قتادة بن النعمان بن زيد
ابن عامر بن سواد بن ظفر واسمه كعب بن الخزرج بن عمر وهو النبيت بن مالك بن الأوس أبو عبد الله - ويقال: أبو عمر، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو عمر الأنصاري الظفري شهد بدراً مع الرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم البلقاء من أعمال دمشق غازياً مع أسامة بن زيد حين وجهه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته، وخرج مع عمر بن الخطاب إلى الشام في خرجته التي رجع فيها من سرغ، وكان على مقدمته.
عن ابن خباب:
أن أبا سعيد الخدري قدم من سفر، فقدم إليه أهله لحماً من لحوم الأضاحي، فقال: ما أنا بآكله. فانطلق إلى أخيه لأمه، وكان بدرياً، قتادة بن النعمان، فسأله
عن ذلك، فقال: إنه قد حدث بعدك أمر نقضاً لما كانوا نهوا عنه من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام.
عن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق؛ بشير وبشير، رجلاً منافقاً، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينحله بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا؛ فإذا سمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث، فقال: " من الكامل "
أو كلما قال الرجال قصيدة ... أضموا وقالوا ابن الأبيرق قالها
وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والإسلام. وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير. وكان الرجل إذا كان له يسار، فقدمت ضافطة ابتاع الرجل منها، فخص به نفسه، فأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير.
فقدمت ضافطة من الشام، فابتاع عمي حملاً من الدرمك، فجعله في مشربه له، وفي المشربة سلاح له: درعان، وسيفاه، وما يصلحهما، فعدي عليه من تحت الليل، فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتى عمي رفاعة، فقال يا بن أخ تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا، فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار، وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني الأبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نراه إلا على بعض طعامكم. قال: وقد كان بنو الأبيرق قالوا: ونحن نسأل
في الدار والله، ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل - رجل منا له صلاح وإسلام - فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه! وقال: أنا أسرق! والله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فوالله ما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها. فقال لي عمي: يا بن أخي، لو أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له. قال قتادة فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له، فقلت: يا رسول الله، أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا به. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سأنظر في ذلك. فلما سمع ذلك بنو ابيرق أتوا رجلاً منهم يقال له: أسير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا بيت إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة عن غير بينة، ولا ثبت. قال قتادة فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمته، فقال: " عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة، على غير ثبت، ولا بينة "! قال فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي، ولم أكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فأتاني عمي رفاعة، فقال: يا بن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته ما قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن ننزل القرآن: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما " بني أبيرق " واستغفر الله " أي مما قلت لقتادة " إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " أي بني أبيرق " إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً. ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً. ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً "؛ أي لو أنهم استغفروا الله غفر لهم " ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليماً حكيماً. ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً
وإثماً مبيناً "، قولهم للبيد " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك "، يعني أسيراً وأصحابه " وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً. لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاه مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ".
فلما نزل القرآن أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسلاح فرده إلى رفاعة. قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح - وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح - قال: يا بن أخي، هو في سبيل الله، قال: فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً. فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد، فأنزل الله - عز وجل - فيه: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً. إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ". فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمته في الأبطح، ثم قالت: أهديت إلي شعر حسان، ما كنت تأتيني بخير.
قال خليفة:
أم قتادة بن النعمان أنيسة بنت أبي حارثة - ويقال: أنيسة بنت قيس بن مالك من بني النجار، وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه.
وقال محمد بن سعد: أمه انيسة بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عمرو بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار من الخوارج. وقد شهد قتادة بن النعمان العقبة مع السبعين من الأنصار.
وكان قتادة من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد بدراً واحداً، وشهد أيضاً الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت معه راية بني ظفر في غزوة الفتح.
عن قتادة بن النعمان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء ".
عن قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنه، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: لا فدعا به، فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت.
وروي أن ذلك كان يوم أحد: قال قتادة: أهدي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوس، فدفعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلي يوم أحد، فرميت بها بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اندقت عن سيتها ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألقى السهام بوجهي كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميلت رأسي لأقي وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا رمي أرميه، فكان آخرها سهماً ندرت منه حدقتي على خدي، وافترق الجمع، فأخذت حدقتي بكفي، فسعيت بها في كفي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كفي دمعت عيناه، فقال: " اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه، وأحدهما نظراً ".
وفي رواية: فقلت: أي رسول الله، إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني، وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني، فأذها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فردها، فأبصرت، وعادت كما كانت، ولم تضرب عليه ساعة من ليل، ولا نهار. فكان يقول بعد أن أسن: هي أقوى عيني. وكانت أحسنهما.
عن قتادة بن النعمان قال: خرجت ليلة من الليالي مظلمة، فقلت: لو أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت معه الصلاة، وآسيته بنفسي. ففعلت، فلما دخلت المسجد برقت السماء، فرآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا قتادة، ما هاج عليك؟ " فقلت: أردت - بأبي وأمي أنت - أن أؤنسك، قال: " خذ هذا العرجون، فتخصر به؛ فإنك إذا خرجت أضاء لك عشراً أمامك، وعشراً خلفك ". ثم قال: " إذا دخلت بيتك فضرب به مثل الحجر الأخشن في أستار البيت، فإن ذلك الشيطان ". قال: فخرجت، فأضاء لي، ثم ضربت مثل الحجر الأخشن حتى خرج من بيتي.
عن أبي سلمة قال:
كان أبو هريرة يحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو في صلاة يسأل الله خيراً إلا أتاه "، قال: وتقللها أبو هريرة بيده، قال: فلما توفي أبو هريرة قلت: والله لو جئت أبا سعيد، فسألته عن هذه الساعة، أن يكن عنده منها علم، فأتيته فأجده يقوم عراجين، فقلت: يا أبا سعيد ما هذه العراجين التي أراك تقوم؟ قال: هذه عراجين جعل الله لنا فيها بركة؛ كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبها، ويتخصر بها، فكنا نقومها ونأتيه بها. فرأى بصاقاً في قبلة المسجد، وفي يده عرجون من تلك العراجين؟، فحكه وقال: " إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصق أمامه؛ فإن ربه أمامه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه، فإن لم يجد مبصقاً ففي ثوبه أو نعله ". قال: ثم هاجت السماء من تلك الليلة، فلما خرج النبي لصلاة العشاء الآخرة برقت برقة، فرأى قتادة بن النعمان، فقال: " ما السرى يا قتادة "؟ قال: علمت يا رسول الله أن شاهد الصلاة قليل، فأحببت أن أشهدها، قال: " فإذا صليت فاثبت حتى أمر بك ". فلما انصرف أعطاه العرجون وقال: " خذ
هذا، فسيضيء لك أمامك عشراً، وخلفك عشراً، فإذا دخلت البيت، ورأيت سواداً في زاوية البيت فاضربه قبل أن تتكلم، فإنه الشيطان ". قال: ففعل، فنحن نحب هذه العراجين لذلك. قال: قلت: يا أبا سعيد، إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة فهل عندك منها علم؟ فقال: سألنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها، فقال: " إني قد كنت أعلمتها، ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر ". قال: ثم خرجت من عنده، فدخلت على عبد الله بن سلام.
عن عمر بن قتادة بن النعمان قال: لما احمر الرطب انطلق قتادة، فصنع لحائطه مفتاحاً - وكان له قبل ذلك مفتاح - فجاء به إلى أخيه المهاجري، فقال له: إن الرطب مفتاح، وهذا المفتاح لك، ومعي مفتاح. قال: وكان قتادة إذا خرج اتبعته بنية له، فإذا فتح الباب لاذت منه حتى تدخل، فتجمع، فإذا رآها نهاها نهياً كأنها ليست منه، ثم انطلق إلى المهاجري، فقال له: إن بنية لي ربما دخلت، فجمعت، أتحلل لنا ذلك؟ قال المهاجري: نعم.
قال ابن عياش في تسمية العميان من الأشراف: قتادة بن النعمان.
مات قتادة سنة ثلاث وعشرين بالمدينة، وهو يمومئذ ابن خمس وستين سنة، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ونزل في قبره أخوه لأمه أبو سعيد الخدري.
ابن عامر بن سواد بن ظفر واسمه كعب بن الخزرج بن عمر وهو النبيت بن مالك بن الأوس أبو عبد الله - ويقال: أبو عمر، ويقال: أبو عثمان، ويقال: أبو عمر الأنصاري الظفري شهد بدراً مع الرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم البلقاء من أعمال دمشق غازياً مع أسامة بن زيد حين وجهه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل موته، وخرج مع عمر بن الخطاب إلى الشام في خرجته التي رجع فيها من سرغ، وكان على مقدمته.
عن ابن خباب:
أن أبا سعيد الخدري قدم من سفر، فقدم إليه أهله لحماً من لحوم الأضاحي، فقال: ما أنا بآكله. فانطلق إلى أخيه لأمه، وكان بدرياً، قتادة بن النعمان، فسأله
عن ذلك، فقال: إنه قد حدث بعدك أمر نقضاً لما كانوا نهوا عنه من أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام.
عن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق؛ بشير وبشير، رجلاً منافقاً، وكان يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وينحله بعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا؛ فإذا سمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا الخبيث، فقال: " من الكامل "
أو كلما قال الرجال قصيدة ... أضموا وقالوا ابن الأبيرق قالها
وكانوا أهل بيت فاقة وحاجة في الجاهلية والإسلام. وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير. وكان الرجل إذا كان له يسار، فقدمت ضافطة ابتاع الرجل منها، فخص به نفسه، فأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير.
فقدمت ضافطة من الشام، فابتاع عمي حملاً من الدرمك، فجعله في مشربه له، وفي المشربة سلاح له: درعان، وسيفاه، وما يصلحهما، فعدي عليه من تحت الليل، فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبح أتى عمي رفاعة، فقال يا بن أخ تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا، فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار، وسألنا، فقيل لنا: قد رأينا بني الأبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نراه إلا على بعض طعامكم. قال: وقد كان بنو الأبيرق قالوا: ونحن نسأل
في الدار والله، ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل - رجل منا له صلاح وإسلام - فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه! وقال: أنا أسرق! والله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك عنا أيها الرجل، فوالله ما أنت بصاحبها. فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها. فقال لي عمي: يا بن أخي، لو أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له. قال قتادة فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكرت ذلك له، فقلت: يا رسول الله، أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا سلاحنا، وأما الطعام فلا حاجة لنا به. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " سأنظر في ذلك. فلما سمع ذلك بنو ابيرق أتوا رجلاً منهم يقال له: أسير بن عروة، فكلموه في ذلك، واجتمع إليه ناس من أهل الدار، فأتوا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالوا: يا رسول الله، إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا بيت إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة عن غير بينة، ولا ثبت. قال قتادة فأتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمته، فقال: " عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة، على غير ثبت، ولا بينة "! قال فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي، ولم أكلم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك، فأتاني عمي رفاعة، فقال: يا بن أخي، ما صنعت؟ فأخبرته ما قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: الله المستعان. فلم نلبث أن ننزل القرآن: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيما " بني أبيرق " واستغفر الله " أي مما قلت لقتادة " إن الله كان غفوراً رحيماً. ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم " أي بني أبيرق " إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً. يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطاً. ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلاً. ومن يعمل سوء أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً "؛ أي لو أنهم استغفروا الله غفر لهم " ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليماً حكيماً. ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً
وإثماً مبيناً "، قولهم للبيد " ولولا فضل الله عليكم ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك "، يعني أسيراً وأصحابه " وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً. لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاه مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ".
فلما نزل القرآن أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالسلاح فرده إلى رفاعة. قال قتادة: فلما أتيت عمي بالسلاح - وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح - قال: يا بن أخي، هو في سبيل الله، قال: فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً. فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فنزل على سلافة بنت سعد بن شهيد، فأنزل الله - عز وجل - فيه: " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً. إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً ". فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمته في الأبطح، ثم قالت: أهديت إلي شعر حسان، ما كنت تأتيني بخير.
قال خليفة:
أم قتادة بن النعمان أنيسة بنت أبي حارثة - ويقال: أنيسة بنت قيس بن مالك من بني النجار، وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه.
وقال محمد بن سعد: أمه انيسة بنت قيس بن عمرو بن عبيد بن مالك بن عمرو بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار من الخوارج. وقد شهد قتادة بن النعمان العقبة مع السبعين من الأنصار.
وكان قتادة من الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهد بدراً واحداً، وشهد أيضاً الخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانت معه راية بني ظفر في غزوة الفتح.
عن قتادة بن النعمان، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أحب الله عبداً حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء ".
عن قتادة بن النعمان: أنه أصيبت عينه يوم بدر، فسالت حدقته على وجنه، فأرادوا أن يقطعوها، فسألوا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: لا فدعا به، فغمز حدقته براحته، فكان لا يدري أي عينيه أصيبت.
وروي أن ذلك كان يوم أحد: قال قتادة: أهدي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوس، فدفعها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلي يوم أحد، فرميت بها بين يدي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اندقت عن سيتها ولم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ألقى السهام بوجهي كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميلت رأسي لأقي وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلا رمي أرميه، فكان آخرها سهماً ندرت منه حدقتي على خدي، وافترق الجمع، فأخذت حدقتي بكفي، فسعيت بها في كفي إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كفي دمعت عيناه، فقال: " اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك بوجهه فاجعلها أحسن عينيه، وأحدهما نظراً ".
وفي رواية: فقلت: أي رسول الله، إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها وتحبني، وأنا أخشى أن تقذر مكان عيني، فأذها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فردها، فأبصرت، وعادت كما كانت، ولم تضرب عليه ساعة من ليل، ولا نهار. فكان يقول بعد أن أسن: هي أقوى عيني. وكانت أحسنهما.
عن قتادة بن النعمان قال: خرجت ليلة من الليالي مظلمة، فقلت: لو أتيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشهدت معه الصلاة، وآسيته بنفسي. ففعلت، فلما دخلت المسجد برقت السماء، فرآني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " يا قتادة، ما هاج عليك؟ " فقلت: أردت - بأبي وأمي أنت - أن أؤنسك، قال: " خذ هذا العرجون، فتخصر به؛ فإنك إذا خرجت أضاء لك عشراً أمامك، وعشراً خلفك ". ثم قال: " إذا دخلت بيتك فضرب به مثل الحجر الأخشن في أستار البيت، فإن ذلك الشيطان ". قال: فخرجت، فأضاء لي، ثم ضربت مثل الحجر الأخشن حتى خرج من بيتي.
عن أبي سلمة قال:
كان أبو هريرة يحدثنا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها مسلم وهو في صلاة يسأل الله خيراً إلا أتاه "، قال: وتقللها أبو هريرة بيده، قال: فلما توفي أبو هريرة قلت: والله لو جئت أبا سعيد، فسألته عن هذه الساعة، أن يكن عنده منها علم، فأتيته فأجده يقوم عراجين، فقلت: يا أبا سعيد ما هذه العراجين التي أراك تقوم؟ قال: هذه عراجين جعل الله لنا فيها بركة؛ كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحبها، ويتخصر بها، فكنا نقومها ونأتيه بها. فرأى بصاقاً في قبلة المسجد، وفي يده عرجون من تلك العراجين؟، فحكه وقال: " إذا كان أحدكم في صلاته فلا يبصق أمامه؛ فإن ربه أمامه، وليبصق عن يساره، أو تحت قدمه، فإن لم يجد مبصقاً ففي ثوبه أو نعله ". قال: ثم هاجت السماء من تلك الليلة، فلما خرج النبي لصلاة العشاء الآخرة برقت برقة، فرأى قتادة بن النعمان، فقال: " ما السرى يا قتادة "؟ قال: علمت يا رسول الله أن شاهد الصلاة قليل، فأحببت أن أشهدها، قال: " فإذا صليت فاثبت حتى أمر بك ". فلما انصرف أعطاه العرجون وقال: " خذ
هذا، فسيضيء لك أمامك عشراً، وخلفك عشراً، فإذا دخلت البيت، ورأيت سواداً في زاوية البيت فاضربه قبل أن تتكلم، فإنه الشيطان ". قال: ففعل، فنحن نحب هذه العراجين لذلك. قال: قلت: يا أبا سعيد، إن أبا هريرة حدثنا عن الساعة التي في الجمعة فهل عندك منها علم؟ فقال: سألنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنها، فقال: " إني قد كنت أعلمتها، ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر ". قال: ثم خرجت من عنده، فدخلت على عبد الله بن سلام.
عن عمر بن قتادة بن النعمان قال: لما احمر الرطب انطلق قتادة، فصنع لحائطه مفتاحاً - وكان له قبل ذلك مفتاح - فجاء به إلى أخيه المهاجري، فقال له: إن الرطب مفتاح، وهذا المفتاح لك، ومعي مفتاح. قال: وكان قتادة إذا خرج اتبعته بنية له، فإذا فتح الباب لاذت منه حتى تدخل، فتجمع، فإذا رآها نهاها نهياً كأنها ليست منه، ثم انطلق إلى المهاجري، فقال له: إن بنية لي ربما دخلت، فجمعت، أتحلل لنا ذلك؟ قال المهاجري: نعم.
قال ابن عياش في تسمية العميان من الأشراف: قتادة بن النعمان.
مات قتادة سنة ثلاث وعشرين بالمدينة، وهو يمومئذ ابن خمس وستين سنة، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ونزل في قبره أخوه لأمه أبو سعيد الخدري.