معاذ بْن جبل بْن عَمْرو بْن أوس بْن عائذ بْن عدي بْن كَعْب بْن عمرو ابن أدي بْن سَعْد بْن علي بْن أَسَد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، الأنصاري
الخزرجي، ثُمَّ الْجُشَمِيّ، يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ. وقد نسبه بعضهم فِي بني سَلَمَة بْن سَعْد بْن علي. وقال ابْن إِسْحَاق: مُعَاذ بْن جبل من بني جشم بْن الخزرج، وإنما ادعته بنو سَلَمَة لأنه كَانَ أخا سَهْل بْن مُحَمَّد بْن الجد بْن قَيْس لأمه ذكر الزُّبَيْر، عَنِ الأثرم، عَنِ ابْن الكلبي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رهط مُعَاذ بْن جبل بنو أدي بْن سَعْد أخي سَلَمَة بْن سَعْد بْن الخزرج.
قال: ولم يبق من بني أدي أحد، وعدادهم فِي بني سَلَمَة، وَكَانَ آخر من بقي منهم عَبْد الرحمن بن معاذ بن جبل. مات بالشام فِي الطاعون فانقرضوا.
قال الْوَاقِدِيّ وغيره: كَانَ مُعَاذ بْن جبل طوالا، حسن الشعر، عظيم العينين، أبيض، براق الثنايا، لم يولد لَهُ قط قال أَبُو عُمَر: قد قيل: إنه ولد لَهُ ولد سمي عَبْد الرَّحْمَنِ، وإنه قاتل معه يَوْم اليرموك، وبه كَانَ يكنى، ولم يختلفوا أَنَّهُ كَانَ يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مَسْعُود. قال الْوَاقِدِيّ: هَذَا مالا اختلاف فِيهِ عندنا. وقال ابْن إِسْحَاق: آخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين مُعَاذ بْن جبل وبين جَعْفَر بْن أَبِي طالب، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضيا إِلَى الجند من اليمن، يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إِلَيْهِ قبض الصدقات من العمّال الذين باليمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم اليمن على خمسة رجال:
خَالِد بْن سَعِيد على صنعاء، والمهاجر بْن أَبِي أُمَيَّة على كندة، وزياد بْن لبيد على حضرموت، ومعاذ بْن جبل على الجند، وَأَبِي مُوسَى الأشعري على زبيد وعدن والساحل، وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ بْن جبل- حين
وجهه إِلَى اليمن: بم تقضي؟ قَالَ: بما فِي كتاب الله. قال: فإن لم تجد.
قال: بما فِي سنة رَسُول اللَّهِ. قال: فإن لم تجد. قال: أجتهد رأيي فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد للَّه الَّذِي وفق رسول رَسُول اللَّهِ لما يحب رَسُول اللَّهِ. قال ابْن إِسْحَاق: والذين كسروا آلهة بني سلمة معاذ بن جبل، وعبد الله ابن أنيس، وثعلبة بْن غنمة، وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعلمهم بالحلال والحرام مُعَاذ بْن جبل. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يأتي مُعَاذ بْن جبل يَوْم القيامة أمام العلماء. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُفَسِّرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ مُعَاذٌ رَجُلا شَابًّا جَمِيلا مِنْ أَفْضَلِ سَادَاتِ قَوْمِهِ، سَمْحًا لا يُمْسِكُ، فَلَمْ يَزَلْ يُدَانُ حَتَّى أُغْلِقَ مَالُهُ كُلُّهُ مِنَ الدَّيْنِ، فَأَتَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَضَعُوا لَهُ، فَأَبَوْا، وَلَوْ تَرَكُوا لأَحَدٍ مِنْ أَجْلِ أَحَدٍ لَتَرَكُوا لِمُعَاذٍ مِنْ أَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي دَيْنِهِ، حَتَّى قَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَامُ فَتْحِ مَكَّةَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لِيُجْبِرَهُ، فَمَكَثَ مُعَاذٌ بِالْيَمَنِ أَمِيرًا، وَكَانَ أَوَّلُ مَنِ اتَّجَرَ فِي مَالِ اللَّهِ هُوَ. فَمَكَثَ حَتَّى أَصَابَ، وَحَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: أَرْسِلْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَدَعْ لَهُ مَا يُعِيشُهُ، وَخُذْ سَائِرَهُ مِنْهُ، فَقَالَ أبو بكر: إنما بعثه النبيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَسْتُ بِآخِذٍ مِنْهُ شَيْئًا إِلا أَنْ يُعْطِيَنِي، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَيْهِ إِذْ لَمْ يُطِعْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِمُعَاذٍ، فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّمَا أَرْسَلَنِي إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُجْبِرَنِي، وَلَسْتُ بِفَاعِلٍ. بم أَتَى مُعَاذٌ عُمَرَ، فَقَالَ: قَدْ أَطَعْتُكَ وَأَنَا فَاعِلٌ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي فِي حَوْمَةِ مَاءٍ قَدْ خَشِيتُ الْغَرَقَ، فَخَلَّصْتَنِي مِنْهُ يَا عُمَرُ. فَأَتَى مُعَاذٌ أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَهُ، وَحَلَفَ لا يَكْتُمُ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا آخُذُ مِنْكَ شَيْئًا، قَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ. فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا خَيْرٌ حَلَّ وَطَابَ، فَخَرَجَ مُعَاذٌ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ.
وقال المدائني: مات مُعَاذ بْن جبل بناحية الأردن فِي طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وَهُوَ ابْن ثمان وثلاثين سنة، قَالَ: ولم يولد لَهُ قط، كما قَالَ الْوَاقِدِيّ. وذكر أَبُو حَاتِم الرازي أَنَّهُ مات وَهُوَ ابْن ثمان وعشرين سنة.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، قَالَ: تُوُفِّيَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. وقال غيره:
كَانَ سنه يَوْم مات ثلاثا وثلاثين سنة.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ عُمَرُ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الشَّامِ حِينَ مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَمَاتَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الطَّاعُونِ، فَاسْتَعْمَلَ مَوْضِعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. وَعَمْوَاسُ قَرْيَةٌ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْمَيْمُونِ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ تُوُفِّيَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. قال أَبُو زُرْعَة، قَالَ لي أَحْمَد بْن حَنْبَل: كَانَ طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وفيه مات مُعَاذ وَأَبُو عُبَيْدَة. وقال أَبُو زرعة: كان الطاعون
سنة سبع عشرة وثمان عشرة، وفي سنة سبع عشرة رجع عُمَر من سرغ بجيش المسلمين لئلا يقدمهم على الطاعون، ثُمَّ عاد فِي العام المقبل سنة ثمان عشرة حَتَّى أنى الجابية، فاجتمع إِلَيْهِ المسلمون، فجند الأجناد. ومصر الأمصار، وفرض الأعطية والأرزاق، ثُمَّ قفل إِلَى المدينة فيما حَدَّثَنِي دحيم عَنِ الْوَلِيد بْن مُسْلِم، وَذَكَرَ دُحَيْمٌ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْمُوَقَّرِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ الطَّاعُونَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: تَفَرَّقُوا عَنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ نَارٍ، فَقَامَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتَ فِينَا وَلأَنْتَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هُوَ رَحْمَةٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، اللَّهمّ فَاذْكُرْ مُعَاذًا وَآلَ مُعَاذٍ فِيمَنْ تَذْكُرُهُ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ. روى عَنْ مُعَاذ بْن جبل من الصحابة عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاص، وعبد الله بْن عَبَّاس، وعبد الله بْن أَبِي أوفى، وأنس بْن مَالِك، وَأَبُو أمامة الباهلي، وَأَبُو قَتَادَة الأَنْصَارِيّ، وَأَبُو ثعلبة الخشني، وعبد الرحمن بْن سمرة العبشمي، وجابر بْن سمرة السوائي. حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ- النَّجَّادُ- بِبَغْدَادَ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هُشَيْمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قُبِضَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ ثَوْرِ بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال:
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: حُدِّثْنَا عَنِ الْعَاقِلِينَ. قَالَ: مَنْ هُمَا؟ قَالَ: هُمَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ.
وروى الشَّعْبِيّ، عَنْ فروة بْن نوفل الأشجعي ومسروق، ولفظ الحديث
لفروة الأشجعي، قَالَ: كنت جالسا مع ابْن مَسْعُود، فَقَالَ: إن معاذا كَانَ أمةً قانتا للَّه حنيفا ولم يك من المشركين. فقلت: يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ، إنما قَالَ الله تعالى : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّه حنيفا. فأعاد قوله: إن معاذا، فلما رأيته أعاد عرفت أَنَّهُ تعمد الأمر، فسكت. فقال: أتدري مَا الأمة؟ وما القانت؟
قلت: الله أعلم. قال: الأمة الَّذِي يعلم الخير ويؤتم بِهِ ويقتدي، والقانت المطيع للَّه، وكذلك كَانَ مُعَاذ بْن جبل معلما للخير مطيعا للَّه ولرسوله.
الخزرجي، ثُمَّ الْجُشَمِيّ، يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ. وقد نسبه بعضهم فِي بني سَلَمَة بْن سَعْد بْن علي. وقال ابْن إِسْحَاق: مُعَاذ بْن جبل من بني جشم بْن الخزرج، وإنما ادعته بنو سَلَمَة لأنه كَانَ أخا سَهْل بْن مُحَمَّد بْن الجد بْن قَيْس لأمه ذكر الزُّبَيْر، عَنِ الأثرم، عَنِ ابْن الكلبي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رهط مُعَاذ بْن جبل بنو أدي بْن سَعْد أخي سَلَمَة بْن سَعْد بْن الخزرج.
قال: ولم يبق من بني أدي أحد، وعدادهم فِي بني سَلَمَة، وَكَانَ آخر من بقي منهم عَبْد الرحمن بن معاذ بن جبل. مات بالشام فِي الطاعون فانقرضوا.
قال الْوَاقِدِيّ وغيره: كَانَ مُعَاذ بْن جبل طوالا، حسن الشعر، عظيم العينين، أبيض، براق الثنايا، لم يولد لَهُ قط قال أَبُو عُمَر: قد قيل: إنه ولد لَهُ ولد سمي عَبْد الرَّحْمَنِ، وإنه قاتل معه يَوْم اليرموك، وبه كَانَ يكنى، ولم يختلفوا أَنَّهُ كَانَ يكنى أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ، وَهُوَ أحد السبعين الذين شهدوا العقبة من الأنصار، وآخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مَسْعُود. قال الْوَاقِدِيّ: هَذَا مالا اختلاف فِيهِ عندنا. وقال ابْن إِسْحَاق: آخى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين مُعَاذ بْن جبل وبين جَعْفَر بْن أَبِي طالب، شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها، وبعثه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاضيا إِلَى الجند من اليمن، يعلم الناس القرآن وشرائع الإسلام، ويقضي بينهم، وجعل إِلَيْهِ قبض الصدقات من العمّال الذين باليمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قسم اليمن على خمسة رجال:
خَالِد بْن سَعِيد على صنعاء، والمهاجر بْن أَبِي أُمَيَّة على كندة، وزياد بْن لبيد على حضرموت، ومعاذ بْن جبل على الجند، وَأَبِي مُوسَى الأشعري على زبيد وعدن والساحل، وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذ بْن جبل- حين
وجهه إِلَى اليمن: بم تقضي؟ قَالَ: بما فِي كتاب الله. قال: فإن لم تجد.
قال: بما فِي سنة رَسُول اللَّهِ. قال: فإن لم تجد. قال: أجتهد رأيي فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الحمد للَّه الَّذِي وفق رسول رَسُول اللَّهِ لما يحب رَسُول اللَّهِ. قال ابْن إِسْحَاق: والذين كسروا آلهة بني سلمة معاذ بن جبل، وعبد الله ابن أنيس، وثعلبة بْن غنمة، وَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أعلمهم بالحلال والحرام مُعَاذ بْن جبل. وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يأتي مُعَاذ بْن جبل يَوْم القيامة أمام العلماء. حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُفَسِّرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، قَالَ: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
كَانَ مُعَاذٌ رَجُلا شَابًّا جَمِيلا مِنْ أَفْضَلِ سَادَاتِ قَوْمِهِ، سَمْحًا لا يُمْسِكُ، فَلَمْ يَزَلْ يُدَانُ حَتَّى أُغْلِقَ مَالُهُ كُلُّهُ مِنَ الدَّيْنِ، فَأَتَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَضَعُوا لَهُ، فَأَبَوْا، وَلَوْ تَرَكُوا لأَحَدٍ مِنْ أَجْلِ أَحَدٍ لَتَرَكُوا لِمُعَاذٍ مِنْ أَجْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي دَيْنِهِ، حَتَّى قَامَ مُعَاذٌ بِغَيْرِ شَيْءٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَامُ فَتْحِ مَكَّةَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لِيُجْبِرَهُ، فَمَكَثَ مُعَاذٌ بِالْيَمَنِ أَمِيرًا، وَكَانَ أَوَّلُ مَنِ اتَّجَرَ فِي مَالِ اللَّهِ هُوَ. فَمَكَثَ حَتَّى أَصَابَ، وَحَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ: أَرْسِلْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَدَعْ لَهُ مَا يُعِيشُهُ، وَخُذْ سَائِرَهُ مِنْهُ، فَقَالَ أبو بكر: إنما بعثه النبيّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَسْتُ بِآخِذٍ مِنْهُ شَيْئًا إِلا أَنْ يُعْطِيَنِي، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَيْهِ إِذْ لَمْ يُطِعْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِمُعَاذٍ، فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّمَا أَرْسَلَنِي إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُجْبِرَنِي، وَلَسْتُ بِفَاعِلٍ. بم أَتَى مُعَاذٌ عُمَرَ، فَقَالَ: قَدْ أَطَعْتُكَ وَأَنَا فَاعِلٌ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي فِي حَوْمَةِ مَاءٍ قَدْ خَشِيتُ الْغَرَقَ، فَخَلَّصْتَنِي مِنْهُ يَا عُمَرُ. فَأَتَى مُعَاذٌ أَبَا بَكْرٍ، فَذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ لَهُ، وَحَلَفَ لا يَكْتُمُ شَيْئًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لا آخُذُ مِنْكَ شَيْئًا، قَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ. فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا خَيْرٌ حَلَّ وَطَابَ، فَخَرَجَ مُعَاذٌ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الشَّامِ.
وقال المدائني: مات مُعَاذ بْن جبل بناحية الأردن فِي طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وَهُوَ ابْن ثمان وثلاثين سنة، قَالَ: ولم يولد لَهُ قط، كما قَالَ الْوَاقِدِيّ. وذكر أَبُو حَاتِم الرازي أَنَّهُ مات وَهُوَ ابْن ثمان وعشرين سنة.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَكَرِيَّا النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ نَصْرٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ، قَالَ: تُوُفِّيَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَهُوَ ابْنُ ثَمَانٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. وقال غيره:
كَانَ سنه يَوْم مات ثلاثا وثلاثين سنة.
قَالَ أَبُو عُمَرَ: كَانَ عُمَرُ قَدِ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الشَّامِ حِينَ مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ، فَمَاتَ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الطَّاعُونِ، فَاسْتَعْمَلَ مَوْضِعَهُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ. وَعَمْوَاسُ قَرْيَةٌ بَيْنَ الرَّمْلَةِ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ.
حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْمَيْمُونِ، حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَائِذٍ، عَنْ أَبِي مُسْهِرٍ، قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ تُوُفِّيَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ. قال أَبُو زُرْعَة، قَالَ لي أَحْمَد بْن حَنْبَل: كَانَ طاعون عمواس سنة ثمان عشرة، وفيه مات مُعَاذ وَأَبُو عُبَيْدَة. وقال أَبُو زرعة: كان الطاعون
سنة سبع عشرة وثمان عشرة، وفي سنة سبع عشرة رجع عُمَر من سرغ بجيش المسلمين لئلا يقدمهم على الطاعون، ثُمَّ عاد فِي العام المقبل سنة ثمان عشرة حَتَّى أنى الجابية، فاجتمع إِلَيْهِ المسلمون، فجند الأجناد. ومصر الأمصار، وفرض الأعطية والأرزاق، ثُمَّ قفل إِلَى المدينة فيما حَدَّثَنِي دحيم عَنِ الْوَلِيد بْن مُسْلِم، وَذَكَرَ دُحَيْمٌ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْمُوَقَّرِيِّ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ الطَّاعُونَ بِالْجَابِيَةِ، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، فَقَالَ: تَفَرَّقُوا عَنْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ نَارٍ، فَقَامَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَقَالَ: لَقَدْ كُنْتَ فِينَا وَلأَنْتَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: هُوَ رَحْمَةٌ لِهَذِهِ الأُمَّةِ، اللَّهمّ فَاذْكُرْ مُعَاذًا وَآلَ مُعَاذٍ فِيمَنْ تَذْكُرُهُ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ. روى عَنْ مُعَاذ بْن جبل من الصحابة عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن الْعَاص، وعبد الله بْن عَبَّاس، وعبد الله بْن أَبِي أوفى، وأنس بْن مَالِك، وَأَبُو أمامة الباهلي، وَأَبُو قَتَادَة الأَنْصَارِيّ، وَأَبُو ثعلبة الخشني، وعبد الرحمن بْن سمرة العبشمي، وجابر بْن سمرة السوائي. حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلْمَانَ- النَّجَّادُ- بِبَغْدَادَ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هُشَيْمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: قُبِضَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَثَلاثِينَ سَنَةً. رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ ثَوْرِ بن يزيد، عن خالد بن معدان، قال:
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ: حُدِّثْنَا عَنِ الْعَاقِلِينَ. قَالَ: مَنْ هُمَا؟ قَالَ: هُمَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ.
وروى الشَّعْبِيّ، عَنْ فروة بْن نوفل الأشجعي ومسروق، ولفظ الحديث
لفروة الأشجعي، قَالَ: كنت جالسا مع ابْن مَسْعُود، فَقَالَ: إن معاذا كَانَ أمةً قانتا للَّه حنيفا ولم يك من المشركين. فقلت: يَا أَبَا عَبْد الرَّحْمَنِ، إنما قَالَ الله تعالى : إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للَّه حنيفا. فأعاد قوله: إن معاذا، فلما رأيته أعاد عرفت أَنَّهُ تعمد الأمر، فسكت. فقال: أتدري مَا الأمة؟ وما القانت؟
قلت: الله أعلم. قال: الأمة الَّذِي يعلم الخير ويؤتم بِهِ ويقتدي، والقانت المطيع للَّه، وكذلك كَانَ مُعَاذ بْن جبل معلما للخير مطيعا للَّه ولرسوله.