قيس بن ذريح بن سنة
ابن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر ابن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو علي ابن كنانة - يقال: قيس بن ذريح بن الحباب بن سنة - لأبو يزيد الليثي
شاعر معروف. قيل: أنه كان أخا الحسين بن علي من الرضاعة، وكان يسكن بادية الحجاز، وهو الذي كان يشبب بأم عمر لبنى بنت الحباب الكعبية، ثم أنه تزوجها، وأقامت معه مدة، فأمره أبواه بطلاقها، فطلقها كارهاً، وتزوجت بعده، ثم زاد تهيامه بها حتى كاد عقله أن يذهب، وكثر ذكره لها في شعره، وتتبعه لهذا حتى شكاه أبوها إلى معاوية، فأهدر دمه. ثم ارتحل إلى معاوية، فدخل إلى يزيد وشكا ما به إليه، وامتدحه، فرق له، وقال: سل ما شئت، إن شئت أن أكتب إلى زوجها فأحتم عليه أن يطلقها، فعلت، فقال: لا أريد ذلك، ولكن أحب أن أقيم بحيث تقيم من البلاد، أعرف أخبارها، وأقنع بذلك من غير أن يهدر دمي. قال: لو سألت هذا من غير أن ترحل
إلينا فيه لما وجب أن تمنعه، فأقم حيث شئت. واخذ كتاب أبيه بأن يقيم حيث لا يعترض عليه أحد، وأزال ما كان كتب به في إهدار دمه، فقدم إلى بلده.
قال أبو نصر الحافظ: ذريح - بفتح الذال المعجمة وكسر الراء -: قيس بن ذريح الكناني، أخو بني ليث أبو بكر بن كنانة. شاعر مشهور العشق.
قال عيسى بن أبي جهمة الليثي: كان قيس بن ذريح رجل منا، وكان ظريفاً شاعراً، وكان يكون في مكة وذويها من قديد وسرف وحول مكة في بواديها كلها.
قال: وكان خطب لبنى، وهي امرأة من خزامى، ثم من بني كعب بن عمرو، وكان مسكنها قريباً من مسكنه، فتزوجها، وأعجب بها، وبلغت عنده الغاية القصوى من الكرامة، ثم وقع الشر بين أم قيس، وبين لبنى، وأبغضتها أمه لما ترى من كلفه بها، فناشدته في طلاقها، فأبى، فكلمت أباه أن يكلمه في طلاقها، ففعل، فأبى على أبيه، فقالت أمه لأبيه: لا جمعني وإياك سقف أبداً أو يطلق قيس لبنى، فحلف ذريح - وكان قيس به براً - ألا يكلمه أبداً، ولا يشهد له محياً ولا مماتاً، أو يطلقها. فخرج في يوم حار، فقال: لا أستظل أو تطلق لبنى، فطلقها. فقال: أما إنه آخر عهدك بي.
ولما طلقها اشتد عليه، وجهد، وضمن، فلما طلقها أتاها رجالها يتحملونها، فسأل متى هم خارجون؟ فقالوا غداً، فقال: " من الطويل "
وإني لمف دمع عيني بالبكا ... حذار الذي لما يكن وهو كائن
وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن
فما كنت أخشى أن تكون منيتي ... بكفي إلا أن ما حان حائن
وندم على طلاقها ندماً شديداً، وجعل يأتي منزلها، ويبكي فيه، فلامه أبوه وأهل بيته، فقال: " من الوافر "
أمس تراب أرضك يا لبنى ... ولولا أنت لم أمس ترابا
وقال في ذلك أيضاً في إتيان منزلها: " من الكامل "
كيف السلو ولا أزال أرى لها ... ربعاً كحاشية اليماني المخلق
ربعأ لواضحة الجبين غريرة ... كالشمس إذا طلعت رخيم المنطق
قد كنت أعهدها به في غرة ... والعيش صاف والعدى لم تنطق
حتى إذا نطقوا وآذن فيهم ... داعي الشتات برحلة وتفرق
خلت الديار فزرتها فكأنني ... ذو جنة من سمها لم يعرق
ومن أتم ما قاله في لبنى وأشهره
وصاح غراب البين وانشقت العصا ... ببين كما شق الأديم الصوانع
فلما بدا منها الفراق كما بدا ... بظهر الصفا الصلد الشقوق الصوادع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها ... ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
فما من حبيب دائم لحبيبه ... ولا صاحب إلا به الدهر فاجع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم ... على كبدي منه شؤون صوادع
وأعجل بالإشفاق حتى يشفني ... مخافة شعب الدار والشمل جامع
قال أيوب بن عباية:
خرج قيس بن ذريح إلى المدينة يبيع ناقة له، فاشتراها زوج لبنى، وهو لا يعرفه، فقال له: انطلق معي أعطك الثمن، فمضى معه، فلما فتح الباب فإذا لبنى قد استقبلت قيساً، فلما رآها ولى هارباً، وخرج الرجل في أثره بالثمن ليدفعه إليه، فقال له قيس: لا تركب لي والله مطيتي أبداً، قال: وأنت قيس بن ذريح؟ قال: نعم، قال: هذه لبنى قد رأيتها، تقف حتى أخيرها، فإن اختارتك طلقتها - وظن القرشي أن له في قلبها موضعاً، وأنها لا تفعل - فقال له قيس: أفعل. فدخل القرشي عليها، فخيرها، فاختارت قيساً، فطلقها، وأقام قيس ينتظر انقضاء العدة - وفي رواية: عدتها - ليتزوجها، وماتت في العدة.
وفي خبر آخر أن ابن أبي عتيق رأى قيساً، فسأله عن حاله، فقص عليه قصته، قال: انطلق إلى المنزل، فانطلق معه، فأقام ليلته عنده يحدثه بأمره وعشقه، وينشده، فلما أصبح ابن أبي عتيق ركب، فأتى عبد الله بن جعفر، فقال: جعلني الله فداك، اركب معي في حاجة لي، فركب، واستنهض معه ثلاثة، أو أربعة من قريش، فمضى بهم، لا يدرون ما يريد حتى أتى باب زوج لبنى، فاستأذن عليه، فخرج، فإذا وجوه قريش، فقال: جعلني الله فداكم، ما جاء بكم؟ قالوا: حاجة لابن أبي عتيق، استعان بنا عليك فيها، فقال: اشهدوا أن حكمه جائز، فقالوا لابن أبي عتيق: أخبره بحاجتك؟ فقال: اشهدوا أن امرأته لبنى طالق ثلاثاً، فأخذ عبد الله بن جعفر برأسه، ثم قال: لهذا جئت بنا؟ قبحك الله، وقبح رأيك! فقال: جعلت فداكم، يطلق هذا امرأته ويتزوج أخرى خير من أن يموت مسلم. فقال عبد الله بن جعفر: أما إذ فعل ما أفعل
فاشهدوا أن له عندي عشرة آلاف درهم، فقال ابن أبي عتيق: والله ى أبرح حتى ينقل متاعها، ففعلت، وأقامت في أهلها حتى انقضت عدتها، فأتى قيس أباها، فسأله أن ينكحه إياها، فأبى عليه، فمشى إليه قوم من أهلها، وسألوه، وقالوا: قد علمت ما لكل واحد منهما ففي قلب صاحبه، فزوجه إياها، فمكثا عمراً من دهرهما بأنعم عيش.
قال أحمد بن هود: أمرت لبنى لها، فاشترى لها أربع غربان، فلما رأتهن بكت، وصرخت، وكتفتهن، وجعلت تضربهن بالسوط حتى متن جميعاً، وجعلت تقول بأعلى صوتها: " من الوافر "
لقد نادى الغراب ببين لبنى ... فطار القلب من حذر الغراب
فقال غداً تباعد دار لبنى ... وتنأى بعد ود واقتراب
فقلت نعيت ويحك من غراب ... أكل الدهر سعيك في تباب
لقد أولعت لا لقيت خيراً ... بتفريق المحب عن الحباب
فدخل زوجها، فرآها على تلك الحال، فقال: ما دعاك إلى ما أرى؟ قالت: دعاني ابن عمي وحبيبي قيس، أمرهن بالوقوع، فلم يقعن، حيث يقول: " من الطويل "
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
فآليت ألا أظفر بغراب إلا قتلته. قال: فغضب وقال: لقد هممت بتخلية سبيلك! فقالت: لوددت أنك فعلت وأني عمياء، فوالله ما تزوجتك رغبة فيك، ولقد كنت آليت ألا أتزوج بعد قيس أبداً، ولكن غلبني أبي على أمري.
أنشد إبراهيم بن أحمد بن أحمد الشيباني لقيس بن ذريح: " من الطويل "
وددت من الشوق الذي بي أنني ... أعار جناحي طائر فأطير
فما في نعيم بعد فقدك لذة ... ولا في سرور لست فيه سرور
وإن امرأ في بلدة نصف نفسه ... ونصف بأخرى إنه لصبور
تفرقت جثماني أسير ببلدة ... وقلبي بأخرى غير تلك أسير
ألا يا غراب البين ويحك نبني ... بعلمك في لبنى وأنت خبير
فإن أنت لم تخبر بشيء علمته ... فلا طرت إلا والجناح كسير
ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور
وله: " من الطويل "
تكذبني بالود لبنى وليتها ... تحمل مني مثله وتذوق
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني ... ورب الهدايا المشعرات صديق
تتوق إليك النفس ثم أردها ... حياء مثلي بالحياء حقيق
ولم أر أياماً كأيامنا التي ... مررن علينا والزمان أنيق
وإني وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من أحداث الردى لشفيق
وحدثني يا قلب أنك صابر ... على الصد من لبنى فسوف تذوق
فمت كمداً، أو عش سقيما فإنما ... تكلفني ما لا أراك تطيق
أريد سلواً عنكم فيردني ... عليك من النفس الشعاع فريق
وقد شهدت نفسي بأنك غادة ... رداح وأن الوجه منك عتيق
وأنك قسمت الفؤاد فنصفه ... رهين ونصف في الحبال وثيق
وأكتم أسرار الهوى وأميتها ... إذا باح مزاح بهن بروق
صبوحي إذا ما ذرت الشمس ذكركم ... ولي ذكركم عند المساء غبوق
أطعت وشاة لم يكن لي فيهم ... خليل ولا حان علي شفيق
فإن تسألاني عن لبينى فإنني ... بها مغرم صب الفؤاد مشوق
سعى الدهر والواشون بيني وبينها ... فقطع حبل الوصل وهو وثيق
وله: " من الطويل "
تعلق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح نامياً ... فليس وإن متنا بمنفصم العهد
ولكنه باق على كل حادث ... وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
ابن حذافة بن طريف بن عتوارة بن عامر ابن ليث بن بكر بن عبد مناة وهو علي ابن كنانة - يقال: قيس بن ذريح بن الحباب بن سنة - لأبو يزيد الليثي
شاعر معروف. قيل: أنه كان أخا الحسين بن علي من الرضاعة، وكان يسكن بادية الحجاز، وهو الذي كان يشبب بأم عمر لبنى بنت الحباب الكعبية، ثم أنه تزوجها، وأقامت معه مدة، فأمره أبواه بطلاقها، فطلقها كارهاً، وتزوجت بعده، ثم زاد تهيامه بها حتى كاد عقله أن يذهب، وكثر ذكره لها في شعره، وتتبعه لهذا حتى شكاه أبوها إلى معاوية، فأهدر دمه. ثم ارتحل إلى معاوية، فدخل إلى يزيد وشكا ما به إليه، وامتدحه، فرق له، وقال: سل ما شئت، إن شئت أن أكتب إلى زوجها فأحتم عليه أن يطلقها، فعلت، فقال: لا أريد ذلك، ولكن أحب أن أقيم بحيث تقيم من البلاد، أعرف أخبارها، وأقنع بذلك من غير أن يهدر دمي. قال: لو سألت هذا من غير أن ترحل
إلينا فيه لما وجب أن تمنعه، فأقم حيث شئت. واخذ كتاب أبيه بأن يقيم حيث لا يعترض عليه أحد، وأزال ما كان كتب به في إهدار دمه، فقدم إلى بلده.
قال أبو نصر الحافظ: ذريح - بفتح الذال المعجمة وكسر الراء -: قيس بن ذريح الكناني، أخو بني ليث أبو بكر بن كنانة. شاعر مشهور العشق.
قال عيسى بن أبي جهمة الليثي: كان قيس بن ذريح رجل منا، وكان ظريفاً شاعراً، وكان يكون في مكة وذويها من قديد وسرف وحول مكة في بواديها كلها.
قال: وكان خطب لبنى، وهي امرأة من خزامى، ثم من بني كعب بن عمرو، وكان مسكنها قريباً من مسكنه، فتزوجها، وأعجب بها، وبلغت عنده الغاية القصوى من الكرامة، ثم وقع الشر بين أم قيس، وبين لبنى، وأبغضتها أمه لما ترى من كلفه بها، فناشدته في طلاقها، فأبى، فكلمت أباه أن يكلمه في طلاقها، ففعل، فأبى على أبيه، فقالت أمه لأبيه: لا جمعني وإياك سقف أبداً أو يطلق قيس لبنى، فحلف ذريح - وكان قيس به براً - ألا يكلمه أبداً، ولا يشهد له محياً ولا مماتاً، أو يطلقها. فخرج في يوم حار، فقال: لا أستظل أو تطلق لبنى، فطلقها. فقال: أما إنه آخر عهدك بي.
ولما طلقها اشتد عليه، وجهد، وضمن، فلما طلقها أتاها رجالها يتحملونها، فسأل متى هم خارجون؟ فقالوا غداً، فقال: " من الطويل "
وإني لمف دمع عيني بالبكا ... حذار الذي لما يكن وهو كائن
وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن
فما كنت أخشى أن تكون منيتي ... بكفي إلا أن ما حان حائن
وندم على طلاقها ندماً شديداً، وجعل يأتي منزلها، ويبكي فيه، فلامه أبوه وأهل بيته، فقال: " من الوافر "
أمس تراب أرضك يا لبنى ... ولولا أنت لم أمس ترابا
وقال في ذلك أيضاً في إتيان منزلها: " من الكامل "
كيف السلو ولا أزال أرى لها ... ربعاً كحاشية اليماني المخلق
ربعأ لواضحة الجبين غريرة ... كالشمس إذا طلعت رخيم المنطق
قد كنت أعهدها به في غرة ... والعيش صاف والعدى لم تنطق
حتى إذا نطقوا وآذن فيهم ... داعي الشتات برحلة وتفرق
خلت الديار فزرتها فكأنني ... ذو جنة من سمها لم يعرق
ومن أتم ما قاله في لبنى وأشهره
وصاح غراب البين وانشقت العصا ... ببين كما شق الأديم الصوانع
فلما بدا منها الفراق كما بدا ... بظهر الصفا الصلد الشقوق الصوادع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها ... ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
فما من حبيب دائم لحبيبه ... ولا صاحب إلا به الدهر فاجع
فقد كنت أبكي والنوى مطمئنة ... بنا وبكم من علم ما البين صانع
وأهجركم هجر البغيض وحبكم ... على كبدي منه شؤون صوادع
وأعجل بالإشفاق حتى يشفني ... مخافة شعب الدار والشمل جامع
قال أيوب بن عباية:
خرج قيس بن ذريح إلى المدينة يبيع ناقة له، فاشتراها زوج لبنى، وهو لا يعرفه، فقال له: انطلق معي أعطك الثمن، فمضى معه، فلما فتح الباب فإذا لبنى قد استقبلت قيساً، فلما رآها ولى هارباً، وخرج الرجل في أثره بالثمن ليدفعه إليه، فقال له قيس: لا تركب لي والله مطيتي أبداً، قال: وأنت قيس بن ذريح؟ قال: نعم، قال: هذه لبنى قد رأيتها، تقف حتى أخيرها، فإن اختارتك طلقتها - وظن القرشي أن له في قلبها موضعاً، وأنها لا تفعل - فقال له قيس: أفعل. فدخل القرشي عليها، فخيرها، فاختارت قيساً، فطلقها، وأقام قيس ينتظر انقضاء العدة - وفي رواية: عدتها - ليتزوجها، وماتت في العدة.
وفي خبر آخر أن ابن أبي عتيق رأى قيساً، فسأله عن حاله، فقص عليه قصته، قال: انطلق إلى المنزل، فانطلق معه، فأقام ليلته عنده يحدثه بأمره وعشقه، وينشده، فلما أصبح ابن أبي عتيق ركب، فأتى عبد الله بن جعفر، فقال: جعلني الله فداك، اركب معي في حاجة لي، فركب، واستنهض معه ثلاثة، أو أربعة من قريش، فمضى بهم، لا يدرون ما يريد حتى أتى باب زوج لبنى، فاستأذن عليه، فخرج، فإذا وجوه قريش، فقال: جعلني الله فداكم، ما جاء بكم؟ قالوا: حاجة لابن أبي عتيق، استعان بنا عليك فيها، فقال: اشهدوا أن حكمه جائز، فقالوا لابن أبي عتيق: أخبره بحاجتك؟ فقال: اشهدوا أن امرأته لبنى طالق ثلاثاً، فأخذ عبد الله بن جعفر برأسه، ثم قال: لهذا جئت بنا؟ قبحك الله، وقبح رأيك! فقال: جعلت فداكم، يطلق هذا امرأته ويتزوج أخرى خير من أن يموت مسلم. فقال عبد الله بن جعفر: أما إذ فعل ما أفعل
فاشهدوا أن له عندي عشرة آلاف درهم، فقال ابن أبي عتيق: والله ى أبرح حتى ينقل متاعها، ففعلت، وأقامت في أهلها حتى انقضت عدتها، فأتى قيس أباها، فسأله أن ينكحه إياها، فأبى عليه، فمشى إليه قوم من أهلها، وسألوه، وقالوا: قد علمت ما لكل واحد منهما ففي قلب صاحبه، فزوجه إياها، فمكثا عمراً من دهرهما بأنعم عيش.
قال أحمد بن هود: أمرت لبنى لها، فاشترى لها أربع غربان، فلما رأتهن بكت، وصرخت، وكتفتهن، وجعلت تضربهن بالسوط حتى متن جميعاً، وجعلت تقول بأعلى صوتها: " من الوافر "
لقد نادى الغراب ببين لبنى ... فطار القلب من حذر الغراب
فقال غداً تباعد دار لبنى ... وتنأى بعد ود واقتراب
فقلت نعيت ويحك من غراب ... أكل الدهر سعيك في تباب
لقد أولعت لا لقيت خيراً ... بتفريق المحب عن الحباب
فدخل زوجها، فرآها على تلك الحال، فقال: ما دعاك إلى ما أرى؟ قالت: دعاني ابن عمي وحبيبي قيس، أمرهن بالوقوع، فلم يقعن، حيث يقول: " من الطويل "
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
فآليت ألا أظفر بغراب إلا قتلته. قال: فغضب وقال: لقد هممت بتخلية سبيلك! فقالت: لوددت أنك فعلت وأني عمياء، فوالله ما تزوجتك رغبة فيك، ولقد كنت آليت ألا أتزوج بعد قيس أبداً، ولكن غلبني أبي على أمري.
أنشد إبراهيم بن أحمد بن أحمد الشيباني لقيس بن ذريح: " من الطويل "
وددت من الشوق الذي بي أنني ... أعار جناحي طائر فأطير
فما في نعيم بعد فقدك لذة ... ولا في سرور لست فيه سرور
وإن امرأ في بلدة نصف نفسه ... ونصف بأخرى إنه لصبور
تفرقت جثماني أسير ببلدة ... وقلبي بأخرى غير تلك أسير
ألا يا غراب البين ويحك نبني ... بعلمك في لبنى وأنت خبير
فإن أنت لم تخبر بشيء علمته ... فلا طرت إلا والجناح كسير
ودرت بأعداء حبيبك فيهم ... كما قد تراني بالحبيب أدور
وله: " من الطويل "
تكذبني بالود لبنى وليتها ... تحمل مني مثله وتذوق
ولو تعلمين الغيب أيقنت أنني ... ورب الهدايا المشعرات صديق
تتوق إليك النفس ثم أردها ... حياء مثلي بالحياء حقيق
ولم أر أياماً كأيامنا التي ... مررن علينا والزمان أنيق
وإني وإن حاولت صرمي وهجرتي ... عليك من أحداث الردى لشفيق
وحدثني يا قلب أنك صابر ... على الصد من لبنى فسوف تذوق
فمت كمداً، أو عش سقيما فإنما ... تكلفني ما لا أراك تطيق
أريد سلواً عنكم فيردني ... عليك من النفس الشعاع فريق
وقد شهدت نفسي بأنك غادة ... رداح وأن الوجه منك عتيق
وأنك قسمت الفؤاد فنصفه ... رهين ونصف في الحبال وثيق
وأكتم أسرار الهوى وأميتها ... إذا باح مزاح بهن بروق
صبوحي إذا ما ذرت الشمس ذكركم ... ولي ذكركم عند المساء غبوق
أطعت وشاة لم يكن لي فيهم ... خليل ولا حان علي شفيق
فإن تسألاني عن لبينى فإنني ... بها مغرم صب الفؤاد مشوق
سعى الدهر والواشون بيني وبينها ... فقطع حبل الوصل وهو وثيق
وله: " من الطويل "
تعلق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنا نطافاً وفي المهد
فزاد كما زدنا فأصبح نامياً ... فليس وإن متنا بمنفصم العهد
ولكنه باق على كل حادث ... وزائرنا في ظلمة القبر واللحد