دعلج بْن أَحْمَد بْن دعلج بْن عَبْد الرَّحْمَنِ، أَبُو مُحَمَّد السجستاني المعدل :
سمع الحديث ببلاد خراسان، وَبالري، وَحلوان، وَبغداد، وَالبصرة، وَالكوفة وَمكة، وَكَانَ من ذوي اليسار وَالأحوال، وَأحد المشهورين بالبر وَالإفضال، وَله صدقات جارية، وَوقوف محبسة على أَهْل الحديث بِبَغْدَادَ، وَمكة، وَسجستان وَكَانَ جاور بمكة زمانا، ثُمَّ سكن بَغْدَاد وَاستوطنها، وَحدث بها عن محمّد بن عمرو الحرضي، وَمحمد بْن النَّضْر الجارودي، وَجعفر بْن مُحَمَّد الترك، وَعبد اللَّه بْن شيرويه النيسابوريين، وَعن عثمان بن سعيد الدارمي، وعلي بن محمد بن عيسى الجكاني القزوينيّ، وعن محمّد بن إبراهيم البوسنجي. والحسن بن سفيان النسوي، ومحمّد ابن أَيُّوب، وَعلي بْن الْحُسَيْن بْن الجنيد الرازيين، وإبراهيم بن زهير الحلواني، ومحمّد ابن رمح البزاز، وَمحمد بْن أَحْمَد بْن البراء العبدي، وَأحمد بْن الْقَاسِم بْن المساور، وَمحمد بْن شاذان الجوهريين، وَمحمد بْن سُلَيْمَان الباغندي، وَمحمد بْن غالب التمتام، وَبشر بْن مُوسَى الأسدي، وَعلي بْن الْحَسَن بْن بنان الباقلاني، وَإسحاق بْن الْحَسَن الحربي، وَعبد اللَّه بْن أحمد بن حنبل، وأحمد بن علي الأبار، وَموسى بْن هارون الْحَافِظ، وَمعاذ بْن المثنى العنبري، وَأبي مسلم الكجي، وَعبيد اللَّه بْن مُوسَى الإصطخري، وَمحمد بْن يَحْيَى بْن المنذر القزاز البصري، وَعباس بْن الفضل الأسفاطي، وَعبد العزيز بْن معاوية الْقُرَشِيّ، وَأحمد بْن مُوسَى الحمار الكوفي، وَمحمد بْن عَبْد اللَّهِ الحضرمي وَعلي بْن عَبْد العزيز البغوي، وَمحمد بْن عَلِيّ بْن زيد الصائغ المكي، وَخلق كثير سوى هؤلاء. روى عنه أَبُو عُمَر بْن حيويه، وَأبو الْحَسَن الدارقطني. وَحَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن رزقويه، وَأَبُو الْحُسَيْن بْن الْفَضْل، وَعلي وَعبد الملك ابنا بشران، وَعلي بْن أحمد الرّزّاز، وأحمد بن عليّ أبادا، وَأحمد بْن عَبْد اللَّهِ ابْن الْمَحَامِلِيّ، وَغيلان بْن مُحَمَّد السمسار، وَأبو عَلِيّ بْن شاذان وَغيرهم.
وَكَانَ ثقة ثبتا، قبل الحكام شهادته، وَأثبتوا عدالته، وَجمع له المسند، وَحديث شعبة ومالك، وغير ذلك.
وَبلغني أنه بعث بكتابه المسند إِلَى أَبِي الْعَبَّاس بْن عقدة لينظر فيه. وَجعل فِي الأجزاء بين كل وَرقتين دينارا، وَكَانَ أَبُو الْحَسَن الدارقطني هو الناظر فِي أصوله، وَالمصنف له كتبه.
فحَدَّثَنِي الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي عَنِ الدارقطني. قَالَ: صنفت لدعلج المسند الكبير، فكان إذا شك فِي حَدِيث ضرب عَلَيْهِ، وَلم أر فِي مشايخنا أثبت منه.
قَالَ لي أَبُو العلاء، وَقَالَ عُمَر بْن جَعْفَر البصري: ما رأيت بِبَغْدَادَ ممن انتخبت عليهم أصح كتبا، وَلا أحسن سماعا من دعلج بْن أَحْمَد.
حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن نصر الدينوري قَالَ سمعت حمزة بْن يوسف السهمي يقول: سئل أَبُو الْحَسَن الدارقطني عَنْ دعلج بْن أَحْمَد فَقَالَ: كَانَ ثقة مأمونا. وَذكر له قصة فِي أمانته وَفضله وَنبله.
حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِم الأَزْهَرِيّ عَنْ أَبِي عُمَر مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن حَيُّوَيْهِ قَالَ: أدخلني دعلج إِلَى داره، وَأراني بدرا من المال معبأة فِي منزله وَقَالَ لي: يا أبا عُمَر خذ من هذه ما شئت. فشكرت له وَقلت: أنا فِي كفاية وَغني عنها، فلا حاجة لي فيها.
حكى لي الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي عَنْ دعلج أنه سئل عَنْ سبب مفارقته مكة بعد أن سكنها فَقَالَ: خرجت ليلة من المسجد، فتقدم ثلاثة من الأعراب فَقَالُوا: أخ لك من أَهْل خراسان قتل أخانا. فنحن نقتلك به.
فقلت: اتقوا الله فان خراسان ليست بمدينة وَاحدة. فلم أزل أداريهم إِلَى أن اجتمع الناس وَخلوا عني. فكان هذا سبب انتقالي إِلَى بَغْدَاد. وَكَانَ يقول: ليس فِي الدّنيا مثل داري، وذاك أنه ليس مثل فِي الدنيا مثل بَغْدَاد، وَلا بِبَغْدَادَ مثل القطيعة، وَلا فِي القطيعة مثل درب أَبِي خلف. وَليس فِي الدرب مثل داري.
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْد اللَّهِ الحداد- وَكَانَ من أَهْل الدين وَالقرآن وَالصلاح- عَنْ شيخ سماه، فذهب عني حفظ اسمه، قال: حضرت يوم الجمعة مسجد الجامع بمدينة المنصور، فرأيت رجلا بين يدي فِي الصف حسن الوقار ظاهر الخشوع، دائم الصلاة، لم يزل ينتفل مذ دخل المسجد إِلَى قرب قيام الصلاة ثُمَّ جلس، قَالَ: فعلتني هيبته وَدخل قلبي محبته، ثُمَّ أقيمت الصلاة فلم يصل مَعَ الناس الجمعة، فكبر علي ذلك من أمره، وَتعجبت من حاله، وَغاظني فعله، فلما قضيت الصلاة تقدمت إليه وَقلت له أيها الرجل ما رأيت أعجب من أمرك! أطلت النافلة
وَأحسنتها وَتركت الفريضة وَضيعتها؟ فَقَالَ: يا هذا إن لي عذرا وَبي علة منعتني عَنِ الصلاة، قلت وَما هي؟ فَقَالَ: أنا رجل على دين اختفيت فِي منزلي مدة بسببه، ثُمَّ حضرت اليوم الجامع للصلاة فقبل أن تقام التفت فرأيت صاحبي الَّذِي له الدين علي وَرائي، فمن خوفه أحدثت فِي ثيابي فهذا خبري. فأسألك بالله إِلا سترت علي وَكتمت أمري، قَالَ فقلت: وَمن الَّذِي له عليك الدين؟ قَالَ دعلج بْن أَحْمَد، قَالَ وَكَانَ إِلَى جانبه صاحب لدعلج قد صلى وَهُوَ لا يعرفه، فسمع هذا القول، وَمضى فِي الوقت إِلَى دعلج فذكر له القصة، فَقَالَ له دعلج: امض إِلَى الرجل وَاحمله إِلَى الحمام، وَاطرح عَلَيْهِ خلعة من ثيابي، وَأجلسه فِي منزلي حَتَّى أنصرف من الجامع، ففعل الرجل ذلك، فلما انصرف دعلج إِلَى منزله أمر بالطعام فأحضر. فأكل هو وَالرجل، ثُمَّ أخرج حسابه فنظر فيه، وَإذا له عَلَيْهِ خمسة آلاف درهم، فَقَالَ له: انظر لا يَكُون عليك فِي الحساب غلط، أَوْ نسى لك نقد، فَقَالَ الرجل لا، فضرب دعلج على حسابه وَكتب تحته علامة الوفاء ثُمَّ أحضر الميزان وَوزن خمسة آلاف درهم وَقَالَ له: أما الحساب الأول فقد حللناك مما بيننا وَبينك فيه، وَأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم وَتجعلنا فِي حل من الروعة الَّتِي دخلت قلبك برؤيتك إيانا فِي مسجد الجامع، أَوْ كما قَالَ.
حَدَّثَنِي أَبُو منصور مُحَمَّد بْن أَحْمَد العكبري حدّثني أبو الحسين أحمد بن الحسن الواعظ قَالَ: أودع أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مُوسَى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده وامتدت إليها، فأنفقها، فلما بلغ الغلام مبلغ الرجال أمر السلطان بفك الحجر عنه، وَتسليم ماله إليه، وَتقدم إلى ابْن أَبِي مُوسَى بحمل المال ليسلم إِلَى الغلام، قَالَ ابْن أَبِي مُوسَى: فلما تقدم إلي بذلك ضاقت علي الأرض بما رحبت وَتحيرت فِي أمري، لا أعلم من أي وَجه أغرم المال، فبكرت من داري وَركبت بغلتي وَقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه، فانتهت بي البغلة إِلَى درب السلولي وَوقفت بي على باب مسجد دعلج بْن أَحْمَد، فثنيت رجلي وَدخلت المسجد وَصليت خلفه صلاة الفجر.
فلما سلم انفتل إلي، فرحب بي، وَقام وَقمت معه، وَدخل إِلَى داره، فلما جلسنا جاءته الجارية بمائدة لطيفة وَعليها هريسة. فَقَالَ: يأكل الشريف فأكلت وَأنا لا أحصل أمري، فلما رأى تقصيري قَالَ: أراك منقبضا، فما الخبر؟ فقصصت عَلَيْهِ القصة، وَإني أنفقت المال، فَقَالَ كل فإن حاجتك تقضى، ثُمَّ أحضر حلواء فأكلنا، فلما رفع الطعام وَغسلنا أيدينا قَالَ: يا جارية افتحي ذلك الباب فإذا خزانة مملوءة
زبلا مجلدة، فأخرج إلي بعضها وَفتحها إِلَى أن أخرج النقد الَّذِي كانت الدنانير منه، وَاستدعى الغلام وَالتخت وَالطيار. فوزن عشرة آلاف دينار وَبدرها وَقَالَ: يأخذ الشريف هذه، فقلت يثبتها الشيخ علي، فَقَالَ: افعل، وَقمت وَقد كاد عقلي يطير فرحا. فركبت بغلتي وَتركت الكيس على القربوس وَغطيته بطيلساني، وَعدت إِلَى داري، وَانحدرت إِلَى دار السلطان بقلب قوي وَجنان ثابت، فقلت ما أظن إِلا أنه قد استشعر فِي أني قد أكلت مال اليتيم واستلذذت به، وَالمال قد أخرجته، فأحضر قاضي القضاة وَالشهود وَالنقباء وَولاة العهود، وَأحضر الغلام وَفك حجره، وَسلم المال إليه، وَعظم الشكر لي وَالثناء علي فلما عدت إِلَى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخلافة وَكَانَ عظيم الحال، فَقَالَ: قد رغبت فِي معاملتك وَتضمينك أملاكي ببادوريا وَنهر الملك، فضمنت ذلك. بما تقرر بيني وَبينه من المال، وَجاءت السنة ووفيته، وحصل في يدي من الربح ماله قدر كبير، وَكَانَ ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي وَقد تحصل فِي يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة الآلاف دينار الَّتِي أخذتها من دعلج وَحملتها إليه، وَصليت معه الغداة، فلما انفتل من صلاته وَرآني نهض معي إِلَى داره، وَقدم المائدة وَالهريسة فأكلت بجأش ثابت وَقلب طيب، فلما قضينا الأكل قَالَ لي خبرك وَحالك؟ فقلت له بفضل اللَّه وَبفضلك قد أفدت بما فعلته معي ثلاثين ألف دينار، وَهذه عشرة آلاف عوض الدنانير الَّتِي أخذتها منك، فَقَالَ: سبحان اللَّه، وَالله ما خرجت الدنانير عَنْ يدي فنويت آخذ عوضها، جل بها الصبيان، فقلت له: أيها الشيخ أيش أصل هذا المال حَتَّى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فَقَالَ: نشأت وَحفظت القرآن، وَسمعت الحديث، وكنت أتيزز، فوافاني رجل من تجار البحر، فَقَالَ لي أنت دعلج بْن أَحْمَد؟
فقلت نعم! فَقَالَ قد رغبت فِي تسليم مالي إليك لتتجر به، فما سهل اللَّه من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحة كانت فِي أصل مالي. وَسلم إلي بارنامجات ألف درهم، وَقَالَ أبسط يدك، وَلا تعلم موضعا ينفق فيه هذا المتاع إِلا حملته إليه. وَاستنبت فيه الكفاة، وَلم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة يحمل إلي مثل هذا وَالبضاعة تنمى، فلما كَانَ فِي آخر سنة اجتمعنا فيها قَالَ لي: أنا كثير الأسفار فِي البحر، فإن قضى اللَّه علي بما قضاه على خلقه فهذا المال لك، على أن تتصدق منه وَتبني المساجد وَتفعل الخير، فأنا أفعل مثل هذا، وَقد ثمر اللَّه المال فِي يدي، فأسألك أن تطوي هذا الحديث أيام حياتي.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْفَضْلِ الْقَطَّان، وَالحسن بْن أَبِي بَكْر بْن شَاذَانَ. قَالَا:
توفي دعلج بْن أَحْمَد يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت- وَقَالَ ابْن شاذان- لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وَخمسين وثلاثمائة.
سمع الحديث ببلاد خراسان، وَبالري، وَحلوان، وَبغداد، وَالبصرة، وَالكوفة وَمكة، وَكَانَ من ذوي اليسار وَالأحوال، وَأحد المشهورين بالبر وَالإفضال، وَله صدقات جارية، وَوقوف محبسة على أَهْل الحديث بِبَغْدَادَ، وَمكة، وَسجستان وَكَانَ جاور بمكة زمانا، ثُمَّ سكن بَغْدَاد وَاستوطنها، وَحدث بها عن محمّد بن عمرو الحرضي، وَمحمد بْن النَّضْر الجارودي، وَجعفر بْن مُحَمَّد الترك، وَعبد اللَّه بْن شيرويه النيسابوريين، وَعن عثمان بن سعيد الدارمي، وعلي بن محمد بن عيسى الجكاني القزوينيّ، وعن محمّد بن إبراهيم البوسنجي. والحسن بن سفيان النسوي، ومحمّد ابن أَيُّوب، وَعلي بْن الْحُسَيْن بْن الجنيد الرازيين، وإبراهيم بن زهير الحلواني، ومحمّد ابن رمح البزاز، وَمحمد بْن أَحْمَد بْن البراء العبدي، وَأحمد بْن الْقَاسِم بْن المساور، وَمحمد بْن شاذان الجوهريين، وَمحمد بْن سُلَيْمَان الباغندي، وَمحمد بْن غالب التمتام، وَبشر بْن مُوسَى الأسدي، وَعلي بْن الْحَسَن بْن بنان الباقلاني، وَإسحاق بْن الْحَسَن الحربي، وَعبد اللَّه بْن أحمد بن حنبل، وأحمد بن علي الأبار، وَموسى بْن هارون الْحَافِظ، وَمعاذ بْن المثنى العنبري، وَأبي مسلم الكجي، وَعبيد اللَّه بْن مُوسَى الإصطخري، وَمحمد بْن يَحْيَى بْن المنذر القزاز البصري، وَعباس بْن الفضل الأسفاطي، وَعبد العزيز بْن معاوية الْقُرَشِيّ، وَأحمد بْن مُوسَى الحمار الكوفي، وَمحمد بْن عَبْد اللَّهِ الحضرمي وَعلي بْن عَبْد العزيز البغوي، وَمحمد بْن عَلِيّ بْن زيد الصائغ المكي، وَخلق كثير سوى هؤلاء. روى عنه أَبُو عُمَر بْن حيويه، وَأبو الْحَسَن الدارقطني. وَحَدَّثَنَا عَنْهُ أَبُو الْحَسَن بْن رزقويه، وَأَبُو الْحُسَيْن بْن الْفَضْل، وَعلي وَعبد الملك ابنا بشران، وَعلي بْن أحمد الرّزّاز، وأحمد بن عليّ أبادا، وَأحمد بْن عَبْد اللَّهِ ابْن الْمَحَامِلِيّ، وَغيلان بْن مُحَمَّد السمسار، وَأبو عَلِيّ بْن شاذان وَغيرهم.
وَكَانَ ثقة ثبتا، قبل الحكام شهادته، وَأثبتوا عدالته، وَجمع له المسند، وَحديث شعبة ومالك، وغير ذلك.
وَبلغني أنه بعث بكتابه المسند إِلَى أَبِي الْعَبَّاس بْن عقدة لينظر فيه. وَجعل فِي الأجزاء بين كل وَرقتين دينارا، وَكَانَ أَبُو الْحَسَن الدارقطني هو الناظر فِي أصوله، وَالمصنف له كتبه.
فحَدَّثَنِي الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي عَنِ الدارقطني. قَالَ: صنفت لدعلج المسند الكبير، فكان إذا شك فِي حَدِيث ضرب عَلَيْهِ، وَلم أر فِي مشايخنا أثبت منه.
قَالَ لي أَبُو العلاء، وَقَالَ عُمَر بْن جَعْفَر البصري: ما رأيت بِبَغْدَادَ ممن انتخبت عليهم أصح كتبا، وَلا أحسن سماعا من دعلج بْن أَحْمَد.
حَدَّثَنِي عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن نصر الدينوري قَالَ سمعت حمزة بْن يوسف السهمي يقول: سئل أَبُو الْحَسَن الدارقطني عَنْ دعلج بْن أَحْمَد فَقَالَ: كَانَ ثقة مأمونا. وَذكر له قصة فِي أمانته وَفضله وَنبله.
حَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِم الأَزْهَرِيّ عَنْ أَبِي عُمَر مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن حَيُّوَيْهِ قَالَ: أدخلني دعلج إِلَى داره، وَأراني بدرا من المال معبأة فِي منزله وَقَالَ لي: يا أبا عُمَر خذ من هذه ما شئت. فشكرت له وَقلت: أنا فِي كفاية وَغني عنها، فلا حاجة لي فيها.
حكى لي الْقَاضِي أَبُو العلاء الواسطي عَنْ دعلج أنه سئل عَنْ سبب مفارقته مكة بعد أن سكنها فَقَالَ: خرجت ليلة من المسجد، فتقدم ثلاثة من الأعراب فَقَالُوا: أخ لك من أَهْل خراسان قتل أخانا. فنحن نقتلك به.
فقلت: اتقوا الله فان خراسان ليست بمدينة وَاحدة. فلم أزل أداريهم إِلَى أن اجتمع الناس وَخلوا عني. فكان هذا سبب انتقالي إِلَى بَغْدَاد. وَكَانَ يقول: ليس فِي الدّنيا مثل داري، وذاك أنه ليس مثل فِي الدنيا مثل بَغْدَاد، وَلا بِبَغْدَادَ مثل القطيعة، وَلا فِي القطيعة مثل درب أَبِي خلف. وَليس فِي الدرب مثل داري.
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْد اللَّهِ الحداد- وَكَانَ من أَهْل الدين وَالقرآن وَالصلاح- عَنْ شيخ سماه، فذهب عني حفظ اسمه، قال: حضرت يوم الجمعة مسجد الجامع بمدينة المنصور، فرأيت رجلا بين يدي فِي الصف حسن الوقار ظاهر الخشوع، دائم الصلاة، لم يزل ينتفل مذ دخل المسجد إِلَى قرب قيام الصلاة ثُمَّ جلس، قَالَ: فعلتني هيبته وَدخل قلبي محبته، ثُمَّ أقيمت الصلاة فلم يصل مَعَ الناس الجمعة، فكبر علي ذلك من أمره، وَتعجبت من حاله، وَغاظني فعله، فلما قضيت الصلاة تقدمت إليه وَقلت له أيها الرجل ما رأيت أعجب من أمرك! أطلت النافلة
وَأحسنتها وَتركت الفريضة وَضيعتها؟ فَقَالَ: يا هذا إن لي عذرا وَبي علة منعتني عَنِ الصلاة، قلت وَما هي؟ فَقَالَ: أنا رجل على دين اختفيت فِي منزلي مدة بسببه، ثُمَّ حضرت اليوم الجامع للصلاة فقبل أن تقام التفت فرأيت صاحبي الَّذِي له الدين علي وَرائي، فمن خوفه أحدثت فِي ثيابي فهذا خبري. فأسألك بالله إِلا سترت علي وَكتمت أمري، قَالَ فقلت: وَمن الَّذِي له عليك الدين؟ قَالَ دعلج بْن أَحْمَد، قَالَ وَكَانَ إِلَى جانبه صاحب لدعلج قد صلى وَهُوَ لا يعرفه، فسمع هذا القول، وَمضى فِي الوقت إِلَى دعلج فذكر له القصة، فَقَالَ له دعلج: امض إِلَى الرجل وَاحمله إِلَى الحمام، وَاطرح عَلَيْهِ خلعة من ثيابي، وَأجلسه فِي منزلي حَتَّى أنصرف من الجامع، ففعل الرجل ذلك، فلما انصرف دعلج إِلَى منزله أمر بالطعام فأحضر. فأكل هو وَالرجل، ثُمَّ أخرج حسابه فنظر فيه، وَإذا له عَلَيْهِ خمسة آلاف درهم، فَقَالَ له: انظر لا يَكُون عليك فِي الحساب غلط، أَوْ نسى لك نقد، فَقَالَ الرجل لا، فضرب دعلج على حسابه وَكتب تحته علامة الوفاء ثُمَّ أحضر الميزان وَوزن خمسة آلاف درهم وَقَالَ له: أما الحساب الأول فقد حللناك مما بيننا وَبينك فيه، وَأسألك أن تقبل هذه الخمسة آلاف درهم وَتجعلنا فِي حل من الروعة الَّتِي دخلت قلبك برؤيتك إيانا فِي مسجد الجامع، أَوْ كما قَالَ.
حَدَّثَنِي أَبُو منصور مُحَمَّد بْن أَحْمَد العكبري حدّثني أبو الحسين أحمد بن الحسن الواعظ قَالَ: أودع أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن أَبِي مُوسَى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده وامتدت إليها، فأنفقها، فلما بلغ الغلام مبلغ الرجال أمر السلطان بفك الحجر عنه، وَتسليم ماله إليه، وَتقدم إلى ابْن أَبِي مُوسَى بحمل المال ليسلم إِلَى الغلام، قَالَ ابْن أَبِي مُوسَى: فلما تقدم إلي بذلك ضاقت علي الأرض بما رحبت وَتحيرت فِي أمري، لا أعلم من أي وَجه أغرم المال، فبكرت من داري وَركبت بغلتي وَقصدت الكرخ لا أعلم أين أتوجه، فانتهت بي البغلة إِلَى درب السلولي وَوقفت بي على باب مسجد دعلج بْن أَحْمَد، فثنيت رجلي وَدخلت المسجد وَصليت خلفه صلاة الفجر.
فلما سلم انفتل إلي، فرحب بي، وَقام وَقمت معه، وَدخل إِلَى داره، فلما جلسنا جاءته الجارية بمائدة لطيفة وَعليها هريسة. فَقَالَ: يأكل الشريف فأكلت وَأنا لا أحصل أمري، فلما رأى تقصيري قَالَ: أراك منقبضا، فما الخبر؟ فقصصت عَلَيْهِ القصة، وَإني أنفقت المال، فَقَالَ كل فإن حاجتك تقضى، ثُمَّ أحضر حلواء فأكلنا، فلما رفع الطعام وَغسلنا أيدينا قَالَ: يا جارية افتحي ذلك الباب فإذا خزانة مملوءة
زبلا مجلدة، فأخرج إلي بعضها وَفتحها إِلَى أن أخرج النقد الَّذِي كانت الدنانير منه، وَاستدعى الغلام وَالتخت وَالطيار. فوزن عشرة آلاف دينار وَبدرها وَقَالَ: يأخذ الشريف هذه، فقلت يثبتها الشيخ علي، فَقَالَ: افعل، وَقمت وَقد كاد عقلي يطير فرحا. فركبت بغلتي وَتركت الكيس على القربوس وَغطيته بطيلساني، وَعدت إِلَى داري، وَانحدرت إِلَى دار السلطان بقلب قوي وَجنان ثابت، فقلت ما أظن إِلا أنه قد استشعر فِي أني قد أكلت مال اليتيم واستلذذت به، وَالمال قد أخرجته، فأحضر قاضي القضاة وَالشهود وَالنقباء وَولاة العهود، وَأحضر الغلام وَفك حجره، وَسلم المال إليه، وَعظم الشكر لي وَالثناء علي فلما عدت إِلَى منزلي استدعاني أحد الأمراء من أولاد الخلافة وَكَانَ عظيم الحال، فَقَالَ: قد رغبت فِي معاملتك وَتضمينك أملاكي ببادوريا وَنهر الملك، فضمنت ذلك. بما تقرر بيني وَبينه من المال، وَجاءت السنة ووفيته، وحصل في يدي من الربح ماله قدر كبير، وَكَانَ ضماني لهذه الضياع ثلاث سنين، فلما مضت حسبت حسابي وَقد تحصل فِي يدي ثلاثون ألف دينار، فعزلت عوض العشرة الآلاف دينار الَّتِي أخذتها من دعلج وَحملتها إليه، وَصليت معه الغداة، فلما انفتل من صلاته وَرآني نهض معي إِلَى داره، وَقدم المائدة وَالهريسة فأكلت بجأش ثابت وَقلب طيب، فلما قضينا الأكل قَالَ لي خبرك وَحالك؟ فقلت له بفضل اللَّه وَبفضلك قد أفدت بما فعلته معي ثلاثين ألف دينار، وَهذه عشرة آلاف عوض الدنانير الَّتِي أخذتها منك، فَقَالَ: سبحان اللَّه، وَالله ما خرجت الدنانير عَنْ يدي فنويت آخذ عوضها، جل بها الصبيان، فقلت له: أيها الشيخ أيش أصل هذا المال حَتَّى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فَقَالَ: نشأت وَحفظت القرآن، وَسمعت الحديث، وكنت أتيزز، فوافاني رجل من تجار البحر، فَقَالَ لي أنت دعلج بْن أَحْمَد؟
فقلت نعم! فَقَالَ قد رغبت فِي تسليم مالي إليك لتتجر به، فما سهل اللَّه من فائدة كانت بيننا، وما كان من جائحة كانت فِي أصل مالي. وَسلم إلي بارنامجات ألف درهم، وَقَالَ أبسط يدك، وَلا تعلم موضعا ينفق فيه هذا المتاع إِلا حملته إليه. وَاستنبت فيه الكفاة، وَلم يزل يتردد إلي سنة بعد سنة يحمل إلي مثل هذا وَالبضاعة تنمى، فلما كَانَ فِي آخر سنة اجتمعنا فيها قَالَ لي: أنا كثير الأسفار فِي البحر، فإن قضى اللَّه علي بما قضاه على خلقه فهذا المال لك، على أن تتصدق منه وَتبني المساجد وَتفعل الخير، فأنا أفعل مثل هذا، وَقد ثمر اللَّه المال فِي يدي، فأسألك أن تطوي هذا الحديث أيام حياتي.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بْن الْفَضْلِ الْقَطَّان، وَالحسن بْن أَبِي بَكْر بْن شَاذَانَ. قَالَا:
توفي دعلج بْن أَحْمَد يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت- وَقَالَ ابْن شاذان- لعشر بقين من جمادى الآخرة سنة إحدى وَخمسين وثلاثمائة.