عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن الْحُسَيْن بْن السمسار بْن عمر الداودي القاضي:
من تلاميذ أَبِي بكر مُحَمَّد بْن داود الأصبهاني، وروى عنه وعن ابنه داود أيضا وعن أَبِي جعفر مُحَمَّد بْن جرير الطبري وإسماعيل بْن إسحاق القاضي، روى عنه الْقَاضِي أَبُو عَلِيّ المحسن بْن عَلِيّ التنوخي فِي «كتاب نشوار المحاضرة» من جمعه، وأبو الحَسَن عَلِيّ بْن نصر بْن الصباغ الكاتب البغدادي نزيل مصر، وكان من خواص أصحابه وذكر أنه قرأ عليه مصنفات أَبِي بكر بْن داود بأسرها و «كتاب الموضح» لأبي الحَسَن المغلس، وأنه كان إماما كبيرا.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي القَاسِم سَعِيد بْن مُحَمَّد المؤدب عن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن مُحَمَّد المعدل قَالَ: كتب إليّ الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة بْن جعفر القضاعي وحدثني عنه عَبْد المحسن بن محمد بن علي التاجر قال: حدثني أبو الحسن علي بن نصر ابن الصباغ البغدادي قال: حدثنا القاضي أَبُو عمر عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد السمسار أن
حدثا كان يعرف بابن سمنون الصوفي نشأ مع أَبِي بكر يعني ابن داود فِي كتاب واحد وكانا لا يفترقان، وإذا عمل أَبُو بكر كتابا فِي الأدب ناقضه وعمل فِي معناه، وأن أَبَا بكر نقش عَلَى فص خاتمه سطرين، الأول منهما وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ
والآخر: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ
فكان إذا رأى إنسانا ينظر إلى حدث رمى إليه بخاتمه وَقَالَ: أقرأ ما عليه فينتهي عن ذلك، فَقَالَ لابن سمنون : إن بدران يناقضني فِي هَذَا، فَقَالَ نعم، ولما كان من الغد جاءه بخاتم على فصه [سطران] والأول منهما: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ
والثاني وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا.
قال: وحدثنا القاضي أَبُو عمر أن أَبَا بكر يعني ابن داود كان يجعل طريقه إلى الجامع من سكة الربيع وكانت امرأة تقف خلف بابها وتفتح منه بقدر ما تنظر إليه، فلما كان بعد مدة جذبت طيلساني وكنت أمشي خلفه فقالت: يا هَذَا! إني اشتهي أن استفتي صاحبك فِي مسألة وأستحي أن أخاطبه عَلَى الطريق فاعمل عَلَى أن يدخل إلى مسجد مقابل باب دارها لنسأله فيه، ودفعت إلى دملج، وقالت: خذ هَذَا بارك اللَّه لك فيه! فرددته إليها وقلت: أنا فِي غنى عنه ولكني أتلطفه فِي ذلك عند انصرافنا من الجامع، فلما قربنا من ذلك المسجد عرفته أن البول قد أتلفني وسألته أن ندخل المسجد إلى أن أقضى حاجتي ففعل، ودخلت عليه وعدت فإذا هي تشكو إليه وتقول: واللَّه! إني لأحبك وإني لأشتهي أن أنظر إليك فَقَالَ: ألك زوج؟ قالت:
نعم، فأطرق ثم أنشأ يَقُول:
أما الحرام فلست أركب محرما ... ووصال مثلك فِي الحلال شديد
إن امرأ أمسيت ملك يمينه ... يقضي عليك بحكمه لسعيد
وترك الاجتياز بتلك السكة إلى أن مات.
قال: وحدثنا القاضي أَبُو عمر أنه حضر مجلس أَبِي جعفر مُحَمَّد بْن جرير الطبري فسأله عن مسألة من الفقه واتصل الكلام فيها- وكان من رجال التأليف ولم يكن من رجال النظر- فلما ضاق عليه الكلام قَالَ لي: ألست ابن جارنا أَحْمَد السمسار؟ قلت:
بلى، قَالَ: فأنا أعرف دينه فكيف أعترف بك؟ فقلت: لأنه شاهد من شهر به ما لم يجحده جرير فيك، فوجم ساعة ثم قال: نحن استدعينا المكروه لأنفسنا وأسألك ألّا تجيء إليّ دفعة أخرى.
قَالَ: وسمعت عَلِيّ بْن نصر بْن الصباح يَقُول: كان القاضي أَبُو عمر ابن السمسار لا يأكل السمك إلا دفعة واحدة عند وقت العنب، وهو أسمن ما يكون ببغداد فيشتري له منه شيء كثير، ويستدعي جماعة من القضاة والشهود ووجوه الأشراف والتجار لأكله ويعقد قبل فالوذج محكم وتشوى فراخ كثيرة، فيقدم طبق فالوذج فِي أول الطعام فيؤكل منه لقم، ثم تقدم الفراخ فيأخذ كل واحد منها فرخا، ثم يرفع ويقدم أنواع السمك فيأكل الناس إلى أن يستكفون، ثم تعاد الفراخ إليهم ثم الفالوذج فيأتون عَلَى آخره، فإذا رفع الطعام قَالَ لأصحابه: أبشروا بالسلامة من ضرره فقد حصل بين الصفاقين.
وبه: قَالَ وَقَالَ لنا أَبُو الحَسَن بْن الصباح: وشاهدت لهذا القاضي أَبِي عمر عجبا وهو أنه كان كثير الخدمة للملوك والرؤساء، مغرما بقضاء حقوق الناس موقوفا عَلَى فقدهم، فحج فِي بعض السنين وعاد من الحج فلم يزل الناس ينتابونه لتهنئته بالسلامة، فصاحبته بضعة عشر يوما حتى يغص المسجد بهم وينقطع الطريق لازدحام دوابهم، فلما مات لم يخلف ولدا ولا ذا قرابة يعزى به، ولم يحضر جنازته إلا تلاميذه ومن كان يقرأ عليه، وكان نيفا وعشرين رجلًا ولم يشهده أحد من تلك الجماعات ولا صلى عليه، وكان هَذَا من أعجب ما شاهدت.
قرأت في كتاب «التاريخ» لهلال بن المحسن الكاتب بخطه قَالَ: وفي يوم الثلاثاء الثالث عشر من رجب سنة إحدى وستين وثلاثمائة توفي أَبُو عُمَر عُبَيْد اللَّهِ بْن الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بابن السمسار القاضي الشاهد فجأة، وكان يتولى سوق الرقيق.
من تلاميذ أَبِي بكر مُحَمَّد بْن داود الأصبهاني، وروى عنه وعن ابنه داود أيضا وعن أَبِي جعفر مُحَمَّد بْن جرير الطبري وإسماعيل بْن إسحاق القاضي، روى عنه الْقَاضِي أَبُو عَلِيّ المحسن بْن عَلِيّ التنوخي فِي «كتاب نشوار المحاضرة» من جمعه، وأبو الحَسَن عَلِيّ بْن نصر بْن الصباغ الكاتب البغدادي نزيل مصر، وكان من خواص أصحابه وذكر أنه قرأ عليه مصنفات أَبِي بكر بْن داود بأسرها و «كتاب الموضح» لأبي الحَسَن المغلس، وأنه كان إماما كبيرا.
قَرَأْتُ عَلَى أَبِي القَاسِم سَعِيد بْن مُحَمَّد المؤدب عن أَبِي بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْد الباقي بْن مُحَمَّد المعدل قَالَ: كتب إليّ الْقَاضِي أَبُو عَبْد اللَّهِ مُحَمَّد بْن سلامة بْن جعفر القضاعي وحدثني عنه عَبْد المحسن بن محمد بن علي التاجر قال: حدثني أبو الحسن علي بن نصر ابن الصباغ البغدادي قال: حدثنا القاضي أَبُو عمر عُبَيْد اللَّه بْن أَحْمَد السمسار أن
حدثا كان يعرف بابن سمنون الصوفي نشأ مع أَبِي بكر يعني ابن داود فِي كتاب واحد وكانا لا يفترقان، وإذا عمل أَبُو بكر كتابا فِي الأدب ناقضه وعمل فِي معناه، وأن أَبَا بكر نقش عَلَى فص خاتمه سطرين، الأول منهما وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ
والآخر: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ
فكان إذا رأى إنسانا ينظر إلى حدث رمى إليه بخاتمه وَقَالَ: أقرأ ما عليه فينتهي عن ذلك، فَقَالَ لابن سمنون : إن بدران يناقضني فِي هَذَا، فَقَالَ نعم، ولما كان من الغد جاءه بخاتم على فصه [سطران] والأول منهما: وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ
والثاني وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا.
قال: وحدثنا القاضي أَبُو عمر أن أَبَا بكر يعني ابن داود كان يجعل طريقه إلى الجامع من سكة الربيع وكانت امرأة تقف خلف بابها وتفتح منه بقدر ما تنظر إليه، فلما كان بعد مدة جذبت طيلساني وكنت أمشي خلفه فقالت: يا هَذَا! إني اشتهي أن استفتي صاحبك فِي مسألة وأستحي أن أخاطبه عَلَى الطريق فاعمل عَلَى أن يدخل إلى مسجد مقابل باب دارها لنسأله فيه، ودفعت إلى دملج، وقالت: خذ هَذَا بارك اللَّه لك فيه! فرددته إليها وقلت: أنا فِي غنى عنه ولكني أتلطفه فِي ذلك عند انصرافنا من الجامع، فلما قربنا من ذلك المسجد عرفته أن البول قد أتلفني وسألته أن ندخل المسجد إلى أن أقضى حاجتي ففعل، ودخلت عليه وعدت فإذا هي تشكو إليه وتقول: واللَّه! إني لأحبك وإني لأشتهي أن أنظر إليك فَقَالَ: ألك زوج؟ قالت:
نعم، فأطرق ثم أنشأ يَقُول:
أما الحرام فلست أركب محرما ... ووصال مثلك فِي الحلال شديد
إن امرأ أمسيت ملك يمينه ... يقضي عليك بحكمه لسعيد
وترك الاجتياز بتلك السكة إلى أن مات.
قال: وحدثنا القاضي أَبُو عمر أنه حضر مجلس أَبِي جعفر مُحَمَّد بْن جرير الطبري فسأله عن مسألة من الفقه واتصل الكلام فيها- وكان من رجال التأليف ولم يكن من رجال النظر- فلما ضاق عليه الكلام قَالَ لي: ألست ابن جارنا أَحْمَد السمسار؟ قلت:
بلى، قَالَ: فأنا أعرف دينه فكيف أعترف بك؟ فقلت: لأنه شاهد من شهر به ما لم يجحده جرير فيك، فوجم ساعة ثم قال: نحن استدعينا المكروه لأنفسنا وأسألك ألّا تجيء إليّ دفعة أخرى.
قَالَ: وسمعت عَلِيّ بْن نصر بْن الصباح يَقُول: كان القاضي أَبُو عمر ابن السمسار لا يأكل السمك إلا دفعة واحدة عند وقت العنب، وهو أسمن ما يكون ببغداد فيشتري له منه شيء كثير، ويستدعي جماعة من القضاة والشهود ووجوه الأشراف والتجار لأكله ويعقد قبل فالوذج محكم وتشوى فراخ كثيرة، فيقدم طبق فالوذج فِي أول الطعام فيؤكل منه لقم، ثم تقدم الفراخ فيأخذ كل واحد منها فرخا، ثم يرفع ويقدم أنواع السمك فيأكل الناس إلى أن يستكفون، ثم تعاد الفراخ إليهم ثم الفالوذج فيأتون عَلَى آخره، فإذا رفع الطعام قَالَ لأصحابه: أبشروا بالسلامة من ضرره فقد حصل بين الصفاقين.
وبه: قَالَ وَقَالَ لنا أَبُو الحَسَن بْن الصباح: وشاهدت لهذا القاضي أَبِي عمر عجبا وهو أنه كان كثير الخدمة للملوك والرؤساء، مغرما بقضاء حقوق الناس موقوفا عَلَى فقدهم، فحج فِي بعض السنين وعاد من الحج فلم يزل الناس ينتابونه لتهنئته بالسلامة، فصاحبته بضعة عشر يوما حتى يغص المسجد بهم وينقطع الطريق لازدحام دوابهم، فلما مات لم يخلف ولدا ولا ذا قرابة يعزى به، ولم يحضر جنازته إلا تلاميذه ومن كان يقرأ عليه، وكان نيفا وعشرين رجلًا ولم يشهده أحد من تلك الجماعات ولا صلى عليه، وكان هَذَا من أعجب ما شاهدت.
قرأت في كتاب «التاريخ» لهلال بن المحسن الكاتب بخطه قَالَ: وفي يوم الثلاثاء الثالث عشر من رجب سنة إحدى وستين وثلاثمائة توفي أَبُو عُمَر عُبَيْد اللَّهِ بْن الْحُسَيْن الْمَعْرُوف بابن السمسار القاضي الشاهد فجأة، وكان يتولى سوق الرقيق.