عَائِشَة بنت طَلْحَة بن عبيد الله
عائشة بنت طلحة بن عبيد الله
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة أم عمران التيميية، وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق امرأة جليلة تحدث الناس عنها بقدرها وأدبها، ووفدت على عبد الملك بن مروان وعلى هشام بن عبد الملك.
حدثت عن عائشة زوج النبي صلى الله عليى وسلم قالت: جاءت الأنصار بصبي لهم إلى النبي صلى الله عليى وسلم فقلت - أو قيل -: هنيئاً له يا رسول الله! لم يعمل شراٌ قط ولم يدركم، عصفورٌ من عصافير الجنة. قال: أو غير ذلك إن الله
خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم.
لما وفدت عائشة بنت طلحة على عبد الملك وأرادت الحج حملها احشامها على ستين بغلاً من بغال الملوك، فقال عروة بن الزبير:
يا عيش يا ذات البغال الستين ... أكل عامٍ هكذا تحجين
تزوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير بن العوام فقتل عنها، فخلف عليها عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي.
قال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: والله ما رأيت أحسن منك إلا معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليى وسلم. فقالت: والله لأنا أحسن من النار في عين المقرور في الليلة القارة.
قال أنس بن مالك: دخلت على عائشة بنت طلحة في حاجة، فقلت: إن القوم يريدون أن يدخلوا إليك فينظروا إلى حسنك، قالت: أفلا قلت لي فألبس ثيابي! من أحسن الناس في زمانها.
قال إسحاق بن طلحة دخلت على أم المؤمنين وعندها عائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك. قال: فجعلت أمها تسبها وتقول: أنت خير مني! قال: فقالت عائشة زوج النبي صلى الله عليى وسلم: ألا أقضي بينكما؟ قالتا: بلى، قالت: فإن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليى وسلم فقال له: يا أبا بكر! أنت عتيق الله من النار. فمن يومئذٍ سمي عتيقاً. قالت: ودخل طلحة بن عبيد الله عليه فقال: أنت يا طلحة ممن قضى نحبه.
حدثت عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فدخل
عليها زوجها هنالك وهو صائم، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ فقال: أقبلها وأنا صائم؟ فقالت: نعم.
قالت عائشة بنت طلحة: سافرت إلى مكة في العمرة، فلقيت عائشة أم المؤمنين فقالت لي: مالي أراك شعثة سيئة الهيئة! قالت: أسقطت سقطاً - أو ولدت ولداً - ولم أغتسل بعد. قالت: اغتسلي وادهني وتطيبي، فإنه قد حل لك كل شيء إلا زوجك.
حدث ابن عياش أن عائشة بنت طلحة كانت عند عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبا عذرتها، ثم هلك، فتزوجها مصعب بن الزبير فقتل عنها، فتزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر حيث وجهه عبد الملك من الشام إلى أبي فديك، وأمره أن ينتخب من أهل الكوفة ستة آلاف ومن أهل البصرة ستة آلاف فبنى بها في الحيرة.
قال ابن عياش: فحدثني من شهد عرسه تلك الليلة أنه مهدت له فرش لم أر مثلها، سبعة أذرع في عرض أربعة أذرع. قال: فانصرف تلك الليلة عن سبع مراتٍ. قال: فلقيته مولاةٌ لها حيث أصبح فقالت له: أبا حفص فديتك كملت في كل شيءٍ حتى في هذا! فلما مات ناحت عليه قائمة ولم تنح على أحدٍ منهم قائمة غيره. وكانت العرب إذا ناحت المرأة على زوجها قائمة علموا أنها لا تتزوج بعده. فقيل لها: يا عائشة! والله ما صنعت هذا بأحدٍ من أزواجك! فقالت: إنه كان فيه خلالً ثلاث، لم تكن في واحدٍ منهم: كان سيد بني تيم، وكان أقرب القوم، وأردت أن لا أتزوج بعده أبداً. قال: فعلم أنها كانت تؤثره على غيره.
قال إسحاق: دخلت على عائشة بنت طلحة، وكانت لا تحتجب من الرجال، تجلس وتأذن كما يأذن الرجل، فلقد رأيتني دخلت عليها وهي متكئة، ولو أن بعيراً أنيخ وراءها مارئي.
قال أبن إسحاق: فتزوجها مصعب بن الزبير على مئة ألف دينار. ثم تزوجها ابن عمها عمر بن عبيد الله، فأصدقها مئة ألف دينار.
حد الشعبي: دخلت المسجد باكراً فإذا أنا بمصعب بن الزبير على سرير جالساً والناس عنده، فجلست، وذهبت لأنصرف فقال: ادن، فدنوت فقال: إذا قمت فاتبعني، فجلست مليا، ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة، وتبعته، فلما طعن في الدار التفت إلي فقال: ادخل، ومضى نحو حجره، وتبعته، فالفت إلي فقال: ادخل، فدخلت فدخل صفته، فدخلت معه فإذا حجلة، وإنها لأول حجلةٍ رأيتها لأمير، فقمت ودخل الحجلة، فسمعت حركة، فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالانصراف ولا الجلوس، فإذا جاريةً قد جاءت فقالت: يا شعبي؛ يأمرك الأمير أن تجلس، فجلست على وسادة، ورفع سجف الحجلة، فإذا أجمل الناس! فلم أر زوجاً قط أجمل منهما! مصعب وعائشة بنت طلحة، فقال: يا شعبي أتعرف هذه؟ قلت: نعم، هذه سيدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة. قال: لا، ولكن هذه ليلى، ثم أنشأ يقول: من الطويل
وما زلت في ليلى لدن طرشاربي ... إلى اليوم أخفي حبها وأداجن
وأحمل في ليلى لقومٍ ضغينة ... وتحمل في ليلى علي الضغائن
إذا شئت يا شعبي، قال: فقمت، ثم رحنا إلى المسجد، فإذا مصعب جالس على سرير، فسلمت فقال: ادن، فدنوت، ثم قال: ادن، فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلى فقال: هل رأيت مثل ذلك الإنسان قط؟ قلت: لا والله، قال: أتدري لم أخلناك؟ قلت: لا، قال لتحدث بما رأيت. ثم التفت إلى عبد الله بن أبي
فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوباً. قال: فما انصرف أحد يومئذٍ بما انصرفت به، عشرة آلاف درهم ومثل كارة القصار ثياباً، ونظر إلى عائشة!.
وفي رواية: فقالت عائشة: ينصرف هكذا وقد رآني! فأمر لي بحق مليء وثياب.
وفي رواية: ثو قال: يا شعبي إنها اشتهت علي حديثك فحادثها، فخرج وتركها، فجعلت أنشدها وتنشدني، وأحدثها وتحدثني حتى أنشدتها قول قيس بن ذريح: من الطويل
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... فقد هلكت لبنى فما أنت صانع
قال: فلقد رأيتها وفي يدها غراب تنتف ريشه، وتضربه بقضيبٍ وتقول له: يا مشؤوم!.
وجه مصعب بن الزبير إلى عزة المدينية - وكانت من أعقل النساء - فأتته فقال لها: يا عزة! قد عزمت على تزويج عائشة بنت طلحة، وأنا أحب أن تصيري إليها متأملة لخلقةٍ مؤدية لخبرها إلى. فقالت: يا جارية، علي بمنقلي، فلبسته ثم صارت إلى منزل عائشة، فلما دخلت عليها قالت عائشة: مرحباً بالحبيبة، كيف نشطت لنا؟ قالت: جئت في حاجة، قالت: إذاً تقضى، قالت: ارمي عنك جلبابك، قالت: إذاً أفعل، ففعلت، ثم قالت لها: أعوذك بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، الله جارك، ثم رجعت إلى مصعب فقال: ما الخبر يا عزة؟ قالت: رأيت وجهاً أحسن من العافية، ولها عينان نجلاوان، وإن هما مسكن هاروت وماروت، من تحت ذلك أنف أقنى، وخدان أسيلان وفم كفم الرمانة، وعنق كإبريق فضة، تحت ذلك صدر فيه حقا عاجٍ، تحت ذلك
بطن أقب، ولها عجز كدعص الرمل، وفخذان كدعص الرمل، وفخذان لفاوان، وساقان رياوان، غير أني رأيت في رجليها كبراً، وهي تغيب عنك في وقت الحاجة.
فلما تزوجها مصعب ودخل بها دعت عائشة عزة ونسواناً من قريش، فلما أصبن من طعامها غنتهن ومصعب قائم في دهليز الدار: من المتقارب
وثغر أغر شتيت النبات ... لذيذ المقبل والمبتسم
وما ذقته غير ظني به ... وبالظن يحكم فينا الحكم
فقال مصعب وهو في الدهليز: بارك الله عليك يا عزة، لكنا والله ذقناه فوجدناه كما ذكرت.
كان مصعب بن الزبير - وهو على العراق - كذيراً ما يولع بقصيدة جميل بن معمر العذري، وبهذا البيت خاصة: من البسيط
ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت ... بالحجر يوم جلتها أم منظور
فقال مصعب: أفلا تجلين عائشة بنت طلحة علي كما جليتها؟ قالت: هيهات! هي بين يديك في كل ساعة وفي كل وقت، قال: فإنها من أشكس خلق الله خلقاً، فتصلحين بيني وبينها، لقد بلغ من شكاستها أني بعثت إليها أترضاها وبعثت إليها بأربع مئة ألف درهم فردتها علي وشتمت الرسول. فدخلت عليها أم منظور ثم قالت: مثلك في شرفك وقدرك في نفسك، ينسب إليك هذا الخلق وهذا الفعال الذي لا يشبهك! تحوجين زوجك إلى هذا! فسكتت عائشة فلم ترد عليها؛ وقالت أم منظور لمصعب: قد كلمتها لك فسكتت، ورضاها صمتها. ودخل مصعب، فلما رأته أمرت بالباب فأغلق في وجهه، فكسر الباب ودخل، فتنازعا، فضربها وضربته، فأصلحت بينهما أم منظور، فقال مصعب لعائشة: هذه أربع مئة ألف قد حضرت، وإلى أيام يأتينا مثلها ندفعها إليك، فأمرت عائشة بدفع
الأربع مئة ألف المعجلة إلى أم منظور.
قال ابن وداع الوراق: مر بلبل المجنون يوماً فجلس إلي ونظر في بعض الكتب التي كانت بين يديه فمر به أبيات فيها: من الطويل
ونهتجر الأيام ثم يردنا ... إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل
فقال لي: أتعرف من تمثل بهذا البيت في بعض الأمر؟ قلت: لا، قال: كانت عائشة بنت طلحة تحت مصعب بن الزبير، فعتبت عليه بسبب بعض جواريه فهجرته، فبلغ ذلك منه وانفتق عليه فتق بالبصرة فثار إليه، فرتقه ورجع، فقالت لها أم حبيبة امرأة أبي فروة: لو صرت إلى الأمير فأهديت إليه التهنئة بظفره لسره ذلك. فقامت نحوه، فلما رآها مصعب قال لها: مرحباً بالغضبان العاتب وأنشد:
ونهتجر الأيام ثم يردنا ... إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل
فقالت: والله لولا التهنئة لطال الإعراض. ثم أهوت إليه فعانقته فقال: معذرة من سهك الحديد، فقالت: أوذنب ذاك؟ لهو أطيب من ريح المسك. ثم قالت: أفلح الوجه وعلا العقب وليهنك الظفر! يا جواري أرخين الستور وانصرفن. فخلوا لشأنهما. قال ابن وداع: فكتبت هذا ولم ألبث أن مر بنا علام الطاهري، فأقبل علي فقال: من الطويل
بحق الهوى إن كنت ممن يحيه ... تحب غلام الطاهري المقرطقا
فإن قلت لي لا كنت كالشاه خيبة ... وإن قلت إيهاً كنت عندي الموفقا
وقام يسرع السعي خلفه ثم نادى: الشاه بن ميكال الشاه بن ميكال! فأثبت البيتين، ولم أعرف آخر خبره.
كتب أبان بن سعيد إلى أخيه يحيى بن سعيد، يخطب عليه عائشة بنت طلحة، ففعل، فقالت ليحيى: ما أنزل أبان أيلة؟ قال: أراد رخص سعرها وأراد العزلة، فقالت: اكتب إليه عني: من الطويل
حللت محل الضب لا أنت ضائر ... عدواً ولا مستنفع بك نافع
ابن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعيد بن تيم بن مرة أم عمران التيميية، وأمها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق امرأة جليلة تحدث الناس عنها بقدرها وأدبها، ووفدت على عبد الملك بن مروان وعلى هشام بن عبد الملك.
حدثت عن عائشة زوج النبي صلى الله عليى وسلم قالت: جاءت الأنصار بصبي لهم إلى النبي صلى الله عليى وسلم فقلت - أو قيل -: هنيئاً له يا رسول الله! لم يعمل شراٌ قط ولم يدركم، عصفورٌ من عصافير الجنة. قال: أو غير ذلك إن الله
خلق الجنة وخلق لها أهلاً، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم.
لما وفدت عائشة بنت طلحة على عبد الملك وأرادت الحج حملها احشامها على ستين بغلاً من بغال الملوك، فقال عروة بن الزبير:
يا عيش يا ذات البغال الستين ... أكل عامٍ هكذا تحجين
تزوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، ثم خلف عليها مصعب بن الزبير بن العوام فقتل عنها، فخلف عليها عمر بن عبيد الله بن معمر بن عثمان التيمي.
قال أنس بن مالك لعائشة بنت طلحة: والله ما رأيت أحسن منك إلا معاوية على منبر رسول الله صلى الله عليى وسلم. فقالت: والله لأنا أحسن من النار في عين المقرور في الليلة القارة.
قال أنس بن مالك: دخلت على عائشة بنت طلحة في حاجة، فقلت: إن القوم يريدون أن يدخلوا إليك فينظروا إلى حسنك، قالت: أفلا قلت لي فألبس ثيابي! من أحسن الناس في زمانها.
قال إسحاق بن طلحة دخلت على أم المؤمنين وعندها عائشة بنت طلحة وهي تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر: أنا خير منك، وأبي خير من أبيك. قال: فجعلت أمها تسبها وتقول: أنت خير مني! قال: فقالت عائشة زوج النبي صلى الله عليى وسلم: ألا أقضي بينكما؟ قالتا: بلى، قالت: فإن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليى وسلم فقال له: يا أبا بكر! أنت عتيق الله من النار. فمن يومئذٍ سمي عتيقاً. قالت: ودخل طلحة بن عبيد الله عليه فقال: أنت يا طلحة ممن قضى نحبه.
حدثت عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فدخل
عليها زوجها هنالك وهو صائم، فقالت له عائشة: ما يمنعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ فقال: أقبلها وأنا صائم؟ فقالت: نعم.
قالت عائشة بنت طلحة: سافرت إلى مكة في العمرة، فلقيت عائشة أم المؤمنين فقالت لي: مالي أراك شعثة سيئة الهيئة! قالت: أسقطت سقطاً - أو ولدت ولداً - ولم أغتسل بعد. قالت: اغتسلي وادهني وتطيبي، فإنه قد حل لك كل شيء إلا زوجك.
حدث ابن عياش أن عائشة بنت طلحة كانت عند عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر وكان أبا عذرتها، ثم هلك، فتزوجها مصعب بن الزبير فقتل عنها، فتزوجها عمر بن عبيد الله بن معمر حيث وجهه عبد الملك من الشام إلى أبي فديك، وأمره أن ينتخب من أهل الكوفة ستة آلاف ومن أهل البصرة ستة آلاف فبنى بها في الحيرة.
قال ابن عياش: فحدثني من شهد عرسه تلك الليلة أنه مهدت له فرش لم أر مثلها، سبعة أذرع في عرض أربعة أذرع. قال: فانصرف تلك الليلة عن سبع مراتٍ. قال: فلقيته مولاةٌ لها حيث أصبح فقالت له: أبا حفص فديتك كملت في كل شيءٍ حتى في هذا! فلما مات ناحت عليه قائمة ولم تنح على أحدٍ منهم قائمة غيره. وكانت العرب إذا ناحت المرأة على زوجها قائمة علموا أنها لا تتزوج بعده. فقيل لها: يا عائشة! والله ما صنعت هذا بأحدٍ من أزواجك! فقالت: إنه كان فيه خلالً ثلاث، لم تكن في واحدٍ منهم: كان سيد بني تيم، وكان أقرب القوم، وأردت أن لا أتزوج بعده أبداً. قال: فعلم أنها كانت تؤثره على غيره.
قال إسحاق: دخلت على عائشة بنت طلحة، وكانت لا تحتجب من الرجال، تجلس وتأذن كما يأذن الرجل، فلقد رأيتني دخلت عليها وهي متكئة، ولو أن بعيراً أنيخ وراءها مارئي.
قال أبن إسحاق: فتزوجها مصعب بن الزبير على مئة ألف دينار. ثم تزوجها ابن عمها عمر بن عبيد الله، فأصدقها مئة ألف دينار.
حد الشعبي: دخلت المسجد باكراً فإذا أنا بمصعب بن الزبير على سرير جالساً والناس عنده، فجلست، وذهبت لأنصرف فقال: ادن، فدنوت فقال: إذا قمت فاتبعني، فجلست مليا، ثم نهض فتوجه نحو دار موسى بن طلحة، وتبعته، فلما طعن في الدار التفت إلي فقال: ادخل، ومضى نحو حجره، وتبعته، فالفت إلي فقال: ادخل، فدخلت فدخل صفته، فدخلت معه فإذا حجلة، وإنها لأول حجلةٍ رأيتها لأمير، فقمت ودخل الحجلة، فسمعت حركة، فكرهت الجلوس ولم يأمرني بالانصراف ولا الجلوس، فإذا جاريةً قد جاءت فقالت: يا شعبي؛ يأمرك الأمير أن تجلس، فجلست على وسادة، ورفع سجف الحجلة، فإذا أجمل الناس! فلم أر زوجاً قط أجمل منهما! مصعب وعائشة بنت طلحة، فقال: يا شعبي أتعرف هذه؟ قلت: نعم، هذه سيدة نساء العالمين عائشة بنت طلحة. قال: لا، ولكن هذه ليلى، ثم أنشأ يقول: من الطويل
وما زلت في ليلى لدن طرشاربي ... إلى اليوم أخفي حبها وأداجن
وأحمل في ليلى لقومٍ ضغينة ... وتحمل في ليلى علي الضغائن
إذا شئت يا شعبي، قال: فقمت، ثم رحنا إلى المسجد، فإذا مصعب جالس على سرير، فسلمت فقال: ادن، فدنوت، ثم قال: ادن، فدنوت حتى وضعت يدي على مرافقه فأصغى إلى فقال: هل رأيت مثل ذلك الإنسان قط؟ قلت: لا والله، قال: أتدري لم أخلناك؟ قلت: لا، قال لتحدث بما رأيت. ثم التفت إلى عبد الله بن أبي
فروة فقال: أعطه عشرة آلاف درهم وثلاثين ثوباً. قال: فما انصرف أحد يومئذٍ بما انصرفت به، عشرة آلاف درهم ومثل كارة القصار ثياباً، ونظر إلى عائشة!.
وفي رواية: فقالت عائشة: ينصرف هكذا وقد رآني! فأمر لي بحق مليء وثياب.
وفي رواية: ثو قال: يا شعبي إنها اشتهت علي حديثك فحادثها، فخرج وتركها، فجعلت أنشدها وتنشدني، وأحدثها وتحدثني حتى أنشدتها قول قيس بن ذريح: من الطويل
ألا يا غراب البين قد طرت بالذي ... أحاذر من لبنى فهل أنت واقع
أتبكي على لبنى وأنت تركتها ... فقد هلكت لبنى فما أنت صانع
قال: فلقد رأيتها وفي يدها غراب تنتف ريشه، وتضربه بقضيبٍ وتقول له: يا مشؤوم!.
وجه مصعب بن الزبير إلى عزة المدينية - وكانت من أعقل النساء - فأتته فقال لها: يا عزة! قد عزمت على تزويج عائشة بنت طلحة، وأنا أحب أن تصيري إليها متأملة لخلقةٍ مؤدية لخبرها إلى. فقالت: يا جارية، علي بمنقلي، فلبسته ثم صارت إلى منزل عائشة، فلما دخلت عليها قالت عائشة: مرحباً بالحبيبة، كيف نشطت لنا؟ قالت: جئت في حاجة، قالت: إذاً تقضى، قالت: ارمي عنك جلبابك، قالت: إذاً أفعل، ففعلت، ثم قالت لها: أعوذك بالسميع العليم من الشيطان الرجيم، الله جارك، ثم رجعت إلى مصعب فقال: ما الخبر يا عزة؟ قالت: رأيت وجهاً أحسن من العافية، ولها عينان نجلاوان، وإن هما مسكن هاروت وماروت، من تحت ذلك أنف أقنى، وخدان أسيلان وفم كفم الرمانة، وعنق كإبريق فضة، تحت ذلك صدر فيه حقا عاجٍ، تحت ذلك
بطن أقب، ولها عجز كدعص الرمل، وفخذان كدعص الرمل، وفخذان لفاوان، وساقان رياوان، غير أني رأيت في رجليها كبراً، وهي تغيب عنك في وقت الحاجة.
فلما تزوجها مصعب ودخل بها دعت عائشة عزة ونسواناً من قريش، فلما أصبن من طعامها غنتهن ومصعب قائم في دهليز الدار: من المتقارب
وثغر أغر شتيت النبات ... لذيذ المقبل والمبتسم
وما ذقته غير ظني به ... وبالظن يحكم فينا الحكم
فقال مصعب وهو في الدهليز: بارك الله عليك يا عزة، لكنا والله ذقناه فوجدناه كما ذكرت.
كان مصعب بن الزبير - وهو على العراق - كذيراً ما يولع بقصيدة جميل بن معمر العذري، وبهذا البيت خاصة: من البسيط
ما أنس لا أنس منها نظرة سلفت ... بالحجر يوم جلتها أم منظور
فقال مصعب: أفلا تجلين عائشة بنت طلحة علي كما جليتها؟ قالت: هيهات! هي بين يديك في كل ساعة وفي كل وقت، قال: فإنها من أشكس خلق الله خلقاً، فتصلحين بيني وبينها، لقد بلغ من شكاستها أني بعثت إليها أترضاها وبعثت إليها بأربع مئة ألف درهم فردتها علي وشتمت الرسول. فدخلت عليها أم منظور ثم قالت: مثلك في شرفك وقدرك في نفسك، ينسب إليك هذا الخلق وهذا الفعال الذي لا يشبهك! تحوجين زوجك إلى هذا! فسكتت عائشة فلم ترد عليها؛ وقالت أم منظور لمصعب: قد كلمتها لك فسكتت، ورضاها صمتها. ودخل مصعب، فلما رأته أمرت بالباب فأغلق في وجهه، فكسر الباب ودخل، فتنازعا، فضربها وضربته، فأصلحت بينهما أم منظور، فقال مصعب لعائشة: هذه أربع مئة ألف قد حضرت، وإلى أيام يأتينا مثلها ندفعها إليك، فأمرت عائشة بدفع
الأربع مئة ألف المعجلة إلى أم منظور.
قال ابن وداع الوراق: مر بلبل المجنون يوماً فجلس إلي ونظر في بعض الكتب التي كانت بين يديه فمر به أبيات فيها: من الطويل
ونهتجر الأيام ثم يردنا ... إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل
فقال لي: أتعرف من تمثل بهذا البيت في بعض الأمر؟ قلت: لا، قال: كانت عائشة بنت طلحة تحت مصعب بن الزبير، فعتبت عليه بسبب بعض جواريه فهجرته، فبلغ ذلك منه وانفتق عليه فتق بالبصرة فثار إليه، فرتقه ورجع، فقالت لها أم حبيبة امرأة أبي فروة: لو صرت إلى الأمير فأهديت إليه التهنئة بظفره لسره ذلك. فقامت نحوه، فلما رآها مصعب قال لها: مرحباً بالغضبان العاتب وأنشد:
ونهتجر الأيام ثم يردنا ... إلى الوصل أنا لم يكن بيننا ذحل
فقالت: والله لولا التهنئة لطال الإعراض. ثم أهوت إليه فعانقته فقال: معذرة من سهك الحديد، فقالت: أوذنب ذاك؟ لهو أطيب من ريح المسك. ثم قالت: أفلح الوجه وعلا العقب وليهنك الظفر! يا جواري أرخين الستور وانصرفن. فخلوا لشأنهما. قال ابن وداع: فكتبت هذا ولم ألبث أن مر بنا علام الطاهري، فأقبل علي فقال: من الطويل
بحق الهوى إن كنت ممن يحيه ... تحب غلام الطاهري المقرطقا
فإن قلت لي لا كنت كالشاه خيبة ... وإن قلت إيهاً كنت عندي الموفقا
وقام يسرع السعي خلفه ثم نادى: الشاه بن ميكال الشاه بن ميكال! فأثبت البيتين، ولم أعرف آخر خبره.
كتب أبان بن سعيد إلى أخيه يحيى بن سعيد، يخطب عليه عائشة بنت طلحة، ففعل، فقالت ليحيى: ما أنزل أبان أيلة؟ قال: أراد رخص سعرها وأراد العزلة، فقالت: اكتب إليه عني: من الطويل
حللت محل الضب لا أنت ضائر ... عدواً ولا مستنفع بك نافع