39963. دعامة السدوسي ابو قتادة1 39964. دعامة بن عزير بن عمرو بن ربيعة1 39965. دعامة بن عزيز1 39966. دعامة بن عزيز بن عمرو بن ربيعة1 39967. دعبل بن علي أبو علي الخزاعي1 39968. دعبل بن علي بن رزين بن عثمان139969. دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء ابو علي...1 39970. دعثور بن الحارث2 39971. دعجة بن خنبس بن ضيغم بن جحشة بن الربيع بن زياد بن سلامة ابن قيس ب...1 39972. دعلج بن أحمد بن دعلج1 39973. دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرحمن السجستاني...1 39974. دعلج بن احمد بن دعلج ابو محمد السجستاني...1 39975. دعلج بن احمد بن دعلج بن عبد الرحمن ابو محمد السجستاني المعدل...1 39976. دعلج بن احمد بن عبد الرحمن ابو محمد السجزي...1 39977. دغفل1 39978. دغفل بن حنظلة5 39979. دغفل بن حنظلة السدوسي1 39980. دغفل بن حنظلة السدوسي النساب1 39981. دغفل بن حنظلة الشيباني1 39982. دغفل بن حنظلة النساب الشيباني1 39983. دغفل بن حنظلة النسابة2 39984. دغفل بن حنظلة النسابة العلامة السدوسي الشيباني...1 39985. دغفل بن حنظلة بن زيد1 39986. دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبده1 39987. دفاع بن دغفل1 39988. دفاع بن دغفل البصري السدوسى1 39989. دفاع بن دغفل1 39990. دفاع بن دغفل البصري1 39991. دفاع بن دغفل السدوسي1 39992. دفاع بن دغفل بن بكير1 39993. دفة بن اياس بن عمرو بن عثمان الانصاري...1 39994. دفة بن اياس1 39995. دفة بن اياس بن عمرو الانصاري1 39996. دفيف1 39997. دفيف مولى ابن عباس1 39998. دقاق أبو نصر بن تتش بن ألب آرسلان السلجوقي...1 39999. دقرة1 40000. دقرة أم عبد الرحمن بن أذينة1 40001. دقرة ام1 40002. دقرة ام ولد اذينة1 40003. دقرة بنت غالب الراسبية1 40004. دكين1 40005. دكين بن سعيد2 40006. دكين بن سعيد الخثعمي المزني1 40007. دكين بن سعيد الخثعمي3 40008. دكين بن سعيد الخثعمي المزني1 40009. دكين بن سعيد الدارمي التميمي1 40010. دكين بن سعيد المزني3 40011. دلان بن أبي دلان العتكي الأزدي1 40012. دلان بن ابي دلان العتكي الازدي1 40013. دلان بن ابي دلان الازدي البصري1 40014. دلان بن ابي دلان العتكي الازدي1 40015. دلجة بن قيس2 40016. دلجة بن قيس4 40017. دلجة بن قيس بن الحكم الغفاري1 40018. دلف بن ابان ابو منصور الكلوذاني1 40019. دلف بن احمد بن ابي سعد الطحان ابو بكر الازجي...1 40020. دلف بن احمد بن محمد ابو القاسم بن قوفا الحريمي...1 40021. دلف بن احمد بن محمد بن قوفا ابو القاسم...1 40022. دلف بن كرم بن فارس ابو الفرج المقرئ الخباز العكبري الاصل...1 40023. دلهات بن إسماعيل بن عبد الله بن مسرع بن ياسر بن سويد الجهني...1 40024. دلهاث بن جبير الشامي1 40025. دلهم السدوسي1 40026. دلهم السدوسي1 40027. دلهم بن الأسود بن عبد الله1 40028. دلهم بن الاسود بن عبد الله بن حاجب1 40029. دلهم بن الاسود بن عبد الله بن حاجب بن المنتفق العقيلي...1 40030. دلهم بن خليفة السدوسي1 40031. دلهم بن دهثم2 40032. دلهم بن دهثم ابودهثم البصري العجلي2 40033. دلهم بن دهثم العجلي ابو دهثم1 40034. دلهم بن صالح5 40035. دلهم بن صالح الكندي1 40036. دلهم بن صالح الكندي الكوفي2 40037. دلهم بن صالح الكوفي2 40038. دليل بن عبد الملك1 40039. دليل بن عبد الملك الفزازي1 40040. دليم2 40041. دهبل بن علي بن منصور بن ابراهيم ابو الحسن...1 40042. دهبل بن علي بن منصور بن ابراهيم بن كارة ابو الحسن الحنبلي...1 40043. دهثم بن جناح1 40044. دهثم بن خلف بن الفضل1 40045. دهثم بن خلف بن الفضل القرشي الرملي1 40046. دهثم بن قران6 40047. دهثم بن قران الحنفي1 40048. دهثم بن قران العكلي اليمامي2 40049. دهثم بن قران اليمامي3 40050. دهثم بن قران اليماني1 40051. دهثم بن قران اليماني العكلي1 40052. دهر بن اخرم بن مالك ابن امية1 40053. دهر بن اخرم بن مالك بن امية1 40054. دهر بن الاخرم1 40055. دهم بن قران يمامي1 40056. دهير الاقطع1 40057. دهيم بن عمران1 40058. دهين لاقطع1 40059. دهين الاقطع2 40060. دواد بن رشيد ابو الفضل البغدادي1 40061. دواد بن شبيب ابو سليمان البصري1 40062. دواس بن موسى1 Prev. 100
«
Previous

دعبل بن علي بن رزين بن عثمان

»
Next
دعبل بن علي بن رزين بن عثمان
أبو علي الخزاعي الشاعر المشهور. وفي نسبه اختلاف، له شعر رائق. يقال: أصله من الكوفة، ويقال: من قرقيسياء، وأكثر مقامه ببغداد، وسافر إلى غيرها، وقدم دمشق ومصر.
ويقال إن اسمه محمد وكنيته أبو جعفر، ودعبل لقب؛ ويقال: الدعبل، البعير المسن، ويقال: الشيء القديم.
حدث عن مالك بن أنس وسفيان الثوري وغيرهم.
روى عن مالك بن أنس عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نعم الإدام الخل ".
وحدث عنه بسنده عن أبي هريرة قال: لم يزل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتختم في يمينه حتى قبضه الله عز وجل إليه.
وحدث عن شعبة بن الحجاج بسنده عن البراء بن عازب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الله عز وجل: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة " قال: في القبر إذا سئل المؤمن.
قال أحمد بن أبي داود: خرج دعبل بن علي إلى خراسان، فنادم عبد الله بن طاهر، فأعجب به، فكان في كل يوم ينادمه فيه، يأمر له بعشرة آلاف درهم، وكان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوماً، وابن طاهر يصله في كل شهر بمئة ألف وخمسين ألف درهم. فلما كثرت صلاته له توارى عنه دعبل يوم منادمته في بعض الخانات، وطلبه فلم يقدر عليه، فشق ذلك عليه. فلما كان من الغد كتب:
هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ... وهل ترتجى فيك الزيادة بالكفر
ولكنني لما أتيتك زائراً ... فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
فملآن لا آتيك إلا معذراً ... أزورك في الشهرين يوماً وفي الشهر
فإن زدت في بري تزيدت جفوةً ... ولم نلتقي حتى القيامة والحشر
وقد حدثني أمير المؤمنين المأمون عن أمير المؤمنين الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " من لا يشكر الناس لا يشكر الله عز وجل، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير. فوصله بثلاث مئة ألف درهم ".
قدم دعبل مصر هارباً من المعتصم لهجو هجاه به، وخرج منها إلى المغرب إلى الأغلب. وكان خبيث اللسان، قبيح الهجاء. وروي عنه أحاديث مسندة عن مالك بن أنس وعن غيره، وكلها باطلة من وضع ابن أخيه إسماعيل بن علي. وقيل: كان اسمه الحسن، وقيل عبد الرحمن، وكان أطروشاً، وكان في قفاه سلعة.
استنشد المأمون يوماً عبد الله بن طاهر بن الحسين من شعر دعبل بن علي قوله:
سقياً ورعياً لأيام الصبابات ... أيام أرفل في أثواب لذاتي
أيام غصني رطيب من لدونته ... أصبو إلى غير كناتي وجاراتي
دع عنك ذكر زمان فات مطلبه ... واقذف برجلك عن متن الجهالات
واقصد بكل مديح أنت قائله ... نحو الهداة بني بيت الكرامات
فلما أتى على القصيدة قال المأمون: لله دره، ما أغوصه وأنصفه وأوصفه! ثم قال: إنه وجد والله مقالاً فقال، ونال من بعيد ذكرهم ما من غيرهم لا ينال.
قال أبو طالب الدعبلي: أنشدنا علي بن الجهم وليست له وجعل يعيدها ويستحسنها:
لما رأت شيباً يلوح بمفرقي ... صدت صدود مفارق متجمل
فظللت أطلب وصلها بتذلل ... والشيب يغمزها بأن لا تفعلي
قال أبو طالب: ومن أحسن ما قيل في هذا قول جدي دعبل بن علي:
أين الشباب وأيةً سلكا ... لا أين يطلب ضل بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
لا تأخذي بظلامتي أحداً ... طرفي وقلبي في دمي اشتركا
قال أبو هفان: أنشدني دعبل لنفسه:
وداعك مثل وداع الحياة ... وفقدك مثل افتقاد الديم
عليك السلام فكم من وفاء ... أفارق منك وكم من كرم
فقلت له: أحسنت، غير أنك سرقت البيت الأول من الربعيين. النصف الأول من القطامي:
ما للكواعب ودعن الحياة وإن ... ودعتني واتخذن الشيب ميعادي
والنصف الثاني من ابن بجرة حيث يقول:
عليك سلام الله وقفاً فإنني ... أرى الموت وقاعاً بكل شريف
فقال لي: بل الطائي سرق هذا البيت بأسره من ابن بجرة في قصيدته المعروفة بالمسروقة، رثى بها محمد بن حميد الطوسي، وأولها:
كذا فليجل الخطب أو يفدح الأمر ... وليس لعين لم يفض ماؤها عذر
إلى قوله:
عليك سلام الله وقفاً فإنني ... رأيت الكريم الحر ليس له عمر
قال دعبل: بينا أنا جالس على باب داري بالكرخ إذ مرت بي غصن جارية ابن الأحدب، وكانت شاعرة مغنية، يبلغني خبرها ولم أكن شاهدتها، فرأيت وجهاً جميلاً وقداً حسناً، وقواماً وشكلاً، وهي تخطر في مشيتها وتنظر في أعطافها فقلت لها:
دموع عيني بها انبساط ... ونوم عيني به انقباض
فقالت مسرعةً:
ذاك قليل لمن دهته ... بلحظها الأعين المراض
فقلت:
فهل لمولاي عطف قلب ... أم للذي في الحشا انقراض
فقالت:
إن كنت تهوى الوداد منا ... فالود في ديننا قراض
فما دخل في أذني كلام أحلى من كلامها، ولا رأت عيني أنضر وجهاً منهال. فعدلت بها عن ذلك الروي فقلت:
أترى الزمان يسرنا بتلاق ... ويضم مشتاقاً إلى مشتاق
فقالت:
ما للزمان يقال فيه فإنما ... أنت الزمان فسرنا بتلاق
قال دعبل لإبراهيم بن العباس: أريد أن أصحبك إلى خراسان، فقال له إبراهيم: حبذا أنت صاحباً مصحوباً إن كنا على شريطة بشار، قال: وما شريطة بشار؟ قال: قوله:
أخ خير من آخيت أحمل ثقله ... ويحمل عني حين يفدحني ثقلي
أخ إن نبا دهر به كنت دونه ... وإن كان كون كان لي ثقة مثلي
أخ ماله لي لست أرهب بخله ... ومالي له لا يرهب الدهر من بخلي
قال: ذلك لك، ومزية. فاصطحبا.
أنشد أبو العباس المبرد لدعبل:
أخ لك عاداه الزمان فأصبحت ... مذممة فيما لديه العواقب
متى ما تحذره التجارب صاحباً ... من الناس تردده إليك التجارب
كان علي بن القاسم الخوافي مدح أبا عمرو احمد بن نصر، وتردد إليه بعد أن مدحه، ولم يخرج الجواب كما أحبه، فكتب إليه رقعةً يقول فيها: قال علي بن الجهم في مثل ما نحن فيه:
يا من يوقع لا في قصتي أبداً ... ماذا يضرك لو وقعت لي نعماء
وقع نعم ثم لا تنوي الوفاء بها ... إن كنت من قوله باللفظ محتشما
أو لا قوقع عسى كيما تعللني ... فإن قولك لا يبكي العيون دما
وكتب في رقعته: ومن أحسن ما يذكر لعبد الله بن طاهر:
افعل الخير ما استطعت وإن كا ... ن قليلاً فلن تحيط بكله
ومتى تفعل الكثير من الخير إذا كنت تاركاً لأقله؟
وكتب في رقعته: إن دعبل بن علي كتب إلى عبد الله بن طاهر:
ماذا أقول إذا انصرفت وقيل لي: ... ماذا أخذت من الجواد المفضل؟
إن قلت أعطاني كذبت وإن أقل ... ضن الجواد بما له لم يجمل
فاحتل لنفسك كيف شئت فإنني ... لا بد مخبرهم وإن لم أسأل
وفد دعبل إلى عبد الله بن طاهر، فلما وصل إليه قام تلقاء وجهه وأنشد:
أتيت مستشفعاً بلا سبب ... إليك إلا بحرمة الأدب
فاقض ذمامي فإنني رجل ... غير ملح عليك في الطلب
فدخل عبد الله ووجه إليه بستين ألف درهم، ورقعة فيها مكتوب:
أعجلتنا فأتاك أول برنا ... قلاً ولو أخرته لم يقلل
فخذ القليل وكن كمن لم يقبل ... ونكون نحن كأننا لم نفعل
ومن شعر دعبل:
هدايا الناس بعضهم لبعض ... تولد في قلوبهم الوصالا
وتزرع في الضمير هوىً ووداً ... وتكسوهم إذا حضروا جمالا
ومن شعر دعبل:
أهملته حين لم آملك مقادته ... ثم انقبضت بودي عنه وانقبضا
فقلت للنفس عديه منىً نزحت ... به النوى، أو من القرن الذي انقرضا
فما بكيت عليه حين فارقني ... ولا وجدت له بين الحشا مضضا
ومن شعره:
كيف احتيالي لبسط الضيف من حصر ... عند الطعام فقد ضاقت به حيلي
أخاف يزداد قولي: كل، فأحشمه ... والكف يحمله مني على البخل
حدث ضبي وهو أحمد بن عبد الله راوية العتابي وكان سميراً لعبد الله بن طاهر أن عبد الله بن طاهرن بينا هو معه ذات ليلة إذ تذاكرا الأدب وأهله، فذكرا دعبل بن علي، فقال عبد الله بن طاهر: يا ضبي، أريد أن أوعز إليك بشيء تستره علي أيام حياتي، فقلت: أنا عبدك وأنا في موضع تهمة؟! قال: لا، ولكن أطيب لنفسي أن توثق لي بالإيمان، فقلت: أصلحك الله، إن كنت عندك في هذه الحال فلا حاجة بك إلى إفشاء سرك إلي، واستعفيته، فلم يعفني، فقلت: يرى الأمير رأيه، فأكد اليمين علي بالبيعة والطلاق ثم قال: أشعرت أني أظن دعبلاً مدخول النسب وأمسك؟ فقلت: أفي هذا أخذت علي الأيمان؟ قال: إي والله، قلت: ولم؟ قال: لأني في نفسي حاجة، ودعبل رجل قد حمل جذعه على عنقه ولايجد من يصلبه عليه، فأتخوف إن بلغه أن يلقي علي من الخزي ما يبقى على الدهر، وقصاراي إن ظفرت به وأسلمته اليمن وما أراها تسلمه لأنه لسانها وشاعرها والذاب عنها، والمحامي دونها أن أضربه مئة سوط، وأثقله حديداً وأصيره في مطبق باب الشام، وليس في ذلك عوضاً مما سار من الهجاء في وفي عقبي من بعدي، قلت: أتراه يفعل ذلك ويقدم عليك؟ قال: يا عاجز، أهون ما لم يكن عليه، أتراه أقدم على سيدي هارون ومولاي المأمون وعلى أبي، ولم يكن يقدم علي؟! قلت: إذا كان الأمر على ما وصفت فقد وفق الأمير فيما أخذ علي قال: وكان دعبل لي صديقاً فقلت: هذا قد عرفته، ولكن من أين قلت إنه مدخول النسب؟ فوالله لعلمته في البيت الرفيع من خزاعة، وما أعلم فيها بيتاً أكرم من بيته إلا بيت أهبان مكلم الذئب وهم بنو عمه دنيةً، قال: ويحك! كان دعبل غلاماً خاملاً أيام ترعرع، لا يؤبه له، وكان خله لا يدرك بقله، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد إزار لا يملكان غيره شيئاً، فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم بن الوليد في البيت عارياً، وإذا أراد الخروج فعل دعبل مثل ذلك؛ وكانا إذا
اجتمعا لدعوة يتلاصقان بطرح هذا شيئاً منه عليه، والآخر الباقي. وكانا يعبثان بالشعر إلى أن قال دعبل:
أين الشباب وأيةً سلكا ... لا، أين يطلب ضل بل هلكا
لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى
قصر الغواية عن هوى قمر ... وجد السبيل إليه مشتركا
وعداً بأخرى عز مطلبها ... صباً يطامن دونها الحسكا
يا ليت شعري كيف نومكما ... يا صاحبي إذا دمي سفكا
لاتأخذا بظلامتي أحداً ... قلبي وطرفي في دمي اشتركا
إلى آخرها. فغني به هارون الرشيد، فاستحسنه واستجاد قوله: ضحك المشيب برأسه فبكى
فقال للمغني: لمن هذا الشعر؟ قال: لبعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له. قال: من هو؟ قال: دعبل بن علي، قال: يا غلام، أحضرني عشرة آلاف درهم وحلةً من حللي ومركباً من مراكبي خاصة، فأحضر ذلك، فقال: ادع لي فلاناً، فقال: اذهب بهذا إلى دعبل، وأجاز المغني بجائزة عظيمة؛ وتقدم إلى الرجل الذي بعثه إلى دعبل أن يعرض عليه المصير إلى هارون، فإن صار وإلا أعفاه، فأتاه الرسول وأشار عليه بالمصيرإليه، فانطلق دعبل معه، فلما مثل بين يديه سلم، فرد عليه هارون السلام ورحب به وقربه حتى سكن روعه، واستنشده الشعر فأنشده، وأعجب به وأقام عنده يمتدحه. وأجرى عليه الرشيد أجزل جراية وأسناها، وكان الرشيد أول من ضراه على قول الشعر؛ فما كان إلا بعد ما غيب الرشيد في حفرته إذ أنشأ يمتدح آل سيدنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويهجو آل الرشيد، فمن ذلك قوله:
وليس حي من الأحياء نعرفه ... من ذي يمان ولا بكر ولا مضر
إلا وهم شركاء في دمائهم ... كما تشارك أيسار على جزر
قتل وأسر وتحريق ومنهبة ... فعل الغزاة بأهل الروم والخزر
أرى أمية معذورين إن قتلوا ... ولا أرى لبني العباس من عذر
أبناء حرب ومروان وأسرتهم ... بنو معيط ولاة الحقد والوغر
قوم قتلتم على الإسلام أولهم ... حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر
أربع بطوس على القبر الزكي به ... إن كنت تربع من دين على وطر
قبران في طوس: خير الناس كلهم ... وقبر شرهم، هذا من العبر
ماينفع النجس من قرب الزكي ولا ... على الزكي بقرب النجس من ضرر
هيهات كل امرئ رهن بما كسبت ... يداه حقا فخذ ما شئت أو فذر
القبران اللذان بطوس: قبر هارون والآخر قبر الرضا علي بن موسى.
فوالله ما كافأه، هذه واحدة ياضبي وأما الثانية فإنه لما استخلف المأمون جعل يطلب دعبلاً إلى أن كان من أمره مع إبراهيم بن شكلة، وخروجه مع أهل العراق يطلب الخلافة، فأرسل إليه دعبل يقول من أبيات:
أنى يكون وليس ذاك بكائن ... يرث الخلافة فاسق عن فاسق
نفر ابن شكلة بالعراق وأهلها ... فهفا إليه كل أطلس مائق
إن كان إبراهيم مضطلعا بها ... فلتصلحن من بعده لمخارق
فضحك المأمون وقال: قد غفرنا لدعبل كل ماهجانا به بهذا البيت؛ وكتب إلى أبي
طاهر أن يطلب دعبلاً حيث كان ويؤمنه، فكتب إليه وحمله وأجازه، وأشار إليه بالمصير إلى المأمون، فتحمل دعبل إلى المأمون.
وثبت المأمون في الخلافة، وضرب الدنانير باسمه؛ وأقبل يجمع الآثار في فضائل آل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتناهى إليه قول دعبل:
مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحي مقفر العرصات
لآل رسول الله بالخيف من منى ... وبالركن والتعريف والجمرات
فما زالت تتردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل، فقال: أنشدني ولابأس عليك ولك الأمان من كل شيء فيها، فإني أعرفها وقد رويتها، إلا أني أحب أن أسمعها من فيك، فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع:
ألم تراني مذ ثلاثين حجةً ... أروح وأغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً ... وأيديهم من فيئهم صفرات
وآل رسول الله نحف جسومها ... وآل زياد غلظ القصرات
بنات زياد في القصور مصونةً ... وبنت رسول الله في الفلوات
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم ... أكفاً عن الأوتار منقبضات
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غد ... تقطع قلبي إثرهم حسرات
قال: فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته، وجرت دموعه على نحره، وكان دعبل أول داخل إليه وخارج من عنده. فلم نشعر إلا وقد عتب على المأمون وأرسل إليه بشعر يقول فيه:
ويسومني المأمون خطة ظالم ... أو ما رأى بالأمس رأس محمد؟
يوفي على هام الخلائق مثلما ... توفي الجبال على رؤوس القردد
لا تحسبن جهلي كحلم أبي فما ... حلم المشايخ مثل جهل الأمرد
إني من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرفتك بمقعد
شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأبعد
فلما سمع هذا المأمون قال: كذب علي، متى كنت خاملاً؟! وإني لخليفة وابن خليفة وأخو خليفة، ومتى كنت خاملاً فيرفعني دعبل؟! فوالله ما كافأه ولا كافأ أبي ما أسدى إليه. وذلك أنه لما توفي أنشأ يقول:
وأبقى طاهر فينا خلالاً ... عجائب تستخف بها الحلوم
ثلاثة إخوة لأب وأم ... تمايز عن ثلاثتهم أروم
فبعضهم يقول قريش قومي ... وتدفعه الموالي والصميم
وبعض في خزاعة منتماه ... ولاء غير مجهول قديم
وبعضهم يهش لآل كسرى ... ويزعم أنه علج لئيم
لقد كثرت مناسبهم علينا ... فكلهم على حال زنيم
فهذه الثالثة يا ضبي. وأما الرابعة: فإنه لما استخلف المعتصم دخل عليه دعبل ذات يوم، فأنشده قصيدة، فقال: أحسنت يا دعبل، فاسألني ما أحببت، قال: مئة بدرة، قال: نعم، على أن تمهلني مئة سنة ويضمن لي أجل معها؛ قال: قد أمهلتك ما شئت. وخرج مغضباً، فلقي خصياً قد كان عوده أن يدخل مدائحه إلى أمير المؤمنين ويجعل له سهماً من الجائزة، فقال: ويحك! إني كنت عند أمير المؤمنين وأغفلت حاجةً لي أن أذكرها له، فأذكرها في أبيات وتدخلها له؟ قال: نعم، ولي نصف الجائزة؟ فماكسه ساعةً ثم أجابه فأخذ رقعةً فكتب فيها:
بغداد دار الملوك كانت ... حتى دهاها الذي دهاها
ما غاب عنها سرور ملك ... أعاره بلدةً سواها
ما سر من را بسر من را ... بل هي بؤس لمن يراها
عجل ربي لها خراباً ... برغم أنف الذي ابتناها
وختمها ودفعها إلى الخصي، فأدخلها إلى المعتصم. فلما رآها قال: من صاحب هذه الرقعة؟ قال: دعبل، وقد جعل لي نصف الجائزة؛ فطلب، فكأن الأرض انطوت عليه ولم يعرف له خبر، فقال المعتصم: أخرجوا الخصي فأجيزوه بألف سوط، فإنه زعم أن له نصف الجائزة، وقد أردنا أن نجيز دعبلاً بألفي سوط. قال: ثم لم يلبث أن كتب إليه من قم بهذه الأبيات:
ملوك بني العباس في الكتب سبعة ... ولم تأتنا في ثامن منهم الكتب
كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة ... غداة ثووا فيه وثامنهم كلب
وإني لأزهي كلبهم عنك رغبةً ... لأنك ذو ذنب وليس له ذنب
كأنك إذ ملكتنا لشقائنا ... عجوز عليها التاج والعقد والإتب
فقد ضاع أمر الناس حتى يسوسهم ... وصيف وأشناس وقد عظم الخطب
وإني لأرجو أن ترى من مغيبها ... مطالع شمس قد يغص بها الشرب
وهمك تركي عليه مهانةً ... فأنت له أم وأنت له أب
وأما الخامسة: فإن ابن أبي داود كان يعطيه الجزيل من ماله، ويقسم له على أهل عمله، فعتب عليه، فقال فيه:
أبا عبد الإله أصخ لقولي ... وبعض القول يصحبه السداد
نرى طسماً تعود بها الليالي ... إلى الدنيا كما رجعت إياد
قبائل جذ أصلهم فبادوا ... وأودى ذكرهم زمناً فعادوا
وكانوا غرزوا في الرمل بيضاً ... فأمسكه كما غرز الجراد
فلما أن سقوا درجوا ودبوا ... وزادوا حين جادهم العهاد
هم بيض الرماد يشق عنهم ... وبعض البيض يشبهه الرماد
غداً يأتيك إخوتهم جديس ... وجرهم قصراً وتعود عاد
فتعجز عنهم الأمصار ضيقاً ... وتمتلئ المنازل والبلاد
فلم أر مثلهم بادوا فعادوا ... ولم أر مثلهم قلوا فزادوا
توغل فيهم سفل وخوز ... وأوباش فهم لهم مداد
وأنباط السواد قد استحالوا ... بها عرباً فقد خرب السواد
فلو شاء الإمام أقام سوقاً ... فباعهم كما بيع السماد
وقال فيه وقد تزوج في بني عجل:
أيا للناس من خبر طريف ... تفرد ذكره في الخافقين:
أعجل أنكحوا ابن أبي داود ... ولم يتأملوا فيه اثنتين
أرادوا نقد عاجلة فباعوا ... رخيصاً عاجلاً نقداً بدين
بضاعة خاسر بارت عليه ... فباعك بالنواة التمرتين
ولو غلطوا بواحدة لقلنا ... يكون الوهم بين الغافلين
ولكن شفع واحدة بأخرى ... يدل على فساد المنصبين
لحى الله المعاش بفرج أنثى ... ولو زوجتها من ذي رعين
ولما أن أفاد طريف مال ... وأصبح رافلاً في الحلتين
تكنى وانتمى لأبي داود ... وقد كان اسمه ابن الفاعلين
فردوه غلى فرج أبيه ... وزرياب فألأم والدين
وقال في الحسن بن وهب وكان على برد الآفاق:
ألا بلغا عني الإمام رسالةً ... رسالة تاء عن جنابيه شاحط
بأن ابن وهب حين يشحج شاحج ... يمر على القرطاس أقلام غالط
وهؤلاء أهل قم، كانوا يعطونه الكثير من أموالهم ويمنعون الخلفاء منه فكافأهم بأن قال فيهم:
تلاشى أهل قم فاضمحلوا ... تحل المخزيات بحيث حلوا
وكانوا شيدوا في الفقر مجداً ... فلما جاءت الأموال ملوا
قال: وهذا علي بن عيسى الأشعري قد دل بعض شعره على أنه أخذ منه ألوفاً وذلك في قوله له:
فلا تفسدن خمسين ألفاً وهبتها ... وعشرة أحوال وحق تناسب
وشكراً تهاداه الرجال تهادياً ... إلى كل مصر بين جاء وذاهب
بلا زلة كانت وإن تك زلة ... فإن عليك العفو ضربة لازب
فما كان بين هذا القول وبين أن هجاه إلا أياماً قلائل حتى قال فيه:
كنت من أرفض خلق الله إذ كنت صبياً
وتواليت أبا بك ... ر وأرجأت الوليا
وتجنبت علياً ... إذ تسميت عليا
قال: وهذه خزاعة هجاهم، وهي قبيلته، فقال فيهم:
أخزاع غيركم الكرام فأقصروا ... وضعوا أكفكم على الأفواه
الراتقين ولات حين مراتق ... والفاتقين شرائع الأستاه
فدعوا الفخار فلستم من أهله ... يوم الفخار ففخركم بشياه
قال: وهذا المطلب بن عبد الله الخزاعي كان يعطيه الجزيل، فقال يمدحه:
إن كاثرونا جئنا بأسرته ... أو واحدونا جئنا بمطلب
أبعد مصر وبعد مطلب ... نرجو الغنى، إن ذامن العجب
وقال فيه يهجوه:
شعارك في الحرب يوم الوغى ... بفرسانك الأول الأول
فأنت إذا اقتتلوا آخر ... وأنت إذا أدبروا أول
فمنك الرؤوس غداة اللقا ... وممن يحاربك المقصل
فذلك دأبكما أويموت ... من القوم بينكما الأعجل
قال: وهذا الحسن بن رجاء، وابنا هشام، ودينار بن عبد الله بن يحيى بن أكثم،
وكانوا ينزلون المخرم ببغداد، فقال يهجوهم كلهم:
ألا فاشتروا مني ملوك المخرم ... أبع حسناً وابني هشام بدرهم
وأعط رجاءً بعد ذاك زيادةً ... وأغلط بدينار بغير تندم
فإن رد من عيب علي جميعهم ... فليس يرد العيب يحيى بن أكثم
وقال في يحيى بن أكثم يهجوه:
رفع الكلب فاتضع ... ليس في الكلب مصطنع
بلغ الغاية التي ... دونها كل مرتفع
إنما قصر كل شي ... ء إذا طار أن يقع
قل ليحيى بن أكثم ... إن ما خفت قد وقع
لعن الله نخوةً ... كان من بعدها ضرع
قال: وهؤلاء بنو أهبان مكلم الذئب، وهم بنو عمه دنيةً قال فيهم:
تهتم علينا بأن الذئب كلمكم ... فقد لعمري أبوكم كلم الذيبا
فكيف لو كلم الليث الهصور إذاً ... جعلتم الناس مأكولاً ومشروبا
هذا السنيدي لا يسوى إتاوته ... يكلم الفيل تصعيداً وتصويبا
فاذهب إليك فإني لا أرى أبداً ... بباب دارك طلاباً ومطلوبا
قال: وهذا الهيثم بن عثمان الغنوي دل شعره على أنه كان محسناً إليه إذ يقول فيه:
يا هيثماً يابن عثمان الذي افتخرت ... به المكارم والأيام تفتخر
أضحت ربيعة والأحياء من يمن ... تيهاً بنجدته لا وحدها مضر
وقال فيه يهجوه:
سألت أبي وكان أبي عليماً ... بساكنة الجزيرة والسواد
فقلت: أهيثم من حي قيس ... فقال: نعم كأحمد من دواد
فإن يك هيثم من حي قيس ... فأحمد غير شك من إياد
وقال في أخيه رزين بن علي الخزاعي يهجوه:
مهدت له ودي صغيراً ونصرتي ... وقاسمته مالي وبوأته حجري
وقد كان يكفيه من العيش كله ... رجاء ويأس يرجعان إلى فقري
وفيه عيوب ليس يحصى عدادها ... فأصغرها عيباً يجل عن الفكر
ولو أنني أبديت للناس بعضها ... لأصبح من بصق الأحبة في بحر
فدونك عرضي فاهج حياً فإن أمت ... فأقسم إلا ما خريت على قبري
وقال في امرأته يهجوها:
يا ركبتي خزز وساق نعامة ... وزبيل كناس ورأس بعير
يا من أشبهها بحمى نافض ... قطاعة للظهر ذات زئير
صدغاك قد شمطا ونحرك يابس ... والصدر منك كجؤجؤ الطنبور
يا من معانقها يبيت كأنه ... في محبس قمل وفي ساجور
قبلتها فوجدت طعم لثاتها ... فوق اللثام كلسعة الزنبور
وله في امرأته هجاء قبيح، وله في جاريته غزال يهجوها:
رأيت غزالاً وقد أقبلت ... فأبدت لعيني عن مبصقه
قصيرة الخلق دحداحة ... تدحرج في المشي كالبندقه
كأن ذراعاً على كفها ... إذا حسرت ذنب الملعقة
تخطط حاجبها بالمداد ... وتربط في عجزها مرفقه
وأنف على وجهها ملصق ... قصير المناخر كالفستقه
وثديان ثدي كبلوطة ... وآخر كالقربة المفهقه
وصدر نحيف كثير العظام ... تقعقع من فوقه المخنقه
ثم قال عبد الله بن طاهر لضبي: فعلى من بقي هذا؟ فقال ضبي: ما أحسبه إلا كما قلت، فعجبت من حفظه لهذه الأشياء. قال: فلقيت دعبلاً فخفت أن أذكر له شيئاً فضحكت، فقال لي: ويلك! قد تحاماني الناس وأنا عندك موضع مطنزة وسخرية! قلت: لا، ولكني إنما ضحكت استبشاراً بالنظر إليك؛ قال: ثم لقيته من بعد فضحكت فقال لي: ويلك! أنت على ذاك الذي عهدت، فالتفت إلى غلامه نفنف فقال: خذ برجله
ابن كذا وكذا؛ قال: قلت: يا أبا علي، إن هجرتني وصلتك، وإن فصلتني وددتك، وإن جفوتني زرتك، ولا سبيل إلى إخبارك بهذا الذي أنا فيه. فلما توفي عبد الله بن طاهر لقيت دعبلاً يوماً بكرخ بغداد فضحكت، فقال: ليس لضحكك هذا آخر يا ابن الفاعلة؟! قال: فقلت له: امض بنا فقد فرج الله عني وعنك، فذهبت به إلى منزلي، فطعمنا وأخبرته الخبر على جهته، فقال: ويلي على ابن العوراء الفاعلة! والله لو أعلمتني قبل وفاته لأعلمتك كيف كانت تكون حاله؛ قال: قلت: هو أبصر منك وأعرف بك إذ أخذ علي في أمرك ما أخذ. ثم أمسك متعجباً.
قال دعبل: أدخلت على المعتصم فقال لي: يا عدو الله، أنت الذي تقول في بني العباس أنهم في الكتب سبعة؟ وأمر بضرب عنقي، وما كان في المجلس إلا من كان عدواً لي؛ وأشدهم علي ابن شكلة، فقام قائماً فقال: يا أمير المؤمنين، أنا الذي قلت هذا ونميته إلى دعبل؛ فقال له: وما أردت بهذا؟ قال: لما تعلم بيني وبينه من العداوة، فأردت أن أشيط بدمه. قال: فقال: أطلقوه. فلما كان بعد مدة قال لابن شكلة: سألتك بالله أنت الذي قلته؟ فقال: لا والله يا أمير المؤمنين، وما نظرة انظر أبغض إلي من دعبل. قال: فما الذي أردت بهذا؟ قال: علم أن ماله في المجلس عدو أعدى مني، فنظر إلي بعين العداوة، ونظرت إليه بعين الرحمة. قال: فجزاه خيراً.
قال إسحاق بن محمد بن أبان: كنت قاعداً مع دعبل بن علي بالبصرة، وعلى رأسه غلام اسمه نفنف، فمر به أعرابي يرفل في ثياب خز، فقال لغلامه: ادع هذا الأعرابي إلينا، فأومى إليه فجاء، فقال له دعبل: ممن الرجل؟ فقال: رجل من بني كلاب. قال: من أي بني كلاب؟ قال: من ولد أبي بكر، قال: أتعرف الذي يقول فيه:
ونبئت كلباً من كلاب يسبني ... ومحض كلاب يقطع الصلوات
فإن أنا لم أعلم كلاباً بأنها ... كلاب وأني باسل النقمات
فكان إذاً من قيس غيلان والدي ... وكانت إذاً أمي من الحبطات
يعني بني تميم، وهم أعدى الناس لليمن. وهذا الشعر لدعبل في عمرو بن عاصم الكلابي. فقال له الأعرابي: ممن أنت؟ فكره أن يقول له من خزاعة فيهجوه فقال: أنا أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر:
أناس علي الخير منهم وجعفر ... وحمزة والسجاد ذو الثفنات
إذا افتخروا يوماً أتوا بمحمد ... وجبريل والقرآن والسورات
وهذا الشعر أيضاً له. قال: فوثب الأعرابي وهو يقول: محمد وجبريل والقرآن والسورات! ما إلى هؤلاء مرتقى!.
قال الأزرقي: بلغ دعبلاً أن أبا تمام هجاه لما قال قصيدته التي رد فيها على الكميت وهي:
أفيقي من ملامك يا ظعينا ... كفاك الشيب مر الأربعينا
فقال أبو تمام:
نقضنا للحطيئة ألف بيت ... كذاك الحي يغلب ألف ميت
كذلك دعبل يرجو سفاهاً ... وحمقاً أن ينال مدى الكميت
إذا ما الحي ناقض حثو رمس ... فذلكم ابن فاعلة بزيت
فقال دعبل:
يا عجباً من شاعر مفلق ... آباؤه في طيئ تنمي
أنبئته يشتم من جهله ... أمي وما أصبح من همي
فقلت لكن حبذا أمه ... طاهرة زاكيةً علمي
كذبت والله على أمه ... ككذبه أيضاً على أمي
ورويت هذه الأبيات لغير دعبل في أبي تمام.
قدم صديق لدعبل من الحج، فوعده أن يهدي له نعلاً فأبطأت عليه فكتب إليه:
وعدت النعل ثم صدفت عنها ... كأنك تبتغي شتماً وقذفا
فإن لم تهد لي نعلاً فكنها ... إذا أعجمت بعد النون حرفا
قال عون بن محمد: لما هجا دعبل المطلب بن عبد الله الخزاعي فقال:
اضرب ندى طلحة الطلحات متئداً ... ببخل مطلب فينا وكن حكما
تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم ... فلا تعد لها لؤماً ولا كرما
فدعاه المطلب وقال: والله لأقتلنك لهجائك لي، فقال له: فأشبعني إذاً ولا تقتلني جائعاً، فقال: قبحك الله هذا أهجى من الأول. ثم وصله، فحلف أن يمدحه ما عاش فقال فيه:
سألت الندى لا عدمت الندى ... وقد كان منا زماناً عزب
فقلت له: طال عهد اللقا ... فهل غبت بالله أم لم تغب
فقال: بلى لم أزل غائباً ... ولكن قدمت مع المطلب
قال: وفي هذا الخبر ما دل على دهاء دعبل ولطف حيلته، وأنبأ عن ذكاء المطلب ودقة فطنته.
وقد روي مثل هذا عن معن بن زائدة وأتي بجماعة قد عاثوا في عمله، فأمر بقتلهم، فقال أحدهم: أعيذك بالله أن تقتلنا عطاشاً، فأمر بإحضار ماء يسقونهم، فلما شربوا قال: أيها الأمير لا تقتل أضيافك، فقال: أولى لك. وأمر بتخليتهم.
ولد دعبل بن علي سنة ثمان وأربعين ومئة، ومات سنة ست وأربعين ومئتين بالطيب. فعاش سبعاً وتسعين سنة وشهوراً. واسيمه عبد الرحمن، وإنما لقبته دايته لدعابة كانت فيه، فأرادت ذعبلاً، فقلبت الذال دالاً.
وقيل: إن المعتصم قتله في سنة عشرين ومئتين لهجائه له؛ وكان قد استجار بقبر الرشيد بطوس، فلم يجره. والصحيح ما تقدم.
وقيل قي سبب وفاته: إنه هجا مالك بن طوق التغلبي، فبعث إليه رجلاً ضمن له عشرة آلاف درهم، وأعطاه سماً؛ فلم يزل يطلبه حتى وجده قد نزل في قرية بنواحي السوس، فاغتاله في وقت من الأوقات بعد صلاة العتمة؛ فضرب ظهر قدمه بعكاز لها زج مسموم، فمات من غد، ودفن بتلك القرية، وقيل: بل حمل إلى السوس فدفن بها.