو الحسين2 16133. هارون بن معروف ابو علي1 16134. هارون بن موسى ابو علي الاشناني الهمذاني...1 16135. هارون بن موسى بن ابي علقمة الفروي1 16136. هارون بن هارون3 16137. هارون بن هارون بن عبد الله التيمي الهديري...1 16138. هارون بن يزيد ابو موسى الجمال1 16139. هاشم2 16140. هاشم بن ابي هريرة الحمصي ابو معاوية1 16141. هاشم بن البريد ابو علي1 16142. هاشم بن القاسم ابو النضر5 16143. هاشم بن القاسم الحراني3 16144. هاشم بن الوليد الهروي ابو طالب2 16145. هاشم بن بلال ابو عقيل1 16146. هاشم بن خالد بن ابي جميل الدمشقي1 16147. هاشم بن زيد الدمشقي2 16148. هاشم بن سعد3 16149. هاشم بن سعيد الكوفي2 16150. هاشم بن صالح الخشني1 16151. هاشم بن عبد الله بن الزبير3 16152. هاشم بن عبد الواحد الجشاش ابو بشر القيسي...1 16153. هاشم بن مرزوق2 16154. هاشم بن مسمع1 16155. هاشم بن هاشم بن هاشم بن عتيبة1 16156. هاشم بن يعلى المقدسي ابو الدرداء1 16157. هانئ بن المتوكل الاسكندراني1 16158. هانئ ابو سليمان الربعي1 16159. هانئ الداري2 16160. هانئ الشامي ابو مالك جد يزيد1 16161. هانئ بن الهزهاز2 16162. هانئ بن ايوب الحنفي1 16163. هانئ بن حزام4 16164. هانئ بن سعيد النخعي ابو عمرو1 ◀ Prev. 100▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Ibn Abī Ḥātim al-Rāzī (d. 938 CE) - al-Jarḥ wa-l-taʿdīl - ابن أبي حاتم الرازي - الجرح والتعديل are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو متشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=154440&book=5525#d1f4a5
نوح بن لمك بن متوشلخ
ابن إدريس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن برد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال: إن قبره بالبقاع، ويقال: بمكة.
وبرد: هو البارد، وهو زمانه عملت الأصنام، ورجع من رجع عن الإسلام.
وسمي نوح نوحاً لطول ما ناح على نفسه، وقيل: ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعوهم إلى الله، فإذا كفروا بكى وناح عليهم.
وفي كتب الأوائل: أن دمشق كانت دار نوح عليه السلام ومنشأ سفينته من خشب لبنان، وأنه ركب سفينته من عين الجر التي في البقاع، وهو بطن - يعني وادياً - بين جبل لبنان وجبل سنير - وأن الموضع الذي فار منه التنور بالماء خلف حائط الحصن الداخل من مدينة دمشق من ناحية جيرون على طريق باب الفراديس.
قالوا: ولما كبر آدم، ورق عظمه، قال: يا رب، إلى متى أكد وأشقى؟ قال: يا آدم، حتى يولد لك ابن مجنون، فولد له نوح بعد عشرة أبطن، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاماً، وقيل: أربعين عاماً، وكان اسم نوح السكن، وإنما سمي السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه، فهو أبوهم.
وكان بين آدم ونوح عشرة آباء، وبين إبراهيم ونوح عشرة آباء، وقيل: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
قال نوف الشامي: خمسة من الأنبياء من العرب: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونوح وهود وصالح وشعيب صلوات الله عليهم.
وعن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أول نبي أرسل نوح.
واختلف فيه، فقال قوم: كانت نبوته وعمره من يوم ميلاده إلى أن مات ألف سنة إلا خمسين عاماً، وكان بعث في الألف الثاني.
وقيل: إن آدم لم يمت حتى ولد نوح في آخر الألف الأول من أيام الدنيا، لأن الله عز وجل وضع الدنيا على سبعة أيام، كل يوم مقدار ألف سنة من أيام الدنيا، فتلك سبعة آلاف سنة.
وعاش آدم ألف سنة إلا أربعين عاماً، فمات قبل أن تمضي الألف الأولى، وبعث نوح في الألف الثاني وهو ابن أربع مئة وثمانين سنة، فبعث وقد ذهب من الألف الثاني أربع مئة سنة وأربعون سنة، فلبث في قومه كما قال الله عز وجل: " ألف سنة إلا خمسين عاماً "، فتلك ألف سنة وثلاث مئة سنة وتسعون سنة منذ ولد إلى أن أغرق الله الدنيا، وعاش بعد ذلك تسعين سنة لتمام ألف وأربع مئة وثمانين سنة، فكان موته في الألف الثالث بعد أربع مئة سنة وأربعين سنة من الألف الثالث.
وكان قد فشت في قومه المعاصي، وكثرت الجبابرة، وعتوا عتواً كبيراً، وكان نوح يدعوهم ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، وكان صبوراً حليماً.
ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح، فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه حتى يترك قعيداً، ويضرب في المجالس ويطرد، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم ويقول: يا رب، اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
وكان لا يزيدهم ذلك إلا فراراً منه، حتى إنه يكلم الرجل فيلف رأسه بثوبه، ويجعل أصابه في أذنيه لكيلا يسمع شيئاً من كلامه، فذلك قول الله عز وجل: " جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم " يقول: نفضوا ثم قاموا من المجلس، فأسرعوا المشي، وقالوا: امضوا، فإنه كذاب.
واشتد عليه البلاء، وكان ينتظر القرن بعد القرن، والجيل بعد الجيل، فلا يأتي إلا وهو أخبث من الأول، وأعتى من الأول.
ويقول الرجل منهم: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا قبل آبائنا، فلم يزل هكذا مجنوناً.
وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده: احذروا هذا المجنون؛ فإنه قد حدثني آبائي أن هلاك على الناس على يدي هذا، فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم حتى إن الرجل يحمل ولده على عاتقه، ثم يقف به عليه، فيقول: يا بني، إن عشت ومت أنا فاحذر هذا الشيخ؛ فإنه مجنون، ويكون هلاك الناس على يديه.
فلما طال ذلك بهم وبه، قالوا: يا نوح، ما نراك جئتنا بشيء نعرفه، فما كثرة دعائك " إلا " بالذي يزيدنا منك بعداً وفراراً، وما أنت إلا مجنون أو مسحور.
فلما طال ذلك بهم وبه، " قالوا: يا نوح، قد جادلتنا، فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا "، فإنا لن نؤمن بك و" إن كنت من الصادقين ".
" قال: إنما يأتيكم به الله إن شاء " وما يحلم ربي عنكم إلا أنكم لستم عنه بمعجزين يعني لا تسبقونه إذا أرادكم، " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم، هو ربكم وإليه ترجعون ".
وعن ابن عباس قال: كان للمك يوم ولد نوحاً اثنان وثمانون سنة، ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينتهي عن منكر، فبعث الله نوحاً إليهم وهو ابن أربع مئة وثمانين سنة، فدعاهم في نبوته مئة وعشرين سنة.
ثم أمر بصنعة السفينة، فصنعها وركبها، وهو ابن ست مئة سنة، وغرق من غرق، ثم مكث بعد السفينة ثلاث مئة وخمسين سنة.
فولد نوح ساماً، وفي ولده بياض وأدمة، وحاماً وفي ولده سواد وبياض قليل، ويافث وفيهم الشقرة والحمرة، وكنعنا وهو الذي غرق، والعرب تسميه ياماً، وذلك قول العرب: إنما هام عمنا يام. وأم هؤلاء واحدة.
وبجبل نوذ نجر نوح السفينة، ومن ثم يبدأ الطوفان.
فركب نوح السفينة، معه بنوه هؤلاء، وكنائنه نساء بنيه هؤلاء، وثلاثة وسبعون من بني شيث، ممن آمن به، فكانوا ثمانين في السفينة، وحمل معه " من كل زوجين اثنين ".
وكان طول السفينة ثلاث مئة ذراع، بذراع جد أبي نوح، وعرضها خمسون ذراعاً، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً، وخرج منها من الماء ستة اذرع، وكانت مطبقة، وجعل لها ثلاثة أبواب، بعضها أسفل من بعض.
فأرسل الله المطر أربعين ليلة وأربعين يوماً، فأقبلت الوحش حين أصابها المطر، والدواب والطير كلها إلى نوح، وسخرت له، فحمل فيها كما أمره الله من كل زوجين اثنين، وحمل معه جسد آدم فجعله حاجزاً بين النساء والرجال، فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام من صام يوم عاشوراء.
وخرج الماء مثل ذلك نصفين، فذلك قوله عز وجل: " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر " يقول: منصب، " وفجرنا الأرض عيوناً " يقول: شققنا الأرض " فالتقى الماء على أمر قد قدر " فصار الماء نصفين، نصف من السماء، ونصف من الأرض، وارتفع الماء على طول جبل في الأرض خمس عشرة ذراعاً.
فسارت بهم السفينة، فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء حتى أتت الحرم، فلم تدخله، ودار بالحرم أسبوعاً، ورفع البيت الذي بناه آدم، رفع من الغرق، وهو البيت المعمور والحجر الأسود على أبي قبيس فلما دارت بالحرم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى الجودي، وهو جبل بالحصنين من أرض الموصل، فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السنة، وقيل بعد الستة الأشهر: " بعداً للقوم الظالمين ".
فلما استوت على الجودي قيل: " يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي " يقول: احبسي ماءك " وغيض الماء " تسقته الأرض، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض.
قال:
فآخر ماء بقي في الأرض من الطوفان ماء بحسمى بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان. ثم جف، فهبط نوح إلى قرية، فبنى كل رجل منهم بيتاً فسميت سوق الثمانين.
فغرق بنو قابيل كلهم. وما بين نوح وآدم من الأنبياء كانوا على الإسلام.
ودعا نوح على الأسد تقلى عليه الحمى، وللحمامة بالأنس، وللغراب بشقاء المعيشة.
قال: وتزوج نوح امرأً من بني قابيل، فولدت له غلاماً، فسماه بوناطن، فولدت بمدينة بالمشرق يقال لها: تلقون شمساً.
فلما ضاقت بهم سوق ثمانين تحولها إلى بال فبنوها. وهي بين الفرات والصراة، وكانت اثني عشر فرسخاً في اثني عشر فرسخاً، وكان بابها موضع دوران الماء فوق جسر الكوفة يسرة إذا غربت.
فكثروا بها حتى بلغوا مئة ألف، وهم على الإسلام.
ولما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس، ومات نوح عليه السلام.
قالوا: وكان نوح يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته، يرون أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم حتى إذا أيس من إيمان قومه جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصاً، فقال: يا بني، انظر هذا الشيخ لا يغرنك، قال: يا أبه، أمكني من العصا، فأخذ العصا، ثم قال: ضعني في الأرض، فوضعه فمشى إليه بالعصا، فضربه فشجه شجة موضحة، وسالت الدماء.
قال نوح: رب قد ترى ما يفعل بي عبادك، فإن يكن في عبادك حاجة فاهدهم، وإن يكن غير ذلك فصيرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين، فأوحى الله إليه، وأيأسه من إيمان قومه، وأخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال ولا في أرحام النساء مؤمن، قال: يا نوح، " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " يعني لا تحزن عليهم. " واصنع الفلك بأعيننا " قال: يا رب، وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجري على وجه الماء فأعرق أهل معصيتي، وأطهر أرضي منهم. قال: يا رب، وأين الماء؟ قال: يا نوح، إني على ما أشاء قدير، قال: يا رب، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر.
قال: فغرس الساج عشرين سنة، وكف عن الدعاء، وكفوا عن الاستهزاء، وكانوا يسخرون منه.
فلما أدرك الشجر، فقطعها وجففها وأنقها، فقال: يا رب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله على ثلاث صور؛ رأسه كعرف الديك، وجؤجؤه كجؤجؤ الطير، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة واجعل لها أبواباً في جنبها، وشدها بدسر، يعني مسامير الحديد.
وبعث الله جبريل، فعلمه صنعة السفينة، فكان جبريل الراني ونوح النجار، فيا له من ران ويا له من نجار، فكانوا يمرون به، ويسخرون به، ويقولون: ألا ترون إلى هذا المجنون؟! يتخذ بيتاً يسير به على الماء! وأين الماء! ويضحكون به، وذلك قوله: " وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " فأوحى الله إليه أن عجل صنعة السفينة، فقد اشتد غضبي على من عصاني.
فانطلق فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام ويافث وحام معه ينحتون السفينة، فجعل السفينة ست مئة ذراع طولها، وستين ذراعاً في الأرض، وعرضها ثلاث مئة ذراع وثلاثون، وطولها في السماء ثلاثة وثلاثون ذراعاً، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، ولم يكن في الأرض قار، ففجر الله له عين القار حيث ينحت السفينة، يغلي غلياناً حتى طلاه.
فلما فرغ منها جعل له ثلاثة أبواب في جنبها، وأطبقها، فحمل فيها السباع والدواب، فألقى الله على الأسد الحمى، وشغله بنفسه عن الدواب ألا يتحرك، وجعل الوحش والطير في الباب الثاني ثم أطبق عليها، وجعل ولد آدم أربعين رجلاً
وأربعين امرأً في الباب الأعلى، ثم أطبق عليهما، وجعل الدرة معه في الباب الأعلى لضعفها لئلا تطأها الدواب.
وقال: يا رب، ما علامة ما بيني وبين الماء؟ قال: إذا فار التنور.
قالوا: وفار الماء من التنور بأرض الجزيرة من عين وردة، وركب نوح من رأس العين بالجزيرة.
وقيل: إنه فار بالكوفة في مسجد الكوفة فيما يلي أبواب كندة.
وقيل: إن الله أعقم رجالهم قبل الطوفان بأربعين يوماً، وأعقم نساءهم فلم يتوالدوا أربعين عاماً منذ يوم دعا نوح حتى أدرك الصغير فبلغ الحنث، وصارت لله عليهم الحجة، ثم أرسل السماء عليهم بالطوفان.
وقيل: إنه عمل السفينة في ثلاث سنين، ولما حمل في السفينة من كل زوجين اثنين قال: يا رب، كيف بالأسد والأسدة، والفيل والفيلة؟ فقال له ربه: سألقي عليهم الحمى، إنها ثقيلة.
ودعا ابنه، فأبى عليه، فلما فرغ من كل شيء يدخله السفينة طبق السفينة الأخرى عليهم، ولولا ذاك لم يبق في السفينة شيء إلا هدر لشدة وقع الماء حين يأتي من السماء، قال الله تعالى: " فتحنا أبواب السماء بماء منهمر ".
قال: فكان قدر كل قطرة مثل ما يجري من فم القربة، فلم يبق على ظهر الأرض شيء إلا هلك يومئذ إلا ما في السفينة، ولم يدخل الحرم منه شيء.
وعن ابن عباس: في قوله: " فخانتاهما " قال: أما إنه ليس بالزنا؛ كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الضيف فتلك خيانتاهما.
قال كعب لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني عن أول شجرى نبتت على الأرض، قال عبد الله: الساج، وهي التي عمل منها نوح السفينة، فقال كعب: صدقت، أنت أعلم الناس.
ولما نبع الماء من حول سفينة نوح عليه السلام، خرج رجل من تلك الأمة إلى فرعون من فراعنتهم، فقال: إن هذا الذي يزعمون أنه مجنون أتاكم بما كان يعدكم، فجاء يسير في موكبه وجماعة من أصحابه حتى وقف من نوح عن بعيد، فقال: يا نوح، ما تقول؟ قال: أقول: قد أتاكم ما كنتم توعدون، قال: ما علامة ذلك؟ قال: اعطف برأس برذونك، فعطف برذونه، فنبع الماء من تحت قوائمه، فخرج يركض إلى الجبل هارباً من الماء.
قالوا: وفار الماء من التنور من دار نوح من تنور يختبز فيه لبيته، وكان نوح يتوقع ذلك إذ جاءته ابنته، فقالت: يا أبه، قد فار الماء من التنور، فآمن بنوح النجارون إلا نجاراً واحداً، فقال له: أعطني أجري، قال: أعطيك أجرك على أن تركب معنا.
قال: أيها المجنون، أعطني أجري، فإن وداً وسواع ويغوث ويعوق ونسراً سينجوني مما يريد بك إلاهك، فأخذ نوح فضة من أصحاب السفينة، فدفعها إليه، وقال: ستعلم أينا المجنون إذا حل العذاب غداً.
فأوحى الله عز وجل إليه أن " احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول "، وكان ممن سبق عليه القول امرأته والقة وكنعنان ابنه، فقال: يارب، هؤلاء حملتهم، فكيف بالوحوش والبهائم والسباع والطير؟ قال: فأنا أحشرهم عليك، فبعث جبريل فحشرهم، فجعل يضرب يديه على الزوجين، فتقع يده اليمنى على الذكر، واليسرى على الأنثى، فيدخله السفينة حتى أدخل فيه عدة ما أمره الله.
فلما جمعهم في السفينة رأت البهائم والوحش والسباع العذاب، فجعلت تلحس قدم نوح وتقول: احملنا معك، فيقول: إنما أمرت: " من كل زوجين اثنين ".
ولما فار الماء من التنور، والمرأة تختبز، واحتملت المرأة ولدها، ومعها ولد لها صغير، فخرجت إلى الدار، فإذا الدر قد امتلأت ماء، فدخلت البيت فإذا مثل ذلك.
وحملت صبيها، فكلما بلغ منها رفعت صبيها عن ذلك الموضع. حتى وضعت صبيها على رأسها، فلما جاوز الماء منها قامتها رمت بولدها من تحتها، ثم قامت عليه، فأقسم الله عند ذلك ألا يعذب العامة بالغرق.
وفي رواية أخرى: فلما بلغ الماء رفعته إلى ركبتيها، فلما بلغه الماء رفعته إلى حقوها، فلما بلغه الماء رفعته إلى صدرها، فلما بلغه الماء رفعته إلى رأسها، فلما بلغها الماء قالت به هكذا، ورفع الراوي يده فوق رأسه، فقال الله: لو كنت راحماً منهم أحداً لرحمتها للصبي.
قال الزهري: بعث الله ريحاً، فحمل إليه من كل زوجين اثنين من الطير والسباع والوحش والبهائم، قالوا: واستعصت عليه الماعزة أن يدخلها السفينة، فدفعها في ذنبها، فمن ثم
انكسر ذنبها فصار معقوقفاً، وبدا حياؤها، ومضت النعجة حتى دخلت، فمسح على ذنبها، فستر حياءها.
وعن مجاهد قال: مر نوح بالأسد، فضربه برجله، فخمشه الأسد، فبات ساهماً، فشكا نوح ذلك إلى الله، فأوحى الله إليه: أني لا أحب الظلم.
زاد في رواية: أنت بدأته.
وفي حديث: أن الأسد لما حمل في السفينة جاع، فزأر زأرة خاف أهل السفينة أن يأكلهم، فشكوه إلى نوح، فشكاه نوح إلى الله تعالى، فألقى الله عليه الحمى، وكان نوح يمر به بعد ذلك فيركله برجله، ويقول له: أزبىً بانت بشرىً؟. قال: فيقول له الأسد: لا زبى.
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال حين يمسي: صلى الله على نوح وعلى نوح السلام، لم تلدغه عقرب تلك الليلة.
قال خالد:
لما حمل نوح في السفينة ما حمل، جاءت العقرب تحجل، فقالت: يا نبي الله، أدخلني معك، قال: لا، أنت تلدغين الناس وتؤذينهم، قالت: لا، احملني معك، فلك الله على ألا ألدغ من يصلي عليك الليلة.
ولما ركب نوح السفينة، وأوحى الله إلى الأرض أن أخرجي ماءك، فأخرجت بغير كيل غضباً لله، فنزل من السماء بغير كيل، فذلك قوله: " إنا لما طغى الماء " على
الخزان، فأخرجت الأرض عيونها، وانفجر حيال كل عين من السماء مثعباً.
وعاينت الشياطين العذاب، فطارت بين السماء والأرض، وجاء إبليس حين حشر الله على نوح البهائم، فأخذ بذنب الحمار فلم يدخل الحمار السفينة، فدفعه نوح، فقال: ادخل ولو كان معك الشيطان، فدخل فرأى نوح إبليس في السفينة، فقال: ويحك من أدخلك؟ قال: أنت أدخلتني، وبإذنك دخلت إذ قلت: ادخل ولو كان معك الشيطان، فدخلت، قال: اخرج، فقال: إني منظور، فأمره أن يقعد على خيزران السفينة.
وغرق كنعان ابنه، ووضع جسد آدم بين الرجال والنساء، فإن آدم كان أوصى ولده أن يحملوا جسده في فلك نوح، فتوارث ولده الوصية حتى حملها نوح.
وقال الله لنوح: " اركبوا فيها باسم الله مجراها " حين يجري الماء " ومرساها " حين يرسو الماء.
وأعطى الله نوحاً خرزتين في السفينة.
ولما ركب نوح السفينة، وحمل فيها من كل زوجين اثنين، كما أمر، فرأى في السفينة شيخاً لم يعرفه، فقال له نوح: " ما أدخلك؟ قال: دخلت لأصيب قلوب أصحابك، فتكون قلوبهم معي، وأبدانهم معك، قال نوح: " اخرج منها يا عدو الله فإنك رجيم، " وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين "، فقال إبليس: خمس أهلك بهن الناس، وسأحدثك منهن بثلاث، ولا أحدثك بالثنتين، فأوحى الله إلى نوح أنه لا حاجة بك إلى الثلاث، مره يحدثك بالثنتين، قال: فهما أهلك للناس، وهما لا يكذبان، هما
اللتان لا يخلفاني: الحسد، وبالحسد لعنت، وجعلت شيطاناً رجيماً، والحرص، أتيح آدم الجنة كلها، فأصبت حاجتي منه بالحرص.
قالوا: إن نوحاً قال لإبليس: ويلك، قد غرق أهل الأرض من أجلك، قد أهلكتهم.
قال له إبليس: فما أصنع؟ قال: تتوب، قال: فسل ربك هل لي من توبة؟ فدعا نوح ربه، فأوحى الله إليه أن توبته أن يسجد لقبر آدم، قال: قد جعلت لك توبة، قال: وما هي؟ قال: تسجد لقبر آدم، قال: تركته حياً وأسجد له ميتاً؟!.
وعن ابن عباس: أن إبليس لما سرق حبلة العنب، وطلبها نوح، فلم يقدر عليها، قال لولده: التمسوا، فقال جبريل: ذهب بها إبليس، وإنا قد بعثنا إليه لتؤتى بها، وهو شريكك، فقاسمه، وأحسن مقاسمته.
فجاء به الملك ومعه الحبلة، فقال له: يا إبليس بئس ما صنعت! إنك سرقت حبلة العنب، وحملتك فما كافأتني، قال: ما أنت حملتني، ولكن الله أنظرني، قال: إن لي في هذه شركة، قال: لك الثلث، ولي الثلثان، قال: ما أنصفتني.
قال له جبريل: رده وأحسن مشاركته، قال: له النصف، فقال: رده، إنك تأكله غضاً وعنباً ويابساً وحلواً وحامضاً، وتشربه عصيراً.
قال: فلي الثلث وله الثلثان، فرضي.
وزاد في آخر: فما كان فوق الثلث فلإبليس.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان حمل نوح معه في السفينة من جميع الشجر، وكانت العجوة من الجنة مع نوح في السفينة ".
قالوا: وحمل في السفينة من كل زوجين اثنين، وحمل من الهدهد زوجين، وجعل أم الهدهد فضلاً على زوجين، فماتت في السفينة قبل أن تظهر الأرض، فحملها الهدهد، وطاف بها الدنيا ليصيب لها مكاناً ليدفنها فيه، فلم يجد طيناً ولا تراباً، فرحمه ربه، فحفر لها في قفاه قبراً، فدفنها فيه، فذلك الريش الناتئ في قفا الهدهد موضع القبر، فلذلك نتأ أقفية الهداهد.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أنزل الله سفيةً من الريح إلا بمكيال، ولا قطرة من الماء إلا بمثقال، إلا يوم نوح وعاد، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان، فلم يكن لهم عليه سبيل "، ثم قرأ: " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية "، " وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان "، ثم تلا: " عاتية ".
وعن ابن عباس قال: لولا ماء الأرض استقبل ماء السماء فرد شدته لخرق الأرض ماء السماء حتى يتركها كهيئة الغربال، فلا ينتفع بها، ولكن صنعه كيف شاء وما شاء عز وجل.
وسئل ابن عباس: كيف كانوا يعرفون مواقيت الصلاة في السفينة؟ قال: أعطى الله نوحاً خرزتين، إحداهما: بياضها كبياض النهار، والأخرى سوادها كسواد الليل، فإذا أمسوا غلب سواد هذه بياض هذه، وإذا أصبحوا غلب بياض هذه سواد
هذه على قدر الساعات الاثنتي عشرة؛ فأول من قدر الساعات الاثنتي عشرة ما لا يزيد بعضها على بعض نوح في السفينة ليعرف بها مواقيت الصلاة.
فسارت السفينة من مكة حتى أخذت إلى اليمن، فبلغت الحبشة، ورجعت إلى جدة، وأخذت على الروم، وجازت الروم، ورجعت على جبال أرض المقدسة، وأوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أنها تستوي على رأس جبل، فعلمت الجبال بذلك، فتطلعت، وأخرجت أصولها من الأرض، وجعل جودي يتواضع لله عز وجل. فجاوزت السفينة الجبال كلها إلى الجودي، فاستوت ورست، فذلك قوله عز وجل: " واستوت على الجودي "، فشكت الجبال إلى الله، فقالت: يا رب، تطلعنا وأخرجنا أصولنا من الأرض لسفينة نوح، وخنس جودي، فاستوت عليه، فقال الله عز وجل: إني كذلك، من تواضع لي رفعته، ومن ترفع لي وضعته.
ويقال: إن الجودي من جبال الجنة، وقال الله: " يا أرض ابلعي ماءك " بلغة الحبشة، فابتلعت، " ويا سماء أقلعي " أي أمسكي بلغة الحبشة، فابتلعت الأرض ماءها، وارتفع ماء السماء حتى بلغ أعنان السماء رجاء أن يعود إلى مكانه، فأوحى الله تعالى إليه: أن ارجع، فإنك رجس وغضب، فرجع الماء لملح وخم وتردد، فأصاب الناس منه الأذى أو البلاء، فأرسل الله الريح، فجمعها في مواضع، فصار زعاقاً مالحاً لا ينتفع به.
وتطلع نوح فإذا الشمس قد طلعت، وبدا له البذ من السماء، وكان ذلك آية ما بينه وبين ربه عز وجل أمان الغرق.
والبذ: القوس الذي يسمونه قوس قزح، ونهي أن يقال: قوس قزح، لأن قزح شيطان، وهو قوس الله.
وزعموا أنه كان عليه وتر وسهم قبل ذلك في السماء، فلما جعله الله أماناً لأهل الأرض من الغرق نزع الله الوتر والسهم.
فقال نوح عند ذلك: رب إنك وعدتني أن تنجيني مع أهلي وغرقت ابني و" إن ابني من أهلي وإن وعدتك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال: يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ".
يقول: ليس من أهل دينك، إن عمله كان غير صالح، و" إني أعظك أن تكون من الجاهلين " إلى الآية قال: " هبط بسلام منا ".
فبعث نوح من يأتيه بخبر الأرض، فجاء الطير الأهلي، فقال: أنا، فأخذها وختم جناحها فقال: أنت مختومة بخاتمي لا تطيرين أبداً، تنتفع بك ذريتي، فبعث الغراب، فأصاب جيفة؛ فوقع عليها، فاحتبس، فلعنه، وقال له قولاً شديداً، فمن ثم يقتل في الحرم.
وبعث الحمامة، وهي القمري، فذهبت، فلم تجد في الأرض قراراً، فوقعت على شجرة بأرض سبأ، فحملت ورقة زيتون، فرجعت إلى نوح، فعلم أنها لم تستمكن من الأرض.
ثم بعثها بعد أيام، فخرجت حتى وقعت بوادي الحرم، فإذا الماء قد نضب، وأول ما نضب موضع الكعبة، وكانت طينتها حمراء فخضبت رجليها، ثم جاءت إلى نوح، فقالت: البشرى، لتستمكن الأرض، وبشراي منك أن تهب لي الطوق في عنقي والخضاب في رجلي، وأسكن الحرم، فمسح يده على عنقها، وطوقها، ووهب لها الحمرة في رجليها، ودعا لها، وأسكنها بالحرم، وبارك عليها، فقال: بارك الله فيك وفي سبيلك، وجعلك
محببة أنيسة، فمن ثم أشغف بها الناس، ودعا لنسلها، فقال: جعل الله في نسلك شفاء للمريض، وتحفة للصحيح.
ثم خرج فنزل قردى وبازبدى بأرض الموصل، وهي قرية الثمانين، لأنه نزل في ثمانين، فوقع فيهم الوباء، فماتوا إلا نوحاً وساماً وحاماً ويافث ونساءهم، ستة وسابعهم نوح، وطبقت الدنيا منهم، فذلك قوله عز وجل: " وجعلنا ذريته هم الباقين ".
قالوا: وركب نوح السفينة أول يوم من رجب، وقال لمن معه من الجن والإنس: صوموا هذا اليوم، فإن من صامه منكم بعدت عليه النار مسيرة سنة، ومن صام منكم سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النار السبعة، ومن صام منكم ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية، ومن صام منكم عشرة أيام قال الله له: سل تعطه، ومن صام منكم خمسة عشر يوماً قال الله تعالى له: استأنف العمل، فقد غفر لك ما مضى، ومن زاد زاده الله.
فصام نوح في السفينة رجب وشعبان ورمضان وشوال وذا القعدة وذا الحجة وعشراً من المحرم، فأرست السفينة يوم العاشوراء، فقال نوح لمن معه من الجن والإنس: صوموا هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء.
قال: وهو اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس، ورفع عنهم العذاب، وهو اليوم الذي فرق الله فيه البحر لبني إسرائيل، فنجى الله فيه موسى ومن معه، وغرق فرعون وآل فرعون، وهو اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم.
قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وقوله: " إنه ليس من لأهلك " قال: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك.
وقال: إن سفينة نوح كانت مطبقة، وتناسل الفأر فيها، فجعلوا يقرضون الخشب، وإذا هم بين العذرة، فمسح نوح وجه الأسد، فعطس، فخرج من منخريه خنزيران، فذهب الأذى من السفينة، فأقبلا عليه يأكلانه.
وقيل: إنه مسح يده اليمنى على ذنب الفيل الذكر، واليسرى على ذنب الفيل الأنثى، فسقط منهما خنزيران، من الذكر الذكر، ومن الأنثى الأنثى، وأتيا على عذرة السفينة.
ومن ثم اقتنى أهل الموصل والسواد الخنازير.
ولما خرج نوح من السفينة كثرت الأنهار، وغرس الشجر، وفقد حبلة العنب، فقال لولده: إني لم أكتب في كتابي هذا شيئاً إلا وقد حملته في السفينة، ولا أرى حبلة العنب.
قال مجاهد: في قوله عز وجل: " وغيض الماء " قال: نقص الماء، " وقضي الأمر " قال: هلك قوم نوح، " واستوت على الجودي " قال: جبل بالجزيرة.
وقيل: إنهم كانوا في السفينة مئة وخمسين يوماً، وإن الله تعالى وجه السفينة إلى مكة، فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها الله تعالى إلى الجودي، فاستقرت عليه.
قالوا: ولما هبط نوح إلى أسفل الجودي، وابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم
وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، أحدها اللسان العربي، فكان لا يفقه بعضهم كلام بعض، وكان نوح يعبر عنهم.
قال محمد بن كعب القرظي: في قوله عز وجل: " يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " " وليس في الأرض أحد إلا نوح وأصحاب السفينة، فما بقي ظاهر من ذلك إلى يوم القيامة، لا مؤمن ولا مؤمنة، إلا دخل في السلام والبركات "، ولا بقي كافر ولا كافرة إلى يوم القيامة إلا دخل في ذلك المتاع والعذاب الأليم.
قال أبو أمامة: لم يتحسر أحد من الخلائق كحسرة آدم ونوح، فأما حسرة آدم فحين أخرج من الجنة، وأما حسرة نوح فحين دعا على قومه، فلم يبق شيء إلا غرق إلا ما كان معه في السفينة، فلما رأى الله حسرته أوحى إليه: يا نوح، لا تتحسر، فإن دعوتك وافقت قدري.
ولما هبط نوح من السفينة قال الله: يا نوح، هل تعلم ما صنعت وما صنعت بك؟ وفيم استجيب لك؟ ومن أهلكت من أعدائي؟ وكيف أهلكتهم؟ يا نوح، إني خلقت خلقي لعبادتي، وأمرتهم بطاعتي، فعصوني، وعبدوا غيري، واستأثروا بمعصيتي على طاعتي حتى استوجبوا غضبي، فعذبت بمعصية العاصين من لم يعصني، وأهلكت بهلاك الخاطئين جميع خلقي، فمن مثلي؟ ومن يقدر مثل قدرتي؟ وإني أقسمت بعزتي اليوم، وأي شيء مثلي؟ ومن أوفى بعهده مني؟ إني لا أعذب بالغرق العامة بعد هذا، ولا أعذب بمعصية العاصين بعدها جميع خلقي، ولكن أجعل الدنيا دولاً بين عبادي، ثم أجزيهم يوم يجمعون عندي، وإني جعلت قوسي أماناً لعبادي وبلادي وموثقاً بيني وبين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق.
وكانت القوس فيها سهم ووتر، فلما فرغ الله من هذا القول إلى نوح نزع السهم والوتر من القوس وجعلها أماناً لعباده وبلاده من الغرق.
ولما نضب الماء، ونبت الشجر، وخرج أهل السفينة، وتفرقوا في أعمالهم، جاء إبليس إلى نوح، فقال له: إن لك عندي يداً عظيمة، فسلني عما شئت، واستنصحني، فوالله لا أخونك ولا أغشك ولا أكذبك، فتأثم نوح بكلامه ومسائله، فأوحى الله إليه: أن كلمه وسله، فإني سأنطقه بحجة عليه، وموعظة لك.
قال نوح: أي عدو الله، أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك ولجنودك على ضلالتهم وهلاكهم؟ قال له إبليس: نعم الخبير سألت، إنا إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً حريصاً حسوداً جباراً عجولاً تلقفناه تلقف الأكرة، فإذا اجتمعت لنا فيه هذه الأخلاق سميناه فينا شيطاناً مريداً، لأن هذه الأخلاق رؤوس أخلاق الشياطين، وسأخبرك عن هذه الأخلاق بما نعرف: ألم تعلم أن الله أسكن أباك آدم الجنة، ثم فوضها إليه بجميع ما فيها، وحرم عليه فيها شجرة واحدة، فحمله الحرص على أن تناولها، فخرج بالحرص من جميع الجنة؟
أو لم تعلم أن قابيل بن آدم شح بأخته رغبةً عن سنة أبيه، فحمله الشح بها على أن قتل أخاه، فصيره الشح إلى القتل، والعقوق إلى النار؟ أو لم تعلم أنه هلك من هلك من قومك بالتكبر والتجبر عليك، فصاروا بذلك إلى النار؟ أو لم تعلم أن العجلة والحدة حملك على أن دعوت الله على ابنك، فغيرت دعوتك ألوان ولدك وأولاد ولدك من بعده، وورثتهم الذل والهلكة إلى يوم القيامة، ولم يكن ذنبه إليك بقدر ذلك؛ أن ضحك مما ضحك منه؟
قال له نوح: أخبرني ما اليد العظيمة التي زعمت أني اصطنعتها إليك؟ فوالله، إني لأبغضك وأبغض مسرتك وموافقتك ورضاك واصطناع الأيدي عندك.
قال له إبليس - لعنه الله -: سأخبرك عن تلك اليد، إنك دعوت على جميع أهل الأرض، فألحقتهم دعوتك في ساعة واحدة بالنار، وفرغتني فصرت فارغاً مترفهاً، ولولا دعوتك لشغلت فيهم دهراً طويلاً، فأنا أعد ذلك منك يداً.
قال له نوح: أفلا تتعظ بهم؟ قال له إبليس: فأين ما سبق في علم الله؟ وكان من شأن دعوة نوح على ابنه أن نوحاً لما هبط من السفينة، وعمر الأرض، فنام ذات يوم، فبدت عورته، فنظر إليه حام ابنه، فضحك، فلم يغر عليه يافث، ورأى ذلك سام فزبره وغطى عورة أبيه، فلما استيقظ أخبره بذلك.
فدعا نوح حاماً، فقال: يا بني غير الله ماء صلبك، فلا تلد إلا السودان، ودعا يافث فقال: يا بني، جعل الله ذريتك عبيداً لولد سام، وقال لسام: يا بني، جعل الله منك الأنبياء والمرسلين والصالحين والملوك.
فولد لحام الهند والسند والحبش والزنج والزط والنوبة وفزان وجميع السواحل للسودان.
وولد ليافث الترك والصين وبربر وما وراءه، والصقالبة ويأجوج ومأجوج ومنسك وثارس ومارس وما وراءه وجابرسا وجابلقا.
وولد لسام العرب والروم، وإنما سمي الشام لأن ساماً نزلها، وسمي بلقاء لأن بالق نزلها.
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: يا رب، نعم. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته، قال: فيشهدون أن قد أبلغ، " ويكون الرسول عليكم شهيداً " " فتلا قوله: " وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ".
قال: والوسط العدل.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكرم ذا سن في الإسلام كأنه قد أكرم نوحاً، ومن أكرم نوحاً في قومه فقد أكرم الله عز وجل ".
وعن أبي هريرة قال: خير بني آدم - وفي رواية: سيد بني آدم - نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخيرهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ميمون بن مهران الأنبياء صلى الله عليهم وسلم فقال: منهم من له عزم، ومنهم من لا عزم له.
وذكر: أولو العزم من الأنبياء خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم.
قال وهب بن منبه: كان نوح أجمل أهل زمانه، وكان يلبس المرقع.
قال: وأصابتهم مجاعة في السفينة، فكان نوح إذا تجلى لهم بوجهه شبعوا.
وعن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن نوحاً لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى منفعته في جسدي، وأخرج عني أذاه ".
وكان نوح إذا أكل قال: الحمد لله، وإذا شرب قال: الحمد لله، وإذا لبس قال: الحمد لله، وإذا ركب قال: الحمد لله، فسماه الله عبداً شكوراً.
وعن مجاهد: في قول الله عز وجل: " ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً ". قال: لم يأكل شيئاً قط إلا حمد الله، ولم يشرب شراباً قط إلا حمد الله، ولم يمش مشياً قط إلا حمد الله، ولم يبطش بشيء قط إلا حمد الله فأثنى الله عليه، إنه كان عبداً شكوراً.
وقال قتادة: في قوله: " إنه كان عبداً شكوراً " كان إذا لبس ثوباً قال: باسم الله، وإذا أخلقه قال: الحمد لله.
وقيل: إنما سمي عبداً شكوراً لأنه كان يقول: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء أعراني، والحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني، حتى في إحداثه يقول إذ قضى حاجة: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، ولو شاء حبسه.
قال جبريل لنوح: يا أطول الأنبياء عمراً وأفضلهم شكراً، كيف رأيت الدنيا وبهجتها؟ قال: كدار لها بابان، أدخلت من الأول، وأخرجت من الآخر.
وعن ابن عباس قال:
لما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بوادي عسفان، فقال: يا أبا بكر، أي وادٍ هذا:
قال: وادي عسفان. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد مر به هود وصالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق ".
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام أبونا إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر ". وقوله عز وجل: " وجعلنا ذريته هم الباقين " قال: سام وحام ويافث. وسام أبو العرب وفارس والروم وأهل الشام وأهل مصر. وأما يافث فأبو الخزر ويأجوج ومأجوج. وأما حام فأبو هذه الجلدة السوداء.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولد لنوح ثلاثة: سام وحام ويافث. فولد سام العرب وفارس والروم، والخير فيهم. وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة، ولا خير فيهم. وولد حام القبط والبربر، ولا خير فيهم ".
وفي رواية: وولد حام بربر والقبط والسودان، ولم يقل فيهم شيئاً.
قالوا: وولد سام كل حسن الضفيرة حسن الشعر. وولد حام كل أسود جعد قطط. وولد يافث كل عظيم الوجه صغير العينين.
ودعا نوح على حام أن يسود الله زرعه، ولا يعدو شعر بنيه آذانهم، وحيثما لقي ولده ولد سام استعبدوهم.
وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "، قال: كانت فيما بين نوح وإدريس ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر الجبل، وكان رجال الجبل صباحاً، وفي النساء دمامة، وكانت نساء السهل صباحاً، وفي الرجال دمامة. وإن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل في صورة غلام " فآجر نفسه منه، فكان يخدمه، فاتخذ إبليس شيئاً من مثل الذي يزمر فيه الرعاء " فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حوله، فانتابوه يسمعون إليه واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال، قال: ويتزين الرجال لهن، وإن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن؛ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك، فتحولوا إليهم ونزلوا معهن؛ فظهرت الفاحشة فيهن، فذلك قول الله عز وجل: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ".قال ابن عباس: بعث نوح بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا.
قالوا: وأقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً في بيت من شعر، فيقال: يا نبي الله، ابن بيتاً فيقول: أموت اليوم، أموت غداً.
قالوا: واتخذ بيتاً من جص، وقيل: من قصب، فقيل له: لو بنيت بيتاً، فقال: هذا لمن يموت كثير.
قال وهب بن منبه: مرت بنوح خمس مئة سنة لم يقرب النساء وجلاً من الموت.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما بعث الله نوحاً إلى قومه وهو ابن خمسين ومئتي سنة، فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وبقي بعد الطوفان خمسين ومئتي سنة. فلما أتاه ملك الموت قال: يا نوح، يا كبيرالأنبياء، ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة، كيف رأيت الدنيا؟ قال: مثل رجل بني له بيت، له بابان، فدخل من واحد وخرج من الآخر ".
وقيل: دخل من أحدهما وجلس هنية ثم خرج من الباب الآخر.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحاً قال لابنه: يا بني، إني آمرك بأمرين، وأنهاك عن أمرين: أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، فإن السماء والأرض لو جعلتا في كفة، وجعلت في كفة وزنتهما، ولو جعلتا حلقة فضمتهما. وآمرك أن تقول: سبحانه الله وبحمده، فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق. قال الله عز وجل: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ". وأنهاك عن الشرك بالله، فإنه من أشرك بالله حرم عليه الجنة، وأنهاك عن الكبر، فإن أحداً لن يدخل الجنة وفي قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ".
قال معاذ بن جبل:
يا رسول الله، الكبر الثياب نلبسها أو الدابة أو الراحلة يركبها أحدنا، أو الطعام يجمع عليه أصحابه؟ قال: " لا، ولكن الكبر بسفه الحق وبغنص المؤمن. وسأنبئكم بالمخرج من ذلك: باعتقال الشاة، وركوب الحمار، ولبس الصوف، مجالسة فقراء المؤمنين، وأن يأكل أحدكم مع عياله ".
وفي حديث آخر مثله: وأما اللتان أوصيك بهما، فإني رأيت الله وصالح خلقه يستبشرون بهما، ورأيتهما يكثران الولوج على الله، وذكر ما تقدم في التهليل والتسبيح. وزاد: إن استطعت ألا يزال لسانك رطباً بهما فافعل.
وأما اللتان أنهاك عنهما: فإني رأيت الله وصالح خلقه ينادون بهما، ورأيتهما لا يلجان على الله، وذكر الشرك والكبر.
جاء رجل من الأعراب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه جبة سيجان مزررة بالذهب، فقام على رأس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن صاحبكم هذا يرفع كل راع ابن راع، ويضع كل فارس ابن فارس، قال: فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمجامع حبته، وقال: اجلس، فإني أرى عليك ثياب من لا عقل له، فما بعث الله نبياً قبلي إلا وقد رعى، قال: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم، على القراريط وأنصاف القراريط.
ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن نبي الله نوحاً لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني موصيك بوصية وقاصها عليك، آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن السماوات والأرض لو كان حلقة مبهمة لقصمتهن، وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء - وفي رواية: صلاح كل شيء - وبها يرزق كل شيء، وأنهاك عن الشرك والكبر ".
قال: فقيل: يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ هو أن يكون لأحدنا نعلان حسنان يلبسهما؟ قال: لا، أو حلة حسنة يلبسها؟ قال: لا، أو دابة فارهة
يركبها؟ قال: لا، أو يكون للرجل أصحاب فيجمعهم إليه، وذكر الطعام؟ قال: لا. قيل: فما الكبر؟ قال: " من سفه الحق وغمص الناس ".
فإن استطعت أن تلقى الله ليس في قلبك مثقال حبة من خردل من شرك ولا كبر فافعل.
وعن عبد الرحمن بن سابط قال: إن قبر نوح وهود وشعيب وصالح بين زمزم وبين الركن والمقام.
قال ابن إسحاق: وعمر نوح فيما يزعم أهل التوراة بعد أن هبط من الفلك ثلاث مئة وثمانين وأربعين سنة، فكان جميع عمره ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم قبضه الله، صلى الله على نبينا وعليه وسلم.
ابن إدريس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بن برد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقال: إن قبره بالبقاع، ويقال: بمكة.
وبرد: هو البارد، وهو زمانه عملت الأصنام، ورجع من رجع عن الإسلام.
وسمي نوح نوحاً لطول ما ناح على نفسه، وقيل: ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعوهم إلى الله، فإذا كفروا بكى وناح عليهم.
وفي كتب الأوائل: أن دمشق كانت دار نوح عليه السلام ومنشأ سفينته من خشب لبنان، وأنه ركب سفينته من عين الجر التي في البقاع، وهو بطن - يعني وادياً - بين جبل لبنان وجبل سنير - وأن الموضع الذي فار منه التنور بالماء خلف حائط الحصن الداخل من مدينة دمشق من ناحية جيرون على طريق باب الفراديس.
قالوا: ولما كبر آدم، ورق عظمه، قال: يا رب، إلى متى أكد وأشقى؟ قال: يا آدم، حتى يولد لك ابن مجنون، فولد له نوح بعد عشرة أبطن، وهو يومئذ ابن ألف سنة إلا ستين عاماً، وقيل: أربعين عاماً، وكان اسم نوح السكن، وإنما سمي السكن لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه، فهو أبوهم.
وكان بين آدم ونوح عشرة آباء، وبين إبراهيم ونوح عشرة آباء، وقيل: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام.
قال نوف الشامي: خمسة من الأنبياء من العرب: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونوح وهود وصالح وشعيب صلوات الله عليهم.
وعن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: أول نبي أرسل نوح.
واختلف فيه، فقال قوم: كانت نبوته وعمره من يوم ميلاده إلى أن مات ألف سنة إلا خمسين عاماً، وكان بعث في الألف الثاني.
وقيل: إن آدم لم يمت حتى ولد نوح في آخر الألف الأول من أيام الدنيا، لأن الله عز وجل وضع الدنيا على سبعة أيام، كل يوم مقدار ألف سنة من أيام الدنيا، فتلك سبعة آلاف سنة.
وعاش آدم ألف سنة إلا أربعين عاماً، فمات قبل أن تمضي الألف الأولى، وبعث نوح في الألف الثاني وهو ابن أربع مئة وثمانين سنة، فبعث وقد ذهب من الألف الثاني أربع مئة سنة وأربعون سنة، فلبث في قومه كما قال الله عز وجل: " ألف سنة إلا خمسين عاماً "، فتلك ألف سنة وثلاث مئة سنة وتسعون سنة منذ ولد إلى أن أغرق الله الدنيا، وعاش بعد ذلك تسعين سنة لتمام ألف وأربع مئة وثمانين سنة، فكان موته في الألف الثالث بعد أربع مئة سنة وأربعين سنة من الألف الثالث.
وكان قد فشت في قومه المعاصي، وكثرت الجبابرة، وعتوا عتواً كبيراً، وكان نوح يدعوهم ليلاً ونهاراً، سراً وعلانية، وكان صبوراً حليماً.
ولم يلق أحد من الأنبياء أشد مما لقي نوح، فكانوا يدخلون عليه فيخنقونه حتى يترك قعيداً، ويضرب في المجالس ويطرد، وكان لا يدع على ما يصنع به أن يدعوهم ويقول: يا رب، اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
وكان لا يزيدهم ذلك إلا فراراً منه، حتى إنه يكلم الرجل فيلف رأسه بثوبه، ويجعل أصابه في أذنيه لكيلا يسمع شيئاً من كلامه، فذلك قول الله عز وجل: " جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم " يقول: نفضوا ثم قاموا من المجلس، فأسرعوا المشي، وقالوا: امضوا، فإنه كذاب.
واشتد عليه البلاء، وكان ينتظر القرن بعد القرن، والجيل بعد الجيل، فلا يأتي إلا وهو أخبث من الأول، وأعتى من الأول.
ويقول الرجل منهم: قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا قبل آبائنا، فلم يزل هكذا مجنوناً.
وكان الرجل منهم إذا أوصى عند الوفاة يقول لأولاده: احذروا هذا المجنون؛ فإنه قد حدثني آبائي أن هلاك على الناس على يدي هذا، فكانوا كذلك يتوارثون الوصية بينهم حتى إن الرجل يحمل ولده على عاتقه، ثم يقف به عليه، فيقول: يا بني، إن عشت ومت أنا فاحذر هذا الشيخ؛ فإنه مجنون، ويكون هلاك الناس على يديه.
فلما طال ذلك بهم وبه، قالوا: يا نوح، ما نراك جئتنا بشيء نعرفه، فما كثرة دعائك " إلا " بالذي يزيدنا منك بعداً وفراراً، وما أنت إلا مجنون أو مسحور.
فلما طال ذلك بهم وبه، " قالوا: يا نوح، قد جادلتنا، فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا "، فإنا لن نؤمن بك و" إن كنت من الصادقين ".
" قال: إنما يأتيكم به الله إن شاء " وما يحلم ربي عنكم إلا أنكم لستم عنه بمعجزين يعني لا تسبقونه إذا أرادكم، " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم، هو ربكم وإليه ترجعون ".
وعن ابن عباس قال: كان للمك يوم ولد نوحاً اثنان وثمانون سنة، ولم يكن أحد في ذلك الزمان ينتهي عن منكر، فبعث الله نوحاً إليهم وهو ابن أربع مئة وثمانين سنة، فدعاهم في نبوته مئة وعشرين سنة.
ثم أمر بصنعة السفينة، فصنعها وركبها، وهو ابن ست مئة سنة، وغرق من غرق، ثم مكث بعد السفينة ثلاث مئة وخمسين سنة.
فولد نوح ساماً، وفي ولده بياض وأدمة، وحاماً وفي ولده سواد وبياض قليل، ويافث وفيهم الشقرة والحمرة، وكنعنا وهو الذي غرق، والعرب تسميه ياماً، وذلك قول العرب: إنما هام عمنا يام. وأم هؤلاء واحدة.
وبجبل نوذ نجر نوح السفينة، ومن ثم يبدأ الطوفان.
فركب نوح السفينة، معه بنوه هؤلاء، وكنائنه نساء بنيه هؤلاء، وثلاثة وسبعون من بني شيث، ممن آمن به، فكانوا ثمانين في السفينة، وحمل معه " من كل زوجين اثنين ".
وكان طول السفينة ثلاث مئة ذراع، بذراع جد أبي نوح، وعرضها خمسون ذراعاً، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً، وخرج منها من الماء ستة اذرع، وكانت مطبقة، وجعل لها ثلاثة أبواب، بعضها أسفل من بعض.
فأرسل الله المطر أربعين ليلة وأربعين يوماً، فأقبلت الوحش حين أصابها المطر، والدواب والطير كلها إلى نوح، وسخرت له، فحمل فيها كما أمره الله من كل زوجين اثنين، وحمل معه جسد آدم فجعله حاجزاً بين النساء والرجال، فركبوا فيها لعشر ليال مضين من رجب، وخرجوا منها يوم عاشوراء من المحرم، فلذلك صام من صام يوم عاشوراء.
وخرج الماء مثل ذلك نصفين، فذلك قوله عز وجل: " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر " يقول: منصب، " وفجرنا الأرض عيوناً " يقول: شققنا الأرض " فالتقى الماء على أمر قد قدر " فصار الماء نصفين، نصف من السماء، ونصف من الأرض، وارتفع الماء على طول جبل في الأرض خمس عشرة ذراعاً.
فسارت بهم السفينة، فطافت بهم الأرض كلها في ستة أشهر لا تستقر على شيء حتى أتت الحرم، فلم تدخله، ودار بالحرم أسبوعاً، ورفع البيت الذي بناه آدم، رفع من الغرق، وهو البيت المعمور والحجر الأسود على أبي قبيس فلما دارت بالحرم ذهبت في الأرض تسير بهم حتى انتهت إلى الجودي، وهو جبل بالحصنين من أرض الموصل، فاستقرت بعد ستة أشهر لتمام السنة، وقيل بعد الستة الأشهر: " بعداً للقوم الظالمين ".
فلما استوت على الجودي قيل: " يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي " يقول: احبسي ماءك " وغيض الماء " تسقته الأرض، فصار ما نزل من السماء هذه البحور التي ترون في الأرض.
قال:
فآخر ماء بقي في الأرض من الطوفان ماء بحسمى بقي في الأرض أربعين سنة بعد الطوفان. ثم جف، فهبط نوح إلى قرية، فبنى كل رجل منهم بيتاً فسميت سوق الثمانين.
فغرق بنو قابيل كلهم. وما بين نوح وآدم من الأنبياء كانوا على الإسلام.
ودعا نوح على الأسد تقلى عليه الحمى، وللحمامة بالأنس، وللغراب بشقاء المعيشة.
قال: وتزوج نوح امرأً من بني قابيل، فولدت له غلاماً، فسماه بوناطن، فولدت بمدينة بالمشرق يقال لها: تلقون شمساً.
فلما ضاقت بهم سوق ثمانين تحولها إلى بال فبنوها. وهي بين الفرات والصراة، وكانت اثني عشر فرسخاً في اثني عشر فرسخاً، وكان بابها موضع دوران الماء فوق جسر الكوفة يسرة إذا غربت.
فكثروا بها حتى بلغوا مئة ألف، وهم على الإسلام.
ولما خرج نوح من السفينة دفن آدم ببيت المقدس، ومات نوح عليه السلام.
قالوا: وكان نوح يضرب ثم يلف في لبد فيلقى في بيته، يرون أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم حتى إذا أيس من إيمان قومه جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصاً، فقال: يا بني، انظر هذا الشيخ لا يغرنك، قال: يا أبه، أمكني من العصا، فأخذ العصا، ثم قال: ضعني في الأرض، فوضعه فمشى إليه بالعصا، فضربه فشجه شجة موضحة، وسالت الدماء.
قال نوح: رب قد ترى ما يفعل بي عبادك، فإن يكن في عبادك حاجة فاهدهم، وإن يكن غير ذلك فصيرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين، فأوحى الله إليه، وأيأسه من إيمان قومه، وأخبره أنه لم يبق في أصلاب الرجال ولا في أرحام النساء مؤمن، قال: يا نوح، " أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون " يعني لا تحزن عليهم. " واصنع الفلك بأعيننا " قال: يا رب، وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجري على وجه الماء فأعرق أهل معصيتي، وأطهر أرضي منهم. قال: يا رب، وأين الماء؟ قال: يا نوح، إني على ما أشاء قدير، قال: يا رب، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر.
قال: فغرس الساج عشرين سنة، وكف عن الدعاء، وكفوا عن الاستهزاء، وكانوا يسخرون منه.
فلما أدرك الشجر، فقطعها وجففها وأنقها، فقال: يا رب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: اجعله على ثلاث صور؛ رأسه كعرف الديك، وجؤجؤه كجؤجؤ الطير، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة واجعل لها أبواباً في جنبها، وشدها بدسر، يعني مسامير الحديد.
وبعث الله جبريل، فعلمه صنعة السفينة، فكان جبريل الراني ونوح النجار، فيا له من ران ويا له من نجار، فكانوا يمرون به، ويسخرون به، ويقولون: ألا ترون إلى هذا المجنون؟! يتخذ بيتاً يسير به على الماء! وأين الماء! ويضحكون به، وذلك قوله: " وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه " فأوحى الله إليه أن عجل صنعة السفينة، فقد اشتد غضبي على من عصاني.
فانطلق فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام ويافث وحام معه ينحتون السفينة، فجعل السفينة ست مئة ذراع طولها، وستين ذراعاً في الأرض، وعرضها ثلاث مئة ذراع وثلاثون، وطولها في السماء ثلاثة وثلاثون ذراعاً، وأن يطليه بالقار من داخله وخارجه، ولم يكن في الأرض قار، ففجر الله له عين القار حيث ينحت السفينة، يغلي غلياناً حتى طلاه.
فلما فرغ منها جعل له ثلاثة أبواب في جنبها، وأطبقها، فحمل فيها السباع والدواب، فألقى الله على الأسد الحمى، وشغله بنفسه عن الدواب ألا يتحرك، وجعل الوحش والطير في الباب الثاني ثم أطبق عليها، وجعل ولد آدم أربعين رجلاً
وأربعين امرأً في الباب الأعلى، ثم أطبق عليهما، وجعل الدرة معه في الباب الأعلى لضعفها لئلا تطأها الدواب.
وقال: يا رب، ما علامة ما بيني وبين الماء؟ قال: إذا فار التنور.
قالوا: وفار الماء من التنور بأرض الجزيرة من عين وردة، وركب نوح من رأس العين بالجزيرة.
وقيل: إنه فار بالكوفة في مسجد الكوفة فيما يلي أبواب كندة.
وقيل: إن الله أعقم رجالهم قبل الطوفان بأربعين يوماً، وأعقم نساءهم فلم يتوالدوا أربعين عاماً منذ يوم دعا نوح حتى أدرك الصغير فبلغ الحنث، وصارت لله عليهم الحجة، ثم أرسل السماء عليهم بالطوفان.
وقيل: إنه عمل السفينة في ثلاث سنين، ولما حمل في السفينة من كل زوجين اثنين قال: يا رب، كيف بالأسد والأسدة، والفيل والفيلة؟ فقال له ربه: سألقي عليهم الحمى، إنها ثقيلة.
ودعا ابنه، فأبى عليه، فلما فرغ من كل شيء يدخله السفينة طبق السفينة الأخرى عليهم، ولولا ذاك لم يبق في السفينة شيء إلا هدر لشدة وقع الماء حين يأتي من السماء، قال الله تعالى: " فتحنا أبواب السماء بماء منهمر ".
قال: فكان قدر كل قطرة مثل ما يجري من فم القربة، فلم يبق على ظهر الأرض شيء إلا هلك يومئذ إلا ما في السفينة، ولم يدخل الحرم منه شيء.
وعن ابن عباس: في قوله: " فخانتاهما " قال: أما إنه ليس بالزنا؛ كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون، وكانت امرأة لوط تدل على الضيف فتلك خيانتاهما.
قال كعب لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني عن أول شجرى نبتت على الأرض، قال عبد الله: الساج، وهي التي عمل منها نوح السفينة، فقال كعب: صدقت، أنت أعلم الناس.
ولما نبع الماء من حول سفينة نوح عليه السلام، خرج رجل من تلك الأمة إلى فرعون من فراعنتهم، فقال: إن هذا الذي يزعمون أنه مجنون أتاكم بما كان يعدكم، فجاء يسير في موكبه وجماعة من أصحابه حتى وقف من نوح عن بعيد، فقال: يا نوح، ما تقول؟ قال: أقول: قد أتاكم ما كنتم توعدون، قال: ما علامة ذلك؟ قال: اعطف برأس برذونك، فعطف برذونه، فنبع الماء من تحت قوائمه، فخرج يركض إلى الجبل هارباً من الماء.
قالوا: وفار الماء من التنور من دار نوح من تنور يختبز فيه لبيته، وكان نوح يتوقع ذلك إذ جاءته ابنته، فقالت: يا أبه، قد فار الماء من التنور، فآمن بنوح النجارون إلا نجاراً واحداً، فقال له: أعطني أجري، قال: أعطيك أجرك على أن تركب معنا.
قال: أيها المجنون، أعطني أجري، فإن وداً وسواع ويغوث ويعوق ونسراً سينجوني مما يريد بك إلاهك، فأخذ نوح فضة من أصحاب السفينة، فدفعها إليه، وقال: ستعلم أينا المجنون إذا حل العذاب غداً.
فأوحى الله عز وجل إليه أن " احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول "، وكان ممن سبق عليه القول امرأته والقة وكنعنان ابنه، فقال: يارب، هؤلاء حملتهم، فكيف بالوحوش والبهائم والسباع والطير؟ قال: فأنا أحشرهم عليك، فبعث جبريل فحشرهم، فجعل يضرب يديه على الزوجين، فتقع يده اليمنى على الذكر، واليسرى على الأنثى، فيدخله السفينة حتى أدخل فيه عدة ما أمره الله.
فلما جمعهم في السفينة رأت البهائم والوحش والسباع العذاب، فجعلت تلحس قدم نوح وتقول: احملنا معك، فيقول: إنما أمرت: " من كل زوجين اثنين ".
ولما فار الماء من التنور، والمرأة تختبز، واحتملت المرأة ولدها، ومعها ولد لها صغير، فخرجت إلى الدار، فإذا الدر قد امتلأت ماء، فدخلت البيت فإذا مثل ذلك.
وحملت صبيها، فكلما بلغ منها رفعت صبيها عن ذلك الموضع. حتى وضعت صبيها على رأسها، فلما جاوز الماء منها قامتها رمت بولدها من تحتها، ثم قامت عليه، فأقسم الله عند ذلك ألا يعذب العامة بالغرق.
وفي رواية أخرى: فلما بلغ الماء رفعته إلى ركبتيها، فلما بلغه الماء رفعته إلى حقوها، فلما بلغه الماء رفعته إلى صدرها، فلما بلغه الماء رفعته إلى رأسها، فلما بلغها الماء قالت به هكذا، ورفع الراوي يده فوق رأسه، فقال الله: لو كنت راحماً منهم أحداً لرحمتها للصبي.
قال الزهري: بعث الله ريحاً، فحمل إليه من كل زوجين اثنين من الطير والسباع والوحش والبهائم، قالوا: واستعصت عليه الماعزة أن يدخلها السفينة، فدفعها في ذنبها، فمن ثم
انكسر ذنبها فصار معقوقفاً، وبدا حياؤها، ومضت النعجة حتى دخلت، فمسح على ذنبها، فستر حياءها.
وعن مجاهد قال: مر نوح بالأسد، فضربه برجله، فخمشه الأسد، فبات ساهماً، فشكا نوح ذلك إلى الله، فأوحى الله إليه: أني لا أحب الظلم.
زاد في رواية: أنت بدأته.
وفي حديث: أن الأسد لما حمل في السفينة جاع، فزأر زأرة خاف أهل السفينة أن يأكلهم، فشكوه إلى نوح، فشكاه نوح إلى الله تعالى، فألقى الله عليه الحمى، وكان نوح يمر به بعد ذلك فيركله برجله، ويقول له: أزبىً بانت بشرىً؟. قال: فيقول له الأسد: لا زبى.
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من قال حين يمسي: صلى الله على نوح وعلى نوح السلام، لم تلدغه عقرب تلك الليلة.
قال خالد:
لما حمل نوح في السفينة ما حمل، جاءت العقرب تحجل، فقالت: يا نبي الله، أدخلني معك، قال: لا، أنت تلدغين الناس وتؤذينهم، قالت: لا، احملني معك، فلك الله على ألا ألدغ من يصلي عليك الليلة.
ولما ركب نوح السفينة، وأوحى الله إلى الأرض أن أخرجي ماءك، فأخرجت بغير كيل غضباً لله، فنزل من السماء بغير كيل، فذلك قوله: " إنا لما طغى الماء " على
الخزان، فأخرجت الأرض عيونها، وانفجر حيال كل عين من السماء مثعباً.
وعاينت الشياطين العذاب، فطارت بين السماء والأرض، وجاء إبليس حين حشر الله على نوح البهائم، فأخذ بذنب الحمار فلم يدخل الحمار السفينة، فدفعه نوح، فقال: ادخل ولو كان معك الشيطان، فدخل فرأى نوح إبليس في السفينة، فقال: ويحك من أدخلك؟ قال: أنت أدخلتني، وبإذنك دخلت إذ قلت: ادخل ولو كان معك الشيطان، فدخلت، قال: اخرج، فقال: إني منظور، فأمره أن يقعد على خيزران السفينة.
وغرق كنعان ابنه، ووضع جسد آدم بين الرجال والنساء، فإن آدم كان أوصى ولده أن يحملوا جسده في فلك نوح، فتوارث ولده الوصية حتى حملها نوح.
وقال الله لنوح: " اركبوا فيها باسم الله مجراها " حين يجري الماء " ومرساها " حين يرسو الماء.
وأعطى الله نوحاً خرزتين في السفينة.
ولما ركب نوح السفينة، وحمل فيها من كل زوجين اثنين، كما أمر، فرأى في السفينة شيخاً لم يعرفه، فقال له نوح: " ما أدخلك؟ قال: دخلت لأصيب قلوب أصحابك، فتكون قلوبهم معي، وأبدانهم معك، قال نوح: " اخرج منها يا عدو الله فإنك رجيم، " وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين "، فقال إبليس: خمس أهلك بهن الناس، وسأحدثك منهن بثلاث، ولا أحدثك بالثنتين، فأوحى الله إلى نوح أنه لا حاجة بك إلى الثلاث، مره يحدثك بالثنتين، قال: فهما أهلك للناس، وهما لا يكذبان، هما
اللتان لا يخلفاني: الحسد، وبالحسد لعنت، وجعلت شيطاناً رجيماً، والحرص، أتيح آدم الجنة كلها، فأصبت حاجتي منه بالحرص.
قالوا: إن نوحاً قال لإبليس: ويلك، قد غرق أهل الأرض من أجلك، قد أهلكتهم.
قال له إبليس: فما أصنع؟ قال: تتوب، قال: فسل ربك هل لي من توبة؟ فدعا نوح ربه، فأوحى الله إليه أن توبته أن يسجد لقبر آدم، قال: قد جعلت لك توبة، قال: وما هي؟ قال: تسجد لقبر آدم، قال: تركته حياً وأسجد له ميتاً؟!.
وعن ابن عباس: أن إبليس لما سرق حبلة العنب، وطلبها نوح، فلم يقدر عليها، قال لولده: التمسوا، فقال جبريل: ذهب بها إبليس، وإنا قد بعثنا إليه لتؤتى بها، وهو شريكك، فقاسمه، وأحسن مقاسمته.
فجاء به الملك ومعه الحبلة، فقال له: يا إبليس بئس ما صنعت! إنك سرقت حبلة العنب، وحملتك فما كافأتني، قال: ما أنت حملتني، ولكن الله أنظرني، قال: إن لي في هذه شركة، قال: لك الثلث، ولي الثلثان، قال: ما أنصفتني.
قال له جبريل: رده وأحسن مشاركته، قال: له النصف، فقال: رده، إنك تأكله غضاً وعنباً ويابساً وحلواً وحامضاً، وتشربه عصيراً.
قال: فلي الثلث وله الثلثان، فرضي.
وزاد في آخر: فما كان فوق الثلث فلإبليس.
وعن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كان حمل نوح معه في السفينة من جميع الشجر، وكانت العجوة من الجنة مع نوح في السفينة ".
قالوا: وحمل في السفينة من كل زوجين اثنين، وحمل من الهدهد زوجين، وجعل أم الهدهد فضلاً على زوجين، فماتت في السفينة قبل أن تظهر الأرض، فحملها الهدهد، وطاف بها الدنيا ليصيب لها مكاناً ليدفنها فيه، فلم يجد طيناً ولا تراباً، فرحمه ربه، فحفر لها في قفاه قبراً، فدفنها فيه، فذلك الريش الناتئ في قفا الهدهد موضع القبر، فلذلك نتأ أقفية الهداهد.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أنزل الله سفيةً من الريح إلا بمكيال، ولا قطرة من الماء إلا بمثقال، إلا يوم نوح وعاد، فإن الماء يوم نوح طغى على الخزان، فلم يكن لهم عليه سبيل "، ثم قرأ: " إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية "، " وإن الريح يوم عاد عتت على الخزان "، ثم تلا: " عاتية ".
وعن ابن عباس قال: لولا ماء الأرض استقبل ماء السماء فرد شدته لخرق الأرض ماء السماء حتى يتركها كهيئة الغربال، فلا ينتفع بها، ولكن صنعه كيف شاء وما شاء عز وجل.
وسئل ابن عباس: كيف كانوا يعرفون مواقيت الصلاة في السفينة؟ قال: أعطى الله نوحاً خرزتين، إحداهما: بياضها كبياض النهار، والأخرى سوادها كسواد الليل، فإذا أمسوا غلب سواد هذه بياض هذه، وإذا أصبحوا غلب بياض هذه سواد
هذه على قدر الساعات الاثنتي عشرة؛ فأول من قدر الساعات الاثنتي عشرة ما لا يزيد بعضها على بعض نوح في السفينة ليعرف بها مواقيت الصلاة.
فسارت السفينة من مكة حتى أخذت إلى اليمن، فبلغت الحبشة، ورجعت إلى جدة، وأخذت على الروم، وجازت الروم، ورجعت على جبال أرض المقدسة، وأوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أنها تستوي على رأس جبل، فعلمت الجبال بذلك، فتطلعت، وأخرجت أصولها من الأرض، وجعل جودي يتواضع لله عز وجل. فجاوزت السفينة الجبال كلها إلى الجودي، فاستوت ورست، فذلك قوله عز وجل: " واستوت على الجودي "، فشكت الجبال إلى الله، فقالت: يا رب، تطلعنا وأخرجنا أصولنا من الأرض لسفينة نوح، وخنس جودي، فاستوت عليه، فقال الله عز وجل: إني كذلك، من تواضع لي رفعته، ومن ترفع لي وضعته.
ويقال: إن الجودي من جبال الجنة، وقال الله: " يا أرض ابلعي ماءك " بلغة الحبشة، فابتلعت، " ويا سماء أقلعي " أي أمسكي بلغة الحبشة، فابتلعت الأرض ماءها، وارتفع ماء السماء حتى بلغ أعنان السماء رجاء أن يعود إلى مكانه، فأوحى الله تعالى إليه: أن ارجع، فإنك رجس وغضب، فرجع الماء لملح وخم وتردد، فأصاب الناس منه الأذى أو البلاء، فأرسل الله الريح، فجمعها في مواضع، فصار زعاقاً مالحاً لا ينتفع به.
وتطلع نوح فإذا الشمس قد طلعت، وبدا له البذ من السماء، وكان ذلك آية ما بينه وبين ربه عز وجل أمان الغرق.
والبذ: القوس الذي يسمونه قوس قزح، ونهي أن يقال: قوس قزح، لأن قزح شيطان، وهو قوس الله.
وزعموا أنه كان عليه وتر وسهم قبل ذلك في السماء، فلما جعله الله أماناً لأهل الأرض من الغرق نزع الله الوتر والسهم.
فقال نوح عند ذلك: رب إنك وعدتني أن تنجيني مع أهلي وغرقت ابني و" إن ابني من أهلي وإن وعدتك الحق وأنت أحكم الحاكمين. قال: يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ".
يقول: ليس من أهل دينك، إن عمله كان غير صالح، و" إني أعظك أن تكون من الجاهلين " إلى الآية قال: " هبط بسلام منا ".
فبعث نوح من يأتيه بخبر الأرض، فجاء الطير الأهلي، فقال: أنا، فأخذها وختم جناحها فقال: أنت مختومة بخاتمي لا تطيرين أبداً، تنتفع بك ذريتي، فبعث الغراب، فأصاب جيفة؛ فوقع عليها، فاحتبس، فلعنه، وقال له قولاً شديداً، فمن ثم يقتل في الحرم.
وبعث الحمامة، وهي القمري، فذهبت، فلم تجد في الأرض قراراً، فوقعت على شجرة بأرض سبأ، فحملت ورقة زيتون، فرجعت إلى نوح، فعلم أنها لم تستمكن من الأرض.
ثم بعثها بعد أيام، فخرجت حتى وقعت بوادي الحرم، فإذا الماء قد نضب، وأول ما نضب موضع الكعبة، وكانت طينتها حمراء فخضبت رجليها، ثم جاءت إلى نوح، فقالت: البشرى، لتستمكن الأرض، وبشراي منك أن تهب لي الطوق في عنقي والخضاب في رجلي، وأسكن الحرم، فمسح يده على عنقها، وطوقها، ووهب لها الحمرة في رجليها، ودعا لها، وأسكنها بالحرم، وبارك عليها، فقال: بارك الله فيك وفي سبيلك، وجعلك
محببة أنيسة، فمن ثم أشغف بها الناس، ودعا لنسلها، فقال: جعل الله في نسلك شفاء للمريض، وتحفة للصحيح.
ثم خرج فنزل قردى وبازبدى بأرض الموصل، وهي قرية الثمانين، لأنه نزل في ثمانين، فوقع فيهم الوباء، فماتوا إلا نوحاً وساماً وحاماً ويافث ونساءهم، ستة وسابعهم نوح، وطبقت الدنيا منهم، فذلك قوله عز وجل: " وجعلنا ذريته هم الباقين ".
قالوا: وركب نوح السفينة أول يوم من رجب، وقال لمن معه من الجن والإنس: صوموا هذا اليوم، فإن من صامه منكم بعدت عليه النار مسيرة سنة، ومن صام منكم سبعة أيام أغلقت عنه أبواب النار السبعة، ومن صام منكم ثمانية أيام فتحت له أبواب الجنة الثمانية، ومن صام منكم عشرة أيام قال الله له: سل تعطه، ومن صام منكم خمسة عشر يوماً قال الله تعالى له: استأنف العمل، فقد غفر لك ما مضى، ومن زاد زاده الله.
فصام نوح في السفينة رجب وشعبان ورمضان وشوال وذا القعدة وذا الحجة وعشراً من المحرم، فأرست السفينة يوم العاشوراء، فقال نوح لمن معه من الجن والإنس: صوموا هذا اليوم الذي تاب الله فيه على آدم وحواء.
قال: وهو اليوم الذي تاب الله فيه على قوم يونس، ورفع عنهم العذاب، وهو اليوم الذي فرق الله فيه البحر لبني إسرائيل، فنجى الله فيه موسى ومن معه، وغرق فرعون وآل فرعون، وهو اليوم الذي ولد فيه عيسى بن مريم.
قال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وقوله: " إنه ليس من لأهلك " قال: ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك.
وقال: إن سفينة نوح كانت مطبقة، وتناسل الفأر فيها، فجعلوا يقرضون الخشب، وإذا هم بين العذرة، فمسح نوح وجه الأسد، فعطس، فخرج من منخريه خنزيران، فذهب الأذى من السفينة، فأقبلا عليه يأكلانه.
وقيل: إنه مسح يده اليمنى على ذنب الفيل الذكر، واليسرى على ذنب الفيل الأنثى، فسقط منهما خنزيران، من الذكر الذكر، ومن الأنثى الأنثى، وأتيا على عذرة السفينة.
ومن ثم اقتنى أهل الموصل والسواد الخنازير.
ولما خرج نوح من السفينة كثرت الأنهار، وغرس الشجر، وفقد حبلة العنب، فقال لولده: إني لم أكتب في كتابي هذا شيئاً إلا وقد حملته في السفينة، ولا أرى حبلة العنب.
قال مجاهد: في قوله عز وجل: " وغيض الماء " قال: نقص الماء، " وقضي الأمر " قال: هلك قوم نوح، " واستوت على الجودي " قال: جبل بالجزيرة.
وقيل: إنهم كانوا في السفينة مئة وخمسين يوماً، وإن الله تعالى وجه السفينة إلى مكة، فدارت بالبيت أربعين يوماً، ثم وجهها الله تعالى إلى الجودي، فاستقرت عليه.
قالوا: ولما هبط نوح إلى أسفل الجودي، وابتنى قرية وسماها ثمانين، فأصبحوا ذات يوم
وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة، أحدها اللسان العربي، فكان لا يفقه بعضهم كلام بعض، وكان نوح يعبر عنهم.
قال محمد بن كعب القرظي: في قوله عز وجل: " يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك " " وليس في الأرض أحد إلا نوح وأصحاب السفينة، فما بقي ظاهر من ذلك إلى يوم القيامة، لا مؤمن ولا مؤمنة، إلا دخل في السلام والبركات "، ولا بقي كافر ولا كافرة إلى يوم القيامة إلا دخل في ذلك المتاع والعذاب الأليم.
قال أبو أمامة: لم يتحسر أحد من الخلائق كحسرة آدم ونوح، فأما حسرة آدم فحين أخرج من الجنة، وأما حسرة نوح فحين دعا على قومه، فلم يبق شيء إلا غرق إلا ما كان معه في السفينة، فلما رأى الله حسرته أوحى إليه: يا نوح، لا تتحسر، فإن دعوتك وافقت قدري.
ولما هبط نوح من السفينة قال الله: يا نوح، هل تعلم ما صنعت وما صنعت بك؟ وفيم استجيب لك؟ ومن أهلكت من أعدائي؟ وكيف أهلكتهم؟ يا نوح، إني خلقت خلقي لعبادتي، وأمرتهم بطاعتي، فعصوني، وعبدوا غيري، واستأثروا بمعصيتي على طاعتي حتى استوجبوا غضبي، فعذبت بمعصية العاصين من لم يعصني، وأهلكت بهلاك الخاطئين جميع خلقي، فمن مثلي؟ ومن يقدر مثل قدرتي؟ وإني أقسمت بعزتي اليوم، وأي شيء مثلي؟ ومن أوفى بعهده مني؟ إني لا أعذب بالغرق العامة بعد هذا، ولا أعذب بمعصية العاصين بعدها جميع خلقي، ولكن أجعل الدنيا دولاً بين عبادي، ثم أجزيهم يوم يجمعون عندي، وإني جعلت قوسي أماناً لعبادي وبلادي وموثقاً بيني وبين خلقي يأمنون به إلى يوم القيامة من الغرق.
وكانت القوس فيها سهم ووتر، فلما فرغ الله من هذا القول إلى نوح نزع السهم والوتر من القوس وجعلها أماناً لعباده وبلاده من الغرق.
ولما نضب الماء، ونبت الشجر، وخرج أهل السفينة، وتفرقوا في أعمالهم، جاء إبليس إلى نوح، فقال له: إن لك عندي يداً عظيمة، فسلني عما شئت، واستنصحني، فوالله لا أخونك ولا أغشك ولا أكذبك، فتأثم نوح بكلامه ومسائله، فأوحى الله إليه: أن كلمه وسله، فإني سأنطقه بحجة عليه، وموعظة لك.
قال نوح: أي عدو الله، أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك ولجنودك على ضلالتهم وهلاكهم؟ قال له إبليس: نعم الخبير سألت، إنا إذا وجدنا ابن آدم شحيحاً حريصاً حسوداً جباراً عجولاً تلقفناه تلقف الأكرة، فإذا اجتمعت لنا فيه هذه الأخلاق سميناه فينا شيطاناً مريداً، لأن هذه الأخلاق رؤوس أخلاق الشياطين، وسأخبرك عن هذه الأخلاق بما نعرف: ألم تعلم أن الله أسكن أباك آدم الجنة، ثم فوضها إليه بجميع ما فيها، وحرم عليه فيها شجرة واحدة، فحمله الحرص على أن تناولها، فخرج بالحرص من جميع الجنة؟
أو لم تعلم أن قابيل بن آدم شح بأخته رغبةً عن سنة أبيه، فحمله الشح بها على أن قتل أخاه، فصيره الشح إلى القتل، والعقوق إلى النار؟ أو لم تعلم أنه هلك من هلك من قومك بالتكبر والتجبر عليك، فصاروا بذلك إلى النار؟ أو لم تعلم أن العجلة والحدة حملك على أن دعوت الله على ابنك، فغيرت دعوتك ألوان ولدك وأولاد ولدك من بعده، وورثتهم الذل والهلكة إلى يوم القيامة، ولم يكن ذنبه إليك بقدر ذلك؛ أن ضحك مما ضحك منه؟
قال له نوح: أخبرني ما اليد العظيمة التي زعمت أني اصطنعتها إليك؟ فوالله، إني لأبغضك وأبغض مسرتك وموافقتك ورضاك واصطناع الأيدي عندك.
قال له إبليس - لعنه الله -: سأخبرك عن تلك اليد، إنك دعوت على جميع أهل الأرض، فألحقتهم دعوتك في ساعة واحدة بالنار، وفرغتني فصرت فارغاً مترفهاً، ولولا دعوتك لشغلت فيهم دهراً طويلاً، فأنا أعد ذلك منك يداً.
قال له نوح: أفلا تتعظ بهم؟ قال له إبليس: فأين ما سبق في علم الله؟ وكان من شأن دعوة نوح على ابنه أن نوحاً لما هبط من السفينة، وعمر الأرض، فنام ذات يوم، فبدت عورته، فنظر إليه حام ابنه، فضحك، فلم يغر عليه يافث، ورأى ذلك سام فزبره وغطى عورة أبيه، فلما استيقظ أخبره بذلك.
فدعا نوح حاماً، فقال: يا بني غير الله ماء صلبك، فلا تلد إلا السودان، ودعا يافث فقال: يا بني، جعل الله ذريتك عبيداً لولد سام، وقال لسام: يا بني، جعل الله منك الأنبياء والمرسلين والصالحين والملوك.
فولد لحام الهند والسند والحبش والزنج والزط والنوبة وفزان وجميع السواحل للسودان.
وولد ليافث الترك والصين وبربر وما وراءه، والصقالبة ويأجوج ومأجوج ومنسك وثارس ومارس وما وراءه وجابرسا وجابلقا.
وولد لسام العرب والروم، وإنما سمي الشام لأن ساماً نزلها، وسمي بلقاء لأن بالق نزلها.
وعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يدعى نوح يوم القيامة، فيقول: لبيك وسعديك يا رب، فيقول: هل بلغت؟ فيقول: يا رب، نعم. فيقول لأمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير، فيقال: من يشهد لك؟ فيقول: محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمته، قال: فيشهدون أن قد أبلغ، " ويكون الرسول عليكم شهيداً " " فتلا قوله: " وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ".
قال: والوسط العدل.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أكرم ذا سن في الإسلام كأنه قد أكرم نوحاً، ومن أكرم نوحاً في قومه فقد أكرم الله عز وجل ".
وعن أبي هريرة قال: خير بني آدم - وفي رواية: سيد بني آدم - نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخيرهم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذكر ميمون بن مهران الأنبياء صلى الله عليهم وسلم فقال: منهم من له عزم، ومنهم من لا عزم له.
وذكر: أولو العزم من الأنبياء خمسة: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين وسلم.
قال وهب بن منبه: كان نوح أجمل أهل زمانه، وكان يلبس المرقع.
قال: وأصابتهم مجاعة في السفينة، فكان نوح إذا تجلى لهم بوجهه شبعوا.
وعن عائشة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن نوحاً لم يقم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، وأبقى منفعته في جسدي، وأخرج عني أذاه ".
وكان نوح إذا أكل قال: الحمد لله، وإذا شرب قال: الحمد لله، وإذا لبس قال: الحمد لله، وإذا ركب قال: الحمد لله، فسماه الله عبداً شكوراً.
وعن مجاهد: في قول الله عز وجل: " ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبداً شكوراً ". قال: لم يأكل شيئاً قط إلا حمد الله، ولم يشرب شراباً قط إلا حمد الله، ولم يمش مشياً قط إلا حمد الله، ولم يبطش بشيء قط إلا حمد الله فأثنى الله عليه، إنه كان عبداً شكوراً.
وقال قتادة: في قوله: " إنه كان عبداً شكوراً " كان إذا لبس ثوباً قال: باسم الله، وإذا أخلقه قال: الحمد لله.
وقيل: إنما سمي عبداً شكوراً لأنه كان يقول: الحمد لله الذي كساني، ولو شاء أعراني، والحمد لله الذي أطعمني، ولو شاء أجاعني، حتى في إحداثه يقول إذ قضى حاجة: الحمد لله الذي أخرج عني أذاه، ولو شاء حبسه.
قال جبريل لنوح: يا أطول الأنبياء عمراً وأفضلهم شكراً، كيف رأيت الدنيا وبهجتها؟ قال: كدار لها بابان، أدخلت من الأول، وأخرجت من الآخر.
وعن ابن عباس قال:
لما حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مر بوادي عسفان، فقال: يا أبا بكر، أي وادٍ هذا:
قال: وادي عسفان. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لقد مر به هود وصالح ونوح على بكرات حمر خطمها الليف، أزرهم العباء، وأرديتهم النمار، يلبون يحجون البيت العتيق ".
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صام نوح الدهر إلا يوم الفطر والأضحى، وصام داود نصف الدهر، وصام أبونا إبراهيم ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر ". وقوله عز وجل: " وجعلنا ذريته هم الباقين " قال: سام وحام ويافث. وسام أبو العرب وفارس والروم وأهل الشام وأهل مصر. وأما يافث فأبو الخزر ويأجوج ومأجوج. وأما حام فأبو هذه الجلدة السوداء.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ولد لنوح ثلاثة: سام وحام ويافث. فولد سام العرب وفارس والروم، والخير فيهم. وولد يافث يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة، ولا خير فيهم. وولد حام القبط والبربر، ولا خير فيهم ".
وفي رواية: وولد حام بربر والقبط والسودان، ولم يقل فيهم شيئاً.
قالوا: وولد سام كل حسن الضفيرة حسن الشعر. وولد حام كل أسود جعد قطط. وولد يافث كل عظيم الوجه صغير العينين.
ودعا نوح على حام أن يسود الله زرعه، ولا يعدو شعر بنيه آذانهم، وحيثما لقي ولده ولد سام استعبدوهم.
وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى "، قال: كانت فيما بين نوح وإدريس ألف سنة، وإن بطنين من ولد آدم كان أحدهما يسكن السهل والآخر الجبل، وكان رجال الجبل صباحاً، وفي النساء دمامة، وكانت نساء السهل صباحاً، وفي الرجال دمامة. وإن إبليس أتى رجلاً من أهل السهل في صورة غلام " فآجر نفسه منه، فكان يخدمه، فاتخذ إبليس شيئاً من مثل الذي يزمر فيه الرعاء " فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله فبلغ ذلك من حوله، فانتابوه يسمعون إليه واتخذوا عيداً يجتمعون إليه في السنة فيتبرج النساء للرجال، قال: ويتزين الرجال لهن، وإن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم وهم في عيدهم ذلك فرأى النساء وصباحتهن؛ فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك، فتحولوا إليهم ونزلوا معهن؛ فظهرت الفاحشة فيهن، فذلك قول الله عز وجل: " ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ".قال ابن عباس: بعث نوح بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا.
قالوا: وأقام في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً في بيت من شعر، فيقال: يا نبي الله، ابن بيتاً فيقول: أموت اليوم، أموت غداً.
قالوا: واتخذ بيتاً من جص، وقيل: من قصب، فقيل له: لو بنيت بيتاً، فقال: هذا لمن يموت كثير.
قال وهب بن منبه: مرت بنوح خمس مئة سنة لم يقرب النساء وجلاً من الموت.
وعن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما بعث الله نوحاً إلى قومه وهو ابن خمسين ومئتي سنة، فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وبقي بعد الطوفان خمسين ومئتي سنة. فلما أتاه ملك الموت قال: يا نوح، يا كبيرالأنبياء، ويا طويل العمر، ويا مجاب الدعوة، كيف رأيت الدنيا؟ قال: مثل رجل بني له بيت، له بابان، فدخل من واحد وخرج من الآخر ".
وقيل: دخل من أحدهما وجلس هنية ثم خرج من الباب الآخر.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحاً قال لابنه: يا بني، إني آمرك بأمرين، وأنهاك عن أمرين: أن تقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، فإن السماء والأرض لو جعلتا في كفة، وجعلت في كفة وزنتهما، ولو جعلتا حلقة فضمتهما. وآمرك أن تقول: سبحانه الله وبحمده، فإنها صلاة الخلق وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق. قال الله عز وجل: " وإن من شيء إلا يسبح بحمده ". وأنهاك عن الشرك بالله، فإنه من أشرك بالله حرم عليه الجنة، وأنهاك عن الكبر، فإن أحداً لن يدخل الجنة وفي قلبه مثقال حبة من خردل من كبر ".
قال معاذ بن جبل:
يا رسول الله، الكبر الثياب نلبسها أو الدابة أو الراحلة يركبها أحدنا، أو الطعام يجمع عليه أصحابه؟ قال: " لا، ولكن الكبر بسفه الحق وبغنص المؤمن. وسأنبئكم بالمخرج من ذلك: باعتقال الشاة، وركوب الحمار، ولبس الصوف، مجالسة فقراء المؤمنين، وأن يأكل أحدكم مع عياله ".
وفي حديث آخر مثله: وأما اللتان أوصيك بهما، فإني رأيت الله وصالح خلقه يستبشرون بهما، ورأيتهما يكثران الولوج على الله، وذكر ما تقدم في التهليل والتسبيح. وزاد: إن استطعت ألا يزال لسانك رطباً بهما فافعل.
وأما اللتان أنهاك عنهما: فإني رأيت الله وصالح خلقه ينادون بهما، ورأيتهما لا يلجان على الله، وذكر الشرك والكبر.
جاء رجل من الأعراب إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليه جبة سيجان مزررة بالذهب، فقام على رأس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إن صاحبكم هذا يرفع كل راع ابن راع، ويضع كل فارس ابن فارس، قال: فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمجامع حبته، وقال: اجلس، فإني أرى عليك ثياب من لا عقل له، فما بعث الله نبياً قبلي إلا وقد رعى، قال: وأنت يا رسول الله؟ قال: نعم، على القراريط وأنصاف القراريط.
ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن نبي الله نوحاً لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني موصيك بوصية وقاصها عليك، آمرك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: شهادة أن لا إله إلا الله، فإن السماوات والأرض لو كان حلقة مبهمة لقصمتهن، وسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء - وفي رواية: صلاح كل شيء - وبها يرزق كل شيء، وأنهاك عن الشرك والكبر ".
قال: فقيل: يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه، فما الكبر؟ هو أن يكون لأحدنا نعلان حسنان يلبسهما؟ قال: لا، أو حلة حسنة يلبسها؟ قال: لا، أو دابة فارهة
يركبها؟ قال: لا، أو يكون للرجل أصحاب فيجمعهم إليه، وذكر الطعام؟ قال: لا. قيل: فما الكبر؟ قال: " من سفه الحق وغمص الناس ".
فإن استطعت أن تلقى الله ليس في قلبك مثقال حبة من خردل من شرك ولا كبر فافعل.
وعن عبد الرحمن بن سابط قال: إن قبر نوح وهود وشعيب وصالح بين زمزم وبين الركن والمقام.
قال ابن إسحاق: وعمر نوح فيما يزعم أهل التوراة بعد أن هبط من الفلك ثلاث مئة وثمانين وأربعين سنة، فكان جميع عمره ألف سنة إلا خمسين عاماً، ثم قبضه الله، صلى الله على نبينا وعليه وسلم.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=72233&book=5525#3a2def
نوح بن ميمون بن عبد الحميد
قال عبد اللَّه: قال أبي: كان عند نوح بن ميمون كتابان عن سفيان أحدهما سمعه هو من سفيان، والآخر سمعه من ابن المبارك عن سفيان وفيه كانت الغرائب.
"العلل" رواية عبد اللَّه (3686)
وقال عبد اللَّه: قرأت على أبي: نوح بن ميمون قال: حدثنا عبد اللَّه -يعني: ابن مبارك- عن سفيان، عن أبي حصين، عن بنت أخي أبي عبد الرحمن أن أبا عبد اللَّه كان يصلي في قميص.
"العلل" رواية عبد اللَّه (3687)
قال عبد اللَّه: قال أبي: كان عند نوح بن ميمون كتابان عن سفيان أحدهما سمعه هو من سفيان، والآخر سمعه من ابن المبارك عن سفيان وفيه كانت الغرائب.
"العلل" رواية عبد اللَّه (3686)
وقال عبد اللَّه: قرأت على أبي: نوح بن ميمون قال: حدثنا عبد اللَّه -يعني: ابن مبارك- عن سفيان، عن أبي حصين، عن بنت أخي أبي عبد الرحمن أن أبا عبد اللَّه كان يصلي في قميص.
"العلل" رواية عبد اللَّه (3687)
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=116857&book=5525#ca5383
نُوحُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيُّ
رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ بِشْرٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ بِشْرٍ , قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ , قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا , رَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشًا , كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضًا مُنِعَ , فَجَاءَهُ صِيَامُ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ وَأَرْوَاهُ»
رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ بِشْرٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا , قَالَ: ثنا عَلِيُّ بْنُ بِشْرٍ , قَالَ: ثنا نُوحُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: ثنا أَبِي , قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ , عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ , قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «رَأَيْتُ الْبَارِحَةَ عَجَبًا , رَأَيْتُ رَجُلا مِنْ أُمَّتِي يَلْهَثُ عَطَشًا , كُلَّمَا وَرَدَ حَوْضًا مُنِعَ , فَجَاءَهُ صِيَامُ رَمَضَانَ فَسَقَاهُ وَأَرْوَاهُ»