كعب بْن مالك بْن أَبِي كعب بْن القين الْأَنْصَارِيّ السلمي (الْمَدَنِيّ -
5) قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن حماد عَنِ ابْن عون عَنْ مُحَمَّد قَالَ كَانَ أشعر أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسان بْن
ثابت وكعب بْن مالك وعبد اللَّه بْن رواحة، وقَالَ يحيى بْن سُلَيْمَان عَنِ ابْن إدريس (1) عَنِ ابْن إِسْحَاق أن كعب بْن مالك حين قتل عثمان ابن عفان قَالَ أَبِياتا.
5) قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن حماد عَنِ ابْن عون عَنْ مُحَمَّد قَالَ كَانَ أشعر أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسان بْن
ثابت وكعب بْن مالك وعبد اللَّه بْن رواحة، وقَالَ يحيى بْن سُلَيْمَان عَنِ ابْن إدريس (1) عَنِ ابْن إِسْحَاق أن كعب بْن مالك حين قتل عثمان ابن عفان قَالَ أَبِياتا.
كَعْب بن مَالك بن أبي كَعْب واسْمه عَمْرو بن الْقَيْن الْأنْصَارِيّ السّلمِيّ أَبُو عبد الله الْمدنِي الشَّاعِر أحد الثَّلَاثَة الَّذين خلفوا وَأحد السّبْعين لَيْلَة الْعقبَة روى عَنهُ أَوْلَاده عبد الله وَعبيد الله وَعبد الرَّحْمَن وَمُحَمّد ومعبد وَأَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ وَجَابِر وَغَيرهم قَالَ بن البرقي وَغَيره مَاتَ بِالْمَدِينَةِ قبل الْأَرْبَعين وَقَالَ الْوَاقِدِيّ مَاتَ سنة خمسين وَله سبع وَسَبْعُونَ سنة
كعب بن مالك بن أبي كعب
واسمه عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ابن سعد بن علي بن أسد ابن سارذة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، أبو عبد الله ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو بشير الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشاعره. روى عن النبي أحاديث صالحة، وشهد العقبة واحداًز قدم على معاوية بعد مقتل عثمان بن عفان.
قال كعب بن مالك: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار ".
وعن كعب بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أرواح الشهداء في طير خضر تحلق من ثمر، أو شجر، الجنة ".
لما بويع علي بن أبي طالب بلغه عن حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، والنعمان بن بشير، وكانوا عثمانية، أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم، ويقولون: الشام خير من المدينة، واتصل بهم أن ذلك قد بلغه، فدخلوا عليه، فقال له كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن عثمان، أقتل ظالماً فنقول بقولك، أو قتل مظلوماً فتقول بقولنا، ونكلك إلى الشبهة، والعجب من يقيننا وشكك! وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته لنعرف، ثم قال: " من الطويل "
كف يديه ثم أغلق بابه ... وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لمن في داره لا تقاتلوا ... عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم ال ... عداوة والبغضاء بعد التواصل
وكيف رأيت الخير أدبر عنهم ... وولى كإدبار النعام الجوافل
فقال لهم علي: لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان وأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، وعند الله ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة. فقالوا: لا ترضى بهذا العرب، ولا
تعذرنا به، فقال علي: أيرد علي بين ظهراني المسلمين بلا نية صادقة، ولا حجة واضحة؟ اخرجوا، فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فخرجوا من يومهم، فساروا حتى أتوا معاوية، فقال لهم: لكم الكفاية أو الولاية، فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار، وكعب بن مالك ألف دينار، وولى النعمان بن بشير حمص، ثم نقله إلى الكوفة بعدز قال محمد بن سعد: كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن مالك بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، وهو شاعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة بن عبيد، من بني سلمة. شهد كعب العقبة في قولهم جميعاً.
قال محمد بن عمر: وقد سمعت أن كعب بن مالك كان يكنى أبا عبد الله، وكان قد شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وشهد كعب بن مالك أحداً والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خلا تبوك، فإنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال ابن أبي حاتم:
كان من أهل الصفة، وكان ذهب بصره في خلافة معاوية، ومات وهو ابن سبع وسبعين، وذلك سنة خمسين.
قال ابن الكلبي: شهد بدراً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو نعيم: شهد المشاهد كلها إلا بدراً، وتبوك. آخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين طلحة بن عبيد الله.
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: لما حضرت كعباً الوفاة أتته أم بشر بنت البراء بن معرور، فقالت يا أبا عبد الرحمن، إن لقيت ابني فلاناً فاقرأ عليه مني السلام، فقال: غفر الله لك يا أم بشر، نحن أشغل من ذلك، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أرواح المؤمنين في طير خضر تعلق بشجرالجنة؟ " قال: بلى، قالت: فهو ذاك.
عن عبد الرحمن بن كعب قال: كنت قائد أبي كعب حين ذهب البصرة، وكنت إذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الآذان بها فصلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة قال: فمكث حيناً على ذلك، لا يسمع الآذان إلى الجمعة إلا صلى عليه، واستغفر له. فقلت له: يا أبه، مالك إذا سمعت الآذان بالجمعة صليت على أبي أمامة أسعد بن زرارة! قال: أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم من حرة بني بياضة في بقيع يقال له: بقيع الخضمات، قال: وكم كنتم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً.
عن ابن إسحاق قال: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين طلحة بن عبيد الله وبين كعب بن مالك أخي بني سلمة.
وعن عروة بن الزبير: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين الزبير والعوام، وكعب بن مالك، فارتث كعب يوم أحد، فجاء به الزبير يقود راحلته بزمامها، ولو كان كعب مات يومئذ لورثه الزبير، فأنزل الله - عز وجل -: " وأولو الأرحام ببعضهم أولى ببعض في كتاب الله ".
عن ابن شهاب قال: غبي خبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد على الناس كلهم إلا على ستة نفر: الزبير بن العوامن وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وكعب بن مالك، وأبي دجانة، وسهل بن حنيف.
قال كعب بن مالك: لما انكشف الناس يوم أحد كنت أول من عرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبشرت به المؤمنين حياً سوياً.
قال كعب: وأنا في الشعب، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعباً بلأمته، وكانت صفراء - أو بعضها - فلبسها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته ولبسها كعب، وقاتل كعب يومئذ قتالاً شديداً حتى جرح سبعة عشر جرحاً.
عن أبي بشير المازني قال: لما صاح الشيطان أزب العقبة: إن محمد قد قتل، لما أراد الله من ذلك، سقط في أيدي المسلمين، وتفرقوا في كل وجه، وأصعدوا في الجبل، فكان أول من بشرهم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سالماً كعب بن مالك. قال كعب: فجعلت أصيح ويشير إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإصبعه على فيه أن اسكت! عن أبي المخارق محفوظ بن المسور: أن أبا سفيان بن حرب أقبل يوم أحد، فقال: يا معشر الأنصار، خلوا بيننا وبين إخواننا من قريش، فإنكم إن فعلتم رحلنا عنكم. فكاد ذلك يكسر في أذرع القوم، فقال
كعب بن مالك الأنصاري يحرض الأنصار، وبعث بقصيدته هذه إلى أبي سفيان: " من الطويل "
أبلغ أبا سفيان أن أضالنا ... بأحمد نور من هدى الله ساطع
فلا ترغبن في حربنا أن تكيدنا ... وألب وجمع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا ... أباه الملا منا الذين تبايعوا
أباه البراء وابن عمرو كلاهما ... وأسعد يأباه عليك ورافع
وسعد أباه الساعدي ومنذر ... لأنفك إن حاولت ذلك جادع
وما ابن ربيع إن تناولت عهده ... بمسلمه لا يطمعن ثم طامع
وأيضاً فلا يعطيكه ابن رواحة ... وإخفاره من دونه السم ناقع
وفاء بهن والسالمي بن صامت ... بمندوحة عما تحاول يافع
أبو هيثم أيضاً جدير بمثلها ... وفي بما أعطى من العهد خانع
وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه ... ضروح بما يأتي من الأمر مانع
وما ابن حضير إن أردت بمطمع ... فهل أنت عن أحموقة الرأي نازع
ونحن نجوم من يغبك منهم ... عليك بنحس من دجى الليل طالع
فهؤلاء الناس ذكرهم كعب بن مالك في قصيدته النقباء: البراء هو ابن معرور، وابن عمرو هو عبد الله والد جابر، وأسعد هو أبو أمامة، ورافع هو ابن مالك ابن عجلان، وسعد هو ابن عبادة، ومنذر هو ابن عمرو، وابن الربيع هو سعد بن الربيع، وابن رواحة هو عبد الله، والسالمي بن صامت هو عبادة، وأبو هيثم هو ابن التيهان، وسعد العمري هو ابن خيثمة، وابن حضير هو أسيد، وهم اثنا عشر نقيباً من الأنصار.
قال كعب بن مالك في غزوة بدر الموعد: " من الطويل "
وعدنا أبا سفيان بدراً فلم نجد ... لموعده صدقاً وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... رجعت ذميماً وافتقدت المواليا
تركنا بها أوصال عتبة وابنه ... وعمراً أبا جهل تركناه ثاويا
عصيتم رسول الله، أف لدينكم ... وأمركم السيء الذي كان غاويا
وإني ولو عنفتموني لقائل ... فدى لرسول الله إهلي وماليا
أطعنا فلم نعدل سواه بغيره ... شهاباً لنا في ظامة الليل هاديا
عن جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لكعب بن مالك: " مانسي ربك، وما كان ربك بسياً، بيتاً قلته " قال: ما هو؟ قال: " أنشده يا أبا بكر "، فقال: " من الكامل "
زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
عن مسور بن عبد الملك قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكعب بن مالك وهو يقول: " من الطويل "
تجلدنا عن جذمنا كل قحمة ... مدربة فيها القوانس تلمع
قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عن ديننا يا كعب " عن محمد بن سيرين: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كعب بن مالك على جمل قد سبق له حتى بلغ رأس المورك، فقال: " أين هو؟ " فجاء خلفه، فقال: " هيه "، فأنشده، فقال " " لهو أشد عليهم من وقع النبل ".
وقال: كان شعراء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك.
عن عبد الرحمن بن غبد الله بن كعب بن مالك: أن كعب بن مالك حين أنزل الله في الشعر ما أنزل أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إن الله قد أنزل في الشعر ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما تنظمونهم بالنبل ".
قال محمد بن سيرين: كان ثلاثة من الأنصار يهاجون عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حسان بت ثابت وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. فأما حسان فكان يذكر عيوبهم وأيامهم، وأما عبد الله بن
رواحة فكان يعيرهم بالكفر، وترددهم فيه، وأما كعب فكان يذكر الحرب فيقول: فعلنا، ونفعل، ويتهددهم.
عن عبد الوارث قال: كان شعبة يحقرني أبداً إذا ذكرت شيئاً. قال: فحدث يوماً عن ابن عون، عن ابن سيرين أن كعب بن مالك قال: " من الوافر "
قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبرثم أجممنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا
وننتزع العروش عروش وج ... ونترك داركم منكم خلوفا
فلست لحاصن إن لم نزركم ... بساحة داركم منا ألوفا
قال: فقال شعبة: وننتزع العروس عروس وج فقلت له: يا أبا بسطام، وأي عروس ثمة؟ فقال: ويلك، ما هي؟؟؟؟! قلت: العروش، قال الله - عز وجل -: " فهي خاوية على عروشها "! فكان بعد ذلك يهابني ويجلني.
عن محمد بن سيرين قال: أسلمت دوس فرقاً من بيت قاله كعب بن مالك:
نخيرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا
عن ابن عباس: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا "؛ كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية.
عن عبد الله بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك:
لم أتخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة غيرها قط، إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفتفي غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها؛ إنما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد عير قريش حين جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقبة حين توافقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى وأيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة؛ وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً، ومفازاً، واستقبل عدواً كثيراً. فجلا للمسلمين أمره ليتأهبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - فقال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له مالم ينزل فيه وحي من الله، وغزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغزوة حين طابت الثمار والظل، فتجهز إليها رسول الله، والمؤمنون معه، وطفقت أغدي لكي أتجهز
معه، فارجع ولم أقض شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، ولم أقض من جهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوت بعدما فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئاً من جهازي، ثم رجعت ولم أقض شيئاً؛ فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا، ونفارط الغزو، وههمت أن أرتحل فأدركهم، وليت أني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطفت فيهم يحزنني ألا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجل ممن عذر الله. ولم يذكرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بلغ تبوكاً، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: " ما فعل كعب بن مالك؟ " قال رجل من بني سلمة: حسيه يا رسول الله برداه، والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيراً. فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول اللهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توجه قافلاً في تبوك حضرني بثي، فطفقت أتفكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه عذراً، أستعين على ذلك كل رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه، وصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علانيتهم، ويستغفر لهم، ويكل سرائرهم إلى الله حتى جئت. فلا سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي: " تعال "، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: " ما خلفك؟ ألم تكن قد استمر ظهرك؟ "
قال: فقلت: يا رسول الله، إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني أخرج من سخطته بعذر، لقد أعطيت جدلاً، ولكنه والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله يسخطك علي، ولئن حدثتك بصدق، تجد علي فيه، إني لأرجو قرة عيني عفاً من الله، والله ما كان لي عذر، ووالله ما كنت قط أفرغ مني، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك! قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقض الله فيك ". فقمت، وبادرت رجالاً من بني سلمة، فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما اعتذر به المخلفون، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لك. قال: والله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأكذب نفسي. قال ثم قلت لهم: هل لقي عذا معي أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: فقلت لهم: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، قالك فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، لي
فيها أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين ما تخلف عنه. فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحبي فاستكنا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم، وأجلدهم؛ فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف بالأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه، فأقول في نفسي: حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي
نظر إلي، فإذا التفت نحةه أعرض. حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي. فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك الله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، قال: فعدت ونشدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام، ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة، يقول من يدلني على كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء، فدفع إلي كتاباً من ملك غسان، وكنت كاتباً، فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جافاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. قال: فقرأتها، فقلت حين قرأتها: وهذ أيضاً من البلاء، قال: فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها، فلا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت له: يا رسول الله، إن هلالاً شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه، قال: " لا، ولكن لا يقربنك "، قالت: فإنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما يزال يبكي لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ قال: فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أدري ما يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استأذنته، وأنا رجل شاب، قال: فلبثنا بعد ذلك عشر ليال، فكمل لنا خمسين ليلة حين نهى عن كلامنا. قال: ثم صليت صلاو الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على
الحال التي ذكر الله منا، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخاً أوفى على جبل سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخرجت ساجداً، وعرف أنه قد جاء فرج، وآذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب مبشرونا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرساً وسعى ساع من أسلم، وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين، فلبستهما، فانطلقت أؤم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة، يقولون لي: ليهنئك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في المسجد حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني. وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره - قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة - قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو يبرق وجهه من السرور: " أبشر يخسر يوم مر عليك مذ ولدتك أمك "، قال: قلت: من عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله، قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطهة قمر، حتى يعرف ذلك منه. قال: فلما جلست بين يديه قال: قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله، وإلى رسوله. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمسك بعض مالك، فهو خير لك "، قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.
قال: فقلت: يا رسول الله، إنما الله نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث صدقاً ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن مما أبلاني الله؛ واللع ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومي هذا، وإني
لأرجوا أن يحفظني فيما بقي. قال: وأنزل الله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوئذ ألا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه؛ فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد؛ فقال الله - عز وجل -: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ". قال: وكنا خلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا حتى قضى الله في ذلك، قال اله - عز وجل -: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا ". وليس تخليفه إيانا، وإرجاءه أمرنا الذي ذكر بأننا خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه. لت: يا رسول الله، إنما الله نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث صدقاً ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن مما أبلاني الله؛ واللع ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومي هذا، وإني لأرجوا أن يحفظني فيما بقي. قال: وأنزل الله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوئذ ألا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه؛ فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد؛ فقال الله - عز وجل -: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ". قال: وكنا خلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا حتى قضى الله في ذلك، قال اله - عز وجل -: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا ". وليس تخليفه إيانا، وإرجاءه أمرنا الذي ذكر بأننا خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه.
عن كعب بن مالك قال: لما نزلت توبتي قبلت يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال كعب بن مالك في بعض أشعاره: " من البسيط "
إن يسلم المرء من قتل ومن هرم ... وملي العيش أبلاه الجديدان
مات كعب سنة خمسين وهو ابن سبع وسبعين سنة، وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقيل: مات سنة أربعين، وقيل: قبلها.
واسمه عمرو بن القين بن كعب بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ابن سعد بن علي بن أسد ابن سارذة بن يزيد بن جشم بن الخزرج، أبو عبد الله ويقال: أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو بشير الأنصاري صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشاعره. روى عن النبي أحاديث صالحة، وشهد العقبة واحداًز قدم على معاوية بعد مقتل عثمان بن عفان.
قال كعب بن مالك: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " من طلب العلم ليجاري به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف وجوه الناس إليه أدخله الله النار ".
وعن كعب بن مالك، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " أرواح الشهداء في طير خضر تحلق من ثمر، أو شجر، الجنة ".
لما بويع علي بن أبي طالب بلغه عن حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، والنعمان بن بشير، وكانوا عثمانية، أنهم يقدمون بني أمية على بني هاشم، ويقولون: الشام خير من المدينة، واتصل بهم أن ذلك قد بلغه، فدخلوا عليه، فقال له كعب بن مالك: يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن عثمان، أقتل ظالماً فنقول بقولك، أو قتل مظلوماً فتقول بقولنا، ونكلك إلى الشبهة، والعجب من يقيننا وشكك! وقد زعمت العرب أن عندك علم ما اختلفنا فيه، فهاته لنعرف، ثم قال: " من الطويل "
كف يديه ثم أغلق بابه ... وأيقن أن الله ليس بغافل
وقال لمن في داره لا تقاتلوا ... عفا الله عن كل امرئ لم يقاتل
فكيف رأيت الله صب عليهم ال ... عداوة والبغضاء بعد التواصل
وكيف رأيت الخير أدبر عنهم ... وولى كإدبار النعام الجوافل
فقال لهم علي: لكم عندي ثلاثة أشياء: استأثر عثمان وأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، وعند الله ما تختلفون فيه إلى يوم القيامة. فقالوا: لا ترضى بهذا العرب، ولا
تعذرنا به، فقال علي: أيرد علي بين ظهراني المسلمين بلا نية صادقة، ولا حجة واضحة؟ اخرجوا، فلا تجاوروني في بلد أنا فيه أبداً. فخرجوا من يومهم، فساروا حتى أتوا معاوية، فقال لهم: لكم الكفاية أو الولاية، فأعطى حسان بن ثابت ألف دينار، وكعب بن مالك ألف دينار، وولى النعمان بن بشير حمص، ثم نقله إلى الكوفة بعدز قال محمد بن سعد: كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب بن مالك بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة، وهو شاعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمه ليلى بنت زيد بن ثعلبة بن عبيد، من بني سلمة. شهد كعب العقبة في قولهم جميعاً.
قال محمد بن عمر: وقد سمعت أن كعب بن مالك كان يكنى أبا عبد الله، وكان قد شهد العقبة مع السبعين من الأنصار، وشهد كعب بن مالك أحداً والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما خلا تبوك، فإنه أحد الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال ابن أبي حاتم:
كان من أهل الصفة، وكان ذهب بصره في خلافة معاوية، ومات وهو ابن سبع وسبعين، وذلك سنة خمسين.
قال ابن الكلبي: شهد بدراً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال أبو نعيم: شهد المشاهد كلها إلا بدراً، وتبوك. آخى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينه وبين طلحة بن عبيد الله.
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن أبيه قال: لما حضرت كعباً الوفاة أتته أم بشر بنت البراء بن معرور، فقالت يا أبا عبد الرحمن، إن لقيت ابني فلاناً فاقرأ عليه مني السلام، فقال: غفر الله لك يا أم بشر، نحن أشغل من ذلك، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، أما سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن أرواح المؤمنين في طير خضر تعلق بشجرالجنة؟ " قال: بلى، قالت: فهو ذاك.
عن عبد الرحمن بن كعب قال: كنت قائد أبي كعب حين ذهب البصرة، وكنت إذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الآذان بها فصلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة قال: فمكث حيناً على ذلك، لا يسمع الآذان إلى الجمعة إلا صلى عليه، واستغفر له. فقلت له: يا أبه، مالك إذا سمعت الآذان بالجمعة صليت على أبي أمامة أسعد بن زرارة! قال: أي بني، كان أول من جمع بنا بالمدينة في هزم من حرة بني بياضة في بقيع يقال له: بقيع الخضمات، قال: وكم كنتم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلاً.
عن ابن إسحاق قال: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين طلحة بن عبيد الله وبين كعب بن مالك أخي بني سلمة.
وعن عروة بن الزبير: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخى بين الزبير والعوام، وكعب بن مالك، فارتث كعب يوم أحد، فجاء به الزبير يقود راحلته بزمامها، ولو كان كعب مات يومئذ لورثه الزبير، فأنزل الله - عز وجل -: " وأولو الأرحام ببعضهم أولى ببعض في كتاب الله ".
عن ابن شهاب قال: غبي خبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد على الناس كلهم إلا على ستة نفر: الزبير بن العوامن وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وكعب بن مالك، وأبي دجانة، وسهل بن حنيف.
قال كعب بن مالك: لما انكشف الناس يوم أحد كنت أول من عرف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبشرت به المؤمنين حياً سوياً.
قال كعب: وأنا في الشعب، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كعباً بلأمته، وكانت صفراء - أو بعضها - فلبسها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونزع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمته ولبسها كعب، وقاتل كعب يومئذ قتالاً شديداً حتى جرح سبعة عشر جرحاً.
عن أبي بشير المازني قال: لما صاح الشيطان أزب العقبة: إن محمد قد قتل، لما أراد الله من ذلك، سقط في أيدي المسلمين، وتفرقوا في كل وجه، وأصعدوا في الجبل، فكان أول من بشرهم برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سالماً كعب بن مالك. قال كعب: فجعلت أصيح ويشير إلي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإصبعه على فيه أن اسكت! عن أبي المخارق محفوظ بن المسور: أن أبا سفيان بن حرب أقبل يوم أحد، فقال: يا معشر الأنصار، خلوا بيننا وبين إخواننا من قريش، فإنكم إن فعلتم رحلنا عنكم. فكاد ذلك يكسر في أذرع القوم، فقال
كعب بن مالك الأنصاري يحرض الأنصار، وبعث بقصيدته هذه إلى أبي سفيان: " من الطويل "
أبلغ أبا سفيان أن أضالنا ... بأحمد نور من هدى الله ساطع
فلا ترغبن في حربنا أن تكيدنا ... وألب وجمع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا ... أباه الملا منا الذين تبايعوا
أباه البراء وابن عمرو كلاهما ... وأسعد يأباه عليك ورافع
وسعد أباه الساعدي ومنذر ... لأنفك إن حاولت ذلك جادع
وما ابن ربيع إن تناولت عهده ... بمسلمه لا يطمعن ثم طامع
وأيضاً فلا يعطيكه ابن رواحة ... وإخفاره من دونه السم ناقع
وفاء بهن والسالمي بن صامت ... بمندوحة عما تحاول يافع
أبو هيثم أيضاً جدير بمثلها ... وفي بما أعطى من العهد خانع
وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه ... ضروح بما يأتي من الأمر مانع
وما ابن حضير إن أردت بمطمع ... فهل أنت عن أحموقة الرأي نازع
ونحن نجوم من يغبك منهم ... عليك بنحس من دجى الليل طالع
فهؤلاء الناس ذكرهم كعب بن مالك في قصيدته النقباء: البراء هو ابن معرور، وابن عمرو هو عبد الله والد جابر، وأسعد هو أبو أمامة، ورافع هو ابن مالك ابن عجلان، وسعد هو ابن عبادة، ومنذر هو ابن عمرو، وابن الربيع هو سعد بن الربيع، وابن رواحة هو عبد الله، والسالمي بن صامت هو عبادة، وأبو هيثم هو ابن التيهان، وسعد العمري هو ابن خيثمة، وابن حضير هو أسيد، وهم اثنا عشر نقيباً من الأنصار.
قال كعب بن مالك في غزوة بدر الموعد: " من الطويل "
وعدنا أبا سفيان بدراً فلم نجد ... لموعده صدقاً وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا ... رجعت ذميماً وافتقدت المواليا
تركنا بها أوصال عتبة وابنه ... وعمراً أبا جهل تركناه ثاويا
عصيتم رسول الله، أف لدينكم ... وأمركم السيء الذي كان غاويا
وإني ولو عنفتموني لقائل ... فدى لرسول الله إهلي وماليا
أطعنا فلم نعدل سواه بغيره ... شهاباً لنا في ظامة الليل هاديا
عن جابر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لكعب بن مالك: " مانسي ربك، وما كان ربك بسياً، بيتاً قلته " قال: ما هو؟ قال: " أنشده يا أبا بكر "، فقال: " من الكامل "
زعمت سخينة أن ستغلب ربها ... وليغلبن مغالب الغلاب
عن مسور بن عبد الملك قال: مر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكعب بن مالك وهو يقول: " من الطويل "
تجلدنا عن جذمنا كل قحمة ... مدربة فيها القوانس تلمع
قال: فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عن ديننا يا كعب " عن محمد بن سيرين: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتى كعب بن مالك على جمل قد سبق له حتى بلغ رأس المورك، فقال: " أين هو؟ " فجاء خلفه، فقال: " هيه "، فأنشده، فقال " " لهو أشد عليهم من وقع النبل ".
وقال: كان شعراء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عبد الله بن رواحة، وحسان بن ثابت، وكعب بن مالك.
عن عبد الرحمن بن غبد الله بن كعب بن مالك: أن كعب بن مالك حين أنزل الله في الشعر ما أنزل أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال له: إن الله قد أنزل في الشعر ما قد علمت، فكيف ترى فيه؟ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأنما تنظمونهم بالنبل ".
قال محمد بن سيرين: كان ثلاثة من الأنصار يهاجون عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حسان بت ثابت وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك. فأما حسان فكان يذكر عيوبهم وأيامهم، وأما عبد الله بن
رواحة فكان يعيرهم بالكفر، وترددهم فيه، وأما كعب فكان يذكر الحرب فيقول: فعلنا، ونفعل، ويتهددهم.
عن عبد الوارث قال: كان شعبة يحقرني أبداً إذا ذكرت شيئاً. قال: فحدث يوماً عن ابن عون، عن ابن سيرين أن كعب بن مالك قال: " من الوافر "
قضينا من تهامة كل ريب ... وخيبرثم أجممنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا
وننتزع العروش عروش وج ... ونترك داركم منكم خلوفا
فلست لحاصن إن لم نزركم ... بساحة داركم منا ألوفا
قال: فقال شعبة: وننتزع العروس عروس وج فقلت له: يا أبا بسطام، وأي عروس ثمة؟ فقال: ويلك، ما هي؟؟؟؟! قلت: العروش، قال الله - عز وجل -: " فهي خاوية على عروشها "! فكان بعد ذلك يهابني ويجلني.
عن محمد بن سيرين قال: أسلمت دوس فرقاً من بيت قاله كعب بن مالك:
نخيرها ولو نطقت لقالت ... قواطعهن دوساً أو ثقيفا
عن ابن عباس: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا "؛ كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية.
عن عبد الله بن مالك - وكان قائد كعب من بنيه حين عمي - قال: سمعت كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك، فقال كعب بن مالك:
لم أتخلف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة غيرها قط، إلا في غزوة تبوك، غير أني كنت تخلفتفي غزوة بدر، ولم يعاتب أحد تخلف عنها؛ إنما خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريد عير قريش حين جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد، ولقد شهدت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العقبة حين توافقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها. وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك أني لم أكن قط أقوى وأيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة، والله ما جمعت قبلها راحتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة؛ وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها حتى كانت تلك الغزوة، فغزاها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حر شديد، واستقبل سفراً بعيداً، ومفازاً، واستقبل عدواً كثيراً. فجلا للمسلمين أمره ليتأهبوا أهبة عدوهم، وأخبرهم بوجهه الذي يريد، والمسلمين مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان - فقال كعب: فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى له مالم ينزل فيه وحي من الله، وغزا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك الغزوة حين طابت الثمار والظل، فتجهز إليها رسول الله، والمؤمنون معه، وطفقت أغدي لكي أتجهز
معه، فارجع ولم أقض شيئاً، فأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت، ولم أقض من جهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعد يوم أو يومين، ثم ألحقهم، فغدوت بعدما فصلوا لأتجهز، فرجعت ولم أقض شيئاً من جهازي، ثم رجعت ولم أقض شيئاً؛ فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا، ونفارط الغزو، وههمت أن أرتحل فأدركهم، وليت أني فعلت، ثم لم يقدر ذلك لي، فطفقت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وطفت فيهم يحزنني ألا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق، أو رجل ممن عذر الله. ولم يذكرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بلغ تبوكاً، فقال وهو جالس في القوم بتبوك: " ما فعل كعب بن مالك؟ " قال رجل من بني سلمة: حسيه يا رسول الله برداه، والنظر في عطفيه، فقال له معاذ بن جبل: بئس ما قلت، والله يا رسول الله، ما علمنا عليه إلا خيراً. فسكت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال كعب بن مالك: فلما بلغني أن رسول اللهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد توجه قافلاً في تبوك حضرني بثي، فطفقت أتفكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه عذراً، أستعين على ذلك كل رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أنجو منه بشيء أبداً، فأجمعت صدقه، وصبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون، فطفقوا يعتذرون إليه، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علانيتهم، ويستغفر لهم، ويكل سرائرهم إلى الله حتى جئت. فلا سلمت عليه تبسم تبسم المغضب، ثم قال لي: " تعال "، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: " ما خلفك؟ ألم تكن قد استمر ظهرك؟ "
قال: فقلت: يا رسول الله، إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني أخرج من سخطته بعذر، لقد أعطيت جدلاً، ولكنه والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله يسخطك علي، ولئن حدثتك بصدق، تجد علي فيه، إني لأرجو قرة عيني عفاً من الله، والله ما كان لي عذر، ووالله ما كنت قط أفرغ مني، ولا أيسر مني حين تخلفت عنك! قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما هذا فقد صدق، فقم حتى يقض الله فيك ". فقمت، وبادرت رجالاً من بني سلمة، فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما اعتذر به المخلفون، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لك. قال: والله ما زالوا يؤنبونني حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأكذب نفسي. قال ثم قلت لهم: هل لقي عذا معي أحد؟ قالوا: نعم، لقيه معك رجلان، قالا ما قلت، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قال: فقلت لهم: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العامري، وهلال بن أمية الواقفي، قالك فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدراً، لي
فيها أسوة. قال: فمضيت حين ذكروهما لي. قال: ونهى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسلمين عن كلامنا - أيها الثلاثة - من بين ما تخلف عنه. فاجتنبنا الناس، وتغيروا لنا حتى تنكرت لي في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي كنت أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة. فأما صاحبي فاستكنا، وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشب القوم، وأجلدهم؛ فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف بالأسواق، ولا يكلمني أحد، وآتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَوهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه، فأقول في نفسي: حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، وأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي
نظر إلي، فإذا التفت نحةه أعرض. حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي. فسلمت عليه، فوالله ما رد علي السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك الله، هل تعلم أني أحب الله ورسوله؟ قال: فسكت، قال: فعدت ونشدته، فقال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطي من أنباط أهل الشام، ممن قدم بطعام يبيعه بالمدينة، يقول من يدلني على كعب بن مالك؟ قال: فطفق الناس يشيرون له إلي حتى جاء، فدفع إلي كتاباً من ملك غسان، وكنت كاتباً، فإذا فيه: أما بعد، فقد بلغنا أن صاحبك قد جافاك، ولم يجعلك الله بدار هوان، ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك. قال: فقرأتها، فقلت حين قرأتها: وهذ أيضاً من البلاء، قال: فتيممت بها التنور فسجرته بها، حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها، فلا تقربها. قال: وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك. قال: فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت له: يا رسول الله، إن هلالاً شيخ ضائع ليس له خادم، فهل تكره أن أخدمه، قال: " لا، ولكن لا يقربنك "، قالت: فإنه والله ما به حركة إلى شيء والله ما يزال يبكي لدن أن كان من أمرك ما كان إلى يومه هذا. قال: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في امرأتك، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه؟ قال: فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما أدري ما يقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا استأذنته، وأنا رجل شاب، قال: فلبثنا بعد ذلك عشر ليال، فكمل لنا خمسين ليلة حين نهى عن كلامنا. قال: ثم صليت صلاو الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا. فبينا أنا جالس على
الحال التي ذكر الله منا، قد ضاقت علي نفسي، وضاقت علي الأرض بما رحبت سمعت صارخاً أوفى على جبل سلع، يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر، قال: فخرجت ساجداً، وعرف أنه قد جاء فرج، وآذن رسول الله بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب مبشرونا، وذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض إلي رجل فرساً وسعى ساع من أسلم، وأوفى الجبل، فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي، فكسوتهما إياه ببشارته، والله ما أملك غيرهما يومئذ، واستعرت ثوبين، فلبستهما، فانطلقت أؤم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنئونني بالتوبة، يقولون لي: ليهنئك توبة الله عليك، حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس في المسجد حوله الناس، فقام إلي طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني. وهنأني، والله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره - قال: فكان كعب لا ينساها لطلحة - قال كعب: فلما سلمت على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو يبرق وجهه من السرور: " أبشر يخسر يوم مر عليك مذ ولدتك أمك "، قال: قلت: من عندك يا رسول الله، أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله، قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سر استنار وجهه حتى كأنه قطهة قمر، حتى يعرف ذلك منه. قال: فلما جلست بين يديه قال: قلت: يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله، وإلى رسوله. قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمسك بعض مالك، فهو خير لك "، قال: فقلت: فإني أمسك سهمي الذي بخيبر.
قال: فقلت: يا رسول الله، إنما الله نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث صدقاً ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن مما أبلاني الله؛ واللع ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومي هذا، وإني
لأرجوا أن يحفظني فيما بقي. قال: وأنزل الله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوئذ ألا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه؛ فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد؛ فقال الله - عز وجل -: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ". قال: وكنا خلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا حتى قضى الله في ذلك، قال اله - عز وجل -: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا ". وليس تخليفه إيانا، وإرجاءه أمرنا الذي ذكر بأننا خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه. لت: يا رسول الله، إنما الله نجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث صدقاً ما بقيت. قال: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن مما أبلاني الله؛ واللع ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يومي هذا، وإني لأرجوا أن يحفظني فيما بقي. قال: وأنزل الله: " لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم، ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم. وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ". قال كعب: فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط بعد أن هداني أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوئذ ألا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوه حين كذبوه؛ فإن الله قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما يقال لأحد؛ فقال الله - عز وجل -: " سيحلفون بالله لكم إذا انقلتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ". قال: وكنا خلفنا - أيها الثلاثة - عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين حلفوا له، فبايعهم، واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرنا حتى قضى الله في ذلك، قال اله - عز وجل -: " وعلى الثلاثة الذين خلفوا ". وليس تخليفه إيانا، وإرجاءه أمرنا الذي ذكر بأننا خلفنا بتخلفنا عن الغزو، وإنما هو عمن حلف له، واعتذر إليه فقبل منه.
عن كعب بن مالك قال: لما نزلت توبتي قبلت يد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال كعب بن مالك في بعض أشعاره: " من البسيط "
إن يسلم المرء من قتل ومن هرم ... وملي العيش أبلاه الجديدان
مات كعب سنة خمسين وهو ابن سبع وسبعين سنة، وقيل: سنة إحدى وخمسين. وقيل: مات سنة أربعين، وقيل: قبلها.