Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب
Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 6554
2338. ذؤالة بن محمد1 2339. ذكوان7 2340. ذكوان بن إسماعيل بن يحيى1 2341. ذكي بن عبد الله1 2342. ذو الفقار بن محمد بن معبد1 2343. ذو القرنين12344. ذو القرنين بن ناصر الدولة1 2345. ذو الكفل قيل1 2346. ذو الكلاع5 2347. ذو النون بن إبراهيم1 2348. ذو النون بن علي بن أحمد1 2349. ذو مخمر ويقال ذو مخيمر الحبشي1 2350. ذواد العقيلي الجزري1 2351. ذيال بن محمد بن ذيال بن عامر1 2352. رؤبة بن العجاج4 2353. رابعة بنت إسماعيل1 2354. راشد بن أبي سكنة2 2355. راشد بن داود أبو المهلب1 2356. راشد بن سعد المقراني الحبراني الحمصي...1 2357. راشد بن سعيد بن راشد1 2358. رافع بن عمرو3 2359. رافع بن عمرو بن عويمر1 2360. رافع بن مكيث3 2361. رافع بن نصر أبو الحسن1 2362. رباب بنت امرئ القيس1 2363. رباح الأسود1 2364. رباح بن الوليد1 2365. رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان2 2366. رباح بن قصير اللخمي3 2367. ربعي بن حراش بن جحش1 2368. ربيعة الشعوذي1 2369. ربيعة بن أمية بن خلف1 2370. ربيعة بن الحارث بن عبيد1 2371. ربيعة بن الغاز بن ربيعة1 2372. ربيعة بن دراج بن العنبس1 2373. ربيعة بن ربيعة4 2374. ربيعة بن عامر القرشي العامري1 2375. ربيعة بن عباد4 2376. ربيعة بن عطاء بن يعقوب المدني1 2377. ربيعة بن عمرو أبو الغاز الجرشي1 2378. ربيعة بن فروخ أبي عبد الرحمن1 2379. ربيعة بن فضالة2 2380. ربيعة بن كعب أبو فراس الأسلمي1 2381. ربيعة بن لقيط بن حارثة1 2382. ربيعة بن يزيد أبو شعيب1 2383. ربيعة ولقبه مسكين بن أنيف1 2384. ربيعة ويقال النعمان بن نجوان1 2385. رجاء بن أبي سلمة1 2386. رجاء بن أشيم بن كميش1 2387. رجاء بن حيوة بن جنزل1 2388. رجاء بن سهل أبو نصر الصاغاني1 2389. رجاء بن عبد الرحيم أبو المضاء1 2390. رجاء بن عبد الواحد بن يوسف1 2391. رجاء بن مرجى بن رافع1 2392. رحمة بنت أفراييم بن يوسف1 2393. رحيم بن سعيد بن مالك1 2394. رزاح النهدي شاعر1 2395. رزام أبو قيس ويقال أبو الغصن1 2396. رزيق3 2397. رزيق القرشي المدني1 2398. رزينة مولاة النبي1 2399. رستم أبو يزيد1 2400. رشأ بن نظيف بن ما شاء الله1 2401. رشيق بن عبد الله أبو الحسن1 2402. رضوان بن إسحاق أبو زفر1 2403. رضوى مولاة النبي2 2404. رفدة بن قضاعة الغساني4 2405. رفيع بن مهران3 2406. ركن بن عبد الله بن سعد1 2407. رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب2 2408. رملة بنت الزبير بن العوام1 2409. رملة بنت معاوية بن بي سفيان1 2410. رواحة بنت أبي عمرو1 2411. رواد بن الجراح أبو عصام العسقلاني2 2412. روح بن الهيثم الغساني1 2413. روح بن جناح أبو سعد1 2414. روح بن حاتم بن قبيصة1 2415. روح بن حبيب التغلبي1 2416. روح بن زنباع بن سلامة1 2417. رومان مؤدب1 2418. رويفع مولى النبي2 2419. ريا حاضنة يزيد بن معاوية1 2420. رياح بن الفرج الدمشقي1 2421. رياح بن عبيدة الباهلي1 2422. رياح بن عثمان بن حيان1 2423. ريان بن عبد الله أبو راشد1 2424. زاذان أبو عمرو1 2425. زامل بن عمرو السكسكي4 2426. زبان بن عبد العزيز بن مروان2 2427. زجلة مولاة عاتكة بنت عبد الله1 2428. زحر بن قيس الجعفي الكوفي2 2429. زر بن حبيش بن حباشة2 2430. زرعة بن إبراهيم الدمشقي1 2431. زرعة بن ثوب المقرائي1 2432. زرقاء بنت عدي بن مرة1 2433. زريق خصي1 2434. زفر بن الحارث بن عبد عمرو1 2435. زفر بن عيلان بن زفر1 2436. زفر بن وثيمة بن عثمان1 2437. زفر مولى مسلمة بن عبد الملك1 Prev. 100
«
Previous

ذو القرنين

»
Next
ذو القرنين واسمه الإسكندر ابن فيلبس
وذكر نسبه أسماء يونانسية.
وقيل: اسم ذي القرنين صعب بن عبد الله، ونسبه إلى سبأ بن قحطان.
وفي كتاب أبي سلمة بن عبد الرحمن: إن الضحاك بن معد ولد رجلين: عبد الله بن الضحاك وهو ذو القرنين، وعباد بن الضحاك.
وقال بعض الفرس: إنه الإسكندر بن دارا بن بهمن الملك، والفرس تسميه الإسكندر.
قال أبو عبيدة: والثبت أن ذا القرنين الإسكندر كان من الروم، وإنه فيلووس بن مصريم بن هرمس بن هوديس. وفيه اختلاف.
قال هشام بن الكلبي: ومن بني يونان بن يافث بن نوح النبي صلى الله على نبينا وعليه وسلم رومي بن لنطي بن يونان بن يافث بن نوح. ومنهم ذو القرنين، وهو هرمس، ويقال هو ديس بن فيطون بن رومي بن لنطي بن كسلوجين بن يونان بن يافث بن نوح، وغيرهم.
وقيل: إن ذا القرنين كان ابن رجل من حمير حميرياً، وكان قد وفد إلى الروم، فأقام فيهم، وكان يسمى أبوه الفيلسوف لعقله وأدبه؛ فتزوج في الروم امرأةً من غسان وكانت على دين الروم فولدت ذا القرنين، فسماه أبوه الإسكندر. فهو الإسكندر بن
الفيلسوف بن حمير، وأمه رومية غسانية، ولذلك يقول تبع الحميري لما فخر بأجداده في قصيدة يقولها يفخر بذي القرنين إلى أجداده:
قد كان ذو القرنين جدي مسلماً ... ملكاً تدين له الملوك وتحشد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد
من بعده بلقيس كانت عمتي ... ملكتهم حتى أتاها المزهد
وليس كل الناس يعلم أنه من حمير، ولا يعرف أباه، وإنما نسبته الروم إلى أمه، كان أبوه مات وهو صغير، وخلفه في حجر أمه. ولذلك جهل العلماء ونسبوه إلى أمه. ولقد كان أبوه من أهل الملك والمروءة، ولذلك سمي الفيلسوف.
وقال قتادة: الإسكندر هو ذو القرنين، وأبوه قيصر وهو أول القياصرة، كان من ولد سام بن نوح عليهما السلام.
قال حبيب بن حماز: كنت عند علي بن أبي طالب وسأله رجل عن ذي القرنين قال: كيف بلغ المشرق والمغرب؟ فقال: سخر له السحاب ومدت له الأسباب، وبسط له في النور؛ قال: أزيدك؟ قال: فسكت الرجل، وسكت علي عليه السلام.
قال سيف بن وهب: دخلت شعب ابن عامر على أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: فإذا شيخ كبير قد وقع حاجبه على عينيه، قال: فقلت له: أحب أن تحدثني بحديث سمعته من علي ليس
بينك وبينه أحد؛ قال: أحدثك به إن شاء الله، وتجدني له حافظاً: أقبل علي يتخطى رقاب الناس بالكوفة، حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله ما بين لوحي المصحف آية تخفى علي، فيم أنزلت ولا أين نزلت، ولا ما عنى بها؛ والله لا تلقون أحداً يحدثكم ذلك بعدي حتى تلقوا نبيكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فقام رجل يتخطى رقاب الناس، فنادى: يا أمير المؤمنين، قال: فقال علي: ما أراك بمسترشد، أو ما أنت مسترشد، قال: يا أمير المؤمنين؛ حدثني عن قول الله عز وجل: " والذاريات ذرواً "؟ قال: الرياح، ويلك، قال: " فالحاملات وقراً "؟ قال: السحاب ويلك، قال: " فالجاريات يسراً "؟ قال: السفن ويلك، قال: " فالمدبرات أمراً "؟ قال: الملائكة ويلك، قال: يا أمير المؤمنين، أخبرني عن قول الله عز وجل: " والبيت المعمور، والسقف المرفوع "؟ قال: ويلك بيت في ست سماوات، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة، وهو الضراح، وهو حذاء الكعبة من السماء؛ قال: يا أمير المؤمنين؛ حدثني عن قول الله عز وجل: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفراً وأحلوا قومهم دار البوار، جهنم "؟ قال: ويلك ظلمة قريش، قال: يا أمير المؤمنين! حدثني عن قول الله عز وجل: " قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا "؟ قال: ويلك منهم أهل حروراء، قال: يا أمير المؤمنين، حدثني عن ذي القرنين، أنبياً كان أو رسولاً؟ قال: لم يكن نبياً ولا رسولاً ولكنه عبد ناصح الله عز وجل، فناصحه الله عز وجل وأحب الله فأحبه الله، وإنه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه فهلك، فغبر
زماناً، ثم بعثه الله عز وجل فدعاهم إلى الله عز وجل، فضربوه على قرنه الآخر، فهلك فذلك قرناه.
وفي حديث آخر: ولا نعلم أحداً من الناس كان له قرنان.
وقال ابن شهاب: إنما سمي ذو القرنين أنه بلغ قرن الشمس من مغربها وقرن الشمس من مطلعها فسمي ذا القرنين.
قال معاوية: ملك الأرض أربعة: سليمان بن داود النبي صلى الله عليهما وعلى نبينا وسلم؛ وذو القرنين؛ ورجل من أهل حلوان؛ ورجل آخر؛ فقيل له: الخضر؟. قال: لا.
وقال سفيان الثوري: بلغني أنه ملك الأرض كلها أربعة، مؤمنان وكافران: سليمان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وذو القرنين؛ ونمرود؛ وبختنصر.
وفي حديث آخر: نمرود بن كوش بن حام بن نوح؛ وبختنصر.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا أدري أتبع كان لعيناً أم لا؛ ولا أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا؛ ولا أدري ذو القرنين نبياً كان أم لا ".
وعن عبد الله بن عمرو قال: ذو القرنين نبي.
وعن سعيد بن مسعود، عن رجلين من كندة من قومه قالا: استطلنا يومنا فانطلقنا إلى عقبة بن عامر الجهني، فوجدناه في ظل داره جالساً،
فقلنا له: إنا استطلنا يومنا فجئنا نتحدث عندك، فقال: وأنا استطلت يومي فخرجت إلى هذا الموضع؛ قال: ثم أقبل علينا وقال: كنت أخدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرجت ذات يوم، فإذا برجال من أهل الكتاب بالباب معهم مصاحف، فقالوا: من يستأذن لنا على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فدخلت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته فقال: مالي ولهم، يسألوني عما لا أدري! إنما أنا عبد، لا أعلم إلا ما علمني ربي عز وجل ثم قال: ابغني وضوءاً، فأتيته بوضوء، فتوضأ ثم خرج إلى المسجد، فصلى ركعتين ثم انصرف، فقال لي وأنا أرى السرور والبشر في وجهه فقال: أدخل القوم علي، ومن كان من أصحابي فأدخله أيضاً. قال: فأذنت لهم، فدخلوا، فقال لهم: إن شئتم أخبرتكم عما جئتم تسألوني عنه من قبل أن تكلموا، وإن شئتم فتكلموا قبل أن أقول. قالوا: بل أخبرنا، قال: جئتم تسألوني عن ذي القرنين؛ إن أول أمره أنه كان غلاماً من الروم، أعطي ملكاً، فسار حتى أتى ساحل أرض مصر، فابتنى مدينةً يقال لها الإسكندرية، فلما فرغ من بنائها بعث الله تعالى ملكاً، ففرع به فاستعلى بين السماء والأرض ثم قال: انظر ما تحتك، فقال: أرى مدينتين ثم استعلى به ثانيةً، ثم قال: انظر ما تحتك، فنظر فقال: أرى مدينتين قد أحاطت بهما، ثم استعلى به وقال: انظر ما تحتك، فنظر فقال: ليس أرى شيئاً؛ فقال: المدينتان هو البحر المستدير وقد جعل الله تعالى له مسلكاً يسلك به، فعلم الجاهل وثبت العالم. قال: ثم جوزه فابتنى السد جبلين زلقين، لا يستقر عليهما شيء أصلاً. فلما فرغ منهما سار في الأرض، فأتى على أمة أو على قوم وجوههم كوجوه الكلاب، فلما قطعهم أتى على قوم قصار، فلما قطعهم أتى على قوم من الحيات، تلتقم الحية منهم الصخرة العظيمة، ثم أتى على الغرانيق. وقرأ هذه الآية: " وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سبباً ". فقالوا: هكذا نجده في كتابنا.
وعن ابن عباس قال: كان ذو القرنين ملكاً صالحاً، رضي الله عز وجل عمله وأثنى عليه في كتابه، وكان منصوراً، وكان الخضر وزيره.
قال مقاتل: كلن يفتح المدائن ويجمع الكنوز، فمنن اتبعه على دينه وشايعه عليه وإلا قتله.
وعن عبد الله بن عبيد بن عميرة أن ذا القرنين حج ماشياً فسمع به إبراهيم فتلقاه.
وروي أن إبراهيم خليل الرحمن كان جالساً بمكان، فسمع صوتاً فقال: ما هذا الصوت؟ قال: قيل له: هذا ذو القرنين قد أقبل في جنوده، فقال لرجل عنده: ائت ذا القرنين فأقرئه السلام، فأتاه فقال: إن إبراهيم يقرئك السلام. قال: ومن إبراهيم؟ قال: خليل الرحمن. قال: وإنه لها هنا؟ قال: نعم. قال: فنزل، قال: فقيل لبه: إن بينك وبينه هنيهةً. قال: ما كنت لأركب في بلد فيه إبراهيم. قال: فمشى إليه. قال: فسلم عليه فأوصاه إبراهيم، فأوحى الله إلى ذي القرنين: إن الله قد سخر لك السحاب، فاختر أيها شئت، إن شئت صعابها وإن شئت ذللها؛ فاختار ذلولها وفي رواية: هو الذي لا برق فيه ولا رعد فكان إذا انتهى من مكان من بر أو بحر لا يستطيع أن يتقدم احتملته السحاب فقذفته وراء ذلك حيث ما شاء.
وعن الحسن: أن ذا القرنين كان إذا انتهى إلى الأرض، أو كورة، ففتحها أمر أصحابه الذين معه أن يقيموا بها، وأخرج هؤلاء معه إلى الأرض التي تليهم؛ فبذلك كان يقوى الناس على السير معه، فكان ذو القرنين إذا سار يكون أمامه على مقدمته ست مئة ألف، وعلى ساقته مئة ألف، وهو في ألف ألف، لا ينقصون، كلما هرم رجل جعل مكانه غيره، وإذا مات رجل جعل مكانه غيره؛ فهذه العدة معه. فكان الله عز وجل ألهمه الرشد، ولقنه الحكمة والصواب، وأعطاه القوة والظفر والنصر.
قال سعيد بن جبير: سار ذو القرنين من مطلع الشمس إلى مغربها اثنتي عشرة سنة.
قال عبد الله بن جعفر الرقي: وشى واش برجل إلى الإسكندر، فقال له: أتحب أن نقبل منك ما قلت فيه على أنا نقبل منه ما قال فيك؟ فقال: لا، فقال له: فكف عن الشر يكف الشر عنك.
قال
ليث بن أبي سليم: مر ذو القرنين في مسيره على ملك منبطح على وجهه، آخذ بأصل جبل، فقال له ذو القرنين: يا عبد الله، أمعذب أم مأمور؟ قال: بل مأمور، قال: فما هذا؟ قال: الجبال كلها محدقة بهذا الجبل، فأنا ممسك بأصله، فمن أنت؟ قال: أنا ذو القرنين، قال: ألكم خلقت الجنة والنار؟ قال: نعم، قال: لقد خلقتم لأمر عظيم.
حدث قتادة عن الحسن: أن ذا القرنين لما سد الردم على يأجوج ومأجوج سار يريد اوراء المشرق والمغرب، فسار حتى بلغ ظلمةً عجز أصحابه عن المسير، وأعطى الله ذا القرنين تلك القوة والجلادة حتى سار ثمانية عشر يوماً وحده، لا يقف على سهل ولا جبل، ولا حجر ولا شجر؛ ولا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يركب، إذ سمع صوتاً من مسيرة يوم وليلة مثل الرعد القاصف، ورأى ضوءاً مثل البرق الخاطف، وقائل يقول: سبحان ربي من منتهى الدهر، سبحان ربي من منتهى قدمي من الأرض السابعة، سبحان من بلغ رأسي السماء، سبحان من بلغ يدي أقصى العالم. فلما دنا منه إذا هو بملك قابض على طرفي جبل قاف؛ وهو جبل من زمردة خضراء. فلما نظر إليه الملك ظن أنه ملك بعثه الله، يأمره أن يزيل الدنيا، فقال له: آدمي أم ملك؟ قال: لا بل آدمي، قال: من أين أقبلت؟ قال: جاوزت المشرق والمغرب وأنا أسير منذ ثمانية عشر يوماً في ظلمة على أرض ملساء، قال الملك: لم تمش على الأرض، وإنما مشيت ساعةً من النهار، وإنما مشيت على البحر السابع فشك ذو القرنين أن يكون قد مشى على الماء، فانغمس في الماء إلى ركبتيه فقال له الملك: ابن آدم، شككت أنك مشيت على الماء فاستيقن، فاستوى على الماء. قيل: يا أبا سعيد من سماه ذا القرنين؟ قال: ذلك الملك، فقال له: يا ذا القرنين! فقال له ذو القرنين: لعلك سببتني أو لقبتني، إن اسمي غير هذا، قال: ما سببتك ولا لقبتك، ولكنك جاوزت قرن المشرق والمغرب، فهذا اسمك واسم من يعمل كعملك، قال: فما لي أراك قابضاً على هذا الجبل؟ قال: إن الله جعل هذا الجبل وتد هذه الأرض، والجبال من دونه أوتاداً،
وكانت الأرض لا تستقر حتى وضع الله هذا الجبل، وأنبت الجبال من هذا كنبات الشجر من عروقها، وبعثني أن أمسك هذا الجبل أن لا تزول الدنيا، قال: فما خلف هذا الجبل؟ قال: سبعون حجاباً من نار، وسبعون حجاباً من دخان، وسبعون حجاباً من ثلج، وسبعون حجاباً من ظلمة، غلظ كل حجاب مسيرة خمس مئة عام، ومن خلف هؤلاء حملة الكرسي، أرجلهم من تحت الثرى السابعة، ولقد جاوزت رؤوسهم فوق سبع سماوات، ولولا هذه الحجب احترقت أنا وهذا الجبل من نورهم؛ قال: فما خلف أولئك؟ قال: من الحجب بعد ذلك، وخلف تلك الحجب حملة العرش قد مرقت أرجلهم أرضين السابعة، وجاوزت رؤوسهم فوق السماء السابعة، كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، ولولا تلك الحجب لاحترقت حملة الكرسي من نور حملة العرش، ولهم قرون غلظ كل قرن كل ملك ما بين الخافقين، قال: فما خلف أولئك؟ قال: أرض ملساء، ضوؤها من نورها، ونورها من ضوئها مسيرة الشمس أربعين يوماً، يكون مثل الدنيا عامرها، وعامرها أربعون ضعفاً، ليس فيه موضع شبر إلا وملك ساجد لم يرفع رأسه منذ خلقه الله، ولا يرفعه إلى يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم فقالوا: ربنا لم نعبدك حق عبادتك. قال: فما خلف أولئك؟ قال: ملائكة يضعفون عليهم أربعون ضعفاً، لكل ملك منهم أربعون رأساً، في كل رأس أربعون وجهاً، في كل وجه أربعون فماً، في كل فم أربعون لساناً، في كل لسان أربعون لغةً تسبح الله وتقدسه بكل لغة أربعين نوعاً، قال: فملا خلف أولئك؟ قال: ملائكة يضعفون على هؤلاء أربعين ضعفاً، طول كل منهم ما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، ليس في جسده موضع ظفر ابن آدم إلا فيه لسان ناطق يحمد الله ويقدسه. قال: فما خلف أولئك؟ قال: ملك قد أحاط بجميع ما ذكرت لك، لو أذن الله له لجمع جميع ما ذكرت لك، وما في سبع سماوات وسبع أرضين ما خلا العرش والكرسي؛ لالتقمهم بلقمة واحدة. قال: فما خلف ذلك؟ قال: انقطع علمي وعلم كل عالم وكل ملك، ليس وراء ذلك إلا الله عز وجل وبهاؤه وسلطانه. فانصرف ذو القرنين إلى أصحابه؛ فقال الحسن: إنما حمل ذا القرنين على أن يأتي المشرق والمغرب أنه وجد في بعض تلك الكتب أن رجلا من ولدر سام بن نوح يشرب من عين في البحر وهي من الجنة فيعطى الخلد. قال: فطلب تلك العين.
قال إسحاق: بلغني أن الخضر كان وزيره وكان معه يسايره، وكان يقال: كان ابن خالته، فبينما هو يسير معه في البحر إذ تخلف عنه الخضر، فهجم على تلك العين فشرب منها وتوضأ، فلما رجع إلى ذي القرنين أخبره، فقال له: إني أردت أمراً وفزت به أنت! فارجع عني. فحسده ورده. واغتم لذلك ذو القرنين حين فاته ما أراد؛ فقال له العلماء والحساب: لا تحزن، فإنا نرى لك أيها الملك مدةً طويلة، وإنك لا تموتإلا على أرض من حديد وسماء من خشب؛ فانصرف راجعاً يريد الروم، ويدفن كنوز كل أرض بها، ويكتب ذكر ذلك، ومبلغ ما دفن وموضعه، فيحمله معه في كتاب، حتى بلغ بابل، فرعف وهو في المسير فسقط عن دابته، فبسط له درع، وكانت الدرع إذ ذاك مثل الصفائح والجواشن، وإنما استحدث هذه الدروع داود عليه السلام، فنام على ذلك الدرع، فآذته الشمس، فدعوا له ترساً فأظلوه به، فنظر فإذا هو على حديد مضطجع، وفوقه خشب، فقال: هذه أرض من حديد وسماء من خشب، فدعا كاتبه واستعان بعلماء بابل فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، من الإسكندر بن قيصر رفيق أهل الأرض ببدنه قليلاً، ورفيق أهل السماء بروحه الطويل، إلى أمه روقية ذات الصفاء التي تمتع بثمرة قلبها في دار القرب، فهي مجاورته عما قليل في دار البعد، يا روقية يا ذات الصفاء، هل رأيت معطياً لا يأخذ ما أعطى؟ ولا معيراً لا يأخذ عاريته؟ ولا مستودعاً لا يأخذ وديعته؟ يا روقية، إن كان أحد بالبكاء حقيقاً فلتبك السماء على شمسها كيف يعلوها الطمس والكسوف، وعلى قمرها كيف يعلوه السواد، وعلى كواكبها كيف تنهار وتناثر، ولتبك الأرض على خضرتها ونباتها، والشجر على ثمارها، وأوراقها كيف تتحات وتصير هشيماً، ولتبك البحار على حيتانها؛ يا أمتاه، هل رأيت نعيماً لا يزول، أو حياً دائماً، فهما مقرونان بالفناء؛ يا أمتاه، لا يبغتنك موتي فإنك كنت مستيقنةً بأني أموت، وأنا لم يبغتني الموت لأني كنت مستيقنا أني من الذين يموتون. يا أمتاه، اعتبري ولا تحزني، فكوني في مصيبتي كما كنت تحبين أن أكون في الرجال؛ يا أمتاه، أقرأ عليك السلام إلى يوم اللقاء. قال: فمات، وكان فيمن ملك الضحاك بن الأهيون بعده.
وحدث أبو جعفر عن أبيه أنه سئل عن ذي القرنين فقال: كان ذو القرنين عبداً من عباد الله صالحاً، وكان من
الله بمنزل ضخم، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب، وكان له خليل من الملائكة يقال له زيافيل، وكان يأتي ذا القرنين يزوره، فبينما هما ذات يوم يتحدثان إذ قال له ذو القرنين: حدثني كيف عبادتكم في السماء؟ فبكى ثم قال: يا ذا القرنين، وما عبادتكم عند عبادتنا، إن في السماء لملائكةً، قيام لا يجلسون أبداً، ومنهم سجود لا يرفع رأسه أبداً، وراكع لا يستوي قائماً أبداً، أو رافع وجهه لا يطرف شاخصاً أبداً، يقولون: سبحان الملك القدوس، رب الملائكة والروح، رب، ما عبدناك حق عبادتك. فبكى ذو القرنين بكاءً شديداً ثم قال: يا زيافيل، إني أحب أن أعمر حتى أبلغ عبادة ربي حق طاعته، قال: وتحب ذلك يا ذا القرنين؟ قال: نعم، قال زيافيل: فإن لله عيناً تسمى عين الحياة، من شرب منها شربةً لم يمت أبداً حتى يكون هو الذي يسأل ربه الموت؛ قال ذو القرنين: فهل تعلمون أنتم موضع تلك العين؟ قال زيافيل: لا، غير أنا نتحدث في السماء أن لله في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولا جان، فنحن نظن أن العين في تلك الظلمة.
فجمع ذو القرنين علماء أهل الأرض، وأهل دراسة الكتب، وآثار النبوة فقال: أخبروني هل وجدتم في كتاب الله وفيما عندكم من أحاديث الأنبياء والعلماء قبلكم أن الله وضع في الأرض عيناً سماها عين الحياة؟ قالوا: لا، قال ذو القرنين: فهل وجدتم فيها أن الله وضع في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولا جان؟ قالوا: لا، قال عالم منهم: أيها الملك، لم تسأل عن هذا؟ قال: فأخبره بما قال له زيافيل، فقال له: أيها الملك، إني قرأت قصة آدم، فوجدت فيها أن الله وضع في الأرض ظلمةً لم يطأها إنس ولاجان، قال ذو القرنين: فأين وجدتها من الأرض؟ قال: وجدتها عند قرن الشمس. فبعث ذو القرنين فحشر الفقهاء والأشراف والملوك والناس، ثم سار يطلب مطلع الشمس، فسار إلى أن بلغ طرف الظلمة اثنتي عشرة سنة. فأما الظلمة فليست بليل، وهي ظلمة تفور مثل الدخان فعسكر ثم جمع علماء أهل عسكره فقال لهم: إني أريد أن أسلك هذه الظلمة، فقالوا: أيها الملك، قد كان قبلك من الأنبياء والملوك لم يطلبوا هذه الظلمة؛ ولا تطلبها فإنا نخاف أن ينبعق عليك أمر تكرهه، ويكون فيه فساد أهل الأرض. قال ذو القرنين: لا بد من
أن أسلكها؛ فخرت العلماء سجوداً، ثم قالوا: أيها الملك؛ كف عن هذه ولا تطلبها، فإنا لو كنا نعلم أنك إذا طلبتها ظفرت بما تريد ولم يسخط الله علينا لكان، ولكنا نخاف العيب من الله، وأن ينبعق علينا منها أمر يكون فيه فساد أهل الأرض ومن عليها، فقال ذو القرنين: إنه لا بد من أن أسلكها، قالوا: فشأنك. قال: فأخبروني، أي الدواب أبصر؟ قالوا: البكارة، فأرسل فجمع له ألف فرس أنثى بكارة، وانتخب من عسكره ستة آلاف رجل من أهل العقل والعلم؛ فدفع إلى كل رجل فرساً، وعقد للخضر على مقدمته في ألفي رجل، وبقي هو في أربعة آلاف، وقال لمن بقي من الناس في العسكر: لا تبرحوا من عسكركم اثنتي عشرة سنة، فإن نحن رجعنا إليكم، وإلا فارجعوا إلى بلدكم، فقال الخضر: أيها الملك، إنما نسلك ظلمة لا ندري كم مسيرتها ولا بعضنا بعضاً، فكيف تصنع بالضلل إذا أضللنا؟ فدفع ذو القرنين خرزةً حمراء فقال: إذا أصابكم الضلل فاطرح هذه الخرزة إلى الأرض، فإذا صاحت فليرجع أهل الضلال؛ فسار الخضر بين يدي ذي القرنين، يرتحل الخضر وينزل ذو القرنين؛ وقد عرف الخضر ما يطلب ذو القرنين، وذو القرنين يكتمه ذلك.
فبينما الخضر يسير إذ عارضه واد، فظن أن العين في ذلك الوادي. فلما رأى شفير الوادي قال لأصحابه: قفوا ولا يبرحن رجل منكم من موضعه، ورمى الخضر بالخرزة فإذا هي على حافة العين، فنزع الخضر ثيابه، فإذا ماء أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من الشهد، فشرب منه وتوضأ واغتسل، ثم خرج فلبس ثيابه، ثم رمى بالخرزة نحو صاحبه، فوقعت الخرزة فصاحت، فرجع الخضر إلى صوت الخرزة وإلى أصحابه، فركب فقال لأصحابه: سيورا بسم الله، ومر ذو القرنين فأخطأ الوادي، فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوماً، ثم خرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر، أرض حمراء خشاشة، وإذا في تلك الأرض قصر مبني، طوله فرسخ في فرسخ، مبوب ليس له أبواب، فنزل ذو القرنين بعسكره، ثم خرج وحده حتى نزل القصر، فإذا حديدة قد وضع طرفها على حافتي القصر من هاهنا وهاهنا، وإذا طائر أسود كأنه الخطاف مزموماً بأنفه إلى الحديدة، معلق بين السماء والأرض، فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين قال: من ذا؟ قال: ذو القرنين، قال الطائر: أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلي يا ذا القرنين؟ حدثني، قال: سل عم
شئت، قال: هل كثر بناء الجص والآجر؟ قال: نعم، قال: فانتفض انتفاضة ثم انتفخ حتى بلغ ثلث الحديدة، ثم قال: يا ذا القرنين! أخبرني، قال: سل، قال: هل كثرت شهادات الزور في الأرض؟ قال: نعم، قال: فانتفض الطائر ثم انتفخ حتى ملأ ثلثي الحديدة، ثم قال: يا ذا القرنين أخبرني، هل كثرت المعازف في الأرض؟ قال: نعم، فانتفض الطائر ثم انتفخ حتى ملأ الحديدة، وسد ما بين جداري القصر؛ ففرق ذو القرينن فرقاً شديداً، فقال الطائر: يا ذا القرنين، لاتخف حدثني، قال: سل، قال: هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله بعد؟ قال: لا، قال: فانتفض الطائر ثلثاً ثم قال: حدثني، قال: سل، قال: هل ترك الناس صلاة المكتوبة بعد؟ قال: لا، قال: فانتفض الطائر ثلثاً ثم قال: حدثني، قال: سل، قال: ترك الناس الغسل من الجنابة بعد؟ قال: لا، قال: فعاد الطائر كما كان.
ثم قال: يا ذا القرنين، اسلك الدرجة إلى أعلى القصر؛ فسلكها ذو القرنين وهو خائف حتى استوى على صدر الدرجة، إذا سطح ممدود، وإذا عليه رجل نائم أو شبيه بالرجل، شاب عليه ثياب بياض، رافع وجهه إلى السماء، واضع يده على فيه. فلما سمع حس ذي القرنين، قال: من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين فمن أنت؟ قال: أنا صاحب الصور، قال: فما لي أراك واضعاً يدك على فيك، رافعاً وجهك إلى السماء؟ قال: إن الساعة قد اقتربت، فأنا أنتظر من ربي أن يأمرني أن أنفخ فأنفخ؛ ثم أخذ صاحب الصور من بين يديه شيئاً كأنه حجر فقال: خذ هذا يا ذا القرنين، فإن شبع هذا الحجر شبعت، وإن جاع جعت. فأخذ ذو القرنين الحجر ثم رجع إلى أصحابه، فحدثهم بالطائر وما قال له وما رد عليه، وما قال له صاحب الصور وما رد عليه. فجمع ذو القرنين أهل عسكره ثم قال: أخبروني عن هذا الحجر ما أمره؟ فأخذ العلماء كفتي الميزان فوضعوا الحجر في إحدى الكفتين، ثم أخذوا حجراً مثله فوضعوه في الكفة الأخرى، فإذا الحجر الذي جاء به ذو القرنين يميل بجميع ما وضع معه، حتى وضعوا معه ألف حجر، فقال العلماء: أيها الملك، انقطع علمنا دون هذا، أسحر هذا أم علم؟ ما ندري ما هذا! والخضر ينظر ما يصنعون وهو ساكت؛ فقال ذو القرنين للخضر: هل عندك علم من هذا؟ قال: نعم، فأخذ الميزان بيده، وأخذ الحجر الذي جاء به ذو القرنين فوضعه في إحدى الكفتين، ثم أخذ حجراً من تلك الحجارة مثله فوضعه في الكفة الأخرى، ثم أخذ كفاً من تراب فوضعه مع الحجر الذي
جاء به ذو القرنين فاستوى، فخر العلماء سجداً وقالوا: سبحان الله، إن هذا العلم ما نبلغه، فقال ذو القرنين للخضر: فأخبرنا ما هذا؟ فقال الخضر: أيها الملك، إن سلطان الله قاهر لخلقه، وأمره نافذ فيهم، وإن الله ابتلى خلقه بعضهم ببعض، فابتلى العالم بالعالم، والجاهل بالجاهل، وابتلى العالم بالجاهل، والجاهل بالعالم؛ وإن الله ابتلاني بك، وابتلاك بي؛ فقال له ذو القرنين: حسبك، قد أبلغت فأخبرني. قال: أيها الملك، هذا مثل ضربه صاحب الصور، إن الله سيب لك البلاد، فأوطأك منها ما لم يوطئ أحداً، فلم تشبع، وأبت نفسك إلا شرهاً حتى بلغت من سلطان الله ما لم يبلغه أحد، ولم يطلبه إنس ولا جان؛ فهذا مثل ضربه لك صاحب الصور، فإن ابن آدم لن يشبع أبداً دون أن يحثى التراب. فبكى ذو القرنين ثم قال: صدقت يا خضر في ضرب هذا المثل، لا جرم لا أطلب أثراً في البلاد بعد مسيري هذا حتى أموت. ثم ارتحل ذو القرنين راجعاً، حتى إذا كان في وسط الظلمة لقي الوادي الذي كان فيه الزبرجد، فقال الذين معه: أيها الملك، ما هذا تحتك وسمعوا خشخشةً تحتهم؟ فقال ذو القرنين: خذوا فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم؛ فأخذ الرجل منهم الشيء بعد الشيء، وترك عامتهم فلم يأخذوا شيئاً. فلما خرجوا إذا هو زبرجد، فندم الآخذ والتارك. ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل، وكان منزله بها، فقام بها حتى مات.
قال أبو جعفر: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يرحم الله أخي ذا القرنين لو ظفر بالزبرجد في مبدئه ما ترك منه شيئاً حتى يخرجه إلى الناس، لأنه كان راغباً في الدنيا، ولكنه ظفر به وهو زاهد في الدنيا، لا حاجة له فيها ".
قال وهب بن منبه: لما بلغ ذو القرنين مطلع الشمس قال له ملكها: يا ذا القرنين، صف لي الناس، قال: إن محادثتك من لا يعقل بمنزلة رجل يغني الموت، ومحادثة من لا يعقل بمنزلة رجل يبل الصخر حتى يبتل، ويطبخ الحديد يلتمس إدامه، ومحادثتك من لا يعقل بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور؛ ونقل الحجارة أيسر من محادثتك من لا يعقل.
وعن وهب بن منبه: أن ذا القرنين قال لبعض الأمم: ما بال كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنا لا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضاً.
وعنه أيضاً: أن ذا القرنين أتى مغرب الشمس، فرأى قوماً لا يعملون عملاً، وإذا منازلهم ليس لها أبواب، وليس لهم حكام ولا قضاة؛ فاجتمعوا إليه فقال لهم: قد رأيت منكم عجباً، قالوا: وما رأيت من العجب؟ فقال: أرى قبوركم على باب منازلكم، قالوا: كي لا ننسى الموت، قال: فما لي أرى بيادركم واحدة؟! قالوا: لنتقاسم بالسوية، فنعطي من زرع ومن لم يزرع؛ قال: فما لي أرى بيوتكم ليس لها أبواب؟! قالوا: ليس فينا متهم، قال: فما لي أرى الحيات والعقارب تدور فيما بينكم ولا تضركم؟! قالوا: نزع الله من قلوبنا الغش والحناث، فنزع منها السموم؟ قال: فما لي لا أرى فيكم حكاماً؟! قالوا: ليس فينا من يظلم صاحبه، قال: فما لي أراكم أطول الناس أعماراً؟! فقالوا: وصلنا أرحامنا فطول الله عز وجل أعمارنا.
وعن شعيب بن سليمان قال: أتى ذو القرنين مغيب الشمس، وأتى ملكاً من الملائكة كأنه يترجح في أرجوحة من خوف الله عز وجل؛ فهاله ذلك فقال له: علمني علماً لعلي أزداد إيماناً، فقال: إنك لا تطيق ذلك، فقال: لعل الله عز وجل أن يطوقني لذلك، فقال له الملك: لا تغتم لغد، واعمل في اليوم لغد، فإذا آتاك الله من الدنيا سلطاناً فلا تفرح به، وإن صرف عنك فلا تأس عليه، وكن حسن الظن به، وضع يدك على قلبك، فما أحببت أن تصنع بنفسك فاصنعه بأخيك، ولا تغضب فإن السلطان أقدر ما يكون على ابن آدم حين يغضب؛ فرد الغضب بالكظم، وسكنه بالتؤدة؛ وإياك والعجلة، فإنك إذا عجلت أخطأت؛ وكن سهلاً ليناً للقريب والبعيد؛ ولا تكن جباراً عنيداً.
وعن عبد الرحمن بن عبد الله الخزاعي: أن ذا القرنين كان فيما مكن الله عز وجل له، فيما سار من مطلع الشمس إلى مغربها إلى
السد، وكان إذا نصر على أمة أخذ منها جيشاً، فسار بهم إلى امة غيرهم، فإذا فتح الله عز وجل له، وزاد ذلك الجيش أخذ من الآخرين الذين يفتح له عليهم حتى يبلغ مكانه الذي يريد، وأتى على أمة من الأمم ليس في أيديهم شيء مما يستمتع به الناس من دنياهم؛ قد احتفروا قبوراً، فإذا أصبحوا تعاهدوا تلك القبور، فنكسوها وصلوا عندها، ورعوا البقل كما ترعى البهائم، وقد قيض لهم في ذلك معاش من نبات الأرض، فأرسل ذو القرنين إلى ملكهم، فقيل له: أجب الملك ذا القرنين، فقال: مالي إليه من حاجة فأقبل إليه ذو القرنين فقال له: إني أرسلت إليك لتأتيني فأبيت، فها أنا ذا قد جئتك؛ فقال له: لو كانت لي إليك حاجة لأتيتك، فقال له ذو القرنين: مالي أراكم على الحال التي رأيت، لم أر عليها أحداً من الأمم التي رأيت؟! قال: وما ذلك؟ قال: ليس لكم دنيا ولا شيء، أفلا اتخذتم الذهب والفضة فاستمتعتم بها؟ فقال: إنما كرهناها لأن أحدكم لا يعطى منها شيئاً إلا تاقت نفسه ودعته إلى أفضل منه؛ فقال: فما بالكم قد حفرتم قبوراً، فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم عندها؟! قالوا: أردنا إذا نحن نظرنا إليها تأملنا الدنيا، منعتنا قبورنا من الأمل. قال: وأراكم لا طعام لكم إلا البقل من نبات الأرض، أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وركبتموها واستمتعتم بها؟ فقال: كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً لشيء من خلق ربنا عز وجل، ورأينا أن في نبات الأرض بلاغاً، وإنما يكفي ابن آدم أدنى العيش من الطعام، وإن ما جاوز الحنك لم نجد له طعماً كائناً ما كان من الطعام.
ثم بسط ملك تلك الأمة يده خلف ذي القرنين، فتناول جمجمةً وقال: يا ذا القرنين! أتدري من هذا؟ قال: لا، ومن هو؟ قال: ملك من ملوك الأرض، أعطاه الله عز وجل سلطاناً على أهل الأرض، فغشم وظلم وعتا، فلما رأى الله ذلك منه حسمه بالموت فصار كالحجر الملقى، قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجيء به في آخرته. ثم يتناول جمجمةً أخرى بالية، فقال: يا ذا القرنين! أتدري من هذا؟ قال: لا، ومن هو؟ قال: هذا ملك ملكه الله بعده، قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الظلم والغشم والجبر، فتواضع وتخشع لله عز وجل، وعمل بالعدل في أهل مملكته، فصار كما قد ترى، قد أحصى الله عز وجل عليه عمله حتى يجزيه في آخرته. ثم أهوى إلى جمجمة ذي
القرنين فقال: وهذه الجمجمة، كأن قد كانت كهاتين، فانظر يا ذا القرنين ما أنت صانع؛ فقال ذو القرنين: هل لك في صحبتي فأتخذك أخاً ووزيراً وشريكاً فيما آتاني الله عز وجل من هذا الملك؟ فقال له: ما أصلح أنا وأنت في مكان، ولا أن نكون جميعاً، فقال له ذو القرنين: ولم؟ فقال: من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق، قال: وعم ذلك؟ قال: يعادونك لما في يديك من الملك والمال والدنيا، ولا أجد أحداً يعاديني لرفضي الملك، ولما عندي من الحاجة وقلة الشيء. فانصرف عنه ذو القرنين.
وفي حديث قال: مر الإسكندر بمدينة قد ملكها أملاك سبعة وبادوا، فقال: هل بقي من نسل الأملاك الذين ملكوا هذه أحد؟ قالوا: نعم رجل يكون في المقابر، فدعا به قال: ما دعاك إلى لزوم المقابر؟! قال: أردت أن أعزل عظام الملوك من عظام عبيدهم، فوجدت عظامهم وعظام عبيدهم سواء، فقال له: فهل لك أن تتبعني فأورثك شرف آبائك إن كانت لك همة؟ قال: إن همتي لعظيمة إن كانت بغيتي عندك، قال: وما بغيتك؟ قال: حياة لا موت فيها، وشباب لا هرم معه، وغنىً لا فقر فيه، وسرور بغير مكروه؛ قال: لا؛ قال: فامض لشأنك ودعني أطلب ذلك ممن هو عنده عز وجل ويملكه. قال الإسكندر: هذا أحكم من رأيت.
قال سليمان الأشج صاحب كعب الأحبار: كان ذو القرنين ملكاً صالحاً، وكان طوافاً في الأرض، فبينا هو يطوف يوماً إذ وقف على جبل الهند، فقال له الخضر وكان صاحب لوائه الأعظم: مالك أيها الملك قد فزعت ووقفت؟! فقال: ومالي لا أفزع وأقف، وهذا أثر الآدميين، وموضع قدمين وكفين، وهذه الأشجار ما رأيت في طوافي أطول منها، يسيل منها ماء أحمر! إن لها لشأناً! قال: وكان الخضر قد قرأ كل كتاب فقال للملك: أما ترى الورقة المعلقة في الشجرة الكبرى؟ قال: بلى، قال: هي تخبرك بنبإ هذا المكان؛ قال: فرأى كتاباً فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم. من آدم أبي البشر عليه السلام إلى ذريته أوصيكم ذريتي، بني وبناتي بتقوى الله، وأحذركم كيد عدوي وعدوكم إبليس اللعين، الذي
يلين كلامه ويجوز أمنيته، أنزلني من الفردوس الأعلى إلى البرية، فألقيت في موضعي هذا لا يلتفت إلي مئتي سنة بخطيئة واحدة عملتها وهذا أثري، وهذه الأشجار نبتت من دموعي، وعلي في هذا الموضع أنزلت التوبة، فتوبوا إلى ربكم قبل أن تندموا، وقدموا قبل أن تقدموا، وبادروا قبل أن يبادر بكم والسلام.
قال: فنزل ذو القرنين فمسح جلوس آدم عليه السلام فإذا هو مئة وثمانون ميلاً، وعد الأشجار التي نبتت من دموع آدم عليه السلام فإذا هي سبع مئة شجرة. قال: فلما قتل هابيل قابيل جفت الأشجار وسال منها الماء الأحمر، فقال ذو القرنين للخضر: ارجع بنا، فوالله لا طلبت الدنيا بعدها ابداً.
وحدث قتادة عن الحسن: أن ذا القرنين كان يتفقد أمور ملوكه وعماله بنفسه، وكان لا يطلع على أحد منهم خيانةً إلا أنكر ذلك عليه، وكان لا يقبل ذلك حتى يطلع هو عليه نفسه. قال: فبينا هو يسير متنكراً في بعض المدائن، قال: فجلس إلى قاض من قضاتهم أياماً، لا يختلف إليه أحد في خصوم، فلما أن طال ذلك بذي القرنين ولم يطلع على شيء من أمر ذلك القاضي، وهم بالانصراف، إذا هو برجلين قد اختصما إليه، فادعى أحدهما فقال: أيها القاضي، إني اشتريت من هذا داراً عمرتها ووجدت فيها كنزاً، وإني دعوته إلى أخذه فأبى علي، فقال له القاضي: ما تقول؟ قال: ما دفنت ولا علمت به وليس هو لي ولا أقبضه منه، قال المدعي: أيها القاضي، مر من يقبضه فيضعه حيث أحببت، فقال القاضي: تفر من الشر وتدخلني فيه؟ ما أنصفتني، وما أظن هذا في قضاء الملك، فقال القاضي: هل لكما في أمر أنصف مما دعوتماني إليه؟ قالا: نعم، قال للمدعي: ألك ابن؟ قال: نعم، وقال للآخر: ألك أمة؟ قال: نعم، قال: اذهبا فزوج ابنتك من ابن هذا وجهزوهما من هذا المال، وادفعوا فضل ما بقي إليهما يعيشان به، فتكونا قد صليتما بخيره وشره. فعجب ذو القرنين حين سمع ذلك، ثم قال للقاضي: ما ظننت أن في الأرض أحداً يفعل مثل هذا، أو قاض يقضي بمثل هذا! فقال القاضي وهو لا يعرفه: فهل أحد يفعل غير هذا؟ قال ذو القرنين: نعم، قال القاضي: فهل تمطرون في بلادكم؟ فعجب ذو القرنين من ذلك فقال: بمثل هذا قامت السماوات والأرض.
وعن الشافعي قال: جلس الإسكندر يوماً فلم يأته طالب حاجة. فلما قام عن مجلسه قال: هذا يوم لا أعده من عمري.
قيل للإسكندر: مالنا نرى تجليلك أستاذك أكثر من تجليلك لوالدك؟ فقال: لأن والدي سبب حياتي الفانية، وأستاذي سبب حياتي الباقية.
قال أبو سعيد النيسابوري الواعظ: كتب الإسكندر على باب مدينة الإسكندرية: أجل قريب بيد غيرك، وسوق حثيث من الليل والنهار، وإذا انتهت المدة حيل بينك وبين العدة، فأكرم أجلك بحسن صحبة سائقيك، وإذا بسط لك الأمل فاقبض نفسك عنه بالأجل، فهو المورد وإليه الموعد.
قال سفيان: بلغنا أن أول من صافح ذو القرنين.
وعن كعب الأحبار: أن ذا القرنين لما حضرته الوفاة كتب إلى أمه يأمرها أن تصنع طعاماً، ثم تخرج عليه نساء أهل المدينة، فإذا وضع الطعام بين أيديهن، فاعزمي عليهن أن لا تأكل منه امرأة ثكلى؛ ففعلت ذلك، فلم تمد امرأة يدها إليه؛ فقال: سبحان الله، كلكن ثكلى؟ قلن: إي والله، ما منا امرأةإلا أثكلت.
قيل: إن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف سنة؛ وذلك أنه ولد بالروم حين نزل شام الروم، فكان هو من القرن الأول.
وقيل: إن ذا القرنين مات وله ست وثلاثون سنة، وقيل: اثنتان وثلاثون سنة. وكان ملك الإسكندر ست عشرة سنة.
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to Ibn Manẓūr (d. 1311 CE) - Mukhtaṣar Tārīkh Dimashq - ابن منظور - مختصر تاريخ دمشق are being displayed.