- وعبد الرحمن بن حسنة. من ساكني الكوفة. روى في الضباب وفي البول.
Khalīfa b. al-Khayyāṭ (d. 854 CE) - al-Ṭabaqāt - خليفة بن الخياط - الطبقات
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ض
ط
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 2454 1403. عبد الرحمن بن ثوبان2 1404. عبد الرحمن بن جبير4 1405. عبد الرحمن بن حاطب4 1406. عبد الرحمن بن حرملة8 1407. عبد الرحمن بن حسان4 1408. عبد الرحمن بن حسنة31409. عبد الرحمن بن حميد3 1410. عبد الرحمن بن خالد1 1411. عبد الرحمن بن رفاعة1 1412. عبد الرحمن بن زياد7 1413. عبد الرحمن بن زيد8 1414. عبد الرحمن بن سعيد7 1415. عبد الرحمن بن سمرة4 1416. عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب3 1417. عبد الرحمن بن شبل5 1418. عبد الرحمن بن صحار1 1419. عبد الرحمن بن صيفي1 1420. عبد الرحمن بن عائذ5 1421. عبد الرحمن بن عبد القاري8 1422. عبد الرحمن بن عبد الله22 1423. عبد الرحمن بن عبد عبد الله بن عثمان1 1424. عبد الرحمن بن عثمان3 1425. عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله3 1426. عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي5 1427. عبد الرحمن بن عطية1 1428. عبد الرحمن بن علي2 1429. عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي4 1430. عبد الرحمن بن عمير الأصغر1 1431. عبد الرحمن بن عوسجة النهمي2 1432. عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث1 1433. عبد الرحمن بن عويم2 1434. عبد الرحمن بن عيينة1 1435. عبد الرحمن بن غنم الأشعري5 1436. عبد الرحمن بن كعب2 1437. عبد الرحمن بن محمد المحاربي11 1438. عبد الرحمن بن محيصن السهمي1 1439. عبد الرحمن بن مخبرين1 1440. عبد الرحمن بن مطيع3 1441. عبد الرحمن بن مهدي7 1442. عبد الرحمن بن مهران4 1443. عبد الرحمن بن نيار1 1444. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج2 1445. عبد الرحمن بن يزيد12 1446. عبد الرحمن بن يعقوب5 1447. عبد الرحمن بن يعمر2 1448. عبد الرحمن والمهاجر ابنا خالد بن الوليد...1 1449. عبد الرحمن وعبد الله ابنا سعيد بن يربوع...1 1450. عبد الرحمن وعبد الملك وعمرو بنو محمد بن عمرو...1 1451. عبد الرحمن ومحمد وعبد الله بنو جابر1 1452. عبد الرحمن ابن برثن1 1453. عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن...1 1454. عبد الرحيم بن عبد الرحمن2 1455. عبد الرزاق بن همام8 1456. عبد السلام بن حرب الملائي3 1457. عبد الصمد بن حسان1 1458. عبد العزيز بن أبي حازم4 1459. عبد العزيز بن أبي رواد6 1460. عبد العزيز بن حكيم الحضرمي6 1461. عبد العزيز بن رفيع5 1462. عبد العزيز بن صهيب5 1463. عبد العزيز بن عبد الصمد2 1464. عبد العزيز بن عبد الله10 1465. عبد العزيز بن عمر1 1466. عبد العزيز بن محمد1 1467. عبد العزيز بن مروان2 1468. عبد العزيز بن مسلم القسملي8 1469. عبد الكريم بن مالك2 1470. عبد الله20 1471. عبد الله أبو المغيرة2 1472. عبد الله الأصغر2 1473. عبد الله بن أبي إسحاق1 1474. عبد الله بن أبي الجدعاء3 1475. عبد الله بن أبي الحمساء3 1476. عبد الله بن أبي السفر4 1477. عبد الله بن أبي الهذيل3 1478. عبد الله بن أبي بكر5 1479. عبد الله بن أبي حبيبة2 1480. عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة2 1481. عبد الله بن أبي زكريا1 1482. عبد الله بن أبي سلمة2 1483. عبد الله بن أبي طلحة3 1484. عبد الله بن أبي قتادة4 1485. عبد الله بن أبي نجيح2 1486. عبد الله بن أبي يحيى2 1487. عبد الله بن أقرم1 1488. عبد الله بن أنيس3 1489. عبد الله بن إدريس الأودي2 1490. عبد الله بن الأخرم2 1491. عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث1 1492. عبد الله بن الأسود2 1493. عبد الله بن الحارث17 1494. عبد الله بن الحارث بن نوفل1 1495. عبد الله بن الحسن بن الحسن1 1496. عبد الله بن الزبير8 1497. عبد الله بن الزبير بن العوام8 1498. عبد الله بن السائب9 1499. عبد الله بن السعدي7 1500. عبد الله بن الشخير5 1501. عبد الله بن الصامت7 1502. عبد الله بن المؤمل المخزومي2 ◀ Prev. 100▶ Next 100
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 2454 1403. عبد الرحمن بن ثوبان2 1404. عبد الرحمن بن جبير4 1405. عبد الرحمن بن حاطب4 1406. عبد الرحمن بن حرملة8 1407. عبد الرحمن بن حسان4 1408. عبد الرحمن بن حسنة31409. عبد الرحمن بن حميد3 1410. عبد الرحمن بن خالد1 1411. عبد الرحمن بن رفاعة1 1412. عبد الرحمن بن زياد7 1413. عبد الرحمن بن زيد8 1414. عبد الرحمن بن سعيد7 1415. عبد الرحمن بن سمرة4 1416. عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب3 1417. عبد الرحمن بن شبل5 1418. عبد الرحمن بن صحار1 1419. عبد الرحمن بن صيفي1 1420. عبد الرحمن بن عائذ5 1421. عبد الرحمن بن عبد القاري8 1422. عبد الرحمن بن عبد الله22 1423. عبد الرحمن بن عبد عبد الله بن عثمان1 1424. عبد الرحمن بن عثمان3 1425. عبد الرحمن بن عثمان بن عبيد الله3 1426. عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي5 1427. عبد الرحمن بن عطية1 1428. عبد الرحمن بن علي2 1429. عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي4 1430. عبد الرحمن بن عمير الأصغر1 1431. عبد الرحمن بن عوسجة النهمي2 1432. عبد الرحمن بن عوف بن عبد الحارث1 1433. عبد الرحمن بن عويم2 1434. عبد الرحمن بن عيينة1 1435. عبد الرحمن بن غنم الأشعري5 1436. عبد الرحمن بن كعب2 1437. عبد الرحمن بن محمد المحاربي11 1438. عبد الرحمن بن محيصن السهمي1 1439. عبد الرحمن بن مخبرين1 1440. عبد الرحمن بن مطيع3 1441. عبد الرحمن بن مهدي7 1442. عبد الرحمن بن مهران4 1443. عبد الرحمن بن نيار1 1444. عبد الرحمن بن هرمز الأعرج2 1445. عبد الرحمن بن يزيد12 1446. عبد الرحمن بن يعقوب5 1447. عبد الرحمن بن يعمر2 1448. عبد الرحمن والمهاجر ابنا خالد بن الوليد...1 1449. عبد الرحمن وعبد الله ابنا سعيد بن يربوع...1 1450. عبد الرحمن وعبد الملك وعمرو بنو محمد بن عمرو...1 1451. عبد الرحمن ومحمد وعبد الله بنو جابر1 1452. عبد الرحمن ابن برثن1 1453. عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عبد الرحمن...1 1454. عبد الرحيم بن عبد الرحمن2 1455. عبد الرزاق بن همام8 1456. عبد السلام بن حرب الملائي3 1457. عبد الصمد بن حسان1 1458. عبد العزيز بن أبي حازم4 1459. عبد العزيز بن أبي رواد6 1460. عبد العزيز بن حكيم الحضرمي6 1461. عبد العزيز بن رفيع5 1462. عبد العزيز بن صهيب5 1463. عبد العزيز بن عبد الصمد2 1464. عبد العزيز بن عبد الله10 1465. عبد العزيز بن عمر1 1466. عبد العزيز بن محمد1 1467. عبد العزيز بن مروان2 1468. عبد العزيز بن مسلم القسملي8 1469. عبد الكريم بن مالك2 1470. عبد الله20 1471. عبد الله أبو المغيرة2 1472. عبد الله الأصغر2 1473. عبد الله بن أبي إسحاق1 1474. عبد الله بن أبي الجدعاء3 1475. عبد الله بن أبي الحمساء3 1476. عبد الله بن أبي السفر4 1477. عبد الله بن أبي الهذيل3 1478. عبد الله بن أبي بكر5 1479. عبد الله بن أبي حبيبة2 1480. عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة2 1481. عبد الله بن أبي زكريا1 1482. عبد الله بن أبي سلمة2 1483. عبد الله بن أبي طلحة3 1484. عبد الله بن أبي قتادة4 1485. عبد الله بن أبي نجيح2 1486. عبد الله بن أبي يحيى2 1487. عبد الله بن أقرم1 1488. عبد الله بن أنيس3 1489. عبد الله بن إدريس الأودي2 1490. عبد الله بن الأخرم2 1491. عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث1 1492. عبد الله بن الأسود2 1493. عبد الله بن الحارث17 1494. عبد الله بن الحارث بن نوفل1 1495. عبد الله بن الحسن بن الحسن1 1496. عبد الله بن الزبير8 1497. عبد الله بن الزبير بن العوام8 1498. عبد الله بن السائب9 1499. عبد الله بن السعدي7 1500. عبد الله بن الشخير5 1501. عبد الله بن الصامت7 1502. عبد الله بن المؤمل المخزومي2 ◀ Prev. 100▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Khalīfa b. al-Khayyāṭ (d. 854 CE) - al-Ṭabaqāt - خليفة بن الخياط - الطبقات are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو متشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=86506&book=5517#ca6b47
عبد الرحمن بن حسنة الجهني
سكن الكوفة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث.
- حدثنا جدي نا أسد بن عمرو قال: حدثني ابن زنجويه وزياد بن أيوب قالا: نا يعلى بن عبيد [حدثنا عن] الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصابتنا مجاعة فأصبنا ضبابا فشوينا منها، فمر النبي صلى الله عليه وسلم والقدور تغلي فقال: " اكفوها " واللفظ لجدي.
- حدثنا الحسن بن عرفة نا علي بن هاشم بن البريد عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده درقة أو شبه الدرقة قال: فوضعها
ثم استتر عنا ثم [جلس يبول] فقال بعضنا لبعض: يبول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تبول المرأة [فسمعهم] قال: فجاءنا فقال: " أو ما علمتم الذي أصاب صاحب بني إسرائيل كانوا إذا أصاب [أحدهم] شيء من البول قطعه بالقراض فنهاهم عن ذلك فعذب في قبره.
سكن الكوفة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث.
- حدثنا جدي نا أسد بن عمرو قال: حدثني ابن زنجويه وزياد بن أيوب قالا: نا يعلى بن عبيد [حدثنا عن] الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأصابتنا مجاعة فأصبنا ضبابا فشوينا منها، فمر النبي صلى الله عليه وسلم والقدور تغلي فقال: " اكفوها " واللفظ لجدي.
- حدثنا الحسن بن عرفة نا علي بن هاشم بن البريد عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: انطلقت أنا وعمرو بن العاص إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده درقة أو شبه الدرقة قال: فوضعها
ثم استتر عنا ثم [جلس يبول] فقال بعضنا لبعض: يبول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تبول المرأة [فسمعهم] قال: فجاءنا فقال: " أو ما علمتم الذي أصاب صاحب بني إسرائيل كانوا إذا أصاب [أحدهم] شيء من البول قطعه بالقراض فنهاهم عن ذلك فعذب في قبره.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=103861&book=5517#7789a3
عَبْد الرَّحْمَن بْن حَسَنَة الْجُهَنِيّ المري حَلِيف بني زهرَة حدث عَنهُ
أهل الْكُوفَة بْن وهب وَغَيره
أهل الْكُوفَة بْن وهب وَغَيره
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=156241&book=5517#be852b
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيِّ بنِ حَسَّانِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ العَنْبَرِيُّ
الإِمَامُ، النَّاقِدُ، المُجَوِّدُ، سَيِّدُ
الحُفَّاظِ، أَبُو سَعِيْدٍ العَنْبَرِيُّ -وَقِيْلَ: الأَزْدِيُّ - مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَطَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
سَمِعَ: أَيْمَنَ بنَ نَابِلٍ، وَعُمَرَ بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ الحَضْرَمِيَّ، وَهِشَامَ بنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّسْتُوَائِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُسْلِمٍ العَبْدِيَّ قَاضِي جَزِيْرَةَ قَيْسٍ، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بنَ دِيْنَارٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ، وَأَبَا يَعْلَى عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الجَلِيْلِ بنَ عَطِيَّةَ البَصْرِيَّ، وَعِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَعَلِيَّ بنَ مَسْعَدَةَ البَاهِلِيَّ، وَعِمْرَانَ القَطَّانَ، وَالمُثَنَّى بنَ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيَّ، وَيُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبَا حُرَّةَ وَاصِلَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَأَبَانَ بنَ يَزِيْدَ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَأُمَماً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَارِثِيُّ كُرْبُزَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَاهَانَ زَنْبَقَةُ، وَخَلْقٌ يَتَعَذَّرُ حَصْرُهُم.
وَكَانَ إِمَاماً، حُجَّةً، قُدوَةً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ.قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ أَعْرِفُ لَهُ نَظِيْراً فِي هَذَا الشَّأْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفْقَهُ مِنْ يَحْيَى القَطَّانِ.
وَقَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَكِيْعٌ، فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَثْبَتُ؛ لأَنَّهُ أَقْرَبُ عَهداً بِالكِتَابِ، وَاخْتَلَفَا فِي نَحْوٍ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً لِلثَّوْرِيِّ.
قَالَ: فَنَظَرْنَا، فَإِذَا عَامَّةُ الصَّوَابِ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كُنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا، ذَهَبْنَا إِلَى دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِالحَدِيْثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْ كَتَبتُ حَدِيْثَ الأَعْمَشِ، وَكُنْتُ عِنْدَ نَفْسِي أَنَّنِي قَدْ بَلَغتُ فِيْهَا، فَقُلْتُ: وَمَنْ يُفِيْدُنِي عَنِ الأَعْمَشِ.
فَقَالَ لِي: مَنْ يُفِيْدُكَ عَنِ الأَعْمَشِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَأَطرَقَ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً لَيْسَتْ عِنْدِي، يَتَّبِعُ أَحَادِيْثَ الشُّيُوْخِ الَّذِيْنَ لَمْ أَلْقَهُم أَنَا، وَلَمْ أَكْتُبْ حَدِيْثَهُم نَازِلاً.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ: أَحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَتْقَنَ لِمَا سَمِعَ، وَلِمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَلِحَدِيْثِ النَّاسِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، إِمَامٌ،
ثَبْتٌ، أَثْبَتُ مَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَتْقَنُ مِنْ وَكِيْعٍ، كَانَ عَرَضَ حَدِيْثَهُ عَلَى سُفْيَانَ.قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ حِفْظاً.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
لاَ يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ إِمَاماً، حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَصِحُّ مِمَّا لاَ يَصِحُّ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِلْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الحَدِيْثِ كَالسِّحرِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
مَا تَرَكتُ حَدِيْثَ رَجُلٍ إِلاَّ دعوَتُ اللهَ لَهُ، وَأُسَمِّيهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ زِيَادٍ سَبَلاَنُ : قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ؟
فَقَالَ: لَوْ كَانَ لِي سُلْطَانٌ، لَقُمْتُ عَلَى الجِسْرِ، فَلاَ يَمُرُّ بِي أَحَدٌ إِلاَّ سَأَلتُهُ، فَإِذَا قَالَ: مَخْلُوْقٌ، ضَرَبتُ عُنُقَهُ، وَأَلقَيْتُهُ فِي المَاءِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: الْتَقَى وَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الحَرَمِ بَعْدَ العِشَاءِ، فَتَوَاقَفَا، حَتَّى سَمِعَا أَذَانَ الصُّبْحِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَكرَهُ أَنْ يُعْصَى اللهُ، لَتَمَنَّيْتُ
أَنْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ فِي المِصْرِ إِلاَّ اغْتَابَنِي! أَيُّ شَيْءٍ أَهنَأُ مِنْ حَسَنَةٍ يَجِدُهَا الرَّجُلُ فِي صَحِيْفَتِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا.وَعَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَجلِسُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَإِذَا كَثُرَ النَّاسُ، فَرِحتُ، وَإِذَا قَلُّوا حَزِنْتُ، فَسَأَلْتُ بِشْرَ بنَ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: هَذَا مَجْلِسُ سُوءٍ، فَلاَ تَعُدْ إِلَيْهِ، فَمَا عُدْتُ إِلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، أَنَّ أَبَاهُ قَامَ لَيْلَةً، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ.
قَالَ: فَلَمَّا طَلَعَ الفَجْرُ، رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى الفِرَاشِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ، فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ شَيْئاً شَهْرَيْنِ، فَقَرَّحَ فَخِذَاهُ جَمِيْعاً.
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ لِفَتَىً مِنْ وَلَدِ الأَمِيْرِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِي الرَّبِّ وَتَصِفُهُ وَتُشَبِّهُهُ.
قَالَ: نَعَمْ، نَظَرْنَا، فَلَمْ نَرَ مِنْ خَلْقِ اللهِ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنَ الإِنْسَانِ.
فَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الصِّفَةِ وَالقَامَةِ، فَقَالَ لَهُ: رُوَيْدَكَ يَا بُنَيَّ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوَّلَ شَيْءٍ فِي المَخْلُوْقِ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْهُ، فَنَحْنُ عَنِ الخَالِقِ أَعْجَزُ، أَخْبِرْنِي عَمَّا حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى} [النَّجْمُ: 18] .
قَالَ: رَأَى جِبْرِيْلَ لَهُ سِتُّ مائَةِ جَنَاحٍ، فَبَقِيَ الغُلاَمُ يَنْظُرُ، فَقَالَ: أَنَا أُهَوِّنُ عَلَيْكَ، صِفْ لِي خَلْقاً
لَهُ ثَلاَثَةُ أَجْنِحَةٍ، وَرُكِّبَ الجَنَاحُ الثَّالِثُ مِنْهُ مَوْضِعاً حَتَّى أَعْلَمَ.قَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، عَجَزْنَا عَنْ صِفَةِ المَخْلُوْقِ، فَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ عَجَزْتُ وَرَجَعْتُ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ أَكْثَرُ حَدِيْثاً.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: شَرِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ البَلاَذرَ، وَكَذَا الطَّيَالِسِيُّ، فَبَرِصَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَجُذِمَ الآخَرُ.
قَالَ: وَقِيْلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: يَغْفِرُ لَكَ ذَنْباً، أَوْ تَحْفَظُ حَدِيْثاً؟
قَالَ: أَحْفَظُ حَدِيْثاً.
أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ جَرِيْراً الرَّازِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ ... ، وَوَصَفَ حِفْظَهُ وَبَصَرَهُ بِالحَدِيْثِ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: كَيْفَ تَعرِفُ الكَذَّابَ؟
قَالَ: كَمَا يَعْرِفُ الطَّبِيْبُ المَجْنُوْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: لَوْ
أُخِذْتُ، فَحُلِّفْتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفتُ بِاللهِ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً قَطُّ أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.سَمِعَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مِنْهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَيْمَازَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ الجَرَّاحِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَحْبُوْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَمْرِو بنِ نَبْهَانَ بنِ صَفْوَانَ الثَّقَفِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
لَوْ حُلِّفتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفْتُ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
وَبِهِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
مَا رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ مِثْلَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِمَامٌ.
وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ الطُّوْسِيُّ: قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِ هُشَيْمٍ، فَأَخَذَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَصْحَابُهُ بِيَدِ فَتَىً، فَأَدخَلُوْهُ مَسْجِداً، وَكَتَبْنَا عَنْهُ، فَإِذَا الفَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رُسْتَه يَقُوْلُ:
كَانَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ جَارِيَةٌ، فَطَلَبَهَا مِنْهُ رَجُلٌ، فَكَانَ مِنْهُ شِبْهُ العِدَةِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ، قِيْلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا صَاحِبُ الخُصُوْمَاتِ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُخَاصِمُ فِي الدِّيْنِ.فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! إِنَّا نَضَعُ عَلَيْهِم لِنُحَاجَّهُم بِهَا.
فَقَالَ: أَتَدفَعُ البَاطِلَ بِالبَاطِلِ؟ إِنَّمَا تَدْفَعُ كَلاَماً بِكَلاَمٍ، قُمْ عَنِّي، وَاللهِ لاَ بِعْتُكَ جَارِيَتِي أَبَداً.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اترُكْ مَنْ كَانَ رَأْساً فِي بِدْعَةٍ يَدعُو إِلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: دَخَلْتُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ - وَكُنْتُ أَزُورُهَا بَعْد مَوْتِهِ - فَرَأَيْتُ سَوَاداً فِي القِبْلَةِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَتْ: مَوْضِعُ اسْتِرَاحَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّومُ، وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَنْ طَلَبَ العَرَبِيَّةَ، فَآخِرُهُ مُؤَدِّبٌ، وَمَنْ طَلَبَ الشِّعْرَ، فَآخِرُهُ شَاعِرٌ يَهْجُو أَوْ يَمْدَحُ بِالبَاطِلِ، وَمَنْ طَلَبَ الكَلاَمَ، فَآخِرُ أَمرِهِ الزَّنْدَقَةُ، وَمَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ، كَانَ إِمَاماً، وَإِنْ فَرَّطَ ثُمَّ أَنَابَ يَوْماً، يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَقَدْ عَتُقَتْ وَجَادَتْ.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى: كُنْتُ أَسْأَلُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنِ المَشَايِخِ بِالبَصْرَةِ.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
إِنَّ الجَهْمِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنْ يَكُوْنَ اللهُ كَلَّمَ مُوْسَى، وَأَنْ يَكُوْنَ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ،
أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم.قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ثُمَّ كَانَ بَعْدَ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَذْهَبُ مَذْهَبَ تَابِعِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَيَقْتَدِي بِطَرِيْقَتِهِم، وَقَالَ:
نَظَرْتُ فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدُورُ عَلَى سِتَّةٍ، ثُمَّ صَارَ عِلْمُهُم إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ نَفْساً، ثُمَّ صَارَ عِلْمُهُم إِلَى: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَوْثَقُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ، خِيَارٌ، صَالِحٌ، مُسْلِمٌ، مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ أَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، أَخاً لِهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مِنْ
الرَّضَاعَةِ.وَقَدْ قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنَا أَخِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أَبِي، قَالَ:
لَمْ يَزَلْ أَمرُ بَنِي إِسْرَائِيْلَ مُعْتَدِلاً حَتَّى نَشَأَ فِيْهِم أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَمِ، فَقَالُوا فِيْهِم بِالرَّأْيِ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا.
قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كَانَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ إِذَا نَظَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ فِي مَجْلِسِهِ، تَهَلَّلَ وَجْهُهُ.
وَقَالَ صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ الحَافِظُ: أَتَيْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ أَسْأَلُهُ، فَقَالَ لِي: الْزَمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ.
وَأَفَادَنِي عَنْهُ أَحَادِيْثَ، فَسَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْهَا، فَحَدَّثَنِي بِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ:
كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَكُوْنُ عِنْدَ سُفْيَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا جَاءنَا سَاعَةً، جَاءَ رَسُوْلُ سُفْيَانَ فِي أَثَرِهِ يَطْلُبُهُ، فَيَدَعُنَا، وَيَذْهَبُ إِلَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
أَفْتَى سُفْيَانُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَرَآنِي كَأَنِّيْ أَنْكَرتُ فُتْيَاهُ، فَقَالَ: أَنْتَ مَا تَقُوْلُ؟
قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، خِلاَفَ قَوْلِهِ، فَسَكَتَ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: لَوْ أَنَّ عِنْدِي كُتُبِي، لأَفَدْتُكَ عِلْماً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ لاَ يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلاَ يُبْرَى قَلَمٌ، وَلاَ يَتَبَسَّمُ أَحَدٌ، وَلاَ يَقُوْمُ أَحَدٌ قَائِماً، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِهِمُ الطَّيرَ،
أَوْ كَأَنَّهُم فِي صَلاَةٍ، فَإِذَا رَأَى أَحَداً مِنْهُم تَبَسَّمَ، أَوْ تَحَدَّثَ، لَبِسَ نَعْلَهُ، وَخَرَجَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
عِنْدِي عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً -يَعْنِي: الطُّرَقَ-.
قَالَ بُنْدَارُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
لَوِ اسْتَقبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَكَتَبْتُ تَفْسِيْرَ الحَدِيْثِ إِلَى جَنْبِهِ، وَلأَتَيْتُ المَدِيْنَةَ حَتَّى أَنْظُرَ فِي كُتُبِ قَوْمٍ سَمِعْتُ مِنْهُم.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ - وَذَكَرَ الفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ - فَقَالَ:
كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِقَوْلِهِم وَحَدِيْثِهِم: ابْنُ شِهَابٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ مَالِكٌ، ثُمَّ بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ، فَهُوَ ثِقَةٌ.وَقَالَ عَلِيٌّ: كَانَ وِرْدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُلَّ لَيْلَةٍ نِصْفَ القُرْآنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ كِتَاباً قَطُّ -يَعْنِي: كَانَ يُحَدِّثُ حِفْظاً -.
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
كَانَ يُقَالُ: إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَوْقَهُ فِي العلمِ، فَهُوَ يَوْمُ غَنِيمَتِهِ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، دَارَسَهُ، وَتَعَلَّمَ مِنْهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، تَوَاضَعَ لَهُ، وَعَلَّمَهُ، وَلاَ يَكُوْنُ إِمَاماً فِي العِلمِ مَنْ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلاَ يَكُوْنُ إِمَاماً مَنْ حَدَّثَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلاَ مَنْ يُحَدِّثُ بِالشَّاذِّ، وَالحِفْظُ لِلإِتْقَانِ.
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَعْرِفَةُ الحَدِيْثِ إِلهَامٌ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ ضَحَّاكٍ: سَمِعْتُ القَوَارِيْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ وَحَدِيْثَ غَيْرِهِ.
وَكَانَ يَحْيَى القَطَّانُ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ، فَسَمِعْتُ
حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ:لَئِنْ عَاشَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، لَنُخَرِّجَنَّ رَجُلَ أَهْلِ البَصْرَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ بِحَضرَةِ يَحْيَى القَطَّانِ - وَذَكَرَ الجَهْمِيَّةَ - فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُنَاكِحَهُم، وَلاَ أُصَلِّيَ خَلْفَهُم.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
الجَهْمِيَّةُ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَنفُوا الكَلاَمَ عَنِ اللهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ القُرْآنُ كَلاَمَ اللهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ كَلَّمَ مُوْسَى، وَقَدْ وَكَّدَهُ اللهُ -تَعَالَى- فَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيْماً } [النِّسَاءُ: 164] .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَبنِي بِأَهْلِهِ، أَيَترُكُ الجَمَاعَةَ أَيَّاماً؟
قَالَ: لاَ، وَلاَ صَلاَةً وَاحِدَةً.
وَحَضَرْتُهُ صَبِيْحَةَ بُنِي عَلَى ابْنَتِهِ، فَخَرَجَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَابِهِمَا، فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: قُوْلِي لَهُمَا: يَخْرُجَانِ إِلَى الصَّلاَةِ.
فَخَرَجَ النِّسَاءُ وَالجَوَارِي، فَقُلْنَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟
فَقَالَ: لاَ أَبرَحُ حَتَّى يَخْرُجَا إِلَى الصَّلاَةِ.
فَخَرَجَا بَعْدَ مَا صَلَّى، فَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى مَسْجِدٍ خَارِجٍ مِنَ الدَّرْبِ.
قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ السَّلَفُ فِي الحِرْصِ عَلَى الخَيْرِ.
قَالَ رُسْتَه: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ، فَمَاتَ أَخُوْهُ، وَأَوْصَى إِلَيْهِ، فَأَقَامَ عَلَى أَيْتَامِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
قَدِ ابْتُلِيْتُ بِهَؤُلاَءِ الأَيْتَامِ،
فَاسْتَقرَضْتُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ احْتَجتُ إِلَيْهَا فِي مَصْلَحَةِ أَرْضِهِم.ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ لابْنِ مَهْدِيٍّ فِي (الحِلْيَةِ) تَرْجَمَةً طَوِيْلَةً جِدّاً، فَرَوَى فِيْهَا مِنْ حَدِيْثِهِ مائَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَقَدْ لَحِقَ صِغَارَ التَّابِعِيْنَ: كَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَصَالِحِ بنِ دِرْهَمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ.
وَكَانَ قَدِ ارْتَحَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنَ البَصْرَةِ، فَحَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ.
قَالَ بُنْدَارُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
مَا نَعرِفُ كِتَاباً فِي الإِسْلاَمِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ أَصَحَّ مِنْ (مُوَطَّأِ مَالِكٍ) .
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
أَئِمَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِم: سُفْيَانُ بِالكُوْفَةِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ.
أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَكَانَ ثِقَةً؟
فَقَالَ: كَانَ صَدُوْقاً، وَكَانَ خِيَاراً، وَكَانَ مَأْمُوْناً، الثِّقَةُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
لَزِمتُ مَالِكاً حَتَّى مَلَّنِي.
فَقُلْتُ يَوْماً: قَدْ غِبْتُ عَنْ أَهْلِي هَذِهِ الغَيْبَةَ الطَّوِيْلَةَ، وَلاَ أَعْلَمُ مَا حَدَثَ بِهِم بَعْدِي.
قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَأَنَا بِالقُربِ مِنْ أَهْلِي، وَلاَ أَدْرِي مَا حَدَثَ بِهِم مُنْذُ خَرَجْتُ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ فِي (الضُّعَفَاءِ) : إِلاَّ أَنَّ مِنْ أَكْثَرِهِم تَنْقِيْراً عَنْ شَأْنِ المُحَدِّثِيْنَ، وَأَتْرَكِهِم لِلضُّعَفَاءِ وَالمَتْرُوْكِيْنَ، حَتَّى يَجْعَلَهُ لِهَذَا الشَّأْنِ صِنَاعَةً لَهُم لَمْ يَتَعَدَّوْهَا - مَعَ لُزُومِ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ الشَّدِيْدِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي السُّنَنِ - رَجُلَيْنِ : يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ.قَالَ سَهْلُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ:
وَقَعتُ بَيْنَ أَسَدَيْنِ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى القَطَّانِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ ابْنُ مَهْدِيٍّ بِالبَصْرَةِ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَعَاشَ أَبُوْهُ بَعْدَهُ، وَكَانَ شَيْخاً عَامِّيّاً، رُبَّمَا كَانَ يَمْزَحُ بِجَهْلٍ، وَيُشِيْرُ إِلَى الجَمَاعَةِ إِلَى ابْنِهِ، وَيُشِيْرُ إِلَى مَتَاعِهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا خَرَجَ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُمَرَ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
فِتْنَةُ الحَدِيْثِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ المَالِ وَالوَلَدِ.
قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
لأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ حَدِيْثٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَفِيْدَ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ أَخُو رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
مُحَرَّمٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ إِلاَّ فِي شَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ ثِقَةٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الجُلُوْسَ إِلَى ذِي هَوَىً، أَوْ ذِي رَأْيٍ.وَقَالَ رُسْتَه: قَامَ ابْنُ مَهْدِيٍّ مِنَ المَجْلِسِ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ:
يَا قَوْمُ! لاَ تَطَؤُنَّ عَقِبِي، وَلاَ تَمْشُنَّ خَلْفِي، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ عِمْرَانُ: خَفْقُ النِّعَالِ خَلْفَ الأَحْمَقِ قَلَّ مَا يُبقِي مِنْ دِيْنِهِ.
قَالَ رُسْتَه: سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَتَمَنَّى المَوْتَ مَخَافَةَ الفِتْنَةِ عَلَى دِيْنِهِ؟
قَالَ: مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً، لَكِنْ لاَ يَتَمَنَّاهُ مَنْ ضُرٍّ بِهِ، أَوْ فَاقَةٍ، تَمَنَّى المَوْتَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَنْ دُوْنَهُمَا.
وَسَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ ) .
فَقُلْتُ: الآمِرُ رَجُلٌ.
فَقَالَ: خُذْ بِمَا لاَ يَرِيْبُكَ حَتَّى لاَ يُصِيْبَكَ مَا يَرِيْبُكَ -يَعْنِي: الحِيَلَ-.
وَبَلَغَنَا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا هُوَ -يَعْنِي: الغَرَامَ بِطَلَبِ الحَدِيْثِ- إِلاَّ مِثْلُ لَعِبِ الحَمَامِ، وَنِطَاحِ الكِبَاشِ.
قُلْتُ: صَدَقَ -وَاللهِ- إِلاَّ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ اللهَ، وَقَلِيْلٌ مَا هُم.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا القَاضِي جَمَالُ الدِّيْنِ
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُمَيْعٍ بِصَيْدَا، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ لِي عَلَيْهِ سُلْطَانٌ - عَلَى مَنْ يَقْرَأُ قِرَاءةَ حَمْزَةَ - لأَوْجَعْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ.
قُلْتُ: جَاءَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى مَا فِيْهَا مِنْ
قَبِيْلِ الأَدَاءِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.وَقَدِ اسْتَقَرَّ اليَوْمَ الإِجْمَاعُ عَلَى تَلَقِّي قِرَاءةِ حَمْزَةَ بِالقَبُولِ.
الإِمَامُ، النَّاقِدُ، المُجَوِّدُ، سَيِّدُ
الحُفَّاظِ، أَبُو سَعِيْدٍ العَنْبَرِيُّ -وَقِيْلَ: الأَزْدِيُّ - مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ، اللُّؤْلُؤِيُّ.
وُلِدَ: سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَةٍ.
قَالَهُ: أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ.
وَطَلَبَ هَذَا الشَّأْنَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً.
سَمِعَ: أَيْمَنَ بنَ نَابِلٍ، وَعُمَرَ بنَ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ الحَضْرَمِيَّ، وَهِشَامَ بنَ أَبِي عَبْدِ اللهِ الدَّسْتُوَائِيَّ، وَإِسْمَاعِيْلَ بنَ مُسْلِمٍ العَبْدِيَّ قَاضِي جَزِيْرَةَ قَيْسٍ، وَأَبَا خَلْدَةَ خَالِدَ بنَ دِيْنَارٍ، وَسُفْيَانَ، وَشُعْبَةَ، وَالمَسْعُوْدِيَّ، وَعَبْدَ اللهِ بنَ بُدَيْلِ بنِ وَرْقَاءَ، وَأَبَا يَعْلَى عَبْدَ اللهِ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الثَّقَفِيَّ، وَعَبْدَ الجَلِيْلِ بنَ عَطِيَّةَ البَصْرِيَّ، وَعِكْرِمَةَ بنَ عَمَّارٍ، وَعَلِيَّ بنَ مَسْعَدَةَ البَاهِلِيَّ، وَعِمْرَانَ القَطَّانَ، وَالمُثَنَّى بنَ سَعِيْدٍ الضُّبَعِيَّ، وَيُوْنُسَ بنَ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَبَا حُرَّةَ وَاصِلَ بنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَحَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ، وَأَبَانَ بنَ يَزِيْدَ، وَمَالِكَ بنَ أَنَسٍ، وَعَبْدَ العَزِيْزِ بنَ المَاجَشُوْنِ، وَأُمَماً سِوَاهُم.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ المُبَارَكِ، وَابْنُ وَهْبٍ - وَهُمَا مِنْ شُيُوْخِهِ - وَعَلِيٌّ، وَيَحْيَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَبُنْدَارُ، وَأَبُو خَيْثَمَةَ، وَأَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، وَالقَوَارِيْرِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ هَاشِمٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَةُ، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، وَهَارُوْنُ بنُ سُلَيْمَانَ الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الحَارِثِيُّ كُرْبُزَانُ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَاهَانَ زَنْبَقَةُ، وَخَلْقٌ يَتَعَذَّرُ حَصْرُهُم.
وَكَانَ إِمَاماً، حُجَّةً، قُدوَةً فِي العِلْمِ وَالعَمَلِ.قَالَ الخَلِيْلِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ أَعْرِفُ لَهُ نَظِيْراً فِي هَذَا الشَّأْنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفْقَهُ مِنْ يَحْيَى القَطَّانِ.
وَقَالَ: إِذَا اخْتَلَفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَوَكِيْعٌ، فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ أَثْبَتُ؛ لأَنَّهُ أَقْرَبُ عَهداً بِالكِتَابِ، وَاخْتَلَفَا فِي نَحْوٍ مِنْ خَمْسِيْنَ حَدِيْثاً لِلثَّوْرِيِّ.
قَالَ: فَنَظَرْنَا، فَإِذَا عَامَّةُ الصَّوَابِ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كُنَّا إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نَنْظُرَ إِلَى الدِّيْنِ وَالدُّنْيَا، ذَهَبْنَا إِلَى دَارِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
إِسْمَاعِيْلُ القَاضِي: سَمِعْتُ ابْنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِالحَدِيْثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
قُلْتُ لَهُ: قَدْ كَتَبتُ حَدِيْثَ الأَعْمَشِ، وَكُنْتُ عِنْدَ نَفْسِي أَنَّنِي قَدْ بَلَغتُ فِيْهَا، فَقُلْتُ: وَمَنْ يُفِيْدُنِي عَنِ الأَعْمَشِ.
فَقَالَ لِي: مَنْ يُفِيْدُكَ عَنِ الأَعْمَشِ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَأَطرَقَ، ثُمَّ ذَكَرَ ثَلاَثِيْنَ حَدِيْثاً لَيْسَتْ عِنْدِي، يَتَّبِعُ أَحَادِيْثَ الشُّيُوْخِ الَّذِيْنَ لَمْ أَلْقَهُم أَنَا، وَلَمْ أَكْتُبْ حَدِيْثَهُم نَازِلاً.
قَالَ إِسْمَاعِيْلُ: أَحْفَظُ مِنْ ذَلِكَ مَنْصُوْرُ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ: مَا رَأَيْتُ أَحَداً أَتْقَنَ لِمَا سَمِعَ، وَلِمَا لَمْ يَسْمَعْ، وَلِحَدِيْثِ النَّاسِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، إِمَامٌ،
ثَبْتٌ، أَثْبَتُ مَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَأَتْقَنُ مِنْ وَكِيْعٍ، كَانَ عَرَضَ حَدِيْثَهُ عَلَى سُفْيَانَ.قَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ القَوَارِيْرِيُّ: أَمْلَى عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ حِفْظاً.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
لاَ يَجُوْزُ أَنْ يَكُوْنَ الرَّجُلُ إِمَاماً، حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَصِحُّ مِمَّا لاَ يَصِحُّ.
قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كَانَ عِلْمُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الحَدِيْثِ كَالسِّحرِ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
مَا تَرَكتُ حَدِيْثَ رَجُلٍ إِلاَّ دعوَتُ اللهَ لَهُ، وَأُسَمِّيهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ زِيَادٍ سَبَلاَنُ : قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: مَا تَقُوْلُ فِيْمَنْ يَقُوْلُ: القُرْآنُ مَخْلُوْقٌ؟
فَقَالَ: لَوْ كَانَ لِي سُلْطَانٌ، لَقُمْتُ عَلَى الجِسْرِ، فَلاَ يَمُرُّ بِي أَحَدٌ إِلاَّ سَأَلتُهُ، فَإِذَا قَالَ: مَخْلُوْقٌ، ضَرَبتُ عُنُقَهُ، وَأَلقَيْتُهُ فِي المَاءِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ: الْتَقَى وَكِيْعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي الحَرَمِ بَعْدَ العِشَاءِ، فَتَوَاقَفَا، حَتَّى سَمِعَا أَذَانَ الصُّبْحِ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَكرَهُ أَنْ يُعْصَى اللهُ، لَتَمَنَّيْتُ
أَنْ لاَ يَبْقَى أَحَدٌ فِي المِصْرِ إِلاَّ اغْتَابَنِي! أَيُّ شَيْءٍ أَهنَأُ مِنْ حَسَنَةٍ يَجِدُهَا الرَّجُلُ فِي صَحِيْفَتِهِ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا.وَعَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ أَجلِسُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، فَإِذَا كَثُرَ النَّاسُ، فَرِحتُ، وَإِذَا قَلُّوا حَزِنْتُ، فَسَأَلْتُ بِشْرَ بنَ مَنْصُوْرٍ، فَقَالَ: هَذَا مَجْلِسُ سُوءٍ، فَلاَ تَعُدْ إِلَيْهِ، فَمَا عُدْتُ إِلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، أَنَّ أَبَاهُ قَامَ لَيْلَةً، وَكَانَ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ.
قَالَ: فَلَمَّا طَلَعَ الفَجْرُ، رَمَى بِنَفْسِهِ عَلَى الفِرَاشِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ، وَلَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ، فَجَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لاَ يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ شَيْئاً شَهْرَيْنِ، فَقَرَّحَ فَخِذَاهُ جَمِيْعاً.
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ لِفَتَىً مِنْ وَلَدِ الأَمِيْرِ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَتَكَلَّمُ فِي الرَّبِّ وَتَصِفُهُ وَتُشَبِّهُهُ.
قَالَ: نَعَمْ، نَظَرْنَا، فَلَمْ نَرَ مِنْ خَلْقِ اللهِ شَيْئاً أَحْسَنَ مِنَ الإِنْسَانِ.
فَأَخَذَ يَتَكَلَّمُ فِي الصِّفَةِ وَالقَامَةِ، فَقَالَ لَهُ: رُوَيْدَكَ يَا بُنَيَّ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوَّلَ شَيْءٍ فِي المَخْلُوْقِ، فَإِنْ عَجَزْنَا عَنْهُ، فَنَحْنُ عَنِ الخَالِقِ أَعْجَزُ، أَخْبِرْنِي عَمَّا حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ: {لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُبْرَى} [النَّجْمُ: 18] .
قَالَ: رَأَى جِبْرِيْلَ لَهُ سِتُّ مائَةِ جَنَاحٍ، فَبَقِيَ الغُلاَمُ يَنْظُرُ، فَقَالَ: أَنَا أُهَوِّنُ عَلَيْكَ، صِفْ لِي خَلْقاً
لَهُ ثَلاَثَةُ أَجْنِحَةٍ، وَرُكِّبَ الجَنَاحُ الثَّالِثُ مِنْهُ مَوْضِعاً حَتَّى أَعْلَمَ.قَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ، عَجَزْنَا عَنْ صِفَةِ المَخْلُوْقِ، فَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ عَجَزْتُ وَرَجَعْتُ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: سُئِلَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى، وَابْنِ مَهْدِيٍّ، فَقَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ أَكْثَرُ حَدِيْثاً.
قَالَ أَحْمَدُ العِجْلِيُّ: شَرِبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ البَلاَذرَ، وَكَذَا الطَّيَالِسِيُّ، فَبَرِصَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَجُذِمَ الآخَرُ.
قَالَ: وَقِيْلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكَ: يَغْفِرُ لَكَ ذَنْباً، أَوْ تَحْفَظُ حَدِيْثاً؟
قَالَ: أَحْفَظُ حَدِيْثاً.
أَبُو الرَّبِيْعِ الزَّهْرَانِيُّ: سَمِعْتُ جَرِيْراً الرَّازِيَّ يَقُوْلُ:
مَا رَأَيْتُ مِثْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ ... ، وَوَصَفَ حِفْظَهُ وَبَصَرَهُ بِالحَدِيْثِ.
قَالَ نُعَيْمُ بنُ حَمَّادٍ: قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ: كَيْفَ تَعرِفُ الكَذَّابَ؟
قَالَ: كَمَا يَعْرِفُ الطَّبِيْبُ المَجْنُوْنَ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي صَفْوَانَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ: لَوْ
أُخِذْتُ، فَحُلِّفْتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفتُ بِاللهِ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً قَطُّ أَعْلَمَ بِالحَدِيْثِ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.سَمِعَهُ: أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مِنْهُ.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ قَيْمَازَ، وَغَيْرُهُ، قَالُوا:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الوَقْتِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ الجَرَّاحِيُّ، أَخْبَرْنَا ابْنُ مَحْبُوْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عِيْسَى التِّرْمِذِيُّ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ عَمْرِو بنِ نَبْهَانَ بنِ صَفْوَانَ الثَّقَفِيَّ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِيْنِيِّ يَقُوْلُ:
لَوْ حُلِّفتُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، لَحَلَفْتُ أَنِّي لَمْ أَرَ أَحَداً أَعْلَمَ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ.
وَبِهِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ، قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ:
مَا رَأَيْتُ بِعَيْنَيَّ مِثْلَ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ إِمَامٌ.
وَقَالَ زِيَادُ بنُ أَيُّوْبَ الطُّوْسِيُّ: قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِ هُشَيْمٍ، فَأَخَذَ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَعِيْنٍ، وَأَصْحَابُهُ بِيَدِ فَتَىً، فَأَدخَلُوْهُ مَسْجِداً، وَكَتَبْنَا عَنْهُ، فَإِذَا الفَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى الطَّرَسُوْسِيُّ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رُسْتَه يَقُوْلُ:
كَانَتْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ جَارِيَةٌ، فَطَلَبَهَا مِنْهُ رَجُلٌ، فَكَانَ مِنْهُ شِبْهُ العِدَةِ، فَلَمَّا عَادَ إِلَيْهِ، قِيْلَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: هَذَا صَاحِبُ الخُصُوْمَاتِ.
فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُخَاصِمُ فِي الدِّيْنِ.فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيْدٍ! إِنَّا نَضَعُ عَلَيْهِم لِنُحَاجَّهُم بِهَا.
فَقَالَ: أَتَدفَعُ البَاطِلَ بِالبَاطِلِ؟ إِنَّمَا تَدْفَعُ كَلاَماً بِكَلاَمٍ، قُمْ عَنِّي، وَاللهِ لاَ بِعْتُكَ جَارِيَتِي أَبَداً.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اترُكْ مَنْ كَانَ رَأْساً فِي بِدْعَةٍ يَدعُو إِلَيْهَا.
وَقَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: دَخَلْتُ عَلَى امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ - وَكُنْتُ أَزُورُهَا بَعْد مَوْتِهِ - فَرَأَيْتُ سَوَاداً فِي القِبْلَةِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟
قَالَتْ: مَوْضِعُ اسْتِرَاحَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ، فَإِذَا غَلَبَهُ النَّومُ، وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَنْ طَلَبَ العَرَبِيَّةَ، فَآخِرُهُ مُؤَدِّبٌ، وَمَنْ طَلَبَ الشِّعْرَ، فَآخِرُهُ شَاعِرٌ يَهْجُو أَوْ يَمْدَحُ بِالبَاطِلِ، وَمَنْ طَلَبَ الكَلاَمَ، فَآخِرُ أَمرِهِ الزَّنْدَقَةُ، وَمَنْ طَلَبَ الحَدِيْثَ، فَإِنْ قَامَ بِهِ، كَانَ إِمَاماً، وَإِنْ فَرَّطَ ثُمَّ أَنَابَ يَوْماً، يُرْجَعُ إِلَيْهِ، وَقَدْ عَتُقَتْ وَجَادَتْ.
قَالَ يَحْيَى بنُ يَحْيَى: كُنْتُ أَسْأَلُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنِ المَشَايِخِ بِالبَصْرَةِ.
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ:
إِنَّ الجَهْمِيَّةَ أَرَادُوا أَنْ يَنْفُوا أَنْ يَكُوْنَ اللهُ كَلَّمَ مُوْسَى، وَأَنْ يَكُوْنَ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ،
أَرَى أَنْ يُسْتَتَابُوا، فَإِنْ تَابُوا، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُم.قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: ثُمَّ كَانَ بَعْدَ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يَذْهَبُ مَذْهَبَ تَابِعِي أَهْلِ المَدِيْنَةِ، وَيَقْتَدِي بِطَرِيْقَتِهِم، وَقَالَ:
نَظَرْتُ فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدُورُ عَلَى سِتَّةٍ، ثُمَّ صَارَ عِلْمُهُم إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ نَفْساً، ثُمَّ صَارَ عِلْمُهُم إِلَى: يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ، وَيَحْيَى بنِ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَابْنِ المُبَارَكِ، وَوَكِيْعٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى بنِ آدَمَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَوْثَقُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ: يَحْيَى القَطَّانُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ، خِيَارٌ، صَالِحٌ، مُسْلِمٌ، مِنْ مَعَادِنِ الصِّدْقِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: كَانَ أَبُو الأَسْوَدِ يَتِيْمُ عُرْوَةَ، أَخاً لِهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ مِنْ
الرَّضَاعَةِ.وَقَدْ قَالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنَا أَخِي مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ نَوْفَلٍ، عَنْ أَبِي، قَالَ:
لَمْ يَزَلْ أَمرُ بَنِي إِسْرَائِيْلَ مُعْتَدِلاً حَتَّى نَشَأَ فِيْهِم أَبْنَاءُ سَبَايَا الأُمَمِ، فَقَالُوا فِيْهِم بِالرَّأْيِ، فَضَلُّوا، وَأَضَلُّوا.
قَالَ أَيُّوْبُ بنُ المُتَوَكِّلِ: كَانَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ إِذَا نَظَرَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ فِي مَجْلِسِهِ، تَهَلَّلَ وَجْهُهُ.
وَقَالَ صَدَقَةُ بنُ الفَضْلِ المَرْوَزِيُّ الحَافِظُ: أَتَيْتُ يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ أَسْأَلُهُ، فَقَالَ لِي: الْزَمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ.
وَأَفَادَنِي عَنْهُ أَحَادِيْثَ، فَسَأَلْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَنْهَا، فَحَدَّثَنِي بِهَا.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ القَطَّانُ: سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بنَ حَسَّانٍ يَقُوْلُ:
كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَكُوْنُ عِنْدَ سُفْيَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فَإِذَا جَاءنَا سَاعَةً، جَاءَ رَسُوْلُ سُفْيَانَ فِي أَثَرِهِ يَطْلُبُهُ، فَيَدَعُنَا، وَيَذْهَبُ إِلَيْهِ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
أَفْتَى سُفْيَانُ فِي مَسْأَلَةٍ، فَرَآنِي كَأَنِّيْ أَنْكَرتُ فُتْيَاهُ، فَقَالَ: أَنْتَ مَا تَقُوْلُ؟
قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، خِلاَفَ قَوْلِهِ، فَسَكَتَ.
قَالَ ابْنُ المَدِيْنِيِّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: لَوْ أَنَّ عِنْدِي كُتُبِي، لأَفَدْتُكَ عِلْماً.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: كَانَ لاَ يُتَحَدَّثُ فِي مَجْلِسِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَلاَ يُبْرَى قَلَمٌ، وَلاَ يَتَبَسَّمُ أَحَدٌ، وَلاَ يَقُوْمُ أَحَدٌ قَائِماً، كَأَنَّ عَلَى رُؤُوْسِهِمُ الطَّيرَ،
أَوْ كَأَنَّهُم فِي صَلاَةٍ، فَإِذَا رَأَى أَحَداً مِنْهُم تَبَسَّمَ، أَوْ تَحَدَّثَ، لَبِسَ نَعْلَهُ، وَخَرَجَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
عِنْدِي عَنِ المُغِيْرَةِ بنِ شُعْبَةَ فِي المَسْحِ عَلَى الخُفَّينِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ حَدِيْثاً -يَعْنِي: الطُّرَقَ-.
قَالَ بُنْدَارُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
لَوِ اسْتَقبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ، لَكَتَبْتُ تَفْسِيْرَ الحَدِيْثِ إِلَى جَنْبِهِ، وَلأَتَيْتُ المَدِيْنَةَ حَتَّى أَنْظُرَ فِي كُتُبِ قَوْمٍ سَمِعْتُ مِنْهُم.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ صَاعِقَةُ: سَمِعْتُ عَلِيّاً يَقُوْلُ - وَذَكَرَ الفُقَهَاءَ السَّبْعَةَ - فَقَالَ:
كَانَ أَعْلَمَ النَّاسِ بِقَوْلِهِم وَحَدِيْثِهِم: ابْنُ شِهَابٍ، ثُمَّ بَعْدَهُ مَالِكٌ، ثُمَّ بَعْدَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: إِذَا حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ رَجُلٍ، فَهُوَ ثِقَةٌ.وَقَالَ عَلِيٌّ: كَانَ وِرْدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُلَّ لَيْلَةٍ نِصْفَ القُرْآنِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ: مَا رَأَيْتُ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ كِتَاباً قَطُّ -يَعْنِي: كَانَ يُحَدِّثُ حِفْظاً -.
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
كَانَ يُقَالُ: إِذَا لَقِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَوْقَهُ فِي العلمِ، فَهُوَ يَوْمُ غَنِيمَتِهِ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، دَارَسَهُ، وَتَعَلَّمَ مِنْهُ، وَإِذَا لَقِيَ مَنْ هُوَ دُوْنَهُ، تَوَاضَعَ لَهُ، وَعَلَّمَهُ، وَلاَ يَكُوْنُ إِمَاماً فِي العِلمِ مَنْ حَدَّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ، وَلاَ يَكُوْنُ إِمَاماً مَنْ حَدَّثَ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ، وَلاَ مَنْ يُحَدِّثُ بِالشَّاذِّ، وَالحِفْظُ لِلإِتْقَانِ.
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: مَعْرِفَةُ الحَدِيْثِ إِلهَامٌ.
قَالَ يُوْسُفُ بنُ ضَحَّاكٍ: سَمِعْتُ القَوَارِيْرِيَّ يَقُوْلُ: كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ وَحَدِيْثَ غَيْرِهِ.
وَكَانَ يَحْيَى القَطَّانُ يَعْرِفُ حَدِيْثَهُ، فَسَمِعْتُ
حَمَّادَ بنَ زَيْدٍ يَقُوْلُ:لَئِنْ عَاشَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، لَنُخَرِّجَنَّ رَجُلَ أَهْلِ البَصْرَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي الأَسْوَدِ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ بِحَضرَةِ يَحْيَى القَطَّانِ - وَذَكَرَ الجَهْمِيَّةَ - فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُنَاكِحَهُم، وَلاَ أُصَلِّيَ خَلْفَهُم.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عُمَرَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
الجَهْمِيَّةُ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَنفُوا الكَلاَمَ عَنِ اللهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ القُرْآنُ كَلاَمَ اللهِ، وَأَنْ يَكُوْنَ كَلَّمَ مُوْسَى، وَقَدْ وَكَّدَهُ اللهُ -تَعَالَى- فَقَالَ: {وَكَلَّمَ اللهُ مُوْسَى تَكْلِيْماً } [النِّسَاءُ: 164] .
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ رُسْتَه: سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَبنِي بِأَهْلِهِ، أَيَترُكُ الجَمَاعَةَ أَيَّاماً؟
قَالَ: لاَ، وَلاَ صَلاَةً وَاحِدَةً.
وَحَضَرْتُهُ صَبِيْحَةَ بُنِي عَلَى ابْنَتِهِ، فَخَرَجَ، فَأَذَّنَ، ثُمَّ مَشَى إِلَى بَابِهِمَا، فَقَالَ لِلْجَارِيَةِ: قُوْلِي لَهُمَا: يَخْرُجَانِ إِلَى الصَّلاَةِ.
فَخَرَجَ النِّسَاءُ وَالجَوَارِي، فَقُلْنَ: سُبْحَانَ اللهِ! أَيُّ شَيْءٍ هَذَا؟
فَقَالَ: لاَ أَبرَحُ حَتَّى يَخْرُجَا إِلَى الصَّلاَةِ.
فَخَرَجَا بَعْدَ مَا صَلَّى، فَبَعَثَ بِهِمَا إِلَى مَسْجِدٍ خَارِجٍ مِنَ الدَّرْبِ.
قُلْتُ: هَكَذَا كَانَ السَّلَفُ فِي الحِرْصِ عَلَى الخَيْرِ.
قَالَ رُسْتَه: وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ يَحُجُّ كُلَّ عَامٍ، فَمَاتَ أَخُوْهُ، وَأَوْصَى إِلَيْهِ، فَأَقَامَ عَلَى أَيْتَامِهِ، فَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ:
قَدِ ابْتُلِيْتُ بِهَؤُلاَءِ الأَيْتَامِ،
فَاسْتَقرَضْتُ مِنْ يَحْيَى بنِ سَعِيْدٍ أَرْبَعَ مائَةِ دِيْنَارٍ احْتَجتُ إِلَيْهَا فِي مَصْلَحَةِ أَرْضِهِم.ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ لابْنِ مَهْدِيٍّ فِي (الحِلْيَةِ) تَرْجَمَةً طَوِيْلَةً جِدّاً، فَرَوَى فِيْهَا مِنْ حَدِيْثِهِ مائَتَيْنِ وَثَمَانِيْنَ حَدِيْثاً، وَقَدْ لَحِقَ صِغَارَ التَّابِعِيْنَ: كَأَيْمَنَ بنِ نَابِلٍ، وَصَالِحِ بنِ دِرْهَمٍ، وَيَزِيْدَ بنِ أَبِي صَالِحٍ، وَجَرِيْرِ بنِ حَازِمٍ.
وَكَانَ قَدِ ارْتَحَلَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنَ البَصْرَةِ، فَحَدَّثَ بِأَصْبَهَانَ.
قَالَ بُنْدَارُ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
مَا نَعرِفُ كِتَاباً فِي الإِسْلاَمِ بَعْدَ كِتَابِ اللهِ أَصَحَّ مِنْ (مُوَطَّأِ مَالِكٍ) .
وَقَالَ رُسْتَه: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ يَقُوْلُ:
أَئِمَّةُ النَّاسِ فِي زَمَانِهِم: سُفْيَانُ بِالكُوْفَةِ، وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِالبَصْرَةِ، وَمَالِكٌ بِالحِجَازِ، وَالأَوْزَاعِيُّ بِالشَّامِ.
أَبُو حَاتِمٍ بنُ حِبَّانَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الهَمْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَكَانَ ثِقَةً؟
فَقَالَ: كَانَ صَدُوْقاً، وَكَانَ خِيَاراً، وَكَانَ مَأْمُوْناً، الثِّقَةُ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ.
ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
لَزِمتُ مَالِكاً حَتَّى مَلَّنِي.
فَقُلْتُ يَوْماً: قَدْ غِبْتُ عَنْ أَهْلِي هَذِهِ الغَيْبَةَ الطَّوِيْلَةَ، وَلاَ أَعْلَمُ مَا حَدَثَ بِهِم بَعْدِي.
قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَأَنَا بِالقُربِ مِنْ أَهْلِي، وَلاَ أَدْرِي مَا حَدَثَ بِهِم مُنْذُ خَرَجْتُ.
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَدْرِ كِتَابِهِ فِي (الضُّعَفَاءِ) : إِلاَّ أَنَّ مِنْ أَكْثَرِهِم تَنْقِيْراً عَنْ شَأْنِ المُحَدِّثِيْنَ، وَأَتْرَكِهِم لِلضُّعَفَاءِ وَالمَتْرُوْكِيْنَ، حَتَّى يَجْعَلَهُ لِهَذَا الشَّأْنِ صِنَاعَةً لَهُم لَمْ يَتَعَدَّوْهَا - مَعَ لُزُومِ الدِّيْنِ وَالوَرَعِ الشَّدِيْدِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي السُّنَنِ - رَجُلَيْنِ : يَحْيَى بنَ سَعِيْدٍ القَطَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ.قَالَ سَهْلُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ يَزِيْدَ بنَ هَارُوْنَ يَقُوْلُ:
وَقَعتُ بَيْنَ أَسَدَيْنِ: عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، وَيَحْيَى القَطَّانِ.
قُلْتُ: تُوُفِّيَ ابْنُ مَهْدِيٍّ بِالبَصْرَةِ، فِي جُمَادَى الآخِرَةِ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِيْنَ وَمائَةٍ.
وَعَاشَ أَبُوْهُ بَعْدَهُ، وَكَانَ شَيْخاً عَامِّيّاً، رُبَّمَا كَانَ يَمْزَحُ بِجَهْلٍ، وَيُشِيْرُ إِلَى الجَمَاعَةِ إِلَى ابْنِهِ، وَيُشِيْرُ إِلَى مَتَاعِهِ، فَيَقُوْلُ: هَذَا خَرَجَ مِنْ هَذَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَلْمٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عُمَرَ، سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
فِتْنَةُ الحَدِيْثِ أَشَدُّ مِنْ فِتْنَةِ المَالِ وَالوَلَدِ.
قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
لأَنْ أَعْرِفَ عِلَّةَ حَدِيْثٍ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَفِيْدَ عَشْرَةَ أَحَادِيْثَ.
قَالَ عَبْدُ اللهِ أَخُو رُسْتَه: سَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
مُحَرَّمٌ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُفْتِيَ إِلاَّ فِي شَيْءٍ سَمِعَهُ مِنْ ثِقَةٍ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الجُلُوْسَ إِلَى ذِي هَوَىً، أَوْ ذِي رَأْيٍ.وَقَالَ رُسْتَه: قَامَ ابْنُ مَهْدِيٍّ مِنَ المَجْلِسِ، وَتَبِعَهُ النَّاسُ، فَقَالَ:
يَا قَوْمُ! لاَ تَطَؤُنَّ عَقِبِي، وَلاَ تَمْشُنَّ خَلْفِي، حَدَّثَنَا أَبُو الأَشْهَبِ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ عِمْرَانُ: خَفْقُ النِّعَالِ خَلْفَ الأَحْمَقِ قَلَّ مَا يُبقِي مِنْ دِيْنِهِ.
قَالَ رُسْتَه: سَأَلْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ عَنِ الرَّجُلِ يَتَمَنَّى المَوْتَ مَخَافَةَ الفِتْنَةِ عَلَى دِيْنِهِ؟
قَالَ: مَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْساً، لَكِنْ لاَ يَتَمَنَّاهُ مَنْ ضُرٍّ بِهِ، أَوْ فَاقَةٍ، تَمَنَّى المَوْتَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَنْ دُوْنَهُمَا.
وَسَمِعْتُ ابْنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعْ مَا يَرِيْبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيْبُكَ ) .
فَقُلْتُ: الآمِرُ رَجُلٌ.
فَقَالَ: خُذْ بِمَا لاَ يَرِيْبُكَ حَتَّى لاَ يُصِيْبَكَ مَا يَرِيْبُكَ -يَعْنِي: الحِيَلَ-.
وَبَلَغَنَا عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: مَا هُوَ -يَعْنِي: الغَرَامَ بِطَلَبِ الحَدِيْثِ- إِلاَّ مِثْلُ لَعِبِ الحَمَامِ، وَنِطَاحِ الكِبَاشِ.
قُلْتُ: صَدَقَ -وَاللهِ- إِلاَّ لِمَنْ أَرَادَ بِهِ اللهَ، وَقَلِيْلٌ مَا هُم.
أَخْبَرَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ عَبْدِ المُنْعِمِ، أَخْبَرَنَا القَاضِي جَمَالُ الدِّيْنِ
عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ المُسَلَّمِ، أَخْبَرَنَا أَبُو نَصْرٍ بنُ طَلاَّبٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جُمَيْعٍ بِصَيْدَا، حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بنُ أَحْمَدَ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بنُ عَمْرٍو الرَّبَالِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ إِسْرَائِيْلَ، عَنْ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الآجُرِّيُّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
قَالَ أَحْمَدُ بنُ سِنَانٍ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُوْلُ:
لَوْ كَانَ لِي عَلَيْهِ سُلْطَانٌ - عَلَى مَنْ يَقْرَأُ قِرَاءةَ حَمْزَةَ - لأَوْجَعْتُ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ.
قُلْتُ: جَاءَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى مَا فِيْهَا مِنْ
قَبِيْلِ الأَدَاءِ - وَاللهُ أَعْلَمُ -.وَقَدِ اسْتَقَرَّ اليَوْمَ الإِجْمَاعُ عَلَى تَلَقِّي قِرَاءةِ حَمْزَةَ بِالقَبُولِ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=139378&book=5517#1ce0f1
عبد الله بن عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد اللَّه بْن علوان بن عبد الله بن علوان بن رافع، الأسدي، أبو محمد :
من أهل حلب. أسمعه والده في صباه من أبي الفرج يحيى الثقفي ومن جماعة أخرى، ثم إنه هو سمع بنفسه كثيرا، وكتب بخطه، وحصل بهمة وافرة، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على أبي المحاسن يوسف بن رافع قاضي حلب، وصحبه، وعنى به عناية شديدة بما رأى من نجابته وفهمه وذكائه، واتخذه ولدا وصاهره، وصار معيدا لمدرسته وله نيف وعشرون سنة. ثم ولى التدريس بعدة مدارس، ونبل مقداره؛ وتقدم عند الملوك والسلاطين، وعلا به جاهه وارتفع شأنه، وروسل به إلى ملوك الشام ومصر، ثم إنه ناب في القضاء بحلب مدة حياة القاضي، فلما توفي ولي القضاء، وأرسل رسولا إلى دار الخلافة، فقدم علينا في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة، وأكرم مورده وجمع له فقهاء مدينة السلام بدار الوزارة، وأحضر وتكلم مع الفقهاء. وكانت له معرفة حسنة بالحديث ويد باسطة فِي الأدب.
وكان محبا لأهل الدين والصلاح، وكان حسن الخلق والخلق، لطيفا مزّاحا، طيب المعاشرة، حلو المحاضرة، مقبول الصورة. اجتمعت به عند شيخنا أبي اليمن الكندي ثم بحلب مرات كثيرة. وله على أياد يعجز عن حصرها قلمي، ويقصر عن شرحها كلمي.
سمعت منه بحلب وسمع مني، وحدث ببغداد، وكان ثقة نبيلا، ما رأت عيناي أكمل منه.
أنشدني القاضي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأسدي لنفسه ببغداد، وذكر أنه اجتمع ببعض أصدقائه وأخصائه من أهل حلب بحمص متوجها إلى دمشق، فكتب إليه من حلب:
إلى الله أشكو ما وجدت من الأسى ... بحمص وقد أمسى الحبيب مودعا
وأودع في العين السهاد وفي الحشا ال ... لهيب وفي القلب الجوى والتصدعا
ولله أيام تقضت بقرية ... فيا طيبها لو دمت فيها ممتعا
ولكنها عما قليل تصرمت ... فأصبحت منبت السرور مفجعا
وقد كان ظني أن عند قفولنا ... إلى حلب ألقى من الهم مفزعا
فأنشدت بيتي شاعر ذاق طعم ما ... شربت بكأسات الفراق تجرعا
فلا مرحبا بالربع لستم حلوله ... ولو كان مخضرّ الجوانب ممرعا
ولا خير في الدنيا ولا في نعيمها ... إذا لم يكن شملي وشملكم معا
سألت القاضي عن مولده، فَقَالَ: فِي جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.
وبلغني أنه توفي في شعبان من سنة خمس وثلاثين وستمائة في ليلة السادس عشر منه.
من أهل حلب. أسمعه والده في صباه من أبي الفرج يحيى الثقفي ومن جماعة أخرى، ثم إنه هو سمع بنفسه كثيرا، وكتب بخطه، وحصل بهمة وافرة، وتفقه على مذهب الإمام الشافعي على أبي المحاسن يوسف بن رافع قاضي حلب، وصحبه، وعنى به عناية شديدة بما رأى من نجابته وفهمه وذكائه، واتخذه ولدا وصاهره، وصار معيدا لمدرسته وله نيف وعشرون سنة. ثم ولى التدريس بعدة مدارس، ونبل مقداره؛ وتقدم عند الملوك والسلاطين، وعلا به جاهه وارتفع شأنه، وروسل به إلى ملوك الشام ومصر، ثم إنه ناب في القضاء بحلب مدة حياة القاضي، فلما توفي ولي القضاء، وأرسل رسولا إلى دار الخلافة، فقدم علينا في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين وستمائة، وأكرم مورده وجمع له فقهاء مدينة السلام بدار الوزارة، وأحضر وتكلم مع الفقهاء. وكانت له معرفة حسنة بالحديث ويد باسطة فِي الأدب.
وكان محبا لأهل الدين والصلاح، وكان حسن الخلق والخلق، لطيفا مزّاحا، طيب المعاشرة، حلو المحاضرة، مقبول الصورة. اجتمعت به عند شيخنا أبي اليمن الكندي ثم بحلب مرات كثيرة. وله على أياد يعجز عن حصرها قلمي، ويقصر عن شرحها كلمي.
سمعت منه بحلب وسمع مني، وحدث ببغداد، وكان ثقة نبيلا، ما رأت عيناي أكمل منه.
أنشدني القاضي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأسدي لنفسه ببغداد، وذكر أنه اجتمع ببعض أصدقائه وأخصائه من أهل حلب بحمص متوجها إلى دمشق، فكتب إليه من حلب:
إلى الله أشكو ما وجدت من الأسى ... بحمص وقد أمسى الحبيب مودعا
وأودع في العين السهاد وفي الحشا ال ... لهيب وفي القلب الجوى والتصدعا
ولله أيام تقضت بقرية ... فيا طيبها لو دمت فيها ممتعا
ولكنها عما قليل تصرمت ... فأصبحت منبت السرور مفجعا
وقد كان ظني أن عند قفولنا ... إلى حلب ألقى من الهم مفزعا
فأنشدت بيتي شاعر ذاق طعم ما ... شربت بكأسات الفراق تجرعا
فلا مرحبا بالربع لستم حلوله ... ولو كان مخضرّ الجوانب ممرعا
ولا خير في الدنيا ولا في نعيمها ... إذا لم يكن شملي وشملكم معا
سألت القاضي عن مولده، فَقَالَ: فِي جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وخمسمائة.
وبلغني أنه توفي في شعبان من سنة خمس وثلاثين وستمائة في ليلة السادس عشر منه.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=123986&book=5517#03e62b
عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ حَسَنَةَ بْنِ الْمُطَاعِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْغِطْرِيفِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ خِتَامَةَ بْنِ مَائِلِ بْنِ مُلَادِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ رُهْمِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ مُبَشِّرِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ مُرَّةَ، أَخُو تَمِيمِ بْنِ مُرٍّ، وَيُقَالُ: إِنَّهُ مِنْ كِنْدَةَ أَخُو شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسَنَةَ، وَحَسَنَةُ أُمُّهُمَا، سَكَنَ الْكُوفَةَ
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَلَسَ، فَبَالَ إِلَيْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: انْظُرُوا يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَمَا عَلِمْتُمْ مَا أَصَابَ صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْبَوْلِ قَطَعُوهُ بِالْمِقْرَاضِ، فَنَهَاهُمْ صَاحِبُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ» رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا أَبُو حَبِيبِ يَحْيَى بْنُ نَافِعٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ قَارِظٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَ حَسَنَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، فَلْتَدْخُلِ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ»
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، ثنا بِشْرُ بْنُ مُوسَى، ثنا الْحُمَيْدِيُّ، ثنا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: " خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ كَهَيْئَةِ الدَّرَقَةِ فَوَضَعَهَا، ثُمَّ جَلَسَ، فَبَالَ إِلَيْهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: انْظُرُوا يَبُولُ كَمَا تَبُولُ الْمَرْأَةُ، فَسَمِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَمَا عَلِمْتُمْ مَا أَصَابَ صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟ كَانُوا إِذَا أَصَابَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْبَوْلِ قَطَعُوهُ بِالْمِقْرَاضِ، فَنَهَاهُمْ صَاحِبُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ» رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثنا أَبُو حَبِيبِ يَحْيَى بْنُ نَافِعٍ، ثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنِ ابْنِ قَارِظٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ ابْنَ حَسَنَةَ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، فَلْتَدْخُلِ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَتْ»
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=160635&book=5517#b8fa78
عَبْدُ العَظِيْمِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عَبْدِ القَوِيِّ بنِ عَبْدِ اللهِ المُنْذِرِيُّ
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُحَقِّقُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، زَكِيّ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
العَظِيْمِ بن عَبْدِ القوِيّ بن عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمَةَ بنِ سَعْدٍ المُنْذِرِيّ، الشَّامِيّ الأَصْل، المِصْرِيّ، الشَّافِعِيّ.وُلِدَ: فِي غُرَة شَعْبَان، سَنَة إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدٍ الأَرتَاحِي، وَهُوَ أَوّل شَيْخٍ لَقِيَهُ، وَذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَمِنْ عُمَرَ بنِ طَبَرْزَذَ، وَهُوَ أَعْلَى شَيْخ لَهُ، وَمِنْ أَبِي الجُوْدِ غِيَاث المُقْرِئ، وَسِتّ الكَتَبَةِ بِنْت عَلِيِّ ابنِ الطّرَاح، وَمَنْ يُوْنُس بن يَحْيَى الهَاشِمِيّ لقِيه بِمَكَّةَ، وَجَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ آمُوسَانَ، أَملَى عَلَيْهِ بِالمَدِيْنَةِ، وَعَلِيِّ بنِ المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَلاَزَمَهُ مُدَّةً، وَبِهِ تَخرَّجَ، وَعَبْدِ المُجِيْبِ بنِ زُهَيْرٍ الحَرْبِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن البُتَيتِ، وَأَبِي رَوحٍ البَيْهَقِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ البَنَّاءِ الصُّوْفِيِّ، وَعَلِيّ بن أَبِي الكَرَمِ ابْن البَنَّاء الخَلاَّل، وَأَبِي المَعَالِي مُحَمَّد بن الزَّنْفِ، وَأَبِي اليُمْنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ الكِنْدِيِّ، وَأَبِي الفُتُوْح ابْن الجَلاَجُلِيّ، وَأَبِي المَعَالِي أَسَعْد بن المُنَجَّى مُصَنِّفِ (الخلاَصَة) ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَيِّدِهِم الأَنْصَارِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيّ العَطَّار، وَالشَّيْخ أَبِي عُمَرَ بن قُدَامَةَ، وَدَاوُد بن مُلاَعِبَ، وَأَبِي نَزَارٍ رَبِيْعَة بن الحَسَنِ الحَضْرَمِيّ، وَالإِمَام مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْنِ قُدَامَةَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الجَبَّارِ العُثْمَانِيّ، وَمُوْسَى بن عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيّ، وَالعَلاَّمَة أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن نَجْم بن شَاس المَالِكِيِّ،
وَالقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي، وَعَبْد الجَلِيْل بن مَنْدَوَيْه الأَصْبَهَانِيّ، وَالوَاعِظ عَلِيّ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَجَا الأَنْصَارِيّ - سَمِعَهُ يَعظ - وَنَجِيْب بن بِشَارَة السَّعْدِيّ، سَمِعَ مِنْ كِتَابِ(العُنوَان) ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ بَاقَا، وَمُحَمَّد بن عِمَادٍ، وَأَبِي المَحَاسِن بن شَدَّادٍ، وَأَبِي طَالِبٍ بنِ حَدِيد، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ لَقِيَهُم بِالحَرَمَيْنِ وَمِصْر وَالشَّام وَالجَزِيْرَة.
وَعَمِلَ (المُعْجَم) فِي مُجَلَّد، وَ (المُوَافِقَاتِ) فِي مُجَلَّد، وَاختصرَ (صَحِيْح مُسْلِم) وَ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ) ، وَتَكلَّمَ عَلَى رِجَالِهِ، وَعَزَاهُ إِلَى (الصَّحِيْحَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ لَيَّنَهُ، وَصَنَّفَ شَرحاً كَبِيْراً (لِلتَّنبِيهِ) فِي الفِقْهِ، وَصَنَّفَ (الأَرْبَعِيْنَ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَقَرَأَ القِرَاءاتِ عَلَى: أَبِي الثَّنَاءِ حَامِدِ بنِ أَحْمَدَ الأَتَارحِيِّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الإِمَامِ أَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ القُرَشِيّ الشَّافِعِيّ، وَأَخَذَ العَرَبِيَّة عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيّ.
قَالَ الحَافِظُ عِزّ الدِّيْنِ الحُسَيْنِيّ : درس شَيْخنَا بِالجَامِع الظَّافرِي، ثُمَّ وَلِي مَشْيَخَة الدَّار الكَامِليَّة، وَانقطع بِهَا عَاكفاً عَلَى العِلْم، وَكَانَ عَدِيْم النَّظِيْر فِي علم الحَدِيْث عَلَى اخْتِلاَف فُنُونه، ثَبْتاً، حُجَّة، وَرِعاً، مُتحرِّياً، قَرَأْت عَلَيْهِ قِطعَة حَسَنَة مِنْ حَدِيْثِهِ، وَانتفعتُ بِهِ كَثِيْراً.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيّ، وَالشَّرَف المَيْدُوْمِي، وَالتَّقِيّ عبيد، وَالشَّيْخ مُحَمَّد القَزَّاز، وَالفَخْر ابْن عَسَاكِرَ، وَعَلَم الدِّيْنِ الدوَادَارِي، وَقَاضِي القُضَاةِ ابْن دَقِيق العِيْد، وَعَبْد القَادِرِ بن مُحَمَّدٍ الصَّعْبِي، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيْمَ الوزِيْرِي، وَالحُسَيْن بن أَسَدِ ابْن الأَثِيْرِ، وَعَلِيّ بن إِسْمَاعِيْلَ بن قُرَيْش المَخْزُوْمِيّ، وَالعِمَادُ ابْن الجرَائِدِيِّ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْن الدُّفوفِي، وَيُوْسُف بن عُمَرَ الخُتَنِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.وَدرَّس بِالجَامِعِ الظَّافرِي مُدَّة قَبْل مَشْيَخَة الكَامِليَّة، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَلَمْ نَظفر بِذَلِكَ، وَأَجَاز لَهُ مَرْوِيَّاتِه، وَكَانَ مَتِينَ الدّيَانَةِ، ذَا نُسكٍ وَورعٍ وَسَمْتٍ وَجَلاَلَةٍ.
قَالَ شَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيُّ: هُوَ شَيْخِي وَمُخَرِّجِي، أَتيتُه مُبتدِئاً، وَفَارَقْتُهُ مُعِيداً لَهُ فِي الحَدِيْثِ.
ثُمَّ قَالَ: تُوُفِّيَ فِي رَابعِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرَثَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِقَصَائِدَ حَسَنَةٍ.
وَقَالَ الشَّرِيْف عِزّ الدِّيْنِ أَيْضاً: كَانَ شَيْخنَا زَكِيّ الدِّيْنِ عَالِماً بِصَحِيْحِ الحَدِيْثِ وَسَقِيمِهِ، وَمَعلُولِهِ وَطُرُقِهِ، مُتبحِّراً فِي مَعْرِفَةِ أَحكَامِهِ وَمَعَانِيْهِ وَمُشكِلِهِ، قَيِّماً بِمَعْرِفَةِ غَرِيبِهِ وَإِعرَابِهِ وَاخْتِلاَفِ أَلْفَاظِهِ، إِمَاماً، حُجَّة.
قُلْتُ: وَمَاتَ مَعَهُ فِي هَذِهِ السّنَة: أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ المُسْتَعْصِم بِاللهِ أَبُو أَحْمَدَ مَقْتُولاً شهيداً عِنْد أَخْذِ بَغْدَاد، وَابْنَاهُ؛ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَعمَامُه؛ عَلِيٌّ وَحسنٌ وَسُلَيْمَان وَيُوْسُف وَحَبِيْبٌ بَنُوْ الخَلِيْفَة الظَّاهِر، وَابْنَا عَمّه؛ حُسَيْن وَيَحْيَى وَلَدَا عَلِيٍّ، وَملك الأُمَرَاء مُجَاهِد الدِّيْنِ أَيبك الدويدَار، وَسُلَيْمَان
شَاه، وَفتح الدِّيْنِ ابْن كرّ، وَعِدَّة أُمَرَاء كِبَارِ، وَالمُحْتَسِب عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن الجَوْزِيّ، وَأَخُوْهُ؛ تَاج الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ، وَالقَاضِي أَبُو المَنَاقِب مَحْمُوْد بن أَحْمَدَ الزَّنْجَانِيّ عَالِم الوَقْت، وَشَرَف الدِّيْنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ سُكَيْنَة قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَنَقِيْب العَلَوِيَّة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ النَسَّابَة، وَشَيْخ الشُّيُوْخ صَدْر الدِّيْنِ ابْن النَّيَّار، وَابْن أَخِيْهِ عَبْد اللهِ، وَمُهَذَّب الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن عَسْكَر البعقوبِي، وَالقَاضِي بُرْهَان الدِّيْنِ القَزْوِيْنِيّ، وَالقَاضِي إِبْرَاهِيْم النَّهْرفصلِيُّ، وَالخَطِيْب عَبْد اللهِ بن عَبَّاسٍ الرَّشِيْدِيّ، وَشَيْخ التَّجْوِيد عَلِيٌّ ابنُ الكُتُبِيِّ، وَتَقِيّ الدِّيْنِ المُوْسَوِيّ نَقيب المَشْهَد، وَشَرَف الدِّيْنِ مُحَمَّد بن طَاوس العَلَوِيّ، وَخَلْقٌ مِنَ الصُّدُوْرِ قُتِلُوا صَبْراً، وَأُسْتَاذ الدَّار مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُف ابْن الجَوْزِيِّ، وَسَيِّد الشُّعَرَاء جَمَال الدِّيْنِ يَحْيَى بن يُوْسُفَ الصَّرصرِيُّ، وَشَيْخ القُرَّاء عَفِيْف الدِّيْنِ المُرَجَّى بن الحَسَنِ بنِ شُقَيْرَاءَ الوَاسِطِيّ السَّفَّار، وَعَالِم الإِسْكَنْدَرِيَّة أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القُرْطُبِيّ، وَالحَافِظ صَدْر الدِّيْنِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُبنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ البَكْرِيِّ، وَشَيْخ اللُّغَة شَرَف الدِّيْنِ الحُسَيْن بن إِبْرَاهِيْمَ الإِرْبِلِيّ، وَالصَّاحب بَهَاء الدِّيْنِ زُهَيْر بن مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ المِصْرِيُّ الشَّاعِر، وَصَاحِب الكَرَك الْملك النَّاصِر دَاوُد ابْن المُعَظَّم عِيْسَى ابْن العَادل، وَخَطِيْب بَيْت الأَبَّارِ عِمَاد الدِّيْنِ دَاوُد بن عُمَرَ المَقْدِسِيّ خَطِيْب دِمَشْق، وَالشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو الحَسَنِ الشَّاذلِي عَلِيّ بن عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ المَغْرِبِيّ بِعيذَابَ، وَشَيْخ القُرَّاء أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَاسِي بِحَلَبَ، وَمُقْرِئ المَوْصِل الإِمَام مُحَمَّد بن أَحْمَدَ الحَنْبَلِيّ شُعْلَة شَابّاً، وَخَطِيْب مَرْدَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ، وَالمُسْنِدُ ابْن خَطِيْب القَرَافَةِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَان بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَالمُحَدِّث شَمْس الدِّيْنِ عَلِيّ بن مُظَفَّر النُّشْبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم فِي (تَارِيخِي الكَبِيْرِ) .
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَظِيْمِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمْدٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ المَوْصِلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ قُسَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ، يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ البَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ يَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيِّ.
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، المُحَقِّقُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، زَكِيّ الدِّيْنِ، أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ
العَظِيْمِ بن عَبْدِ القوِيّ بن عَبْدِ اللهِ بنِ سَلاَمَةَ بنِ سَعْدٍ المُنْذِرِيّ، الشَّامِيّ الأَصْل، المِصْرِيّ، الشَّافِعِيّ.وُلِدَ: فِي غُرَة شَعْبَان، سَنَة إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ حَمْدٍ الأَرتَاحِي، وَهُوَ أَوّل شَيْخٍ لَقِيَهُ، وَذَلِكَ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِيْنَ، وَمِنْ عُمَرَ بنِ طَبَرْزَذَ، وَهُوَ أَعْلَى شَيْخ لَهُ، وَمِنْ أَبِي الجُوْدِ غِيَاث المُقْرِئ، وَسِتّ الكَتَبَةِ بِنْت عَلِيِّ ابنِ الطّرَاح، وَمَنْ يُوْنُس بن يَحْيَى الهَاشِمِيّ لقِيه بِمَكَّةَ، وَجَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ آمُوسَانَ، أَملَى عَلَيْهِ بِالمَدِيْنَةِ، وَعَلِيِّ بنِ المُفَضَّلِ الحَافِظ، وَلاَزَمَهُ مُدَّةً، وَبِهِ تَخرَّجَ، وَعَبْدِ المُجِيْبِ بنِ زُهَيْرٍ الحَرْبِيّ، وَإِبْرَاهِيْم بن البُتَيتِ، وَأَبِي رَوحٍ البَيْهَقِيّ، وَأَبِي عَبْدِ اللهِ ابْنِ البَنَّاءِ الصُّوْفِيِّ، وَعَلِيّ بن أَبِي الكَرَمِ ابْن البَنَّاء الخَلاَّل، وَأَبِي المَعَالِي مُحَمَّد بن الزَّنْفِ، وَأَبِي اليُمْنِ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ الكِنْدِيِّ، وَأَبِي الفُتُوْح ابْن الجَلاَجُلِيّ، وَأَبِي المَعَالِي أَسَعْد بن المُنَجَّى مُصَنِّفِ (الخلاَصَة) ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ سَيِّدِهِم الأَنْصَارِيّ، وَأَحْمَد بن عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيّ العَطَّار، وَالشَّيْخ أَبِي عُمَرَ بن قُدَامَةَ، وَدَاوُد بن مُلاَعِبَ، وَأَبِي نَزَارٍ رَبِيْعَة بن الحَسَنِ الحَضْرَمِيّ، وَالإِمَام مُوَفَّق الدِّيْنِ ابْنِ قُدَامَةَ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن عَبْدِ الجَبَّارِ العُثْمَانِيّ، وَمُوْسَى بن عَبْدِ القَادِرِ الجِيْلِيّ، وَالعَلاَّمَة أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن نَجْم بن شَاس المَالِكِيِّ،
وَالقَاضِي أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُجَلِّي، وَعَبْد الجَلِيْل بن مَنْدَوَيْه الأَصْبَهَانِيّ، وَالوَاعِظ عَلِيّ بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ نَجَا الأَنْصَارِيّ - سَمِعَهُ يَعظ - وَنَجِيْب بن بِشَارَة السَّعْدِيّ، سَمِعَ مِنْ كِتَابِ(العُنوَان) ، وَعَبْدِ العَزِيْزِ بنِ بَاقَا، وَمُحَمَّد بن عِمَادٍ، وَأَبِي المَحَاسِن بن شَدَّادٍ، وَأَبِي طَالِبٍ بنِ حَدِيد، وَخَلْقٍ كَثِيْرٍ لَقِيَهُم بِالحَرَمَيْنِ وَمِصْر وَالشَّام وَالجَزِيْرَة.
وَعَمِلَ (المُعْجَم) فِي مُجَلَّد، وَ (المُوَافِقَاتِ) فِي مُجَلَّد، وَاختصرَ (صَحِيْح مُسْلِم) وَ (سُنَنَ أَبِي دَاوُدَ) ، وَتَكلَّمَ عَلَى رِجَالِهِ، وَعَزَاهُ إِلَى (الصَّحِيْحَيْنِ) أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ لَيَّنَهُ، وَصَنَّفَ شَرحاً كَبِيْراً (لِلتَّنبِيهِ) فِي الفِقْهِ، وَصَنَّفَ (الأَرْبَعِيْنَ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَقَرَأَ القِرَاءاتِ عَلَى: أَبِي الثَّنَاءِ حَامِدِ بنِ أَحْمَدَ الأَتَارحِيِّ، وَتَفَقَّهَ عَلَى الإِمَامِ أَبِي القَاسِمِ عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ القُرَشِيّ الشَّافِعِيّ، وَأَخَذَ العَرَبِيَّة عَنْ: أَبِي الحُسَيْنِ يَحْيَى بن عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيّ.
قَالَ الحَافِظُ عِزّ الدِّيْنِ الحُسَيْنِيّ : درس شَيْخنَا بِالجَامِع الظَّافرِي، ثُمَّ وَلِي مَشْيَخَة الدَّار الكَامِليَّة، وَانقطع بِهَا عَاكفاً عَلَى العِلْم، وَكَانَ عَدِيْم النَّظِيْر فِي علم الحَدِيْث عَلَى اخْتِلاَف فُنُونه، ثَبْتاً، حُجَّة، وَرِعاً، مُتحرِّياً، قَرَأْت عَلَيْهِ قِطعَة حَسَنَة مِنْ حَدِيْثِهِ، وَانتفعتُ بِهِ كَثِيْراً.
قُلْتُ: حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو الحُسَيْنِ اليُوْنِيْنِيّ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيّ، وَالشَّرَف المَيْدُوْمِي، وَالتَّقِيّ عبيد، وَالشَّيْخ مُحَمَّد القَزَّاز، وَالفَخْر ابْن عَسَاكِرَ، وَعَلَم الدِّيْنِ الدوَادَارِي، وَقَاضِي القُضَاةِ ابْن دَقِيق العِيْد، وَعَبْد القَادِرِ بن مُحَمَّدٍ الصَّعْبِي، وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيْمَ الوزِيْرِي، وَالحُسَيْن بن أَسَدِ ابْن الأَثِيْرِ، وَعَلِيّ بن إِسْمَاعِيْلَ بن قُرَيْش المَخْزُوْمِيّ، وَالعِمَادُ ابْن الجرَائِدِيِّ، وَأَبُو العَبَّاسِ ابْن الدُّفوفِي، وَيُوْسُف بن عُمَرَ الخُتَنِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم.وَدرَّس بِالجَامِعِ الظَّافرِي مُدَّة قَبْل مَشْيَخَة الكَامِليَّة، وَكَانَ يَقُوْلُ: إِنَّهُ سَمِعَ مِنَ الحَافِظ عَبْد الغَنِيِّ، وَلَمْ نَظفر بِذَلِكَ، وَأَجَاز لَهُ مَرْوِيَّاتِه، وَكَانَ مَتِينَ الدّيَانَةِ، ذَا نُسكٍ وَورعٍ وَسَمْتٍ وَجَلاَلَةٍ.
قَالَ شَيْخُنَا الدِّمْيَاطِيُّ: هُوَ شَيْخِي وَمُخَرِّجِي، أَتيتُه مُبتدِئاً، وَفَارَقْتُهُ مُعِيداً لَهُ فِي الحَدِيْثِ.
ثُمَّ قَالَ: تُوُفِّيَ فِي رَابعِ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، وَرَثَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ بِقَصَائِدَ حَسَنَةٍ.
وَقَالَ الشَّرِيْف عِزّ الدِّيْنِ أَيْضاً: كَانَ شَيْخنَا زَكِيّ الدِّيْنِ عَالِماً بِصَحِيْحِ الحَدِيْثِ وَسَقِيمِهِ، وَمَعلُولِهِ وَطُرُقِهِ، مُتبحِّراً فِي مَعْرِفَةِ أَحكَامِهِ وَمَعَانِيْهِ وَمُشكِلِهِ، قَيِّماً بِمَعْرِفَةِ غَرِيبِهِ وَإِعرَابِهِ وَاخْتِلاَفِ أَلْفَاظِهِ، إِمَاماً، حُجَّة.
قُلْتُ: وَمَاتَ مَعَهُ فِي هَذِهِ السّنَة: أَمِيْر المُؤْمِنِيْنَ المُسْتَعْصِم بِاللهِ أَبُو أَحْمَدَ مَقْتُولاً شهيداً عِنْد أَخْذِ بَغْدَاد، وَابْنَاهُ؛ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَعمَامُه؛ عَلِيٌّ وَحسنٌ وَسُلَيْمَان وَيُوْسُف وَحَبِيْبٌ بَنُوْ الخَلِيْفَة الظَّاهِر، وَابْنَا عَمّه؛ حُسَيْن وَيَحْيَى وَلَدَا عَلِيٍّ، وَملك الأُمَرَاء مُجَاهِد الدِّيْنِ أَيبك الدويدَار، وَسُلَيْمَان
شَاه، وَفتح الدِّيْنِ ابْن كرّ، وَعِدَّة أُمَرَاء كِبَارِ، وَالمُحْتَسِب عَبْد الرَّحْمَنِ ابْن الجَوْزِيّ، وَأَخُوْهُ؛ تَاج الدِّيْنِ عَبْد الكَرِيْمِ، وَالقَاضِي أَبُو المَنَاقِب مَحْمُوْد بن أَحْمَدَ الزَّنْجَانِيّ عَالِم الوَقْت، وَشَرَف الدِّيْنِ مُحَمَّد بن مُحَمَّدِ بنِ سُكَيْنَة قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، وَنَقِيْب العَلَوِيَّة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ النَسَّابَة، وَشَيْخ الشُّيُوْخ صَدْر الدِّيْنِ ابْن النَّيَّار، وَابْن أَخِيْهِ عَبْد اللهِ، وَمُهَذَّب الدِّيْنِ عَبْد اللهِ بن عَسْكَر البعقوبِي، وَالقَاضِي بُرْهَان الدِّيْنِ القَزْوِيْنِيّ، وَالقَاضِي إِبْرَاهِيْم النَّهْرفصلِيُّ، وَالخَطِيْب عَبْد اللهِ بن عَبَّاسٍ الرَّشِيْدِيّ، وَشَيْخ التَّجْوِيد عَلِيٌّ ابنُ الكُتُبِيِّ، وَتَقِيّ الدِّيْنِ المُوْسَوِيّ نَقيب المَشْهَد، وَشَرَف الدِّيْنِ مُحَمَّد بن طَاوس العَلَوِيّ، وَخَلْقٌ مِنَ الصُّدُوْرِ قُتِلُوا صَبْراً، وَأُسْتَاذ الدَّار مُحْيِي الدِّيْنِ يُوْسُف ابْن الجَوْزِيِّ، وَسَيِّد الشُّعَرَاء جَمَال الدِّيْنِ يَحْيَى بن يُوْسُفَ الصَّرصرِيُّ، وَشَيْخ القُرَّاء عَفِيْف الدِّيْنِ المُرَجَّى بن الحَسَنِ بنِ شُقَيْرَاءَ الوَاسِطِيّ السَّفَّار، وَعَالِم الإِسْكَنْدَرِيَّة أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ القُرْطُبِيّ، وَالحَافِظ صَدْر الدِّيْنِ أَبُو عَلِيٍّ الحَسَنُبنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ البَكْرِيِّ، وَشَيْخ اللُّغَة شَرَف الدِّيْنِ الحُسَيْن بن إِبْرَاهِيْمَ الإِرْبِلِيّ، وَالصَّاحب بَهَاء الدِّيْنِ زُهَيْر بن مُحَمَّدٍ المُهَلَّبِيُّ المِصْرِيُّ الشَّاعِر، وَصَاحِب الكَرَك الْملك النَّاصِر دَاوُد ابْن المُعَظَّم عِيْسَى ابْن العَادل، وَخَطِيْب بَيْت الأَبَّارِ عِمَاد الدِّيْنِ دَاوُد بن عُمَرَ المَقْدِسِيّ خَطِيْب دِمَشْق، وَالشَّيْخ الزَّاهِد أَبُو الحَسَنِ الشَّاذلِي عَلِيّ بن عَبْدِ اللهِ بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ المَغْرِبِيّ بِعيذَابَ، وَشَيْخ القُرَّاء أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ حَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الفَاسِي بِحَلَبَ، وَمُقْرِئ المَوْصِل الإِمَام مُحَمَّد بن أَحْمَدَ الحَنْبَلِيّ شُعْلَة شَابّاً، وَخَطِيْب مَرْدَا أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ المَقْدِسِيّ الحَنْبَلِيّ، وَالمُسْنِدُ ابْن خَطِيْب القَرَافَةِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَان بن عَلِيٍّ القُرَشِيّ، وَالمُحَدِّث شَمْس الدِّيْنِ عَلِيّ بن مُظَفَّر النُّشْبِيُّ الدِّمَشْقِيُّ، وَخَلْقٌ سِوَاهُم فِي (تَارِيخِي الكَبِيْرِ) .
أَخْبَرْنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ المُؤَدِّبُ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَظِيْمِ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَمْدٍ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ المَوْصِلِيُّ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ قُسَيْمٍ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ القَاضِي، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ المَحَامِلِيُّ، حَدَّثَنَا يَعْقُوْبُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ:أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اعْتَكَفَ، يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ، فَأُرَجِّلُهُ، وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ البَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ.
أَخْرَجَهُ: النَّسَائِيُّ، عَنْ يَعْقُوْبَ الدَّوْرَقِيِّ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151708&book=5517#a4cc31
عبد الله بن أبي عتيق محمد بن عبد الرحمن
ابن أبي بكر بن أبي قحافة بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي المدني قال عبد الله بن أبي عتيق: كنا عند عائشة، فجيء بطعامٍ، فقام القاسم يصلي، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يصلي بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ".
وفد ابن أبي عتيق على عبد الملك بن مروان، فلقي حاجبه، فسأله أن يستأذن له عليه، فسأله الحاجب: ما نزعه؟ فذكر دَيناً فدحه، فاستأذن له، فأمر
عبد الملك بإدخاله، فأدخله، وعند رأس عبد الملك ورجليه جاريتان له وضيئتان، فسلم وجلس، فقال له عبد الملك: حاجتك؟ قال: ما لي حاجة إليك، قال: ألم يذكر لي الحاجب أنك شكوت إليه دَيناً عليك، وسألته ذكر ذلك لي؟ قال: ما فعلت وما علي دين، وإني لأيسر منك، قال: انصرف راشداً، فقام، ودعا عبد الملك الحاجب، فقال له: ألم تذكر لي ما شكا إليك ابن أبي عتيق من الدَين؟ قال: بلى، قال: فإنه أنكر ذلك! فخرج إليه الحاجب، فقال: ألم تشكُ إلي دَينك، وذكرت أنك خرجت إلى أمير المؤمنين فيه، وسألتني ذكره له؟ قال: بلى، قال: فما حملك على إنكار ذلك عند أمير المؤمنين؟ قال ابن أبي عتيق: دخلت عليه وقد أجلس الشمس عند رأسه، والقمر عند رجليه ثم قال لي: كن سؤالاً! لا والله ما كان الله تعالى ليرى هذا أبداً! فدخل الحاجب على عبد الملك، فأخبره، فضحك ووهب الجاريتين له، وقضى دينه ووصله.
قال الزبير بن بكار: ومن ولد عبد الرحمن بن أبي بكر: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو أبو عتيق، وابنه: عبد الله الذي يقال له: ابن أبي عتيق، وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق، وكان امرأ صالحاً، وكانت فيه دعابة، وقد سمع من عائشة أم المؤمنين، ودخل عليها في مرضها الذي ماتت فيه، فقال لها: كيف أصبحت يا أمه، جعلني الله فداك؟ فقالت له: أصبحت ذاهبة! فقال: فلا إذاً! وأمه: رميثة بنت الحارث بن حذيفة بن مالك بن ربيعة من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة.
قال موسى بن عقبة: ما نعلم أربعةً في الإسلام أدركوا هم وأبناؤهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هؤلاء الأربعة: أبو قحافة، وأبو بكر وابنه، وابن ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وأبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر، واسم أبي عتيق: محمد.
قال أبو نصر الحافظ: عتيق - بفتح العين.
قال عبد الله بن كثير بن جعفر: اقتتل غلمان عبد الله بن العباس، وغلمان عائشة، فأخبرت عائشة بذلك، فخرجت في هودجٍ على بغلةٍ لها، فلقيها ابن أبي عتيق، فقال: أي أمي جعلني الله فداك، أين تريدين؟ قالت: بلغني أن غلماني وغلمان ابن عباس اقتتلوا، فركبت لأصلح بينهم، فقال: يعتق كل ما يملك إن لم ترجعي! فقالت: يا بني، ما حملك على هذا؟ قال: انقضى عنا يوم الجمل حتى تريدين أن تأتينا بيوم البغلة! قال الزبير: وحدثني أبي أن ابن عتيق دخل على أم المؤمنين عائشة وهو مشتمل على قرد، فقال لها: يا أمه، برّكي فيّ، فقالت: بارك الله فيك، قال: وفيما معي، قالت: وفيما معك، فتكشف لها عنه، فغضبت وقالت له: لقد هممت أن أدعو عليك بدعوة تدخل معك قبرك! وجاء ابن عتيق إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال له: يا أبا عبد الرحمن: من الرمل
ما ترى فيمن قد آلى جاهداً ... حالفاً بالله في قطع الرحم
قال رب الناس: صلها، قال: لا ... مثلما لو قال: لا، قال: نعم
وعبد الله بن عمر يضحك.
كان لرجلٍ على ابن أبي عتيق دين، فتقاضاه، فلما ألح عليه قال: ائتني العشية في مجلس القلادة - وكان مجلس القلادة مجلساً لقريش يتذاركون الفقه وأصناف العلوم - فاسألني عن بيت قريش، فأتاه الغريم في المجلس، فقال: إنا تلاحينا في بيت قريشٍ، ورضيناك حكماً، فقال: أعفني من الكلام في هذا، قال: لا بد من أن تقول، قال: فإن بيت قريش آل حرب بن أمية،
قال: ثم من؟ قال: ثم آل أبي العاص، قال: وعبد الله بن عباس حاضر، فقال الرجل: فأين بنو عبد المطلب؟ فقال: لم أظنك تسألني عن بيت الملائكة، ومهبط جبريل، إنما ظننتك تسألني عن بيت الآدميين، فأما إذا صرت إلى بيت رسول رب العالمين، وسيد كل شهيدٍ، وعم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطيار في الجنة مع الملائكة فمن يسامي هؤلاء؟ وأي فخر إلا وهو ينقطع دونهم؟ قال: فجلا عن ابن عباس ما كان فيه، فدعاه بعد ما قام الناس، فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم، علي دَين، فقال: قد قضيناه عنك.
وقد رويت الحكاية من وجهٍ آخر فيه الحسن بدل ابن عباس.
قال مروان بن الحكم: بغلة الحسن تعجبني، فقال له ابن أبي عتيق: فإن أخذتها لك تقضي لي أربعين حاجة؟ قال: نعم، قال: فإذا كان العشية فأذن للناس، فإني سأذكر أولية قريش إذا جلس الحسن، ولا أذكر من ناحية الحسن شيئاً، فقل: ما لك لا تذكر أبا محمد؟ قال: فلما كان عشية أذن للناس، فلما أخذوا مجالسهم أفاض ابن أبي عتيق مع مروان يذكر أولية قريش وشرفهم، فقال له مروان: أراك تذكر أولية قريش وشرفهم، ولا أسمعك تذكر أبا محمد، وحظه من ذلك الحظ الوافر؟ فقال له ابن أبي عتيق: إنا كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لذكرنا أبا محمد، فلما قام الحسن قام معه ابن أبي عتيق، فلما خرج أضحك الحسن، وأقبل عليه، فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم، البغلة، قال: هي لك فأعطاها مروان.
قال عبد الله بن عروة بن الزبير: لقد اشتقت إلى حديث ابن أبي عتيق، وأرسل إليه يقول له: إني قد اشتقت إلى حديثك، فأحب أن تزورني، قال: فقال ابن أبي عتيق للرسول: نعم، قال: فأين تعده؟ قال: الحوض، فرجع الرسول إلى عبد الله بن عروة، فأخبره، فقال: هذا موعد مغمس، ارجع إليه فاسأله أي حوض؟ فرجع إليه، فقال: يقول لك: أي حوض؟ قال: حوض القيامة، فذكر ذلك الرسول لعبد الله بن عروة، فضحك، وقال: قل له: أتعدنا حوضاً لا ترده؟ عن عبد الله بن نافع بن ثابت قال: جلس ابن أبي عتيق مع أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في مجلس للقضاء،
فخاصمت إلى أبي بكرٍ امرأة منتقبة لها عين حسنة حوراء، فأقبل أبو بكر على ابن أبي عتيق، فقال: ما تقول في أمر هذه؟ فقال: لها عين مظلومةٍ، إلى أن طالت بها الخصومة، فأذلقتها، فكشفت وجهها، فإذا أنفها ضخم قبيح، فقال له أبو بكر: ما تقول في أمرها؟ قال: لها أنف ظالمة، وأبو بكر بن محمد إذ ذاك يلي عمل المدينة، وقضاءها.
عن إبراهيم بن أبي يحيى قال: كنا نعرض على ابن أبي عتيق وهو في المسجد، فربما أغمض فنسكت، فيقول: اقرؤوا ما لكم؟ فنقول: ظنناك نمت، فيقول: لا ولكن مر رجل يثقل علي فغمضت عينيّ.
أنشد منشد لعبد الله بن محمد بن أبي عتيق: من الطويل
وإني لأستحيي من الله أن أرى ... إذا غبت عن ليلى أُسرُّ وأفرح
وأن ترتعي عيناي في وجه غيرها ... أبى ذاك في الحشا ليس يبرح
عن ابن أبي عتيق: أنه مر به رجل ومعه كلب، فقال للرجل: ما اسمك؟ قال: وثاب، قال: فما اسم كلبك؟ قال: عمرو، قال: واخلافاه.
حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة وهو ينشد: من الطويل
من كان محزوناً لإهراق دمعةٍ ... وهى عزمها فليأتنا نبكها معا
قال: قد أتيناك، ولا تبرح أو نبكي، فبكى معه.
عن الزبير بن بكار قال: لما قال عمر بن أبي ربيعة القرشي: من الوافر
أحن إذا رأيت جمال سعدى ... وأبكي إن سمعت لها حنينا
فقد أزف المسير فقل لسعدى ... فديتك خبّري ما تأمرينا
قال: فخرج ابن أبي عتيق حتى أتى الجباب من أرض غطفان، ثم أتى خيمة سعدى، فاستأذن عليها، وأنشدها البيتين، ثم قال: ما تأمرين، قالت: آمره بتقوى الله.
قال عمر بن أبي ربيعة، وهو أول من وصف القوادة بهذين البيتين: من الرمل
فأتتها طبّة عالمة ... تخلط الجد مراراً باللعب
ترفع الصوت إذا لانت لها ... وتطأطي عند سورات الغضب
فقال ابن أبي عتيق: قد طلبنا مثل هذه تصلح أمر الناس يوم قتل عثمان بن عفان فلم نصبها!.
ابن أبي بكر بن أبي قحافة بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي التيمي المدني قال عبد الله بن أبي عتيق: كنا عند عائشة، فجيء بطعامٍ، فقام القاسم يصلي، فقالت عائشة: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يصلي بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ".
وفد ابن أبي عتيق على عبد الملك بن مروان، فلقي حاجبه، فسأله أن يستأذن له عليه، فسأله الحاجب: ما نزعه؟ فذكر دَيناً فدحه، فاستأذن له، فأمر
عبد الملك بإدخاله، فأدخله، وعند رأس عبد الملك ورجليه جاريتان له وضيئتان، فسلم وجلس، فقال له عبد الملك: حاجتك؟ قال: ما لي حاجة إليك، قال: ألم يذكر لي الحاجب أنك شكوت إليه دَيناً عليك، وسألته ذكر ذلك لي؟ قال: ما فعلت وما علي دين، وإني لأيسر منك، قال: انصرف راشداً، فقام، ودعا عبد الملك الحاجب، فقال له: ألم تذكر لي ما شكا إليك ابن أبي عتيق من الدَين؟ قال: بلى، قال: فإنه أنكر ذلك! فخرج إليه الحاجب، فقال: ألم تشكُ إلي دَينك، وذكرت أنك خرجت إلى أمير المؤمنين فيه، وسألتني ذكره له؟ قال: بلى، قال: فما حملك على إنكار ذلك عند أمير المؤمنين؟ قال ابن أبي عتيق: دخلت عليه وقد أجلس الشمس عند رأسه، والقمر عند رجليه ثم قال لي: كن سؤالاً! لا والله ما كان الله تعالى ليرى هذا أبداً! فدخل الحاجب على عبد الملك، فأخبره، فضحك ووهب الجاريتين له، وقضى دينه ووصله.
قال الزبير بن بكار: ومن ولد عبد الرحمن بن أبي بكر: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو أبو عتيق، وابنه: عبد الله الذي يقال له: ابن أبي عتيق، وهو: عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق، وكان امرأ صالحاً، وكانت فيه دعابة، وقد سمع من عائشة أم المؤمنين، ودخل عليها في مرضها الذي ماتت فيه، فقال لها: كيف أصبحت يا أمه، جعلني الله فداك؟ فقالت له: أصبحت ذاهبة! فقال: فلا إذاً! وأمه: رميثة بنت الحارث بن حذيفة بن مالك بن ربيعة من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة.
قال موسى بن عقبة: ما نعلم أربعةً في الإسلام أدركوا هم وأبناؤهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا هؤلاء الأربعة: أبو قحافة، وأبو بكر وابنه، وابن ابنه عبد الرحمن بن أبي بكر، وأبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر، واسم أبي عتيق: محمد.
قال أبو نصر الحافظ: عتيق - بفتح العين.
قال عبد الله بن كثير بن جعفر: اقتتل غلمان عبد الله بن العباس، وغلمان عائشة، فأخبرت عائشة بذلك، فخرجت في هودجٍ على بغلةٍ لها، فلقيها ابن أبي عتيق، فقال: أي أمي جعلني الله فداك، أين تريدين؟ قالت: بلغني أن غلماني وغلمان ابن عباس اقتتلوا، فركبت لأصلح بينهم، فقال: يعتق كل ما يملك إن لم ترجعي! فقالت: يا بني، ما حملك على هذا؟ قال: انقضى عنا يوم الجمل حتى تريدين أن تأتينا بيوم البغلة! قال الزبير: وحدثني أبي أن ابن عتيق دخل على أم المؤمنين عائشة وهو مشتمل على قرد، فقال لها: يا أمه، برّكي فيّ، فقالت: بارك الله فيك، قال: وفيما معي، قالت: وفيما معك، فتكشف لها عنه، فغضبت وقالت له: لقد هممت أن أدعو عليك بدعوة تدخل معك قبرك! وجاء ابن عتيق إلى عبد الله بن عمر بن الخطاب، فقال له: يا أبا عبد الرحمن: من الرمل
ما ترى فيمن قد آلى جاهداً ... حالفاً بالله في قطع الرحم
قال رب الناس: صلها، قال: لا ... مثلما لو قال: لا، قال: نعم
وعبد الله بن عمر يضحك.
كان لرجلٍ على ابن أبي عتيق دين، فتقاضاه، فلما ألح عليه قال: ائتني العشية في مجلس القلادة - وكان مجلس القلادة مجلساً لقريش يتذاركون الفقه وأصناف العلوم - فاسألني عن بيت قريش، فأتاه الغريم في المجلس، فقال: إنا تلاحينا في بيت قريشٍ، ورضيناك حكماً، فقال: أعفني من الكلام في هذا، قال: لا بد من أن تقول، قال: فإن بيت قريش آل حرب بن أمية،
قال: ثم من؟ قال: ثم آل أبي العاص، قال: وعبد الله بن عباس حاضر، فقال الرجل: فأين بنو عبد المطلب؟ فقال: لم أظنك تسألني عن بيت الملائكة، ومهبط جبريل، إنما ظننتك تسألني عن بيت الآدميين، فأما إذا صرت إلى بيت رسول رب العالمين، وسيد كل شهيدٍ، وعم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والطيار في الجنة مع الملائكة فمن يسامي هؤلاء؟ وأي فخر إلا وهو ينقطع دونهم؟ قال: فجلا عن ابن عباس ما كان فيه، فدعاه بعد ما قام الناس، فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم، علي دَين، فقال: قد قضيناه عنك.
وقد رويت الحكاية من وجهٍ آخر فيه الحسن بدل ابن عباس.
قال مروان بن الحكم: بغلة الحسن تعجبني، فقال له ابن أبي عتيق: فإن أخذتها لك تقضي لي أربعين حاجة؟ قال: نعم، قال: فإذا كان العشية فأذن للناس، فإني سأذكر أولية قريش إذا جلس الحسن، ولا أذكر من ناحية الحسن شيئاً، فقل: ما لك لا تذكر أبا محمد؟ قال: فلما كان عشية أذن للناس، فلما أخذوا مجالسهم أفاض ابن أبي عتيق مع مروان يذكر أولية قريش وشرفهم، فقال له مروان: أراك تذكر أولية قريش وشرفهم، ولا أسمعك تذكر أبا محمد، وحظه من ذلك الحظ الوافر؟ فقال له ابن أبي عتيق: إنا كنا في ذكر الأشراف، ولو كنا في ذكر الأنبياء لذكرنا أبا محمد، فلما قام الحسن قام معه ابن أبي عتيق، فلما خرج أضحك الحسن، وأقبل عليه، فقال: ألك حاجة؟ قال: نعم، البغلة، قال: هي لك فأعطاها مروان.
قال عبد الله بن عروة بن الزبير: لقد اشتقت إلى حديث ابن أبي عتيق، وأرسل إليه يقول له: إني قد اشتقت إلى حديثك، فأحب أن تزورني، قال: فقال ابن أبي عتيق للرسول: نعم، قال: فأين تعده؟ قال: الحوض، فرجع الرسول إلى عبد الله بن عروة، فأخبره، فقال: هذا موعد مغمس، ارجع إليه فاسأله أي حوض؟ فرجع إليه، فقال: يقول لك: أي حوض؟ قال: حوض القيامة، فذكر ذلك الرسول لعبد الله بن عروة، فضحك، وقال: قل له: أتعدنا حوضاً لا ترده؟ عن عبد الله بن نافع بن ثابت قال: جلس ابن أبي عتيق مع أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم في مجلس للقضاء،
فخاصمت إلى أبي بكرٍ امرأة منتقبة لها عين حسنة حوراء، فأقبل أبو بكر على ابن أبي عتيق، فقال: ما تقول في أمر هذه؟ فقال: لها عين مظلومةٍ، إلى أن طالت بها الخصومة، فأذلقتها، فكشفت وجهها، فإذا أنفها ضخم قبيح، فقال له أبو بكر: ما تقول في أمرها؟ قال: لها أنف ظالمة، وأبو بكر بن محمد إذ ذاك يلي عمل المدينة، وقضاءها.
عن إبراهيم بن أبي يحيى قال: كنا نعرض على ابن أبي عتيق وهو في المسجد، فربما أغمض فنسكت، فيقول: اقرؤوا ما لكم؟ فنقول: ظنناك نمت، فيقول: لا ولكن مر رجل يثقل علي فغمضت عينيّ.
أنشد منشد لعبد الله بن محمد بن أبي عتيق: من الطويل
وإني لأستحيي من الله أن أرى ... إذا غبت عن ليلى أُسرُّ وأفرح
وأن ترتعي عيناي في وجه غيرها ... أبى ذاك في الحشا ليس يبرح
عن ابن أبي عتيق: أنه مر به رجل ومعه كلب، فقال للرجل: ما اسمك؟ قال: وثاب، قال: فما اسم كلبك؟ قال: عمرو، قال: واخلافاه.
حضر ابن أبي عتيق عمر بن أبي ربيعة وهو ينشد: من الطويل
من كان محزوناً لإهراق دمعةٍ ... وهى عزمها فليأتنا نبكها معا
قال: قد أتيناك، ولا تبرح أو نبكي، فبكى معه.
عن الزبير بن بكار قال: لما قال عمر بن أبي ربيعة القرشي: من الوافر
أحن إذا رأيت جمال سعدى ... وأبكي إن سمعت لها حنينا
فقد أزف المسير فقل لسعدى ... فديتك خبّري ما تأمرينا
قال: فخرج ابن أبي عتيق حتى أتى الجباب من أرض غطفان، ثم أتى خيمة سعدى، فاستأذن عليها، وأنشدها البيتين، ثم قال: ما تأمرين، قالت: آمره بتقوى الله.
قال عمر بن أبي ربيعة، وهو أول من وصف القوادة بهذين البيتين: من الرمل
فأتتها طبّة عالمة ... تخلط الجد مراراً باللعب
ترفع الصوت إذا لانت لها ... وتطأطي عند سورات الغضب
فقال ابن أبي عتيق: قد طلبنا مثل هذه تصلح أمر الناس يوم قتل عثمان بن عفان فلم نصبها!.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151649&book=5517#2917d6
عبد الله ويقال عتيق بن عثمان أبي قحافة بن عامر
ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لوي أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبه في الغار.
قدم تاجراً إلى بصرى من الشام في الجاهلية، وفي الإسلام.
عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن بالغار: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، ورواه الترمذي.
عن قيس بن أبي حازم قال: قرأ أبو بكر هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، ثم قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، والمنكر فلم يغيروه عمّهم الله بعقابه ".
وفي رواية: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه ".
عن عائشة أم المؤمنين قالت: اسم أبي بكرٍ الذي سماه به أهله: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو، ولكنه غلب عليه اسم عتيق.
قالت: والله إني لفي بيتي ذات يومٍ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم - زاد في رواية: دونهم - إذا أقبل أبو بكر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن ينظر إلى عتيقٍ من النار فلينظر إلى أبي بكر ".
ومن رواية عن عائشة: أن أبا قحافة كان له ثلاثة أولادٍ سمى واحداً عَتيقاً، والآخر معتقاً، والآخر عُتيقاً، - وفي رواية: عتيقاً ومعتقاً ومعيتيقاً.
وقال موسى بن طلحة: بينا عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنتا أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك، فقالت: أبوك خير من أبي؟ فقالت عائشة أم المؤمنين: ألا أقضي بينكما؟ إن أبا بكر دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار " فمن يومئذ سمي عتيقاً، قال: ودخل طلحة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا طلحة أنت ممن قضى نحبه ".
وقال: سألت أبي طلحة بن عبيد الله، قلت له: يا أبه، لأي شيءٍ سمي أبو بكر عتيق؟ قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت، فهبه لي.
وقال مصعب: سمي أبو بكر عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، قال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق.
عن عبد الله بن الزبير قال: كان اسم أبي بكر: عبد الله بن عثمان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقاً.
قال مغيرة بن زياد: أرسلت إلى ابن أبي مليكة أسأله عن أبي بكر الصديق ما كان اسمه؟ قال: فأتيته فسألته، فقال: كان اسمه عبد الله بن عثمان، وإنما كان عتيق لقباً.
وعن الليث بن سعد قال: إنما سمي أبو بكر عتيقاً لجمال وجهه.
وعن أبي نعيم الفضل بن دكين: إنما سمي عتيقاً لأنه عتيق، قديم في الخير.
عن عبد الله بن الزبير قال: سميت باسم جدي أبي بكر، وكنيت بكنيته.
وفي أبي بكر نزلت: " فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى ".
وعن ابن إسحاق: كان أبو بكر أنسب العرب للعرب.
قال الزبير بن بكار: فولد عامر بن عمرو أبا قحافة، واسمه عثمان، وأمه قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، فولد أبو قحافة أبا بكر الصديق، وأمه أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب - وفي رواية: ابن عامر بن عمرو بن كعب - بن سعد ابن تيم بن مرة، وأبو بكر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، الذي قال الله عز وجل: " إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " وهاجر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة ليس معهما أحد إلا مولى أبي بكر عامر بن فهيرة الذي رفع إلى السماء حين استشهد يوم بئر معونة، وكان دليل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الطريق إلى المدينة، وأعتق أبو بكر سبعة ممن كان يعذب في الله، منهم: بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد بدراً والمشاهد كلها، وشهد عامر بن فهيرة بدراً وغيرها حتى استشهد يوم بئر معونة.
وأبو بكر أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة.
قال ابن سعد: دفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر، وكانت سوداء، وأطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد حين ولّى الناس.
قال إسماعيل بن علي الخطبي: وقد أدرك أبواه الإسلام وأسلما.
قال أبو أحمد الحاكم: أدرك أبو بكر بن أبي قحافة، الصديق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوه أبو قحافة عثمان بن عامر، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وابن ابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أربعتهم ولاءً، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست هذه المنقبة لأحدٍ من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، وأدرك من أولاده وأهل بيته ومواليه سواهم، نفر من الرجال والنساء، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم بنوه عبد الله وعبد الرحمن، صَحِبا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابنه الثالث محمد، ولد عام حجة الوداع، ولدته أسماء بقباء، فوجهت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرها، فأمرها أن تغتسل، وتهل، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر، وأم أبي بكر الصديق أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر، وامرأة أبي بكر الصديق أم رومان بنت عمير بن عبد مناة بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة، وابن خالته أم مسطح بنت أبي رُهم بن المطلب بن عبد مناف، وبلال بن رباح، وعامر بن فهيرة، وسعد، والقاسم، موالي أبي بكر.
قال أبو عبد الله بن منده: ولد أبو بكر بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهرٍ إلا أيام، ومات بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين
وأشهر بالمدينة، وهو ابن ثلاث وستين، وكان رجلاً أبيض نحيفاً، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال.
عن الزهري قال: لما كان يوم فتح مكة أُتي بأبي قحافة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكأن رأسه ثغامة بيضاء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هلا أقررتم الشيخ في بيته حتى كنا نأتيه؟ " تكرمة لأبي بكر، وأمرهم أن يغيروا شعره، وبايعه، وأتى المدينة، وبقي حتى أدرك خلافة أبي بكر، ومات أبو بكر قبله، وورثه أبو قحافة السدس، فرده على ولد أبي بكر، وكانت وفاته سنة أربع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب، وله يومئذ سبع وتسعون سنة.
قال أنس بن مالك:
قدم علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أسن أصحابه أبو بكر.
وقالت عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر من أبي بسنتين وشيءٍ.
عن يزيد بن الأصم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أينا أكبر، أنا أو أنت؟ " قال: أنت أكبر وأكرم، وخير مني، وأنا أسن منك.
كذا في هذه الرواية، والمحفوظ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أسن من أبي بكر، وأن أبا بكر استكمل بخلافته سن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفجٍ.
وقال: دخلت على أبي بكر وهو مريض، فإذا هو أبيض قضيف.
عن ابن شهاب قال: كان أبو بكر الصديق أبيض أصفر لطيفاً جعداً، كأنما خرج من صدع حجر، مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه.
ووصفته عائشة فقالت: كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين أجنأ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، مقرون الحاجب، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، معوق الوجه، وكان يخضب بالحناء والكتم.
وعن الزهري في صفة أبي بكر: كان أبيض يخالط بياضه الصفرة، جعد، حسن القامة، رقيق، حمش الساقين، قليل اللحم، حسن الثغر.
وعن ربيعة بن كعب قال: كان إسلام أبي بكر الصديق بوحي من السماء، وذلك أنه كان تاجراً بالشام، فرأى رؤيا، فقصها على بحيرا الراهب، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة، قال: من أيها؟ قال: من قريش، قال: فأيش أنت؟ قال: تاجر، قال: صدق الله رؤياك، فإنه سيبعث نبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأسر أبو بكر حتى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه، فقال: يا محمد، ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام، فعانقه، وقبل عينيه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك محمداً رسول الله.
قال أبو بكر الصديق: إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فنزلت على شيخٍ من الأزد، عالم قد قرأ الكتب، وعلم من علم الناس علماً كثيراً، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين، فلما رآني قال: أحسبك حرمياً؟ قال أبو بكر: قلت: نعم أنا من أهل الحرم،
قال: وأحسبك قرشياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من قريش، قال: وأحسبك تيمياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من تيم بن مرة، أنا عبد الله بن عثمان بن كعب بن تيم بن مرة، قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي؟ قال: تكشف لي عن بطنك، قلت: لا أفعل أو تخبرني لم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق أن نبياً يبعث في الحرم تعاون على أمره فتى وكهل، فأما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ما سألتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي علي.
قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو ورب الكعبة، وإني متقدم إليك في أمرٍ، فاحذره، قال أبو بكر: قلت: وما هو؟ قال: إياك والميل عن الهدى، وتمسك بالطريقة الوسطى، وخف الله فيما خولك وأعطاك.
قال أبو بكر: فقضيت باليمن أربي، ثم أتيت الشيخ لأودعه، فقال: أحامل أنت مني أبياتاً قلتها في ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: نعم، فأنشأ يقول: من الطويل
ألم تر أني قد وهنت معاشري ... ونفسي وقد أصبحت في الحي واهنا
حييت، وفي الأيام للمرء عبرة ... ثلاث مئين، ثم تسعين آمنا
وصاحبت أحباراً أبانوا بعلمهم ... غياهيب في سدٍّ ترى فيه طامنا
فما زلت أدعو الله في كل حاضر ... حللت بها سراً وجهراً معالنا
وقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شيخاً لا أطيق الشواجنا
وأنت، ورب البيت تلقى محمداً ... بعامك هذا قد أقام البراهنا
فحي رسول الله عني فإنني ... على دينه أحيا وإن كنت داكنا
فيا ليتني أدركته في شبابتي ... فكنت له عبداً وإلا العجاهنا
قال أبو بكر: فحفظت وصيته وشِعره، وقدمت مكة وقد بُعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءني عقبة بن أبي معيط، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأبو البختري بن هشام، وصناديد قريشٍ، فقلت لهم: هل نابتكم نائبة، أو ظهر فيكم أمر؟ قالوا: يا أبا بكر، أعظم الخطب، وأجل النوائب! يتيم أبي طالب، يزعم أنه نبي، ولولا أنت ما انتظرنا به، فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية لنا.
قال أبو بكر: فصرفتهم، وسألت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: إنه في منزل خديجة، فقرعت عليه الباب، فخرج إلي، فقلت: يا محمد، بعدت من منازل أهلك، واتهموك بالفتنة، وتركت دين آبائك وأجدادك؟ قال: " يا أبا بكر، إني رسول الله إليك، وإلى الناس كلهم، فآمن بالله " فقلت: وما دليلك على ذلك؟ قال: " الشيخ الذي لقيته باليمن " قلت: وكم من مشايخ لقيت، واشتريت، وأخذت وأعطيت، قال: " الشيخ الذي أفادك الأبيات " قلت: ومن خبرك بهذا يا حبيبي؟ قال: " الملك العظيم الذي يأتي الأنبياء قبلي " قلت: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنت رسول الله.
قال أبو بكر: فانصرفت وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي.
قال طلحة بن عبيد الله: كان إسلام أبي بكر فتحاً، وذلك أن ورقة بن نوفل جاء إلى أبي بكرٍ، فقال له: يابن أخي، إني أراك متبدلاً بمكة، ولا أراك في شيءٍ، فأخبرني كم معك من المال؟ قال: عندي كذا وكذا من العير، قال: فأنا آتيك غداً بكذا وكذا فأضعف لك حتى تخرج إلى الشام، فتصيب فيه خيراً، فتعطيني ما شئت، وتمسك ما شئت، فانقلب أبو بكر إلى زوجته، فقال لها: اذبحي من تلك الغنم شاة سفِّرينا بها، قالت: وأين تريد؟ قال: الشام، قالت: ولم؟ قال: إن ورقة بن نوفل قارضني أن أخرج مالي كله ويعطيني كذا وكذا ألف دينار، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ قال: وما هو؟ قالت: جاء محمد يطلبك منذ اليوم ثلاث مرات، فما حبسك عنه؟ قال: ما حبسني عنه إلا ما ذكرت؛
قالت: سمعته يقول: " أنا رسول الله حقاً " قال: ويحك! فإنه هذا خير لي من الدنيا وما فيها! فانطلق إليه من ليلته، فقرع الباب، فقال: " من هذا؟ " قال: أبو بكر، ففتح له الباب، ثم قال: " ما جاء بك هذه الساعة، فإني قد كنت أبتغيك ثلاث مرات؟ " قال: إني كنت مع ورقة بن نوفل، فعرض علي قراضاً، فقلت لزوجتي: سفرينا، قالت: وأين تريد؟ فقلت: قارضني ورقة بن نوفل على أن أخرج إلى الشام، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما أخبرتك؟ " قال: أخبرتني أنك تقول: إني رسول الله. ثم انصرف من عنده مسروراً بما نال من الخير والإسلام، فأصبح، وجاء إليه ورقة بن نوفل بالمال ليدفع إليه، فقال له: يابن أخي، هذا المال، قال: وجدت تجارة خيراً من تجارتك، وربحاً خير من ربحك، قال: وما هو؟ قال: قال لي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله " فصدقته وآمنت به، وشهدت أنه رسول الله، قال: فوالله لئن كنت صادقاً لا آكل ما ذبح على النصب، ولا ما ذبحت قريش لآلهتها، ولا ما ذبحت يهود لكنائسها، ولأستقبلن هذا البيت الحرام الذي أسسه إبراهيم وإسماعيل، ولا أزال أصلي أبداً، ولأحرمن ما ذبح لغير الله - عز وجل - فتوفي ورقة قبل أن يظهر أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن محمد بن إسحاق قال: ثم إن أبا بكر لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله يا أبا بكر ونبيه، بعثني لأبلّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق أدعوك إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا نعبد غيره، والموالاة على طاعته أهل طاعته " وقرأ عليه القرآن، فلم يقر، ولم ينكر، فأسلم، وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق.
وابتدأ أبو بكر أمره، وأظهر إسلامه، ودعا الناس، وأظهر علي وزيد بن حارثة إسلامها، فكبُر ذلك على قريش، وكان أول من اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد
زوجته، ثم كان أول ذكرٍ آمن به علي، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر الصديق، فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خيرٍ أو شر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلقٍ ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحدٍ من الأمر لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: كنت أول من آمن.
وعن ابن سيرين قال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من أسلم من النساء خديجة.
قال عمار: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر.
سئل سعد بن مالك: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاماً؟ قال: لا، ولكن أسلم قبله أكثر من خمسة، ولكن كان خيرنا إسلاماً.
عن أبي سعيد قال: لما بويع أبو بكر رأى من الناس بعض الانقباض، فقال: أيها الناس، ما يمنعكم؟ ألست أحقكم بهذا الأمر ألست أول من أسلم؟ قال أبو بكر: أنا أول من صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي رواية: أول من صلى مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرجال علي بن أبي طالب.
قال قائل لابن عباس: أي الناس كان أول إسلاماً؟ قال: أبو بكر، أما سمعت بقول حسان بن ثابت - رضي الله عنهما -: من البسيط
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ ... فاذكر أخاك أبا بكرٍ بما فعلا
خير البرية أوفاها وأعدلها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهدة ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
وفي رواية: أتقاها وأعدلها.
عاش حميداً لأمر الله متبعاً ... بهدي صاحبه الماضي وما انتقلا
وفي رواية: عاشا جميعاً لأمر الله متبعاً لهدي.
وسئل ميمون بن مهران: كان علي أول إسلاماً أو أبو بكر؟ فقال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.
وقيل له: علي أفضل عندك أم أبو بكر وعمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده، ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما، لله درهماً كانا رأسي الإسلام، ورأسي الجماعة.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كلمت في الإسلام أحداً إلا أبى علي، وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة - يعني أبا بكر - فإني لم أكلمه في شيءٍ إلا قبله واستقام عليه ".
عن محمد بن عبد الرحمن: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه ".
وعن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
فلما أن اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهور، فقال: " يا أبا بكر، إنا قليل " فلم يزل يلح على رسول الله حتى ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وكل رجلٍ معه، وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس، وكان أول خطيبٍ دعا إلى الله - عز وجل - وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر، وعلى المسلمين يضربونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطئ أبو بكر، وضرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، وأثّر على وجه أبي بكر لا يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تميم تتعادى، فأجلوا المشركين عن أبي بكر، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته، ورجعوا بيوتهم، فدخلوا المسجد، فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ورجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة، وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم، فتكلم آخر النهار: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا، وقالوا لأم الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئاً، أو تسقيه إياه، فلما خلت به جعل يقول: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: والله ما لي علم بصاحبك، قال: فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد عبد الله، قالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله، وإن تحبي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت: إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك. قال: فما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: قال: فلا عين عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: فأين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أَلِيّة ألا أذوق طعاماً أو شراباً أو آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل، وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فانكب عليه فقبله، وانكب عليه
المسلمون، ورق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي، هذه أمي برة بوالديها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادعُ الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم دعاها إلى الله - عز وجل - فأسلمت، فأقاموا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدار شهراً، وهم تسعة وثلاثون رجلاً.
وكان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن الخطاب، وأبي جهل بن هشام، فأصبح عمر، وكانت الدعوة يوم الأربعاء، فأسلم عمر يوم الخميس، فكبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة. فقال عمر: يا رسول الله، علام نخفي ديننا، ونحن على الحق، وهم على الباطل؟ فقال: " يا عمر، إنا قليل قد رأيت ما لقينا " فقال عمر: والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان، ثم خرج، فطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهم ينظرونه، فقال أبو جهل بن هشام: زعم فلان أنك صبوت، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون إليه، فوثب على عتبة، فبرك عليه، فجعل يضربه، وأدخل إصبعه في عينه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه حتى أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان فيها، فأظهر الإيمان، ثم انصرف إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ظاهر عليهم، فقال: ما يجلسك بأبي أنت وأمي، فوالله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان غير هائب ولا خائف؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمر أمامه، وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت، وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى دار الأرقم ومن معه.
قيل لعمر بن العاص: ما أشد ما رأيتهم بلغوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عمرو: أشد شيءٍ بلغ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رأيت - أنهم تآمروا عليه حين مر بهم ضحىً عند الكعبة، فقالوا: يا محمد، أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا ذلكم " فأخذ أحدهم بتلابيبه، وأبو بكر آخذ بحضن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورائه،
يريد أن ينتزعه منهم، وهو يصيح: يا قوم " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبة، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " قال: يردد أبو بكر هذه الآية وعيناه تسفحان، فلم يزل على ذلك حتى انفرجوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عاشة قالت: لما أسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث بذاك الناس، فارتد ناس ممن كان آمن، وصدق به، وفتنوا، فقال أبو بكر: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوه أو رواحه، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
عن محمد بن كعب قال: لما رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسري به، فبلغ ذا طوى، فقال: " يا جبريل، إني أخاف أن يكذبوني " قال: كيف يكذبونك وفيهم أبو بكر الصديق؟ عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال: ما نفعني الله إلا بك - وفي رواية: " مال أحدٍ ما نفعني مال أبي بكر " قال: فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ وعن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعنا مال ما نفعنا مال أبي بكر ".
وعن ابن المسيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مال رجلٍ من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر ".
قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أمنُّ علي في صحبته وذات يده من أبي بكر، وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أعظم عندي من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته ".
وعن ابن عباس قال: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب إليه؟ فقال لي: " عائشة " فقلت: ليس عن النساء سألتك، قال: " فأبوها إذاً " قال: قلت: فلم يا رسول الله؟ قال: " لأنه أنفق ماله كله غير مقطبٍ بين عينيه حتى بقي بعباءة تخللها بريشة، لا تملك سواها، ووالله ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، وزوجني ابنته، ووهب لي غلامه، وواساني بنفسه، وكلما هبط جبريل علي قال: يا محمد، الله يقرئك السلام ويقول لك: أقرئ أبا بكرٍ السلام وقل له: " أساخطٍ فأرضيك؟ " فقال: على من أسخط يا رسول الله، أنا عنه راض، فهل هو عني راضٍ؟ فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو عنك راضٍ " فقال أبو بكر: الحمد لله.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أعظم الناس علينا مناً أبو بكر، زوجني ابنته، وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالاً أبو بكر، أعتق منه بلالاً، وحملني إلى دار الهجرة ".
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: " ما أطيب مالك! منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرت عليها، وزوجتني ابنتك، وواسيتني بنفسك ومالك، كأني أنظر إليك على باب الجنة تشفع لأمتي ".
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله أبا بكرٍ زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله،
رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً، تركه الحق وما له من صديقٍ، رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة، رحم الله علياً، اللهم أدر عليه الحق حيث دار ".
عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالصدقة، فقال عمر بن الخطاب: وعندي مال كثير، فقلت: والله لأفضلن أبا بكر هذه المرة، فأخذت نصف مالي، وتركت نصفه، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " هذا مال كثير، فما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم نصفه.
وجاء أبو بكر بمالٍ كثير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم الله ورسوله - زاد في رواية: قال عمر: فقلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبداً! وفي رواية مرسلة عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " إلى آخر الآية جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحمله على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: عدة الله، وعدة رسوله، قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت - أو بأهلي أنت - ما سبقنا باب خيرٍ قط إلا سبقتنا إليه.
عن عروة: أن أبا بكر الصديق أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف درهم، قال عروة: قالت عائشة: توفي أبو بكر وما ترك ديناراً ولا درهماً.
وعن عروة قال: أعتق أبو بكر الصديق ممن كان يعذَّب في الله بمكة سبعة أنفسٍ: بلالاً الحبشي الأسود، وعامر بن فهيرة، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وزنِّيرة، وجارية بني المؤمل.
وعن ابن عمر قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وفي منزله أربعون ألف درهم، فخرج إلى المدينة من مكة في الهجرة وماله غير خمسة آلاف، كل ذلك ينفق في الرقاب، والعون على الإسلام.
عن عبد الله: أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف، وأُبيّ بن خلف ببردةٍ وعشر أواقٍ، فأعتقه لله - عز وجل - فانزل الله - عز وجل - " والليل إذا يغشى " إلى قوله: " إن سعيكم لشتى " سعي أبي بكر وأمية وأُبي.
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن بعض أهله قال: قال أبو قحافة لابنه أبي بكر: يا بني، أراك تعتق رقاباً ضعافاً؟ فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك، ويقومون دونك! فقال أبو بكر: يا أبه، إني إنما أريد ما أريد. قال: فيتحدث: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه، وفيما قاله أبوه " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى " إلى آخر السورة.
وعن ابن عباس في قوله: " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى "، قال أبو بكر " وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى " قال: أبو سفيان بن حرب.
عن عبد الله بن الزبير قال: أنزلت هذه الآية في أبي بكر: " وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى ".
عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده: أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال، فنزل عليه جبريل، فقال: يا محمد، ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في
صدره بخلال؟ فقال: " يا جبريل، أنفق ماله علي قبل الفتح " قال: فإن الله عز وجل يقرأ عليه السلام ويقول: " قل له: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ " فقال أبو بكر: أسخط على ربي؟ أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ.
وعن ابن عباس: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هبط علي جبريل، وعليه طنفسة، وهو متخلل بها، فقلت: يا جبريل ما نزلت إلي في مثل هذا الزي! قال: إن الله أمر الملائكة أن تخلل في السماء كتخلل أبي بكرٍ في الأرض ".
عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له جبريل: هاجر، قال: ومن يهاجر معي؟ " قال أبو بكر، وهو الصديق.
وعن أنس: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحداً، فتبعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: " اسكن! نبي، وصديق، وشهيدان - وفي رواية: ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم الجبل، فضربه برجله، وقال: " اثبت أحد! فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان " وفي رواية " اثبت حراء، عليك نبي، وصديق، وشهيد " فالصديق أبو بكر، والشهيدان: عمر وعثمان.
عن النزال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفسٍ، ومزاح، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال: كل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابي، قال: حدثنا عن أصحابك خاصةً، قال: ما كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحب إلا كان لي صاحباً، قلنا: حدثنا عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سلوني، قلنا: حدثنا عن أبي بكر الصديق،
قال: ذاك امرؤ سماه الله صديقاً على لسان جبريل ومحمد صلى الله عليهما، كان خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا.
عن حكيم بن سعد قال:
سمعت علياً يحلف لأنزل الله عز وجل اسم أبي بكر من السماء الصديق.
وعن عائشة قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر - وفي رواية: فما مر - علينا يوم إلا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتينا فيه طرفي النهار بكرةً وعشياً، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكرٍ مهاجراً قبل أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، فقال: فإن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج، ولا يَخرج؛ إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع، فاعبد ربك في بلدك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف ابن الدغنة في كفار قريشٍ، فقال: إن أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يُكسِب المعدم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكرٍ فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، ففعل.
قال: ثم بدا لأبي بكر فابتني مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ، فتنقصف عليه نساء قريش، وأبناؤهم يتعجبون منه، وينظرون إليه.
وكان أبو بكر رجلاً بكاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فافزع ذلك أشراف قريشٍ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد
ربه في داره، وإنه قد جاوز ذلك، فابتني مسجداً بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يستعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي؛ فإني لا أحب أن يسمع العرب أني أخفرت في عقد رجلٍ عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله ورسوله، ورسول الله يومئذ بمكة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمين: " قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخةً ذات نخلٍ بين لابتين - وهما حرتان " فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر: أو ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: " نعم "، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصحبته، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.
قالت عائشة: فبينا نحن جلوس في بيتنا، في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبلاً مقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر: فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر، قال: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذن، فدخل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل لأبي بكر: " أخرج من عندك " فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنه قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم " فقال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بالثمن ".
قالت: فجهزناهما أحب الجهاز، فصنعنا لهما سفرةً في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها، فأوكت به الجراب، فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين - وفي
رواية: النطاق - ثم لحق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر بغارٍ في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيدخل، فيخرج من عندهما بسحرٍ، فيصبح بمكة مع قريش كبائت، لا يسمع أمراً يُكادون - وفي رواية: يُكادان - به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذاك إذا اختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحةً من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعةً من العشاء، فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك عامر تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر رجلاً من بني الدئل من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلفٍ في آل عاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالٍ ثلاث، فارتحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعامر، والدليل الدئلي، فأخذ بهم طريق الساحل، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته، وأبو بكر على راحلته، وعامر ابن فهيرة يمشي مع أبي بكر مرة، وربما أردفه.
وكانت أسماء تقول: لما صنعت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي سفرتهما وجد أبو قحافة ريح الخبز، فقال: ما هذا، لأي شيء هذا؟ فقلت: لا شيء، هذا خبز عملناه نأكله، فلما خرج أبو بكر جعل أبو قحافة يلتمسه ويقول: أقد فعلها؟! خرج وترك عياله علي، ولعله قد ذهب بماله - وكان قد عمي - فقلت: لا، فأخذت بيده، فذهبت به إلى جلد فيه أقط فمسسته، فقلت: هذا ماله! عن ضبة بن محصن العنزي قال: كان علينا أبو موسى الأشعري أميراً بالبصرة، فوجهني في بعثه عمر بن الخطاب، فقدمت على عمر، فضربت عليه الباب، فخرج إلي، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا ضبة بن محصن العنزي، قال: فأدخلني منزله، وقدم إلي طعاماً، فأكلت، ثم ذكرت له
أبا بكر الصديق، فبكى، فقلت له: أنت خير من أبي بكر، فازداد بكاءً لذلك، ثم قال وهو يبكي: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، هل لك أن أحدثك بيومه وليلته؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: فإنه لما خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هارباً من أهل مكة خرج ليلاً، فاتبعه أبو بكر، فجعل مرة يمشي أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا فعلك! " فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرةً عن يمينك، ومرةً عن يسارك، لا آمن عليك، قال: فمشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليله كله، حتى أدغل أطراف أصابعه، فلما رآه أبو بكر حمله على عاتقه، وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار، فأنزله، ثم قال: والذي بعثك بالحق، لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن يك فيه شيء نزل بي دونك، قال: فدخل أبو بكر؛ فلم ير شيئاً، فقال له: اجلس، فإن في الغار خرقاً أسده، وكان عليه رداء، فمزقه، وجعل يسد به خرقاً خرقاً، فبقي جحران، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمله، فأدخله الغار، ثم ألقم قدميه الجحرين، فجعل الأفاعي والحيات يضربنه ويلسعنه إلى الصباح، وجعل هو يتقلى من شدة الألم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم بذلك، ويقول له: " يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا " فأنزل الله عليه وعلى رسوله السكينة، والطمأنينة فهذه ليلته.
وأما يومه فلما توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب؛ فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم: نزكي ولا نصلي، فأتيته لا ألوه نصحاً، فقلت: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارفق بالناس! وقال غيري ذلك. فقال أبو بكر: قد قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتفع الوحي، ووالله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليه، قال: فقاتلنا فكان والله سديد الأمر، فهذا يومه.
عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال:
نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا، فقلت:
يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ".
عن ابن عباس قال: إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل، فلم يبق إلا أن يدخلوا، فقال أبو بكر: أُتينا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، لا تحزن إن الله معنا " وانقطع الأثر، فذهبوا يميناً وشمالاً.
عن علي بن أبي طالب قال: لقد صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي بكر أمراً ما صنعه بي، فقال له رجل: ما صنع به يا أمير المؤمنين؟ قال: يوم المَلْحم، قلنا: وما يوم الملحم؟ قال: يوم جاء المشركون يقتلون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج، وخرج بأبي بكر معه، لم يأمن على نفسه أحداً غيره حتى دخلا الغار.
عن حبيب بن أبي ثابت: في قوله عز وجل: " فانزل الله سكينته عليه " قال: على أبي بكر، فأما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد نزلت عليه السكينة قبل ذلك.
قال الحسن بن عرفة: " فأنزل السكينة عليهم " قال: على أبي بكر.
عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار ".
عن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت: " هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " فقل حتى أسمع " فقال: من البسيط
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ يصعد الجبلا
وكان ردف رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، وقال: " صدقت يا حسان، هو كما قلت ".
قال ابن عيينة: عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير أبي بكر وحده؛ فإنه خرج من المعاتبة، وتلا قوله تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ".
عن أنس بن مالك قال: لما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان رسول الله يركب، وأبو بكر رديفه، وكان أبو بكر يعرف في الطريق باختلافه إلى الشام، فكان يمر بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك؟ فيقول: هادٍ يهدي - وفي رواية: هذا رجل يهديني السبيل.
عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بين أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي.
وعن محمد بن عمر بن علي: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فلما قدم
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة نقض تلك المؤاخاة إلا اثنتين: المؤاخاة التي بينه وبين علي بن أبي طالب، والتي بين حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة.
عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدرٍ فقالوا: أما ترون أبا بكر الصديق جاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح منكم صائماً اليوم؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من أطعم اليوم مسكيناً؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من عاد اليوم مريضاً؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال: " من شهد منكم اليوم جنازة؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اجتمعن - هذه الخصال - في رجلٍ قط إلا دخل الجنة " وفي رواية: " من جمعهن في يومٍ واحد وجبت له، أو قال: غُفر له ".
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال:
صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، ثم أقبل على أصحابه بوجهه، فقال: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ " قال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطراً، فقال أبو بكر: لكن حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائماً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد اليوم عاد مريضاً؟ " قال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فكيف نعود المريض؟! فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ " فقال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائلٍ، فوجدت كسرة خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها فدفعتها إليه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت فابشر بالجنة " فتنفس عمر، فقال: واها للجنة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة أرضى بها عمر.
عن سعيد بن المسيب أن عمر قال: ما سبقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه.
عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي - وفي رواية: نودي - من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي - وفي رواية: نودي - من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على أحدٍ ممن دعي من تلك الأبواب - وفي رواية فقال أبو بكر: ما على من يدعى من هذه الأبواب - من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب - وفي رواية من هذه الأبواب - كلها؟ قال: " نعم، وأرجو أن تكون منهم ".
عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يدخل الجنة رجل لا يبقى فيها أهل دار ولا غرفة إلا قالوا: مرحباً مرحباً، إلينا إلينا "، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما توى هذا الرجل في ذلك اليوم، قال: " أجل، وأنت هو يا أبا بكر ".
عن ابن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: وأقبل على أبي بكر فقال: " إني لأعرف اسم رجل، واسم أبيه، واسم أمه إذا دخل الجنة لم يبق غرفة من غرفها، ولا شرفة من شرفها إلا قالت: مرحباً مرحباً " فقال سلمان: إن هذا لغير خائب، فقال: " ذاك أبو بكر بن أبي قحافة ".
عن سليمان بن يسار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر خير أهل الأرض إلا أن يكون نبياً ".
قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخير ثلاثمائة وستون خصلة، إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيراً جعل فيه واحدة منهن يدخله بها الجنة ".
قال: وقال أبو بكر: يا رسول الله، هل فيّ شيء منهن؟ قال: " نعم جميعاً " وفي رواية: " كلهن فيك، وهنيئاً لك يا أبا بكر ".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بينما جبريل يطوف بي أبواب الجنة قلت: يا جبريل، أرني الباب الذي تدخل منه أمتي " قال: " فأرانيه " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، ليتني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: فقال: " يا أبا بكر، أما إنك أول من يدخله من أمتي ".
عن أبي الدرداء قال: إني لجالس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل أبو بكر، فأخذ بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فأقبل حتى سلم، ثم قال: يا رسول الله، كان بيني وبين ابن الخطاب شيء حتى أسرعت إليه، وندمت، فسألته أن يستغفر لي، فأبى علي، وتحرز مني بفراره، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يغفر الله لك يا أبا بكرٍ - ثلاثاً " ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكرٍ، فسأل: أثم أبو بكرٍ؟ فقالوا: لا، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغير وجهه حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، أنا والله كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " فما أوذي بعدها.
عن ابن عباس قال:
ذكر أبو بكر عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبني الناس وصدقني، وآمن بي، وزوجني ابنته، وجهزني بماله، وجاهد معي في جيش العسرة، ألا إنه سيأتي يوم القيامة على ناقةٍ من نوق الجنة، قوائمها من المسك والعنبر، ورحلها من الزمرد الأخضر وزمامها من اللؤلؤ الرطب، عليها جلان خضراوان من سندس واستبرق، ويجاء بأبي بكر يوم القيامة وإياي، فيقال: هذا محمد رسول الله، وهذا أبو بكر الصديق ".
عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " قال: قلت: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما احب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، فخدمته ما خدمته، ثم قال لي الثانية: " يا ربيع ألا تزوج؟ " فقلت: ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: والله لرسول الله بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني والله، لئن قال لي: تزوج لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت. قال فقال: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " فقلت: بلى مرني بما شئت، قال: " انطلق إلى آل فلان - حي من الأنصار، وكان فيهم تراخٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقل لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة - لامرأةٍ منهم - فذهبت، فقلت لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة، فقالوا: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا والله، لا يرجع رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بحاجته،
فزوجوني وألطفوني، وما سألوني البينة، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً، فقال لي: " مالك يا ربيعة؟ " فقلت: يا رسول الله، أتيت قوماً كراماً، فزوجوني وأكرموني وألطفوني وما سألوني بينة، وليس عندي صداق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة الأسلمي، اجمعوا له وزن نواةٍ من ذهبٍ " قال: فجمعوا لي وزن نواةٍ من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل: هذا صداقها " فأتيتهم فقلت: هذا صداقها، فرضوه وقبلوه وقالوا: كثير طيب. قال: ثم رجعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً فقال: " يا ربيعة مالك حزين؟ " فقلت: يا رسول الله، ما رأيت قوماً أكرم منهم، رضوا بما آتيتهم، وأحسنوا وقالوا: كثير طيب وليس عندي ما أولم، قال: " يا بريدة، اجمعوا له شاة " قال: فجمعوا لي كبشاً عظيماً سميناً، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى عائشة، فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام " قال: فأتيتها، فقلت لها ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: هذا المكتل فيه تسعة آصع شعيرٍ، لا والله إن أصبح لنا طعام غيره، خذه، قال: فأخذته، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرته بما قالت عائشة، فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل لهم: ليصبح هذا عندكم خبزاً " فذهبت إليهم، وذهبت بالكبش ومعي أناس من أسلم، فقال: ليصبح هذا عندكم خبزاً، وهذا طبيخاً.
فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه، وأما الكبش فاكفوناه أنتم، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم، فذبحناه وسلخناه وطبخناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت، ودعوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني بعد ذلك أرضاً، وأعطى أبا بكرٍ أرضاً، وجاءت الدنيا، فاختلفنا في عذق نخلةٍ، فقلت أنا: هي في حدي، وقال أبو بكر: هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمةً أكرهها، وندم، فقال لي: يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن، أو لأستعدين عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض، وانطلق أبو بكر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم، فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيءٍ يستعدي عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي قال لك ما قال؟ قال: فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين وهذا ذو شيبة المسلمين! إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما، فيُهلك ربيعة! قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: وانطلق أبو بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه، فقال: " يا ربيعة مالك وللصديق؟ " قلت: يا رسول الله، كان كذا، كان كذا، فقال لي كلمة كرهها، فقال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصاً، فأبيت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر " فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر، فولّى أبو بكر وهو يبكي.
قال حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لقد هممت أن أبعث رجالاً يعلمون الناس السنة والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين في بني إسرائيل "، فقيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: " لا غنى لي عنهما - أو بي عنهما - فإنهما من الدين كالسمع من البصر ".
عن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فطلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله الذي أيدني بكما ".
عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأبي بكر: " يا أبا بكر، إن الله أعطاني ثواب من آمن بي منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإن الله أعطاك يا أبا بكر ثواب من أمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة ".
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لي وزيران من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر ".
عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر وعمر: " ألا أخبركما بمثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء: مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك من الأنبياء مثل إبراهيم إذ كذّبه قومه، فصنعوا به ما صنعوا قال " فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل، ينزل بالبأس والشدة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ".
عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل آنفاً، فقلت له: يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء، قال: يا محمد، لو حدثتك بفضائل عمر بن الخطاب في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".
عن عبد الله قال:
كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً جالساً ومعه جبريل إذ أقبل أبو بكر، فقال جبريل: يا محمد هذا أبو بكر قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل له اسم في السماوات تعرفونه به كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة خليل الرحمن فلينظر إلى شيبة أبي بكر، فبينا هو كذلك إذ أقبل عمر، فقال جبريل: يا رسول الله هذا عمر أقبل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل، هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة نوحٍ في المرسلين فلينظر إلى شيبة عمر بن الخطاب، فبينا هو كذلك إذ أقبل عثمان بن عفان، فقال له جبريل: هذا عثمان قد أقبل، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة موسى كليم الرحمن فلينظر إلى شيبة عثمان بن عفان، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب، فقال له جبريل: يا رسول الله هذا علي قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " فقال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة هارون فلينظر إلى شيبة علي بن أبي طالب. ثم ارتفع جبريل، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً على قدميه، قال: " يا أيها الناس، قد أخبرني الروح الأمين بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة، ألا أيها الشاتم أبا بكرٍ فكأني بك قد جئتني تخوض بحار النيران، وقد سالت حدقتاك على خديك، فأُعْرِض عنك بوجهي،
وأنت أيها الشاتم عمر، أنت وربي بريء من الإسلام، وأنت أيها الشاتم عثمان بن عفان، وخَتَني على ابنتيّ، والذي قلت له: اللهم لا تنس له هذا اليوم، كأني بك قد جئتني في الأهوال المهيلة المهيبة، فأعرض بوجهي عنك، وأنت أيها الشاتم علياً، أخي وابن عمي، وخَتَني على بنتي والضارب بسيفي بين يدي لا نالتك شفاعتي ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح ".
والمحفوظ عن عمر قوله: لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح بهم - وفي رواية: لرجح به.
عن الربيع بن أنس قال: نظرنا في صحابة الأنبياء، فما وجدنا نبياً كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق.
عن ابن سيرين: أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان يوم بدرٍ مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدرٍ، فصدّقت عنك، ولم أقتلك، فقال أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك.
قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: بتفسير هذا الحديث يقال: قوله أهدفت لي معناه: أشرفت لي، ومنه قيل للبناء المرتفع: هدف، وهدف الرامي منه، لأنه شيء ارتفع للرامي حتى يراه، وإن عبد الرحمن كره أن يقاتل أباه،
أو انصرف عنه هيبة له. وقول أبي بكر: لو أهدفت لي لم أصرف وجهي عنك؛ وهذا من أكبر فضائله؛ لأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم لما جعل الله في قلبه من جلالة الإيمان، وبهذا وصف الله أصحاب محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر. " الآية.
عن علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ ولأبي بكر: " مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال " وفي رواية " في الصف ".
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أتاني جبريل، فقال لي: يا محمد، إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر ".
وعن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر ".
عن يعقوب الأنصاري قال: إن كانت حلقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتشتبك حتى تصير كالإسوار، وإن مجلس أبي بكرٍ منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، وألقى إليه حديثه، وسمع الناس.
قال الزبير بن العوام: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك: " اللهم بارك لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وبارك لأصحابي في أبي بكر الصديق، فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه، ولا تشتت أمره؛ فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعز عمر بن الخطاب، وصبّر عثمان بن عفان، ووفق علي بن أبي
طالب، وثبت الزبير واغفر لطلحة، وسلم سعداً، ووقّر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسانٍ ".
عن سهل بن مالك الأنصاري قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجعه من حجته، اجتمع الناس إليه، فقال: " يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني طرفة عين، فاعرفوا ذلك له، يا أيها الناس، إن الله راضٍ عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، فاعرفوا ذلك لهم، يا أيها الناس، إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية، يا أيها الناس دعوا لي أختاني وأصهاري، لا يطلبنكم الله بمظلمة أحدٍ منهم، فيعذبكم بها، فإنها مما لا يوهب، يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منكم فاذكروا منه خيراً ".
عن أنسٍ قال: قالوا: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: " عائشة " قالوا: إنما نعني من الرجال، قال: " أبوها ".
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: " كلا أنتم أصحابي، وإخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فجاء أبو بكر الصديق، فقال عمر: إنه قال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: ألسنا إخوانك؟ قال: " لا، إخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، ألا تحب قوماً بلغهم أنك تحبني، فأحبوك بحبك إياي، فأحبهم أحبهم الله ".
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئاً على عليٍ، وإذا أبو بكر وعمر قد أقبلا، فقال: " يا أبا الحسن، أحبهما، فبحبهما تدخل الجنة ".
عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتكئ على يدي علي بن أبي طالبٍ، فاستقبله أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، أتحب هذين الشيخين؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " حبهما يُدخِل الجنة ".
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حبُّ أبي بكرٍ وشكره واجب على أمتي " - وفي رواية أخرى: " أمنُّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق، فحبه وشكره وحفظه واجب على أمتي ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حب أبي بكرٍ وعمر إيمان، وبغضهما كفر ".
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُبغِض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما ولد أبو بكر الصديق أقبل الله تعالى على جنة عدنٍ، فقال: وعزتي وجلالي لا أُدخِلك إلا من يحب هذا المولود ".
عن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما عرج بي جبريل رأيت في السماء خيلاً موقفةً مسرجةً ملجمةً، لا تروث ولا تبول، ولا تعرق، رؤوسها من الياقوت الأحمر، وحوافرها من الزمرد الأخضر، وأبدانها من العِقيان الأصفر، ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبريل: هذه لمحبي أبي بكر وعمر، يزورون الله عليها يوم القيامة ".
قال الخطيب: منكر.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملكٍ يستغفرون الله لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملكٍ بلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ".
عن ابن عباس قال:
كان أبو بكر الصديق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، فعطش أبو بكر عطشاً شديداً، فشكا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى صدر الغار، واشرب " فانطلق أبو بكر إلى صدر الغار، وشرب منه ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحةً من المسك، ثم عاد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: شربت يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أبشرك يا أبا بكر؟ " قال: بلى، فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال: " إن الله تعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهراً من جنة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر " فقال أبو بكر: ولي عند الله هذه المنزلة؟ قال: " نعم، وأفضل، والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبياً ".
عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكل نبي رفيق، وإن رفيقي في الجنة أبو بكر ".
وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك جعلت أبا بكرٍ رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا وأبو بكر في الجنة كهاتين " وضم السبابة والوسطى.
عن ابن مليكة قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه غديراً، فقال: " ليسبح كل رجل إلى صاحبه "،
قال: فسبح كل رجلٍ منهم إلى صاحبه حتى بقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، قال: فسبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتنقه، وقال: " لو كنت متخذاً خليلاً حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكنه صاحبي ".
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر " وفي رواية قالت: قلت: يا رسول الله أكل الناس تقف يوم القيامة للحساب؟ قال: " نعم، إلا أبا بكر فإن شاء مضى، وإن شاء وقف ".
عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: - وفي رواية فقيل له -: فأين أبو بكر يا رسول الله؟ قال: " هيهات! زفته الملائكة إلى الجنة زفاً - وفي رواية: تزفه الملائكة إلى الجنان ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كأني بك يا أبا بكرٍ على باب الجنة تشفع لأمتي ".
عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يطلع عليكم رجل لم يخلق الله بعدي أحداً هو خير منه، ولا أفضل، وله شفاعة مثل شفاعة النبيين " فما برحنا حتى طلع أبو بكر الصديق فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله والتزمه.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد، قال: فيؤتى بأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، قال: فيقال لأبي بكر:
قف على باب الجنة، فأدخل الجنة من شئت برحمة الله، ودع من شئت بعلم الله، ويقال لعمر بن الخطاب: قف على الميزان، فثقِّل من شئت برحمة الله عز وجل وخفف من شئت بعلم الله، ويعطى عثمان بن عفان عصا آس التي غرسها الله عز وجل في الجنة ويقال له: ذد الناس عن الحوض ".
عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن على حوضي أربعة أركانٍ، فأول ركن منها في يد أبي بكرٍ، والركن الثاني في يد عمر، والركن الثالث في يد عثمان، والركن الرابع في يد عليٍ، فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر، لم يسقه أبو بكر، ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عثمان، ومن أحب عثمان وأبغض علياَ لم يسقه عثمان، ومن أحب علياً وأبغض عثمان لم يسقه علي، ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين، ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحسن القول في علي فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن ".
عن معاذ بن جبلٍ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أما العرش، ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لأبي بكرٍ كرسي فيجلس عليها، وينادي منادٍ: يا لك من صديقٍ بين خليلٍ وحبيب ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" دخلت الجنة ليلة أسري بي، نظرت إلى برجٍ أعلاه نور، ووسطه نور، وأسفله نور، فقلت لحبيبي جبريل: لمن هذا البرج؟ فقال: هذا لأبي بكر الصديق ".
عن البراء بن عازب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله اتخذ لإبراهيم في أعلى عليين قبةً من ياقوتةٍ بيضاء، معلقة بالقدرة،
تخترقها رياح الرحمة، للقبة أربعة آلاف باب، كلما اشتاق أبو بكر إلى الله انفتح منها باب ينظر إلى الله عز وجل ".
عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يتجلى للمؤمنين عامة ويتجلى لأبي بكرٍ خاصة ".
عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكرٍ، أعطاك الله الرضوان الأكبر " فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الرضوان الأكبر؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، إذا كان يوم القيامة يتجلى الجبار لأهل الجنة، فتراه وتراه أهل الجنة، ويتجلى لك خاصةً، فلا يراه مخلوق غيرك ".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في الجنة لطيراً كأشباه البُخْت " فقال أبو بكر: إن هذه لطير ناعمة! قال: " آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تأكلها يا أبا بكر ".
عن علي قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ".
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفقٍ من آفاق السماء، ألا وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ".
قال محمد بن الجهم السمري: سألت الفراء عن قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الدرجات العلى: " وأنعما " لم أدخلت الألف في آخر حرفٍ؟ فقال: معناه: وقد أنعما أي صارا إلى النعيم، وأنشد الفراء عن
بعض العرب يصف راعياً: من الطويل
سمين الضواحي لم تؤرّقه ليلةً ... وأنعم أبكار الهموم وعُونُها
معناه: لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلةً، وقد أنعم: صار إلى النعيم.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مررت بسماء إلا رأيت فيها، مكتوب: محمد رسول الله، أبو بكرٍ الصديق ".
عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند الله عز وجل فقال له: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام، فقال: " منه بدأ السلام " قال: إن الله يقول لك: " قل للعتيق ابن أبي قحافة إني عنه راضٍ ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى ".
عن أبي هريرة قال: لما نزلت: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " قال أبو بكر: لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار.
عن سعد بن زُرارة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فالتفت التفاتةً، فلم يرَ أبا بكر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر، أبو بكر أما إن روح القدس أخبرني آنفاً أن خير أمتك بعدك أبو بكر ".
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعةً: أبا بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلياً، فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي: القرن الأول، والثاني، والثالث تترى، والرابع فرادى ".
عن جابر بن عبد الله قال: رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا الدرداء يمشي أمام أبي بكرٍ، فقال له: " أتمشي قُدّام رجلٍ لم تطلع الشمس على أحدٍ منكم أفضل منه؟! " فما رئي أبو الدرداء بعد ذلك إلا خلف أبي بكر.
وعن أبي الدرادء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما طلعت الشمس، ولا غربت على أحدٍ أفضل - أو خيرٍ - من أبي بكر إلا أن يكون نبياً ".
عن جابرٍ قال: كنا جماعة من المهاجرين والأنصار، فتذاكرنا الفضائل بيننا، فارتفعت أصواتنا، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا تفضلن أحداً منكم على أبي بكر؛ فإنه أفضلكم في الدنيا والآخرة ".
عن أبي بكرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم:
" من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء،
فوزنت أنت بأبي بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم ارتفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عرفجة الأشجعي قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر، ثم جلس: فقال: " وزن أصحابنا الليلة، وزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ".
عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يدفن المرء في تربته التي خلق منها " فلما دفن أبو بكرٍ وعمر إلى جانب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمنا أنهما خلقا من تربته.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من تنشق الأرض عنه أنا، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي البقيع، فتنشق عنهم، ثم أنتظر أهل مكة، فتنشق عنهم، فأُبعث بينهم ".
عن عائشة قالت: كان بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلام، فقال: " من ترضين أن يكون بيني وبينك، أترضين بأبي عبيدة بن الجراح؟ " قلت: لا، ذلك رجل هين لين، يقضي لك، قال: " فترضين بأبيك؟ " قال: فأرسل إلى أبي بكر، فجاء فقال: " اقصصي "، قالت: قلت: اقصص أنت، فقال: " هي كذا وكذا " قالت: فقلت: اقصد! فرفع أبو بكر يده فلطمني، قال: تقولين يا بنت فلانة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقصد! من يقصد إذا لم يقصد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: وجعل الدم يسيل من أنفها على ثيابها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نرد هذا " قال: وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغسل الدم بيده من ثيابها ويقول: " رأيتِ كيف أنقذتك منه؟ ".
عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا بكرٍ فأقام للناس حجهم - أو قال: فحج - ثم حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس العام المقبل حجة الوداع، ثم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكرٍ، فبعث أبو بكرٍ عمر بن الخطاب، فحج بالناس، ثم حج أبو بكرٍ في العام المقبل، ثم استخلف عمر، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عمر إمارته كلها، ثم استخلف عثمان، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عثمان إمارته كلها.
عن أبي جعفر قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب ب " براءة " لما نزلت، فقرأها على أهل مكة، وبعث أبا بكر على الموسم.
قال الزبير بن بكار: ودفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة تسعٍ إلى أبي بكر الصديق رايته العظمى، وكانت سوداء، ولواؤه أبيض.
عن محمد بن إسحاق: أن أبا بكرٍ أقام للناس الحج سنة ثنتي عشرة، وبعض الناس يقول: لم يحج أبو بكر في خلافته، وأنه بعث في سنة ثنتي عشرة على الموسم عمر بن الخطاب، أو عبد الرحمن بن عوف.
عن عروة بن الزبير: أن أبا بكر الصديق أحج على الناس سنةً عمر بن الخطاب، والسنة الثانية عتاب بن أسيد القرشي.
عن ابن شهاب قال: رأى النبي رؤيا، فقصها على أبي بكرٍ، فقال: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: خير يا رسول الله، يبقيك الله حتى
ترى ما يسرك، ويقر عينك، قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مراتٍ، فأعاد عليه مثل ذلك، قال: فقال له في الثالثة: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: يا رسول الله، يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته، وأعيش بعدك سنتين ونصف.
عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أؤول الرؤيا أبا بكر ".
عن سفينة قال: لما بنى النبي المسجد وضع حجراً، ثم قال: " ليضع أبو بكر حجراً إلى جنب حجري " ثم قال: " ليضع عمر حجراً إلى جنب أبي بكر " ثم قال: " ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر " ثم قال: " هؤلاء الخلفاء بعدي ".
عن زرعة بن عمرو، عن أبيه قال:
لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قال لأصحابه: " انطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم عليهم " فلما أتاهم سلم عليهم، ورحبوا به، فقال: " يا أهل قباء، إيتوني بحجارة من هذه الحرة " فجمعت عنده، فخط بها قبلتهم، فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجراً، فوضعه، ثم قال: " يا أبا بكر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجري " ففعل، ثم قال: " يا عمر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر أبي بكر " ففعل، ثم قال: " يا عثمان خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر عمر "، ففعل ثم التفت إلى الناس بأخرة فقال: " وضع رجل حجره حيث أحب على هذا الخط ".
عن جبير بن مطعم: أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله شيئاً، فقال لها: " ارجعي إلي " قالت: فإن
رجعت فلم أجدك يا رسول الله - تعرِّض بالموت -؟ فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن رجعت فلم تجديني فالقي أبا بكر ".
قال الزبير بن العوام - وذكر عنده أبو بكر -: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " قال: فقمنا سنة حتى دخلنا على علي بن أبي طالب فقلنا: يا أمير المؤمنين إنا سمعنا الزبير بن العوام يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " فقال: صدق، سمعت ذاك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حائط، فاستفتح رجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذن له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي " ففعلت، فإذا هو أبو بكر، ثم استفتح رجل، فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي ومن بعد أبي بكر " فإذا هو عمر، فأخبرته، ثم جاء آخر، فدق فقال: " يا أنس فافتح له وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعد عمر، وأنه سيلقى من الرعية الشدة، حتى يبلغوا دمه، وأمره عند ذلك بالكف " فقمت، فإذا هو عثمان، فأخبرته فحمد الله، فلما أخبرته أنهم سيبلغون دمه استرجع.
عن ابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب " وإذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثاً " فقال لحفصة: " أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي ".
عن ميمون بن مهران: في قوله تعالى: " وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين " أبو بكر وعمر.
عن عبد الله بن جراد قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفرسٍ، فركبه، وقال: " يركب هذا الفرس من يكون الخليفة من بعدي " فركبه أبو بكر الصديق.
عن عبد الله بن عباس قال: لما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " جاء العباس إلى علي، فقال: قم بنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصار إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألاه عن ذلك، فقال: " يا عباس، يا عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا له تفلحوا، وأطيعوه ترشدوا " قال العباس: فأطاعوه والله فرشدوا.
عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ".
عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً أحداً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله، وإن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولكل آيةٍ منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع ".
وعن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو على المنبر في مرضه الذي توفي فيه: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا علي كل خوخةٍ غير خوخة أبي بكر ".
عن سعيد بن جبير قال: كتب عبد الله بن عتبة إلى ابن الزبير يستفتيه في الجد، فقال سعيد: فقرأت كتابه إليه: أما بعد، فإنك كتبت إلي تستفتني في الجد، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكنه أخي في الدين، وصاحبي في الغار " وإن أبا بكر كان ينزله بمنزلة الوالد، وإن أحق من اقتدينا به بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر.
عن أبي سعيد الخدري قال:
خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه، وهو عاصب رأسه، قال: فأتبعته حتى صعد المنبر فقال: " إني الساعة لقائم على الحوض " قال: ثم قال: " إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة " فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر، فقال: بأبي أنت وأمي، بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا، قال: ثم هبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المنبر فما رئي عليه حتى الساعة.
عن كعب بن مالك قال: إن أحدث عهدي بنبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وفاته بخمس ليالٍ، دخلت عليه وهو يقلب يديه وهو يقول: " لم يكن نبي كان قبلي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً، وإن خليلي من أمتي أبو بكر بن أبي قحافة، ألا وإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ".
عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نغسله بسبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك، فوجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راحة، فخرج فصلى بالناس، فاستغفر لأهل أُحُدٍ، ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: " أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد، على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها،
فأكرموا كريمهم - يعني محسنهم - وتجاوزوا عن مسيئهم " ثم قال: " إن عبداً من عباد الله خير ما بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله " فبكى أبو بكر، وظن أنه يريد نفسه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك يا أبا بكر! سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم امرأً أفضل عندي يداً في الصحبة من أبي بكر ".
وعن أبي الأحوص حكيم بن عمير العنسي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عندما أمر به من سد تلك الأبواب إلا باب أبي بكر، وقال: " ليس منها باب إلا وعليه ظلمة إلا ما كان من باب أبي بكر، فإن عليه نوراً ".
وعن عائشة قالت: لما ثَقُل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء بلال يؤذنه بالصلاة، قالت: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس " قالت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكرٍ رجل أسيف، فلو أمرت عمر! قالت: فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، قالت: فقالت له حفصة، قالت: فقال: " إنكن لأنتن صواحبات يوسف " فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً! قالت: وأمر أبا بكر فصلى بالناس، فلما دخل أبو بكرٍ في الصلاة وجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفةً، فقام يُهادى بين رجلين، وإن رجليه لتخُطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقم مكانك، قالت: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جلس عن يسار أبي بكرٍ، قالت: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بالناس قاعداً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس يقتدون بصلاة أبي بكر.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليصل أبو بكر بالناس " قالوا: يا رسول الله، لو أمرت غيره أن يصلي، قال: " لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر ".
عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا عنده في نفرٍ من المسلمين قال: دعا بلال للصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس " قال: فخرجت، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكرٍ غائباً، فقال: قم يا عمر فصل بالناس، قال: فقام، فلما كبر عمر سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، وكان عمر رجلاً مُجهراً، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون " قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس.
قال: وقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك! ماذا صنعت بي يا بن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس! قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة.
عن أنس بن مالك قال:
لم يخرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكرٍ يصلي بالناس، فرفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فما رأينا منظراً أعجب إلينا منه، حيث وضح لنا وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأومأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر أن تقدم، وأرخى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فلم يوصل إليه حتى مات.
قالت حفصة بنت عمر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أنت مرضت قدَّمت أبا بكر، قال: " لست أنا الذي أقدمه ولكن الله يقدمه ".
عن الشعبي أنه قال: خص الله تبارك وتعالى أبا بكرٍ الصديق بأربع خصالٍ لم يخصص بها أحداً من الناس: سماه الصديق ولم يسم أحداً الصديق غيره، وهو صاحب الغار مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورفيقه في الهجرة، وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة، والمسلمون شهود.
قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان وأنا حي، فأستغفر لكِ وأدعو لكِ " قالت عائشة: واثكلاه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت معرِّساً ببعض أزواجك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكرٍ وابنه، فأعهد إليه: أن يقول القائلون، ويتمناه المتمنون ".
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتوني بأديمٍ ودواةٍ - أو كتفٍ ودواةٍ - فأكتب لأبي بكرٍ كتاباً لا يختلف عليه اثنان " ثم قال: " دعوه، معاذ الله أن يختلفوا في أبي بكرٍ - مرتين ".
وعن عائشة قالت: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستخلف أحداً، ولو كان مستخلفاً أحداً لاستخلف أبا بكرٍ أو عمر.
عن عبد الله قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر ابن الخطاب، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر أبا بكرٍ أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكرٍ؟ ".
عن حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكرٍ في طائفةٍ من المدينة، قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي، ما أطيبك حياً وميتاً! مات محمد، ورب الكعبة.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان، حتى أتوهم، فتكلم أبو بكرٍ، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار، ولا ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شأنهم إلا ذكره، وقال: لقد علمتم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار " ولقد علمتَ يا سعد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وأنت قاعد: " قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم "، فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
وفي رواية عن عائشة: قال عمر: والله ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، وقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال " إنك ميت وإنهم ميتون " وقال " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " فنشج الناس يبكون.
عن أبي البختري قال: قال عمر لأبي عبيدة بن الجراح: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنت أمين هذه الأمة " فقال أبو عبيدة: ما كنت لأتقدم بين يدي رجلٍ أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤمنا، فأمنا حتى مات.
عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات، وأبو بكر بالسنخ - يعني بالعالية - واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك، أنت سيدنا، وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه وبايعه الناس.
نا ابن عون عن محمد: أن أبا بكر قال لعمر: ابسط يدك نبايع لك، فقال له عمر: أنت أفضل مني، فقال له أبو بكر: أنت أقوى مني، فقال له عمر: فإن قوتي لك مع فضلك، فبايعه.
قال القاسم بن محمد:
فلما اجتمع الناس على أبي بكرٍ قسم بين الناس قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، فقالت: أتراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا، فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ فقالوا: لا، قالت: فوالله لا آخذ منه شيئاً أبداً! فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت، فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً.
قال عمر بن الخطاب: وكنت أول الناس أخذ بيد أبي بكر، فبايعته إلا رجل من الأنصار أدخل يده من خلفي، من بين يدي ويده، فبايعه قبلي.
قال عثمان بن عفان: إن أبا بكر الصديق أحق الناس بها - يعني بالخلافة - إنه لصدّيق، وثاني اثنين، وصاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي سعيد الخدري قال: قُبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنحن أنصار خليفته، كما كنا أنصاره، قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: صدق قائلكم، أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم، فأخذ بيد أبي بكر، وقال: هذا صاحبكم فبايعوه، وبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار.
قال: فصعد أبو بكرٍ المنبر، فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير، قال: فدعا الزبير، فجاء، فقال: قلت: ابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام، فبايعه، ثم نظر في وجوه
القوم، فلم ير علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب، فجاء، فقال: قلت: ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه.
قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث، فكتبت له في رقعة، وقرأت عليه، وقال: هذا حديث يسوى بدنة، فقلت: يسوى بدنة؟! بل هذا يسوى بدرة.
وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري، في صدر الحديث: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول - وفي رواية: فجعل الرجل منهم يقول: - يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان؛ أحدهما منكم، والآخر منا، قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك.
عن عبد الله بن عباس قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف، فالتسمته يوماً، فلم أجده، فانتظرته في بيته حتى رجع من عند عمر، فلما رجع قال: لو رأيت رجلاً آنفاً قال لعمر كذا وكذا، وهو يومئذٍ بمنى في آخر حجةٍ حجها عمر، فذكر عبد الرحمن لابن عباس أن رجلاً أتى عمر؛ فأخبره أن رجلاً قال: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، قال عمر حين بلغه ذلك: إني لقائم - إن شاء الله - في الناس، فمحذرهم الذين يغصبون الأمة أمرهم، قال عبد الرحمن: قلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل ذلك يومك، فإن الموسم يجمع رعاع الناس، وغوغائهم، وإنهم هم الذين يغلبون على مجلسك، فأخشى إن قلت فيهم اليوم مقالةً أن يطيروا بها، ولا يعوها، ولا يضعوها على مواضعها، أمهل حتى تقدم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم، فتقول ما قلت متمكناً، فيعوا مقالتك، ويضعوها مواضعها.
فقال عمر: والله لئن قدمت المدينة صالحاً لأكلمن بها الناس في أول مقامٍ أقومه.
قال ابن عباس:
فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، وذاك يوم الجمعة هجرت، فوجدت سعيد بن
زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست إلى ركنٍ جانب المنبر، فجلس إلى جنبي تمس ركبتي ركبته، فلم ينشب عمر أن خرج، فأقبل يوم المنبر، فقلت لسعيد بن زيد، وعمر مقبل: أما والله ليقولن أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالةً لم يقلها أحد قبله، فأنكر ذلك سعيد، وقال: ما عسى أن يقول أحد قبله!؟ فلما جلس على المنبر أذّن المؤذن، فلما أن سكت قام عمر، فتشهد، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قُدِّر لي أن أقولها، ولعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ألا يعيها فلا أحل له أن يكذب علي: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنزل عليه الكتاب، وكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله عز وجل، فتُترك فريضة أنزلها الله عز وجل، فإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أُحصن من الرجال والنساء، إذا قامت عليه بينة، أو كان الحَبَل، أو الاعتراف، ثم إنا قد كنا نقرأ ألا ترغبوا عن آبائكم، فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تطروني كما أُطري ابن مريم عليه السلام، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله "، ثم إنه بلغني أن فلاناً منكم يقول: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتةً فتمت فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله عز وجل وقى شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إن علياً، والزبير، ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينا نحن في منزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج إلي يابن الخطاب، فقلت: إليك عني فإنا عنك مشاغيل، فقال: إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه، إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمراً يكون بيننا وبينهم فيه
حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من هؤلاء الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقيت أبا عبيدة بن الجراح، فأخذ أبو بكر بيده، فمشى بيني وبينه، حتى إذا دنونا منهم لقينا رجلان صالحان، فذكرا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من هؤلاء الأنصار، فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم، فإذا هم جميع في سقيفة بني ساعدة، وإذا بين أظهارهم رجل مزمل، قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، قلت: ماله؟ قالوا: هو وَجِع، فلما جلس تكلم خطيب الأنصار، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، فقد دفت دافة من قومكم.
قال عمر: فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويحصنونا من الأمر، فلما قضى مقالته أردت أن أتكلم، قال: وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدة، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه - فتكلم أبو بكر، وهو كان أحلم مني، وأوقر، والله ما ترك من كلمةٍ أعجبتني في تزويري إلا تكلم بمثلها، أو أفضل في بديهته حتى سكت - فتشهد أبو بكرٍ، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:
أما بعد، أيها الأنصار، فما ذكرتم فيكم من خيرٍ فأنتم أهله، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي، وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم، فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من
أن أؤمر على قومٍ فيهم أبو بكر، إلا أن تغتر نفسي عند الموت، فلما قضى أبو بكر مقالته قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير، ومنكم أمير، يا معشر قريش، قال عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى أشفقت الاختلاف، قلت: ابسط يدك يا أبا بكرٍ، فبسط أبو بكر يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، والأنصار، فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل من الأنصار: قتلتم سعداً، قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعداً، فإنه صاحب فتنة وشرٍّ، وإنا ما رأينا فيما حضر من أمرنا أمراً أقوى من بيعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم قبل أن تكون بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعةً، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساداً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكرٍ كانت فلتةً فتمت، فقد كانت فلتة ولكن الله وقى شرها، ألا وإنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر.
عن حميد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن، فخلوت به، فقلت له: يا أبا سعيد، أما ترى ما الناس فيه من الاختلاف؟ فقال لي: يا أبا بحير، أصلح أمر الناس أربعة، وأفسده اثنان، أما الذين أصلحوا أمر الناس: فعمر بن الخطاب يوم سقيفة ساعدة حيث قالت قريش: منا أمير، وقالت الأنصار: منا أمير، فقال لهم عمر بن الخطاب: ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأئمة من قريش؟ " قالوا: بلى، قال: أولستم تعلمون أنه أمر أبا بكر يصلي بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم يتقدم أبا بكر؟ قالوا: لا أحد، فسلمت لهم الأنصار، ولولا ما احتج به عمر من ذلك لتنازع الناس هذه الخلافة إلى يوم القيامة! وأبو بكر الصديق حيث ارتدت العرب، فشاور فيهم الناس، فكلهم أشار عليه بأن يقبل
منهم الصلاة، ويدع الزكاة، فقال: والله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطونه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجاهدتهم، ولولا ما فعل أبو بكر من ذلك لألحد الناس في الزكاة إلى يوم القيامة! وعثمان بن عفان حيث جمع الناس على هذه القراءة، وقد كانوا يقرؤونه على سبعة أحرفٍ؛ فكان هؤلاء يلقون هؤلاء، فيقولون: قراءتنا أفضل من قراءتكم، حتى كاد بعضهم أن يكفر بعضاً، فجمعهم عثمان على هذا الحرف، ولولا ما فعل عثمان من ذلك لألحد الناس في القرآن إلى يوم القيامة، وعلي بن أبي طالب حيث قاتل أهل البصرة، فلما فرغ منهم قسم بين أصحابه ما حوى عسكرهم، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تقسم بيننا إماءهم ونساءهم؟ فقال: أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ قالوا: ومن يأخذ أم المؤمنين في سهمه؟! قال: أفرأيتم هؤلاء اللواتي قتل عنهن أزواجهن، أيعتددن أربعة أشهرٍ وعشراً، ويورَّثن الربع والثمن؟ قالوا: نعم، قال: فما أراهن إماءً؟ ولو كن إماءً لم يعتددن، ولم يورَّثن. ولولا ما فعل علي من ذلك لم تعلم الناس كيف تقاتل أهل القبلة.
وأما اللذان أفسدا أمر الناس: فعمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحكمت الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل معزولاً، فأبطأ في مسيره، فلما ورد عليه قال له: يا مغيرة، ما الذي أبطأ بك؟ قال: أمر، والله كنت أوطئه وأهّيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أوفعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك! فلما خرج من عند معاوية قال له أصحابه: ما وراءك يا مغيرة؟ قال: ورائي، والله أني وضعت رجل معاوية في غرز بغيٍ لا يزال فيه إلى يوم القيامة.
قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لآبائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.
عن أنس بن مالك قال: لقد رأيت عمر يزعج أبا بكرٍ إلى المنبر إزعاجاً.
عن عائشة قالت:
توفيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاة أبيها بستة أشهرٍ، فاجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكرٍ: ائتنا، فقال عمر: والله لا تأتيهم، فقال أبو بكر: والله لأتينهم، وما تخاف علي منهم؟ فجاءهم حتى دخل عليهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى عليه، ثم قال: إني قد عرفت أنكم قد وجدتم عليَّ في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، ووالله ما صنعت ذلك إلا لأني لم أكن أريد أن أكل شيئاً من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت أرى أثرة فيه وعمله، إلى غيري حتى أسلك به سبيله، وأنفذه فيما جعله الله، ووالله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي، لقرابتكم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعظيم حقه الذي جعله له على كل مسلم.
ثم تشهد علي، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيراً قسمه الله لك ألاّ أن تكون أهلاً لما أسند إليك في صحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنك، وفضلك؛ ولكنا قد كنا من الأمر حيث قد علمت، فتقوّل به علينا، فوجدنا في أنفسنا. وقد رأيت أن أبايع، وأدخل فيما دخل فيه الناس، وإذا كان العشية، فصلِّ بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك، فأبايعك.
فلما صلى أبو بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من أمر علي وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هو ذا فاسمعوا منه.
فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أبا بكرٍ، وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من خيرٍ، ثم قام إلى أبي بكرٍ، فبايعه، فلا ترى مثلما قال الناس: جزاك الله يا أبا حسنٍ خيراً؛ فقد أحسنت وأجملت حتى لم تصدع عصا المسلمين، ولم تفرق جماعتهم، فدخل فيما دخلوا فيه، ثم انصرف.
عن صعصعة بن صوحان قال: دخلنا على علي بن أبي طالب حين ضربه ابن ملجم، فقلنا: يا أمير المؤمنين، استخلف علينا، قال: لا، ولكن أترككم كما تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ دخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، استخلف علينا، فقال: " لا، إن يعلم الله عز وجل فيكم خيراً يول عليكم خياركم " قال علي: فعلم الله فينا خيراً فولى علينا أبا بكر.
عن أبي الزناد قال: أقبل رجل يتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب، فقال: يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين والأنصار قدموا أبا بكرٍ، وأنت أوفى منه منقبة، وأقدم منه سلماً، وأسبق سابقةً، قال: إن كنت قرشياً فأحسبك من عائذة، قال: نعم، قال: لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك، إن أبا بكر سبقني إلى أربع، لم أبزهن ولم أعتض منهن: سبقني إلى الإمامة، وتقديم الهجرة، وإلى الغار، وإفشاء الإسلام.
عن عمرو بن شقيق الثقفي قال: لما فرغ علي من الجمل قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً، ولكنه رأي رأيناه، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً من قبلنا: ولي أبو بكرٍ، فأقام واستقام، ثم ولي عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الإسلام بجرانه، ثم إن أقواماً طلبوا الدنيا فيعفو الله عمن يشاء، ويعذب الله من يشاء.
عن عبد الله بن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمدٍ خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلبه، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المؤمنون حسناً، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون سيئاً فهو عند الله سيئ.
قال ابن عياش: وأنا أقول: إنهم قد رأوا أن يولوا أبا بكرٍ بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن ابن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: أنا خليفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا راضٍ بذلك، وكره أن يقال: خليفة الله تعالى.
قال عبد الله بن محمد بن عثمان الحافظ:
الذين وقع عليهم اسم الخلافة ثلاثة، قال الله عز وجل لآدم: " إني جاعل في الأرض خليفة " قال ابن عباس: فأخرجه الله من الجنة قبل أن يدخله فيها، لأنه خليفة الأرض، خليفة فيها، وقوله تعالى لداود: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " وأجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر، وقالوا له: يا خليفة رسول الله، ولم يسم أحد بعده خليفةً، ويقال: إنه قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثلاثين ألف مسلم، كل قال لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، ورضوا به ومن بعده، رضي الله عنهم.
قال أبو بكرة: أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون، فرمي ببصره في مؤخر القوم إلى رجلٍ، فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدّيقه.
عن ابن عباس قال: أبو بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كل مؤمنٍ ومؤمنة.
وقال الحسن: والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر.
قال أبو بكر بن عياش: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن، لأن الله تعالى يقول: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون
الله ورسوله أولئك هم الصادقون " فمن سماه صادقاً فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن معاوية بن قرة قال: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون أن أبا بكرٍ خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يجتمعون على خطأ أو ضلالة، وما كانوا يكتبون إلا إلى أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان يكتب إلا من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما زالوا كذلك حتى توفي، فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال عمر: هذا يطول، قالوا: لا، ولكنا أمرناك علينا، فأنت أميرنا، قال: نعم، أنتم المؤمنون، وأنا أميركم، فكتب: أمير المؤمنين.
قال سفيان: ما أحسب أن الله يقبل لمن أساء الظن بالمهاجرين الأولين من تقدمة أبي بكر وعمر صوماً، ولا صلاة ولا يصعد له إلى السماء عمل.
عن شيخ من أهل الكوفة قال: لما بويع أبو بكر واستقام أمور الناس أنشأ رجل من قريشٍ يكنى أبا عمرة يقول في ذلك: من الكامل
شكراً لمن هو بالثناء حقيق ... ذهب الحِجاج، وبويع الصديق
من بعدما دحضت بسعدٍ بغلة ... ورجا رجاءً دونه العيوق
حفت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصديق والفاروق
وأبو عبيدة والذين إليهم ... نفس المؤمل للبقاء تتوق
بالحق إذ طلبوا الخلافة زلة ... لم يخط مثل خطائهم مخلوق
فتداركوها بالصواب فبايعوا ... بعد التي فيها لنا تحقيق
إن الخلافة في قريشٍ ما لكم ... فيها ورب محمدٍ تعريق
عن رافع بن أبي رافع قال:
كنت رجلاً أغير على الناس، وأدفن الماء في أدحي النعام، فأستافه حتى أمر عليه بالفلاة، فأستثيره فلما كانت غزوة ذات السلاسل بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، واستعمل عليهم عمرو بن العاص - وهي التي يفخر بها أهل الشام - وفيهم أبو بكر الصديق وأمرهم أن يستنفروا من مروا عليه من المسلمين، فمروا علينا في منازلنا، فاستنفرونا، فقلت: والله لأختارن لنفسي رجلاً فلأصحبنه، قال: فصحبت أبا بكر، قال: وكان له كساء فدكي، كان إذا ركب خله عليه، وإذا نزل لبسناه جميعاً، وهو الذي عيرته به هوازن، فقالوا: إذا الخلال نبايع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!؟ قال: فقضينا غزاتنا، ثم رجعت، فقلت: يا أبا بكر، إني قد صحبتك، وإن لي عليك حقاً، فأحب أن توصيني؛ فإني لست كل ساعة أستطيع أن آتي المدينة، قال: قد أردت أن أفعل ذلك، ولو لم تقله؛ اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة، وآتي الزكاة، وحج البيت وصم رمضان، ولا تأمرن على رجلين، قال: قلت: هذا: أعبُد الله وأقيم الصلاة وأؤتي الزكاة وأحج البيت وأصوم رمضان، أرأيت قولك: ولا تأمرن على رجلين؟ فوالله ما يصيب الناس الخير والشرف إلا في الإمارة في الدنيا! قال: إنك استجهدتني فجهدت لك؛ إن الناس دخلوا في الإسلام طوعاً وكرهاً، فهم عواذ الله، وجيران الله، وفي ذمة الله، فمن ظلم أحداً منهم فإنما يخفر ذمة الله، وإن أحدكم لتؤخذ شاة جاره وبعير جاره فيظل ناتئ عضله لجاره، والله من وراء جاره.
فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكر. قال: قلت: صاحبي الذي قال لي ما قال
لآتينه، قال: فأتيت المدينة، فالتمست خلوته حتى أتيته، قال: فسلمت عليه، وتعرفت إليه، فعرفني، فقلت له: أما تذكر قولاً قلته لي؟ قال: وما هو؟ قال: قلت: قولك ولا تأمرن على رجلين! قال: بلى، إن الناس كانوا حديث عهد بكفر وإني خشيت عليهم، وإن أصحابي لم يزالوا بي، قال: فوالله ما زال يعتذر إلي حتى عذرته.
عن عروة بن الزبير قال: قام أبو بكر خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وبيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلَّمنا فعلمنا فأعلمنا أن أكيس الكيس التُّقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق؛ أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدعٍ، فإن أحسنت فاتبعوني، وإن زُغت فقوموني.
قال حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي: في حديث أبي بكر أنه قال: وليتكم، ولست بخيركم: مذهب هذا الكلام وطريقه مذهب التواضع وترك الاعتداد بالولاية، والتباعد من كبرياء السلطنة، ولم يزل من شيم الأبرار، ومذاهب الصالحين الأخيار أن يهتضموا أنفسهم وأن يسوغوا في حقوقهم، وقد كان له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حين يقول: " ليس لأحدٍ أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى " وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد ولد آدم، أحمرهم وأسودهم.
عن الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيباً، فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت هذا الأمر، وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أقم به، كان
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبداً أكرمه الله بالوحي، وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخيرٍ من أحدٍ منكم فراعوني؛ فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطاناً يغيّرني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم.
عن أبي هريرة قال:
والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبِدَ الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أسامة بن زيدٍ في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا بكر، رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا حللت لواءً عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيلٍ يريدون الارتداد ألاّ قالوا: لولا أن لهؤلاء قوةً ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
وعن عائشة قالت: خرج أبي شاهراً سيفه، راكباً على راحلته إلى ذي القَصَّة، فجاء علي بن أبي طالب، فأخذ بزمام راحلته، فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد: " أشمر سيفك، ولا تفجعنا بنفسك " فوالله لئن أُصِبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع وأمضى الجيش.
عن يزيد الضخم قال: قلت لأبي بكر: ما أراك تنحاش لما قد بلغ من الناس، ولما يتوقع من إغارة
العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق من شيءٍ، ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين، قال لي: " هون عليك، فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام ".
عن ابن شهاب قال: من فضل أبي أنه لم يشك في الله ساعة قط.
عن علي قال: قام أبو بكر بعدما استخلف بثلاث، فقال: من يَستَقيلُني بيعتي فأقيله؟ فقلت: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدمك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان نقش خاتم أبي بكر الصديق: نعم القادر الله.
عن الحسن: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال: أبو بكر وأصحابه.
وقرأ الحسن: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " حتى قرأ الآية، قال: فقال الحسن: فولاها أبا بكر الصديق وأصحابه.
عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انزل عن مجلس أبي! فقال: صدقت، إنه لمجلس أبيك، قال: ثم أجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما هذا عن أمري، قال: صدقت والله ما اتهمتك.
وقد روي هذا للحسين بن علي مع عمر.
وعن الضحاك: في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عائشة قالت: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها؛ اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب من كل جانب، فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي في خطتها وعنانها؛ قالوا: أين ندفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فما وجدنا عند أحدٍ من ذلك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه " قالت: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحدٍ من ذاك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنا - معشر الأنبياء - لا نورث، ما تركنا صدقة ".
وقالت: من رأى عمر عرف أنه خلق عتّالاً للإسلام، كان والله أحْوَزِياً، نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها.
عن صالح بن كيسان قال: لما كانت الردة قام أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
الحمد لله الذي هدى، فكفى وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعلم شريد والإسلام غريب طريد، قد رث حبله، وخلق عهده، وضل أهله منه، ومقت الله أهل الكتاب، فلا يعطيهم خيراً لخيرٍ عندهم، ولا يصرف عنهم شراً، لشرٍّ عندهم، قد غيروا كتابهم، وأتوا عليه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله، لا يعبدونه، ولا يدعونه، أجهدهم عيشاً، وأضلهم ديناً، في ظلفٍ من الأرض مع قلة السحاب، فجمعهم الله بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم، حتى قبض الله نبيه، فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم،
وبغى هلكتهم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين " إن من حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم، وإن رجعوا إليه، أزهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا، على ما قد فقدتم من بركة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد وكلكم إلى الكافي الذي وجده ضالاً فهداه، وعائلاً فأغناه، " وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها " والله لا أدع أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده، ويوفي لنا عهده، ويقتل من قتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته، وورثته في أرضه قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " الآية، ثم نزل رحمه الله.
عن زيد بن علي قال: أبو بكر الصديق إمام الشاكرين، ثم قرأ " وسيجزي الله الشاكرين ".
عن قتادة قال: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب كلها إلا ثلاثة مساجد: مكة والمدينة والبحرين، فقالوا: أما الصلاة فإنا سنصلي، وأما الزكاة فوالله لا نُغصب أموالنا، فكلموا أبا بكرٍ أن يخلي عنهم؛ فإنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة طائعين، فقال: لا أفرق بين شيء جمعه الله، فوالله لو منعوني عقالاً فما سوى ذلك مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه.
فبعث الله معه عصابةً، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله حتى أقروا بالماعون، وهو الزكاة المفروضة، فسارت إليه وفود العرب، فخيرهم بين خطة مخزية، أو حرب مجلية، فاختاروا الخطة المخزية، وذلك أنهم يشهدون على قتلاهم، أنهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، وأن ما أصابوا من أموال المسلمين ردوه عليهم، وما أصاب المسلمون من أموالهم لم يردوه عليهم.
ومن طريق ابن سعد: أن أبا بكرٍ الصديق كان له بيت مالٍ بالسنح معروف ليس يحرسه أحد، فقيل له: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا تجعل على بيت المال من يحرسه، فقال: لا يخاف، قلت: لم؟ قال: عليه قفل، وكان يعطي ما فيه لا يبقى فيه شيء، فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوله، فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها، وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير - انفتح معدن بني سُليم في خلافة أبي بكر - فَقُدم عليه منه بصدقته، فكان يوضع ذلك في بيت المال، فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقراً نقراً، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يسوي بين الناس في القسم: الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير فيه سواء. وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف أتى بها من البادية، ففرّقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، فلما توفي أبو بكر، ودفن دعا عمر الأمناء، ودخل بهم بيت مال أبي بكر، ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه لا ديناراً، ولا درهماً، ووجدوا خيشةً للمال، فنفضت فوجدوا فيها درهماً، فترحموا على أبي بكر، وكان بالمدينة وزّان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مالٍ، فسئل الوزّان: كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف.
عن عائشة: أن أبا بكر حين استخلف ألقى كل دينارٍ ودرهمٍ عنده في بيت مال المسلمين، وقال: قد كنت أتجر فيه، وألتمس به فلما وليتهم شغلوني.
ومن طريق ابن سعد قال:
لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟
قالا: انطلق حتى نفرض لك شيئاً، فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاةٍ، وما كسوه في الرأس والبطن، فقال عمر: إليَّ القضاء، وقال أبو عبيدة: وإليَّ الفيء.
قال عمر: فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إليَّ فيه اثنان.
عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكرٍ قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر رضيت.
وعن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال: زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة، قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة.
ومن طريق ابن سعد أيضاً: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان منزله بالسُّنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرةً من شعْرٍ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرسٍ له، وعليه إزار، ورداء ممشق، فيوافي المدينة، فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس، وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب. وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح، يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح لقدر الجمعة، فيُجَمِّع بالناس، وكان رجلاً تاجراً، فكان يغدو كل يوم السوق، فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها، وربما كفيها، فرُعيت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من
الحي: الآن لا تُحلَبُ لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنّها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلقٍ كنت عليه؛ فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية من الحي: يا جارية، أتحبين أن أرغي لك، أو أصرح؟ فربما قالت: ارغ، وربما قالت: صرح، فأي ذلك قالت فعل، فمكث كذلك بالسنح ستة أشهرٍ، ثم نزل إلى المدينة، فأقام بها، ونظر في أمره فقال: لا والله، ما يصلح أمر الناس التجارة، وما يصلح لهم إلا التفرغ، والنظر في شأنهم.
ثم اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتي عشرة، فدخل مكة ضحوةً، فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره، ومعه فتيان أحداث إلى أن قيل له: هذا ابنك، فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته، فنزل عنها وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبه لا تقم! ثم لاقاه، فالتزمه وقبل بين عينيه، وجعل الشيخ يبكي فرحاً بقدومه. وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصافحوه جميعاً فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم سلموا على أبي قحافة، فقال أبو قحافة: يا عتيق، هؤلاء الملأ، فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: إنه لا حول ولا قوة إلا بالله؛ طوقت عظيماً من الأمر، ولا قوة لي به، ولا يدان إلا بالله، ولقيه الناس يعزونه بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبكي، حتى انتهى إلى البيت فاضطبع بردائه، ثم استلم الركن، ثم طاف سبعاً، وركع ركعتين، ثم انصرف إلى منزله فلما كان الظهر خرج، فطاف أيضاً بالبيت، ثم جلس قريباً من دار الندوة، فقال: هل من أحدٍ يتشكى من ظلامة، أو يطلب حقاً؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيراً، ثم صلى العصر، وجلس، فودعه الناس ثم خرج راجعاً إلى المدينة، فلما كان وقت الحج سنة اثنتي عشرة حج أبو بكر بالناس تلك السنة، وأفرد الحج، واستخلف على المدينة عثمان ابن عفان.
عن محمد بن سيرين قال:
لم يكن أحد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي
بكر لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلاً ولا في السنة أثراً، فقال: أجتهد برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني، وأستغفر الله.
عن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشرابٍ، فأُتي بماءٍ وعسل، فلما أدناه من فيه نحاه ثم بكى حتى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسكته، ثم أفاق، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر أحداً معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى معك أحداً، قال: " هذه الدنيا تمثلت لي، فقلت لها: إليك عني، فتنحت، ثم رجعت، فقالت: أما إنك إن أفلتَّ فلن يفلت مني من بعدك " فذكرت ذلك، فخفت أن تلحقني.
عن الضحاك بن مزاحم قال: قال أبو بكر يوماً: ورأى الطير واقعاً على شجرةٍ، فقال - طوبى لك يا طائر! لوددت أني كنت مثلك! تقع على الشجر، وتأكل الثمر ثم تطير ولا حساب عليك ولا عذاب؛ والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق، فمر علي بعير، فأخذني وأدخلني فاه فلاكني، ثم ازْدَردَني فأخرجني بعراً، ولم أكن بشراً.
عن ابن مُليكة قال: كان ربما سقط الخطام من أبي بكرٍ الصديق، قال: فيضرب بذراع ناقته، فينيخها فيأخذه، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حِبّي أمرني ألا أسأل الناس شيئاً.
عن ابن العالية الرياحي قال: قيل لأبي بكرٍ الصديق في جمعٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل شربت الخمر في
الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي؛ فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته، قال: فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " صدق أبو بكر، صدق أبو بكر " مرتين.
عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكرٍ شعراً قط، ولكنكم تكذبون عليه.
عن معروف بن خربوذ: أن أبا بكر الصديق أحد عشرةٍ من قريش اتصل لهم شرف الجاهلية بشرف الإسلام.
قال الزبير بن بكار سمعت بعض أهل العلم يقول: خطباء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب.
عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت، فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق مبشراً ونذيراً، وسراجاً منيراً " لينذر من كان حياً ويَحِقَّ القول على الكافرين " ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل ضلالاً مبيناً أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم، وهداكم به، فإن جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقد أفلح، وأدى الذي عليه من الحق، وإياكم وإتباع الهوى، فقد أفلح من حُفظ من الهوى، والطمع، والغضب، وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من ترابٍ، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي، وغداً ميتاً، فاعملوا يوماً بيوم، وساعةً بساعةٍ، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا: فإن العمل كله بالصبر، واحذروا فالحذر ينفع، واعملوا فالعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعه فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا أو تفهموا واتقوا أو تَوَقُّوا: فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من
نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحب من الأعمال، وما يكره؛ فإني لا ألوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم، وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم، وإن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولا يصرف عنه سوءاً إلا بطاعته، وإتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر بشرٍ بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوات الله على نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن عبد الله بن عُكَيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رَغَباً ورَهَباً، وكانوا لنا خاشعين " ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقّه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا يُطفأ نوره، ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم، وتردكم إلى أسوأ أعمالكم؛ فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوَحَى الوَحَى، ثم النجاءَ النجاءَ؛ فإن وراءكم طالباً حثيثاً مره سريع.
عن ابن عيينة قال: كان أبو بكر الصديق إذا عزى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع
فائدة، الموت أهون ما قبله، وأشد ما بعده، اذكروا فقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصغر مصيبتكم، وأعظم الله أجركم.
عن ابن عباس: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ. " قال: نزلت في عشرة: في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن مسعود.
وقال: نزلت في أبي بكر الصديق: " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " إلى قوله: " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ".
عن الضحاك في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عكرمة: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قال: أبو بكر وعمر.
عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع.
عن عبد الله بن حسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر منا أهل البيت ".
قال عمر: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً، وقال: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر.
ورأى رجل عمر وهو يتصدق عام الرمادة، فقال: إن هذا لحبر هذه الأمة بعد نبيها، قال: فعمد عمر، وجعل يضرب صلعة الرجل بالدرة، ويقول: كذب الآخر، أبو بكر خير مني، ومن أبي، ومنك، ومن أبيك.
وقال رجل لعمر: يا خير الناس - أو ما رأيت أميراً خيراً منك - فقال: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا، قال: فهل رأيت أبا بكر؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك رأيت واحداً منهما لأوجعتك!.
وقال نفر لعمر: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عوف بن مالك: كذبتم لقد رأيت خيراً منه غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل إليه عمر، فقال: من هو يا عوف؟ فقال: أبو بكر، فقال عمر: صدق عوف وكذبتم، لقد كان أبو بكر أطيب من المسك، وإني لمثل بعير أهلي.
وقال عمر: ليتني شعرةً في صدر أبي بكر.
وقال عبد الله بن عمر: كنا نقول ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي: أفضل أمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان - وزاد في رواية: فيبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا ينكر.
وعن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبتِ، من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: أبو بكر يا بني، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فخفت من أن قلت: ثم من؟ أن يقول عثمان: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: ما أبوك إلا رجل من المسلمين.
عن عبد خير الهمداني - وكان أمير شرطة علي - قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: فذكر أبا بكر، ثم قال: ألا أخبركم
بالثاني؟ قال: فذكر عمر، ثم قال: لو شئت لأنبأتكم بالثالث، قال: وسكت، فرأينا أنه يعني نفسه، فقيل: أنت سمعته يقول هذا؟ قال: نعم ورب الكعبة، وإلا فَصُمّتا.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أنا الأول، وأبو بكر المصلي، وعمر الثالث، والناس من بعدنا الأول فالأول ".
عن قيس الخارفي قال: سمعت علياً يقول: سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر.
عن أبي سريحة قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا إن أبا بكر أوّاه منيب القلب، ألا إن عمر ناصح الله فنصحه.
عن علي قال: إن أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر الصديق، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.
وسئل علي عن أبي بكر وعمر، فقال: كانا إمامَي هدىً، راشدَين مرشدين مفلحين منجحين خرجا من الدنيا خميصين.
وقال: إن الله عز وجل جعل أبا بكرٍ وعمر حجةً على من بعدهم من الولاة إلى يوم القيامة، سبقا والله سبقاً بعيداً، وأتعبا من بعدهم إتعاباً شديداً، فذكرهما حرب للأمة، وطعن على الأئمة.
وقال: لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
وقال: وهل أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر.
مر رجل من التابعين يقال له سويد بن غفلة برجلين من أصحاب علي، وهما ينتقصان أبا بكرٍ وعمر، فلم يملك نفسه أن ذهب إلى عليٍّ، فقرع الباب، فخرج فقال: يا أبا حسن، إني مررت بفلانٍ وفلان صاحبيك، وهما ينتقصان أبا بكرٍ، وعمر، وايم الله، لو لم تضمر مثل ما أبديا ما اجترأ على ذلك! قال: فغضب علي غضباً شديداً حتى استُدِرَّ عرق بين عينيه، ونودي بالصلاة جامعةً، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: تجندت عليَّ الجنود، ووردت علي الوفود عند مستقر الخطوب، وعند نوائب الدهر: ما بال أقوامٍ يذكرون سيدي قريشٍ، أبوي المؤمنين بما ليسا من هذه الأمة بأهل، وبما أنا عنه منزه، ومنه بريء، وعليه معاقب؟! أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا منافق ردي.
عن ابن عباس: أنه سئل عن أبي بكرٍ، فقال: كان والله خيراً كله، وسئل عن عمر، فقال: كان والله كالطير الحذر الذي ينصب له في كل طريقٍ شرك، وكان يعمل على ما يرى مع العنف، وشدة النشاط، وسئل عن عثمان، فقال: كان والله صواماً قواماً، قارئاً للقرآن، من رجل غرته نومته من يقظته، وسئل عن علي، فقال: كان والله مزكوناً علماً وحلماً، من رجل غرته سابقته من أن لن يمد يده إلى شيءٍ إلا اتبعه، فوالله ما رأيته مد يده إلى شيء إلا خالفه.
عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة؛ أرحمه بنا، وأحناه علينا.
عن عائشة:
أنها بلغها أن قوماً تكلموا في أبيها، فبعثت إلى أزفلةٍ من الناس، وعلت وسادتها، وأرخت ستارتها، ثم قالت: أبي، وما أبيه، أبي والله لا تعطوه الأيدي، ذاك طود
منيف، وظل مديد، هيهات! كذبت الظنون أنجح إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم، سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشئاً، وكهفها كهلاً، يريش مملقها، ويرأب شعبها، ويلم شعثها حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في دين الله فما برحت شكيمته، في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون، وكان - رضي الله عنه - غزير الدمعة، وقيذ الجوانح، شجي النشيج، فانقصفت عليه نسوان أهل مكة، وولدانهم يسخرون منه، ويستهزئون به " الله يستهزئ بهم، ويمدهم في طغيانهم يعمهون " وأكبرت ذلك رجالات قريشٍ فحنت قسيها، وفوقت سهامها، وامتثلوه غرضاً، فما فلوا له صفاة، ولا قصموا له
قناةً، ومضى على سيسائه، حتى إذا ضرب الدين بجرانه، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجاً، ومن كل فرقةٍ أرسالاً وأشتاتاً اختار الله لنفسه ما عنده، فلما قبض الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضطرب حبل الدين، ومرج أهله، وبغى الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نُهَزُها، ولات حين يظنون، وأنى، والصديق بين أظهرهم؟! فقام حاسراً مشمراً، فرقع حاشيتيه بطبه، وأقام أوده بثقافه حتى امذقر النفاق، فلما انتاش الدين بنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرت الرؤوس في كواهلها، وحقن الدماء في أهبها حضرت منيته فسد ثلمته بنظيره في السيرة والمرحمة، ذاك ابن الخطاب، لله در أم حملت به ودرت عليه! لقد أوجدت به، فديّخ الكفرة وفنخها، وشرد الشرك شذر مذر، وبعج الأرض فنجعها حتى قاءت أكلها، ترأمه ويصد عنها، وتصدّى له، فيأباها، وتريده ويصدف عنها، ثم فرغ فيئها، ثم تركها كما
صحبها، فأروني ماذا ترتؤون؟ وأي يومي أبي تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟ أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
ثم التفتت إلى الناس، فقالت: سألتكم بالله، هل أنكرتم مما قلت شيئاً؟ قالوا: اللهم لا!.
عن أبي عبد الرحمن الأزدي قال: لما انقضى الجمل قامت عائشة، فتكلمت، فقالت: أيها الناس إن لي عليكم حرمة الأمومة، وحق الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه، قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري، وأنا إحدى نسائه في الجنة، ادخرني ربي، وحصنني من كل بضاعة، وبي مُيّز مؤمنكم من منافقكم، وفيّ رخص لكم في صعيد الأقواء وأبي رابع أربعةٍ من المسلمين، وأول من سمي صديقاً، قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنه راضٍ، فطوقه وهف الأمانة، ثم اضطرب حبل الدين، فأخذ بطرفيه، وربق لكم أثناءه، فوقد النفاق وأغاض نبع الردة، وأطفأ ما حشت يهود، وأنتم
حينئذٍ جحظ، تنتظرون العدوة، وتستمعون الصيحة، فرأب الثأي، وأؤذم العطلة، وامتاح من المهواة، واجتهر دفن الرواء، فقبضه الله واطئاً على هامة النفاق، مذكياً نار الحرب للمشركين، يقظان في نصرة الإسلام صفوحاً عن الجاهلين.
عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما من السنة.
وقد روي هذا القول عن عبد الله بن مسعود.
عن أنس قال: رحم الله أبا بكر وعمر أمرهما سُنة.
وقال الحسن: قدمهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن ذا الذي يؤخرهما.
وقال: ثلاثة لا يربعهم أحد أبداً: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر.
وقال الأعمش: ما كنت أرى أني أعيش في زمانٍ أسمعهم يفضلون فيه على أبي بكر وعمر.
عن طلحة اليامي قال: كان يقال: الشاك في أبي بكر وعمر كالشاك في السنة.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبوا الإسلام وأمه.
فذكر ذلك لأبي أيوب الشاذكوني، فقال: صدق.
وقال أبو حسين: ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكرٍ الصديق ولقد قام ليوم الردة مقام نبي من الأنبياء.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو لأمتي في حب أبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول: لا إله إلا الله ".
عن مالك بن أنس قال: قال أمير المؤمنين هارون لي: يا مالك، صف لي مكان أبي بكر وعمر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا أمير المؤمنين قربهما منه في حياته كقرب قبرهما من قبره، فقال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك!
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكرٍ؟ قال: يُقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يُقتل.
قال ربعي بن خراش: قذف المحصنة يهدم عمل سبعين سنةً، وشتم أبي بكر وعمر يهدم عمل مائة سنةٍ.
قال جعفر بن محمد: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكرٍ وعمر.
عن حيان الهجري قال: كان لي جليس يذكر أبا بكرٍ وعمر، فأنهاه فيُغْرَى، فأقوم عنه، فذكرهما يوماً، فقمت عنه مغضباً، واغتممت مما سمعت، إذ لم أرد عليه الرد الذي ينبغي فنمت، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي كأنه أقبل ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، إن لي جليساً يؤذيني في هذين، فأنهاه فيغرى، ويزداد، قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجلٍ قريب منه، فقال: " اذهب إليه فاذبحه " فذهب الرجل إليه، وأصبحت، فقلت: إنها لرؤيا، فلو أتيته فخبرته لعله ينتهي، قال: فمضيت أريده، فلما صرت قريباً من داره إذا الصراخ، قلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، طرقته الذبحة في هذه الليلة فمات.
عن إسماعيل بن أبي خالد قال: جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير: بسم الله الرحمن الرحيم: من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة؛ وإنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصح أهل المدينة، فتوفي بين صلاة الأولى، وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره، وغشيناه بردين وكساء، فأتاني آتٍ وأنا أسبح بعد المغرب، فقال: إن زيداً قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعاً، وقد حضره قوم من الأنصار، وهو يقول - أو يقال على لسانه -: الأوسط أجلد القوم، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائمٍ، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين، صدق، صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، قال: ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان، وبقي أربع، واختلف الناس، وأكل بعضهم بعضاً فلا نظام، وأبيحت الأحماء، ثم ارعوى المؤمنون فقالوا: كتاب الله وقدره، أيها الناس أقبلوا على أميركم، واسمعوا وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن دماً، كان أمر الله قدراً مقدوراً، الله أكبر، هذه الجنة، وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليك يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة؟ - لأبيه - وسعداً اللذين قتلا يوم أحد " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى " ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه، فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا فنظر بعضنا إلى بعضٍ فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه، فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك، يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ضعيفاً في جسمه، قوياً في أمر الله عز وجل صدق، صدق، وكان في الكتاب الأول.
وكان زيد بن خارجة من سروات الأنصار، وكان أبوه خارجة بن سعد حيث هاجر
أبو بكر نزل عليه في داره، وتزوج ابنته، وقتل أبوه وأخوه سعد بن خارجة يوم أحد، فمكث بعدهم حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خلافة أبي بكر وعمر، وشيئاً من خلافة عثمان؛ فبينا هو يمشي في طريق من طرق المدينة بين الظهر والعصر إذ خر، فتوفي، فأعلمت به الأنصار، فأتوه، فاحتملوه إلى بيته.
عن مسلم الطبين قال: من الكامل
أنى تعاتب، لا أبا لك، عصبةً ... علقوا الفرى، وبروا من الصديق
وبروا سفاهاً من وزير نبيهم ... تباً لمن يبرا من الفاروق
إني على رغم العداة لقائل ... دانا بدين الصادق المصدوق
عن زياد بن حنظلة قال: كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على قوته في أمر الله، فمرض بعد خروج خالد من العراق إلى الشام، وثقل بعد قدوم خالد على أهل اليرموك، ومات قبل الفتح بأيامٍ.
وعن ابن شهاب:
أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله إن فيها لسم سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحدٍ! قال: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يومٍ واحدٍ عند انقضاء السنة.
قالوا: كان أول بدء مرض أبي بكرٍ أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً، لا يخرج إلى صلاةٍ، وكان يأمر عمر بن
الخطاب يصلي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه، وهو يثقل كل يومٍ، وهو نازل يومئذٍ في داره التي قطع له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.
قال أبو السفر: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: قد نظرت إلي، قالوا: ما قال لك؟ قال: قال: " إني فعال لما أريد ".
وروى ابن سعد من طرق: أن أبا بكرٍ الصديق لما استعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمرٍ إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: أنت أخبرنا به - فقال: على ذلك أبا عبد الله، فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور، وأسيد بن الحضير، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يُسِرُّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
وسمع بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر، وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكرٍ، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفوني!؟ خاب من تزود من أمركم بظلمٍ! أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من وراءك! ثم اضطجع، ودعا عثمان، فقال اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني أستخلف عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم أل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئٍ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون " والسلام عليكم ورحمة الله.
ثم أمر بالكتاب، فختمه، فقال بعضهم: لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر، فذهب به قبل أن يسمي أحداً، فكتب عثمان: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ثم أفاق أبو بكر، فقال: اقرأ علي ما كتبت، فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر، وقال: أراك خفت أن أفتلت نفسي في غشيتي تلك، فيختلف الناس، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها أهلاً، ثم أمره، فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب، وأسيد بن سعية القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا. ثم دعا أبو بكر عمر خالياً، فأوصاه بما أوصاه، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يديه مداً، فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم برأيي، فوليت عليهم خيرهم، وأقواه عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم واليهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبي الرحمة، وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته.
عن زبيد أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب:
إني موصيك بوصية - إن حفظتها - إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حقاً لا يقبله في النهار، وإنه لا يقبل نافلةً حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الحق، وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، ولإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، وإن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم، فيقول قائل: أنا أفضل من هؤلاء، وذكر آية الرحمة، وآية العذاب، ليكون المؤمن راغباً راهباً ولا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة.
فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن أمر أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه! وعن الأعرابي مالك قال: لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بعث إليه، فدعاه، فقال: إني أدعوك إلى أمرٍ متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخف يدك من دمائهم، وأن تصم بطنك من أموالهم، وان يخف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله.
عن عبد الرحمن بن عوف: أنه دخل على أبي في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مفيقاً، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً، فقال أبو بكر: تراه؟ قال: نعم، قال: إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم، يا معشر المهاجرين، أشد علي من وجعي إني ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر له، ورأيتم الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل، ولهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون بالانضجاع على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان، والله لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حدٍّ خير له من أن يخوض غمرة الدنيا! وأنتم أول ضال بالناس غداً، فيصفقون عن الطريق يميناً وشمالاً يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.
فقال له عبد الرحمن: خَفِّض عليك يرحمك الله، فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك رجلان: إما رجل رأى ما رأيت، فهو معك، وإما رجل رأى ما لم ترَ، فهو يشير عليك بما يعلم، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحاً مصلحاً مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا، فقال أبو بكر: أجل، لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لو تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني لو فعلتهن، وثلاث وددت لو أني سألت عنهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما التي وددت أني تركتهن: يوم سقيفة بني ساعدة وددت لو أني ألقيت هذا الأمر في عنق أحد هذين الرجلين - يعني عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً، ووددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، مع أنهم أغلقوه على الحرب، ووددت أني لو لم أكن
حرقت الفجاءة السلمي، وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحاً، وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني كنت فعلتهن: وددت لو أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، ووددت أني يوم وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت كلتا يدي في سبيل الله، ووددت أني حين أُتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن هذا الأمر بعده؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل للأنصار فيه شيء؟ ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميراث بنت الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيء.
عن محمد بن سيرين: أن أم المؤمنين عائشة كانت عند أبي بكر وهو في الموت، فقالت: من الطويل
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر: بل هكذا قولي " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ".
عن أنسٍ قال:
أطفنا بغرفة أبي بكر الصديق في مرضته التي قبض فيها، قال: فقلنا: كيف أصبح، أو كيف أمسى خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فاطلع علينا اطلاعةً فقال: ألستم ترضون بما أصنع؟ قلنا: بلى قد رضينا، قال: وكانت عائشة هي تمرضه، قال: فقال: أما إني قد كنت حريصاً على أن أوفر في المسلمين فيئهم مع أني قد أصبت من اللحم
واللبن، فانظروا إذا رجعتم مني، فانظروا ما كان عندنا فأبلغنه عمر، قال: فذاك حيث عرفوا أنه استخلف عمر، قال: وما كان عنده ديناراً ولا درهم، ما كان إلا خادم، ولقحة، ومحلب، فلما رأى ذلك عمر يُحمل إليه قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.
وعن محمد قال: توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف درهم كان أخذها من بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلما توفي أبو بكر ذكر ذلك لعمر، فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أحب ألا يدع لأحدٍ بعده مقالاً، وأنا والي الأمر بعده، وقد رددتها عليكم.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: انظروا إلى ما زاد في مالي منذ دخلت في هذه الإمارة فردوه إلى الخليفة من بعدي، فإني قد كنت أسلخه جهدي إلا الودك فإني قد كنت أصبت منه نحواً مما كنت أصيب من التجارة، قالت: فنظرنا، فوجدنا زاد فيه ناضح، وغلام نوبي كان يحمل صبياً له، قالت: فأرسلت به إلى عمر، قالت: فأخبرني جدي أنه بكى، ثم قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده إتعاباً شديداً.
ولما اشتد مرض أبي بكر، وأغمي عليه، فأفاق، قال: أي يومٍ توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني لأرجو من الله عز وجل ما بيني وبين الليل، فمات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح وقال: في كم كفنتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: كفناه في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلي ثوبي هذا، وبه ردع زعفرانٍ أو مشقٍ، واجعلوه مع ثوبين جديدين،
قلت: إنه خلق، قال الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة، - يعني ما يخرج منه - فكفن في ثلاثة أثواب سحولٍ يمانية.
عن ابن أبزى في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: قال أبو بكر: ما أحسنها يا رسول الله! قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنها ستقال لك يا أبا بكر ".
عن عطاء أن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء، فإن لم تستطع استعانت بعبد الرحمن بن أبي بكر.
وفي رواية: فإن عجزت أعانها ابنه منه محمد، ولا يصح ذلك، لأنه كان له يوم توفي أبو بكر ثلاث سنين أو نحوها.
عن حبة العرني، عن علي بن أبي طالب قال: لما حضرت أبا بكرٍ الوفاة أقعدني عند رأسه، وقال لي: يا علي، إذا أنا مت فغسلني بالكف الذي غسلت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحنطوني، واذهبوا بي إلى البيت الذي فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذنوا، فإن رأيتم الباب قد تفتح فادخلوا بي، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين حتى يحكم الله بين عباده، قال: فغُسل وكفن، وكنت أول من بادر إلى الباب، فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فرأيت الباب قد تفتح، فسمعت قائلاً يقول: أدخلوا الحبيب إلى حبيبه، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق.
قال الحافظ: هذا منكر، والمحفوظ أن الذي غسل أبا بكر امرأته أسماء بنت عميس.
عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدان: أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وعزم عليها أن تفطر ليكون أقوى لها، ففعلت، فلما كان من آخر النهار دعت بماء، فأفطرت عليه، وقالت: لا أتبعه اليوم حنثاً.
عن أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
لما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر رجَّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء علي بن أبي طالب باكياً مسرعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقفت على البيت الذي فيه أبو بكر مسجى، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأكملهم إيماناً، وأخوفهم لله، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبةً، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلساً، وأشبههم به هدياً، وخلقاً، وسمتاً، وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً؛ صدقته حين كذبوه، فسماك الله صديقاً، فقال: " والذي جاء بالصدق " محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وصدَّق به " أبو بكر الصديق، أعطيته حين بخلوا وقمت معه حين عنه قعدوا، وصحبته بأحسن الصحبة، ثاني اثنين صاحبه، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، ومواطن الكره، خلفته في أمته أحسن خلافة حين ارتد الناس، وقمت بدين الله قياماً لم يقمه خليفة نبيٍّ؛ قويت حين ضعف أصحابه، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كنت خليفته حقاً، لم تنازع، ولم تصد برغم المنافقين، وصغر الفاسقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، قمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تقبَّضوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا، كنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم فوقاً وأطولهم صمتاً، وأصوبهم نطقاً، وأبلغهم كلاماً، وأكثرهم أناةً، وأشرحهم قلباً، وأشدهم نفساً، وأسدهم عقلاً، وأعرفهم بالأمور كنت أولاً حين تفرق عنه، وآخراً حين فشلوا، كنت للمؤمنين أباً رحيماً، صاروا عليك عيالاً،
تحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، فأدركت آثار ما طلبوا، وناولوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكفار عذاباً واصباً، وللمسلمين غناءً وحصناً، فطرت بغنائها وذهبت بفضائلها، وأحرزت سوابقها: لم تفلل حجتك، ولم يرع قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمن الناس في صحبتك وذات يدك، عوناً في أمر الله، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، خليلاً في الأرض، كبيراً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مطمعاً، ولا لقائل مغمز، ولا لأحدٍ عندك هوادة: الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق، فالعزيز والضعيف عندك سواء في ذلك، شأنك الحق والرفق، قولك حق وحتم، وأمرك احتياط وحزم.
أقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، وقوي الإسلام، وظهر أمر الله ولو كره المشركون، وسبقت والله سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً، وفزت بالحق فوزاً مبيناً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وكهفاً، وللمسلمين حصناً، وعلى المنافقين غيظاً، فالحمد لله، لا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكوا، وقالوا: صدقت يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: دخل علي على أبي بكر بعدما سُجي قال: ما أحد ألقى الله بصحبته أحب إلي من هذا المسجى.
عن جد الأصمعي قال: وقفت عائشة على قبر أبيها فقالت: رحمك الله يا أبه، لقد قمت بالدين حين وهى سعيه، وتفاقم صدعه، ورحبت جوانبه، وبغضت ما أصغوا إليه، شمرت فيما ونوا عنه، واستخففت من دنياك ما استوطنوا، وصغرت منها ما عظموا، ولم تهضم دينك، ولم تنسى غدك، ففاز عند المساهمة قدحك، وخف مما استوزروا ظهرك حتى قررت الرؤوس على كواهلها، وحقنت الدماء في أهبها - يعني في الأجساد - فنضر الله وجهك يا أبه، فلقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها، وللآخرة معزاً بإقبالك عليها، ولكأن أجل الرزايا بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رزؤك، وأكبر المصائب فقدك، فعليك سلام الله ورحمته غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.
عن الأصمعي:
أن قوم خفاف بن ندبة السلمي ارتدوا، وأبى أن يرتد، وحسن ثباته على الإسلام، فقال في أبي بكر شعراً قوافيه ممدودة مقيدة: من السريع
ليس لشيءٍ غير تقوى الله جداء ... وكل خلق عمره للفناءْ
إن أبا بكرٍ هو الغيث إذ ... لم تزرع الأمطار بقلاً بماء
المصطفي الجرد بأرسانها ... والناعجات المسرعات النجاء
والله لا يدرك أيامه ... ذو طرةٍ ناش ولا ذو رداء
من يسع كي يدرك أيامه ... يجتهد الشد بأرض فضاء
الشد: العدو.
عن البجلي: أن أبا بكر الصديق لما مات حمل على السرير الذي كان ينام عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت عائشة، ونزل في قبره: عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
وسئل سعيد بن المسيب: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر، وكبر عليه عمر أربعاً.
وقبر أبو بكر ليلاً.
وعن عروة والقاسم بن محمد: أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما توفي حفر له، وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألصق اللحد بقبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبر هناك.
وتوفي أبو بكر مساء الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، هذا هو الصحيح المتواتر، وقيل غيره.
ووهم الحافظ من قال: إنه توفي وهو ابن ستين سنة.
عن سعيد بن المسيب قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فمن استخلف الناس بعده؟ قالوا: ابنك، قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد شمس، وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا مانع لما
أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، فلما قبض أبو بكر ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ دون ذلك، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: ابنك مات، فقال أبو قحافة: هذا خبر جليل - أو قال: رزء جليل - من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال: صاحبه.
عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: ورث أبا بكرٍ أبوه أبو قحافة السدس، وورثه معه ولده: عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم بنو أبي بكر، وامرأتاه: أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج، وهي أم أم كلثوم.
وعن مجاهد: كُلِّم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق، فقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر، قالوا: ثم لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياماً، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة، وهو ابن سبع وتسعين سنة.
ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لوي أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصاحبه في الغار.
قدم تاجراً إلى بصرى من الشام في الجاهلية، وفي الإسلام.
عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونحن بالغار: يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ".
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، ورواه الترمذي.
عن قيس بن أبي حازم قال: قرأ أبو بكر هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، ثم قال: إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها، ألا وإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، والمنكر فلم يغيروه عمّهم الله بعقابه ".
وفي رواية: " إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمّهم الله بعقابه ".
عن عائشة أم المؤمنين قالت: اسم أبي بكرٍ الذي سماه به أهله: عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو، ولكنه غلب عليه اسم عتيق.
قالت: والله إني لفي بيتي ذات يومٍ ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه في الفناء والستر بيني وبينهم - زاد في رواية: دونهم - إذا أقبل أبو بكر، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من سره أن ينظر إلى عتيقٍ من النار فلينظر إلى أبي بكر ".
ومن رواية عن عائشة: أن أبا قحافة كان له ثلاثة أولادٍ سمى واحداً عَتيقاً، والآخر معتقاً، والآخر عُتيقاً، - وفي رواية: عتيقاً ومعتقاً ومعيتيقاً.
وقال موسى بن طلحة: بينا عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنتا أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك، فقالت: أبوك خير من أبي؟ فقالت عائشة أم المؤمنين: ألا أقضي بينكما؟ إن أبا بكر دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار " فمن يومئذ سمي عتيقاً، قال: ودخل طلحة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا طلحة أنت ممن قضى نحبه ".
وقال: سألت أبي طلحة بن عبيد الله، قلت له: يا أبه، لأي شيءٍ سمي أبو بكر عتيق؟ قال: كانت أمه لا يعيش لها ولد، فلما ولدته استقبلت به البيت، وقالت: اللهم إن هذا عتيقك من الموت، فهبه لي.
وقال مصعب: سمي أبو بكر عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شيء يعاب به، قال ابن الأعرابي: العرب تقول للشيء قد بلغ النهاية في الجودة: عتيق.
عن عبد الله بن الزبير قال: كان اسم أبي بكر: عبد الله بن عثمان، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت عتيق الله من النار " فسمي عتيقاً.
قال مغيرة بن زياد: أرسلت إلى ابن أبي مليكة أسأله عن أبي بكر الصديق ما كان اسمه؟ قال: فأتيته فسألته، فقال: كان اسمه عبد الله بن عثمان، وإنما كان عتيق لقباً.
وعن الليث بن سعد قال: إنما سمي أبو بكر عتيقاً لجمال وجهه.
وعن أبي نعيم الفضل بن دكين: إنما سمي عتيقاً لأنه عتيق، قديم في الخير.
عن عبد الله بن الزبير قال: سميت باسم جدي أبي بكر، وكنيت بكنيته.
وفي أبي بكر نزلت: " فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى ".
وعن ابن إسحاق: كان أبو بكر أنسب العرب للعرب.
قال الزبير بن بكار: فولد عامر بن عمرو أبا قحافة، واسمه عثمان، وأمه قيلة بنت أذاة بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، فولد أبو قحافة أبا بكر الصديق، وأمه أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب - وفي رواية: ابن عامر بن عمرو بن كعب - بن سعد ابن تيم بن مرة، وأبو بكر صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، الذي قال الله عز وجل: " إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا " وهاجر مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة ليس معهما أحد إلا مولى أبي بكر عامر بن فهيرة الذي رفع إلى السماء حين استشهد يوم بئر معونة، وكان دليل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الطريق إلى المدينة، وأعتق أبو بكر سبعة ممن كان يعذب في الله، منهم: بلال مؤذن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، شهد بدراً والمشاهد كلها، وشهد عامر بن فهيرة بدراً وغيرها حتى استشهد يوم بئر معونة.
وأبو بكر أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجنة.
قال ابن سعد: دفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر، وكانت سوداء، وأطعمه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخيبر مائة وسق، وكان فيمن ثبت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد حين ولّى الناس.
قال إسماعيل بن علي الخطبي: وقد أدرك أبواه الإسلام وأسلما.
قال أبو أحمد الحاكم: أدرك أبو بكر بن أبي قحافة، الصديق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبوه أبو قحافة عثمان بن عامر، وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وابن ابنه أبو عتيق محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، أربعتهم ولاءً، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليست هذه المنقبة لأحدٍ من أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غيره، وأدرك من أولاده وأهل بيته ومواليه سواهم، نفر من الرجال والنساء، رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم بنوه عبد الله وعبد الرحمن، صَحِبا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وابنه الثالث محمد، ولد عام حجة الوداع، ولدته أسماء بقباء، فوجهت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أمرها، فأمرها أن تغتسل، وتهل، وعائشة، وأسماء بنت أبي بكر، وأم أبي بكر الصديق أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر، وامرأة أبي بكر الصديق أم رومان بنت عمير بن عبد مناة بن دهمان بن غنم بن مالك بن كنانة بن خزيمة، وابن خالته أم مسطح بنت أبي رُهم بن المطلب بن عبد مناف، وبلال بن رباح، وعامر بن فهيرة، وسعد، والقاسم، موالي أبي بكر.
قال أبو عبد الله بن منده: ولد أبو بكر بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهرٍ إلا أيام، ومات بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسنتين
وأشهر بالمدينة، وهو ابن ثلاث وستين، وكان رجلاً أبيض نحيفاً، خفيف العارضين، معروق الوجه، غائر العينين، ناتئ الجبهة، يخضب بالحناء والكتم، وكان أول من أسلم من الرجال.
عن الزهري قال: لما كان يوم فتح مكة أُتي بأبي قحافة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكأن رأسه ثغامة بيضاء، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هلا أقررتم الشيخ في بيته حتى كنا نأتيه؟ " تكرمة لأبي بكر، وأمرهم أن يغيروا شعره، وبايعه، وأتى المدينة، وبقي حتى أدرك خلافة أبي بكر، ومات أبو بكر قبله، وورثه أبو قحافة السدس، فرده على ولد أبي بكر، وكانت وفاته سنة أربع عشرة في خلافة عمر بن الخطاب، وله يومئذ سبع وتسعون سنة.
قال أنس بن مالك:
قدم علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكان أسن أصحابه أبو بكر.
وقالت عائشة: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكبر من أبي بسنتين وشيءٍ.
عن يزيد بن الأصم: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أينا أكبر، أنا أو أنت؟ " قال: أنت أكبر وأكرم، وخير مني، وأنا أسن منك.
كذا في هذه الرواية، والمحفوظ أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان أسن من أبي بكر، وأن أبا بكر استكمل بخلافته سن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت أبا بكر كأن رأسه ولحيته ضرام عرفجٍ.
وقال: دخلت على أبي بكر وهو مريض، فإذا هو أبيض قضيف.
عن ابن شهاب قال: كان أبو بكر الصديق أبيض أصفر لطيفاً جعداً، كأنما خرج من صدع حجر، مسترق الوركين، لا يثبت إزاره على وركيه.
ووصفته عائشة فقالت: كان أبيض نحيفاً خفيف العارضين أجنأ، لا يستمسك إزاره يسترخي عن حقويه، مقرون الحاجب، غائر العينين، ناتئ الجبهة، عاري الأشاجع، معوق الوجه، وكان يخضب بالحناء والكتم.
وعن الزهري في صفة أبي بكر: كان أبيض يخالط بياضه الصفرة، جعد، حسن القامة، رقيق، حمش الساقين، قليل اللحم، حسن الثغر.
وعن ربيعة بن كعب قال: كان إسلام أبي بكر الصديق بوحي من السماء، وذلك أنه كان تاجراً بالشام، فرأى رؤيا، فقصها على بحيرا الراهب، فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة، قال: من أيها؟ قال: من قريش، قال: فأيش أنت؟ قال: تاجر، قال: صدق الله رؤياك، فإنه سيبعث نبي من قومك، تكون وزيره في حياته، وخليفته بعد موته، فأسر أبو بكر حتى بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءه، فقال: يا محمد، ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام، فعانقه، وقبل عينيه، وقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك محمداً رسول الله.
قال أبو بكر الصديق: إنه خرج إلى اليمن قبل أن يبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فنزلت على شيخٍ من الأزد، عالم قد قرأ الكتب، وعلم من علم الناس علماً كثيراً، وأتت عليه أربعمائة سنة إلا عشر سنين، فلما رآني قال: أحسبك حرمياً؟ قال أبو بكر: قلت: نعم أنا من أهل الحرم،
قال: وأحسبك قرشياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من قريش، قال: وأحسبك تيمياً؟ قال: قلت: نعم، أنا من تيم بن مرة، أنا عبد الله بن عثمان بن كعب بن تيم بن مرة، قال: بقيت لي منك واحدة، قلت: ما هي؟ قال: تكشف لي عن بطنك، قلت: لا أفعل أو تخبرني لم ذاك؟ قال: أجد في العلم الصحيح الزكي الصادق أن نبياً يبعث في الحرم تعاون على أمره فتى وكهل، فأما الفتى فخواض غمرات، ودفاع معضلات، وأما الكهل فأبيض نحيف، على بطنه شامة، وعلى فخذه اليسرى علامة، وما عليك أن تريني ما سألتك، فقد تكاملت لي فيك الصفة إلا ما خفي علي.
قال أبو بكر: فكشفت له عن بطني، فرأى شامة سوداء فوق سرتي، فقال: أنت هو ورب الكعبة، وإني متقدم إليك في أمرٍ، فاحذره، قال أبو بكر: قلت: وما هو؟ قال: إياك والميل عن الهدى، وتمسك بالطريقة الوسطى، وخف الله فيما خولك وأعطاك.
قال أبو بكر: فقضيت باليمن أربي، ثم أتيت الشيخ لأودعه، فقال: أحامل أنت مني أبياتاً قلتها في ذلك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: قلت: نعم، فأنشأ يقول: من الطويل
ألم تر أني قد وهنت معاشري ... ونفسي وقد أصبحت في الحي واهنا
حييت، وفي الأيام للمرء عبرة ... ثلاث مئين، ثم تسعين آمنا
وصاحبت أحباراً أبانوا بعلمهم ... غياهيب في سدٍّ ترى فيه طامنا
فما زلت أدعو الله في كل حاضر ... حللت بها سراً وجهراً معالنا
وقد خمدت مني شرارة قوتي ... وألفيت شيخاً لا أطيق الشواجنا
وأنت، ورب البيت تلقى محمداً ... بعامك هذا قد أقام البراهنا
فحي رسول الله عني فإنني ... على دينه أحيا وإن كنت داكنا
فيا ليتني أدركته في شبابتي ... فكنت له عبداً وإلا العجاهنا
قال أبو بكر: فحفظت وصيته وشِعره، وقدمت مكة وقد بُعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاءني عقبة بن أبي معيط، وشيبة بن ربيعة، وأبو جهل بن هشام، وأبو البختري بن هشام، وصناديد قريشٍ، فقلت لهم: هل نابتكم نائبة، أو ظهر فيكم أمر؟ قالوا: يا أبا بكر، أعظم الخطب، وأجل النوائب! يتيم أبي طالب، يزعم أنه نبي، ولولا أنت ما انتظرنا به، فإذ قد جئت فأنت الغاية والكفاية لنا.
قال أبو بكر: فصرفتهم، وسألت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقيل: إنه في منزل خديجة، فقرعت عليه الباب، فخرج إلي، فقلت: يا محمد، بعدت من منازل أهلك، واتهموك بالفتنة، وتركت دين آبائك وأجدادك؟ قال: " يا أبا بكر، إني رسول الله إليك، وإلى الناس كلهم، فآمن بالله " فقلت: وما دليلك على ذلك؟ قال: " الشيخ الذي لقيته باليمن " قلت: وكم من مشايخ لقيت، واشتريت، وأخذت وأعطيت، قال: " الشيخ الذي أفادك الأبيات " قلت: ومن خبرك بهذا يا حبيبي؟ قال: " الملك العظيم الذي يأتي الأنبياء قبلي " قلت: مد يدك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنت رسول الله.
قال أبو بكر: فانصرفت وما بين لابتيها أشد سروراً من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بإسلامي.
قال طلحة بن عبيد الله: كان إسلام أبي بكر فتحاً، وذلك أن ورقة بن نوفل جاء إلى أبي بكرٍ، فقال له: يابن أخي، إني أراك متبدلاً بمكة، ولا أراك في شيءٍ، فأخبرني كم معك من المال؟ قال: عندي كذا وكذا من العير، قال: فأنا آتيك غداً بكذا وكذا فأضعف لك حتى تخرج إلى الشام، فتصيب فيه خيراً، فتعطيني ما شئت، وتمسك ما شئت، فانقلب أبو بكر إلى زوجته، فقال لها: اذبحي من تلك الغنم شاة سفِّرينا بها، قالت: وأين تريد؟ قال: الشام، قالت: ولم؟ قال: إن ورقة بن نوفل قارضني أن أخرج مالي كله ويعطيني كذا وكذا ألف دينار، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ قال: وما هو؟ قالت: جاء محمد يطلبك منذ اليوم ثلاث مرات، فما حبسك عنه؟ قال: ما حبسني عنه إلا ما ذكرت؛
قالت: سمعته يقول: " أنا رسول الله حقاً " قال: ويحك! فإنه هذا خير لي من الدنيا وما فيها! فانطلق إليه من ليلته، فقرع الباب، فقال: " من هذا؟ " قال: أبو بكر، ففتح له الباب، ثم قال: " ما جاء بك هذه الساعة، فإني قد كنت أبتغيك ثلاث مرات؟ " قال: إني كنت مع ورقة بن نوفل، فعرض علي قراضاً، فقلت لزوجتي: سفرينا، قالت: وأين تريد؟ فقلت: قارضني ورقة بن نوفل على أن أخرج إلى الشام، قالت: أفلا أخبرك خبراً يسرك؟ فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وما أخبرتك؟ " قال: أخبرتني أنك تقول: إني رسول الله. ثم انصرف من عنده مسروراً بما نال من الخير والإسلام، فأصبح، وجاء إليه ورقة بن نوفل بالمال ليدفع إليه، فقال له: يابن أخي، هذا المال، قال: وجدت تجارة خيراً من تجارتك، وربحاً خير من ربحك، قال: وما هو؟ قال: قال لي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله " فصدقته وآمنت به، وشهدت أنه رسول الله، قال: فوالله لئن كنت صادقاً لا آكل ما ذبح على النصب، ولا ما ذبحت قريش لآلهتها، ولا ما ذبحت يهود لكنائسها، ولأستقبلن هذا البيت الحرام الذي أسسه إبراهيم وإسماعيل، ولا أزال أصلي أبداً، ولأحرمن ما ذبح لغير الله - عز وجل - فتوفي ورقة قبل أن يظهر أمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن محمد بن إسحاق قال: ثم إن أبا بكر لقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: أحق ما تقول قريش يا محمد من تركك آلهتنا، وتسفيهك عقولنا، وتكفيرك آباءنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني رسول الله يا أبا بكر ونبيه، بعثني لأبلّغ رسالته، وأدعوك إلى الله بالحق، فوالله إنه للحق أدعوك إلى الله يا أبا بكر، وحده لا شريك له، ولا نعبد غيره، والموالاة على طاعته أهل طاعته " وقرأ عليه القرآن، فلم يقر، ولم ينكر، فأسلم، وكفر بالأصنام، وخلع الأنداد، وأقر بحق الإسلام، ورجع أبو بكر وهو مؤمن مصدق.
وابتدأ أبو بكر أمره، وأظهر إسلامه، ودعا الناس، وأظهر علي وزيد بن حارثة إسلامها، فكبُر ذلك على قريش، وكان أول من اتبع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجة بنت خويلد
زوجته، ثم كان أول ذكرٍ آمن به علي، وهو يومئذ ابن عشر سنين، ثم زيد بن حارثة ثم أبو بكر الصديق، فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه، ودعا إلى الله ورسوله، وكان أبو بكر رجلاً مألفاً لقومه محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش لقريش وأعلم قريش بما كان فيها من خيرٍ أو شر، وكان رجلاً تاجراً ذا خلقٍ ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحدٍ من الأمر لعلمه وتجارته، وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه، ويجلس إليه فأسلم على يديه: الزبير بن العوام، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وسعد ابن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: كنت أول من آمن.
وعن ابن سيرين قال: أول من أسلم من الرجال أبو بكر، وأول من أسلم من النساء خديجة.
قال عمار: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما معه إلا خمسة أعبد وامرأتان وأبو بكر.
سئل سعد بن مالك: أكان أبو بكر الصديق أولكم إسلاماً؟ قال: لا، ولكن أسلم قبله أكثر من خمسة، ولكن كان خيرنا إسلاماً.
عن أبي سعيد قال: لما بويع أبو بكر رأى من الناس بعض الانقباض، فقال: أيها الناس، ما يمنعكم؟ ألست أحقكم بهذا الأمر ألست أول من أسلم؟ قال أبو بكر: أنا أول من صلى مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي رواية: أول من صلى مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الرجال علي بن أبي طالب.
قال قائل لابن عباس: أي الناس كان أول إسلاماً؟ قال: أبو بكر، أما سمعت بقول حسان بن ثابت - رضي الله عنهما -: من البسيط
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقةٍ ... فاذكر أخاك أبا بكرٍ بما فعلا
خير البرية أوفاها وأعدلها ... إلا النبي وأوفاها بما حملا
والثاني التالي المحمود مشهدة ... وأول الناس منهم صدق الرسلا
وفي رواية: أتقاها وأعدلها.
عاش حميداً لأمر الله متبعاً ... بهدي صاحبه الماضي وما انتقلا
وفي رواية: عاشا جميعاً لأمر الله متبعاً لهدي.
وسئل ميمون بن مهران: كان علي أول إسلاماً أو أبو بكر؟ فقال: والله لقد آمن أبو بكر بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زمن بحيرا الراهب، واختلف فيما بينه وبين خديجة حتى أنكحها إياه، وذلك كله قبل أن يولد علي بن أبي طالب.
وقيل له: علي أفضل عندك أم أبو بكر وعمر؟ قال: فارتعد حتى سقطت عصاه من يده، ثم قال: ما كنت أظن أن أبقى إلى زمان يعدل بهما، لله درهماً كانا رأسي الإسلام، ورأسي الجماعة.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما كلمت في الإسلام أحداً إلا أبى علي، وراجعني الكلام إلا ابن أبي قحافة - يعني أبا بكر - فإني لم أكلمه في شيءٍ إلا قبله واستقام عليه ".
عن محمد بن عبد الرحمن: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت له عنه كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر، ما عتم عنه حين ذكرته له، وما تردد فيه ".
وعن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت:
فلما أن اجتمع أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكانوا تسعة وثلاثين رجلاً ألح أبو بكر على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظهور، فقال: " يا أبا بكر، إنا قليل " فلم يزل يلح على رسول الله حتى ظهر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد، وكل رجلٍ معه، وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس، وكان أول خطيبٍ دعا إلى الله - عز وجل - وإلى رسوله، وثار المشركون على أبي بكر، وعلى المسلمين يضربونهم في نواحي المسجد ضرباً شديداً، ووطئ أبو بكر، وضرب ضرباً شديداً، ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، وأثّر على وجه أبي بكر لا يعرف أنفه من وجهه، وجاءت بنو تميم تتعادى، فأجلوا المشركين عن أبي بكر، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته، ورجعوا بيوتهم، فدخلوا المسجد، فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ورجعوا إلى أبي بكر، فجعل أبو قحافة، وبنو تيم يكلمون أبا بكر حتى أجابهم، فتكلم آخر النهار: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فنالوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا، وقالوا لأم الخير بنت صخر: انظري أن تطعميه شيئاً، أو تسقيه إياه، فلما خلت به جعل يقول: ما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: والله ما لي علم بصاحبك، قال: فاذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد عبد الله، قالت: ما أعرف أبا بكر، ولا محمد بن عبد الله، وإن تحبي أن أمضي معك إلى ابنك فعلت، قالت: نعم، فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً، فدنت أم جميل، وأعلنت بالصياح، وقالت: إن قوماً نالوا منك هذا لأهل فسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله لك. قال: فما فعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: هذه أمك تسمع، قال: قال: فلا عين عليك منها، قالت: سالم صالح، قال: فأين هو؟ قالت: في دار الأرقم، قال: فإن لله علي أَلِيّة ألا أذوق طعاماً أو شراباً أو آتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمهلتا حتى إذا هدأت الرِّجل، وسكن الناس خرجتا به يتكئ عليهما حتى دخل على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالت: فانكب عليه فقبله، وانكب عليه
المسلمون، ورق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي ليس بي إلا ما نال الفاسق من وجهي، هذه أمي برة بوالديها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادعُ الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم دعاها إلى الله - عز وجل - فأسلمت، فأقاموا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الدار شهراً، وهم تسعة وثلاثون رجلاً.
وكان حمزة بن عبد المطلب أسلم يوم ضرب أبو بكر، فدعا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمر بن الخطاب، وأبي جهل بن هشام، فأصبح عمر، وكانت الدعوة يوم الأربعاء، فأسلم عمر يوم الخميس، فكبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهل البيت تكبيرة سمعت بأعلى مكة. فقال عمر: يا رسول الله، علام نخفي ديننا، ونحن على الحق، وهم على الباطل؟ فقال: " يا عمر، إنا قليل قد رأيت ما لقينا " فقال عمر: والذي بعثك بالحق لا يبقى مجلس جلست فيه بالكفر إلا جلست فيه بالإيمان، ثم خرج، فطاف بالبيت، ثم مر بقريش وهم ينظرونه، فقال أبو جهل بن هشام: زعم فلان أنك صبوت، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فوثب المشركون إليه، فوثب على عتبة، فبرك عليه، فجعل يضربه، وأدخل إصبعه في عينه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عنه، فقام عمر، فجعل لا يدنو منه أحد إلا أخذ شريف من دنا منه حتى أحجم الناس عنه، واتبع المجالس التي كان فيها، فأظهر الإيمان، ثم انصرف إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو ظاهر عليهم، فقال: ما يجلسك بأبي أنت وأمي، فوالله ما بقي مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان غير هائب ولا خائف؛ فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعمر أمامه، وحمزة بن عبد المطلب حتى طاف بالبيت، وصلى الظهر معلناً، ثم انصرف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى دار الأرقم ومن معه.
قيل لعمر بن العاص: ما أشد ما رأيتهم بلغوا من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال عمرو: أشد شيءٍ بلغ من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما رأيت - أنهم تآمروا عليه حين مر بهم ضحىً عند الكعبة، فقالوا: يا محمد، أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا ذلكم " فأخذ أحدهم بتلابيبه، وأبو بكر آخذ بحضن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ورائه،
يريد أن ينتزعه منهم، وهو يصيح: يا قوم " أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبة، وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب " قال: يردد أبو بكر هذه الآية وعيناه تسفحان، فلم يزل على ذلك حتى انفرجوا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عاشة قالت: لما أسري بالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث بذاك الناس، فارتد ناس ممن كان آمن، وصدق به، وفتنوا، فقال أبو بكر: إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوه أو رواحه، فلذلك سمي أبو بكر الصديق.
عن محمد بن كعب قال: لما رجع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسري به، فبلغ ذا طوى، فقال: " يا جبريل، إني أخاف أن يكذبوني " قال: كيف يكذبونك وفيهم أبو بكر الصديق؟ عن أبي هريرة قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعني مال قط ما نفعني مال أبي بكر فبكى أبو بكر وقال: ما نفعني الله إلا بك - وفي رواية: " مال أحدٍ ما نفعني مال أبي بكر " قال: فبكى أبو بكر وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ وعن عائشة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما نفعنا مال ما نفعنا مال أبي بكر ".
وعن ابن المسيب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مال رجلٍ من المسلمين أنفع لي من مال أبي بكر ".
قال: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقضي في مال أبي بكر كما يقضي في مال نفسه.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أمنُّ علي في صحبته وذات يده من أبي بكر، وما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما أحد أعظم عندي من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته ".
وعن ابن عباس قال: سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أحب إليه؟ فقال لي: " عائشة " فقلت: ليس عن النساء سألتك، قال: " فأبوها إذاً " قال: قلت: فلم يا رسول الله؟ قال: " لأنه أنفق ماله كله غير مقطبٍ بين عينيه حتى بقي بعباءة تخللها بريشة، لا تملك سواها، ووالله ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر، وزوجني ابنته، ووهب لي غلامه، وواساني بنفسه، وكلما هبط جبريل علي قال: يا محمد، الله يقرئك السلام ويقول لك: أقرئ أبا بكرٍ السلام وقل له: " أساخطٍ فأرضيك؟ " فقال: على من أسخط يا رسول الله، أنا عنه راض، فهل هو عني راضٍ؟ فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هو عنك راضٍ " فقال أبو بكر: الحمد لله.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن من أعظم الناس علينا مناً أبو بكر، زوجني ابنته، وواساني بنفسه، وإن خير المسلمين مالاً أبو بكر، أعتق منه بلالاً، وحملني إلى دار الهجرة ".
وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي بكر: " ما أطيب مالك! منه بلال مؤذني، وناقتي التي هاجرت عليها، وزوجتني ابنتك، وواسيتني بنفسك ومالك، كأني أنظر إليك على باب الجنة تشفع لأمتي ".
عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " رحم الله أبا بكرٍ زوجني ابنته، وحملني إلى دار الهجرة، وأعتق بلالاً من ماله،
رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مراً، تركه الحق وما له من صديقٍ، رحم الله عثمان تستحي منه الملائكة، رحم الله علياً، اللهم أدر عليه الحق حيث دار ".
عن ابن عمر: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالصدقة، فقال عمر بن الخطاب: وعندي مال كثير، فقلت: والله لأفضلن أبا بكر هذه المرة، فأخذت نصف مالي، وتركت نصفه، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " هذا مال كثير، فما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم نصفه.
وجاء أبو بكر بمالٍ كثير، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: تركت لهم الله ورسوله - زاد في رواية: قال عمر: فقلت: لا أسابقك إلى شيءٍ أبداً! وفي رواية مرسلة عن الشعبي قال: لما نزلت هذه الآية: " إن تبدوا الصدقات فنعما هي " إلى آخر الآية جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحمله على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما تركت لأهلك؟ " قال: عدة الله، وعدة رسوله، قال: يقول عمر لأبي بكر: بنفسي أنت - أو بأهلي أنت - ما سبقنا باب خيرٍ قط إلا سبقتنا إليه.
عن عروة: أن أبا بكر الصديق أسلم يوم أسلم وله أربعون ألف درهم، قال عروة: قالت عائشة: توفي أبو بكر وما ترك ديناراً ولا درهماً.
وعن عروة قال: أعتق أبو بكر الصديق ممن كان يعذَّب في الله بمكة سبعة أنفسٍ: بلالاً الحبشي الأسود، وعامر بن فهيرة، والنهدية وابنتها، وأم عبيس، وزنِّيرة، وجارية بني المؤمل.
وعن ابن عمر قال: أسلم أبو بكر يوم أسلم وفي منزله أربعون ألف درهم، فخرج إلى المدينة من مكة في الهجرة وماله غير خمسة آلاف، كل ذلك ينفق في الرقاب، والعون على الإسلام.
عن عبد الله: أن أبا بكر اشترى بلالاً من أمية بن خلف، وأُبيّ بن خلف ببردةٍ وعشر أواقٍ، فأعتقه لله - عز وجل - فانزل الله - عز وجل - " والليل إذا يغشى " إلى قوله: " إن سعيكم لشتى " سعي أبي بكر وأمية وأُبي.
وعن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن بعض أهله قال: قال أبو قحافة لابنه أبي بكر: يا بني، أراك تعتق رقاباً ضعافاً؟ فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً جلداً يمنعونك، ويقومون دونك! فقال أبو بكر: يا أبه، إني إنما أريد ما أريد. قال: فيتحدث: ما نزل هؤلاء الآيات إلا فيه، وفيما قاله أبوه " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى " إلى آخر السورة.
وعن ابن عباس في قوله: " فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى "، قال أبو بكر " وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى " قال: أبو سفيان بن حرب.
عن عبد الله بن الزبير قال: أنزلت هذه الآية في أبي بكر: " وسيجنبها الأتقى، الذي يؤتي ماله يتزكى، وما لأحدٍ عنده من نعمةٍ تجزى، إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى ".
عن ابن عمر قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعنده: أبو بكر الصديق، وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال، فنزل عليه جبريل، فقال: يا محمد، ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في
صدره بخلال؟ فقال: " يا جبريل، أنفق ماله علي قبل الفتح " قال: فإن الله عز وجل يقرأ عليه السلام ويقول: " قل له: أراضٍ أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ " فقال أبو بكر: أسخط على ربي؟ أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ، أنا عن ربي راضٍ.
وعن ابن عباس: عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " هبط علي جبريل، وعليه طنفسة، وهو متخلل بها، فقلت: يا جبريل ما نزلت إلي في مثل هذا الزي! قال: إن الله أمر الملائكة أن تخلل في السماء كتخلل أبي بكرٍ في الأرض ".
عن أنس بن مالك: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له جبريل: هاجر، قال: ومن يهاجر معي؟ " قال أبو بكر، وهو الصديق.
وعن أنس: أن نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد أحداً، فتبعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم، فقال: " اسكن! نبي، وصديق، وشهيدان - وفي رواية: ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم الجبل، فضربه برجله، وقال: " اثبت أحد! فإنما عليك نبي، وصديق، وشهيدان " وفي رواية " اثبت حراء، عليك نبي، وصديق، وشهيد " فالصديق أبو بكر، والشهيدان: عمر وعثمان.
عن النزال بن سبرة الهلالي قال: وافقنا من علي بن أبي طالب ذات يوم طيب نفسٍ، ومزاح، فقلنا له: يا أمير المؤمنين حدثنا عن أصحابك، قال: كل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابي، قال: حدثنا عن أصحابك خاصةً، قال: ما كان لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صاحب إلا كان لي صاحباً، قلنا: حدثنا عن أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سلوني، قلنا: حدثنا عن أبي بكر الصديق،
قال: ذاك امرؤ سماه الله صديقاً على لسان جبريل ومحمد صلى الله عليهما، كان خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رضيه لديننا فرضيناه لدنيانا.
عن حكيم بن سعد قال:
سمعت علياً يحلف لأنزل الله عز وجل اسم أبي بكر من السماء الصديق.
وعن عائشة قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر - وفي رواية: فما مر - علينا يوم إلا ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتينا فيه طرفي النهار بكرةً وعشياً، فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكرٍ مهاجراً قبل أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة، فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي، فقال: فإن مثلك يا أبا بكر لا يُخرج، ولا يَخرج؛ إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فأنا لك جار، فارجع، فاعبد ربك في بلدك، فارتحل ابن الدغنة، فرجع مع أبي بكر، فطاف ابن الدغنة في كفار قريشٍ، فقال: إن أبا بكر لا يَخرج ولا يُخرج، أتخرجون رجلاً يُكسِب المعدم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الحق؟ فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة، وآمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكرٍ فليعبد ربه في داره، وليصل فيها ما شاء، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا، ولا يستعلن بالصلاة والقراءة في غير داره، ففعل.
قال: ثم بدا لأبي بكر فابتني مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ، فتنقصف عليه نساء قريش، وأبناؤهم يتعجبون منه، وينظرون إليه.
وكان أبو بكر رجلاً بكاءً، لا يملك دمعه حين يقرأ القرآن، فافزع ذلك أشراف قريشٍ، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا إنما أجرنا أبا بكر على أن يعبد
ربه في داره، وإنه قد جاوز ذلك، فابتني مسجداً بفناء داره، وأعلن الصلاة والقراءة، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يستعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة أبا بكر، فقال: يا أبا بكر، قد علمت الذي عقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي؛ فإني لا أحب أن يسمع العرب أني أخفرت في عقد رجلٍ عقدت له، فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله ورسوله، ورسول الله يومئذ بمكة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسلمين: " قد أريت دار هجرتكم، أريت سبخةً ذات نخلٍ بين لابتين - وهما حرتان " فهاجر من هاجر قبل المدينة حين ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجع إلى المدينة بعض من كان هاجر إلى أرض الحبشة، وتجهز أبو بكر مهاجراً، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي " فقال أبو بكر: أو ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: " نعم "، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لصحبته، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر أربعة أشهر.
قالت عائشة: فبينا نحن جلوس في بيتنا، في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مقبلاً مقنعاً في ساعة لم يكن يأتينا فيها. قال أبو بكر: فداه أبي وأمي إن جاء به في هذه الساعة لأمر، قال: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاستأذن، فدخل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين دخل لأبي بكر: " أخرج من عندك " فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإنه قد أذن لي في الخروج " فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم " فقال أبو بكر: فخذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتي هاتين، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بالثمن ".
قالت: فجهزناهما أحب الجهاز، فصنعنا لهما سفرةً في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر من نطاقها، فأوكت به الجراب، فلذلك كانت تسمى ذات النطاقين - وفي
رواية: النطاق - ثم لحق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر بغارٍ في جبل يقال له ثور، فمكثا فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر، وهو غلام شاب لقن ثقف، فيدخل، فيخرج من عندهما بسحرٍ، فيصبح بمكة مع قريش كبائت، لا يسمع أمراً يُكادون - وفي رواية: يُكادان - به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذاك إذا اختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحةً من غنم، فيريحها عليهما حين تذهب ساعةً من العشاء، فيبيتان في رسلها حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك عامر تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر رجلاً من بني الدئل من بني عبد بن عدي هادياً خريتاً - والخريت الماهر بالهداية - قد غمس يمين حلفٍ في آل عاص بن وائل، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثورٍ بعد ثلاث ليالٍ، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالٍ ثلاث، فارتحل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعامر، والدليل الدئلي، فأخذ بهم طريق الساحل، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على راحلته، وأبو بكر على راحلته، وعامر ابن فهيرة يمشي مع أبي بكر مرة، وربما أردفه.
وكانت أسماء تقول: لما صنعت لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي سفرتهما وجد أبو قحافة ريح الخبز، فقال: ما هذا، لأي شيء هذا؟ فقلت: لا شيء، هذا خبز عملناه نأكله، فلما خرج أبو بكر جعل أبو قحافة يلتمسه ويقول: أقد فعلها؟! خرج وترك عياله علي، ولعله قد ذهب بماله - وكان قد عمي - فقلت: لا، فأخذت بيده، فذهبت به إلى جلد فيه أقط فمسسته، فقلت: هذا ماله! عن ضبة بن محصن العنزي قال: كان علينا أبو موسى الأشعري أميراً بالبصرة، فوجهني في بعثه عمر بن الخطاب، فقدمت على عمر، فضربت عليه الباب، فخرج إلي، فقال: من أنت؟ فقلت: أنا ضبة بن محصن العنزي، قال: فأدخلني منزله، وقدم إلي طعاماً، فأكلت، ثم ذكرت له
أبا بكر الصديق، فبكى، فقلت له: أنت خير من أبي بكر، فازداد بكاءً لذلك، ثم قال وهو يبكي: والله لليلة من أبي بكر ويوم خير من عمر وآل عمر، هل لك أن أحدثك بيومه وليلته؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: فإنه لما خرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هارباً من أهل مكة خرج ليلاً، فاتبعه أبو بكر، فجعل مرة يمشي أمامه، ومرة خلفه، ومرة عن يمينه، ومرة عن يساره، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما هذا يا أبا بكر؟ ما أعرف هذا فعلك! " فقال: يا رسول الله، أذكر الرصد فأكون أمامك، وأذكر الطلب فأكون خلفك، ومرةً عن يمينك، ومرةً عن يسارك، لا آمن عليك، قال: فمشى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليله كله، حتى أدغل أطراف أصابعه، فلما رآه أبو بكر حمله على عاتقه، وجعل يشتد به حتى أتى به فم الغار، فأنزله، ثم قال: والذي بعثك بالحق، لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن يك فيه شيء نزل بي دونك، قال: فدخل أبو بكر؛ فلم ير شيئاً، فقال له: اجلس، فإن في الغار خرقاً أسده، وكان عليه رداء، فمزقه، وجعل يسد به خرقاً خرقاً، فبقي جحران، فأخذ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فحمله، فأدخله الغار، ثم ألقم قدميه الجحرين، فجعل الأفاعي والحيات يضربنه ويلسعنه إلى الصباح، وجعل هو يتقلى من شدة الألم، ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعلم بذلك، ويقول له: " يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا " فأنزل الله عليه وعلى رسوله السكينة، والطمأنينة فهذه ليلته.
وأما يومه فلما توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب؛ فقال بعضهم: نصلي ولا نزكي، وقال بعضهم: نزكي ولا نصلي، فأتيته لا ألوه نصحاً، فقلت: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ارفق بالناس! وقال غيري ذلك. فقال أبو بكر: قد قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتفع الوحي، ووالله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقاتلتهم عليه، قال: فقاتلنا فكان والله سديد الأمر، فهذا يومه.
عن أنس بن مالك أن أبا بكر الصديق حدثه قال:
نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار، وهم على رؤوسنا، فقلت:
يا رسول الله، لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه! فقال: " يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ ".
عن ابن عباس قال: إن الذين طلبوهم صعدوا الجبل، فلم يبق إلا أن يدخلوا، فقال أبو بكر: أُتينا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، لا تحزن إن الله معنا " وانقطع الأثر، فذهبوا يميناً وشمالاً.
عن علي بن أبي طالب قال: لقد صنع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأبي بكر أمراً ما صنعه بي، فقال له رجل: ما صنع به يا أمير المؤمنين؟ قال: يوم المَلْحم، قلنا: وما يوم الملحم؟ قال: يوم جاء المشركون يقتلون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج، وخرج بأبي بكر معه، لم يأمن على نفسه أحداً غيره حتى دخلا الغار.
عن حبيب بن أبي ثابت: في قوله عز وجل: " فانزل الله سكينته عليه " قال: على أبي بكر، فأما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد نزلت عليه السكينة قبل ذلك.
قال الحسن بن عرفة: " فأنزل السكينة عليهم " قال: على أبي بكر.
عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر: " أنت صاحبي على الحوض، وصاحبي في الغار ".
عن الزهري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحسان بن ثابت: " هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " فقل حتى أسمع " فقال: من البسيط
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد ... طاف العدو به إذ يصعد الجبلا
وكان ردف رسول الله قد علموا ... من البرية لم يعدل به رجلا
فضحك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى بدت نواجذه، وقال: " صدقت يا حسان، هو كما قلت ".
قال ابن عيينة: عاتب الله المسلمين كلهم في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير أبي بكر وحده؛ فإنه خرج من المعاتبة، وتلا قوله تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ".
عن أنس بن مالك قال: لما هاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان رسول الله يركب، وأبو بكر رديفه، وكان أبو بكر يعرف في الطريق باختلافه إلى الشام، فكان يمر بالقوم فيقولون: من هذا بين يديك؟ فيقول: هادٍ يهدي - وفي رواية: هذا رجل يهديني السبيل.
عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري ثم السلمي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بين أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي.
وعن محمد بن عمر بن علي: آخى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة بين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فلما قدم
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة نقض تلك المؤاخاة إلا اثنتين: المؤاخاة التي بينه وبين علي بن أبي طالب، والتي بين حمزة بن عبد المطلب، وزيد بن حارثة.
عن أبي هريرة قال: تباشرت الملائكة يوم بدرٍ فقالوا: أما ترون أبا بكر الصديق جاء مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العريش.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من أصبح منكم صائماً اليوم؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من أطعم اليوم مسكيناً؟ " قال أبو بكر: أنا، قال: " من عاد اليوم مريضاً؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال: " من شهد منكم اليوم جنازة؟ " قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما اجتمعن - هذه الخصال - في رجلٍ قط إلا دخل الجنة " وفي رواية: " من جمعهن في يومٍ واحد وجبت له، أو قال: غُفر له ".
وعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال:
صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، ثم أقبل على أصحابه بوجهه، فقال: " من أصبح منكم اليوم صائماً؟ " قال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطراً، فقال أبو بكر: لكن حدثت نفسي بالصوم البارحة فأصبحت صائماً، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد اليوم عاد مريضاً؟ " قال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فكيف نعود المريض؟! فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه لأنظر كيف أصبح، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكيناً؟ " فقال عمر: يا رسول الله، صلينا ثم لم نبرح، فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا أنا بسائلٍ، فوجدت كسرة خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها فدفعتها إليه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنت فابشر بالجنة " فتنفس عمر، فقال: واها للجنة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلمة أرضى بها عمر.
عن سعيد بن المسيب أن عمر قال: ما سبقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه.
عن أبي هريرة أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله، هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي - وفي رواية: نودي - من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي - وفي رواية: نودي - من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ما على أحدٍ ممن دعي من تلك الأبواب - وفي رواية فقال أبو بكر: ما على من يدعى من هذه الأبواب - من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب - وفي رواية من هذه الأبواب - كلها؟ قال: " نعم، وأرجو أن تكون منهم ".
عن ابن عباس عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " يدخل الجنة رجل لا يبقى فيها أهل دار ولا غرفة إلا قالوا: مرحباً مرحباً، إلينا إلينا "، فقال أبو بكر: يا رسول الله، ما توى هذا الرجل في ذلك اليوم، قال: " أجل، وأنت هو يا أبا بكر ".
عن ابن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: وأقبل على أبي بكر فقال: " إني لأعرف اسم رجل، واسم أبيه، واسم أمه إذا دخل الجنة لم يبق غرفة من غرفها، ولا شرفة من شرفها إلا قالت: مرحباً مرحباً " فقال سلمان: إن هذا لغير خائب، فقال: " ذاك أبو بكر بن أبي قحافة ".
عن سليمان بن يسار قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر خير أهل الأرض إلا أن يكون نبياً ".
قال: وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الخير ثلاثمائة وستون خصلة، إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيراً جعل فيه واحدة منهن يدخله بها الجنة ".
قال: وقال أبو بكر: يا رسول الله، هل فيّ شيء منهن؟ قال: " نعم جميعاً " وفي رواية: " كلهن فيك، وهنيئاً لك يا أبا بكر ".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بينما جبريل يطوف بي أبواب الجنة قلت: يا جبريل، أرني الباب الذي تدخل منه أمتي " قال: " فأرانيه " قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله، ليتني كنت معك حتى أنظر إليه، قال: فقال: " يا أبا بكر، أما إنك أول من يدخله من أمتي ".
عن أبي الدرداء قال: إني لجالس عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ أقبل أبو بكر، فأخذ بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فأقبل حتى سلم، ثم قال: يا رسول الله، كان بيني وبين ابن الخطاب شيء حتى أسرعت إليه، وندمت، فسألته أن يستغفر لي، فأبى علي، وتحرز مني بفراره، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يغفر الله لك يا أبا بكرٍ - ثلاثاً " ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكرٍ، فسأل: أثم أبو بكرٍ؟ فقالوا: لا، فأتى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تغير وجهه حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، أنا والله كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيها الناس إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟ " فما أوذي بعدها.
عن ابن عباس قال:
ذكر أبو بكر عند رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كذبني الناس وصدقني، وآمن بي، وزوجني ابنته، وجهزني بماله، وجاهد معي في جيش العسرة، ألا إنه سيأتي يوم القيامة على ناقةٍ من نوق الجنة، قوائمها من المسك والعنبر، ورحلها من الزمرد الأخضر وزمامها من اللؤلؤ الرطب، عليها جلان خضراوان من سندس واستبرق، ويجاء بأبي بكر يوم القيامة وإياي، فيقال: هذا محمد رسول الله، وهذا أبو بكر الصديق ".
عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لي: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " قال: قلت: لا والله يا رسول الله، ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما احب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، فخدمته ما خدمته، ثم قال لي الثانية: " يا ربيع ألا تزوج؟ " فقلت: ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: والله لرسول الله بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني والله، لئن قال لي: تزوج لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت. قال فقال: " يا ربيعة ألا تزوج؟ " فقلت: بلى مرني بما شئت، قال: " انطلق إلى آل فلان - حي من الأنصار، وكان فيهم تراخٍ عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقل لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة - لامرأةٍ منهم - فذهبت، فقلت لهم: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة، فقالوا: مرحباً برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبرسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا والله، لا يرجع رسول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا بحاجته،
فزوجوني وألطفوني، وما سألوني البينة، فرجعت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً، فقال لي: " مالك يا ربيعة؟ " فقلت: يا رسول الله، أتيت قوماً كراماً، فزوجوني وأكرموني وألطفوني وما سألوني بينة، وليس عندي صداق، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا بريدة الأسلمي، اجمعوا له وزن نواةٍ من ذهبٍ " قال: فجمعوا لي وزن نواةٍ من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل: هذا صداقها " فأتيتهم فقلت: هذا صداقها، فرضوه وقبلوه وقالوا: كثير طيب. قال: ثم رجعت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حزيناً فقال: " يا ربيعة مالك حزين؟ " فقلت: يا رسول الله، ما رأيت قوماً أكرم منهم، رضوا بما آتيتهم، وأحسنوا وقالوا: كثير طيب وليس عندي ما أولم، قال: " يا بريدة، اجمعوا له شاة " قال: فجمعوا لي كبشاً عظيماً سميناً، فقال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى عائشة، فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام " قال: فأتيتها، فقلت لها ما أمرني به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالت: هذا المكتل فيه تسعة آصع شعيرٍ، لا والله إن أصبح لنا طعام غيره، خذه، قال: فأخذته، فأتيت به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبرته بما قالت عائشة، فقال: " اذهب بهذا إليهم، فقل لهم: ليصبح هذا عندكم خبزاً " فذهبت إليهم، وذهبت بالكبش ومعي أناس من أسلم، فقال: ليصبح هذا عندكم خبزاً، وهذا طبيخاً.
فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه، وأما الكبش فاكفوناه أنتم، فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم، فذبحناه وسلخناه وطبخناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت، ودعوت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أعطاني بعد ذلك أرضاً، وأعطى أبا بكرٍ أرضاً، وجاءت الدنيا، فاختلفنا في عذق نخلةٍ، فقلت أنا: هي في حدي، وقال أبو بكر: هي في حدي، فكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمةً أكرهها، وندم، فقال لي: يا ربيعة رد علي مثلها حتى تكون قصاصاً، قال: قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن، أو لأستعدين عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض، وانطلق أبو بكر إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم، فقالوا لي: رحم الله أبا بكر، في أي شيءٍ يستعدي عليك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الذي قال لك ما قال؟ قال: فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين وهذا ذو شيبة المسلمين! إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما، فيُهلك ربيعة! قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا، قال: وانطلق أبو بكر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه، فقال: " يا ربيعة مالك وللصديق؟ " قلت: يا رسول الله، كان كذا، كان كذا، فقال لي كلمة كرهها، فقال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصاً، فأبيت، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أجل فلا ترد عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر " فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر، فولّى أبو بكر وهو يبكي.
قال حذيفة بن اليمان: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لقد هممت أن أبعث رجالاً يعلمون الناس السنة والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريين في بني إسرائيل "، فقيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: " لا غنى لي عنهما - أو بي عنهما - فإنهما من الدين كالسمع من البصر ".
عن أبي أروى الدوسي قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالساً، فطلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحمد لله الذي أيدني بكما ".
عن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لأبي بكر: " يا أبا بكر، إن الله أعطاني ثواب من آمن بي منذ خلق آدم إلى أن بعثني، وإن الله أعطاك يا أبا بكر ثواب من أمن بي منذ بعثني إلى أن تقوم الساعة ".
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لي وزيران من أهل السماء: جبريل وميكائيل، ووزيران من أهل الأرض: أبو بكر وعمر ".
عن ابن عباس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لأبي بكر وعمر: " ألا أخبركما بمثلكما في الملائكة، ومثلكما في الأنبياء: مثلك يا أبا بكر في الملائكة مثل ميكائيل ينزل بالرحمة، ومثلك من الأنبياء مثل إبراهيم إذ كذّبه قومه، فصنعوا به ما صنعوا قال " فمن تبعني فإنه مني، ومن عصاني فإنك غفور رحيم " ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل، ينزل بالبأس والشدة على أعداء الله، ومثلك في الأنبياء مثل نوح إذ قال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ".
عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتاني جبريل آنفاً، فقلت له: يا جبريل حدثني بفضائل عمر بن الخطاب في السماء، قال: يا محمد، لو حدثتك بفضائل عمر بن الخطاب في السماء مثلما لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما نفدت فضائل عمر، وإن عمر حسنة من حسنات أبي بكر ".
عن عبد الله قال:
كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوماً جالساً ومعه جبريل إذ أقبل أبو بكر، فقال جبريل: يا محمد هذا أبو بكر قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " هل له اسم في السماوات تعرفونه به كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة خليل الرحمن فلينظر إلى شيبة أبي بكر، فبينا هو كذلك إذ أقبل عمر، فقال جبريل: يا رسول الله هذا عمر أقبل، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل، هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السماوات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة نوحٍ في المرسلين فلينظر إلى شيبة عمر بن الخطاب، فبينا هو كذلك إذ أقبل عثمان بن عفان، فقال له جبريل: هذا عثمان قد أقبل، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " قال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة موسى كليم الرحمن فلينظر إلى شيبة عثمان بن عفان، فبينا هو كذلك إذ أقبل علي بن أبي طالب، فقال له جبريل: يا رسول الله هذا علي قد أقبل، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا جبريل هل له اسم في السماوات تعرفونه كما تعرفه أهل الأرض؟ " فقال: إي والذي بعثك بالحق بشيراً ونذيراً لاسمه في السموات أشهر من اسمه في الأرض، من أحب منكم أن ينظر إلى شيبة هارون فلينظر إلى شيبة علي بن أبي طالب. ثم ارتفع جبريل، فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائماً على قدميه، قال: " يا أيها الناس، قد أخبرني الروح الأمين بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة، ألا أيها الشاتم أبا بكرٍ فكأني بك قد جئتني تخوض بحار النيران، وقد سالت حدقتاك على خديك، فأُعْرِض عنك بوجهي،
وأنت أيها الشاتم عمر، أنت وربي بريء من الإسلام، وأنت أيها الشاتم عثمان بن عفان، وخَتَني على ابنتيّ، والذي قلت له: اللهم لا تنس له هذا اليوم، كأني بك قد جئتني في الأهوال المهيلة المهيبة، فأعرض بوجهي عنك، وأنت أيها الشاتم علياً، أخي وابن عمي، وخَتَني على بنتي والضارب بسيفي بين يدي لا نالتك شفاعتي ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح ".
والمحفوظ عن عمر قوله: لو وزن إيمان أبي بكرٍ بإيمان أهل الأرض لرجح بهم - وفي رواية: لرجح به.
عن الربيع بن أنس قال: نظرنا في صحابة الأنبياء، فما وجدنا نبياً كان له صاحب مثل أبي بكر الصديق.
عن ابن سيرين: أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان يوم بدرٍ مع المشركين، فلما أسلم قال لأبيه: لقد أهدفت لي يوم بدرٍ، فصدّقت عنك، ولم أقتلك، فقال أبو بكر: لكنك لو أهدفت لي لم أنصرف عنك.
قال عبد الله بن مسلم بن قتيبة: بتفسير هذا الحديث يقال: قوله أهدفت لي معناه: أشرفت لي، ومنه قيل للبناء المرتفع: هدف، وهدف الرامي منه، لأنه شيء ارتفع للرامي حتى يراه، وإن عبد الرحمن كره أن يقاتل أباه،
أو انصرف عنه هيبة له. وقول أبي بكر: لو أهدفت لي لم أصرف وجهي عنك؛ وهذا من أكبر فضائله؛ لأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم لما جعل الله في قلبه من جلالة الإيمان، وبهذا وصف الله أصحاب محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: " لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر. " الآية.
عن علي قال: قال لي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم بدرٍ ولأبي بكر: " مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال " وفي رواية " في الصف ".
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أتاني جبريل، فقال لي: يا محمد، إن الله يأمرك أن تستشير أبا بكر ".
وعن معاذ بن جبلٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يكره فوق سمائه أن يخطئ أبو بكر ".
عن يعقوب الأنصاري قال: إن كانت حلقة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتشتبك حتى تصير كالإسوار، وإن مجلس أبي بكرٍ منها لفارغ ما يطمع فيه أحد من الناس، فإذا جاء أبو بكر جلس ذلك المجلس، وأقبل عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوجهه، وألقى إليه حديثه، وسمع الناس.
قال الزبير بن العوام: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غزوة تبوك: " اللهم بارك لأمتي في أصحابي، فلا تسلبهم البركة، وبارك لأصحابي في أبي بكر الصديق، فلا تسلبه البركة، واجمعهم عليه، ولا تشتت أمره؛ فإنه لم يزل يؤثر أمرك على أمره، اللهم وأعز عمر بن الخطاب، وصبّر عثمان بن عفان، ووفق علي بن أبي
طالب، وثبت الزبير واغفر لطلحة، وسلم سعداً، ووقّر عبد الرحمن، وألحق بي السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسانٍ ".
عن سهل بن مالك الأنصاري قال: قام رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرجعه من حجته، اجتمع الناس إليه، فقال: " يا أيها الناس، إن أبا بكر لم يسؤني طرفة عين، فاعرفوا ذلك له، يا أيها الناس، إن الله راضٍ عن عمر بن الخطاب، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعد، فاعرفوا ذلك لهم، يا أيها الناس، إن الله قد غفر لأهل بدر والحديبية، يا أيها الناس دعوا لي أختاني وأصهاري، لا يطلبنكم الله بمظلمة أحدٍ منهم، فيعذبكم بها، فإنها مما لا يوهب، يا أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين، وإذا مات أحد منكم فاذكروا منه خيراً ".
عن أنسٍ قال: قالوا: يا رسول الله، أي الناس أحب إليك؟ قال: " عائشة " قالوا: إنما نعني من الرجال، قال: " أبوها ".
عن عبد الله بن أبي أوفى قال: كنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: " كلا أنتم أصحابي، وإخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فجاء أبو بكر الصديق، فقال عمر: إنه قال: " إني لمشتاق إلى إخواني " فقلنا: ألسنا إخوانك؟ قال: " لا، إخواني قوم يؤمنون بي ولم يروني " فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، ألا تحب قوماً بلغهم أنك تحبني، فأحبوك بحبك إياي، فأحبهم أحبهم الله ".
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: رأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متكئاً على عليٍ، وإذا أبو بكر وعمر قد أقبلا، فقال: " يا أبا الحسن، أحبهما، فبحبهما تدخل الجنة ".
عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يتكئ على يدي علي بن أبي طالبٍ، فاستقبله أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، أتحب هذين الشيخين؟ " قال: نعم يا رسول الله، قال: " حبهما يُدخِل الجنة ".
عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حبُّ أبي بكرٍ وشكره واجب على أمتي " - وفي رواية أخرى: " أمنُّ الناس عليّ في صحبته وذات يده أبو بكر الصديق، فحبه وشكره وحفظه واجب على أمتي ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حب أبي بكرٍ وعمر إيمان، وبغضهما كفر ".
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا يُبغِض أبا بكر وعمر مؤمن، ولا يحبهما منافق ".
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما ولد أبو بكر الصديق أقبل الله تعالى على جنة عدنٍ، فقال: وعزتي وجلالي لا أُدخِلك إلا من يحب هذا المولود ".
عن أنسٍ قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لما عرج بي جبريل رأيت في السماء خيلاً موقفةً مسرجةً ملجمةً، لا تروث ولا تبول، ولا تعرق، رؤوسها من الياقوت الأحمر، وحوافرها من الزمرد الأخضر، وأبدانها من العِقيان الأصفر، ذوات أجنحة، فقلت: لمن هذه؟ فقال جبريل: هذه لمحبي أبي بكر وعمر، يزورون الله عليها يوم القيامة ".
قال الخطيب: منكر.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في السماء الدنيا ثمانين ألف ملكٍ يستغفرون الله لمن أحب أبا بكر وعمر، وفي السماء الثانية ثمانين ألف ملكٍ بلعنون من أبغض أبا بكر وعمر ".
عن ابن عباس قال:
كان أبو بكر الصديق مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الغار، فعطش أبو بكر عطشاً شديداً، فشكا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اذهب إلى صدر الغار، واشرب " فانطلق أبو بكر إلى صدر الغار، وشرب منه ماء أحلى من العسل، وأبيض من اللبن، وأزكى رائحةً من المسك، ثم عاد إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: شربت يا رسول الله، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ألا أبشرك يا أبا بكر؟ " قال: بلى، فداك أبي وأمي يا رسول الله، قال: " إن الله تعالى أمر الملك الموكل بأنهار الجنة أن خرق نهراً من جنة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر " فقال أبو بكر: ولي عند الله هذه المنزلة؟ قال: " نعم، وأفضل، والذي بعثني بالحق نبياً لا يدخل الجنة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبياً ".
عن ابن عمر أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لكل نبي رفيق، وإن رفيقي في الجنة أبو بكر ".
وعن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللهم إنك جعلت أبا بكرٍ رفيقي في الغار فاجعله رفيقي في الجنة " عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أنا وأبو بكر في الجنة كهاتين " وضم السبابة والوسطى.
عن ابن مليكة قال: دخل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه غديراً، فقال: " ليسبح كل رجل إلى صاحبه "،
قال: فسبح كل رجلٍ منهم إلى صاحبه حتى بقي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر، قال: فسبح رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى اعتنقه، وقال: " لو كنت متخذاً خليلاً حتى ألقى الله لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكنه صاحبي ".
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الناس كلهم يحاسبون إلا أبا بكر " وفي رواية قالت: قلت: يا رسول الله أكل الناس تقف يوم القيامة للحساب؟ قال: " نعم، إلا أبا بكر فإن شاء مضى، وإن شاء وقف ".
عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من يعطى كتابه بيمينه من هذه الأمة عمر بن الخطاب، وله شعاع كشعاع الشمس، قيل: - وفي رواية فقيل له -: فأين أبو بكر يا رسول الله؟ قال: " هيهات! زفته الملائكة إلى الجنة زفاً - وفي رواية: تزفه الملائكة إلى الجنان ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كأني بك يا أبا بكرٍ على باب الجنة تشفع لأمتي ".
عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يطلع عليكم رجل لم يخلق الله بعدي أحداً هو خير منه، ولا أفضل، وله شفاعة مثل شفاعة النبيين " فما برحنا حتى طلع أبو بكر الصديق فقام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله والتزمه.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد، قال: فيؤتى بأبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، قال: فيقال لأبي بكر:
قف على باب الجنة، فأدخل الجنة من شئت برحمة الله، ودع من شئت بعلم الله، ويقال لعمر بن الخطاب: قف على الميزان، فثقِّل من شئت برحمة الله عز وجل وخفف من شئت بعلم الله، ويعطى عثمان بن عفان عصا آس التي غرسها الله عز وجل في الجنة ويقال له: ذد الناس عن الحوض ".
عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن على حوضي أربعة أركانٍ، فأول ركن منها في يد أبي بكرٍ، والركن الثاني في يد عمر، والركن الثالث في يد عثمان، والركن الرابع في يد عليٍ، فمن أحب أبا بكر وأبغض عمر، لم يسقه أبو بكر، ومن أحب عمر وأبغض أبا بكر لم يسقه عثمان، ومن أحب عثمان وأبغض علياَ لم يسقه عثمان، ومن أحب علياً وأبغض عثمان لم يسقه علي، ومن أحسن القول في أبي بكر فقد أقام الدين، ومن أحسن القول في عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحسن القول في عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحسن القول في علي فقد استمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن أحسن القول في أصحابي فهو مؤمن ".
عن معاذ بن جبلٍ قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أما العرش، ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لأبي بكرٍ كرسي فيجلس عليها، وينادي منادٍ: يا لك من صديقٍ بين خليلٍ وحبيب ".
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" دخلت الجنة ليلة أسري بي، نظرت إلى برجٍ أعلاه نور، ووسطه نور، وأسفله نور، فقلت لحبيبي جبريل: لمن هذا البرج؟ فقال: هذا لأبي بكر الصديق ".
عن البراء بن عازب، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " إن الله اتخذ لإبراهيم في أعلى عليين قبةً من ياقوتةٍ بيضاء، معلقة بالقدرة،
تخترقها رياح الرحمة، للقبة أربعة آلاف باب، كلما اشتاق أبو بكر إلى الله انفتح منها باب ينظر إلى الله عز وجل ".
عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله يتجلى للمؤمنين عامة ويتجلى لأبي بكرٍ خاصة ".
عن أنس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكرٍ، أعطاك الله الرضوان الأكبر " فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الرضوان الأكبر؟ فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا أبا بكر، إذا كان يوم القيامة يتجلى الجبار لأهل الجنة، فتراه وتراه أهل الجنة، ويتجلى لك خاصةً، فلا يراه مخلوق غيرك ".
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن في الجنة لطيراً كأشباه البُخْت " فقال أبو بكر: إن هذه لطير ناعمة! قال: " آكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تأكلها يا أبا بكر ".
عن علي قال: كنت عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل أبو بكر وعمر، فقال: " يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين، لا تخبرهما يا علي ".
عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفقٍ من آفاق السماء، ألا وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعما ".
قال محمد بن الجهم السمري: سألت الفراء عن قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث الدرجات العلى: " وأنعما " لم أدخلت الألف في آخر حرفٍ؟ فقال: معناه: وقد أنعما أي صارا إلى النعيم، وأنشد الفراء عن
بعض العرب يصف راعياً: من الطويل
سمين الضواحي لم تؤرّقه ليلةً ... وأنعم أبكار الهموم وعُونُها
معناه: لم تؤرقه أبكار الهموم وعونها ليلةً، وقد أنعم: صار إلى النعيم.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما مررت بسماء إلا رأيت فيها، مكتوب: محمد رسول الله، أبو بكرٍ الصديق ".
عن أنس بن مالك قال: جاء جبريل إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من عند الله عز وجل فقال له: يا محمد، إن الله يقرأ عليك السلام، فقال: " منه بدأ السلام " قال: إن الله يقول لك: " قل للعتيق ابن أبي قحافة إني عنه راضٍ ".
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى ".
عن أبي هريرة قال: لما نزلت: " لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " قال أبو بكر: لا أرفع صوتي إلا كأخي السرار.
عن سعد بن زُرارة قال: رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب، فالتفت التفاتةً، فلم يرَ أبا بكر، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر، أبو بكر أما إن روح القدس أخبرني آنفاً أن خير أمتك بعدك أبو بكر ".
عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن الله تعالى اختار أصحابي على جميع العالمين سوى النبيين والمرسلين، واختار لي من أصحابي أربعةً: أبا بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعلياً، فجعلهم خير أصحابي، وفي كل أصحابي خير، واختار أمتي على سائر الأمم، واختار من أمتي أربعة قرون بعد أصحابي: القرن الأول، والثاني، والثالث تترى، والرابع فرادى ".
عن جابر بن عبد الله قال: رأى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا الدرداء يمشي أمام أبي بكرٍ، فقال له: " أتمشي قُدّام رجلٍ لم تطلع الشمس على أحدٍ منكم أفضل منه؟! " فما رئي أبو الدرداء بعد ذلك إلا خلف أبي بكر.
وعن أبي الدرادء أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما طلعت الشمس، ولا غربت على أحدٍ أفضل - أو خيرٍ - من أبي بكر إلا أن يكون نبياً ".
عن جابرٍ قال: كنا جماعة من المهاجرين والأنصار، فتذاكرنا الفضائل بيننا، فارتفعت أصواتنا، فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " لا تفضلن أحداً منكم على أبي بكر؛ فإنه أفضلكم في الدنيا والآخرة ".
عن أبي بكرة أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ذات يوم:
" من رأى منكم رؤيا؟ " فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزاناً نزل من السماء،
فوزنت أنت بأبي بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن عمر وأبو بكر فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان فرجح عمر، ثم ارتفع الميزان، فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن عرفجة الأشجعي قال: صلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر، ثم جلس: فقال: " وزن أصحابنا الليلة، وزن أبو بكر فوزن، ثم وزن عمر فوزن، ثم وزن عثمان فخف، وهو صالح ".
عن جابر بن عبد الله قال: سمعت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يدفن المرء في تربته التي خلق منها " فلما دفن أبو بكرٍ وعمر إلى جانب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمنا أنهما خلقا من تربته.
عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أول من تنشق الأرض عنه أنا، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي البقيع، فتنشق عنهم، ثم أنتظر أهل مكة، فتنشق عنهم، فأُبعث بينهم ".
عن عائشة قالت: كان بيني وبين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلام، فقال: " من ترضين أن يكون بيني وبينك، أترضين بأبي عبيدة بن الجراح؟ " قلت: لا، ذلك رجل هين لين، يقضي لك، قال: " فترضين بأبيك؟ " قال: فأرسل إلى أبي بكر، فجاء فقال: " اقصصي "، قالت: قلت: اقصص أنت، فقال: " هي كذا وكذا " قالت: فقلت: اقصد! فرفع أبو بكر يده فلطمني، قال: تقولين يا بنت فلانة لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقصد! من يقصد إذا لم يقصد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟! قال: وجعل الدم يسيل من أنفها على ثيابها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنا لم نرد هذا " قال: وجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغسل الدم بيده من ثيابها ويقول: " رأيتِ كيف أنقذتك منه؟ ".
عن ابن عمر: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث أبا بكرٍ فأقام للناس حجهم - أو قال: فحج - ثم حج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالناس العام المقبل حجة الوداع، ثم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكرٍ، فبعث أبو بكرٍ عمر بن الخطاب، فحج بالناس، ثم حج أبو بكرٍ في العام المقبل، ثم استخلف عمر، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عمر إمارته كلها، ثم استخلف عثمان، فبعث عبد الرحمن بن عوف، ثم حج عثمان إمارته كلها.
عن أبي جعفر قال: بعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي بن أبي طالب ب " براءة " لما نزلت، فقرأها على أهل مكة، وبعث أبا بكر على الموسم.
قال الزبير بن بكار: ودفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سنة تسعٍ إلى أبي بكر الصديق رايته العظمى، وكانت سوداء، ولواؤه أبيض.
عن محمد بن إسحاق: أن أبا بكرٍ أقام للناس الحج سنة ثنتي عشرة، وبعض الناس يقول: لم يحج أبو بكر في خلافته، وأنه بعث في سنة ثنتي عشرة على الموسم عمر بن الخطاب، أو عبد الرحمن بن عوف.
عن عروة بن الزبير: أن أبا بكر الصديق أحج على الناس سنةً عمر بن الخطاب، والسنة الثانية عتاب بن أسيد القرشي.
عن ابن شهاب قال: رأى النبي رؤيا، فقصها على أبي بكرٍ، فقال: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: خير يا رسول الله، يبقيك الله حتى
ترى ما يسرك، ويقر عينك، قال: فأعاد عليه مثل ذلك ثلاث مراتٍ، فأعاد عليه مثل ذلك، قال: فقال له في الثالثة: " يا أبا بكر، رأيت كأني استبقت أنا وأنت درجة، فسبقتك بمرقاتين ونصف " قال: يا رسول الله، يقبضك الله إلى رحمته ومغفرته، وأعيش بعدك سنتين ونصف.
عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أمرت أن أؤول الرؤيا أبا بكر ".
عن سفينة قال: لما بنى النبي المسجد وضع حجراً، ثم قال: " ليضع أبو بكر حجراً إلى جنب حجري " ثم قال: " ليضع عمر حجراً إلى جنب أبي بكر " ثم قال: " ليضع عثمان حجره إلى جنب حجر عمر " ثم قال: " هؤلاء الخلفاء بعدي ".
عن زرعة بن عمرو، عن أبيه قال:
لما قدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة قال لأصحابه: " انطلقوا بنا إلى أهل قباء نسلم عليهم " فلما أتاهم سلم عليهم، ورحبوا به، فقال: " يا أهل قباء، إيتوني بحجارة من هذه الحرة " فجمعت عنده، فخط بها قبلتهم، فأخذ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجراً، فوضعه، ثم قال: " يا أبا بكر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجري " ففعل، ثم قال: " يا عمر، خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر أبي بكر " ففعل، ثم قال: " يا عثمان خذ حجراً فضعه إلى جنب حجر عمر "، ففعل ثم التفت إلى الناس بأخرة فقال: " وضع رجل حجره حيث أحب على هذا الخط ".
عن جبير بن مطعم: أن امرأة أتت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تسأله شيئاً، فقال لها: " ارجعي إلي " قالت: فإن
رجعت فلم أجدك يا رسول الله - تعرِّض بالموت -؟ فقال لها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فإن رجعت فلم تجديني فالقي أبا بكر ".
قال الزبير بن العوام - وذكر عنده أبو بكر -: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " قال: فقمنا سنة حتى دخلنا على علي بن أبي طالب فقلنا: يا أمير المؤمنين إنا سمعنا الزبير بن العوام يقول: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " الخليفة بعدي أبو بكر، ثم عمر " فقال: صدق، سمعت ذاك من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حائط، فاستفتح رجل، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائذن له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي " ففعلت، فإذا هو أبو بكر، ثم استفتح رجل، فقال: " قم يا أنس، فافتح له، وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعدي ومن بعد أبي بكر " فإذا هو عمر، فأخبرته، ثم جاء آخر، فدق فقال: " يا أنس فافتح له وبشره بالجنة، وأخبره أنه سيلي أمتي من بعد عمر، وأنه سيلقى من الرعية الشدة، حتى يبلغوا دمه، وأمره عند ذلك بالكف " فقمت، فإذا هو عثمان، فأخبرته فحمد الله، فلما أخبرته أنهم سيبلغون دمه استرجع.
عن ابن عباس قال: والله إن إمارة أبي بكر وعمر لفي الكتاب " وإذ أسر النبي لبعض أزواجه حديثاً " فقال لحفصة: " أبوك وأبو عائشة واليا الناس بعدي ".
عن ميمون بن مهران: في قوله تعالى: " وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه، وجبريل، وصالح المؤمنين " أبو بكر وعمر.
عن عبد الله بن جراد قال: أتي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بفرسٍ، فركبه، وقال: " يركب هذا الفرس من يكون الخليفة من بعدي " فركبه أبو بكر الصديق.
عن عبد الله بن عباس قال: لما نزلت: " إذا جاء نصر الله والفتح " جاء العباس إلى علي، فقال: قم بنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فصار إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فسألاه عن ذلك، فقال: " يا عباس، يا عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إن الله جعل أبا بكر خليفتي على دين الله ووحيه فاسمعوا له تفلحوا، وأطيعوه ترشدوا " قال العباس: فأطاعوه والله فرشدوا.
عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقتدوا باللذين من بعدي: أبو بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن أم عبد ".
عن عبد الله بن مسعود، عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً أحداً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن صاحبكم خليل الله، وإن القرآن أنزل على سبعة أحرف، ولكل آيةٍ منها ظهر وبطن، ولكل حرف حد، ولكل حد مطلع ".
وعن ابن عباس: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وهو على المنبر في مرضه الذي توفي فيه: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا علي كل خوخةٍ غير خوخة أبي بكر ".
عن سعيد بن جبير قال: كتب عبد الله بن عتبة إلى ابن الزبير يستفتيه في الجد، فقال سعيد: فقرأت كتابه إليه: أما بعد، فإنك كتبت إلي تستفتني في الجد، وإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكنه أخي في الدين، وصاحبي في الغار " وإن أبا بكر كان ينزله بمنزلة الوالد، وإن أحق من اقتدينا به بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبو بكر.
عن أبي سعيد الخدري قال:
خرج علينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مرضه الذي مات فيه، وهو عاصب رأسه، قال: فأتبعته حتى صعد المنبر فقال: " إني الساعة لقائم على الحوض " قال: ثم قال: " إن عبداً عرضت عليه الدنيا وزينتها فاختار الآخرة " فلم يفطن لها أحد من القوم إلا أبو بكر، فقال: بأبي أنت وأمي، بل نفديك بأموالنا وأنفسنا وأولادنا، قال: ثم هبط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المنبر فما رئي عليه حتى الساعة.
عن كعب بن مالك قال: إن أحدث عهدي بنبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبل وفاته بخمس ليالٍ، دخلت عليه وهو يقلب يديه وهو يقول: " لم يكن نبي كان قبلي إلا وقد اتخذ من أمته خليلاً، وإن خليلي من أمتي أبو بكر بن أبي قحافة، ألا وإن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ".
عن عائشة قالت: أمرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نغسله بسبع قرب من سبع آبار، ففعلنا ذلك، فوجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راحة، فخرج فصلى بالناس، فاستغفر لأهل أُحُدٍ، ودعا لهم، وأوصى بالأنصار فقال: " أما بعد، يا معشر المهاجرين فإنكم تزيدون وأصبحت الأنصار لا تزيد، على هيئتها التي هي عليها اليوم، وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها،
فأكرموا كريمهم - يعني محسنهم - وتجاوزوا عن مسيئهم " ثم قال: " إن عبداً من عباد الله خير ما بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله " فبكى أبو بكر، وظن أنه يريد نفسه، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلك يا أبا بكر! سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر، فإني لا أعلم امرأً أفضل عندي يداً في الصحبة من أبي بكر ".
وعن أبي الأحوص حكيم بن عمير العنسي: أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال عندما أمر به من سد تلك الأبواب إلا باب أبي بكر، وقال: " ليس منها باب إلا وعليه ظلمة إلا ما كان من باب أبي بكر، فإن عليه نوراً ".
وعن عائشة قالت: لما ثَقُل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاء بلال يؤذنه بالصلاة، قالت: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مروا أبا بكرٍ فليصل بالناس " قالت: فقلت: يا رسول الله إن أبا بكرٍ رجل أسيف، فلو أمرت عمر! قالت: فقال: " مروا أبا بكر فليصل بالناس " قالت: فقلت لحفصة: قولي له: إن أبا بكر رجل أسيف، وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، قالت: فقالت له حفصة، قالت: فقال: " إنكن لأنتن صواحبات يوسف " فقالت حفصة لعائشة: ما كنت لأصيب منك خيراً! قالت: وأمر أبا بكر فصلى بالناس، فلما دخل أبو بكرٍ في الصلاة وجد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من نفسه خِفةً، فقام يُهادى بين رجلين، وإن رجليه لتخُطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب يتأخر، فأومأ إليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أقم مكانك، قالت: فجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى جلس عن يسار أبي بكرٍ، قالت: فكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي بالناس قاعداً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والناس يقتدون بصلاة أبي بكر.
وعن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ليصل أبو بكر بالناس " قالوا: يا رسول الله، لو أمرت غيره أن يصلي، قال: " لا ينبغي لأمتي أن يؤمهم إمام وفيهم أبو بكر ".
عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال: لما استعز برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا عنده في نفرٍ من المسلمين قال: دعا بلال للصلاة، فقال: " مروا من يصلي بالناس " قال: فخرجت، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكرٍ غائباً، فقال: قم يا عمر فصل بالناس، قال: فقام، فلما كبر عمر سمع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوته، وكان عمر رجلاً مُجهراً، قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون " قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس.
قال: وقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك! ماذا صنعت بي يا بن زمعة؟ والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرك بذلك، ولولا ذلك ما صليت بالناس! قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة.
عن أنس بن مالك قال:
لم يخرج إلينا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاثاً، فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكرٍ يصلي بالناس، فرفع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فما رأينا منظراً أعجب إلينا منه، حيث وضح لنا وجه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأومأ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أبي بكر أن تقدم، وأرخى نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحجاب، فلم يوصل إليه حتى مات.
قالت حفصة بنت عمر لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إذا أنت مرضت قدَّمت أبا بكر، قال: " لست أنا الذي أقدمه ولكن الله يقدمه ".
عن الشعبي أنه قال: خص الله تبارك وتعالى أبا بكرٍ الصديق بأربع خصالٍ لم يخصص بها أحداً من الناس: سماه الصديق ولم يسم أحداً الصديق غيره، وهو صاحب الغار مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورفيقه في الهجرة، وأمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالصلاة، والمسلمون شهود.
قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إن كان وأنا حي، فأستغفر لكِ وأدعو لكِ " قالت عائشة: واثكلاه، والله إني لأظنك تحب موتي، ولو كان ذلك لظللت معرِّساً ببعض أزواجك، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بل أنا وارأساه، لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكرٍ وابنه، فأعهد إليه: أن يقول القائلون، ويتمناه المتمنون ".
عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ائتوني بأديمٍ ودواةٍ - أو كتفٍ ودواةٍ - فأكتب لأبي بكرٍ كتاباً لا يختلف عليه اثنان " ثم قال: " دعوه، معاذ الله أن يختلفوا في أبي بكرٍ - مرتين ".
وعن عائشة قالت: قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يستخلف أحداً، ولو كان مستخلفاً أحداً لاستخلف أبا بكرٍ أو عمر.
عن عبد الله قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، فأتاهم عمر ابن الخطاب، فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أمر أبا بكرٍ أن يؤم الناس؟ فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكرٍ؟ ".
عن حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكرٍ في طائفةٍ من المدينة، قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي، ما أطيبك حياً وميتاً! مات محمد، ورب الكعبة.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان، حتى أتوهم، فتكلم أبو بكرٍ، فلم يترك شيئاً أنزل في الأنصار، ولا ذكره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من شأنهم إلا ذكره، وقال: لقد علمتم أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار وادياً سلكت وادي الأنصار " ولقد علمتَ يا سعد أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال وأنت قاعد: " قريش ولاة هذا الأمر فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم "، فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الأمراء.
وفي رواية عن عائشة: قال عمر: والله ما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقبله وقال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، وقال: أيها الحالف على رسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال " إنك ميت وإنهم ميتون " وقال " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " فنشج الناس يبكون.
عن أبي البختري قال: قال عمر لأبي عبيدة بن الجراح: ابسط يدك حتى أبايعك، فإني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " أنت أمين هذه الأمة " فقال أبو عبيدة: ما كنت لأتقدم بين يدي رجلٍ أمره رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يؤمنا، فأمنا حتى مات.
عن عائشة زوج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مات، وأبو بكر بالسنخ - يعني بالعالية - واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقال أبو بكر: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال عمر: نبايعك، أنت سيدنا، وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه وبايعه الناس.
نا ابن عون عن محمد: أن أبا بكر قال لعمر: ابسط يدك نبايع لك، فقال له عمر: أنت أفضل مني، فقال له أبو بكر: أنت أقوى مني، فقال له عمر: فإن قوتي لك مع فضلك، فبايعه.
قال القاسم بن محمد:
فلما اجتمع الناس على أبي بكرٍ قسم بين الناس قسماً، فبعث إلى عجوز من بني عدي بن النجار بقسمها مع زيد بن ثابت، فقالت: ما هذا؟ قال: قسم قسمه أبو بكر للنساء، فقالت: أتراشوني عن ديني؟ فقالوا: لا، فقالت: أتخافون أن أدع ما أنا عليه؟ فقالوا: لا، قالت: فوالله لا آخذ منه شيئاً أبداً! فرجع زيد إلى أبي بكر فأخبره بما قالت، فقال أبو بكر: ونحن لا نأخذ مما أعطيناها شيئاً أبداً.
قال عمر بن الخطاب: وكنت أول الناس أخذ بيد أبي بكر، فبايعته إلا رجل من الأنصار أدخل يده من خلفي، من بين يدي ويده، فبايعه قبلي.
قال عثمان بن عفان: إن أبا بكر الصديق أحق الناس بها - يعني بالخلافة - إنه لصدّيق، وثاني اثنين، وصاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن أبي سعيد الخدري قال: قُبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واجتمع الناس في دار سعد بن عبادة، وفيهم أبو بكر وعمر، قال: فقام خطيب الأنصار فقال: أتعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان من المهاجرين، وخليفته من المهاجرين، ونحن كنا أنصار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فنحن أنصار خليفته، كما كنا أنصاره، قال: فقام عمر بن الخطاب، فقال: صدق قائلكم، أما لو قلتم غير هذا لم نتابعكم، فأخذ بيد أبي بكر، وقال: هذا صاحبكم فبايعوه، وبايعه عمر، وبايعه المهاجرون والأنصار.
قال: فصعد أبو بكرٍ المنبر، فنظر في وجوه القوم، فلم ير الزبير، قال: فدعا الزبير، فجاء، فقال: قلت: ابن عمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقام، فبايعه، ثم نظر في وجوه
القوم، فلم ير علياً، فدعا بعلي بن أبي طالب، فجاء، فقال: قلت: ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين، قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه.
قال محمد بن إسحاق بن خزيمة: جاءني مسلم بن الحجاج، فسألني عن هذا الحديث، فكتبت له في رقعة، وقرأت عليه، وقال: هذا حديث يسوى بدنة، فقلت: يسوى بدنة؟! بل هذا يسوى بدرة.
وفي رواية أخرى عن أبي سعيد الخدري، في صدر الحديث: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قام خطباء الأنصار، فجعل منهم من يقول - وفي رواية: فجعل الرجل منهم يقول: - يا معشر المهاجرين، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا استعمل رجلاً منكم قرن معه رجلاً منا، فنرى أن يلي هذا الأمر رجلان؛ أحدهما منكم، والآخر منا، قال: فتتابعت خطباء الأنصار على ذلك.
عن عبد الله بن عباس قال: كنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف، فالتسمته يوماً، فلم أجده، فانتظرته في بيته حتى رجع من عند عمر، فلما رجع قال: لو رأيت رجلاً آنفاً قال لعمر كذا وكذا، وهو يومئذٍ بمنى في آخر حجةٍ حجها عمر، فذكر عبد الرحمن لابن عباس أن رجلاً أتى عمر؛ فأخبره أن رجلاً قال: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، قال عمر حين بلغه ذلك: إني لقائم - إن شاء الله - في الناس، فمحذرهم الذين يغصبون الأمة أمرهم، قال عبد الرحمن: قلت: يا أمير المؤمنين، لا تفعل ذلك يومك، فإن الموسم يجمع رعاع الناس، وغوغائهم، وإنهم هم الذين يغلبون على مجلسك، فأخشى إن قلت فيهم اليوم مقالةً أن يطيروا بها، ولا يعوها، ولا يضعوها على مواضعها، أمهل حتى تقدم المدينة؛ فإنها دار الهجرة والسنة، وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم، فتقول ما قلت متمكناً، فيعوا مقالتك، ويضعوها مواضعها.
فقال عمر: والله لئن قدمت المدينة صالحاً لأكلمن بها الناس في أول مقامٍ أقومه.
قال ابن عباس:
فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة، وذاك يوم الجمعة هجرت، فوجدت سعيد بن
زيد قد سبقني بالتهجير، فجلست إلى ركنٍ جانب المنبر، فجلس إلى جنبي تمس ركبتي ركبته، فلم ينشب عمر أن خرج، فأقبل يوم المنبر، فقلت لسعيد بن زيد، وعمر مقبل: أما والله ليقولن أمير المؤمنين على هذا المنبر مقالةً لم يقلها أحد قبله، فأنكر ذلك سعيد، وقال: ما عسى أن يقول أحد قبله!؟ فلما جلس على المنبر أذّن المؤذن، فلما أن سكت قام عمر، فتشهد، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإني قائل لكم مقالة قد قُدِّر لي أن أقولها، ولعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي ألا يعيها فلا أحل له أن يكذب علي: إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنزل عليه الكتاب، وكان مما أنزل عليه آية الرجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله عز وجل، فتُترك فريضة أنزلها الله عز وجل، فإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أُحصن من الرجال والنساء، إذا قامت عليه بينة، أو كان الحَبَل، أو الاعتراف، ثم إنا قد كنا نقرأ ألا ترغبوا عن آبائكم، فإن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " لا تطروني كما أُطري ابن مريم عليه السلام، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله "، ثم إنه بلغني أن فلاناً منكم يقول: والله لو قد مات عمر لقد بايعت فلاناً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكر كانت فلتةً فتمت فإنها قد كانت كذلك إلا أن الله عز وجل وقى شرها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ إن علياً، والزبير، ومن معهما تخلفوا عنا، وتخلفت الأنصار عنا بأسرها، فاجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فبينا نحن في منزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رجل ينادي من وراء الجدار: اخرج إلي يابن الخطاب، فقلت: إليك عني فإنا عنك مشاغيل، فقال: إنه قد حدث أمر لا بد منك فيه، إن الأنصار قد اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، فأدركوهم قبل أن يحدثوا أمراً يكون بيننا وبينهم فيه
حرب، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من هؤلاء الأنصار، فانطلقنا نؤمهم، فلقيت أبا عبيدة بن الجراح، فأخذ أبو بكر بيده، فمشى بيني وبينه، حتى إذا دنونا منهم لقينا رجلان صالحان، فذكرا الذي صنع القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلت: نريد إخواننا من هؤلاء الأنصار، فقالا: لا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم، فإذا هم جميع في سقيفة بني ساعدة، وإذا بين أظهارهم رجل مزمل، قلت: من هذا؟ قالوا: سعد بن عبادة، قلت: ماله؟ قالوا: هو وَجِع، فلما جلس تكلم خطيب الأنصار، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط منا، فقد دفت دافة من قومكم.
قال عمر: فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويحصنونا من الأمر، فلما قضى مقالته أردت أن أتكلم، قال: وكنت قد زوَّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقوم بها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الحدة، فلما أردت أن أتكلم، قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه - فتكلم أبو بكر، وهو كان أحلم مني، وأوقر، والله ما ترك من كلمةٍ أعجبتني في تزويري إلا تكلم بمثلها، أو أفضل في بديهته حتى سكت - فتشهد أبو بكرٍ، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:
أما بعد، أيها الأنصار، فما ذكرتم فيكم من خيرٍ فأنتم أهله، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسباً وداراً، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، فأخذ بيدي، وبيد أبي عبيدة بن الجراح، فلم أكره مما قال غيرها، كان والله أن أقدم، فتضرب عنقي، لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي من
أن أؤمر على قومٍ فيهم أبو بكر، إلا أن تغتر نفسي عند الموت، فلما قضى أبو بكر مقالته قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير، ومنكم أمير، يا معشر قريش، قال عمر: فكثر اللغط وارتفعت الأصوات حتى أشفقت الاختلاف، قلت: ابسط يدك يا أبا بكرٍ، فبسط أبو بكر يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، والأنصار، فنزونا على سعد بن عبادة، فقال قائل من الأنصار: قتلتم سعداً، قال عمر: فقلت وأنا مغضب: قتل الله سعداً، فإنه صاحب فتنة وشرٍّ، وإنا ما رأينا فيما حضر من أمرنا أمراً أقوى من بيعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم قبل أن تكون بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعةً، فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فساداً، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إن بيعة أبي بكرٍ كانت فلتةً فتمت، فقد كانت فلتة ولكن الله وقى شرها، ألا وإنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر.
عن حميد بن منهب قال: زرت الحسن بن أبي الحسن، فخلوت به، فقلت له: يا أبا سعيد، أما ترى ما الناس فيه من الاختلاف؟ فقال لي: يا أبا بحير، أصلح أمر الناس أربعة، وأفسده اثنان، أما الذين أصلحوا أمر الناس: فعمر بن الخطاب يوم سقيفة ساعدة حيث قالت قريش: منا أمير، وقالت الأنصار: منا أمير، فقال لهم عمر بن الخطاب: ألستم تعلمون أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الأئمة من قريش؟ " قالوا: بلى، قال: أولستم تعلمون أنه أمر أبا بكر يصلي بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم يتقدم أبا بكر؟ قالوا: لا أحد، فسلمت لهم الأنصار، ولولا ما احتج به عمر من ذلك لتنازع الناس هذه الخلافة إلى يوم القيامة! وأبو بكر الصديق حيث ارتدت العرب، فشاور فيهم الناس، فكلهم أشار عليه بأن يقبل
منهم الصلاة، ويدع الزكاة، فقال: والله لو منعوني عقالاً مما كانوا يعطونه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجاهدتهم، ولولا ما فعل أبو بكر من ذلك لألحد الناس في الزكاة إلى يوم القيامة! وعثمان بن عفان حيث جمع الناس على هذه القراءة، وقد كانوا يقرؤونه على سبعة أحرفٍ؛ فكان هؤلاء يلقون هؤلاء، فيقولون: قراءتنا أفضل من قراءتكم، حتى كاد بعضهم أن يكفر بعضاً، فجمعهم عثمان على هذا الحرف، ولولا ما فعل عثمان من ذلك لألحد الناس في القرآن إلى يوم القيامة، وعلي بن أبي طالب حيث قاتل أهل البصرة، فلما فرغ منهم قسم بين أصحابه ما حوى عسكرهم، فقالوا له: يا أمير المؤمنين، ألا تقسم بيننا إماءهم ونساءهم؟ فقال: أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟ قالوا: ومن يأخذ أم المؤمنين في سهمه؟! قال: أفرأيتم هؤلاء اللواتي قتل عنهن أزواجهن، أيعتددن أربعة أشهرٍ وعشراً، ويورَّثن الربع والثمن؟ قالوا: نعم، قال: فما أراهن إماءً؟ ولو كن إماءً لم يعتددن، ولم يورَّثن. ولولا ما فعل علي من ذلك لم تعلم الناس كيف تقاتل أهل القبلة.
وأما اللذان أفسدا أمر الناس: فعمرو بن العاص يوم أشار على معاوية برفع المصاحف، فحكمت الخوارج، فلا يزال هذا التحكيم إلى يوم القيامة، والمغيرة بن شعبة، فإنه كان عامل معاوية على الكوفة، فكتب إليه معاوية: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل معزولاً، فأبطأ في مسيره، فلما ورد عليه قال له: يا مغيرة، ما الذي أبطأ بك؟ قال: أمر، والله كنت أوطئه وأهّيئه، قال: وما هو؟ قال: البيعة ليزيد من بعدك، قال: أوفعلت؟ قال: نعم، قال: ارجع إلى عملك! فلما خرج من عند معاوية قال له أصحابه: ما وراءك يا مغيرة؟ قال: ورائي، والله أني وضعت رجل معاوية في غرز بغيٍ لا يزال فيه إلى يوم القيامة.
قال الحسن: فمن أجل ذلك بايع هؤلاء لآبائهم، ولولا ذلك لكانت شورى إلى يوم القيامة.
عن أنس بن مالك قال: لقد رأيت عمر يزعج أبا بكرٍ إلى المنبر إزعاجاً.
عن عائشة قالت:
توفيت فاطمة بنت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاة أبيها بستة أشهرٍ، فاجتمع إلى علي أهل بيته، فبعثوا إلى أبي بكرٍ: ائتنا، فقال عمر: والله لا تأتيهم، فقال أبو بكر: والله لأتينهم، وما تخاف علي منهم؟ فجاءهم حتى دخل عليهم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم ذكر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فصلى عليه، ثم قال: إني قد عرفت أنكم قد وجدتم عليَّ في أنفسكم من هذه الصدقات التي وليت عليكم، ووالله ما صنعت ذلك إلا لأني لم أكن أريد أن أكل شيئاً من أمر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كنت أرى أثرة فيه وعمله، إلى غيري حتى أسلك به سبيله، وأنفذه فيما جعله الله، ووالله لأن أصلكم أحب إلي من أن أصل أهل قرابتي، لقرابتكم من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولعظيم حقه الذي جعله له على كل مسلم.
ثم تشهد علي، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا أبا بكر والله ما نفسنا عليك خيراً قسمه الله لك ألاّ أن تكون أهلاً لما أسند إليك في صحبة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وسنك، وفضلك؛ ولكنا قد كنا من الأمر حيث قد علمت، فتقوّل به علينا، فوجدنا في أنفسنا. وقد رأيت أن أبايع، وأدخل فيما دخل فيه الناس، وإذا كان العشية، فصلِّ بالناس الظهر، واجلس على المنبر حتى آتيك، فأبايعك.
فلما صلى أبو بكر الظهر ركب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الذي كان من أمر علي وما دخل فيه من أمر الجماعة والبيعة، وها هو ذا فاسمعوا منه.
فقام علي فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر أبا بكرٍ، وفضله وسنه، وأنه أهل لما ساق الله إليه من خيرٍ، ثم قام إلى أبي بكرٍ، فبايعه، فلا ترى مثلما قال الناس: جزاك الله يا أبا حسنٍ خيراً؛ فقد أحسنت وأجملت حتى لم تصدع عصا المسلمين، ولم تفرق جماعتهم، فدخل فيما دخلوا فيه، ثم انصرف.
عن صعصعة بن صوحان قال: دخلنا على علي بن أبي طالب حين ضربه ابن ملجم، فقلنا: يا أمير المؤمنين، استخلف علينا، قال: لا، ولكن أترككم كما تركنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ دخلنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقلنا: يا رسول الله، استخلف علينا، فقال: " لا، إن يعلم الله عز وجل فيكم خيراً يول عليكم خياركم " قال علي: فعلم الله فينا خيراً فولى علينا أبا بكر.
عن أبي الزناد قال: أقبل رجل يتخلص الناس حتى وقف على علي بن أبي طالب، فقال: يا أمير المؤمنين ما بال المهاجرين والأنصار قدموا أبا بكرٍ، وأنت أوفى منه منقبة، وأقدم منه سلماً، وأسبق سابقةً، قال: إن كنت قرشياً فأحسبك من عائذة، قال: نعم، قال: لولا أن المؤمن عائذ الله لقتلتك، إن أبا بكر سبقني إلى أربع، لم أبزهن ولم أعتض منهن: سبقني إلى الإمامة، وتقديم الهجرة، وإلى الغار، وإفشاء الإسلام.
عن عمرو بن شقيق الثقفي قال: لما فرغ علي من الجمل قال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعهد إلينا في الإمارة شيئاً، ولكنه رأي رأيناه، فإن يك صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً من قبلنا: ولي أبو بكرٍ، فأقام واستقام، ثم ولي عمر، فأقام واستقام حتى ضرب الإسلام بجرانه، ثم إن أقواماً طلبوا الدنيا فيعفو الله عمن يشاء، ويعذب الله من يشاء.
عن عبد الله بن مسعود: إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمدٍ خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد بعد قلبه، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رآه المؤمنون حسناً، فهو عند الله حسن، وما رآه المؤمنون سيئاً فهو عند الله سيئ.
قال ابن عياش: وأنا أقول: إنهم قد رأوا أن يولوا أبا بكرٍ بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن ابن أبي مليكة قال: قيل لأبي بكر: يا خليفة الله، قال: أنا خليفة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا راضٍ بذلك، وكره أن يقال: خليفة الله تعالى.
قال عبد الله بن محمد بن عثمان الحافظ:
الذين وقع عليهم اسم الخلافة ثلاثة، قال الله عز وجل لآدم: " إني جاعل في الأرض خليفة " قال ابن عباس: فأخرجه الله من الجنة قبل أن يدخله فيها، لأنه خليفة الأرض، خليفة فيها، وقوله تعالى لداود: " يا داود إنا جعلناك خليفةً في الأرض " وأجمع المهاجرون والأنصار على خلافة أبي بكر، وقالوا له: يا خليفة رسول الله، ولم يسم أحد بعده خليفةً، ويقال: إنه قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثلاثين ألف مسلم، كل قال لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، ورضوا به ومن بعده، رضي الله عنهم.
قال أبو بكرة: أتيت عمر وبين يديه قوم يأكلون، فرمي ببصره في مؤخر القوم إلى رجلٍ، فقال: ما تجد فيما تقرأ قبلك من الكتب؟ قال: خليفة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صدّيقه.
عن ابن عباس قال: أبو بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على كل مؤمنٍ ومؤمنة.
وقال الحسن: والله الذي لا إله إلا هو لقد استخلف رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر.
قال أبو بكر بن عياش: أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القرآن، لأن الله تعالى يقول: " للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً، وينصرون
الله ورسوله أولئك هم الصادقون " فمن سماه صادقاً فليس يكذب، هم قالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
عن معاوية بن قرة قال: ما كان أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشكون أن أبا بكرٍ خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يسمونه إلا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كانوا يجتمعون على خطأ أو ضلالة، وما كانوا يكتبون إلا إلى أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما كان يكتب إلا من أبي بكر خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فما زالوا كذلك حتى توفي، فلما كان عمر بن الخطاب أرادوا أن يقولوا خليفة خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال عمر: هذا يطول، قالوا: لا، ولكنا أمرناك علينا، فأنت أميرنا، قال: نعم، أنتم المؤمنون، وأنا أميركم، فكتب: أمير المؤمنين.
قال سفيان: ما أحسب أن الله يقبل لمن أساء الظن بالمهاجرين الأولين من تقدمة أبي بكر وعمر صوماً، ولا صلاة ولا يصعد له إلى السماء عمل.
عن شيخ من أهل الكوفة قال: لما بويع أبو بكر واستقام أمور الناس أنشأ رجل من قريشٍ يكنى أبا عمرة يقول في ذلك: من الكامل
شكراً لمن هو بالثناء حقيق ... ذهب الحِجاج، وبويع الصديق
من بعدما دحضت بسعدٍ بغلة ... ورجا رجاءً دونه العيوق
حفت به الأنصار عاصب رأسه ... فأتاهم الصديق والفاروق
وأبو عبيدة والذين إليهم ... نفس المؤمل للبقاء تتوق
بالحق إذ طلبوا الخلافة زلة ... لم يخط مثل خطائهم مخلوق
فتداركوها بالصواب فبايعوا ... بعد التي فيها لنا تحقيق
إن الخلافة في قريشٍ ما لكم ... فيها ورب محمدٍ تعريق
عن رافع بن أبي رافع قال:
كنت رجلاً أغير على الناس، وأدفن الماء في أدحي النعام، فأستافه حتى أمر عليه بالفلاة، فأستثيره فلما كانت غزوة ذات السلاسل بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيشاً، واستعمل عليهم عمرو بن العاص - وهي التي يفخر بها أهل الشام - وفيهم أبو بكر الصديق وأمرهم أن يستنفروا من مروا عليه من المسلمين، فمروا علينا في منازلنا، فاستنفرونا، فقلت: والله لأختارن لنفسي رجلاً فلأصحبنه، قال: فصحبت أبا بكر، قال: وكان له كساء فدكي، كان إذا ركب خله عليه، وإذا نزل لبسناه جميعاً، وهو الذي عيرته به هوازن، فقالوا: إذا الخلال نبايع بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!؟ قال: فقضينا غزاتنا، ثم رجعت، فقلت: يا أبا بكر، إني قد صحبتك، وإن لي عليك حقاً، فأحب أن توصيني؛ فإني لست كل ساعة أستطيع أن آتي المدينة، قال: قد أردت أن أفعل ذلك، ولو لم تقله؛ اعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وأقم الصلاة، وآتي الزكاة، وحج البيت وصم رمضان، ولا تأمرن على رجلين، قال: قلت: هذا: أعبُد الله وأقيم الصلاة وأؤتي الزكاة وأحج البيت وأصوم رمضان، أرأيت قولك: ولا تأمرن على رجلين؟ فوالله ما يصيب الناس الخير والشرف إلا في الإمارة في الدنيا! قال: إنك استجهدتني فجهدت لك؛ إن الناس دخلوا في الإسلام طوعاً وكرهاً، فهم عواذ الله، وجيران الله، وفي ذمة الله، فمن ظلم أحداً منهم فإنما يخفر ذمة الله، وإن أحدكم لتؤخذ شاة جاره وبعير جاره فيظل ناتئ عضله لجاره، والله من وراء جاره.
فلما قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واستخلف أبو بكر. قال: قلت: صاحبي الذي قال لي ما قال
لآتينه، قال: فأتيت المدينة، فالتمست خلوته حتى أتيته، قال: فسلمت عليه، وتعرفت إليه، فعرفني، فقلت له: أما تذكر قولاً قلته لي؟ قال: وما هو؟ قال: قلت: قولك ولا تأمرن على رجلين! قال: بلى، إن الناس كانوا حديث عهد بكفر وإني خشيت عليهم، وإن أصحابي لم يزالوا بي، قال: فوالله ما زال يعتذر إلي حتى عذرته.
عن عروة بن الزبير قال: قام أبو بكر خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وبيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلَّمنا فعلمنا فأعلمنا أن أكيس الكيس التُّقى، وأن أحمق الحمق الفجور، وإن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق؛ أيها الناس إنما أنا متبع، ولست بمبتدعٍ، فإن أحسنت فاتبعوني، وإن زُغت فقوموني.
قال حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي: في حديث أبي بكر أنه قال: وليتكم، ولست بخيركم: مذهب هذا الكلام وطريقه مذهب التواضع وترك الاعتداد بالولاية، والتباعد من كبرياء السلطنة، ولم يزل من شيم الأبرار، ومذاهب الصالحين الأخيار أن يهتضموا أنفسهم وأن يسوغوا في حقوقهم، وقد كان له برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حين يقول: " ليس لأحدٍ أن يقول: أنا خير من يونس بن متّى " وهو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد ولد آدم، أحمرهم وأسودهم.
عن الحسن قال: لما بويع أبو بكر قام خطيباً، فلا والله ما خطب خطبته أحد بعد؛ فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني وليت هذا الأمر، وأنا له كاره، ووالله لوددت أن بعضكم كفانيه، ألا وإنكم إن كلفتموني أن أعمل فيكم بمثل عمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم أقم به، كان
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبداً أكرمه الله بالوحي، وعصمه به، ألا وإنما أنا بشر، ولست بخيرٍ من أحدٍ منكم فراعوني؛ فإذا رأيتموني استقمت فاتبعوني، وإذا رأيتموني زغت فقوموني، واعلموا أن لي شيطاناً يغيّرني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أؤثّر في أشعاركم وأبشاركم.
عن أبي هريرة قال:
والله الذي لا إله إلا هو، لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبِدَ الله، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، فقال: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجه أسامة بن زيدٍ في سبعمائة إلى الشام، فلما نزل بذي خشب قبض النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وارتدت العرب حول المدينة، فاجتمع إليه أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالوا: يا أبا بكر، رد هؤلاء، توجه هؤلاء إلى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة؟ فقال: والذي لا إله إلا هو لو جرت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ما رددت جيشاً وجهه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا حللت لواءً عقده رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوجه أسامة فجعل لا يمر بقبيلٍ يريدون الارتداد ألاّ قالوا: لولا أن لهؤلاء قوةً ما خرج مثل هؤلاء من عندهم، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم، وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.
وعن عائشة قالت: خرج أبي شاهراً سيفه، راكباً على راحلته إلى ذي القَصَّة، فجاء علي بن أبي طالب، فأخذ بزمام راحلته، فقال: إلى أين يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أحد: " أشمر سيفك، ولا تفجعنا بنفسك " فوالله لئن أُصِبنا بك لا يكون للإسلام بعدك نظام أبداً، فرجع وأمضى الجيش.
عن يزيد الضخم قال: قلت لأبي بكر: ما أراك تنحاش لما قد بلغ من الناس، ولما يتوقع من إغارة
العدو؟ فقال: ما دخلني إشفاق من شيءٍ، ولا دخلني في الدين وحشة إلى أحد بعد ليلة الغار؛ فإن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رأى إشفاقي عليه وعلى الدين، قال لي: " هون عليك، فإن الله قد قضى لهذا الأمر بالنصر والتمام ".
عن ابن شهاب قال: من فضل أبي أنه لم يشك في الله ساعة قط.
عن علي قال: قام أبو بكر بعدما استخلف بثلاث، فقال: من يَستَقيلُني بيعتي فأقيله؟ فقلت: والله لا نقيلك، ولا نستقيلك، من ذا الذي يؤخرك وقد قدمك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كان نقش خاتم أبي بكر الصديق: نعم القادر الله.
عن الحسن: " فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه " قال: أبو بكر وأصحابه.
وقرأ الحسن: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه " حتى قرأ الآية، قال: فقال الحسن: فولاها أبا بكر الصديق وأصحابه.
عن عبد الرحمن الأصبهاني قال: جاء الحسن بن علي إلى أبي بكر وهو على منبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: انزل عن مجلس أبي! فقال: صدقت، إنه لمجلس أبيك، قال: ثم أجلسه في حجره وبكى، فقال علي: والله ما هذا عن أمري، قال: صدقت والله ما اتهمتك.
وقد روي هذا للحسين بن علي مع عمر.
وعن الضحاك: في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عائشة قالت: توفي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوالله لو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها؛ اشرأب النفاق بالمدينة، وارتدت العرب من كل جانب، فما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي في خطتها وعنانها؛ قالوا: أين ندفن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فما وجدنا عند أحدٍ من ذلك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " ما من نبي يقبض إلا دفن تحت مضجعه الذي مات فيه " قالت: واختلفوا في ميراثه، فما وجدوا عند أحدٍ من ذاك علماً، فقال أبو بكر: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إنا - معشر الأنبياء - لا نورث، ما تركنا صدقة ".
وقالت: من رأى عمر عرف أنه خلق عتّالاً للإسلام، كان والله أحْوَزِياً، نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها.
عن صالح بن كيسان قال: لما كانت الردة قام أبو بكر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
الحمد لله الذي هدى، فكفى وأعطى فأغنى، إن الله بعث محمداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والعلم شريد والإسلام غريب طريد، قد رث حبله، وخلق عهده، وضل أهله منه، ومقت الله أهل الكتاب، فلا يعطيهم خيراً لخيرٍ عندهم، ولا يصرف عنهم شراً، لشرٍّ عندهم، قد غيروا كتابهم، وأتوا عليه ما ليس فيه، والعرب الأميون صِفْر من الله، لا يعبدونه، ولا يدعونه، أجهدهم عيشاً، وأضلهم ديناً، في ظلفٍ من الأرض مع قلة السحاب، فجمعهم الله بمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجعلهم الأمة الوسطى، نصرهم بمن اتبعهم ونصرهم على غيرهم، حتى قبض الله نبيه، فركب منهم الشيطان مركبه الذي أنزله الله عنه، وأخذ بأيديهم،
وبغى هلكتهم " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين " إن من حولكم من العرب منعوا شاتهم وبعيرهم، ولم يكونوا في دينهم، وإن رجعوا إليه، أزهد منهم يومهم هذا، ولم تكونوا في دينكم أقوى منكم يومكم هذا، على ما قد فقدتم من بركة نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد وكلكم إلى الكافي الذي وجده ضالاً فهداه، وعائلاً فأغناه، " وكنتم على شفا حفرةٍ من النار فأنقذكم منها " والله لا أدع أقاتل على أمر الله حتى ينجز الله وعده، ويوفي لنا عهده، ويقتل من قتل منا شهيداً من أهل الجنة، ويبقى من بقي منا خليفته، وورثته في أرضه قضاء الله الحق، وقوله الذي لا خلف له " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض " الآية، ثم نزل رحمه الله.
عن زيد بن علي قال: أبو بكر الصديق إمام الشاكرين، ثم قرأ " وسيجزي الله الشاكرين ".
عن قتادة قال: لما توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتدت العرب كلها إلا ثلاثة مساجد: مكة والمدينة والبحرين، فقالوا: أما الصلاة فإنا سنصلي، وأما الزكاة فوالله لا نُغصب أموالنا، فكلموا أبا بكرٍ أن يخلي عنهم؛ فإنهم لو قد فقهوا أدوا الزكاة طائعين، فقال: لا أفرق بين شيء جمعه الله، فوالله لو منعوني عقالاً فما سوى ذلك مما فرض الله ورسوله لقاتلتهم عليه.
فبعث الله معه عصابةً، فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله حتى أقروا بالماعون، وهو الزكاة المفروضة، فسارت إليه وفود العرب، فخيرهم بين خطة مخزية، أو حرب مجلية، فاختاروا الخطة المخزية، وذلك أنهم يشهدون على قتلاهم، أنهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، وأن ما أصابوا من أموال المسلمين ردوه عليهم، وما أصاب المسلمون من أموالهم لم يردوه عليهم.
ومن طريق ابن سعد: أن أبا بكرٍ الصديق كان له بيت مالٍ بالسنح معروف ليس يحرسه أحد، فقيل له: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا تجعل على بيت المال من يحرسه، فقال: لا يخاف، قلت: لم؟ قال: عليه قفل، وكان يعطي ما فيه لا يبقى فيه شيء، فلما تحول أبو بكر إلى المدينة حوله، فجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها، وكان قدم عليه مال من معدن القبلية ومن معادن جهينة كثير - انفتح معدن بني سُليم في خلافة أبي بكر - فَقُدم عليه منه بصدقته، فكان يوضع ذلك في بيت المال، فكان أبو بكر يقسمه على الناس نقراً نقراً، فيصيب كل مائة إنسان كذا وكذا، وكان يسوي بين الناس في القسم: الحر، والعبد، والذكر، والأنثى، والصغير، والكبير فيه سواء. وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عاماً قطائف أتى بها من البادية، ففرّقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، فلما توفي أبو بكر، ودفن دعا عمر الأمناء، ودخل بهم بيت مال أبي بكر، ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه لا ديناراً، ولا درهماً، ووجدوا خيشةً للمال، فنفضت فوجدوا فيها درهماً، فترحموا على أبي بكر، وكان بالمدينة وزّان على عهد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكان يزن ما كان عند أبي بكر من مالٍ، فسئل الوزّان: كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر؟ قال: مائتي ألف.
عن عائشة: أن أبا بكر حين استخلف ألقى كل دينارٍ ودرهمٍ عنده في بيت مال المسلمين، وقال: قد كنت أتجر فيه، وألتمس به فلما وليتهم شغلوني.
ومن طريق ابن سعد قال:
لما استخلف أبو بكر أصبح غادياً إلى السوق وعلى رقبته أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فقالا له: أين تريد يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: السوق، قالا: تصنع ماذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟
قالا: انطلق حتى نفرض لك شيئاً، فانطلق معهما، ففرضوا له كل يوم شطر شاةٍ، وما كسوه في الرأس والبطن، فقال عمر: إليَّ القضاء، وقال أبو عبيدة: وإليَّ الفيء.
قال عمر: فلقد كان يأتي عليَّ الشهر ما يختصم إليَّ فيه اثنان.
عن حميد بن هلال قال: لما ولي أبو بكرٍ قال أصحاب رسول الله: افرضوا لخليفة رسول الله ما يغنيه، قالوا: نعم، برداه إذا أخلقهما وضعهما وأخذ مثلهما، وظهره إذا سافر، ونفقته على أهله كما كان ينفق قبل أن يستخلف، قال أبو بكر رضيت.
وعن عمرو بن ميمون، عن أبيه قال: لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، فقال: زيدوني فإن لي عيالاً وقد شغلتموني عن التجارة، قال: فزادوه خمسمائة، قال: إما أن تكون ألفين فزادوه خمسمائة، أو كانت ألفين وخمسمائة فزادوه خمسمائة.
ومن طريق ابن سعد أيضاً: بويع أبو بكر الصديق يوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلةً خلت من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من مهاجر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان منزله بالسُّنح عند زوجته حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بني الحارث بن الخزرج، وكان قد حجر عليه حجرةً من شعْرٍ، فما زاد على ذلك حتى تحول إلى منزله بالمدينة، فأقام هناك بالسنح بعد ما بويع له ستة أشهر يغدو على رجليه إلى المدينة، وربما ركب على فرسٍ له، وعليه إزار، ورداء ممشق، فيوافي المدينة، فيصلي الصلوات بالناس، فإذا صلى العشاء رجع إلى أهله بالسنح، فكان إذا حضر صلى بالناس، وإذا لم يحضر صلى بهم عمر بن الخطاب. وكان يقيم يوم الجمعة في صدر النهار بالسنح، يصبغ رأسه ولحيته، ثم يروح لقدر الجمعة، فيُجَمِّع بالناس، وكان رجلاً تاجراً، فكان يغدو كل يوم السوق، فيبيع ويبتاع، وكانت له قطعة غنم تروح عليه، وربما خرج هو بنفسه فيها، وربما كفيها، فرُعيت له، وكان يحلب للحي أغنامهم، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من
الحي: الآن لا تُحلَبُ لنا منائح دارنا، فسمعها أبو بكر فقال: بلى لعمري لأحلبنّها لكم، وإني لأرجو ألا يغيرني ما دخلت فيه عن خُلقٍ كنت عليه؛ فكان يحلب لهم، فربما قال للجارية من الحي: يا جارية، أتحبين أن أرغي لك، أو أصرح؟ فربما قالت: ارغ، وربما قالت: صرح، فأي ذلك قالت فعل، فمكث كذلك بالسنح ستة أشهرٍ، ثم نزل إلى المدينة، فأقام بها، ونظر في أمره فقال: لا والله، ما يصلح أمر الناس التجارة، وما يصلح لهم إلا التفرغ، والنظر في شأنهم.
ثم اعتمر أبو بكر في رجب سنة اثنتي عشرة، فدخل مكة ضحوةً، فأتى منزله وأبو قحافة جالس على باب داره، ومعه فتيان أحداث إلى أن قيل له: هذا ابنك، فنهض قائماً، وعجل أبو بكر أن ينيخ راحلته، فنزل عنها وهي قائمة، فجعل يقول: يا أبه لا تقم! ثم لاقاه، فالتزمه وقبل بين عينيه، وجعل الشيخ يبكي فرحاً بقدومه. وجاء إلى مكة عتاب بن أسيد، وسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، والحارث بن هشام، فسلموا عليه: سلام عليك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصافحوه جميعاً فجعل أبو بكر يبكي حين يذكرون رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم سلموا على أبي قحافة، فقال أبو قحافة: يا عتيق، هؤلاء الملأ، فأحسن صحبتهم، فقال أبو بكر: إنه لا حول ولا قوة إلا بالله؛ طوقت عظيماً من الأمر، ولا قوة لي به، ولا يدان إلا بالله، ولقيه الناس يعزونه بنبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو يبكي، حتى انتهى إلى البيت فاضطبع بردائه، ثم استلم الركن، ثم طاف سبعاً، وركع ركعتين، ثم انصرف إلى منزله فلما كان الظهر خرج، فطاف أيضاً بالبيت، ثم جلس قريباً من دار الندوة، فقال: هل من أحدٍ يتشكى من ظلامة، أو يطلب حقاً؟ فما أتاه أحد، وأثنى الناس على واليهم خيراً، ثم صلى العصر، وجلس، فودعه الناس ثم خرج راجعاً إلى المدينة، فلما كان وقت الحج سنة اثنتي عشرة حج أبو بكر بالناس تلك السنة، وأفرد الحج، واستخلف على المدينة عثمان ابن عفان.
عن محمد بن سيرين قال:
لم يكن أحد بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهيب لما لا يعلم من أبي بكر، ولم يكن أحد بعد أبي
بكر لما لا يعلم من عمر، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد لها في كتاب الله أصلاً ولا في السنة أثراً، فقال: أجتهد برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأً فمني، وأستغفر الله.
عن زيد بن أرقم قال: دعا أبو بكر بشرابٍ، فأُتي بماءٍ وعسل، فلما أدناه من فيه نحاه ثم بكى حتى بكى أصحابه، فسكتوا وما سكت، ثم عاد فبكى حتى ظنوا أنهم لا يقوون على مسكته، ثم أفاق، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما أبكاك؟ قال: كنت مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرأيته يدفع عن نفسه شيئاً، ولم أر أحداً معه، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي تدفع، ولا أرى معك أحداً، قال: " هذه الدنيا تمثلت لي، فقلت لها: إليك عني، فتنحت، ثم رجعت، فقالت: أما إنك إن أفلتَّ فلن يفلت مني من بعدك " فذكرت ذلك، فخفت أن تلحقني.
عن الضحاك بن مزاحم قال: قال أبو بكر يوماً: ورأى الطير واقعاً على شجرةٍ، فقال - طوبى لك يا طائر! لوددت أني كنت مثلك! تقع على الشجر، وتأكل الثمر ثم تطير ولا حساب عليك ولا عذاب؛ والله لوددت أني كنت شجرة إلى جانب الطريق، فمر علي بعير، فأخذني وأدخلني فاه فلاكني، ثم ازْدَردَني فأخرجني بعراً، ولم أكن بشراً.
عن ابن مُليكة قال: كان ربما سقط الخطام من أبي بكرٍ الصديق، قال: فيضرب بذراع ناقته، فينيخها فيأخذه، قال: فقالوا له: أفلا أمرتنا نناولكه؟ فقال: إن حِبّي أمرني ألا أسأل الناس شيئاً.
عن ابن العالية الرياحي قال: قيل لأبي بكرٍ الصديق في جمعٍ من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل شربت الخمر في
الجاهلية؟ فقال: أعوذ بالله، فقيل: ولم؟ قال: كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي؛ فإن من شرب الخمر كان مضيعاً في عرضه ومروءته، قال: فبلغ ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " صدق أبو بكر، صدق أبو بكر " مرتين.
عن عبد الله بن الزبير قال: ما قال أبو بكرٍ شعراً قط، ولكنكم تكذبون عليه.
عن معروف بن خربوذ: أن أبا بكر الصديق أحد عشرةٍ من قريش اتصل لهم شرف الجاهلية بشرف الإسلام.
قال الزبير بن بكار سمعت بعض أهل العلم يقول: خطباء أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب.
عن موسى بن عقبة أن أبا بكر الصديق كان يخطب فيقول: الحمد لله رب العالمين، أحمده وأستعينه، ونسأله الكرامة فيما بعد الموت، فإنه قد دنا أجلي وأجلكم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق مبشراً ونذيراً، وسراجاً منيراً " لينذر من كان حياً ويَحِقَّ القول على الكافرين " ومن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد ضل ضلالاً مبيناً أوصيكم بتقوى الله، والاعتصام بأمر الله الذي شرع لكم، وهداكم به، فإن جوامع هدى الإسلام بعد كلمة الإخلاص السمع والطاعة لمن ولاه الله أمركم، فإنه من يطع والي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقد أفلح، وأدى الذي عليه من الحق، وإياكم وإتباع الهوى، فقد أفلح من حُفظ من الهوى، والطمع، والغضب، وإياكم والفخر، وما فخر من خلق من ترابٍ، ثم إلى التراب يعود، ثم يأكله الدود، ثم هو اليوم حي، وغداً ميتاً، فاعملوا يوماً بيوم، وساعةً بساعةٍ، وتوقوا دعاء المظلوم، وعدوا أنفسكم في الموتى، واصبروا: فإن العمل كله بالصبر، واحذروا فالحذر ينفع، واعملوا فالعمل يقبل، واحذروا ما حذركم الله من عذابه، وسارعه فيما وعدكم الله من رحمته، وافهموا أو تفهموا واتقوا أو تَوَقُّوا: فإن الله قد بين لكم ما أهلك به من كان قبلكم، وما نجى به من
نجى قبلكم، قد بين لكم في كتابه حلاله وحرامه، وما يحب من الأعمال، وما يكره؛ فإني لا ألوكم ونفسي، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واعلموا أنكم ما أخلصتم لله من أعمالكم فربكم أطعتم، وحظكم حفظتم، وما تطوعتم به فاجعلوه نوافل بين أيديكم، وإن الله ليس له شريك، وليس بينه وبين أحدٍ من خلقه نسب يعطيه به خيراً، ولا يصرف عنه سوءاً إلا بطاعته، وإتباع أمره، فإنه لا خير في خير بعده النار، ولا شر بشرٍ بعده الجنة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وصلوات الله على نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عن عبد الله بن عُكَيم قال: خطبنا أبو بكر الصديق فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال: أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو له أهل، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: " إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رَغَباً ورَهَباً، وكانوا لنا خاشعين " ثم اعلموا عباد الله أن الله قد ارتهن بحقّه أنفسكم، وأخذ على ذلك مواثيقكم، واشترى منكم القليل الفاني بالكثير الباقي، وهذا كتاب الله فيكم، لا يُطفأ نوره، ولا تنقضي عجائبه، فاستضيئوا بنوره، وانتصحوا كتابه، واستضيئوا منه ليوم الظلمة فإنه إنما خلقكم لعبادته، ووكل بكم كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون، ثم اعلموا عباد الله أنكم تغدون وتروحون في أجلٍ قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم أن تنقضي الآجال وأنتم في عمل الله فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في آجالكم قبل أن تنقضي آجالكم، وتردكم إلى أسوأ أعمالكم؛ فإن قوماً جعلوا آجالهم لغيرهم ونسوا أنفسهم، فأنهاكم أن تكونوا أمثالهم، فالوَحَى الوَحَى، ثم النجاءَ النجاءَ؛ فإن وراءكم طالباً حثيثاً مره سريع.
عن ابن عيينة قال: كان أبو بكر الصديق إذا عزى رجلاً قال: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجزع
فائدة، الموت أهون ما قبله، وأشد ما بعده، اذكروا فقد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصغر مصيبتكم، وأعظم الله أجركم.
عن ابن عباس: " ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ. " قال: نزلت في عشرة: في أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، وعبد الله بن مسعود.
وقال: نزلت في أبي بكر الصديق: " ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً " إلى قوله: " وعد الصدق الذي كانوا يوعدون ".
عن الضحاك في قوله: " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين " قال: مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
عن عكرمة: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " قال: أبو بكر وعمر.
عن الربيع بن أنس قال: مكتوب في الكتاب الأول: مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما وقع نفع.
عن عبد الله بن حسن قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أبو بكر منا أهل البيت ".
قال عمر: إن أبا بكر كان سابقاً مبرزاً، وقال: وددت أني من الجنة حيث أرى أبا بكر.
ورأى رجل عمر وهو يتصدق عام الرمادة، فقال: إن هذا لحبر هذه الأمة بعد نبيها، قال: فعمد عمر، وجعل يضرب صلعة الرجل بالدرة، ويقول: كذب الآخر، أبو بكر خير مني، ومن أبي، ومنك، ومن أبيك.
وقال رجل لعمر: يا خير الناس - أو ما رأيت أميراً خيراً منك - فقال: هل رأيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال: لا، قال: فهل رأيت أبا بكر؟ قال: لا، قال: لو أخبرتني أنك رأيت واحداً منهما لأوجعتك!.
وقال نفر لعمر: ما رأينا رجلاً أقضى بالقسط ولا أقول بالحق، ولا أشد على المنافقين منك يا أمير المؤمنين، فأنت خير الناس بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال عوف بن مالك: كذبتم لقد رأيت خيراً منه غير رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأقبل إليه عمر، فقال: من هو يا عوف؟ فقال: أبو بكر، فقال عمر: صدق عوف وكذبتم، لقد كان أبو بكر أطيب من المسك، وإني لمثل بعير أهلي.
وقال عمر: ليتني شعرةً في صدر أبي بكر.
وقال عبد الله بن عمر: كنا نقول ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حي: أفضل أمة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعده: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان - وزاد في رواية: فيبلغ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا ينكر.
وعن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: يا أبتِ، من خير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: أبو بكر يا بني، قلت: ثم من؟ قال: عمر، فخفت من أن قلت: ثم من؟ أن يقول عثمان: قلت: ثم أنت يا أبه؟ قال: ما أبوك إلا رجل من المسلمين.
عن عبد خير الهمداني - وكان أمير شرطة علي - قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: فذكر أبا بكر، ثم قال: ألا أخبركم
بالثاني؟ قال: فذكر عمر، ثم قال: لو شئت لأنبأتكم بالثالث، قال: وسكت، فرأينا أنه يعني نفسه، فقيل: أنت سمعته يقول هذا؟ قال: نعم ورب الكعبة، وإلا فَصُمّتا.
عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" أنا الأول، وأبو بكر المصلي، وعمر الثالث، والناس من بعدنا الأول فالأول ".
عن قيس الخارفي قال: سمعت علياً يقول: سبق رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلّى أبو بكر، وثلّث عمر.
عن أبي سريحة قال: سمعت علياً يقول على المنبر: ألا إن أبا بكر أوّاه منيب القلب، ألا إن عمر ناصح الله فنصحه.
عن علي قال: إن أعظم الناس أجراً في المصاحف أبو بكر الصديق، كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.
وسئل علي عن أبي بكر وعمر، فقال: كانا إمامَي هدىً، راشدَين مرشدين مفلحين منجحين خرجا من الدنيا خميصين.
وقال: إن الله عز وجل جعل أبا بكرٍ وعمر حجةً على من بعدهم من الولاة إلى يوم القيامة، سبقا والله سبقاً بعيداً، وأتعبا من بعدهم إتعاباً شديداً، فذكرهما حرب للأمة، وطعن على الأئمة.
وقال: لا أجد أحداً يفضلني على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري.
وقال: وهل أنا إلا حسنة من حسنات أبي بكر.
مر رجل من التابعين يقال له سويد بن غفلة برجلين من أصحاب علي، وهما ينتقصان أبا بكرٍ وعمر، فلم يملك نفسه أن ذهب إلى عليٍّ، فقرع الباب، فخرج فقال: يا أبا حسن، إني مررت بفلانٍ وفلان صاحبيك، وهما ينتقصان أبا بكرٍ، وعمر، وايم الله، لو لم تضمر مثل ما أبديا ما اجترأ على ذلك! قال: فغضب علي غضباً شديداً حتى استُدِرَّ عرق بين عينيه، ونودي بالصلاة جامعةً، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: تجندت عليَّ الجنود، ووردت علي الوفود عند مستقر الخطوب، وعند نوائب الدهر: ما بال أقوامٍ يذكرون سيدي قريشٍ، أبوي المؤمنين بما ليسا من هذه الأمة بأهل، وبما أنا عنه منزه، ومنه بريء، وعليه معاقب؟! أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا منافق ردي.
عن ابن عباس: أنه سئل عن أبي بكرٍ، فقال: كان والله خيراً كله، وسئل عن عمر، فقال: كان والله كالطير الحذر الذي ينصب له في كل طريقٍ شرك، وكان يعمل على ما يرى مع العنف، وشدة النشاط، وسئل عن عثمان، فقال: كان والله صواماً قواماً، قارئاً للقرآن، من رجل غرته نومته من يقظته، وسئل عن علي، فقال: كان والله مزكوناً علماً وحلماً، من رجل غرته سابقته من أن لن يمد يده إلى شيءٍ إلا اتبعه، فوالله ما رأيته مد يده إلى شيء إلا خالفه.
عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: ولينا أبو بكر فخير خليفة؛ أرحمه بنا، وأحناه علينا.
عن عائشة:
أنها بلغها أن قوماً تكلموا في أبيها، فبعثت إلى أزفلةٍ من الناس، وعلت وسادتها، وأرخت ستارتها، ثم قالت: أبي، وما أبيه، أبي والله لا تعطوه الأيدي، ذاك طود
منيف، وظل مديد، هيهات! كذبت الظنون أنجح إذ أكديتم، وسبق إذ ونيتم، سبق الجواد إذا استولى على الأمد، فتى قريش ناشئاً، وكهفها كهلاً، يريش مملقها، ويرأب شعبها، ويلم شعثها حتى حليته قلوبها، ثم استشرى في دين الله فما برحت شكيمته، في ذات الله حتى اتخذ بفنائه مسجداً يحيى فيه ما أمات المبطلون، وكان - رضي الله عنه - غزير الدمعة، وقيذ الجوانح، شجي النشيج، فانقصفت عليه نسوان أهل مكة، وولدانهم يسخرون منه، ويستهزئون به " الله يستهزئ بهم، ويمدهم في طغيانهم يعمهون " وأكبرت ذلك رجالات قريشٍ فحنت قسيها، وفوقت سهامها، وامتثلوه غرضاً، فما فلوا له صفاة، ولا قصموا له
قناةً، ومضى على سيسائه، حتى إذا ضرب الدين بجرانه، ورست أوتاده، ودخل الناس فيه أفواجاً، ومن كل فرقةٍ أرسالاً وأشتاتاً اختار الله لنفسه ما عنده، فلما قبض الله نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اضطرب حبل الدين، ومرج أهله، وبغى الغوائل، وظنت رجال أن قد أكثبت نُهَزُها، ولات حين يظنون، وأنى، والصديق بين أظهرهم؟! فقام حاسراً مشمراً، فرقع حاشيتيه بطبه، وأقام أوده بثقافه حتى امذقر النفاق، فلما انتاش الدين بنعشه، وأراح الحق على أهله، وقرت الرؤوس في كواهلها، وحقن الدماء في أهبها حضرت منيته فسد ثلمته بنظيره في السيرة والمرحمة، ذاك ابن الخطاب، لله در أم حملت به ودرت عليه! لقد أوجدت به، فديّخ الكفرة وفنخها، وشرد الشرك شذر مذر، وبعج الأرض فنجعها حتى قاءت أكلها، ترأمه ويصد عنها، وتصدّى له، فيأباها، وتريده ويصدف عنها، ثم فرغ فيئها، ثم تركها كما
صحبها، فأروني ماذا ترتؤون؟ وأي يومي أبي تنقمون؟ أيوم إقامته إذ عدل فيكم، أم يوم ظعنه إذ نظر لكم؟ أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
ثم التفتت إلى الناس، فقالت: سألتكم بالله، هل أنكرتم مما قلت شيئاً؟ قالوا: اللهم لا!.
عن أبي عبد الرحمن الأزدي قال: لما انقضى الجمل قامت عائشة، فتكلمت، فقالت: أيها الناس إن لي عليكم حرمة الأمومة، وحق الموعظة لا يتهمني إلا من عصى ربه، قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين سحري ونحري، وأنا إحدى نسائه في الجنة، ادخرني ربي، وحصنني من كل بضاعة، وبي مُيّز مؤمنكم من منافقكم، وفيّ رخص لكم في صعيد الأقواء وأبي رابع أربعةٍ من المسلمين، وأول من سمي صديقاً، قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عنه راضٍ، فطوقه وهف الأمانة، ثم اضطرب حبل الدين، فأخذ بطرفيه، وربق لكم أثناءه، فوقد النفاق وأغاض نبع الردة، وأطفأ ما حشت يهود، وأنتم
حينئذٍ جحظ، تنتظرون العدوة، وتستمعون الصيحة، فرأب الثأي، وأؤذم العطلة، وامتاح من المهواة، واجتهر دفن الرواء، فقبضه الله واطئاً على هامة النفاق، مذكياً نار الحرب للمشركين، يقظان في نصرة الإسلام صفوحاً عن الجاهلين.
عن مسروق قال: حب أبي بكر وعمر، ومعرفة فضلهما من السنة.
وقد روي هذا القول عن عبد الله بن مسعود.
عن أنس قال: رحم الله أبا بكر وعمر أمرهما سُنة.
وقال الحسن: قدمهما رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمن ذا الذي يؤخرهما.
وقال: ثلاثة لا يربعهم أحد أبداً: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأبو بكر، وعمر.
وقال الأعمش: ما كنت أرى أني أعيش في زمانٍ أسمعهم يفضلون فيه على أبي بكر وعمر.
عن طلحة اليامي قال: كان يقال: الشاك في أبي بكر وعمر كالشاك في السنة.
وقال أبو أسامة: أتدرون من أبو بكر وعمر؟ هما أبوا الإسلام وأمه.
فذكر ذلك لأبي أيوب الشاذكوني، فقال: صدق.
وقال أبو حسين: ما ولد لآدم في ذريته بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكرٍ الصديق ولقد قام ليوم الردة مقام نبي من الأنبياء.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إني لأرجو لأمتي في حب أبي بكر وعمر ما أرجو لهم في قول: لا إله إلا الله ".
عن مالك بن أنس قال: قال أمير المؤمنين هارون لي: يا مالك، صف لي مكان أبي بكر وعمر من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له: يا أمير المؤمنين قربهما منه في حياته كقرب قبرهما من قبره، فقال: شفيتني يا مالك، شفيتني يا مالك!
عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى قال: قلت لأبي: ما تقول في رجل سب أبا بكرٍ؟ قال: يُقتل، قلت: سب عمر؟ قال: يُقتل.
قال ربعي بن خراش: قذف المحصنة يهدم عمل سبعين سنةً، وشتم أبي بكر وعمر يهدم عمل مائة سنةٍ.
قال جعفر بن محمد: برئ الله ممن تبرأ من أبي بكرٍ وعمر.
عن حيان الهجري قال: كان لي جليس يذكر أبا بكرٍ وعمر، فأنهاه فيُغْرَى، فأقوم عنه، فذكرهما يوماً، فقمت عنه مغضباً، واغتممت مما سمعت، إذ لم أرد عليه الرد الذي ينبغي فنمت، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منامي كأنه أقبل ومعه أبو بكر وعمر، فقلت: يا رسول الله، إن لي جليساً يؤذيني في هذين، فأنهاه فيغرى، ويزداد، قال: فالتفت صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى رجلٍ قريب منه، فقال: " اذهب إليه فاذبحه " فذهب الرجل إليه، وأصبحت، فقلت: إنها لرؤيا، فلو أتيته فخبرته لعله ينتهي، قال: فمضيت أريده، فلما صرت قريباً من داره إذا الصراخ، قلت: ما هذا؟ قالوا: فلان، طرقته الذبحة في هذه الليلة فمات.
عن إسماعيل بن أبي خالد قال: جاءنا يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير: بسم الله الرحمن الرحيم: من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم: سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، فإنك كتبت إلي لأكتب إليك بشأن زيد بن خارجة؛ وإنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه، وهو يومئذ من أصح أهل المدينة، فتوفي بين صلاة الأولى، وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره، وغشيناه بردين وكساء، فأتاني آتٍ وأنا أسبح بعد المغرب، فقال: إن زيداً قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعاً، وقد حضره قوم من الأنصار، وهو يقول - أو يقال على لسانه -: الأوسط أجلد القوم، الذي كان لا يبالي في الله لومة لائمٍ، كان لا يأمر الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين، صدق، صدق، كان ذلك في الكتاب الأول، قال: ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان، وبقي أربع، واختلف الناس، وأكل بعضهم بعضاً فلا نظام، وأبيحت الأحماء، ثم ارعوى المؤمنون فقالوا: كتاب الله وقدره، أيها الناس أقبلوا على أميركم، واسمعوا وأطيعوا فمن تولى فلا يعهدن دماً، كان أمر الله قدراً مقدوراً، الله أكبر، هذه الجنة، وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليك يا عبد الله بن رواحة، هل أحسست لي خارجة؟ - لأبيه - وسعداً اللذين قتلا يوم أحد " كلا إنها لظى، نزاعة للشوى، تدعو من أدبر وتولى، وجمع فأوعى " ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من كلامه، فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا فنظر بعضنا إلى بعضٍ فإذا الصوت من تحت الثياب فكشفنا عن وجهه، فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك، يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصديق الأمين، خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان ضعيفاً في جسمه، قوياً في أمر الله عز وجل صدق، صدق، وكان في الكتاب الأول.
وكان زيد بن خارجة من سروات الأنصار، وكان أبوه خارجة بن سعد حيث هاجر
أبو بكر نزل عليه في داره، وتزوج ابنته، وقتل أبوه وأخوه سعد بن خارجة يوم أحد، فمكث بعدهم حياة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خلافة أبي بكر وعمر، وشيئاً من خلافة عثمان؛ فبينا هو يمشي في طريق من طرق المدينة بين الظهر والعصر إذ خر، فتوفي، فأعلمت به الأنصار، فأتوه، فاحتملوه إلى بيته.
عن مسلم الطبين قال: من الكامل
أنى تعاتب، لا أبا لك، عصبةً ... علقوا الفرى، وبروا من الصديق
وبروا سفاهاً من وزير نبيهم ... تباً لمن يبرا من الفاروق
إني على رغم العداة لقائل ... دانا بدين الصادق المصدوق
عن زياد بن حنظلة قال: كان سبب موت أبي بكر الكمد على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، على قوته في أمر الله، فمرض بعد خروج خالد من العراق إلى الشام، وثقل بعد قدوم خالد على أهل اليرموك، ومات قبل الفتح بأيامٍ.
وعن ابن شهاب:
أن أبا بكر والحارث بن كلدة كانا يأكلان خزيرة أهديت لأبي بكر، فقال الحارث لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والله إن فيها لسم سنةٍ، وأنا وأنت نموت في يومٍ واحدٍ! قال: فرفع يده، فلم يزالا عليلين حتى ماتا في يومٍ واحدٍ عند انقضاء السنة.
قالوا: كان أول بدء مرض أبي بكرٍ أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً، لا يخرج إلى صلاةٍ، وكان يأمر عمر بن
الخطاب يصلي بالناس، ويدخل الناس عليه يعودونه، وهو يثقل كل يومٍ، وهو نازل يومئذٍ في داره التي قطع له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاه دار عثمان بن عفان اليوم، وكان عثمان ألزمهم له في مرضه.
قال أبو السفر: دخلوا على أبي بكر في مرضه، فقالوا: يا خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ألا ندعو لك طبيباً ينظر إليك؟ قال: قد نظرت إلي، قالوا: ما قال لك؟ قال: قال: " إني فعال لما أريد ".
وروى ابن سعد من طرق: أن أبا بكرٍ الصديق لما استعز به دعا عبد الرحمن بن عوف فقال: أخبرني عن عمر بن الخطاب، فقال عبد الرحمن: ما تسألني عن أمرٍ إلا وأنت أعلم به مني، فقال أبو بكر: وإن، فقال عبد الرحمن: هو والله أفضل من رأيك فيه، ثم دعا عثمان بن عفان، فقال: أخبرني عن عمر، فقال: أنت أخبرنا به - فقال: على ذلك أبا عبد الله، فقال عثمان: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأن ليس فينا مثله، فقال أبو بكر: يرحمك الله، والله لو تركته ما عدوتك، وشاور معهما سعيد بن زيد أبا الأعور، وأسيد بن الحضير، وغيرهما من المهاجرين والأنصار، فقال أسيد: اللهم أعلمه الخيرة بعدك، يرضى للرضى، ويسخط للسخط، الذي يُسِرُّ خير من الذي يعلن، ولن يلي هذا الأمر أحد أقوى عليه منه.
وسمع بعض أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدخول عبد الرحمن وعثمان على أبي بكر، وخلوتهما به، فدخلوا على أبي بكرٍ، فقال له قائل منهم: ما أنت قائل لربك إذا سألك عن استخلافك عمر علينا، وقد ترى غلظته؟! فقال أبو بكر: أجلسوني، أبالله تخوفوني!؟ خاب من تزود من أمركم بظلمٍ! أقول: اللهم استخلفت عليهم خير أهلك، أبلغ عني ما قلت من وراءك! ثم اضطجع، ودعا عثمان، فقال اكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا عهد أبو بكر بن أبي قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجاً منها، وعند أول عهده بالآخرة داخلاً فيها، حيث يؤمن الكافر، ويوقن الفاجر، ويصدق الكاذب، إني أستخلف عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا، وإني لم أل الله ورسوله ودينه ونفسي وإياكم خيراً، فإن عدل فذلك ظني به، وعلمي فيه، وإن بدل فلكل امرئٍ ما اكتسب، والخير أردت، ولا أعلم الغيب، " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون " والسلام عليكم ورحمة الله.
ثم أمر بالكتاب، فختمه، فقال بعضهم: لما أملى أبو بكر صدر هذا الكتاب بقي ذكر عمر، فذهب به قبل أن يسمي أحداً، فكتب عثمان: إني قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، ثم أفاق أبو بكر، فقال: اقرأ علي ما كتبت، فقرأ عليه ذكر عمر، فكبر أبو بكر، وقال: أراك خفت أن أفتلت نفسي في غشيتي تلك، فيختلف الناس، فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً، والله إن كنت لها أهلاً، ثم أمره، فخرج بالكتاب مختوماً ومعه عمر بن الخطاب، وأسيد بن سعية القرظي، فقال عثمان للناس: أتبايعون لمن في هذا الكتاب؟ فقالوا: نعم، وقال بعضهم: قد علمنا به، فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به وبايعوا. ثم دعا أبو بكر عمر خالياً، فأوصاه بما أوصاه، ثم خرج من عنده، فرفع أبو بكر يديه مداً، فقال: اللهم إني لم أرد بذلك إلا صلاحهم، وخفت عليهم الفتنة، فعملت فيهم بما أنت أعلم به، واجتهدت لهم برأيي، فوليت عليهم خيرهم، وأقواه عليهم، وأحرصهم على ما أرشدهم، وقد حضرني من أمرك ما حضر فاخلفني فيهم، فهم عبادك، ونواصيهم بيدك، أصلح لهم واليهم، واجعله من خلفائك الراشدين، يتبع هدى نبي الرحمة، وهدى الصالحين بعده، وأصلح له رعيته.
عن زبيد أن أبا بكر قال لعمر بن الخطاب:
إني موصيك بوصية - إن حفظتها - إن لله حقاً بالنهار لا يقبله بالليل، ولله في الليل حقاً لا يقبله في النهار، وإنه لا يقبل نافلةً حتى تؤدى الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الحق، وثقله عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يكون ثقيلاً، ولإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة بإتباعهم في الدنيا الباطل، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يخف، وإن الله عز وجل ذكر أهل الجنة وصالح ما عملوا، وتجاوز عن سيئاتهم، فيقول قائل: أنا أفضل من هؤلاء، وذكر آية الرحمة، وآية العذاب، ليكون المؤمن راغباً راهباً ولا يتمنى على الله غير الحق، ولا يلقي بيده إلى التهلكة.
فإن حفظت قولي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، ولا بد لك منه، وإن ضيعت وصيتي فلا يكونن أمر أبغض إليك من الموت، ولن تعجزه! وعن الأعرابي مالك قال: لما أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بعث إليه، فدعاه، فقال: إني أدعوك إلى أمرٍ متعب لمن وليه، فاتق الله يا عمر بطاعته، وأطعه بتقواه، فإن المتقي آمن محفوظ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به، فمن أمر بالحق، وعمل بالباطل، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيته، وأن يحبط عمله، فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخف يدك من دمائهم، وأن تصم بطنك من أموالهم، وان يخف لسانك عن أعراضهم فافعل، ولا قوة إلا بالله.
عن عبد الرحمن بن عوف: أنه دخل على أبي في مرضه الذي توفي فيه، فأصابه مفيقاً، فقال له عبد الرحمن: أصبحت والحمد لله بارئاً، فقال أبو بكر: تراه؟ قال: نعم، قال: إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم، يا معشر المهاجرين، أشد علي من وجعي إني ولّيت أمركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم من ذلك أنفه، يريد أن يكون الأمر له، ورأيتم الدنيا قد أقبلت، ولما تقبل، ولهي مقبلة حتى تتخذوا ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتألمون بالانضجاع على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم أن ينام على حسك السعدان، والله لأن يقدم أحدكم فتضرب رقبته في غير حدٍّ خير له من أن يخوض غمرة الدنيا! وأنتم أول ضال بالناس غداً، فيصفقون عن الطريق يميناً وشمالاً يا هادي الطريق، إنما هو الفجر أو البحر.
فقال له عبد الرحمن: خَفِّض عليك يرحمك الله، فإن هذا يهيضك على ما بك، إنما الناس في أمرك رجلان: إما رجل رأى ما رأيت، فهو معك، وإما رجل رأى ما لم ترَ، فهو يشير عليك بما يعلم، وصاحبك كما تحب، ولا نعلمك أردت إلا الخير، ولم تزل صالحاً مصلحاً مع أنك لا تأسى على شيء من الدنيا، فقال أبو بكر: أجل، لا آسى على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت أني لو تركتهن، وثلاث تركتهن وددت أني لو فعلتهن، وثلاث وددت لو أني سألت عنهن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأما التي وددت أني تركتهن: يوم سقيفة بني ساعدة وددت لو أني ألقيت هذا الأمر في عنق أحد هذين الرجلين - يعني عمر وأبا عبيدة - فكان أحدهما أميراً وكنت وزيراً، ووددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة عن شيء، مع أنهم أغلقوه على الحرب، ووددت أني لو لم أكن
حرقت الفجاءة السلمي، وأني كنت قتلته سريحاً، أو خليته نجيحاً، وأما الثلاث التي تركتهن ووددت أني كنت فعلتهن: وددت لو أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة، ووددت أني يوم وجهت خالد بن الوليد إلى الشام وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق، فكنت قد بسطت كلتا يدي في سبيل الله، ووددت أني حين أُتيت بالأشعث بن قيس أسيراً ضربت عنقه، فإنه يخيل إلي أنه لا يرى شراً إلا أعان عليه، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن هذا الأمر بعده؟ فلا ينازعه أحد، ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هل للأنصار فيه شيء؟ ووددت أني سألت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ميراث بنت الأخ والعمة، فإن في نفسي منها شيء.
عن محمد بن سيرين: أن أم المؤمنين عائشة كانت عند أبي بكر وهو في الموت، فقالت: من الطويل
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فقال أبو بكر: بل هكذا قولي " وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ".
عن أنسٍ قال:
أطفنا بغرفة أبي بكر الصديق في مرضته التي قبض فيها، قال: فقلنا: كيف أصبح، أو كيف أمسى خليفة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فاطلع علينا اطلاعةً فقال: ألستم ترضون بما أصنع؟ قلنا: بلى قد رضينا، قال: وكانت عائشة هي تمرضه، قال: فقال: أما إني قد كنت حريصاً على أن أوفر في المسلمين فيئهم مع أني قد أصبت من اللحم
واللبن، فانظروا إذا رجعتم مني، فانظروا ما كان عندنا فأبلغنه عمر، قال: فذاك حيث عرفوا أنه استخلف عمر، قال: وما كان عنده ديناراً ولا درهم، ما كان إلا خادم، ولقحة، ومحلب، فلما رأى ذلك عمر يُحمل إليه قال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.
وعن محمد قال: توفي أبو بكر الصديق وعليه ستة آلاف درهم كان أخذها من بيت المال، فلما حضرته الوفاة قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم، وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها، فلما توفي أبو بكر ذكر ذلك لعمر، فقال: يرحم الله أبا بكر لقد أحب ألا يدع لأحدٍ بعده مقالاً، وأنا والي الأمر بعده، وقد رددتها عليكم.
عن عائشة قالت: قال أبو بكر: انظروا إلى ما زاد في مالي منذ دخلت في هذه الإمارة فردوه إلى الخليفة من بعدي، فإني قد كنت أسلخه جهدي إلا الودك فإني قد كنت أصبت منه نحواً مما كنت أصيب من التجارة، قالت: فنظرنا، فوجدنا زاد فيه ناضح، وغلام نوبي كان يحمل صبياً له، قالت: فأرسلت به إلى عمر، قالت: فأخبرني جدي أنه بكى، ثم قال: رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده إتعاباً شديداً.
ولما اشتد مرض أبي بكر، وأغمي عليه، فأفاق، قال: أي يومٍ توفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قلت: يوم الاثنين، قال: إني لأرجو من الله عز وجل ما بيني وبين الليل، فمات ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح وقال: في كم كفنتم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالت: كفناه في ثلاثة أثواب بيض يمانية ليس فيها قميص ولا عمامة، فقال: اغسلي ثوبي هذا، وبه ردع زعفرانٍ أو مشقٍ، واجعلوه مع ثوبين جديدين،
قلت: إنه خلق، قال الحي أحوج إلى الجديد من الميت، إنما هو للمهلة، - يعني ما يخرج منه - فكفن في ثلاثة أثواب سحولٍ يمانية.
عن ابن أبزى في قوله تعالى: " يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية " قال: قال أبو بكر: ما أحسنها يا رسول الله! قال: فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أما إنها ستقال لك يا أبا بكر ".
عن عطاء أن أبا بكر الصديق أوصى أن تغسله امرأته أسماء، فإن لم تستطع استعانت بعبد الرحمن بن أبي بكر.
وفي رواية: فإن عجزت أعانها ابنه منه محمد، ولا يصح ذلك، لأنه كان له يوم توفي أبو بكر ثلاث سنين أو نحوها.
عن حبة العرني، عن علي بن أبي طالب قال: لما حضرت أبا بكرٍ الوفاة أقعدني عند رأسه، وقال لي: يا علي، إذا أنا مت فغسلني بالكف الذي غسلت به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحنطوني، واذهبوا بي إلى البيت الذي فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاستأذنوا، فإن رأيتم الباب قد تفتح فادخلوا بي، وإلا فردوني إلى مقابر المسلمين حتى يحكم الله بين عباده، قال: فغُسل وكفن، وكنت أول من بادر إلى الباب، فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فرأيت الباب قد تفتح، فسمعت قائلاً يقول: أدخلوا الحبيب إلى حبيبه، فإن الحبيب إلى الحبيب مشتاق.
قال الحافظ: هذا منكر، والمحفوظ أن الذي غسل أبا بكر امرأته أسماء بنت عميس.
عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعدان: أن أبا بكر أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس، وعزم عليها أن تفطر ليكون أقوى لها، ففعلت، فلما كان من آخر النهار دعت بماء، فأفطرت عليه، وقالت: لا أتبعه اليوم حنثاً.
عن أسيد بن صفوان - وكانت له صحبة من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
لما كان اليوم الذي قبض فيه أبو بكر رجَّت المدينة بالبكاء، ودهش الناس كيوم قبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجاء علي بن أبي طالب باكياً مسرعاً وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة، حتى وقفت على البيت الذي فيه أبو بكر مسجى، فقال: رحمك الله يا أبا بكر، كنت أول القوم إسلاماً، وأكملهم إيماناً، وأخوفهم لله، وأشدهم يقيناً، وأعظمهم عناءً، وأحوطهم على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأحدبهم على الإسلام، وآمنهم على أصحابه، وأحسنهم صحبةً، وأفضلهم مناقب، وأكثرهم سوابق، وأرفعهم درجةً، وأقربهم إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مجلساً، وأشبههم به هدياً، وخلقاً، وسمتاً، وفعلاً، وأشرفهم منزلةً، وأكرمهم عليه، وأوثقهم عنده، فجزاك الله عن الإسلام، وعن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خيراً؛ صدقته حين كذبوه، فسماك الله صديقاً، فقال: " والذي جاء بالصدق " محمد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وصدَّق به " أبو بكر الصديق، أعطيته حين بخلوا وقمت معه حين عنه قعدوا، وصحبته بأحسن الصحبة، ثاني اثنين صاحبه، والمنزل عليه السكينة، ورفيقه في الهجرة، ومواطن الكره، خلفته في أمته أحسن خلافة حين ارتد الناس، وقمت بدين الله قياماً لم يقمه خليفة نبيٍّ؛ قويت حين ضعف أصحابه، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ كنت خليفته حقاً، لم تنازع، ولم تصد برغم المنافقين، وصغر الفاسقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، قمت بالأمر حين فشلوا، ونطقت حين تقبَّضوا ومضيت بنور الله إذ وقفوا، واتبعوك فهدوا، كنت أخفضهم صوتاً، وأعلاهم فوقاً وأطولهم صمتاً، وأصوبهم نطقاً، وأبلغهم كلاماً، وأكثرهم أناةً، وأشرحهم قلباً، وأشدهم نفساً، وأسدهم عقلاً، وأعرفهم بالأمور كنت أولاً حين تفرق عنه، وآخراً حين فشلوا، كنت للمؤمنين أباً رحيماً، صاروا عليك عيالاً،
تحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ جزعوا، فأدركت آثار ما طلبوا، وناولوا بك ما لم يحتسبوا كنت على الكفار عذاباً واصباً، وللمسلمين غناءً وحصناً، فطرت بغنائها وذهبت بفضائلها، وأحرزت سوابقها: لم تفلل حجتك، ولم يرع قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك، كنت كالجبل لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف، كنت كما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمن الناس في صحبتك وذات يدك، عوناً في أمر الله، متواضعاً في نفسك، عظيماً عند الله، خليلاً في الأرض، كبيراً عند المؤمنين، لم يكن لأحد فيك مطمعاً، ولا لقائل مغمز، ولا لأحدٍ عندك هوادة: الضعيف الذليل عندك قوي حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ذليل حتى تأخذ منه الحق، فالعزيز والضعيف عندك سواء في ذلك، شأنك الحق والرفق، قولك حق وحتم، وأمرك احتياط وحزم.
أقلعت وقد نهج السبيل، وسهل العسير، وأطفئت النيران، وقوي الإسلام، وظهر أمر الله ولو كره المشركون، وسبقت والله سبقاً بعيداً، وأتعبت من بعدك إتعاباً شديداً، وفزت بالحق فوزاً مبيناً، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاءه، وسلمنا له أمره، لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثلك أبداً، كنت للدين عزاً وكهفاً، وللمسلمين حصناً، وعلى المنافقين غيظاً، فالحمد لله، لا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك.
وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكوا، وقالوا: صدقت يابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وعن أبي جعفر محمد بن علي قال: دخل علي على أبي بكر بعدما سُجي قال: ما أحد ألقى الله بصحبته أحب إلي من هذا المسجى.
عن جد الأصمعي قال: وقفت عائشة على قبر أبيها فقالت: رحمك الله يا أبه، لقد قمت بالدين حين وهى سعيه، وتفاقم صدعه، ورحبت جوانبه، وبغضت ما أصغوا إليه، شمرت فيما ونوا عنه، واستخففت من دنياك ما استوطنوا، وصغرت منها ما عظموا، ولم تهضم دينك، ولم تنسى غدك، ففاز عند المساهمة قدحك، وخف مما استوزروا ظهرك حتى قررت الرؤوس على كواهلها، وحقنت الدماء في أهبها - يعني في الأجساد - فنضر الله وجهك يا أبه، فلقد كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها، وللآخرة معزاً بإقبالك عليها، ولكأن أجل الرزايا بعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رزؤك، وأكبر المصائب فقدك، فعليك سلام الله ورحمته غير قالية لحياتك، ولا زارية على القضاء فيك.
عن الأصمعي:
أن قوم خفاف بن ندبة السلمي ارتدوا، وأبى أن يرتد، وحسن ثباته على الإسلام، فقال في أبي بكر شعراً قوافيه ممدودة مقيدة: من السريع
ليس لشيءٍ غير تقوى الله جداء ... وكل خلق عمره للفناءْ
إن أبا بكرٍ هو الغيث إذ ... لم تزرع الأمطار بقلاً بماء
المصطفي الجرد بأرسانها ... والناعجات المسرعات النجاء
والله لا يدرك أيامه ... ذو طرةٍ ناش ولا ذو رداء
من يسع كي يدرك أيامه ... يجتهد الشد بأرض فضاء
الشد: العدو.
عن البجلي: أن أبا بكر الصديق لما مات حمل على السرير الذي كان ينام عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في بيت عائشة، ونزل في قبره: عمر، وعثمان، وطلحة، وعبد الرحمن بن أبي بكر.
وسئل سعيد بن المسيب: أين صلي على أبي بكر؟ فقال: بين القبر والمنبر، وكبر عليه عمر أربعاً.
وقبر أبو بكر ليلاً.
وعن عروة والقاسم بن محمد: أوصى أبو بكر عائشة أن يدفن إلى جنب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما توفي حفر له، وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألصق اللحد بقبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبر هناك.
وتوفي أبو بكر مساء الاثنين، ودفن ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وكانت ولايته سنتين وثلاثة أشهر وأياماً، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، هذا هو الصحيح المتواتر، وقيل غيره.
ووهم الحافظ من قال: إنه توفي وهو ابن ستين سنة.
عن سعيد بن المسيب قال: لما قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: قُبض رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فمن استخلف الناس بعده؟ قالوا: ابنك، قال: فهل رضيت بذلك بنو عبد شمس، وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: فإنه لا مانع لما
أعطى الله، ولا معطي لما منع الله، فلما قبض أبو بكر ارتجت مكة بصوتٍ عالٍ دون ذلك، فقال أبو قحافة: ما هذا؟ قالوا: ابنك مات، فقال أبو قحافة: هذا خبر جليل - أو قال: رزء جليل - من قام بالأمر بعده؟ قالوا: عمر، قال: صاحبه.
عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: ورث أبا بكرٍ أبوه أبو قحافة السدس، وورثه معه ولده: عبد الرحمن، ومحمد، وعائشة، وأسماء، وأم كلثوم بنو أبي بكر، وامرأتاه: أسماء بنت عميس، وحبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير من بلحارث بن الخزرج، وهي أم أم كلثوم.
وعن مجاهد: كُلِّم أبو قحافة في ميراثه من أبي بكر الصديق، فقال: قد رددت ذلك على ولد أبي بكر، قالوا: ثم لم يعش أبو قحافة بعد أبي بكر إلا ستة أشهر وأياماً، وتوفي في المحرم سنة أربع عشرة بمكة، وهو ابن سبع وتسعين سنة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93934&book=5517#020f6a
عبد الرحمن ابن حسنة له صحبة روى عنه زيد بن وهب.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93934&book=5517#b65a00
عبد الرحمن ابن حسنة
أخو شرحبيل ابن حسنة، له صحبة، أمهما مولاة لعمر بن حبيب بن حذافة بن جمح. اختلف في اسم أبيهما وفى نسبه، وفي ولائه على ما نذكره في باب شرحبيل، لم يرو عن عبد الرحمن ابن حسنة غير زيد بن وهب.
أخو شرحبيل ابن حسنة، له صحبة، أمهما مولاة لعمر بن حبيب بن حذافة بن جمح. اختلف في اسم أبيهما وفى نسبه، وفي ولائه على ما نذكره في باب شرحبيل، لم يرو عن عبد الرحمن ابن حسنة غير زيد بن وهب.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=93934&book=5517#25a4d6
عبد الرحمن ابن حسنة
ب د: عَبْد الرَّحْمَن بْن حسنة أخو شرحبيل بْن حسنة، وحسنة أمهما مولاة لمعمر بْن حبيب بْن حذافة بْن جمح، اختلف فِي اسم أبيهما، وفي نسبه وولائه، عَلَى ما ذكرناه فِي شرحبيل أخيه.
روى عَنْهُ: يزيد بْن وهب.
(911) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْمَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، إِسْنَادُهُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ، فَأَصَبْنَاهَا، فَكَانَتِ الْقُدُورُ تَغْلِي بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذِهِ؟ "، فَقُلْنَا: ضِبَابٌ أَصَبْنَاهَا، فَقَالَ: " إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ، فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ "، فَأَمَرَنَا فَأَلْقَيْنَاهَا، وَإِنَّا لَجِيَاعٌ وروى زَيْد أيضًا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: خرج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه كهيئة الدرقة، فوضعها، ثُمَّ جلس يبول.
أَخْرَجَهُ ابْنُ منده وَأَبُو عُمَر، وأخرجه أَبُو نعيم فِي عَبْد الرَّحْمَن بْن المطاع، وهما واحد، ويذكر فِي موضعه، إن شاء اللَّه تَعَالى.
ب د: عَبْد الرَّحْمَن بْن حسنة أخو شرحبيل بْن حسنة، وحسنة أمهما مولاة لمعمر بْن حبيب بْن حذافة بْن جمح، اختلف فِي اسم أبيهما، وفي نسبه وولائه، عَلَى ما ذكرناه فِي شرحبيل أخيه.
روى عَنْهُ: يزيد بْن وهب.
(911) أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَضْلِ الْمَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْمَخْزُومِيُّ، إِسْنَادُهُ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ، قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ، فَأَصَبْنَاهَا، فَكَانَتِ الْقُدُورُ تَغْلِي بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا هَذِهِ؟ "، فَقُلْنَا: ضِبَابٌ أَصَبْنَاهَا، فَقَالَ: " إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ، فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ "، فَأَمَرَنَا فَأَلْقَيْنَاهَا، وَإِنَّا لَجِيَاعٌ وروى زَيْد أيضًا عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: خرج النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه كهيئة الدرقة، فوضعها، ثُمَّ جلس يبول.
أَخْرَجَهُ ابْنُ منده وَأَبُو عُمَر، وأخرجه أَبُو نعيم فِي عَبْد الرَّحْمَن بْن المطاع، وهما واحد، ويذكر فِي موضعه، إن شاء اللَّه تَعَالى.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=105805&book=5517#9c99b9
عَبْد الرَّحْمَن بْن شُرَحْبِيل بْن حَسَنَة يَرْوِي عَن أَبِيه ولأبيه صُحْبَة روى عَنهُ أهل مصر
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64670&book=5517#28fc30
عبد الرحمن بن هرمز
أبو داود الأعرج المدني مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وفد على يزيد بن عبد الملك.
وروى عن عبد الله بن بحينة قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة " - يطن أنها العصر - فقام في الثالثة ولم يجلس، فلما كان قبل أن يسلم سجد سجدتين - وفي رواية: قام في السجدتين من الظهر ولم يجلس بينهما، فلما فرغ من صلاته ...
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا استأذن أحدكم جاره أن يضع خشبة " في حائطه فلا يمنعه "، قال: فأعرضوا، فقال: مالي أراكم معرضين؟ لألقينها بين أكتافكم! وعن الواقدي: أن عبد الرحمن بن هرمز أراد الشخوص إلى يزيد بن عبد الملك، وكان على ديوان أهل المدينة، فأرسلت إليه فاطمة بنت الحسين بن علي، وعرفته أن عبد الرحمن بن الضحاك الفهري خطبها، وسألته أن ينهي ذلك إلى يزيد.
قال ابن المديني: أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، والأعرج، وأبو صالح، ومحمد بن سيرين، وطاوس. وكان همام بن منبه يشبه حديثه حديثهم إلا أحرفاً.
وسئل عن أعلى أصحاب أبي هريرة، فبدأ بسعيد بن المسيب، ثم قال: وبعده أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو صالح السمان، وابن سيرين، فقيل له: فالأعرج؟ فقال: هو ثقة، وهو دون هؤلاء.
قال محمد بن عكرمة: كان عبد الرحمن الأعرج يكتب المصاحف: وروى ابن المبارك عن رجل: أن عبد الرحمن نظر إلى رجل صلى في المسجد صلاة سوءٍ، فقال له عبد الرحمن: قم فصل! قال: قد صليت، قال: والله لا تبرح حتى تصلي! فقال: مالك ولهذا يا أعرج؟! قال: والله لتصلينه أو ليكونن بيني وبينك أمر يجتمع علينا أهل المسجد! فقام الرجل، فصلى صلاة " حسنة.
قال أبو إسحاق: لقيت أبا الزناد، فسألته عن الهمز، فكأنما يقرؤه من كتاب.
وعن نافع بن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج: أنه قرأ: " لتخذت عليه أجراً "، قال: لا تأخذها عنه، فإنه لم يكن عالماً بالنحو.
قال أبو علقمة الفروي: رأيت عبد الرحمن الأعرج جالساً على باب داره إذا مر به مسكين أعطاه تمرة.
قال عبد الرحمن: إني أريد أن آتي الإسكندرية فأرابط بها، فقيل له: وما تصنع بها وما عندك قتال؟ وما تكون في مكان إلا كنت كلا على المسلمين؟! قال: سبحان الله،
فأين الحصيصا؟! قال: وكان سيخاً كبيراً، فخرج إليها، فأراه مات بها. وثقة العجلي وابن خراش.
مات عبد الرحمن الأعرج بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة - وقيل: سنة عشر ومائة، وقيل: قريباً من سنة سبع عشرة ومائة - وقيل: سنة عشر ومائة، وقيل: قريباً من سنة سبع عشرة ومائة.
أبو داود الأعرج المدني مولى ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وفد على يزيد بن عبد الملك.
وروى عن عبد الله بن بحينة قال: صلى بنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة " - يطن أنها العصر - فقام في الثالثة ولم يجلس، فلما كان قبل أن يسلم سجد سجدتين - وفي رواية: قام في السجدتين من الظهر ولم يجلس بينهما، فلما فرغ من صلاته ...
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" إذا استأذن أحدكم جاره أن يضع خشبة " في حائطه فلا يمنعه "، قال: فأعرضوا، فقال: مالي أراكم معرضين؟ لألقينها بين أكتافكم! وعن الواقدي: أن عبد الرحمن بن هرمز أراد الشخوص إلى يزيد بن عبد الملك، وكان على ديوان أهل المدينة، فأرسلت إليه فاطمة بنت الحسين بن علي، وعرفته أن عبد الرحمن بن الضحاك الفهري خطبها، وسألته أن ينهي ذلك إلى يزيد.
قال ابن المديني: أصحاب أبي هريرة هؤلاء الستة: سعيد بن المسيب، وأبو سلمة، والأعرج، وأبو صالح، ومحمد بن سيرين، وطاوس. وكان همام بن منبه يشبه حديثه حديثهم إلا أحرفاً.
وسئل عن أعلى أصحاب أبي هريرة، فبدأ بسعيد بن المسيب، ثم قال: وبعده أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو صالح السمان، وابن سيرين، فقيل له: فالأعرج؟ فقال: هو ثقة، وهو دون هؤلاء.
قال محمد بن عكرمة: كان عبد الرحمن الأعرج يكتب المصاحف: وروى ابن المبارك عن رجل: أن عبد الرحمن نظر إلى رجل صلى في المسجد صلاة سوءٍ، فقال له عبد الرحمن: قم فصل! قال: قد صليت، قال: والله لا تبرح حتى تصلي! فقال: مالك ولهذا يا أعرج؟! قال: والله لتصلينه أو ليكونن بيني وبينك أمر يجتمع علينا أهل المسجد! فقام الرجل، فصلى صلاة " حسنة.
قال أبو إسحاق: لقيت أبا الزناد، فسألته عن الهمز، فكأنما يقرؤه من كتاب.
وعن نافع بن أبي نعيم، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج: أنه قرأ: " لتخذت عليه أجراً "، قال: لا تأخذها عنه، فإنه لم يكن عالماً بالنحو.
قال أبو علقمة الفروي: رأيت عبد الرحمن الأعرج جالساً على باب داره إذا مر به مسكين أعطاه تمرة.
قال عبد الرحمن: إني أريد أن آتي الإسكندرية فأرابط بها، فقيل له: وما تصنع بها وما عندك قتال؟ وما تكون في مكان إلا كنت كلا على المسلمين؟! قال: سبحان الله،
فأين الحصيصا؟! قال: وكان سيخاً كبيراً، فخرج إليها، فأراه مات بها. وثقة العجلي وابن خراش.
مات عبد الرحمن الأعرج بالإسكندرية سنة سبع عشرة ومائة - وقيل: سنة عشر ومائة، وقيل: قريباً من سنة سبع عشرة ومائة - وقيل: سنة عشر ومائة، وقيل: قريباً من سنة سبع عشرة ومائة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64670&book=5517#bc57f9
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزُ
- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزُ الأَعْرَجُ ويكنى أبا داود مولى محمد بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. روى عن عبد الله ابن بحينة وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عبد القاري. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَى الأَعْرَجِ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ: هَذَا حَدِيثُكَ يَا أَبَا دَاوُدَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَقُولُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَقَدْ قَرَأْتُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالا: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. وَكَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ.
- عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزُ الأَعْرَجُ ويكنى أبا داود مولى محمد بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. روى عن عبد الله ابن بحينة وأبي هريرة وعبد الرحمن بن عبد القاري. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: رَأَيْتُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَى الأَعْرَجِ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَقُولُ: هَذَا حَدِيثُكَ يَا أَبَا دَاوُدَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَأَقُولُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَقَدْ قَرَأْتُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ. قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالا: خَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ إِلَى الإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى تُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ. وَكَانَ ثِقَةً كَثِيرَ الْحَدِيثِ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151640&book=5517#01b4ed
عبد الله بن عبد الملك بن مروان
ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عمر الأموي ولي الغزوة في خلافة أبيه، وهو الذي بنى المصيصة، وكانت داره بدمشق، وولي مصر.
قال: قال لي الوليد: كيف أنت والقرآن؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أختمه في كل جمعة. قلت: فأنت يا أمير المؤمنين؟ قال: وكيف مع ما أنا فيه من الشغل!؟ قال الزبير بن بكار في تسمية ولد عبد الملك بن مروان: وعبد الله بن عبد الملك، وهو لأم ولد، وكان يوصف بحسن الوجه، وحسن المذهب، وله يقول الحزين الديلي: من البسيط
في كفه خيزران ريحها عبق ... من نشر أبيض في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
ومن خبر ذاك: أن عبد الله بن عبد الملك حج، فقال له أبوه: إنه سيأتيك بالمدينة الحزين الشاعر، وهو ذرب اللسان، فإياك أن تحتجب عنه، وأرضه، وهو أشعر، ذو بطنٍ، عظيم الأنف، قال: فلما قدم عبد الله المدينة وصفه لحاجبه، وقال له: إياك أن ترده، فلم يأت الحزين حتى قام فدخل لينام، فقال له الحاجب: قد ارتفع، فلما ولّى ذكر، فلحقه، فقال له: ارجع، فرجع، فاستأذن له، فأدخله، فلما صار بين يديه، ورأى جماله، وفي يده قضيب خيزران وقف ساكتاً، فأمهله عبد الله حتى ظن أنه قد أراح، ثم قال له: السلام - رحمك الله - أولاً فقال: عليك السلام، أيها الأمير، أصلحك الله، إني كنت قد مدحتك بشعرٍ، فلما دخلت عليك، ورأيت جمالك، وبهاءك هبتك، فأنسيت ما قلت، وقد قلت في مقامي هذا بيتين، فأنشدهما فأجازه.
قال سعيد بن غفير: ولّى عبد الملك بن مروان عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة القضاء والشرط، فأتي بمولى لعبد الله بن عبد الملك سكران، كان به خاصاً، فأمر به يجلد الحد، فقيل: لا تفعل، إنه من خاصة عبد الله بن عبد الملك، فقال: لو كان ابنه لحددته.
وكان عبد الله بن عبد الملك بالإسكندرية، فلما بلغه ذلك غضب، فعزله، وضيق عليه.
وخرج عبد الله بن عبد الملك إلى نزهةٍ دعاه إليها يحيى بن حنظلة الكاتب مولى بني سهم، واستخلف عبد الأعلى بن خالد بن ثابت الفهمي على الفسطاط، فلما متع النهار أقبل قرة بن شريك العبسي على أربعة من داوب البريد، فدخل فصلى في القِبلة، ثم تحول، وجلس صاحباه عن يمينه، وعن شماله، فأتتهم حرس المسجد، وكان له شرط يذبون عنه، فقالوا: إن هذا مجلس الوالي، ولكم في المسجد سعة، قال: فأين الوالي؟ قالوا: في متنزهٍ له، قال: فادعوا خليفته، فانطلق شرطي منهم إلى عبد الأعلى بن
خالد، فأتاه وقد فرغ من الغداء، فقال أصحابه: أرسل إليه يأتك صاغراً، قال: ما بعث إلي إلا وله السلطان علي، أسرجوا فركب حتى أتاه فسلم فقال: أنت خليفة الوالي؟ قال: نعم، قال: انطلق فاطبع الدواوين وبيت المال، قال: إن كنت والي خراجٍ فلسنا أصحابك، قال: ممن أنت؟ قال: من فهم، قال: انطلق كما تؤمر، فقال عبد الأعلى: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، ثم مضى لما أمره به، وكتب إلى عبد الله بن عبد الملك يعلمه، فبكى وقال: مات عبد الملك، ولبس خفيه قبل سراويله، وشغل عبد الله بن عبد الملك عن عمران.
عن جعفر بن ربيعة: أن أهل مصر تشاءموا بعبد الله بن عبد الملك في ولايته عليهم، وذلك أن الطعام غلا، فاضطربوا لذلك، وكانت أول شدة رآها أهل مصر، فهجاه ابن أبي زمزمة، وهجاه عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة، فعزله عن القضاء والشرط في سنة تسع وثمانين، وولى عبد الواحد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج.
قال ابن شهاب لعبد الله بن عبد الملك بن مروان: من الطويل
أقول لعبد الله لما رأيته ... يطوف بأعلى القنتين مشرقا
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوماً أن تجاب فترزقا
عن يحيى بن سعيد قال: سأل عمر بن عبد العزيز عن بسر بن سعيد، فقيل له: مات، وقد علم أنه قد مات، قال: فما فعل عبد الله بن عبد الملك؟ قيل: مات، وذكر أن عبد الله بن عبد الملك ورث سبعين مديا من ذهب، فقال عمر: إن كان مدخلهما واحداً؛ لأن أعيش بعيش بسر بن سعيد أحب إلي من أن أعيش بعيش عبد الله بن عبد الملك، قال: فلما قام الناس دنا منه مزاحم فقال: يا أمير المؤمنين، أهلك؟ قال: لا أدع أن أذكر أهل الفضل بفضلهم.
وفي رواية: لئن كان بسر بن سعيد
ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عمر الأموي ولي الغزوة في خلافة أبيه، وهو الذي بنى المصيصة، وكانت داره بدمشق، وولي مصر.
قال: قال لي الوليد: كيف أنت والقرآن؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أختمه في كل جمعة. قلت: فأنت يا أمير المؤمنين؟ قال: وكيف مع ما أنا فيه من الشغل!؟ قال الزبير بن بكار في تسمية ولد عبد الملك بن مروان: وعبد الله بن عبد الملك، وهو لأم ولد، وكان يوصف بحسن الوجه، وحسن المذهب، وله يقول الحزين الديلي: من البسيط
في كفه خيزران ريحها عبق ... من نشر أبيض في عرنينه شمم
يغضي حياء ويغضى من مهابته ... فما يكلم إلا حين يبتسم
ومن خبر ذاك: أن عبد الله بن عبد الملك حج، فقال له أبوه: إنه سيأتيك بالمدينة الحزين الشاعر، وهو ذرب اللسان، فإياك أن تحتجب عنه، وأرضه، وهو أشعر، ذو بطنٍ، عظيم الأنف، قال: فلما قدم عبد الله المدينة وصفه لحاجبه، وقال له: إياك أن ترده، فلم يأت الحزين حتى قام فدخل لينام، فقال له الحاجب: قد ارتفع، فلما ولّى ذكر، فلحقه، فقال له: ارجع، فرجع، فاستأذن له، فأدخله، فلما صار بين يديه، ورأى جماله، وفي يده قضيب خيزران وقف ساكتاً، فأمهله عبد الله حتى ظن أنه قد أراح، ثم قال له: السلام - رحمك الله - أولاً فقال: عليك السلام، أيها الأمير، أصلحك الله، إني كنت قد مدحتك بشعرٍ، فلما دخلت عليك، ورأيت جمالك، وبهاءك هبتك، فأنسيت ما قلت، وقد قلت في مقامي هذا بيتين، فأنشدهما فأجازه.
قال سعيد بن غفير: ولّى عبد الملك بن مروان عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة القضاء والشرط، فأتي بمولى لعبد الله بن عبد الملك سكران، كان به خاصاً، فأمر به يجلد الحد، فقيل: لا تفعل، إنه من خاصة عبد الله بن عبد الملك، فقال: لو كان ابنه لحددته.
وكان عبد الله بن عبد الملك بالإسكندرية، فلما بلغه ذلك غضب، فعزله، وضيق عليه.
وخرج عبد الله بن عبد الملك إلى نزهةٍ دعاه إليها يحيى بن حنظلة الكاتب مولى بني سهم، واستخلف عبد الأعلى بن خالد بن ثابت الفهمي على الفسطاط، فلما متع النهار أقبل قرة بن شريك العبسي على أربعة من داوب البريد، فدخل فصلى في القِبلة، ثم تحول، وجلس صاحباه عن يمينه، وعن شماله، فأتتهم حرس المسجد، وكان له شرط يذبون عنه، فقالوا: إن هذا مجلس الوالي، ولكم في المسجد سعة، قال: فأين الوالي؟ قالوا: في متنزهٍ له، قال: فادعوا خليفته، فانطلق شرطي منهم إلى عبد الأعلى بن
خالد، فأتاه وقد فرغ من الغداء، فقال أصحابه: أرسل إليه يأتك صاغراً، قال: ما بعث إلي إلا وله السلطان علي، أسرجوا فركب حتى أتاه فسلم فقال: أنت خليفة الوالي؟ قال: نعم، قال: انطلق فاطبع الدواوين وبيت المال، قال: إن كنت والي خراجٍ فلسنا أصحابك، قال: ممن أنت؟ قال: من فهم، قال: انطلق كما تؤمر، فقال عبد الأعلى: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، ثم مضى لما أمره به، وكتب إلى عبد الله بن عبد الملك يعلمه، فبكى وقال: مات عبد الملك، ولبس خفيه قبل سراويله، وشغل عبد الله بن عبد الملك عن عمران.
عن جعفر بن ربيعة: أن أهل مصر تشاءموا بعبد الله بن عبد الملك في ولايته عليهم، وذلك أن الطعام غلا، فاضطربوا لذلك، وكانت أول شدة رآها أهل مصر، فهجاه ابن أبي زمزمة، وهجاه عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل بن حسنة، فعزله عن القضاء والشرط في سنة تسع وثمانين، وولى عبد الواحد بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج.
قال ابن شهاب لعبد الله بن عبد الملك بن مروان: من الطويل
أقول لعبد الله لما رأيته ... يطوف بأعلى القنتين مشرقا
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوماً أن تجاب فترزقا
عن يحيى بن سعيد قال: سأل عمر بن عبد العزيز عن بسر بن سعيد، فقيل له: مات، وقد علم أنه قد مات، قال: فما فعل عبد الله بن عبد الملك؟ قيل: مات، وذكر أن عبد الله بن عبد الملك ورث سبعين مديا من ذهب، فقال عمر: إن كان مدخلهما واحداً؛ لأن أعيش بعيش بسر بن سعيد أحب إلي من أن أعيش بعيش عبد الله بن عبد الملك، قال: فلما قام الناس دنا منه مزاحم فقال: يا أمير المؤمنين، أهلك؟ قال: لا أدع أن أذكر أهل الفضل بفضلهم.
وفي رواية: لئن كان بسر بن سعيد
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151735&book=5517#629caf
عبد الله بن المبارك بن واضح
أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم، المروزي من أئمة المسلمين. قدم دمشق.
حدث عن حميد الطويل عن أنس بن مالك، قال: كان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأتى أعرابي فسأله، فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ وأقيمت الصلاة فنهض فصلى. فلما فرغ
من صلاته قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاةٍ ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المرء مع من أحب. قال: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم به.
وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا ولها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة فيتمنى أن يرجع فيقتل مرة أخرى.
وحدث ابن المبارك عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك شك في رفعه، ووقع عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سليمان عن أنس مرفوعاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام أو قال: ثلاث ليالٍ.
قال عبد الله بن المبارك:
قدمت الشام على الأوزاعي - قريته ببيروت - فقال لي: يا خاساني، من هذا الذي خرج بالكوفة؟ - يعني: أبا حنيفة - فرجعت إلى بيتي فأقبلت على كتب أبي حنيفة فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئته يوم الثالث وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال: أي شيء هذا الكتاب؟ فناولته، فنظر في مسألة منها، وقعت عليها: قال النعمان بن ثابت: ... فما زال قائماً بعدما أذن حتى قرأ صدراً من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم أقام وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال لي: يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق، فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه.
قلت: هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه.
قال ابن المبارك: قال ابن المبارك: ذاكرني عبد الله بن إدريس السن فقال: ابن كم أنت؟ فقلت: إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك، ولكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عندما خرج أبو مسلم، فقال لي:
وقد ابتليت بلبس السواد؟ قلت: إني كنت أصغر من ذلك. كان أبو مسلم أخذ الناس كلهم بلبس السواد، الصغار والكبار.
وعبد الله بن المبارك الخراساني مولى عبد شمس من بني سعد بني تميم، وكانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية وأبوه تركي. وكان عبداً لرجلٍ من التجار من همذان من بني حنظلة، وكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لولده ويعظمهم.
وروى عبد الله بن المبارك كثيراً، وطلب العلم، وصنف6 كتباً كثيرة في أبواب العلم وصنوفه، حملها عنه قوم، وكتبها الناس عنهم، وسمع علماً كثيراً وكان ثقة، مأموناً، إماماً، حجةً، كثير الحديث.
وقال سلام بن أبي مطيع: ما خلف بالمشرق مثله.
وكان من الربانيين في العلم، الموصوفين بالحفظ، ومن المنادين بالزهد.
سئل ابن المبارك عن أول زهدة فقال: إني كنت يوماً في بستان، وأنا شاب مع جماعة من أترابي، وذلك في وقت الفواكه، فأكلنا وشربنا، وكنت مولعاً بضرب العود، فقمت في بعض الليل، وإذا غصن يتحرك تحت رأسي، فأخذت العود لأضرب به فإذا بالعود ينطق وهو يقول: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " قال: فضربت بالعود الأرض فكسرته، وصرفت ما عندي من جميع الأمور التي كنت عليها مما شغل عن الله، وجاء التوفيق من الله تعالى، فكان ما سهل لنا من الخير بفضل الله ورحمته.
قال ابن المبارك: كنا نطلب هذا الحديث وفي خفافنا المباخر، وكنا نطلبه لغير الله فردنا إلى الله.
سأل أبو خراش بالمصيصة عبد الله بن المبارك: إلى متى تطلب اعلم؟ قال: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم أسمعها بعد.
وفي رواية قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أسمعها بعد.
وفي رواية قال: أرجو أن تروني فيه إلى أن أموت.
اجتمع ابن المبارك ووكيع عند شريك يكتبان عنه، فكان وكيع إذا سود ورقتيه تركهما تجف وأخذ في الكلام، وكان ابن المبارك إذا سود ورقتيه تركهما تجف وقام يركع.
وسمع ابن المبارك وكيعاً يقدم علياً على عثمان فقال له: يا أبا سفيان، وإنك لعلى هذا! إنك لرجل لا كلمتك حتى ألقى الله عز وجل.
قال أحمد بن يونس: سمعت عبد الله بن المبارك قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق فقد كفر بالله العظيم.
وعن ابن المبارك قال: القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق.
قال سفيان بن سعيد: أحببت أن أكون خمسة أيام على وتيرة ابن المبارك، فلم أقدر عليه، وأربعة أيام فلم أقدر عليه، وثلاثة أيام فلم أقدر عليه، ويومين فلم أقدر عليه.
قال شعيب: كنا نأتي ابن المبارك فنحفظ عنه هل نستطيع أن نتعلق عليه بشيء فلا نقدر على شيء من ذلك.
قال عمران بن موسى الطرسوسي: جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة فقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل المشرق. قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق؟ قال: ومن هو يا أبا عبد الله؟ قال: عبد الله بن المبارك. قال: هو أعلم أهل المشرق؟ قال: نعم، واهل المغرب.
قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغزوهم معه.
قال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين.
قال عبد الرحمن بن مهدي:
ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا اعقل من مالك بن أنس، ولا أنصح للأمة من عبد الله بن المبارك.
قال شعيب بن حرب: ما لقي ابن المبارك رجلاً إلا وابن المبارك أفضل منه.
وقال علي بن صدقة: سمعت أبا أسامة يقول: ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.
قال معاذ بن خالد: تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك، فقال إسماعيل بن عياشِ: ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك، ولا أعلم أن الله عز وجل خلق خصلة من خصال الخير إلا وجعلها في عبد الله بن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الحبيس، وهو الدهر صائم.
قال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إماماً اقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة. إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام.
قال محمد بن معتمر: قلت لأبي: من فقيه العرب؟ قال: سفيان الثوري. فلما مات سفيان قلت له: من فقيه العرب؟ قال: عبد الله بن المارك.
وقال المعتد أيضاً: ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده الشيء الذي لا نصيبه عند أحد.
قال الحسن بن عيسى: اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك مثل الفضل بن موسى ومخلد بن حسين ومحمد بن النضر فقالوا: تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشعر، والفصاحة، والورع، والإنصاف، وقيام الليل والعبادة، والحج، والغزو، والسخاء، والشجاعة، والفروسية، والشدة في بدنه، وترك الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه.
وكان كثيراً ما يتمثل: الرمل
وإذا صاحبت فاصحب ما جداً ... ذا حياءٍ وعفافٍ وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم
قال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: قلت ليحي بن معين: إذا اختلف يحيى القطان ووكيع؟ قال: القول قول يحيى.
قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويحي؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: الأشجعي؟ قال: مات الأشجعي ومات حديثه معه. قلت: ابن المبارك؟ قال: ذلك أمير المؤمنين.
وقال عمار بن الحسن يمدح ابن المبارك: الطويل
إذا سار عبد الله من مرو ليلةً ... فقد سار منها نورها وجمالها
إذا ذكر الأخيار في كل بلدةٍ ... فهم أنجم فيها وأنت هلالها
قال ابن المبارك: استعرت قلماً بأرض الروم، فذهبت على أن أرده إلى صاحبه. فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى ارض الشام حتى رددته على صاحبه.
قال أبو وهب: مر ابن المبارك برجل أعمى. قال: فقال: أسألك أن تدعو الله أن يرد علي بصري قال: فدعا الله فرد عليه بصره، وانا أنظر.
قال الحسن بن عيسى: رأيت ابن المبارك دخل زمزم، فاستقى دلواً واستقبل البيت ثم قال: اللهم، إن عبد الله بن المؤمل حدثني عن ابن الزبير عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ماء زمزم لما شرب له. اللهم، إني أشربه لعطش يوم القيامة. فشرب.
زاد في رواية: قال الحسن بن عرفة: ما رأيت أكثر شرباً من يومئذٍ.
قيل لابن المبارك: رجلان أحدهما أخوف، والآخر قتل في سبيل الله. فقال: أحبهما إلي أخوفهما.
دخل شيخ على عبد الله بن المبارك فرآه على وسادة حسنة مرتفعة. قال: فأردت أن أقول له، فرأيت به من الخشية حتى رحمته، فإذا هو يقول: قال الله عز وجل: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " قال: لم يرض الله أن ننظر إلى محاسن المرأة فكيف بمن يزني بها؟ وقال الله عز وجل: " ويل للمطففين " في الكيل والوزن فكيف بمن يأخذ المال كله؟ وقال الله تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضاً " ونحو هذا. فكيف بمن يقتله؟ قال: فرحمته وما رأيته فيه فلم اقل له شيئاً.
سئل ابن المبارك: من أحسن الناس حالاً؟ قال: من انقطع إلى الله عز وجل.
قال النضر بن مساور: قلت لعبد الله بن المبارك: هل تتحفظ الحديث؟ قال: فتغير لونه، وقال: ما تحفظت حديثاً قط، إنما آخذ الكتاب فأنظر فيه، فما اشتهيته علق بقلبي.
قال عبد الله بن المبارك: قال لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقنها؟ قال: قلت: وما علي من ذلك، وهو في صدري؟ حدث صخر صديق ابن المبارك قال:
كنا غلماناً في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك ورجل يخطب خطبة طويلة. فلما فرغ قال لي ابن المبارك: وقد حفظتها، فسمعه رجل من القوم فقال له: هاتها، فأعادها عليهم ابن المبارك وقد حفظها.
قال فضالة النسوي: كنت أجالس أصحاب الحديث بالكوفة، فكانوا إذا تشاجروا في حديث قالوا: مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله. يعنون عبد الله بن المبارك.
قال يحيى بن آدم: كنت إذا طلبت الدقيق من المسائل فلم أجده في كتب ابن المبارك أيست منه.
قال ابن المبارك: من ضن بالحديث ولم يفده ابتلي بإحدى ثلاث: إما أن يصحب السلطان فيذهب علمه، أو يكذب في الحديث، او يموت.
قال بعض الشعراء، ويقال: هو ابن المبارك: الطويل
تعلم فليس المرء يخلق عالماً ... وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل
ذكر لعبد الله بن المبارك رجل ممن كان يدلس فقال فيه قولاً شديداً، وأنشد: السريع
دلس للناس أحاديثه ... والله لا يقبل تدليسا
وكان يقول: لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يدلس حديثاً.
قال محمد بن حميد ونوح بن حبيب: كنا عند ابن المبارك فألحوا عليه فقال: هاتوا كتبكم حتى أقرأ، فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه، فأصاب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمعة ابن المبارك حرف كتابه فانشق، وسال الدم، فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن، ثم قال: سبحان الله كاد أن يكون قبالاً، ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه.
حضر ابن المبارك عند حماد بن زيد مسلماً عليه، فقال أصحاب الحديث لحماد بن زيد: يا أبا إسماعيل، تسأل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا؟ فقال: يا أبا عبد الرحمن، تحدثهم فإنهم قد سألوني؟ قال: سبحان الله يا أبا إسماعيل، أحدث وأنت حاضر! قال: فقال: أقسمت لتفعلن. قال: فقال ابن المبارك: خذوا: حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد. فما حدث بحرفٍ إلا عن حماد بن زيد.
قال ابن المبارك: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته.
عطس رجل عند ابن المبارك، فقال له ابن المبارك: أي شيء يقول الرجل إذا عطس؟ قال: يقول: الحمد الله، فقال له ابن المارك: يرحمك الله، فعجب من حضر من حسن أدبه.
قال ابن المبارك لأصحاب الحديث: انتم إلى قليل من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم.
قال عباد بن زياد: سمعت ابن المبارك يقول: يا بن المبارك، إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل فيك.
قدم الرشيد هارون أمير المؤمنين الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب. فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
قال عبدة بن سليمان: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو. فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله. ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه، فقتله، فازدحم إليه الناس. فكنت فيمن ازدحم إليه وهو يلثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا؟! قال محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة: أملى علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته للخروج وأنفذها معي لفضيل بن عياض في سنة سبعين ومئة. وقيل: في سنة سبع وسبعين: الكامل
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت انك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطلٍ ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب:
لا يستوي وغبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميتٍ لا يكذب
فلقيت الفضيل بن عياض في مسجد الحرام بكتابه، فلما قرأه ذرفت عيناه، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قلت: نعم
يا أبا علي. قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملى علي الفضيل بسنده إلى أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تستطيع أن تصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ فقال: يانبي الله. أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فو الذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت فضل المجاهدين في سبيل الله، أما علمت أن فرس المجاهد ليستن في طوله، فتكتب بذلك الحسنات؟.
قال عبد الله بن المبارك: خرج ابن المبارك من بغداد يريد المصيصة فصحبه الصوفية فقال لهم: أنتم لكم أنفس، تحتشمون أن ينفق عليكم، ياغلام، هات الطست، فألقى على الطست منديلاً ثم قال: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه، قال: فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين درهماً، فأنفق عليهم إلى المصيصة. فلما بلغ المصيصة قال: هذه بلاد نفير فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين ديناراً فيقول يا أبا عبد الرحمن: إنما أعطيت عشرين درهماً، فيقول: وما تنكر؟ إن الله تعالى وتبارك يبارك للغازي في نفقته.
قال علي بن الحسن بن شقيق: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوته من أهل مرو فيقولون: نصحبك، فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة حتى يصلوا إلى مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول لكل رجل منهم: ما امرك عيالك أن تشتري لهم من طرف
المدينة؟ فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فينفق عليهم إلى أن يصلوا إلى مرو فإذا صاروا إلى مرو صنع لهم بعد ثلاثة أيام وليمة وكساهم، إذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه، فحدث خادمه انه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خواناً فالوذج، قال: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مئة ألف درهم.
قال المسيب بن واضح: كنت عند ابن المبارك إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبع مئة درهم ديناً، فكتب إلى وكيله أن يدفع له سبعة آلاف درهم. فلما ورد الكتاب على الوكيل قال للرجل: أي شيء قصتك؟ قال: كلموه أن يقضي عني سبع مئة درهم، فقال: الكتاب أصبت فيه غلطاً، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك، من مالي وأبعث إلى صاحبي فأوامدة فبك فكتب إلى عبد الله بن المبارك اتاني كتابك وسألت صاحبه فذكر أنه كلمك في سبع مئة درهم وها هنا سبعة آلاف درهم، فإن يكن منك غلطاً فاكتب إلي، فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفاً، فكتب إليه: إن كان على هذا الفعل تفعل، ما أسرع ما تبيع الضيعة، فكتب إليه عبد الله: إن كنت وكيلي فأنفذ ما آمرك به، وإن كنت أنا وكيلك فتعال إلى موضعي حتى أصير إلى موضعك فأنفذ ما تامرني به.
قال محمد بن عيسى:
كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب، وكان مستعجلاً، فخرج في النفير، فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. قال: فقال عبد الله: وكم يبلغ دينه؟ قالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه ألا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً، وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس، وأدلج عبد الله فأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا وكان يذكرك، وقد خرج، فخرج الفتى في أثره
فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال: يا فتى، أين كنت؟ لم أرك في الخان، قال: نعم يا أبا عبد الرحمن، كنت محبوساً بدين، قال: فكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أعلم به حتى خرجت من الحبس، فقال لي عبد الله: يا فتى، احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك، فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله.
قال حبان بن موسى: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان، ولا يفعل في أهل بلده فقال: إني لأعرف مكان قوم، ولهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا الطلب للحديث، وحاجة الناس إليهم شديدة، وقد احتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أغنيناهم بثوا العلم لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم.
قال علي بن الفضيل: سمعت أبي يقول لابن المبارك: أنت تامرنا بالزهد والتقلل وبالبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا، وأنت تأمرنا بخلاف ذا؟! فقال ابن المبارك: يا أبا علي، أنا أفعل لأصون بها وجهي وأكرم بها عرضي، وأستعين بها على طاعة ربي، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا بن المبارك، ما احسن ذا إن تم ذا.
قال نعيم بن حماد: قيل لابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، تكثر القعود في البيت وحدك! قال: أنا وحدي! أنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يعني النظر في الحديث.
قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: إنه ليعجبني من القراء كل طلق مضحاك، فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في القراء مثله.
سئل ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: غريزة عقل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح بستشيره. قيل: فإن لم يكن؟ قال صمت طويل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل.
كان عبد الله بن المبارك كثيراً كان يتمثل بأييات حميد النحوي: الخفيف
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا ما هممت بالنطق في البا ... طل فاجعل مكانه تسبيحا
فاغتنام السكوت أفضل من خوضَ ... وإن كنت بالحديث فصيحا
سمع ابن المبارك رجلاً يتكلم بما لا يعنيه فقال: المتقارب
تعاهد لسانك إن اللسان ... سريع إلى المرء في قتله
وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله
قال محمد بن إدريس الحنظلي: قال عبد الله بن المبارك: المنسرح
أدبت نفسي فما وجدت لها ... من بعد تقوى الإله من أدب
في كل حالاتها وإن قصرت ... أفضل من صمتها عن الكذب
وغيبة الناس إن غيبتهم ... حرمها ذو الجلال في الكتب
إن كان من فضةٍ كلامك يا ... نفس فإن السكوت من ذهب
قال أبو أمية الأسود: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الصالحين وأنا شر منهم، ثم أنشأ عبد الله يقول: مجزوء الكامل
الصمت أزين بالفتى ... من منطقٍ في غير حينه
والصدق أجمل بالفتى ... في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره ... سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفى عليك ... إذ نظرت إلى قرنيه
رب امرئٍ متيقنٍ ... غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه ... فابتاع دنياه بدينه
كان عبد الله بن المبارك يقول:
سخاء النفس عما في أيدي الناس أكثر من سخاء النفس بالبذل، والقناعة والرضا أكثر من مروءة الإعطاء، وانشد: البسيط
ماذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولن ترى قانعاً ما عاش مفتقرا
فالعرف من يأته تحمد عواقبه ... ما ضاع عرف وإن أوليته حجرا
وعن عبد الله بن المبارك: البسيط
لا تضرعن لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإن ذاك مضر منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه ... فإنما هي بين الكاف والنون
ألا ترى كل من ترجو وتامله ... من البرية مسكين ابن مسكين؟
قال عبد الله بن المبارك: لن يخلو المؤمن من ثلاثة: من نفس تدعوه، وشيطان يبغيه، ومنافق يحسده.
سئل ابن المبارك: من الناس؟ قال: العلماء. قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قال: فمن السفلة؟ قال: الذي يأكل بدينه. قيل له: فمن الغوغاء؟ قال: خزيمة بن حازم وأصحابه. قيل له: فمن الدنيء؟ قال: الذي يذكر غلاء السعر عند الضيف.
كان ابن المبارك يقول: من طلب العلم تعلم العلم، ومن تعلم العلم خاف من الذنب، ومن خاف من الذنب هرب من الذنب، ومن هرب من الذنب نجا من الحساب.
قال زرقان: سمعت ابن المبارك يقول على سور طرسوس: الكامل
ومن البلاء وللبلاء علامة ... ألا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها ... والحر يشبع مرة ويجوع
أنشد الحسن بن إبراهيم البجلي لعبد الله بن المبارك: الكامل
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: الرمل
خالق المناس بخلقٍ حسنٍ ... لاتكن كلباً على الناس تهر
كان ابن المبارك يقلو: إذا تاكد الإخاء قبح الثناء.
قال عبد الله بن المبارك: إن العبد إذا استخف بستر الله عليه أنطق الله لسانه بمعايب نفسه حتى يكفي الناس مؤنته.
سأل حاتم بن عبد الله العلاف ابن المبارك حين أراد الخروج إلى مكة فقال: أما توصينا؟ فقال عبد الله بن المبارك: الوافر
إذا صاحبت في الأسفار قوماً ... فكن لهم كذي الرحم الشفيق
بعيب النفس ذا بصرٍ وعلمٍ ... غني النفس عن عيب الرفيق
ولا تأخذ بعثرة كل قومٍ ... ولكن قل هلم إلى الطريق
فإن تأخذ بعثرتهم يقلوا ... وتبقى في الزمان بلا صديق
قال عبد الله بن المبارك: حفروا بخراسان حفيراً، فوجدوا رأس إنسان فوزنوا سناً من أسنانه فإذا فيه سبعة اسانين
وفي رواية: فوزنهما أو وزن أحدهما فإذا فيه منوان وزيادة في كل سن، فقال عبد الله من أبيات: المتقارب
أرى الناس يبكون موتاهم ... وما الحي أبقى من الميتينا
أليس مصيرهم للفناء ... وإن عمر القوم أيضاً سنينا
يساقون سوقاً إلى يومهم ... فهم في السياق وما يشعرونا
فإن كنت تبكين من قد مضى ... فبكي لنفسك في الهالكينا
أتيت بسنين قد رمتا ... من الحصن لما أثاروا الدفينا
على وزن منيين إحداهما ... تقل به الكف شيئاً رزينا
ثلاثين أخرى على قدرها ... تباركت يا أحسن الخالقينا
فماذا يقوم لأجرامهم ... وما كان يملأ تلك البطونا
إذا ما تذكرت أجسامهم ... تصاغرت النفس حتى تهونا
وكل على ذاك لاقي الردى ... فبادوا جيمعاً فهم خامدونا
وعن أبي موسى الأشعري قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف في الأيدي. ثم قال عبد الله بن المبارك: البسيط
وطارت الصحف في الأيدي منشرةً ... فيها السرائر والأخبار تطلع
فكيف سهوك والأنباء واقعة ... عما قليلٍ ولا تدري بما يقع
أفي الجنان وفوز لا انقطاع له ... أم الجحيم فما تبقي وما تدع
تهوي بسكانها طوراً وترفعهم ... إذا رجوا مخرجاً من غمها وقعوا
طال البكاء فلم ينفع تضرعهم ... هيهات لا رقة تجزي ولا جزع
لن ينفع العلم قبل الموتٍ عالمه ... قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا
كان ابن المبارك يقول في دعائه: اللهم، إني أسألك الشهادة في غير جهد بلية ولا تبديل نية، فأجيبت دعوته، فمات شهيداً غريباً في غير تربته من غير جهد في الشهادة ولا تبديل في الإرادة.
ولما حضرت ابن المبارك الوفاة قال لنصر مولاه: اجعل رأسي على التراب. قال: فبكى نصر، فقال له: ما يبكيك؛ قال: أذكر ما كنت فيه من النعيم، وأنت هو ذا تموت فقيراً غريباً فقال له: اسكت، فإني سألت الله تبارك وتعالى أن يجنبني جباه الأغنياء، وان يميتني ميتة الفقراء. ثم قال: لقني، ولا تعد علي إلا أن أتكلم بكلام ثان.
لما حضر ابن المبارك جعل رجل يلقنه: قل: لا إله إلا الله، فأكثر عليه، فقال: إنك ليس تحسن، وأخاف أن تؤذي بها رجلاً مسلماً بعدي. إذا لقنتني فقلت: لا إله إلا الله ثم لم أحدث كلاماً بعدها فدعني، فإذا أحدثت كلاماً بعدها فلقني حتى تكون آخر كلامي.
لما احتضر ابن المبارك فتح عينيه وضحك وقال: " لمثل هذا فليعمل العاملون ".
لما مات ابن المبارك قال هارون أمير المؤمنين: مات سيد العلماء.
قال ابن المديني: مات خيار الرض جميعاً في سنة واحدة: مالك، وحماد، وخالد، وسلام بن سليم أبو الأحوص، وعبد الله بن المبارك سنة تسع وسبعين ومئة.
قال: وهذا القول وهم، والمحفوظ أن عبد الله خرج إلى العراق سنة إحدى وأربعين ومئة ومات بهيت وعانات في رمضان سنة إحدى وثمانين ومئة. مات سحراً ودفن بهيت، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان منصرفاً من الغزو.
وولد عبد الله بن المبارك بمرو سنة ثمان عشرة ومئة. وقيل: سنة تسع عشرة.
قال عبد الله بن رستم: رئي على قبر عبد الله بن المبارك مكتوب: السريع
الموت بحر موجه غالب ... تذهل فيه حيل السابح
لا يصحب المرء إلى قبره ... غير التقى والعمل الصالح
قال أبو حاتم الفربري: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام واقفاً على باب الجنة، بيده مفتاح فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، ما يوقفك ها هنا؟ قال: مفتاح باب الجنة دفعه إلي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في السماء كما كنت أميني في الأرض.
قال إسماعيل بن إبراهيم بن أبي جعفر المصيصي: رأيت الحارث بن عطية في النوم، فقلت: ما فعل الله بك يا أبا عبد الله؛ قال: غفر لي. قلت: فأين ابن المبارك؟ قال: بخٍ بخٍ، ابن المبارك في عليين ممن يلج على الله في كل يوم مرتين.
قال صخر بن راشد: رأيت عبد الله بن المبارك في منامي بعد موته، فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى. قلت: فما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب. قلت: فسفيان الثوري؟ قال: بخٍ بخٍ، ذاك: " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ".
قال محمد بن فضيل بن عياض: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه. قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم. قلت: فأي شيء صنع بك ربك؟ قال غفر لي مغفرة تتبعها مغفرة، وكلمتني امرأة من أهل الجنة، أو امرأة من الحور العين.
وفي حديث آخر: قلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: وجهي هذا الذي مت فيه. قال: فقلت له: فالحديث؟ قال: قدم الحديث.
أبو عبد الرحمن الحنظلي، مولاهم، المروزي من أئمة المسلمين. قدم دمشق.
حدث عن حميد الطويل عن أنس بن مالك، قال: كان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية يسأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأتى أعرابي فسأله، فقال: يا رسول الله، متى قيام الساعة؟ وأقيمت الصلاة فنهض فصلى. فلما فرغ
من صلاته قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله. قال: وما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاةٍ ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: المرء مع من أحب. قال: فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم به.
وعنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما من نفس تموت لها عند الله خير يسرها أن ترجع إلى الدنيا ولها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، لما يرى من فضل الشهادة فيتمنى أن يرجع فيقتل مرة أخرى.
وحدث ابن المبارك عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك شك في رفعه، ووقع عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن سليمان عن أنس مرفوعاً قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا هجرة بين المسلمين فوق ثلاثة أيام أو قال: ثلاث ليالٍ.
قال عبد الله بن المبارك:
قدمت الشام على الأوزاعي - قريته ببيروت - فقال لي: يا خاساني، من هذا الذي خرج بالكوفة؟ - يعني: أبا حنيفة - فرجعت إلى بيتي فأقبلت على كتب أبي حنيفة فأخرجت منها مسائل من جياد المسائل، وبقيت في ذلك ثلاثة أيام، فجئته يوم الثالث وهو مؤذن مسجدهم وإمامهم، والكتاب في يدي، فقال: أي شيء هذا الكتاب؟ فناولته، فنظر في مسألة منها، وقعت عليها: قال النعمان بن ثابت: ... فما زال قائماً بعدما أذن حتى قرأ صدراً من الكتاب، ثم وضع الكتاب في كمه، ثم أقام وصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى، ثم أخرج الكتاب حتى أتى عليها. فقال لي: يا خراساني، من النعمان بن ثابت هذا؟ قلت: شيخ لقيته بالعراق، فقال: هذا نبيل من المشايخ، اذهب فاستكثر منه.
قلت: هذا أبو حنيفة الذي نهيت عنه.
قال ابن المبارك: قال ابن المبارك: ذاكرني عبد الله بن إدريس السن فقال: ابن كم أنت؟ فقلت: إن العجم لا يكادون يحفظون ذلك، ولكني أذكر أني لبست السواد وأنا صغير عندما خرج أبو مسلم، فقال لي:
وقد ابتليت بلبس السواد؟ قلت: إني كنت أصغر من ذلك. كان أبو مسلم أخذ الناس كلهم بلبس السواد، الصغار والكبار.
وعبد الله بن المبارك الخراساني مولى عبد شمس من بني سعد بني تميم، وكانت أم عبد الله بن المبارك خوارزمية وأبوه تركي. وكان عبداً لرجلٍ من التجار من همذان من بني حنظلة، وكان عبد الله إذا قدم همذان يخضع لولده ويعظمهم.
وروى عبد الله بن المبارك كثيراً، وطلب العلم، وصنف6 كتباً كثيرة في أبواب العلم وصنوفه، حملها عنه قوم، وكتبها الناس عنهم، وسمع علماً كثيراً وكان ثقة، مأموناً، إماماً، حجةً، كثير الحديث.
وقال سلام بن أبي مطيع: ما خلف بالمشرق مثله.
وكان من الربانيين في العلم، الموصوفين بالحفظ، ومن المنادين بالزهد.
سئل ابن المبارك عن أول زهدة فقال: إني كنت يوماً في بستان، وأنا شاب مع جماعة من أترابي، وذلك في وقت الفواكه، فأكلنا وشربنا، وكنت مولعاً بضرب العود، فقمت في بعض الليل، وإذا غصن يتحرك تحت رأسي، فأخذت العود لأضرب به فإذا بالعود ينطق وهو يقول: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " قال: فضربت بالعود الأرض فكسرته، وصرفت ما عندي من جميع الأمور التي كنت عليها مما شغل عن الله، وجاء التوفيق من الله تعالى، فكان ما سهل لنا من الخير بفضل الله ورحمته.
قال ابن المبارك: كنا نطلب هذا الحديث وفي خفافنا المباخر، وكنا نطلبه لغير الله فردنا إلى الله.
سأل أبو خراش بالمصيصة عبد الله بن المبارك: إلى متى تطلب اعلم؟ قال: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم أسمعها بعد.
وفي رواية قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أسمعها بعد.
وفي رواية قال: أرجو أن تروني فيه إلى أن أموت.
اجتمع ابن المبارك ووكيع عند شريك يكتبان عنه، فكان وكيع إذا سود ورقتيه تركهما تجف وأخذ في الكلام، وكان ابن المبارك إذا سود ورقتيه تركهما تجف وقام يركع.
وسمع ابن المبارك وكيعاً يقدم علياً على عثمان فقال له: يا أبا سفيان، وإنك لعلى هذا! إنك لرجل لا كلمتك حتى ألقى الله عز وجل.
قال أحمد بن يونس: سمعت عبد الله بن المبارك قرأ شيئاً من القرآن ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق فقد كفر بالله العظيم.
وعن ابن المبارك قال: القرآن كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق.
قال سفيان بن سعيد: أحببت أن أكون خمسة أيام على وتيرة ابن المبارك، فلم أقدر عليه، وأربعة أيام فلم أقدر عليه، وثلاثة أيام فلم أقدر عليه، ويومين فلم أقدر عليه.
قال شعيب: كنا نأتي ابن المبارك فنحفظ عنه هل نستطيع أن نتعلق عليه بشيء فلا نقدر على شيء من ذلك.
قال عمران بن موسى الطرسوسي: جاء رجل فسأل سفيان الثوري عن مسألة فقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل المشرق. قال: أوليس عندكم أعلم أهل المشرق؟ قال: ومن هو يا أبا عبد الله؟ قال: عبد الله بن المبارك. قال: هو أعلم أهل المشرق؟ قال: نعم، واهل المغرب.
قال ابن عيينة: نظرت في أمر الصحابة وأمر ابن المبارك فما رأيت لهم عليه فضلاً إلا بصحبتهم للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغزوهم معه.
قال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين.
قال عبد الرحمن بن مهدي:
ما رأت عيناي مثل أربعة: ما رأيت أحفظ للحديث من الثوري، ولا أشد تقشفاً من شعبة، ولا اعقل من مالك بن أنس، ولا أنصح للأمة من عبد الله بن المبارك.
قال شعيب بن حرب: ما لقي ابن المبارك رجلاً إلا وابن المبارك أفضل منه.
وقال علي بن صدقة: سمعت أبا أسامة يقول: ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس.
قال معاذ بن خالد: تعرفت إلى إسماعيل بن عياش بعبد الله بن المبارك، فقال إسماعيل بن عياشِ: ما على وجه الأرض مثل عبد الله بن المبارك، ولا أعلم أن الله عز وجل خلق خصلة من خصال الخير إلا وجعلها في عبد الله بن المبارك، ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة فكان يطعمهم الحبيس، وهو الدهر صائم.
قال أسود بن سالم: كان ابن المبارك إماماً اقتدى به، كان من أثبت الناس في السنة. إذا رأيت رجلاً يغمز ابن المبارك بشيء فاتهمه على الإسلام.
قال محمد بن معتمر: قلت لأبي: من فقيه العرب؟ قال: سفيان الثوري. فلما مات سفيان قلت له: من فقيه العرب؟ قال: عبد الله بن المارك.
وقال المعتد أيضاً: ما رأيت مثل ابن المبارك نصيب عنده الشيء الذي لا نصيبه عند أحد.
قال الحسن بن عيسى: اجتمع جماعة من أصحاب ابن المبارك مثل الفضل بن موسى ومخلد بن حسين ومحمد بن النضر فقالوا: تعالوا حتى نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير فقالوا: جمع العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والشعر، والفصاحة، والورع، والإنصاف، وقيام الليل والعبادة، والحج، والغزو، والسخاء، والشجاعة، والفروسية، والشدة في بدنه، وترك الكلام فيما لا يعنيه، وقلة الخلاف على أصحابه.
وكان كثيراً ما يتمثل: الرمل
وإذا صاحبت فاصحب ما جداً ... ذا حياءٍ وعفافٍ وكرم
قوله للشيء لا إن قلت لا ... وإذا قلت نعم قال نعم
قال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: قلت ليحي بن معين: إذا اختلف يحيى القطان ووكيع؟ قال: القول قول يحيى.
قلت: إذا اختلف عبد الرحمن ويحي؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: أبو نعيم وعبد الرحمن؟ قال: يحتاج من يفصل بينهما. قلت: الأشجعي؟ قال: مات الأشجعي ومات حديثه معه. قلت: ابن المبارك؟ قال: ذلك أمير المؤمنين.
وقال عمار بن الحسن يمدح ابن المبارك: الطويل
إذا سار عبد الله من مرو ليلةً ... فقد سار منها نورها وجمالها
إذا ذكر الأخيار في كل بلدةٍ ... فهم أنجم فيها وأنت هلالها
قال ابن المبارك: استعرت قلماً بأرض الروم، فذهبت على أن أرده إلى صاحبه. فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى ارض الشام حتى رددته على صاحبه.
قال أبو وهب: مر ابن المبارك برجل أعمى. قال: فقال: أسألك أن تدعو الله أن يرد علي بصري قال: فدعا الله فرد عليه بصره، وانا أنظر.
قال الحسن بن عيسى: رأيت ابن المبارك دخل زمزم، فاستقى دلواً واستقبل البيت ثم قال: اللهم، إن عبد الله بن المؤمل حدثني عن ابن الزبير عن جابر أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ماء زمزم لما شرب له. اللهم، إني أشربه لعطش يوم القيامة. فشرب.
زاد في رواية: قال الحسن بن عرفة: ما رأيت أكثر شرباً من يومئذٍ.
قيل لابن المبارك: رجلان أحدهما أخوف، والآخر قتل في سبيل الله. فقال: أحبهما إلي أخوفهما.
دخل شيخ على عبد الله بن المبارك فرآه على وسادة حسنة مرتفعة. قال: فأردت أن أقول له، فرأيت به من الخشية حتى رحمته، فإذا هو يقول: قال الله عز وجل: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم " قال: لم يرض الله أن ننظر إلى محاسن المرأة فكيف بمن يزني بها؟ وقال الله عز وجل: " ويل للمطففين " في الكيل والوزن فكيف بمن يأخذ المال كله؟ وقال الله تعالى: " ولا يغتب بعضكم بعضاً " ونحو هذا. فكيف بمن يقتله؟ قال: فرحمته وما رأيته فيه فلم اقل له شيئاً.
سئل ابن المبارك: من أحسن الناس حالاً؟ قال: من انقطع إلى الله عز وجل.
قال النضر بن مساور: قلت لعبد الله بن المبارك: هل تتحفظ الحديث؟ قال: فتغير لونه، وقال: ما تحفظت حديثاً قط، إنما آخذ الكتاب فأنظر فيه، فما اشتهيته علق بقلبي.
قال عبد الله بن المبارك: قال لي أبي: لئن وجدت كتبك لأحرقنها؟ قال: قلت: وما علي من ذلك، وهو في صدري؟ حدث صخر صديق ابن المبارك قال:
كنا غلماناً في الكتاب، فمررت أنا وابن المبارك ورجل يخطب خطبة طويلة. فلما فرغ قال لي ابن المبارك: وقد حفظتها، فسمعه رجل من القوم فقال له: هاتها، فأعادها عليهم ابن المبارك وقد حفظها.
قال فضالة النسوي: كنت أجالس أصحاب الحديث بالكوفة، فكانوا إذا تشاجروا في حديث قالوا: مروا بنا إلى هذا الطبيب حتى نسأله. يعنون عبد الله بن المبارك.
قال يحيى بن آدم: كنت إذا طلبت الدقيق من المسائل فلم أجده في كتب ابن المبارك أيست منه.
قال ابن المبارك: من ضن بالحديث ولم يفده ابتلي بإحدى ثلاث: إما أن يصحب السلطان فيذهب علمه، أو يكذب في الحديث، او يموت.
قال بعض الشعراء، ويقال: هو ابن المبارك: الطويل
تعلم فليس المرء يخلق عالماً ... وليس أخو علمٍ كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغير إذا التفت عليه المحافل
ذكر لعبد الله بن المبارك رجل ممن كان يدلس فقال فيه قولاً شديداً، وأنشد: السريع
دلس للناس أحاديثه ... والله لا يقبل تدليسا
وكان يقول: لأن يخر من السماء أحب إليه من أن يدلس حديثاً.
قال محمد بن حميد ونوح بن حبيب: كنا عند ابن المبارك فألحوا عليه فقال: هاتوا كتبكم حتى أقرأ، فجعلوا يرمون إليه الكتب من قريب ومن بعيد، وكان رجل من أهل الري يسمع كتاب الاستئذان فرمى بكتابه، فأصاب صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمعة ابن المبارك حرف كتابه فانشق، وسال الدم، فجعل ابن المبارك يعالج الدم حتى سكن، ثم قال: سبحان الله كاد أن يكون قبالاً، ثم بدأ بكتاب الرجل فقرأه.
حضر ابن المبارك عند حماد بن زيد مسلماً عليه، فقال أصحاب الحديث لحماد بن زيد: يا أبا إسماعيل، تسأل أبا عبد الرحمن أن يحدثنا؟ فقال: يا أبا عبد الرحمن، تحدثهم فإنهم قد سألوني؟ قال: سبحان الله يا أبا إسماعيل، أحدث وأنت حاضر! قال: فقال: أقسمت لتفعلن. قال: فقال ابن المبارك: خذوا: حدثنا أبو إسماعيل حماد بن زيد. فما حدث بحرفٍ إلا عن حماد بن زيد.
قال ابن المبارك: من استخف بالعلماء ذهبت آخرته، ومن استخف بالأمراء ذهبت دنياه، ومن استخف بالإخوان ذهبت مروءته.
عطس رجل عند ابن المبارك، فقال له ابن المبارك: أي شيء يقول الرجل إذا عطس؟ قال: يقول: الحمد الله، فقال له ابن المارك: يرحمك الله، فعجب من حضر من حسن أدبه.
قال ابن المبارك لأصحاب الحديث: انتم إلى قليل من الأدب أحوج منكم إلى كثير من العلم.
قال عباد بن زياد: سمعت ابن المبارك يقول: يا بن المبارك، إذا عرفت نفسك لم يضرك ما قيل فيك.
قدم الرشيد هارون أمير المؤمنين الرقة فانجفل الناس خلف عبد الله بن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب. فلما رأت الناس قالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم الرقة يقال له عبد الله بن المبارك، فقالت: هذا والله الملك، لا ملك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشرط وأعوان.
قال عبدة بن سليمان: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو. فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو، فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فقتله، ثم آخر فقتله ثم آخر فقتله. ثم دعا إلى البراز، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه، فقتله، فازدحم إليه الناس. فكنت فيمن ازدحم إليه وهو يلثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه فمددته، فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا؟! قال محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة: أملى علي عبد الله بن المبارك هذه الأبيات بطرسوس، وودعته للخروج وأنفذها معي لفضيل بن عياض في سنة سبعين ومئة. وقيل: في سنة سبع وسبعين: الكامل
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت انك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
أو كان يتعب خيله في باطلٍ ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
ريح العبير لكم ونحن عبيرنا ... رهج السنابك والغبار الأطيب
ولقد أتانا من مقال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذب:
لا يستوي وغبار خيل الله في ... أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب
هذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميتٍ لا يكذب
فلقيت الفضيل بن عياض في مسجد الحرام بكتابه، فلما قرأه ذرفت عيناه، ثم قال: صدق أبو عبد الرحمن ونصحني، ثم قال: أنت ممن يكتب الحديث؟ قلت: نعم
يا أبا علي. قال: فاكتب هذا الحديث كراء حملك كتاب أبي عبد الرحمن إلينا وأملى علي الفضيل بسنده إلى أبي هريرة أن رجلاً قال: يا رسول الله، علمني عملاً أنال به ثواب المجاهدين في سبيل الله، فقال له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل تستطيع أن تصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمي فلا تفتر، وتصوم فلا تفطر؟ فقال: يانبي الله. أنا أضعف من أن أستطيع ذلك، ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فو الذي نفسي بيده لو طوقت ذلك ما بلغت فضل المجاهدين في سبيل الله، أما علمت أن فرس المجاهد ليستن في طوله، فتكتب بذلك الحسنات؟.
قال عبد الله بن المبارك: خرج ابن المبارك من بغداد يريد المصيصة فصحبه الصوفية فقال لهم: أنتم لكم أنفس، تحتشمون أن ينفق عليكم، ياغلام، هات الطست، فألقى على الطست منديلاً ثم قال: يلقي كل رجل منكم تحت المنديل ما معه، قال: فجعل الرجل يلقي عشرة دراهم، والرجل يلقي عشرين درهماً، فأنفق عليهم إلى المصيصة. فلما بلغ المصيصة قال: هذه بلاد نفير فنقسم ما بقي، فجعل يعطي الرجل عشرين ديناراً فيقول يا أبا عبد الرحمن: إنما أعطيت عشرين درهماً، فيقول: وما تنكر؟ إن الله تعالى وتبارك يبارك للغازي في نفقته.
قال علي بن الحسن بن شقيق: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوته من أهل مرو فيقولون: نصحبك، فيقول لهم: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويقفل عليها ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، ولا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة حتى يصلوا إلى مدينة سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيقول لكل رجل منهم: ما امرك عيالك أن تشتري لهم من طرف
المدينة؟ فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فينفق عليهم إلى أن يصلوا إلى مرو فإذا صاروا إلى مرو صنع لهم بعد ثلاثة أيام وليمة وكساهم، إذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته بعد أن كتب عليها اسمه، فحدث خادمه انه عمل آخر سفرة سافرها دعوة، فقدم إلى الناس خمسة وعشرين خواناً فالوذج، قال: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مئة ألف درهم.
قال المسيب بن واضح: كنت عند ابن المبارك إذ كلموه في رجل يقضي عنه سبع مئة درهم ديناً، فكتب إلى وكيله أن يدفع له سبعة آلاف درهم. فلما ورد الكتاب على الوكيل قال للرجل: أي شيء قصتك؟ قال: كلموه أن يقضي عني سبع مئة درهم، فقال: الكتاب أصبت فيه غلطاً، ولكن اقعد موضعك حتى أجري عليك، من مالي وأبعث إلى صاحبي فأوامدة فبك فكتب إلى عبد الله بن المبارك اتاني كتابك وسألت صاحبه فذكر أنه كلمك في سبع مئة درهم وها هنا سبعة آلاف درهم، فإن يكن منك غلطاً فاكتب إلي، فكتب إليه: إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى صاحب الكتاب أربعة عشر ألفاً، فكتب إليه: إن كان على هذا الفعل تفعل، ما أسرع ما تبيع الضيعة، فكتب إليه عبد الله: إن كنت وكيلي فأنفذ ما آمرك به، وإن كنت أنا وكيلك فتعال إلى موضعي حتى أصير إلى موضعك فأنفذ ما تامرني به.
قال محمد بن عيسى:
كان عبد الله بن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث. قال: فقدم عبد الله الرقة مرة فلم ير ذلك الشاب، وكان مستعجلاً، فخرج في النفير، فلما قفل من غزوته ورجع إلى الرقة سأل عن الشاب فقالوا: إنه محبوس لدين ركبه. قال: فقال عبد الله: وكم يبلغ دينه؟ قالوا: عشرة آلاف درهم، فلم يزل يستقصي حتى دل على صاحب المال، فدعا به ليلاً ووزن له عشرة آلاف درهم وحلفه ألا يخبر أحداً ما دام عبد الله حياً، وقال: إذا أصبحت فأخرج الرجل من الحبس، وأدلج عبد الله فأخرج الفتى من الحبس، وقيل له: عبد الله بن المبارك كان ها هنا وكان يذكرك، وقد خرج، فخرج الفتى في أثره
فلحقه على مرحلتين أو ثلاث من الرقة، فقال: يا فتى، أين كنت؟ لم أرك في الخان، قال: نعم يا أبا عبد الرحمن، كنت محبوساً بدين، قال: فكيف كان سبب خلاصك؟ قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أعلم به حتى خرجت من الحبس، فقال لي عبد الله: يا فتى، احمد الله على ما وفق لك من قضاء دينك، فلم يخبر ذلك الرجل أحداً إلا بعد موت عبد الله.
قال حبان بن موسى: عوتب ابن المبارك فيما يفرق المال في البلدان، ولا يفعل في أهل بلده فقال: إني لأعرف مكان قوم، ولهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا الطلب للحديث، وحاجة الناس إليهم شديدة، وقد احتاجوا، فإن تركناهم ضاع علمهم، وإن أغنيناهم بثوا العلم لأمة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أعلم بعد النبوة درجة أفضل من بث العلم.
قال علي بن الفضيل: سمعت أبي يقول لابن المبارك: أنت تامرنا بالزهد والتقلل وبالبلغة، ونراك تأتي بالبضائع من بلاد خراسان إلى البلد الحرام، كيف ذا، وأنت تأمرنا بخلاف ذا؟! فقال ابن المبارك: يا أبا علي، أنا أفعل لأصون بها وجهي وأكرم بها عرضي، وأستعين بها على طاعة ربي، لا أرى لله حقاً إلا سارعت إليه حتى أقوم به، فقال له الفضيل: يا بن المبارك، ما احسن ذا إن تم ذا.
قال نعيم بن حماد: قيل لابن المبارك: يا أبا عبد الرحمن، تكثر القعود في البيت وحدك! قال: أنا وحدي! أنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه. يعني النظر في الحديث.
قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: إنه ليعجبني من القراء كل طلق مضحاك، فأما من تلقاه بالبشر ويلقاك بالعبوس كأنه يمن عليك بعمله فلا أكثر الله في القراء مثله.
سئل ابن المبارك: ما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: غريزة عقل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أدب حسن. قيل: فإن لم يكن؟ قال: أخ صالح بستشيره. قيل: فإن لم يكن؟ قال صمت طويل. قيل: فإن لم يكن؟ قال: موت عاجل.
كان عبد الله بن المبارك كثيراً كان يتمثل بأييات حميد النحوي: الخفيف
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله إذا كنت فارغاً مستريحا
وإذا ما هممت بالنطق في البا ... طل فاجعل مكانه تسبيحا
فاغتنام السكوت أفضل من خوضَ ... وإن كنت بالحديث فصيحا
سمع ابن المبارك رجلاً يتكلم بما لا يعنيه فقال: المتقارب
تعاهد لسانك إن اللسان ... سريع إلى المرء في قتله
وهذا اللسان بريد الفؤاد ... يدل الرجال على عقله
قال محمد بن إدريس الحنظلي: قال عبد الله بن المبارك: المنسرح
أدبت نفسي فما وجدت لها ... من بعد تقوى الإله من أدب
في كل حالاتها وإن قصرت ... أفضل من صمتها عن الكذب
وغيبة الناس إن غيبتهم ... حرمها ذو الجلال في الكتب
إن كان من فضةٍ كلامك يا ... نفس فإن السكوت من ذهب
قال أبو أمية الأسود: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: أحب الصالحين ولست منهم، وأبغض الصالحين وأنا شر منهم، ثم أنشأ عبد الله يقول: مجزوء الكامل
الصمت أزين بالفتى ... من منطقٍ في غير حينه
والصدق أجمل بالفتى ... في القول عندي من يمينه
وعلى الفتى بوقاره ... سمة تلوح على جبينه
فمن الذي يخفى عليك ... إذ نظرت إلى قرنيه
رب امرئٍ متيقنٍ ... غلب الشقاء على يقينه
فأزاله عن رأيه ... فابتاع دنياه بدينه
كان عبد الله بن المبارك يقول:
سخاء النفس عما في أيدي الناس أكثر من سخاء النفس بالبذل، والقناعة والرضا أكثر من مروءة الإعطاء، وانشد: البسيط
ماذاق طعم الغنى من لا قنوع له ... ولن ترى قانعاً ما عاش مفتقرا
فالعرف من يأته تحمد عواقبه ... ما ضاع عرف وإن أوليته حجرا
وعن عبد الله بن المبارك: البسيط
لا تضرعن لمخلوقٍ على طمعٍ ... فإن ذاك مضر منك بالدين
واسترزق الله مما في خزائنه ... فإنما هي بين الكاف والنون
ألا ترى كل من ترجو وتامله ... من البرية مسكين ابن مسكين؟
قال عبد الله بن المبارك: لن يخلو المؤمن من ثلاثة: من نفس تدعوه، وشيطان يبغيه، ومنافق يحسده.
سئل ابن المبارك: من الناس؟ قال: العلماء. قال: فمن الملوك؟ قال: الزهاد. قال: فمن السفلة؟ قال: الذي يأكل بدينه. قيل له: فمن الغوغاء؟ قال: خزيمة بن حازم وأصحابه. قيل له: فمن الدنيء؟ قال: الذي يذكر غلاء السعر عند الضيف.
كان ابن المبارك يقول: من طلب العلم تعلم العلم، ومن تعلم العلم خاف من الذنب، ومن خاف من الذنب هرب من الذنب، ومن هرب من الذنب نجا من الحساب.
قال زرقان: سمعت ابن المبارك يقول على سور طرسوس: الكامل
ومن البلاء وللبلاء علامة ... ألا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها ... والحر يشبع مرة ويجوع
أنشد الحسن بن إبراهيم البجلي لعبد الله بن المبارك: الكامل
تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
قال الأصمعي: سمعت ابن المبارك يقول: الرمل
خالق المناس بخلقٍ حسنٍ ... لاتكن كلباً على الناس تهر
كان ابن المبارك يقلو: إذا تاكد الإخاء قبح الثناء.
قال عبد الله بن المبارك: إن العبد إذا استخف بستر الله عليه أنطق الله لسانه بمعايب نفسه حتى يكفي الناس مؤنته.
سأل حاتم بن عبد الله العلاف ابن المبارك حين أراد الخروج إلى مكة فقال: أما توصينا؟ فقال عبد الله بن المبارك: الوافر
إذا صاحبت في الأسفار قوماً ... فكن لهم كذي الرحم الشفيق
بعيب النفس ذا بصرٍ وعلمٍ ... غني النفس عن عيب الرفيق
ولا تأخذ بعثرة كل قومٍ ... ولكن قل هلم إلى الطريق
فإن تأخذ بعثرتهم يقلوا ... وتبقى في الزمان بلا صديق
قال عبد الله بن المبارك: حفروا بخراسان حفيراً، فوجدوا رأس إنسان فوزنوا سناً من أسنانه فإذا فيه سبعة اسانين
وفي رواية: فوزنهما أو وزن أحدهما فإذا فيه منوان وزيادة في كل سن، فقال عبد الله من أبيات: المتقارب
أرى الناس يبكون موتاهم ... وما الحي أبقى من الميتينا
أليس مصيرهم للفناء ... وإن عمر القوم أيضاً سنينا
يساقون سوقاً إلى يومهم ... فهم في السياق وما يشعرونا
فإن كنت تبكين من قد مضى ... فبكي لنفسك في الهالكينا
أتيت بسنين قد رمتا ... من الحصن لما أثاروا الدفينا
على وزن منيين إحداهما ... تقل به الكف شيئاً رزينا
ثلاثين أخرى على قدرها ... تباركت يا أحسن الخالقينا
فماذا يقوم لأجرامهم ... وما كان يملأ تلك البطونا
إذا ما تذكرت أجسامهم ... تصاغرت النفس حتى تهونا
وكل على ذاك لاقي الردى ... فبادوا جيمعاً فهم خامدونا
وعن أبي موسى الأشعري قال: يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضان فجدال ومعاذير وأما العرضة الثالثة فتطاير الصحف في الأيدي. ثم قال عبد الله بن المبارك: البسيط
وطارت الصحف في الأيدي منشرةً ... فيها السرائر والأخبار تطلع
فكيف سهوك والأنباء واقعة ... عما قليلٍ ولا تدري بما يقع
أفي الجنان وفوز لا انقطاع له ... أم الجحيم فما تبقي وما تدع
تهوي بسكانها طوراً وترفعهم ... إذا رجوا مخرجاً من غمها وقعوا
طال البكاء فلم ينفع تضرعهم ... هيهات لا رقة تجزي ولا جزع
لن ينفع العلم قبل الموتٍ عالمه ... قد سال قوم بها الرجعى فما رجعوا
كان ابن المبارك يقول في دعائه: اللهم، إني أسألك الشهادة في غير جهد بلية ولا تبديل نية، فأجيبت دعوته، فمات شهيداً غريباً في غير تربته من غير جهد في الشهادة ولا تبديل في الإرادة.
ولما حضرت ابن المبارك الوفاة قال لنصر مولاه: اجعل رأسي على التراب. قال: فبكى نصر، فقال له: ما يبكيك؛ قال: أذكر ما كنت فيه من النعيم، وأنت هو ذا تموت فقيراً غريباً فقال له: اسكت، فإني سألت الله تبارك وتعالى أن يجنبني جباه الأغنياء، وان يميتني ميتة الفقراء. ثم قال: لقني، ولا تعد علي إلا أن أتكلم بكلام ثان.
لما حضر ابن المبارك جعل رجل يلقنه: قل: لا إله إلا الله، فأكثر عليه، فقال: إنك ليس تحسن، وأخاف أن تؤذي بها رجلاً مسلماً بعدي. إذا لقنتني فقلت: لا إله إلا الله ثم لم أحدث كلاماً بعدها فدعني، فإذا أحدثت كلاماً بعدها فلقني حتى تكون آخر كلامي.
لما احتضر ابن المبارك فتح عينيه وضحك وقال: " لمثل هذا فليعمل العاملون ".
لما مات ابن المبارك قال هارون أمير المؤمنين: مات سيد العلماء.
قال ابن المديني: مات خيار الرض جميعاً في سنة واحدة: مالك، وحماد، وخالد، وسلام بن سليم أبو الأحوص، وعبد الله بن المبارك سنة تسع وسبعين ومئة.
قال: وهذا القول وهم، والمحفوظ أن عبد الله خرج إلى العراق سنة إحدى وأربعين ومئة ومات بهيت وعانات في رمضان سنة إحدى وثمانين ومئة. مات سحراً ودفن بهيت، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان منصرفاً من الغزو.
وولد عبد الله بن المبارك بمرو سنة ثمان عشرة ومئة. وقيل: سنة تسع عشرة.
قال عبد الله بن رستم: رئي على قبر عبد الله بن المبارك مكتوب: السريع
الموت بحر موجه غالب ... تذهل فيه حيل السابح
لا يصحب المرء إلى قبره ... غير التقى والعمل الصالح
قال أبو حاتم الفربري: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام واقفاً على باب الجنة، بيده مفتاح فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، ما يوقفك ها هنا؟ قال: مفتاح باب الجنة دفعه إلي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: حتى أزور الرب، فكن أميني في السماء كما كنت أميني في الأرض.
قال إسماعيل بن إبراهيم بن أبي جعفر المصيصي: رأيت الحارث بن عطية في النوم، فقلت: ما فعل الله بك يا أبا عبد الله؛ قال: غفر لي. قلت: فأين ابن المبارك؟ قال: بخٍ بخٍ، ابن المبارك في عليين ممن يلج على الله في كل يوم مرتين.
قال صخر بن راشد: رأيت عبد الله بن المبارك في منامي بعد موته، فقلت: أليس قد مت؟ قال: بلى. قلت: فما صنع بك ربك؟ قال: غفر لي مغفرة أحاطت بكل ذنب. قلت: فسفيان الثوري؟ قال: بخٍ بخٍ، ذاك: " مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ".
قال محمد بن فضيل بن عياض: رأيت عبد الله بن المبارك في المنام فقلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: الأمر الذي كنت فيه. قلت: الرباط والجهاد؟ قال: نعم. قلت: فأي شيء صنع بك ربك؟ قال غفر لي مغفرة تتبعها مغفرة، وكلمتني امرأة من أهل الجنة، أو امرأة من الحور العين.
وفي حديث آخر: قلت: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: وجهي هذا الذي مت فيه. قال: فقلت له: فالحديث؟ قال: قدم الحديث.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151839&book=5517#aadfec
عبد الرحمن بن أرطأة بن سيحان
ويقال: عبد الرحمن بن سيحان بن أرطأة بن سيحان - بن عمرو ابن نجيد بن سعد بن الأحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله بن عوف ابن زيد بن بكر بن عميرة بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس ابن عيلان بن مضر بن نزار، المحاربي المدني شاعر مقل. له اختصاص بآل أبي سفيان، ووفد على معاوية.
وسيحان بسين مهملة مفتوحة وبعدها ياء ساكنة وجاء مهملة.
قال سلمة بن بلال: كان أرطأة بن سيحان حليفاً لأبي سفيان. فأخذ في شراب، فرفع إلى مروان، وهو على المدينة فضربه ثمانين فكتب أرطأة إلى معاوية يشتكيه، ويصف ما صنعه به، فكتب إليه معاوية: أما بعد، يا مروان، فإنك أخذت حليف أبي سفيان، فضربته على رؤوس الناس ثمانين، والله لتبطلنها عنه أو لأقيدنه منك، فقال مروان لابنه عبد الملك: ما ترى؟ قال: أرى أن لا تفعل، قال: ويحك! أنا أعلم بمعاوية منك ثم صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني كنت ضربت أرطأة بن سيحان بشهادة رجل من الحرس، فقد وقفت على أنه غير عدل ولا رضي، فأشهدكم أني قد أبطلت ذلك عنه، ثم نزل ورضي أرطأة فأمسك.
هكذا روي. قالوا: والمحفوظ عبد الرحمن بن أرطأة.
كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعراً، حلو الأحاديث، عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها، وكان يصيب من الشراب، فكان كل من قدم من ولاة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه وينادمه. فلما ولي الوليد بن
عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه، وكان قد شعثه، فحمل ذلك مروان عليه واضطغنه، وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان، فيشرب معه وابن سيحان لا يظن أن مروان يفعل به الذي فعله، قد كان ابن سيحان مدحه ووصله مروان، ولكن مروان أراد فضيحة الوليد فرصده ليلة في المسجد، وكان ابن سيحان يخرج من السحر من عند الوليد ثملاً فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم، وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلي، وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء. فملا خرج ابن سيحان ثملاً من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه، ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة وأشهدهما على سكره، وقد سأله أن يقرأ أم الكتاب فلم يقرأها، فدفعه إلى صاحب شرطه، فحبسه. فلما أصبح الوليد بلغه الخبر، وشاع في المدينة، وعلم أن مروان إنما أراد أن يفضحه، وأنه لو لقي ابن سيحان ثملاً خارجاً من عند غيره لم يعرض له، فقال الوليد: لا يبرئني من هذا عند أهل المدينة إلا ضرب ابن سيحان، فأمر صاحب شرطه فضربه الحد ثم أرسله، فجلس ابن سيحان في بيته لا يخرج حياء من الناس، فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده - وكان له جليساً - فقال له: ما يجلسك في بيتك؟! قال: الاستحياء من الناس. قال: اخرج أيها الرجل، وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة، فقال له: البسها، ورح معنا إلى المسجد، فهذا أحرى أن يكذب به مكذب، ثم ترحل إلى أمير المؤمنين، فتخبره بما صنع بك الوليد، فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك، فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسطاً لهم، حتى دخل المسجد، فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى ركعتين ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة، فقائل يقول: لم يضرب، وقائل يقول: عزراً أسواطاً. فمكث أياماً ثم رحل إلى معاوية، فدخل على يزيد، فكلم يزيد، فكلم يزيد أباه معاوية في أمره، فدعا به فأخبره بقصته، وما صنعه به مروان، فقال: قبح الله الوليد، ما اضعف عقله! أما استحيا من ضربك فيما شرب؟!
وأما مروان فإني ما كنت أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له، ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي، ولم يصب، وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه عنه. صار شرطياً، ثم قال لكاتبه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة. أما بعد، فالعجب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك، فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الحد عن ابن سيحان، وطف به في حلق المسجد، وأخبرهم أن صاحب شرطتك تعدى عليه وظلمه، وأن أمير المؤمنين قد ابطل ذلك عنه، أليس ابن سيحان الذي يقول: الطويل
وإني امرؤ أنمى إلى أفضل الربى ... عديداً إذا ارفضت عصا المتحلف
إلى نضدٍ من عبد شمس كأنهم ... هضاب أجاً أركانها لم تقصف
ميامين يرضون الكفاية إن كفوا ... ويكفون ما ولوا بغير تكلف
غطارفة ساسو البلاد فأحسنوا ... سياستها حتى أقرت لمردف
وكتب له بأن يعطى أربع مئة شاة، وثلاثين لقحة مما توطن السيالة، وأعطاه هو خمس مئة دينار، وأعطاه يزيد مئتي دينار ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد، فطاف به في المسجد، وأبطل ذلك الحد عنه، وأعطاه ما كتب له به معاوية. وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما فعله بابن سيحان، وما أراده بذلك، ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان أن يعود للشرب معه فقال: والله لا ذقت معك شراباً أبداً.
ولعبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان المحاربي حليف بني أمية بن عبد شمس: الرجز
لا صبر عن دار بني باليه ... إني أرى ليلتهم لا هيه
قد شربوا الخمر وناموا معاً ... وآثروا الدنيا على الباقيه
وابتسطوا الديباج في دارهم ... واستصبحوا في الليل بالغاليه
قال: فرأيتهم في بعض الليالي، وهم على لهوهم، فلم يجدوا للمصباح زيتاً، فاستصبحوا بغالية. هم بنو باليه بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
ويقال: عبد الرحمن بن سيحان بن أرطأة بن سيحان - بن عمرو ابن نجيد بن سعد بن الأحب بن ربيعة بن شكم بن عبد الله بن عوف ابن زيد بن بكر بن عميرة بن علي بن جسر بن محارب بن خصفة بن قيس ابن عيلان بن مضر بن نزار، المحاربي المدني شاعر مقل. له اختصاص بآل أبي سفيان، ووفد على معاوية.
وسيحان بسين مهملة مفتوحة وبعدها ياء ساكنة وجاء مهملة.
قال سلمة بن بلال: كان أرطأة بن سيحان حليفاً لأبي سفيان. فأخذ في شراب، فرفع إلى مروان، وهو على المدينة فضربه ثمانين فكتب أرطأة إلى معاوية يشتكيه، ويصف ما صنعه به، فكتب إليه معاوية: أما بعد، يا مروان، فإنك أخذت حليف أبي سفيان، فضربته على رؤوس الناس ثمانين، والله لتبطلنها عنه أو لأقيدنه منك، فقال مروان لابنه عبد الملك: ما ترى؟ قال: أرى أن لا تفعل، قال: ويحك! أنا أعلم بمعاوية منك ثم صعد المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إني كنت ضربت أرطأة بن سيحان بشهادة رجل من الحرس، فقد وقفت على أنه غير عدل ولا رضي، فأشهدكم أني قد أبطلت ذلك عنه، ثم نزل ورضي أرطأة فأمسك.
هكذا روي. قالوا: والمحفوظ عبد الرحمن بن أرطأة.
كان عبد الرحمن بن سيحان المحاربي شاعراً، حلو الأحاديث، عنده أحاديث حسنة غريبة من أخبار العرب وأيامها وأشعارها، وكان يصيب من الشراب، فكان كل من قدم من ولاة بني أمية وأحداثهم ممن يصيب الشراب يدعوه وينادمه. فلما ولي الوليد بن
عتبة بن أبي سفيان وعزل مروان وجد مروان في نفسه، وكان قد شعثه، فحمل ذلك مروان عليه واضطغنه، وكان الوليد يصيب من الشراب ويبعث إلى ابن سيحان، فيشرب معه وابن سيحان لا يظن أن مروان يفعل به الذي فعله، قد كان ابن سيحان مدحه ووصله مروان، ولكن مروان أراد فضيحة الوليد فرصده ليلة في المسجد، وكان ابن سيحان يخرج من السحر من عند الوليد ثملاً فيمر في المقصورة من المسجد حتى يخرج في زقاق عاصم، وكان محمد بن عمرو يبيت في المسجد يصلي، وكذلك عبد الله بن حنظلة وغيرهما من القراء. فملا خرج ابن سيحان ثملاً من دار الوليد أخذه مروان وأعوانه، ثم دعا له محمد بن عمرو وعبد الله بن حنظلة وأشهدهما على سكره، وقد سأله أن يقرأ أم الكتاب فلم يقرأها، فدفعه إلى صاحب شرطه، فحبسه. فلما أصبح الوليد بلغه الخبر، وشاع في المدينة، وعلم أن مروان إنما أراد أن يفضحه، وأنه لو لقي ابن سيحان ثملاً خارجاً من عند غيره لم يعرض له، فقال الوليد: لا يبرئني من هذا عند أهل المدينة إلا ضرب ابن سيحان، فأمر صاحب شرطه فضربه الحد ثم أرسله، فجلس ابن سيحان في بيته لا يخرج حياء من الناس، فجاءه عبد الرحمن بن الحارث بن هشام في ولده - وكان له جليساً - فقال له: ما يجلسك في بيتك؟! قال: الاستحياء من الناس. قال: اخرج أيها الرجل، وكان عبد الرحمن قد حمل له معه كسوة، فقال له: البسها، ورح معنا إلى المسجد، فهذا أحرى أن يكذب به مكذب، ثم ترحل إلى أمير المؤمنين، فتخبره بما صنع بك الوليد، فإنه يصلك ويبطل هذا الحد عنك، فراح مع عبد الرحمن في جماعة ولده متوسطاً لهم، حتى دخل المسجد، فصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَى الله عليه وسلمى الله عليه وسلمى ركعتين ثم تساند مع عبد الرحمن إلى الأسطوانة، فقائل يقول: لم يضرب، وقائل يقول: عزراً أسواطاً. فمكث أياماً ثم رحل إلى معاوية، فدخل على يزيد، فكلم يزيد، فكلم يزيد أباه معاوية في أمره، فدعا به فأخبره بقصته، وما صنعه به مروان، فقال: قبح الله الوليد، ما اضعف عقله! أما استحيا من ضربك فيما شرب؟!
وأما مروان فإني ما كنت أحسبه يبلغ هذا منك مع رأيك فيه ومودتك له، ولكنه أراد أن يضع الوليد عندي، ولم يصب، وقد صير نفسه في حد كنا ننزهه عنه. صار شرطياً، ثم قال لكاتبه: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله معاوية أمير المؤمنين إلى الوليد بن عتبة. أما بعد، فالعجب لضربك ابن سيحان فيما تشرب منه، ما زدت على أن عرفت أهل المدينة ما كنت تشربه مما حرم عليك، فإذا جاءك كتابي هذا فأبطل الحد عن ابن سيحان، وطف به في حلق المسجد، وأخبرهم أن صاحب شرطتك تعدى عليه وظلمه، وأن أمير المؤمنين قد ابطل ذلك عنه، أليس ابن سيحان الذي يقول: الطويل
وإني امرؤ أنمى إلى أفضل الربى ... عديداً إذا ارفضت عصا المتحلف
إلى نضدٍ من عبد شمس كأنهم ... هضاب أجاً أركانها لم تقصف
ميامين يرضون الكفاية إن كفوا ... ويكفون ما ولوا بغير تكلف
غطارفة ساسو البلاد فأحسنوا ... سياستها حتى أقرت لمردف
وكتب له بأن يعطى أربع مئة شاة، وثلاثين لقحة مما توطن السيالة، وأعطاه هو خمس مئة دينار، وأعطاه يزيد مئتي دينار ثم قدم بكتاب معاوية إلى الوليد، فطاف به في المسجد، وأبطل ذلك الحد عنه، وأعطاه ما كتب له به معاوية. وكتب معاوية إلى مروان يلومه فيما فعله بابن سيحان، وما أراده بذلك، ودعا الوليد عبد الرحمن بن سيحان أن يعود للشرب معه فقال: والله لا ذقت معك شراباً أبداً.
ولعبد الرحمن بن أرطاة بن سيحان المحاربي حليف بني أمية بن عبد شمس: الرجز
لا صبر عن دار بني باليه ... إني أرى ليلتهم لا هيه
قد شربوا الخمر وناموا معاً ... وآثروا الدنيا على الباقيه
وابتسطوا الديباج في دارهم ... واستصبحوا في الليل بالغاليه
قال: فرأيتهم في بعض الليالي، وهم على لهوهم، فلم يجدوا للمصباح زيتاً، فاستصبحوا بغالية. هم بنو باليه بن هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=64773&book=5517#011704
عبد الرحمن بن المسور
- عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة. وأمه أمة الله بنت شرحبيل بن حسنة الكندي. فولد عبد الرحمن بن المسور: عبد الله. وميمونة. وأمهما بنت زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بجير بن الهزم بن رؤيبة من بني هلال بن عامر. وأبا بكر بن عبد الرحمن وكان شاعرا. وشرحبيل. وربيعة. وجعفرا. لأمهات أولاد. ويكنى عبد الرحمن أبا المسور. وتوفي بالمدينة سنة تسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك. وكان قليل الحديث.
- عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة. وأمه أمة الله بنت شرحبيل بن حسنة الكندي. فولد عبد الرحمن بن المسور: عبد الله. وميمونة. وأمهما بنت زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بجير بن الهزم بن رؤيبة من بني هلال بن عامر. وأبا بكر بن عبد الرحمن وكان شاعرا. وشرحبيل. وربيعة. وجعفرا. لأمهات أولاد. ويكنى عبد الرحمن أبا المسور. وتوفي بالمدينة سنة تسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك. وكان قليل الحديث.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=139392&book=5517#93dad9
عَبْد الرَّحِيم بْن عَبْد الكريم بْن مُحَمَّد بن منصور السمعاني، أبو المظفر ابن أبي سعد :
من أهل مرو. بكر به والده فأسمعه من أبي الفتح محمد بن عبد الرحمن الكشميهني وأبي طاهر محمد بن محمد بن عبد الله الخطيب وأبي علي الحسن بن علي بن الحسين الشحامي وأبي الأَسْعَدِ هِبَةُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقُشَيْرِيُّ وأبي سعد محمد بن إسماعيل المقرئ وأبي البركات عبد الله بن محمد الفراوي وأبي منصور عبد الخالق بن زاهر الشحامي وأبي سعد عبد الوهاب بن الحسن بن عبد الله الكرماني وأبي بكر محمد بن أحمد بن الجنيد الخطيب، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الخالق الميهني في جماعة آخرين.
وقدم بغداد طالبا للحج في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة، فحدّث بها. سمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي وأبو الحسن بن القطيعي في آخرين. وقد لقيته بمرو في رحلتي الأولى إلى خراسان، وسمعت منه كثيرا.
وكان فاضلا جليلا نبيلا متدينا محبا لرواية العلم، ذا أخلاق حسنة وسيرة جميلة، وكانت سماعاته التي بخط والده وخطوط المعروفين من المحدثين صحيحة، فأما ما كان بخطه فلا يعتمد عليه، فإنه كان يلحق اسمه في طباق لم يكن اسمه فيها إلحاقا ظاهرا، ويدعى سماع أشياء لم يوجد سماعه منها. وكان متسامحا.
سألته عن مولده، فقال: في ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بنيسابور.
وتوفي بمرو ما بين سنة أربع عشرة أو ست عشرة وستمائة.
من أهل مرو. بكر به والده فأسمعه من أبي الفتح محمد بن عبد الرحمن الكشميهني وأبي طاهر محمد بن محمد بن عبد الله الخطيب وأبي علي الحسن بن علي بن الحسين الشحامي وأبي الأَسْعَدِ هِبَةُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقُشَيْرِيُّ وأبي سعد محمد بن إسماعيل المقرئ وأبي البركات عبد الله بن محمد الفراوي وأبي منصور عبد الخالق بن زاهر الشحامي وأبي سعد عبد الوهاب بن الحسن بن عبد الله الكرماني وأبي بكر محمد بن أحمد بن الجنيد الخطيب، وأبي عبد الرحمن محمد بن عبد الخالق الميهني في جماعة آخرين.
وقدم بغداد طالبا للحج في آخر سنة خمس وسبعين وخمسمائة، فحدّث بها. سمع منه الحافظ أبو بكر الحازمي وأبو الحسن بن القطيعي في آخرين. وقد لقيته بمرو في رحلتي الأولى إلى خراسان، وسمعت منه كثيرا.
وكان فاضلا جليلا نبيلا متدينا محبا لرواية العلم، ذا أخلاق حسنة وسيرة جميلة، وكانت سماعاته التي بخط والده وخطوط المعروفين من المحدثين صحيحة، فأما ما كان بخطه فلا يعتمد عليه، فإنه كان يلحق اسمه في طباق لم يكن اسمه فيها إلحاقا ظاهرا، ويدعى سماع أشياء لم يوجد سماعه منها. وكان متسامحا.
سألته عن مولده، فقال: في ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بنيسابور.
وتوفي بمرو ما بين سنة أربع عشرة أو ست عشرة وستمائة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=142600&book=5517#494554
عبد الرحمن بن المطاع
ع عَبْد الرَّحْمَن بْن المطاع بْن عَبْد اللَّه بْن الغطريف بْن عَبْد العزى بْن جثامة بْن مَالِك بْن ملادم بْن مَالِك بْن رهم بْن يشكر بْن مبشر بْن الغوث بْن مر أخي تميم بْن مر وَيُقَال إنه من كندة وهو أخو شرحبيل بْن حسنة روى الْأَعْمَش، عن زَيْد بْن وهب، عن عَبْد الرَّحْمَن بْن حسنة، قَالَ: خرج علينا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه كهيئة الدرقة، فبال إليها، فَقَالَ بعضهم: انظروا، يبول كما تبول المرأة، فسمعه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أما علمت ما أصاب بني إسرائيل؟ كانوا إِذَا أصابهم شيء من البول قطعوه بالمقراض، فنهاهم صاحبهم عن ذَلِكَ، فهو يعذب فِي قبره ".
أَخْرَجَهُ فِي هَذِهِ الترجمة أَبُو نعيم، وحده، وأمَّا ابْنُ منده، وأبو عُمَر، فأخرجاه فِي ترجمة عَبْد الرَّحْمَن بْن حسنة، وهما واحد، والله أعلم.
ع عَبْد الرَّحْمَن بْن المطاع بْن عَبْد اللَّه بْن الغطريف بْن عَبْد العزى بْن جثامة بْن مَالِك بْن ملادم بْن مَالِك بْن رهم بْن يشكر بْن مبشر بْن الغوث بْن مر أخي تميم بْن مر وَيُقَال إنه من كندة وهو أخو شرحبيل بْن حسنة روى الْأَعْمَش، عن زَيْد بْن وهب، عن عَبْد الرَّحْمَن بْن حسنة، قَالَ: خرج علينا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه كهيئة الدرقة، فبال إليها، فَقَالَ بعضهم: انظروا، يبول كما تبول المرأة، فسمعه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: " أما علمت ما أصاب بني إسرائيل؟ كانوا إِذَا أصابهم شيء من البول قطعوه بالمقراض، فنهاهم صاحبهم عن ذَلِكَ، فهو يعذب فِي قبره ".
أَخْرَجَهُ فِي هَذِهِ الترجمة أَبُو نعيم، وحده، وأمَّا ابْنُ منده، وأبو عُمَر، فأخرجاه فِي ترجمة عَبْد الرَّحْمَن بْن حسنة، وهما واحد، والله أعلم.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=139385&book=5517#a92381
عبد الأول بن عيسى بن شعيب بن إبراهيم بن إسحاق السجزي، أبو الوقت بن أبي عبد الله الصوفي :
ولد بهراة ونشأ بها، وحمله والده إلى بوشنج، فأسمعه من أبي الحسن عبد الرحمن ابن محمد بن المظفر الداودي جميع صحيح البخاري ومسند الدارمي ومنتخب المسند لعبد بن حميد، وسمع أيضا من أبي القاسم أحمد بن محمد بن محمد العاصمي؛ وسمع
بهراة من أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد العزيز الفارسي وأبي صاعد يعلى بن هبة الله الفضيلي وأبي عاصم الفضيل بن يحيى الفضيلي في آخرين. وحدث بالكثير، وسافر إلى العراق، فحدث بأصبهان وهمذان ونهاوند، وقدم بغداد في شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ومعه أصوله، فحدث بها بجميع مروياته.
وكان الوزير أبو المظفر بن هبيرة قد استدعاه، وسمع عليه صحيح البخاري قرأه عليه أبو محمد بن الخشاب، وآخر من قرأه عليه ببغداد أبو محمد بن الأخضر. وكان شيخا صدوقا أمينا، من مشايخ المتصوفين ومحاسنهم، ذا ورع وعبادة مع علو سنه.
وله أصول حسنة وسماعات صحيحة.
أَخْبَرَنِي شِهَابُ بْنُ مَحْمُودٍ الْحَاتِمِيُّ بِهَرَاةَ قَالَ: حدثنا أبو سعد بن السمعاني من لفظه قال: عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي أبو الوقت سجزي الأصل، هروي المولد والمنشأ، شيخ صالح، حسن الأخلاق والأخلاق ، استسعد بصحبة الإمام عبد الله الأنصاري، وكان صبورا على القراءة عليه، محبا للرواية. سمعت أن والده عيسى حمله على رقبته من هراة إلى بوشنج، وسمّعه صحيح البخاري ومسند الدارمي والمنتخب من حديث عبد بن حميد، فلحقته بركة والده.
وسمعت أن والده سماه «محمدا» فسماه الإمام عبد الله الأنصاري «عبد الأول» وكناه «بأبي الوقت» .
وقال ابن الصوفي بن وقتة: سألته عن مولده، فقال: في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بهراة.
قال أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع: توفي أبو الوقت في ليلة الأحد سادس ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، ودفن بالشونيزية. وتقدم بالصلاة عليه الشيخ عبد القادر الجيلي. وكان سماعه للحديث بعد الستين وأربعمائة- رحمه الله.
ولد بهراة ونشأ بها، وحمله والده إلى بوشنج، فأسمعه من أبي الحسن عبد الرحمن ابن محمد بن المظفر الداودي جميع صحيح البخاري ومسند الدارمي ومنتخب المسند لعبد بن حميد، وسمع أيضا من أبي القاسم أحمد بن محمد بن محمد العاصمي؛ وسمع
بهراة من أبي عبد الله مُحَمَّد بن عبد العزيز الفارسي وأبي صاعد يعلى بن هبة الله الفضيلي وأبي عاصم الفضيل بن يحيى الفضيلي في آخرين. وحدث بالكثير، وسافر إلى العراق، فحدث بأصبهان وهمذان ونهاوند، وقدم بغداد في شوال سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة ومعه أصوله، فحدث بها بجميع مروياته.
وكان الوزير أبو المظفر بن هبيرة قد استدعاه، وسمع عليه صحيح البخاري قرأه عليه أبو محمد بن الخشاب، وآخر من قرأه عليه ببغداد أبو محمد بن الأخضر. وكان شيخا صدوقا أمينا، من مشايخ المتصوفين ومحاسنهم، ذا ورع وعبادة مع علو سنه.
وله أصول حسنة وسماعات صحيحة.
أَخْبَرَنِي شِهَابُ بْنُ مَحْمُودٍ الْحَاتِمِيُّ بِهَرَاةَ قَالَ: حدثنا أبو سعد بن السمعاني من لفظه قال: عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزي أبو الوقت سجزي الأصل، هروي المولد والمنشأ، شيخ صالح، حسن الأخلاق والأخلاق ، استسعد بصحبة الإمام عبد الله الأنصاري، وكان صبورا على القراءة عليه، محبا للرواية. سمعت أن والده عيسى حمله على رقبته من هراة إلى بوشنج، وسمّعه صحيح البخاري ومسند الدارمي والمنتخب من حديث عبد بن حميد، فلحقته بركة والده.
وسمعت أن والده سماه «محمدا» فسماه الإمام عبد الله الأنصاري «عبد الأول» وكناه «بأبي الوقت» .
وقال ابن الصوفي بن وقتة: سألته عن مولده، فقال: في ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وأربعمائة بهراة.
قال أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع: توفي أبو الوقت في ليلة الأحد سادس ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة، ودفن بالشونيزية. وتقدم بالصلاة عليه الشيخ عبد القادر الجيلي. وكان سماعه للحديث بعد الستين وأربعمائة- رحمه الله.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=151854&book=5517#b6d15d
عبد الرحمن بن الحارث السلامي الساحلي
قال عبد الرحمن: قال أبي للزهري، وكنا عنده:
لانزال نحسن الظن بالرجل من أهل القرأن وأهل المساجد ثم يخلف، قال الزهري: ذلك النقص يا أبا محمود، ثم قال الزهري: إن الناس كانوا في حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل سنة، ولم يكن لهم كثير عبادة، ولكنهم كانوا يؤدون الأمانة، ويصدقون النية. فلما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هبط الناس درجة، وكانوا على شريعة من أمرهم مع أبي بكر وعمر. فلما مات عمر هبط الناس درجة، وكانوا مع عثمان حسنة علانيتهم لا بأس بحالهم حتى قتل عثمان انتهك الحجاب، وكان الناس في فتنتهم استحلوا الدماء فتقاطعوا وتدابروا حتى انكشفت، ثم ألفهم الله في زمان معاوية بن أبي سفيان رحمه الله، فكانوا أهل دنيا يتنافسون فيها، ويتصنعون لها، ثم حضرتهم فتنة ابن الزبير فكانت الصليم، ثم صلحوا على يدي عبد الملك بن مروان. فأنت منكر معهم ما تذكر من حسن ظنك بهم وخلافهم، فليس يزال هذا الأمر ينقص حتى يكون أسعد أهل الإسلام أصحاب الحمام والكلاب، يعبدون الله على الأمر، ولا يعرفون حلالاً ولا حراماً.
قال عبد الرحمن بن الحارث: سمعت عمير بن هانئ يخطب عند منبر دمشق يقول: يا أيها الناس، إنما الهجرة هجرتان: هجرة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهجرة مع يزيد.
قال: ورايت زيد بن واقد ومبرد بن سنان أتيا الوليد يحملان رأس الوليد بن يزيد على ترس.
روى في هذه الترجمة عن عبيد الله بن عمر قال: لا تقل للرجل وهو ينازع: اتق الله، فإنه يقبح، وإذا ذكر رجل في قوم بصلاح فلا تقل: سبحان الله، فإنها غيبة، تدافع ذلك عنه، وإذا ذكر رجل من قوم بخير فلا تقل: لا إله إلا الله، فإنها إنكار، وفضل السلام على المعرض رياء، ولا بأس بالقوم إذا كانوا يتزاورون ويتهادون، لا يقطع العرض ذاك أن يكونوا على حالة.
قال عبد الرحمن: قال أبي للزهري، وكنا عنده:
لانزال نحسن الظن بالرجل من أهل القرأن وأهل المساجد ثم يخلف، قال الزهري: ذلك النقص يا أبا محمود، ثم قال الزهري: إن الناس كانوا في حياة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل سنة، ولم يكن لهم كثير عبادة، ولكنهم كانوا يؤدون الأمانة، ويصدقون النية. فلما مات رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هبط الناس درجة، وكانوا على شريعة من أمرهم مع أبي بكر وعمر. فلما مات عمر هبط الناس درجة، وكانوا مع عثمان حسنة علانيتهم لا بأس بحالهم حتى قتل عثمان انتهك الحجاب، وكان الناس في فتنتهم استحلوا الدماء فتقاطعوا وتدابروا حتى انكشفت، ثم ألفهم الله في زمان معاوية بن أبي سفيان رحمه الله، فكانوا أهل دنيا يتنافسون فيها، ويتصنعون لها، ثم حضرتهم فتنة ابن الزبير فكانت الصليم، ثم صلحوا على يدي عبد الملك بن مروان. فأنت منكر معهم ما تذكر من حسن ظنك بهم وخلافهم، فليس يزال هذا الأمر ينقص حتى يكون أسعد أهل الإسلام أصحاب الحمام والكلاب، يعبدون الله على الأمر، ولا يعرفون حلالاً ولا حراماً.
قال عبد الرحمن بن الحارث: سمعت عمير بن هانئ يخطب عند منبر دمشق يقول: يا أيها الناس، إنما الهجرة هجرتان: هجرة مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهجرة مع يزيد.
قال: ورايت زيد بن واقد ومبرد بن سنان أتيا الوليد يحملان رأس الوليد بن يزيد على ترس.
روى في هذه الترجمة عن عبيد الله بن عمر قال: لا تقل للرجل وهو ينازع: اتق الله، فإنه يقبح، وإذا ذكر رجل في قوم بصلاح فلا تقل: سبحان الله، فإنها غيبة، تدافع ذلك عنه، وإذا ذكر رجل من قوم بخير فلا تقل: لا إله إلا الله، فإنها إنكار، وفضل السلام على المعرض رياء، ولا بأس بالقوم إذا كانوا يتزاورون ويتهادون، لا يقطع العرض ذاك أن يكونوا على حالة.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=105825&book=5517#b61214
عبد الرحمن بن مسور بن مخرمة أبو المسور من سادات أهل المدينة مات سنة تسعين
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=105825&book=5517#107219
عَبْد الرَّحْمَن بْن مسور بْن مخرمَة يَرْوِي عَن أَبِيه وَأبي رَافع كُنْيَتُهُ أَبُو الْمسور رَوَى عَنْهُ أهل الْمَدِينَة وحبِيب بْن أبي ثَابت مَاتَ سنة تسعين أمه نسيمة بنت شُرَحْبِيل بْن حَسَنَة بْن عَبْد اللَّه بْن المطاع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=134060&book=5517#4f333d
عبد الرحمن بن عثمان بن مسعر، أبو أَحْمَد المسعري:
حدث عن مُحَمَّد بْن عمرو بْن الْعَبَّاس الباهلي، وَالحسن بْن أَبِي الربيع الجرجاني.
روى عنه حسينك النيسابوري، ويُوسُفُ بْن عُمَر القَوَّاسُ. وذكر يوسف أنه سمع منه في سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
أخبرنا البرقاني، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ، أخبرنا أبو أحمد
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مِسْعَرٍ الْمِسْعَرِيُّ- ببغداد- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أخبرنا عبد الرزاق، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
حدث عن مُحَمَّد بْن عمرو بْن الْعَبَّاس الباهلي، وَالحسن بْن أَبِي الربيع الجرجاني.
روى عنه حسينك النيسابوري، ويُوسُفُ بْن عُمَر القَوَّاسُ. وذكر يوسف أنه سمع منه في سنة سبع عشرة وثلاثمائة.
أخبرنا البرقاني، أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ، أخبرنا أبو أحمد
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مِسْعَرٍ الْمِسْعَرِيُّ- ببغداد- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أخبرنا عبد الرزاق، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: حَجَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=78253&book=5517#3d43b0
عبد الله بن شرحبيل بن حسنة القرشى
(2) ، رآى عثمان ابن عفان (2) رضى الله عنه، وعن عبد الرحمن بن ازهر، روى عنه الزهري وسعد بن ابراهيم.
(2) ، رآى عثمان ابن عفان (2) رضى الله عنه، وعن عبد الرحمن بن ازهر، روى عنه الزهري وسعد بن ابراهيم.