عتبَة مولى بْن عَبَّاس يروي عَنْ شُرَيْح روى عَنْهُ مطرف بْن طريف
Ibn Ḥibbān (d. 965 CE) - al-Thiqāt - ابن حبان - الثقات
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
I pay $140/month to host my websites. If you wish to help, please use the following button (secure payments with Stripe).
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 16018 9909. عتبة بن محمد بن الحارث بن نوفل4 9910. عتبة بن مسعود6 9911. عتبة بن مسلم11 9912. عتبة بن يزيد السلمي1 9913. عتبة بن يقظان5 9914. عتبة مولى بن عباس19915. عتبة مولى معاوية1 9916. عتريس بن عرقوب الشيباني2 9917. عتي بن ضمرة السعدي3 9918. عتيق1 9919. عتيق بن محمد ابو بكر1 9920. عتيق بن يعقوب بن صديق بن موسى3 9921. عتيك بن الحارث بن عتيك بن قيس4 9922. عثام بن علي العامري الكلابي1 9923. عثامة بن قيس البجلي3 9924. عثمان الشحام العدوي1 9925. عثمان الطويل2 9926. عثمان بن ابراهيم بن محمد بن حاطب3 9927. عثمان بن ابي الصهباء القرشي1 9928. عثمان بن ابي العاتكة القاص1 9929. عثمان بن ابي العاص الثقفي5 9930. عثمان بن ابي الكنات2 9931. عثمان بن ابي الوليد2 9932. عثمان بن ابي حازم البجلي1 9933. عثمان بن ابي دهرش2 9934. عثمان بن ابي زرعة3 9935. عثمان بن ابي سلمة1 9936. عثمان بن ابي سليمان بن جبير2 9937. عثمان بن ابي سودة2 9938. عثمان بن ابي صفية الانصاري1 9939. عثمان بن ابي عثمان2 9940. عثمان بن ابي هند العبسي2 9941. عثمان بن اجيل2 9942. عثمان بن اسحاق1 9943. عثمان بن اسحاق بن خرشة1 9944. عثمان بن الارقم بن ابي الارقم3 9945. عثمان بن الاسود بن موسى بن باذان1 9946. عثمان بن البهي بن ابي رافع1 9947. عثمان بن الجراد3 9948. عثمان بن الحارث الهمداني3 9949. عثمان بن الحكم الجذامي2 9950. عثمان بن السائب3 9951. عثمان بن الضحاك5 9952. عثمان بن الضحاك بن عثمان القرشي الحزامي...1 9953. عثمان بن العلاء5 9954. عثمان بن القاسم الباهلي3 9955. عثمان بن المغيرة الثقفي5 9956. عثمان بن المنذر3 9957. عثمان بن النجاشي3 9958. عثمان بن النعمان بن عجلان الزرقي الانصاري...1 9959. عثمان بن الهيثم بن الجهم المؤذن1 9960. عثمان بن اليمان بن هارون1 9961. عثمان بن جابر3 9962. عثمان بن جبلة بن ابي رواد8 9963. عثمان بن جبير2 9964. عثمان بن جحاش2 9965. عثمان بن جهم الهجري1 9966. عثمان بن حاضر الحميري ابو حاضر2 9967. عثمان بن حسان العامري3 9968. عثمان بن حصين بن عبيدة بن علاق1 9969. عثمان بن حفص التومني1 9970. عثمان بن حفص بن خلدة الزرقي3 9971. عثمان بن حكيم بن عباد بن حنيف2 9972. عثمان بن حنيف بن واهب بن عكيم2 9973. عثمان بن حيان الدمشقي5 9974. عثمان بن خالد الشامي3 9975. عثمان بن خالد القرشي2 9976. عثمان بن خالد بن الزبير3 9977. عثمان بن خرزاذ الانطاكي ابو جعفر1 9978. عثمان بن دينار2 9979. عثمان بن راشد السلمي3 9980. عثمان بن ربيعة بن ابي عبد الرحمن التيمي...1 9981. عثمان بن ربيعة بن الهدير التيمي القرشي...2 9982. عثمان بن رشيد الثقفي2 9983. عثمان بن زائدة1 9984. عثمان بن زائدة الرازي3 9985. عثمان بن زفر بن مزاحم بن زفر1 9986. عثمان بن زيد الشامي1 9987. عثمان بن سعيد ابو وهب1 9988. عثمان بن سعيد الدارمي ابو سعيد السجستاني...1 9989. عثمان بن سعيد المري جار ابي غسان1 9990. عثمان بن سعيد المعروف ب ورش1 9991. عثمان بن سعيد الواسطي1 9992. عثمان بن سعيد بن ابان القرشي1 9993. عثمان بن سعيد بن احمر الانصاري1 9994. عثمان بن سعيد بن حماد بن زهدم1 9995. عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار1 9996. عثمان بن سليمان الحارثي3 9997. عثمان بن سليمان الليثي ابو عمرو1 9998. عثمان بن سليمان بن ابي حثمة القرشي1 9999. عثمان بن سليمان بن جرموز1 10000. عثمان بن سليمان بن صبيح4 10001. عثمان بن سوادة العبسي1 10002. عثمان بن شبرمة4 10003. عثمان بن شماس مولى عبد الله بن عباس1 10004. عثمان بن صالح البغدادي1 10005. عثمان بن صالح بن سعيد بن يحيى1 10006. عثمان بن صالح بن صفوان السهمي1 10007. عثمان بن صفوان المكي1 10008. عثمان بن صهيب3 ◀ Prev. 100▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Ibn Ḥibbān (d. 965 CE) - al-Thiqāt - ابن حبان - الثقات are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو مشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=152219&book=5528#8143f2
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس
ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أبو الوليد القرشي العبشمي.
قدم على قيصر في جماعة من قريش لاستخلاص أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وكان شاعراً.
وولد ربيعة بن عبد شمس عتبة وشيبة، قتلا يوم بدر كافرين دعوا إلى البراز، ومعهم الوليد بن عتبة، فخرجوا ثلاثتهم بين الصفين، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فقتلوهم، وضرب شيبة رجل عبيدة بن الحارث فقطعها، فمات راجعاً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء على ليلة من بدر.
وعن مجاهد: في قوله عز وجل: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ". قالوا: هو عتبة بن ربيعة، وكان ريحانة قريش يومئذ.
قال حكيم بن حزام: لما توافت كنانة وقيس من العام المقبل بعكاظ بعد العام الأول الذي كانوا التقوا فيه، ورأس الناس حرب بن أمية، خرج معه عتبة بن ربيعة، وهو يومئذ في حجر حرب فمنعه أن يخرج وقال: يا بني إني أضن بك، فاقتاد راحلته وتقدم في أول الناس، فلم يدر به حرب إلا وهو في العسكر، قال حكيم بن حزام: فنزلنا على عكاظ، ونزلت هوازن بجمع كثير، فلما أصبحنا ركب عتبة جملاً ثم صاح في الناس: يا معشر مضر على ما تفانون بينكم؟! هلم إلى الصلح. قالت هوازن: وماذا تعرض؟ قال: أعرض على أن أعطي دية من أصيب منكم ونعفو عمن أصيب منا. قالوا: وكيف لنا بذلك؟ قال: أنا، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقالوا: قد فعلنا. فاصطلح الناس ورضوا بما قال عتبة، وأعطوهم أربعين رجلاً من فتيان قريش. قال حكيم: كنت في الرهن، فلما رأت بنو عامر أن الرهن قد صار في أيديهم رغبوا في العفو فأطلقوهم.
قال ابن أبي الزناد: مر عتبة بن ربيعة على فتية من بني المغيرة أحدث، فقالوا: على ما يسود هذا؟! ما لهذا مال ولا كذا يعيبونه وهو يسمع، ثم انصرف ولم يراجعهم الكلام، فبلغ هشام بن المغيرة فأرسل بأولئك الفتية إليه، فقال: هؤلاء الفتية بلغني أنهم قالوا كذا وكذا، لا والله ما قصروا إلا بي، فخذ من أبشارهم ما رأيت. فقال عتبة: وصلته رحم ما كنت لأفعل،
وما هم إلا ولد، ولكن يحسنون ويحملون ويقلبون مني كسوة. فدعا بكسوة فكساهم.
قال أبو الزناد: ما نعلم أحداً ساد في الجاهلية بغير مال إلا عتبة بن ربيعة.
قال عبد الرحمن بن عبد الله الزهري: لم يسد مملق من قريش إلا عتبة بن ربيعة وأبو طالب بن عبد المطلب، فإنهما سادا ولا مال لهما.
قال مصعب بن عبد الله: لم يعرف لعتبة بن ربيعة رفث إلا كلمتان قالهما يوم بدر، قال لأبي جهل: يا مصفر استه، وقال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة: أنا أسد الخلفاء.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلاً عالماً بالسحر والكهانة والشعر فكلمه، ثم أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة: لقد سمعت قول السحر والكهانة والشعر، وعلمت من ذلك علماً، وما يخفى علي إن كان كذلك، فأتاه، فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد أنت خير أم هاشم، وأنت خير أم عبد المطلب، أنت خير أم عبد الله؟ قال: فلم يجبه، قال: فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا ما بقيت، وإن كان بك الباه زوجناك عشر نسوة، تختار من أي أبيات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت
وعقبك من بعدك. ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساكت لا يتكلم، فلما فرغ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون " فقرأ حتى بلغ " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه: فأتوه، فقال له أبو جهل: والله يا عتبة ما حسبك إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعقلون " قال: هكذا! قال: فيه " لقوم يعقلون " حتى بلغ " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسكت بفيه وناشدته الرحم يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب.
وفي حديث آخر بمعناه أن عتبة لما انصرف إلى قريش في ناديها، قالوا: والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم. ثم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي، خلوا محمداً وشأنه واعتزلوه، فو الله ليكونن لما سمعت من قوله نبأ: فإن أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم، وإن كان ملكاً أو نبياً كنتم أسعد الناس به، لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم. فقالوا: هيهات، سحرك محمد يا أبا الوليد، فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما شئتم.
قال ابن إسحاق: ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة حتى كثر في الرجال والنساء، وقريش تحبس من
قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من الناس. فقال أبو طالب يمدح عتبة بن ربيعة حين رد على أبي جهل فقال: ما تنكر أن يكون محمد نبياً: من الطويل
عجبت لحكم يابن شيبة حادث ... وأحلام أقوام لديك سخاف
يقولون: شايع من أراد محمداً ... بسوء وقم في أمره بخلاف
ولا تركبن الدهر مني ظلامة ... وأنت امروؤ من خير عبد مناف
ولا تتركنه ما حييت لمطمع ... وكن رجلاً ذا نجدة وعفاف
تذود العدا عن ذروة هاشمية ... إلا فهم في الناس خير إلاف
فإن له قربى لديك قريبة ... وليس بذي خلف ولا بمضاف
ولكنه من هاشم في صميمها ... إلى أبجر فوق البحار صواف
وزاحم جميع الناس عنه وكن له ... ظهيراً على العداء غير مجاف
فإن غضبت فيه قريش فقل لهم ... بني عمنا ما قومكم بضعاف
فما بالكم تغشون من ظلامة ... وما بال أحلام هناك خفاف
وما قومنا بالقوم يغشون ظلمنا ... وما نحن مما ساءهم بخواف
ولكننا أهل الحفائظ والنهى ... وعز ببطحاء الحطيم مواف
قال علي: لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها، وأصابنا بها وعك، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخبر عن بدر، فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر، وبدر بئر، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم، رجلاً من قريش، ومولى لعقبة بن أبي معيط، فأما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ قال: هم والله كثير عددهم، شديد بأسهم. فجعل. المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: كم القوم؟ قال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخبره كم هم فأبى، ثم إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله: كم ينحرون من
الجزر؟ فقال: عشراً كل يوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القوم ألف، كل جزرو لمئة وتبعها. " ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف، نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ربه ويقول: " اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد. " قال: فلما طلع الفجر نادى: الصلاة عباد الله. فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحرض على القتال ثم قال: إن جمع قريش تحت هذه الضلع الحمراء من الجبل، فلما دنا القوم منا وصافناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي، ناد لي حمزة وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر؟ وماذا يقول لهم؟ ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لم يكن في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر. فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال ويقول لهم: يا قوم إني أرى قوماً مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي، وقولوا جبن عتبة بن ربيعة، وقد علمتم أني لست بأجبنكم. قال: فسمع ذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا؟! والله لو غيرك يقول لأعضضته، قد ملأت رئتك جوفك رعباً. فقال عتبة: إياي تعني يا مصفر استه؟ ستعلم اليوم أينا الجبان. قال: فبرز عتبة وأخوه شبيه وابنه الوليد حمية، فقالوا: من يبارز؟ فخرج فتية من الأنصار شببة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني عمنا، من بني عبد المطلب. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قم يا علي، وقم ياحمزة، وقم ياعبيدة بن الحارث. فقتل الله عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، وجرحعبيدة، فقتلنا منهم سبعين، وأسرنا سبعين، فجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس: يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح
من أحسن الناس وجهاً، على فرس أبلق، ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: اسكت فقد أيدك الله بملك كريم. فقال علي: فأسرنا من بني عبد المطلب العباس وعقيل ونوفل بن الحارث.
قال سعيد بن المسيب: كان ابن البرصاء الليثي من جلساء مروان بن الحكم ومحدثيه، فكان يسمر معه، فذكروا عند مروان الفيء، فقالوا: مال الله، وقد سن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسمه، ووضعه عمر بن الخطاب مواضعه. فقال مروان: المال مال أمير المؤمنين معاوية، يقسمه لمن شاء، ويمنعه ممن شاء، ما أمضى فيه من شيء فهو مصيب، فخرج ابن البرصاء فذكر ذلك لسعد بن أبي وقاص. قال سعيد بن المسيب: فلقيني سعد وأنا أريد المسجد، فضرب عضدي ثم قال: الحقني تربت يداك، فخرجت معه لا أدري حتى دخلت على مروان في داره، فلم أهب مثل هيبتي له، وجلست لئلا يعلم مروان أني كنت مع سعد، فقال له سعد لما دخل عليه قبل أن يسلم: أنت الذي تزعم أن المال مال معاوية؟ فقال مروان: فقلت ذلك، فمه؟ فردها الثانية، قال: فقلت ذلك فمه؟ فردها الثالثة، قال: فقلت ذلك فمه؟ قال: فرفع سعد يديه إلى الله عز وجل يدعو، فزال رداؤه عنه، وكان أسعر، بعيد ما بين المنكبين، فوثب إليه مروان فأمسك يديه وقال: اكفف عني يدك أيها الشيخ، إنا حملنا على أمر فركبناه، وليس الأمر كذلك. قال سعد: أما والله لو لم تنزع ما زلت أدعو عليك حتى يستجاب لي أو تنفرد هذه السالفة.
فلما خرج سعد ثبت في مجلسي عند مروان، فقال: من ترون قال لهذا الشيخ ما قلت؟ قالوا: ابن البرصاء الليثي. فأرسل إليه، فأتي به، فقال: ما حملت على أن قلت لهذا الشيخ ما قلت؟ قال الليثي: ذلك حق، قلت: ماكنت أظنك تجترىء على الله عز وجل، وتفرق من سعد! فقال له مروان: أوكل ما سمعت تكلمت به؟ أما والله لتعلمن. ثم أمر أن يجرد من ثيابه، فجرد من ثيابه وبرز بين يديه: فبينما نحن على ذلك إذ دخل حاجبه فقال: هذا أبو خالد حكيم بن حزام، قال: ائذن له. ثم قالوا: ردوا عليه ثيابه، آخرجوه عنا، لا يهيج علينا هذا الشيخ، كما فعل بالآخر قبله، فلما دخل حكيم بن
حزام قال مروان: مرحباً أبا خالد، ادن مني، فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان فقال: حدثنا حديث بدر، فقال: نعم، خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها وهي زهرة، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدراً، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل، فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد! هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا دم ابن الحضرمي، وهو حليفك، فتحمل بديته وترجع بالناس. قال: أنت وذاك، وأنا أتحمل بدية حليفي، فاذهب إلى ابن الحنظلية يعني أبا جهل فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك. فجئته فإذا هو في جماعة بين يديه ومن ورائه، وابن الحضرمي واقف على رأسه، وهو يقول: قد فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمك بمن معك؟ قال: أما وجد رسولاً غيرك؟ قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولاً لغيره. قال حكيم: فخرجت أبادر إلى عتبة لئلا يفوتني من الخبر شيء، وعتبة متكىء على إيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل بالشر في وجهه، فقال: لعتبة: انتفخ سحرك. فقال له عتبة: ستعلم. فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال له: بئس الفأل هذا. فعند ذلك قامت الحرب.
وعن الأوزاعي قال: قال عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدر: ألا ترونهم يعني أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جثوا على الركب، يتلمظون تلمظ الحيات.
وأقبل المشركون حتى نزلوا وتعبوا للقتال، والشيطان معهم لا يفارقهم، فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: هل لك أن تكون سيد قريش ما عاشت؟ قال عتبة: فأفعل ماذا؟ قال: تجير بين الناس، وتحمل بدية ابن الحضرمي، وبما أصاب محمد من تلك العير. ودم هذا الرجل، قال عتبة: نعم، قد فعلت، ونعم ما قلت، ونعم ما دعوت إليه، فاسع في عشيرتك، فأنا أتحمل بهذا. فعسى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم إليه، وركب عتبة بن ربيعة جملاً له، فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه فقال: يا قوم، أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي، وما أصابوا من عيركم تلك، وأنا أتحمل بوفاء ذلك، ودعوا هذا الرجل، فإن كان كاذباً ولي قتلته غيركم من العرب، فإن فيكم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه أو أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيكم إحناً وضغائن، وإن كان هذا الرجل ملكاً كنتم في ملك أخيكم، وإن كان نبياً لم تقتلوا النبي فتسبوا به، ولن تخلصوا أحسب إليهم حتى يصيبوا أعدادهم، ولا آمن أن تكونوا لهم الدبرة عليكم.
فحسده أبو جهل على مقالته، وأبى الله إلا أن ينفذ أمره، وعتبة بن ربيعة يومئذ سيد المشركين، فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي وهو أخو المقتول فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها، أفلا تستحيون من ذلك، أن تقبلوا الدية؟! وقال أبو جهل لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه، وفبهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم، ولما حرض أبو جهل قريشاً على القتال أمر النساء يعولن عمراً، فقمن يصحن: واعمراه واعمراه، تحريضاً على القتال، وقال رجال فتكشفوا، يعيرون بذلك قريشاً، فاجتمعت قريش على القتال، وقال عتبة لأبي جهل: ستعلم اليوم من انتفخ سحره، وستعلم أي الأمرين أرشد. وأخذت قريش مصافها للقتال، وقالوا لعمير بن وهب: اركب فاحزر لنا محمداً وأصحابه. فقعد عمير على متن فرسه، فأطاف برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ثم رجع إلى المشركين، فقال: حزرتهم ثلاث مئة مقاتل، زادوا شيئاً أو نقصوا شيئاً، وحزرت سبعين بعيراً أو نحو ذلك، ولكن أنظروني حتى أنظر لهم مدد أو خبيء؟ فأطاف حولهم، وبعثوا خيلهم معه فأطافوا حول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ثم رجعوا وقالوا: لا مدد لهم ولا خبيء، وإنما هم أكلة جزور
وطعام مأكول. وقالوا لعمير: حرش بين القوم، فحمل عمير على الصف ورجعوا لمنية قريش.
قال حكيم بن حزام: فدخلت على أبي جهل، وهو يتخلق بخلوق درعه موضوعه بين يديه، فقلت: إن عتبة بعثني إليك، فأقبل علي مغضباً، فقال: أما وجد عتبة أحداً يرسله غيرك؟! فقلت: أما والله لو كان غيره أرسلني ما شيت في ذلك، ولكن مشيت في إصلاح بين الناس، وكان أبو الوليد سيد العشيرة، فغضب غضبة أخرى، قال: وتقول أيضاً: سيد العشيرة؟! فقلت: أنا أقوله؟ قريش كلها تقوله. فأمر عامر أن يصيح بخفرته، واكتشف. وقال: إن عتبة جاع فاسقوه سويقاً، وجعل المشركون يقولون: إن عتبة جاع فاسقوه سويقاً، وجعل أبو جهل يسر بما صنع المشركون بعتبة.
قال حكيم: فجئت إلى منبه بن الحجاج، فقلت له مثلما قلت لأبي جهل، فوجدته خيراً من أبي جهل، قال: نعم ما مشيت فيه! وما دعا إليه عتبة! فرجعت إلى عتبة فأجده قد غضب من كلام قريش، فنزل عن جمله، وقد طاف عليهم في عسكرهم يأمرهم بالكف عن القتال فيأبون، فحمي فنزل فلبس درعه، وطلبوا له بيضة تقدر عليه، فلم يوجد في الجيش بيضة تسع رأسه من عظم هامته، فلما رأى ذلك اعتجر، ثم برز بين أخيه شيبة وبين ابنه الوليد بن عتبة، ثم دعا عتبة إلى المبارزة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش، وأصحابه على صفوفهم، فاضطجع فغشيه نوم غلبه، وقال: لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم فارموهم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم. قال أبو بكر: يا رسول الله، قد دنا القوم وقد نالوا منا. فاستيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أراه الله إياهم في منامه قليلاً، وقلل بعضهم في أعين بعض، ففرع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو رافع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: اللهم إن تظهر على هذه العصابة يظهر الشرك، ولا يقم لك دين. وأبو بكر يقول: والله لينصرك الله وليبيضن وجهك. قال ابن رواحة: يا رسول الله إني أشير عليك
ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم وأعلم بالأمر من أن يشار عليه إن الله أجل وأعظم من أن تنشد وعده. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يابن رواحة ألا ننشد الله وعده، إن وعد الله لا يخلف الميعاد.
وأقبل عتبة يعمد إلى القتال، فقال له حكيم بن حزام: أبا الوليد، مهلاً مهلاً، تنهى عن شيء وتكون أوله، فلما تزاحف الناس قال الأسود بن عبد الأسد المخزومي حين دنا من الحوض: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فشد الأسود بن عبد الأسد حتى دنا من الحوض، فاستقبله حمزة بن عبد المطلب فضربه فأطن قدمه، فزحف الأسود حتى وقع في الحوض، فهدمه برجله الصحيحة وشرب منه، وأتبعه حمزة فضربه في الحوض فقتله، والمشركون ينظرون على صفوفهم، وهم يرون أنهم ظاهرون، فدنا الناس بعضهم من بعض، فخرج عتبة وشيبة والوليد حتى فصلوا من الصف، ثم دعوا إلى المبارزة، ولما ضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف فأصاب عضلة ساقه فقطعها، وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، واحتملا عبيدة فحازاه إلى الصف، ومخ ساقه يسيل، فقال عبيدة: يا رسول الله، ألست شهيداً؟ قال: بلى. قال: أما والله لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أحق بما قال منه حين يقول: من الطويل
كذبتم وبيت الله نخلي محمداً ... ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ونزلت هذه الآية " هذان خصمان اختصما في ربهم ".
كان أبو ذر يقسم قسماً أنها في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، قالوا: وحضر عتبة بن ربيعة بدراً، وهو ابن أربعين ومئة سنة، وقيل ابن اثنتين وخمسين ومئة سنة، قالوا: وشيبة أكبر من عتبة بثلاث سنين.
ولما قال عبيدة: يا رسول الله ألست شهيداً؟ قال: بلى وأنا الشاهد عليك. ثم مات. فدفنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء، ونزل في قبره، وما نزل في قبر أحد غيره.
ولما هزم المشركون جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام، ثم أمر بأبي جهل بن هشام فسحب فألقي في القليب، ثم أمر بعتبة ربيعة فحسب فألقي في القليب، ثم أمر بشيبة بن ربيعة فسحب فألقي في القليب، ثم أمر بأمية بن خلف فسحب فألقي في القليب، وأبو حذيفة بن عتبة قائم إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفطن إليه له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر إلى أبيه سحب حتى ألقي في القليب تغير وجهه، فالتفت إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه تغير وجهه قال: يا أبا حذيفة، كأنه ساءك ما صنعنا بعتبة؟ قال: يا رسول الله ما بي ألا أكون مؤمناً بالله ورسوله، ولكن لم يكن في القوم أحد يشبه عتبة في عقله وفي شرفه، فكنت أرجو أن يهديه الله إلى الإسلام، فلما رأيت مصرعه ساءني ذلك. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً، فلما كان في جوف الليل خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعه الناس وهو ينادي في جوف الليل: يا أبا جهل بن هشام، ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، أوجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً. قال: فناداه الناس: يا رسول الله! أتنادي قوماً قد جيفوا؟ قال: والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا.
قال ابن عباس في قوله عز وجل " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض " قال: الذين آمنوا: علي وحمزة وعبيدة بن الحارث، والمفسدون في الأرض، عتبة وشيبة والوليد، وهم الذين تبارزوا يوم بدر.
وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة ليلة من شهر رمضان على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وهي أول سنة أرخت.
ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أبو الوليد القرشي العبشمي.
قدم على قيصر في جماعة من قريش لاستخلاص أبي أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، وكان شاعراً.
وولد ربيعة بن عبد شمس عتبة وشيبة، قتلا يوم بدر كافرين دعوا إلى البراز، ومعهم الوليد بن عتبة، فخرجوا ثلاثتهم بين الصفين، فخرج إليهم حمزة بن عبد المطلب، وعلي بن أبي طالب، وعبيدة بن الحارث بن المطلب، فقتلوهم، وضرب شيبة رجل عبيدة بن الحارث فقطعها، فمات راجعاً مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء على ليلة من بدر.
وعن مجاهد: في قوله عز وجل: " وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ". قالوا: هو عتبة بن ربيعة، وكان ريحانة قريش يومئذ.
قال حكيم بن حزام: لما توافت كنانة وقيس من العام المقبل بعكاظ بعد العام الأول الذي كانوا التقوا فيه، ورأس الناس حرب بن أمية، خرج معه عتبة بن ربيعة، وهو يومئذ في حجر حرب فمنعه أن يخرج وقال: يا بني إني أضن بك، فاقتاد راحلته وتقدم في أول الناس، فلم يدر به حرب إلا وهو في العسكر، قال حكيم بن حزام: فنزلنا على عكاظ، ونزلت هوازن بجمع كثير، فلما أصبحنا ركب عتبة جملاً ثم صاح في الناس: يا معشر مضر على ما تفانون بينكم؟! هلم إلى الصلح. قالت هوازن: وماذا تعرض؟ قال: أعرض على أن أعطي دية من أصيب منكم ونعفو عمن أصيب منا. قالوا: وكيف لنا بذلك؟ قال: أنا، قالوا: ومن أنت؟ قال: أنا عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، فقالوا: قد فعلنا. فاصطلح الناس ورضوا بما قال عتبة، وأعطوهم أربعين رجلاً من فتيان قريش. قال حكيم: كنت في الرهن، فلما رأت بنو عامر أن الرهن قد صار في أيديهم رغبوا في العفو فأطلقوهم.
قال ابن أبي الزناد: مر عتبة بن ربيعة على فتية من بني المغيرة أحدث، فقالوا: على ما يسود هذا؟! ما لهذا مال ولا كذا يعيبونه وهو يسمع، ثم انصرف ولم يراجعهم الكلام، فبلغ هشام بن المغيرة فأرسل بأولئك الفتية إليه، فقال: هؤلاء الفتية بلغني أنهم قالوا كذا وكذا، لا والله ما قصروا إلا بي، فخذ من أبشارهم ما رأيت. فقال عتبة: وصلته رحم ما كنت لأفعل،
وما هم إلا ولد، ولكن يحسنون ويحملون ويقلبون مني كسوة. فدعا بكسوة فكساهم.
قال أبو الزناد: ما نعلم أحداً ساد في الجاهلية بغير مال إلا عتبة بن ربيعة.
قال عبد الرحمن بن عبد الله الزهري: لم يسد مملق من قريش إلا عتبة بن ربيعة وأبو طالب بن عبد المطلب، فإنهما سادا ولا مال لهما.
قال مصعب بن عبد الله: لم يعرف لعتبة بن ربيعة رفث إلا كلمتان قالهما يوم بدر، قال لأبي جهل: يا مصفر استه، وقال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسوله، فقال عتبة: أنا أسد الخلفاء.
وعن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: لقد انتشر علينا أمر محمد، فلو التمستم رجلاً عالماً بالسحر والكهانة والشعر فكلمه، ثم أتانا ببيان من أمره، فقال عتبة: لقد سمعت قول السحر والكهانة والشعر، وعلمت من ذلك علماً، وما يخفى علي إن كان كذلك، فأتاه، فلما أتاه قال له عتبة: يا محمد أنت خير أم هاشم، وأنت خير أم عبد المطلب، أنت خير أم عبد الله؟ قال: فلم يجبه، قال: فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا؟ فإن كنت إنما بك الرياسة عقدنا ألويتنا لك فكنت رأسنا ما بقيت، وإن كان بك الباه زوجناك عشر نسوة، تختار من أي أبيات قريش شئت، وإن كان بك المال جمعنا لك من أموالنا ما تستغني به أنت
وعقبك من بعدك. ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساكت لا يتكلم، فلما فرغ قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون " فقرأ حتى بلغ " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم أن يكف عنه، ولم يخرج إلى أهله، واحتبس عنهم، فقال أبو جهل: يا معشر قريش، والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه، وما ذاك إلا من حاجة أصابته، انطلقوا بنا إليه: فأتوه، فقال له أبو جهل: والله يا عتبة ما حسبك إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك أمره، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب وأقسم بالله لا يكلم محمداً أبداً، وقال: لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً، ولكني أتيته فقص عليهم القصة فأجابني بشيء ما هو بسحر ولا شعر ولا كهانة، قرأ: " بسم الله الرحمن الرحيم، حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، كتاب فصلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعقلون " قال: هكذا! قال: فيه " لقوم يعقلون " حتى بلغ " أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود " فأمسكت بفيه وناشدته الرحم يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفت أن ينزل بكم العذاب.
وفي حديث آخر بمعناه أن عتبة لما انصرف إلى قريش في ناديها، قالوا: والله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي مضى به من عندكم. ثم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال: والله لقد سمعت من محمد كلاماً ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة، فأطيعوني في هذه وأنزلوها بي، خلوا محمداً وشأنه واعتزلوه، فو الله ليكونن لما سمعت من قوله نبأ: فإن أصابته العرب كفيتموه بأيدي غيركم، وإن كان ملكاً أو نبياً كنتم أسعد الناس به، لأن ملكه ملككم وشرفه شرفكم. فقالوا: هيهات، سحرك محمد يا أبا الوليد، فقال: هذا رأيي لكم، فاصنعوا ما شئتم.
قال ابن إسحاق: ثم إن الإسلام جعل يفشو بمكة حتى كثر في الرجال والنساء، وقريش تحبس من
قدرت على حبسه، وتفتن من استطاعت فتنته من الناس. فقال أبو طالب يمدح عتبة بن ربيعة حين رد على أبي جهل فقال: ما تنكر أن يكون محمد نبياً: من الطويل
عجبت لحكم يابن شيبة حادث ... وأحلام أقوام لديك سخاف
يقولون: شايع من أراد محمداً ... بسوء وقم في أمره بخلاف
ولا تركبن الدهر مني ظلامة ... وأنت امروؤ من خير عبد مناف
ولا تتركنه ما حييت لمطمع ... وكن رجلاً ذا نجدة وعفاف
تذود العدا عن ذروة هاشمية ... إلا فهم في الناس خير إلاف
فإن له قربى لديك قريبة ... وليس بذي خلف ولا بمضاف
ولكنه من هاشم في صميمها ... إلى أبجر فوق البحار صواف
وزاحم جميع الناس عنه وكن له ... ظهيراً على العداء غير مجاف
فإن غضبت فيه قريش فقل لهم ... بني عمنا ما قومكم بضعاف
فما بالكم تغشون من ظلامة ... وما بال أحلام هناك خفاف
وما قومنا بالقوم يغشون ظلمنا ... وما نحن مما ساءهم بخواف
ولكننا أهل الحفائظ والنهى ... وعز ببطحاء الحطيم مواف
قال علي: لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها، وأصابنا بها وعك، وكان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتخبر عن بدر، فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بدر، وبدر بئر، فسبقنا المشركين إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم، رجلاً من قريش، ومولى لعقبة بن أبي معيط، فأما القرشي فانفلت، وأما مولى عقبة فأخذناه، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ قال: هم والله كثير عددهم، شديد بأسهم. فجعل. المسلمون إذا قال ذلك ضربوه، حتى انتهوا به إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: كم القوم؟ قال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم. فجهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يخبره كم هم فأبى، ثم إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سأله: كم ينحرون من
الجزر؟ فقال: عشراً كل يوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " القوم ألف، كل جزرو لمئة وتبعها. " ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر، فانطلقنا تحت الشجر والحجف، نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو ربه ويقول: " اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد. " قال: فلما طلع الفجر نادى: الصلاة عباد الله. فجاء الناس من تحت الشجر والحجف، فصلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحرض على القتال ثم قال: إن جمع قريش تحت هذه الضلع الحمراء من الجبل، فلما دنا القوم منا وصافناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا علي، ناد لي حمزة وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر؟ وماذا يقول لهم؟ ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن لم يكن في القوم أحد يأمر بخير فعسى أن يكون صاحب الجمل الأحمر. فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة، وهو ينهى عن القتال ويقول لهم: يا قوم إني أرى قوماً مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم اعصبوها اليوم برأسي، وقولوا جبن عتبة بن ربيعة، وقد علمتم أني لست بأجبنكم. قال: فسمع ذلك أبو جهل فقال: أنت تقول هذا؟! والله لو غيرك يقول لأعضضته، قد ملأت رئتك جوفك رعباً. فقال عتبة: إياي تعني يا مصفر استه؟ ستعلم اليوم أينا الجبان. قال: فبرز عتبة وأخوه شبيه وابنه الوليد حمية، فقالوا: من يبارز؟ فخرج فتية من الأنصار شببة، فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن يبارزنا من بني عمنا، من بني عبد المطلب. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قم يا علي، وقم ياحمزة، وقم ياعبيدة بن الحارث. فقتل الله عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، وجرحعبيدة، فقتلنا منهم سبعين، وأسرنا سبعين، فجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس: يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح
من أحسن الناس وجهاً، على فرس أبلق، ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: اسكت فقد أيدك الله بملك كريم. فقال علي: فأسرنا من بني عبد المطلب العباس وعقيل ونوفل بن الحارث.
قال سعيد بن المسيب: كان ابن البرصاء الليثي من جلساء مروان بن الحكم ومحدثيه، فكان يسمر معه، فذكروا عند مروان الفيء، فقالوا: مال الله، وقد سن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قسمه، ووضعه عمر بن الخطاب مواضعه. فقال مروان: المال مال أمير المؤمنين معاوية، يقسمه لمن شاء، ويمنعه ممن شاء، ما أمضى فيه من شيء فهو مصيب، فخرج ابن البرصاء فذكر ذلك لسعد بن أبي وقاص. قال سعيد بن المسيب: فلقيني سعد وأنا أريد المسجد، فضرب عضدي ثم قال: الحقني تربت يداك، فخرجت معه لا أدري حتى دخلت على مروان في داره، فلم أهب مثل هيبتي له، وجلست لئلا يعلم مروان أني كنت مع سعد، فقال له سعد لما دخل عليه قبل أن يسلم: أنت الذي تزعم أن المال مال معاوية؟ فقال مروان: فقلت ذلك، فمه؟ فردها الثانية، قال: فقلت ذلك فمه؟ فردها الثالثة، قال: فقلت ذلك فمه؟ قال: فرفع سعد يديه إلى الله عز وجل يدعو، فزال رداؤه عنه، وكان أسعر، بعيد ما بين المنكبين، فوثب إليه مروان فأمسك يديه وقال: اكفف عني يدك أيها الشيخ، إنا حملنا على أمر فركبناه، وليس الأمر كذلك. قال سعد: أما والله لو لم تنزع ما زلت أدعو عليك حتى يستجاب لي أو تنفرد هذه السالفة.
فلما خرج سعد ثبت في مجلسي عند مروان، فقال: من ترون قال لهذا الشيخ ما قلت؟ قالوا: ابن البرصاء الليثي. فأرسل إليه، فأتي به، فقال: ما حملت على أن قلت لهذا الشيخ ما قلت؟ قال الليثي: ذلك حق، قلت: ماكنت أظنك تجترىء على الله عز وجل، وتفرق من سعد! فقال له مروان: أوكل ما سمعت تكلمت به؟ أما والله لتعلمن. ثم أمر أن يجرد من ثيابه، فجرد من ثيابه وبرز بين يديه: فبينما نحن على ذلك إذ دخل حاجبه فقال: هذا أبو خالد حكيم بن حزام، قال: ائذن له. ثم قالوا: ردوا عليه ثيابه، آخرجوه عنا، لا يهيج علينا هذا الشيخ، كما فعل بالآخر قبله، فلما دخل حكيم بن
حزام قال مروان: مرحباً أبا خالد، ادن مني، فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة، ثم استقبله مروان فقال: حدثنا حديث بدر، فقال: نعم، خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها وهي زهرة، فلم يشهد أحد من مشركيهم بدراً، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل، فجئت عتبة بن ربيعة فقلت: يا أبا الوليد! هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت؟ قال: أفعل ماذا؟ قلت: إنكم لا تطلبون من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا دم ابن الحضرمي، وهو حليفك، فتحمل بديته وترجع بالناس. قال: أنت وذاك، وأنا أتحمل بدية حليفي، فاذهب إلى ابن الحنظلية يعني أبا جهل فقل له: هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك. فجئته فإذا هو في جماعة بين يديه ومن ورائه، وابن الحضرمي واقف على رأسه، وهو يقول: قد فسخت عقدي من بني عبد شمس، وعقدي إلى بني مخزوم. فقلت له: يقول عتبة بن ربيعة: هل لك أن ترجع اليوم عن ابن عمك بمن معك؟ قال: أما وجد رسولاً غيرك؟ قلت: لا، ولم أكن لأكون رسولاً لغيره. قال حكيم: فخرجت أبادر إلى عتبة لئلا يفوتني من الخبر شيء، وعتبة متكىء على إيماء بن رحضة الغفاري، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر، فطلع أبو جهل بالشر في وجهه، فقال: لعتبة: انتفخ سحرك. فقال له عتبة: ستعلم. فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه، فقال له: بئس الفأل هذا. فعند ذلك قامت الحرب.
وعن الأوزاعي قال: قال عتبة بن ربيعة لأصحابه يوم بدر: ألا ترونهم يعني أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد جثوا على الركب، يتلمظون تلمظ الحيات.
وأقبل المشركون حتى نزلوا وتعبوا للقتال، والشيطان معهم لا يفارقهم، فسعى حكيم بن حزام إلى عتبة بن ربيعة فقال: هل لك أن تكون سيد قريش ما عاشت؟ قال عتبة: فأفعل ماذا؟ قال: تجير بين الناس، وتحمل بدية ابن الحضرمي، وبما أصاب محمد من تلك العير. ودم هذا الرجل، قال عتبة: نعم، قد فعلت، ونعم ما قلت، ونعم ما دعوت إليه، فاسع في عشيرتك، فأنا أتحمل بهذا. فعسى حكيم في أشراف قريش بذلك يدعوهم إليه، وركب عتبة بن ربيعة جملاً له، فسار عليه في صفوف المشركين في أصحابه فقال: يا قوم، أطيعوني فإنكم لا تطلبون عندهم غير دم ابن الحضرمي، وما أصابوا من عيركم تلك، وأنا أتحمل بوفاء ذلك، ودعوا هذا الرجل، فإن كان كاذباً ولي قتلته غيركم من العرب، فإن فيكم قرابة قريبة، وإنكم إن تقتلوهم لا يزال الرجل منكم ينظر إلى قاتل أبيه أو أخيه أو ابن عمه، فيورث ذلك فيكم إحناً وضغائن، وإن كان هذا الرجل ملكاً كنتم في ملك أخيكم، وإن كان نبياً لم تقتلوا النبي فتسبوا به، ولن تخلصوا أحسب إليهم حتى يصيبوا أعدادهم، ولا آمن أن تكونوا لهم الدبرة عليكم.
فحسده أبو جهل على مقالته، وأبى الله إلا أن ينفذ أمره، وعتبة بن ربيعة يومئذ سيد المشركين، فعمد أبو جهل إلى ابن الحضرمي وهو أخو المقتول فقال: هذا عتبة يخذل بين الناس، وقد تحمل بدية أخيك، يزعم أنك قابلها، أفلا تستحيون من ذلك، أن تقبلوا الدية؟! وقال أبو جهل لقريش: إن عتبة قد علم أنكم ظاهرون على هذا الرجل ومن معه، وفبهم ابنه وبنو عمه، وهو يكره صلاحكم، ولما حرض أبو جهل قريشاً على القتال أمر النساء يعولن عمراً، فقمن يصحن: واعمراه واعمراه، تحريضاً على القتال، وقال رجال فتكشفوا، يعيرون بذلك قريشاً، فاجتمعت قريش على القتال، وقال عتبة لأبي جهل: ستعلم اليوم من انتفخ سحره، وستعلم أي الأمرين أرشد. وأخذت قريش مصافها للقتال، وقالوا لعمير بن وهب: اركب فاحزر لنا محمداً وأصحابه. فقعد عمير على متن فرسه، فأطاف برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ثم رجع إلى المشركين، فقال: حزرتهم ثلاث مئة مقاتل، زادوا شيئاً أو نقصوا شيئاً، وحزرت سبعين بعيراً أو نحو ذلك، ولكن أنظروني حتى أنظر لهم مدد أو خبيء؟ فأطاف حولهم، وبعثوا خيلهم معه فأطافوا حول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، ثم رجعوا وقالوا: لا مدد لهم ولا خبيء، وإنما هم أكلة جزور
وطعام مأكول. وقالوا لعمير: حرش بين القوم، فحمل عمير على الصف ورجعوا لمنية قريش.
قال حكيم بن حزام: فدخلت على أبي جهل، وهو يتخلق بخلوق درعه موضوعه بين يديه، فقلت: إن عتبة بعثني إليك، فأقبل علي مغضباً، فقال: أما وجد عتبة أحداً يرسله غيرك؟! فقلت: أما والله لو كان غيره أرسلني ما شيت في ذلك، ولكن مشيت في إصلاح بين الناس، وكان أبو الوليد سيد العشيرة، فغضب غضبة أخرى، قال: وتقول أيضاً: سيد العشيرة؟! فقلت: أنا أقوله؟ قريش كلها تقوله. فأمر عامر أن يصيح بخفرته، واكتشف. وقال: إن عتبة جاع فاسقوه سويقاً، وجعل المشركون يقولون: إن عتبة جاع فاسقوه سويقاً، وجعل أبو جهل يسر بما صنع المشركون بعتبة.
قال حكيم: فجئت إلى منبه بن الحجاج، فقلت له مثلما قلت لأبي جهل، فوجدته خيراً من أبي جهل، قال: نعم ما مشيت فيه! وما دعا إليه عتبة! فرجعت إلى عتبة فأجده قد غضب من كلام قريش، فنزل عن جمله، وقد طاف عليهم في عسكرهم يأمرهم بالكف عن القتال فيأبون، فحمي فنزل فلبس درعه، وطلبوا له بيضة تقدر عليه، فلم يوجد في الجيش بيضة تسع رأسه من عظم هامته، فلما رأى ذلك اعتجر، ثم برز بين أخيه شيبة وبين ابنه الوليد بن عتبة، ثم دعا عتبة إلى المبارزة، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش، وأصحابه على صفوفهم، فاضطجع فغشيه نوم غلبه، وقال: لا تقاتلوا حتى أوذنكم، وإن كثبوكم فارموهم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم. قال أبو بكر: يا رسول الله، قد دنا القوم وقد نالوا منا. فاستيقظ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد أراه الله إياهم في منامه قليلاً، وقلل بعضهم في أعين بعض، ففرع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو رافع يديه يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول: اللهم إن تظهر على هذه العصابة يظهر الشرك، ولا يقم لك دين. وأبو بكر يقول: والله لينصرك الله وليبيضن وجهك. قال ابن رواحة: يا رسول الله إني أشير عليك
ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعظم وأعلم بالأمر من أن يشار عليه إن الله أجل وأعظم من أن تنشد وعده. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يابن رواحة ألا ننشد الله وعده، إن وعد الله لا يخلف الميعاد.
وأقبل عتبة يعمد إلى القتال، فقال له حكيم بن حزام: أبا الوليد، مهلاً مهلاً، تنهى عن شيء وتكون أوله، فلما تزاحف الناس قال الأسود بن عبد الأسد المخزومي حين دنا من الحوض: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فشد الأسود بن عبد الأسد حتى دنا من الحوض، فاستقبله حمزة بن عبد المطلب فضربه فأطن قدمه، فزحف الأسود حتى وقع في الحوض، فهدمه برجله الصحيحة وشرب منه، وأتبعه حمزة فضربه في الحوض فقتله، والمشركون ينظرون على صفوفهم، وهم يرون أنهم ظاهرون، فدنا الناس بعضهم من بعض، فخرج عتبة وشيبة والوليد حتى فصلوا من الصف، ثم دعوا إلى المبارزة، ولما ضرب شيبة رجل عبيدة بذباب السيف فأصاب عضلة ساقه فقطعها، وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، واحتملا عبيدة فحازاه إلى الصف، ومخ ساقه يسيل، فقال عبيدة: يا رسول الله، ألست شهيداً؟ قال: بلى. قال: أما والله لو كان أبو طالب حياً لعلم أنا أحق بما قال منه حين يقول: من الطويل
كذبتم وبيت الله نخلي محمداً ... ولما نطاعن دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
ونزلت هذه الآية " هذان خصمان اختصما في ربهم ".
كان أبو ذر يقسم قسماً أنها في الذين برزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، قالوا: وحضر عتبة بن ربيعة بدراً، وهو ابن أربعين ومئة سنة، وقيل ابن اثنتين وخمسين ومئة سنة، قالوا: وشيبة أكبر من عتبة بثلاث سنين.
ولما قال عبيدة: يا رسول الله ألست شهيداً؟ قال: بلى وأنا الشاهد عليك. ثم مات. فدفنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصفراء، ونزل في قبره، وما نزل في قبر أحد غيره.
ولما هزم المشركون جاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقام، ثم أمر بأبي جهل بن هشام فسحب فألقي في القليب، ثم أمر بعتبة ربيعة فحسب فألقي في القليب، ثم أمر بشيبة بن ربيعة فسحب فألقي في القليب، ثم أمر بأمية بن خلف فسحب فألقي في القليب، وأبو حذيفة بن عتبة قائم إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفطن إليه له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر إلى أبيه سحب حتى ألقي في القليب تغير وجهه، فالتفت إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما رآه تغير وجهه قال: يا أبا حذيفة، كأنه ساءك ما صنعنا بعتبة؟ قال: يا رسول الله ما بي ألا أكون مؤمناً بالله ورسوله، ولكن لم يكن في القوم أحد يشبه عتبة في عقله وفي شرفه، فكنت أرجو أن يهديه الله إلى الإسلام، فلما رأيت مصرعه ساءني ذلك. فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً، فلما كان في جوف الليل خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسمعه الناس وهو ينادي في جوف الليل: يا أبا جهل بن هشام، ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، أوجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً. قال: فناداه الناس: يا رسول الله! أتنادي قوماً قد جيفوا؟ قال: والله ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوا.
قال ابن عباس في قوله عز وجل " أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض " قال: الذين آمنوا: علي وحمزة وعبيدة بن الحارث، والمفسدون في الأرض، عتبة وشيبة والوليد، وهم الذين تبارزوا يوم بدر.
وكانت وقعة بدر يوم الجمعة صبيحة سبع عشرة ليلة من شهر رمضان على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وهي أول سنة أرخت.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=152222&book=5528#8102a0
عتبة بن صخر أبي سفيان بن حرب
ابن أمية بن عبد شمس، أبو الوليد الأموي.
أخو معاوية. أدرك عثمان بن عفان، وشهد معه الدار، وقدم دمشق على أخيه معاوية، وولي المدينة والطائف ومصر والموسم لأخيه معاوية غير مرة.
روى حسين بن عطية قال: لما نزل بعتبة بن أبي سفيان الموت اشتد جزعه، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أما إني سمعت أم حبيبة يعني أخته تقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى أربعاً قبل الظهر، وأربعاً بعدها، حرم الله لحمه على النار. فما تركتهن منذ سمعتها.
وشهد عتبة بن أبي سفيان الجمل مع عائشة، ثم نجا، فعيره ذلك عبد الرحمن بن الحكم، فقال: من الوافر
لعمرك والأمور لها دواعي ... لقد أبعدت يا عتب الفرارا
ولحق عتبة بأخيه معاوية بالشام، فلم يزل معه، وولاه معاوية الطائف وعزل عنه عنبسة بن أبي سفيان، فعاتبه عنسبة على ذلك، فقال معاوية: يا عنسبة، إن عتبة ابن هند، فقال عنبسة: من الطويل
كنا لصخر صالحاً ذات بيننا ... جميعاً فأمست فرقت بيننا هند
فإن تك هند لم تلدني فإنني ... لبيضاء ينميها غطارفه مجد
أبوها أبو الأضياف في كل شتوة ... ومأوى ضعاف قد أضر بها الجهد
له جفنات ماتزال مقيمة ... لمن ساقه غورا تهامة أو نجد
فقال له معاوية: لا تسمعها مني بعدها.
وكان عتبة بن أبي سفيان أعور، ذهبت عينه يوم الجمل مع عائشة.
قال أبو العباس ثعلب: قال معاوية لعتبة يوم الحكمين: يا أخي، أما ترى ابن عباس قد فتح عينيه ونشر أذنيه، ولو قدر أن يتكلم بهما فعل، وغفلة أصحابه مجبورة بفطنته، وهي ساعتنا الطولى فاكفنيه، قال: قلت بجهدي. قال: فقعدت إلى جنبه، فلما أخذ القوم في الكلام أقبلت عليه بالحديث، فقرع يدي وقال: ليست ساعة حديث، قال: فأظهرت غضباً
وقلت: يا بن عباس، إن ثقتك بأحلامنا أسرعت بك إلى أعراضنا، وقد والله تقدم فيك العذر، وكثر من الصبر، ثم أقذعته فجاش بي مرجله، وارتفعت أصواتنا، فجاء القوم فأخذوا بأيدينا، فنجوه عني ونحوني عنه، قال: فجئت فقربت من عمرو بن العاص، فرماني بمؤخر عينه: أي ما صنعت؟ فقلت له: كفيتك التقوالة، قال: فحمحم كما يحمحم الفرس للشعير. قال: وفات ابن عباس أول الكلام فكره أن يتكلم في آخره.
قال عتبة بن أبي سفيان: العجب من علي بن أبي طالب ومن طلبه الخلافة، وما هو وهي!؟ فقال له معاوية: اسكت يا وره، فوالله إنه منها كخاطب الحرة إذ يقول: من الطويل
لئن كان أدلى خاطب فتعذرت ... عليه وكانت رائداً فتخطت
لما تركته رغبة عن حباله ... ولكنها كانت لآخر خطت
حج عتبة سنة إحدى وأربعين، والناس قريب عهدهم بالفتنة، فصلى بمكة الجمعة، ثم قال: يا أيها الناس إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف عهدهم للمحسن فيه الأجر، وعلى المسيء فيه الوزر، ونحن على طريق ما قصدنا، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإنها تنقطع دوننا، ورب متمن حتفه في أمنيته، فاقبلوا العافية ما قبلناها فيكم وقبلناها منكم، وإياكم ولو، فإنها أتعبت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم، وأنا أسأل الله أن يعين كلاً على كل. قال: فصاح به أعرابي: أيها الخليفة، قال: لست به ولم تبعد، فقال: يا أخاه، فقال: قد سمعت فقل، فقال: تالله أن تحسنوا وقد أسأنا خير من أن تسيئوا وقد أحسنا، فإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقكم باستتمامه، وإن منا كان منا فما أولاكم بمكافأتنا، قال
له عتبة: من أنت؟ قال: رجل من بني عامر بن صعصعة، يلقاكم بالعمومة، ويقرب إليكم بالخوولة، قد كثرة العيال، ووطئه الزمان، وبه فقر، وعنده شكر. فقال عتبة: أستغفر الله منكم وأستعينه عليكم، قد أمرت لك بغناك، فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائك عنا.
وكان عتبة بن أبي سفيان والي الجند بمصر لأخيه بعد عمرو بن العاص سنة ثلاث وأربعين، وتوفي بالإسكندرية سنة أربع وأربعين، هو وأخته أم حبيبة في عام واحد.
استخلف عتبة بن أبي سفيان ابن أخي أبي الأعور السلمي على مصر، فدخلها فاعتاصوا عليه والتاثوا، قال: فكتب إلى عتبة فقدمها ثم دخل المسجد، ثم أوفى على منبرها، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل مصر قد كنتم تعذرون ببعض المنع منكم لبعض الجور عليكم، وقد وليكم من يقول: نفعل ونفعل، يقول: فإن دررتم مراكم بيده، وإن استصعبتم مراكم بسيفه، ثم دخل في الأخير ما أمل في الأول، إن البيعة شائعة، فلنا عليكم السمع، ولكم علينا العدل، وأينا غدر فلا ذمة له عند صاحبه، فنادوه من جنيات المسجد: سمعاً سمعاً، فناداهم: عدلاً عدلاً، ثم نزل.
ورد كتاب معاوية على عتبة بن أبي سفيان وهو وال على مصر: أن قبلك قوماً يطعنون على السلف، ويعيبون على السلطان، فإذا قرأت كتابي فأحسن تقويمهم، وخذ على أيديهم. فلما قرأ عتبة الكتاب صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل مصر، قد خف على ألسنتكم مدح الحق، ولا تأتونه، وذم الباطل، وأنتم تفعلونه، كمثل الحمار يحمل أسفاراً، أثقله حملها ولم ينفعه نقلها، فالزموا ما أمركم الله لنا تستوجبوا ما فرض الله لكم علينا، وإياكم وقال ويقول، من قبل أن يقال: فعل ويفعل، إني والله ما أداويكم
بالسيف ما تقومتم على السوط، ولا أبلغ بكم السوط ما استقمتم بالدرة، ولا أبطئ على الأولى ما لم تسرعوا إلى الأخرى، فكونوا خير قريش سهماً، فهذا اليوم الذي ليس فيه عقاب ولا بعده عتاب، وصلى الله على محمد النبي وسلم.
مر عتبة بن أبي سفيان ببعض ولده وعنده رجل يشتم رجلاً، فوقف عليه فقال: يا بني نزه نفسك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن الكلام به، فإن المستمع شريك القائل، ولو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها.
ومما قال عبد الله بن المبارك في ذلك: من البسيط
أولو بصائر، عن قول الخنا خرس ... لا يرفعون إلى الفحشاء أبصارا
أسر معاوية إلى الوليد بن عتبة حديثاً، فقال لأبيه: يا أبه، إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثاً، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به، فإنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: قلت: يا أبه، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: والله يابني، ولكن أحب ألا تذلل لسانك بأحاديث السر. فأتيت معاوية فحدثته فقال: يا وليد، أعتقك أخي من رق الخطأ.
قال عمرو بن عتبة: كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا، إذا أراد سفراً فقال: يا بني، تلقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد منها بالشكر عليها، واعلموا أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت، فاحملوه على مطاياها إذا ركبتم، لا تسبق وإن تقدمت نجا من هرب من النار. وأدرك من سابق إلى الجنة، فقال الأصاغر: يا أبانا ما هذه المطية؟ قال: التوبة يا بني.
قال سعد مولى عتبة: قال عتبة: يا سعد، تعهد صغير مالي يكبر، ولا تخف كثيره يصغر، فإنه ليس يمنعني كبير ما في يدي عن إصلاح قليل مالي.
أوصى عتبة عبد الصمد مؤدب ولده فقال: ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبيح ما تركت، علمهم كتاب الله، ولا تملهم فيكرهوا، ولا تدعهم منه فيهجروا، وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تخرجهم من باب العلم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، تهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الرفيق الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، وامنعهم من محادثة النساء، واشغلهم بيسير الحكماء، واستزدني بآدابهم أزدك، ولا تتكلن على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك.
ابن أمية بن عبد شمس، أبو الوليد الأموي.
أخو معاوية. أدرك عثمان بن عفان، وشهد معه الدار، وقدم دمشق على أخيه معاوية، وولي المدينة والطائف ومصر والموسم لأخيه معاوية غير مرة.
روى حسين بن عطية قال: لما نزل بعتبة بن أبي سفيان الموت اشتد جزعه، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: أما إني سمعت أم حبيبة يعني أخته تقول: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من صلى أربعاً قبل الظهر، وأربعاً بعدها، حرم الله لحمه على النار. فما تركتهن منذ سمعتها.
وشهد عتبة بن أبي سفيان الجمل مع عائشة، ثم نجا، فعيره ذلك عبد الرحمن بن الحكم، فقال: من الوافر
لعمرك والأمور لها دواعي ... لقد أبعدت يا عتب الفرارا
ولحق عتبة بأخيه معاوية بالشام، فلم يزل معه، وولاه معاوية الطائف وعزل عنه عنبسة بن أبي سفيان، فعاتبه عنسبة على ذلك، فقال معاوية: يا عنسبة، إن عتبة ابن هند، فقال عنبسة: من الطويل
كنا لصخر صالحاً ذات بيننا ... جميعاً فأمست فرقت بيننا هند
فإن تك هند لم تلدني فإنني ... لبيضاء ينميها غطارفه مجد
أبوها أبو الأضياف في كل شتوة ... ومأوى ضعاف قد أضر بها الجهد
له جفنات ماتزال مقيمة ... لمن ساقه غورا تهامة أو نجد
فقال له معاوية: لا تسمعها مني بعدها.
وكان عتبة بن أبي سفيان أعور، ذهبت عينه يوم الجمل مع عائشة.
قال أبو العباس ثعلب: قال معاوية لعتبة يوم الحكمين: يا أخي، أما ترى ابن عباس قد فتح عينيه ونشر أذنيه، ولو قدر أن يتكلم بهما فعل، وغفلة أصحابه مجبورة بفطنته، وهي ساعتنا الطولى فاكفنيه، قال: قلت بجهدي. قال: فقعدت إلى جنبه، فلما أخذ القوم في الكلام أقبلت عليه بالحديث، فقرع يدي وقال: ليست ساعة حديث، قال: فأظهرت غضباً
وقلت: يا بن عباس، إن ثقتك بأحلامنا أسرعت بك إلى أعراضنا، وقد والله تقدم فيك العذر، وكثر من الصبر، ثم أقذعته فجاش بي مرجله، وارتفعت أصواتنا، فجاء القوم فأخذوا بأيدينا، فنجوه عني ونحوني عنه، قال: فجئت فقربت من عمرو بن العاص، فرماني بمؤخر عينه: أي ما صنعت؟ فقلت له: كفيتك التقوالة، قال: فحمحم كما يحمحم الفرس للشعير. قال: وفات ابن عباس أول الكلام فكره أن يتكلم في آخره.
قال عتبة بن أبي سفيان: العجب من علي بن أبي طالب ومن طلبه الخلافة، وما هو وهي!؟ فقال له معاوية: اسكت يا وره، فوالله إنه منها كخاطب الحرة إذ يقول: من الطويل
لئن كان أدلى خاطب فتعذرت ... عليه وكانت رائداً فتخطت
لما تركته رغبة عن حباله ... ولكنها كانت لآخر خطت
حج عتبة سنة إحدى وأربعين، والناس قريب عهدهم بالفتنة، فصلى بمكة الجمعة، ثم قال: يا أيها الناس إنا قد ولينا هذا المقام الذي يضاعف عهدهم للمحسن فيه الأجر، وعلى المسيء فيه الوزر، ونحن على طريق ما قصدنا، فلا تمدوا الأعناق إلى غيرنا، فإنها تنقطع دوننا، ورب متمن حتفه في أمنيته، فاقبلوا العافية ما قبلناها فيكم وقبلناها منكم، وإياكم ولو، فإنها أتعبت من كان قبلكم، ولن تريح من بعدكم، وأنا أسأل الله أن يعين كلاً على كل. قال: فصاح به أعرابي: أيها الخليفة، قال: لست به ولم تبعد، فقال: يا أخاه، فقال: قد سمعت فقل، فقال: تالله أن تحسنوا وقد أسأنا خير من أن تسيئوا وقد أحسنا، فإن كان الإحسان لكم دوننا فما أحقكم باستتمامه، وإن منا كان منا فما أولاكم بمكافأتنا، قال
له عتبة: من أنت؟ قال: رجل من بني عامر بن صعصعة، يلقاكم بالعمومة، ويقرب إليكم بالخوولة، قد كثرة العيال، ووطئه الزمان، وبه فقر، وعنده شكر. فقال عتبة: أستغفر الله منكم وأستعينه عليكم، قد أمرت لك بغناك، فليت إسراعنا إليك يقوم بإبطائك عنا.
وكان عتبة بن أبي سفيان والي الجند بمصر لأخيه بعد عمرو بن العاص سنة ثلاث وأربعين، وتوفي بالإسكندرية سنة أربع وأربعين، هو وأخته أم حبيبة في عام واحد.
استخلف عتبة بن أبي سفيان ابن أخي أبي الأعور السلمي على مصر، فدخلها فاعتاصوا عليه والتاثوا، قال: فكتب إلى عتبة فقدمها ثم دخل المسجد، ثم أوفى على منبرها، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل مصر قد كنتم تعذرون ببعض المنع منكم لبعض الجور عليكم، وقد وليكم من يقول: نفعل ونفعل، يقول: فإن دررتم مراكم بيده، وإن استصعبتم مراكم بسيفه، ثم دخل في الأخير ما أمل في الأول، إن البيعة شائعة، فلنا عليكم السمع، ولكم علينا العدل، وأينا غدر فلا ذمة له عند صاحبه، فنادوه من جنيات المسجد: سمعاً سمعاً، فناداهم: عدلاً عدلاً، ثم نزل.
ورد كتاب معاوية على عتبة بن أبي سفيان وهو وال على مصر: أن قبلك قوماً يطعنون على السلف، ويعيبون على السلطان، فإذا قرأت كتابي فأحسن تقويمهم، وخذ على أيديهم. فلما قرأ عتبة الكتاب صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل مصر، قد خف على ألسنتكم مدح الحق، ولا تأتونه، وذم الباطل، وأنتم تفعلونه، كمثل الحمار يحمل أسفاراً، أثقله حملها ولم ينفعه نقلها، فالزموا ما أمركم الله لنا تستوجبوا ما فرض الله لكم علينا، وإياكم وقال ويقول، من قبل أن يقال: فعل ويفعل، إني والله ما أداويكم
بالسيف ما تقومتم على السوط، ولا أبلغ بكم السوط ما استقمتم بالدرة، ولا أبطئ على الأولى ما لم تسرعوا إلى الأخرى، فكونوا خير قريش سهماً، فهذا اليوم الذي ليس فيه عقاب ولا بعده عتاب، وصلى الله على محمد النبي وسلم.
مر عتبة بن أبي سفيان ببعض ولده وعنده رجل يشتم رجلاً، فوقف عليه فقال: يا بني نزه نفسك عن استماع الخنا كما تنزه لسانك عن الكلام به، فإن المستمع شريك القائل، ولو ردت كلمة جاهل في فيه لسعد بها رادها كما شقي بها قائلها.
ومما قال عبد الله بن المبارك في ذلك: من البسيط
أولو بصائر، عن قول الخنا خرس ... لا يرفعون إلى الفحشاء أبصارا
أسر معاوية إلى الوليد بن عتبة حديثاً، فقال لأبيه: يا أبه، إن أمير المؤمنين أسر إلي حديثاً، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به، فإنه من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: قلت: يا أبه، وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: والله يابني، ولكن أحب ألا تذلل لسانك بأحاديث السر. فأتيت معاوية فحدثته فقال: يا وليد، أعتقك أخي من رق الخطأ.
قال عمرو بن عتبة: كان أبونا لا يرفع المواعظ عن أسماعنا، إذا أراد سفراً فقال: يا بني، تلقوا النعم بحسن مجاورتها، والتمسوا المزيد منها بالشكر عليها، واعلموا أن النفوس أقبل شيء لما أعطيت، فاحملوه على مطاياها إذا ركبتم، لا تسبق وإن تقدمت نجا من هرب من النار. وأدرك من سابق إلى الجنة، فقال الأصاغر: يا أبانا ما هذه المطية؟ قال: التوبة يا بني.
قال سعد مولى عتبة: قال عتبة: يا سعد، تعهد صغير مالي يكبر، ولا تخف كثيره يصغر، فإنه ليس يمنعني كبير ما في يدي عن إصلاح قليل مالي.
أوصى عتبة عبد الصمد مؤدب ولده فقال: ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك نفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبيح ما تركت، علمهم كتاب الله، ولا تملهم فيكرهوا، ولا تدعهم منه فيهجروا، وروهم من الحديث أشرفه، ومن الشعر أعفه، ولا تخرجهم من باب العلم إلى غيره حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، تهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن لهم كالطبيب الرفيق الذي لا يعجل بالدواء حتى يعرف الداء، وامنعهم من محادثة النساء، واشغلهم بيسير الحكماء، واستزدني بآدابهم أزدك، ولا تتكلن على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=80682&book=5528#81b99c
عتبة بن محمد بن الحارث بن نوفل روى عن كريب مولى ابن عباس سمع منه ابن جريج ومنبوذ قال ابن عيينة ادركته، سمعت ابى يقول ذلك.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=80682&book=5528#960472
عتبة بْن مُحَمَّد بْن الحارث بْن نوفل،
سَمِعَ كريبا عَنِ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، سَمِعَ منه ابْن جُرَيْج 5، قَالَ ابْن عُيَيْنَةَ: أدركته، لم يكن بِهِ بأس، الْمَكِّيّ، روى منبوذ عَنْ عتبة بْن مُحَمَّد: عَنْ عَبْد اللَّه بْن الحارث، أراه قرشيا.
سَمِعَ كريبا عَنِ ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، سَمِعَ منه ابْن جُرَيْج 5، قَالَ ابْن عُيَيْنَةَ: أدركته، لم يكن بِهِ بأس، الْمَكِّيّ، روى منبوذ عَنْ عتبة بْن مُحَمَّد: عَنْ عَبْد اللَّه بْن الحارث، أراه قرشيا.