داود بْن نصير، أَبُو سُلَيْمَان الطائي الكوفي :
سمع عَبْد الملك بْن عمير، وَحبيب بْن أَبِي عمرة. وَسليمان الأعمش، ومُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى. روى عنه إِسْمَاعِيل بن علية، وَمصعب بْن المقدام، وَأبو نعيم الفضل بن دكين، وكان داود من شغل نفسه بالعلم، وَدرس الفقه وَغيره من العلوم، ثُمَّ اختار بعد ذلك العزلة وَآثر الانفراد وَالخلوة، وَلزم العبادة وَاجتهد فيها إلى آخر عمره، وَقدم بَغْدَاد فِي أيام المهدي. ثُمَّ عاد إلى الكوفة وَبها كانت وَفاته.
وجدت فِي كتاب مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن الفرات الَّذِي سمعه من أَبِي الْحَسَن إسحاق بْن عبدوس قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ قَالَ سمعت أبا نعيم يقول:
كنت بِبَغْدَادَ عند داود الطائي وَبها المهدي عشرين ليلة، فسمع ضوضاء فَقَالَ: ما هذا؟ قَالُوا: هذا أمير المؤمنين يا أبا سُلَيْمَان قَالَ: وَهُوَ هاهنا؟!.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق أخبر جعفر بن محمد بن نصير الخلدي حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبَّوَيْهِ قال سمعت عليّ بن المديني يقول سمعت ابْن عيينة يقول كَانَ داود الطائي ممن علم وَفقه. قَالَ: وَكَانَ يختلف إِلَى أَبِي حنيفة حَتَّى نفذ فِي ذلك الكلام، قَالَ فأخذ حصاة فحذف بها إنسانا، فَقَالَ له: يا أبا سُلَيْمَان طال لسانك وَطالت يدك؟ قَالَ: فاختلف بعد ذلك سنة لا يسأل وَلا يجيب، فلما علم أنه يصبر عمد إِلَى كتبه فغرقها فِي الفرات، ثُمَّ أقبل على العبادة وَتخلى. قَالَ: وَكَانَ زائدة صديقا له وَكَانَ يعلم أنه يجيب فِي آية من القرآن يفسرها الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
فأتاه فصلى إِلَى جنبه، فلما انفتل قَالَ: يا أبا سُلَيْمَان: الم غُلِبَتِ الرُّومُ
فَقَالَ: يا أبا الصلت انقطع الجواب فيها، انقطع الجواب فيها مرتين.
وأخبرنا ابن رزق أَخْبَرَنَا جعفر الخُلْدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحضرمي حدّثنا محمّد بن يزيد حَدَّثَنَا وَكيع قَالَ قيل لداود الطائي حَدَّثَنَا قَالَ: تريد أن أقعد مثل المكتب مَعَ قوم يتحفظون سقط كلامي؟.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَليّ عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن فضالة النيسابوري- بالري- أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن الفضل بْن محمّد بن سليمان السلمي حَدَّثَنَا أَبُو عمران مُوسَى بْن الْعَبَّاس الجويني حدّثنا جعفر بن الحجّاج الرقي حدّثنا عبيد بن جناد قال: قَالَ سمعت عطاء يقول: كَانَ لداود الطائي ثلاثمائة درهم فعاش بها عشرين سنة ينفقها على نفسه، قَالَ: وَكنا ندخل على داود الطائي فلم يكن فِي بيته إِلا بارية، وَلبنة يضع عليها رأسه وَإجانة فيها خبز، وَمطهرة يتوضأ منها وَمنها يشرب.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أبي طالب أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَمْرو الحريري أن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن كاس النخعي حدثهم قَالَ حدّثنا أحمد بن أبي الختلي حدّثنا محمّد بن إسحاق البكائي حَدَّثَنَا الوليد بْن عقبة الشيباني قَالَ لم يكن فِي حلقة أَبِي حنيفة أرفع صوتا من داود الطائي، ثُمَّ إنه تزهد وَاعتزلهم وَأقبل على العبادة.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عبد الله المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَسَّانَ الأنماطي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبِي الحواري. قَالَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَان- يعني الداراني- وَرث داود الطائي من أمه دارا فكان ينتقل فِي بيوت الدار، كلما تخرب بيت من الدار انتقل منه إلى آخر، وَلم يعمره حَتَّى أتى على عامة بيوت الدار. قَالَ وَورث من أبيه دنانير فكان يتقوتها حَتَّى كفن بآخرها.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عُمَر بْن روح أخبرنا المعافى بن زكريّا الجريري حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ حدّثني أبي حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حسان قَالَ: قَالَ لي عمي: قدم مُحَمَّد بْن قحطبة الكوفي فَقَالَ: أحتاج إِلَى مؤدب يؤدب أولادي، حافظ لكتاب اللَّه، عالم بسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبالآثار، وَالفقه، وَالنحو، وَالشعر، وَأيام الناس. فقيل له: ما يجمع هذه الأشياء إلا داود الطائي، وكان محمّد ابن قحطبة ابْن عم داود، فأرسل إليه يعرض ذلك عَلَيْهِ وَيسني له الأرزاق وَالفائدة فأبى داود ذلك، فأرسل إليه بدرة عشرة آلاف درهم وَقَالَ له استعن بها على دهرك، فردها فوجه إليه بدرتين مَعَ غلامين له مملوكين وَقَالَ لهما: إن قبل البدرتين فأنتما حران، فمضيا بهما إليه، فأبى أن يقبلهما فقالا له إن فِي قبولهما عتق رقابنا. فَقَالَ
لهما إني أخاف أن يَكُون فِي قبولهما وَهق رقبتي فِي النار، رداها إليه وَقولا له يردهما على من أخذهما منه أولى من أن يعطيني أنا.
أَخْبَرَنَا ابْن رزق قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَر الخُلْدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد الله الحضرمي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حسان قَالَ سمعت إِسْمَاعِيل بْن حسان يقول: جئت إِلَى باب داود الطائي فسمعته يخاطب نفسه، فظننت أن عنده أحدا، فأطلت القيام على الباب ثُمَّ استأذنت فدخلت، فَقَالَ: ما بدا لك فِي الاستئذان؟ قلت سمعتك تتكلم فظننت أن عندك أحدا، قَالَ: لا وَلكن كنت أخاصم نفسي. اشتهت البارحة تمرا، فخرجت فاشتريت لها، فلما جئت به اشتهت جزرا، فأعطيت اللَّه عهدا أن لا آكل تمرا وَلا جزرا حَتَّى ألقاه.
وَقَالَ الحضرمي: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبَّوَيْهِ قَالَ سمعت عَلِيّ بْن الْحَسَن الشقيقي قَالَ: قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن المبارك: قيل لداود الطائي- وَحائطه قد تصدع- لو أمرت برمه؟ فَقَالَ داود: كانوا يكرهون فضول النظر.
أَخْبَرَنَا عَبْد الغفار بن محمّد المؤدّب حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ حدّثنا محمّد بن جعفر المطيري حدّثنا الحسن بن عليّ العبدي حَدَّثَنَا أَبُو حفص قَالَ: سمعت ابْن أَبِي عدي يقول: صام داود الطائي أربعين سنة، ما علم به أهله، وَكَانَ خرازا وَكَانَ يحمل غداءه معه وَيتصدق به فِي الطريق وَيرجع إِلَى أهله يفطر عشاء، لا يعلمون أنه صائم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَاثِقِ بالله حدّثني جدي حدّثنا خلف بن عمرو حدّثنا محمّد بن عبد المجيد المروزي حَدَّثَنَا الوليد بْن عقبة قَالَ: رأيت داود الطائي- وَقَالَ له رجل: ألا تسرح لحيتك؟ قَالَ: إني عنها مشغول.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الحسن الشاهد بالبصرة حدّثنا أبو روق الهزاني حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد السكري قَالَ: احتجم داود الطائي فدفع إِلَى الحجام دينارا، فقيل له هذا إسراف، فَقَالَ: لا عبادة لمن لا مروءة له.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ بْن المنذر القاضي حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصر بن الخواص حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق حدّثنا محمّد بن الحسين البرجلاني حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد قَالَ حَدَّثَنِي سهل بْن بكار، قَالَ: قالت أخت لداود الطائي لداود: لو تنحيت من الشمس إِلَى الظل؟ قَالَ: هذه خطى لا أدرى كيف تكتب.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْد اللَّه الأصبهانيّ حدّثنا جعفر الخلدي حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق حدّثنا هارون بن سوار المقرئ قَالَ سمعت شعيب بْن حرب يقول: دخلت على داود الطائي فأكربني الحر فِي منزله، فقلت: لو خرجنا إِلَى الدار نستروح؟ فَقَالَ إني لأستحي من اللَّه أن أخطو خطوة لذة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بن إبراهيم الخفاف حَدَّثَنَا أَبُو ميسرة قميع بْن ميسرة بْن حاجب الزّهيري حدّثنا أحمد بن مسروق حدّثنا محمّد بن الحسين البرجلاني حدّثني هريم حَدَّثَنِي أَبُو الربيع الأعرج قَالَ: دخلت على داود الطائي ببيته بعد المغرب، فقرب إلي كسيرات يابسة، فعطشت، فقمت إِلَى دن فيه ماء حار، فقلت: رحمك اللَّه لو اتخذت إناء غير هذا يَكُون فيه الماء؟ فَقَالَ لي: إذا كنت لا أشرب إِلا باردا، وَلا آكل إِلا طيبا، وَلا ألبس إِلا لينا، فما أبقيت لآخرتي؟ قَالَ: قلت أوصني، قَالَ صم الدنيا، وَاجعل إفطارك فيها الموت، وَفر من الناس فرارك من السبع، وَصاحب أَهْل التقوى إن صحبت، فإنهم أقل مؤنة وَأحسن معونة، وَلا تدع الجماعة، حسبك هذا إن عملت به.
أخبرني الأزهري أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزّاز حَدَّثَنَا أَبُو مزاحم مُوسَى بْن عُبَيْد الله حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن مكرم قَالَ سمعتُ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الصيرفي يقول:
رحل أَبُو ربيع الأعرج إِلَى داود الطائي من وَاسط ليسمع منه شيئا وَيراه، فأقام على بابه ثلاثة أيام لم يصل إليه، قَالَ: كَانَ إذا سمع الإقامة خرج، فإذا سلم الإمام وَثب فدخل منزله قَالَ: فصليت فِي مسجد آخر ثُمَّ جئت وَجلست على بابه، فلما جاء ليدخل من باب الدار، قلت: ضيف رحمك اللَّه، قَالَ إن كنت ضيفا فادخل، قَالَ فدخلت فأقمت عنده ثلاثة أيام لا يكلمني، فلما كَانَ بعد ثلاث قلت: رحمك اللَّه أتيتك من وَاسط وَإني أحببت أن تزودني شيئا، فَقَالَ: صم الدنيا وَاجعل فطرك الموت، فقلت زدني رحمك اللَّه، قَالَ فر من الناس كفرارك من السبع، غير طاعن عليهم وَلا تارك لجماعتهم. قَالَ: فذهبت استزيده فوثب إِلَى المحراب. وَقَالَ اللَّه أكبر.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق أخبرنا أحمد بن سلمان النّجّاد حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الدّنيا حدّثني محمّد بن الحسين حدّثني رستم بن أسامة حَدَّثَنِي أَبُو خَالِد الأحمر. قَالَ قَالَ داود الطائي: ما حسدت أحدا على شيء إِلا أن يَكُون رجلا يقوم الليل فإني أحب أن أرزق وَقتا من الليل. قَالَ أَبُو خَالِد: وَبلغني أنه كَانَ لا ينام الليل، إذا غلبته عيناه احتبى قاعدا.
وَقَالَ ابْن أَبِي الدنيا: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنِي إسحاق بْن منصور قَالَ حدثتني أم سَعِيد بْن علقمة النخعي- وَكانت أمه طائية- قالت: كَانَ بيننا وَبين داود الطائي حائط قصير، كنت أسمع حسه عامة الليل لا يهدأ، قالت وَربما سمعته يقول: همك عطل علي الهموم، وَحالف بيني وَبين السهاد، وَشوقي إلى النظر إليك أوبق مني، وَحال بيني وَبين اللذات، فأنا فِي سجنك أيها الكريم مطلوب. قالت:
وربما ترتم بالآية فأرى أن جميع نعيم الدنيا جمع فِي ترنمه، وَكَانَ يَكُون فِي الدار وَحده، وَكَانَ لا يصبح فيها- أي لا يسرج-.
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الحسين بْن الحسن بن أحمد بن محمد الجواليقيّ حدّثنا جعفر ابن محمّد الخلدي حَدَّثَنَا أَحْمَد- يعني ابْن مُحَمَّد بْن مسروق- حدّثنا محمّد بن الحسين حدّثنا قبيصة بن عقبة حدثتني جارية لداود- يعني الطائي- قالت: مكث داود عشرين سنة لا يرفع رأسه إِلَى السماء. قَالَ قبيصة: قد رأيته كَانَ متخشعا جدا.
وأخبرنا الحسين بن الحسن الجواليقيّ حدّثنا جعفر الخلدي حدّثنا أحمد- هو ابن مسروق- حدّثنا محمّد- يعني ابن الحسين- حَدَّثَنِي عَمْرو بْن طلحة القناد. قَالَ:
وَرث داود الطائي من ابْن عم له- لم يكن له وَارث غيره- نحوا من مائة ألف درهم، وَعرضا وَغيره، قَالَ: قد جعلت ما أصابني من ميراثي منه صدقة على أَهْل الحاجة وَالمسكنة. قَالَ عَمْرو: فقسمت وَالله فِي الأحياء عَنْ آخرها درهما. قَالَ عَمْرو: حَدَّثَنِي حَمَّاد بْن أَبِي حنيفة قَالَ قلت له: لو بقيت بعضها لخلة تكون؟ قَالَ:
إني احتسبت بها صلة الرحم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الواحد الأكبر أخبرنا الوليد بن بكر حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَد قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْد اللَّهِ. قَالَ: قدم هارون الكوفة، فكتب قوما من القراء وَأمر لهم بألفين ألفين، فكان داود الطائي ممن كتب فِيهِم، وَدعي باسمه: أين داود؟ قالوا داود يجيئكم؟ أرسلوها إليه، قَالَ ابن السماك وَحماد بْن أَبِي حنيفة نحن نذهب بها إليه. قال ابْن السماك لحماد فِي الطريق: إذا نحن أدخلناها عَلَيْهِ فانثرها بين يديه فإن للعين حظها، رجل ليس عنده شيء، يؤمر له بألفي درهم يردها! فلما دخلوا عَلَيْهِ نثروها بين يديه فَقَالَ: شوه؟ إنما يفعل هذا بالصبيان، وَأبى أن يقبلها.
أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّيْرَفِيُّ حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْد الكريم- وَكَانَ متعبدا- عَنْ حَمَّاد بْن أَبِي حنيفة أن مولاة لداود الطائي كانت تخدمه فقالت: لو طبخت لك دسما تأكله؟ قَالَ: وَددت، قالت فطبخت له دسما ثُمَّ أتيته به فَقَالَ لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت على حالهم، قَالَ اذهبي بهذا إليهم، فقالت أنت لم تأكل آدما منذ كذا وَكذا! فَقَالَ: إن هذا إذا أكلوه كَانَ عند اللَّه مذخورا، وَإذا أكلته كَانَ فِي الحش.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الْقَطَّان أخبرنا عُثْمَان بْن أَحْمَدَ الدَّقَّاق حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن هشام المستملي. قال: سمعت أبا عَبْد الرَّحْمَنِ المذكر- وَأنا حدث- قَالَ: كَانَ داود الطائي يحيي الليل صلاة. ثُمَّ يقعد بحذاء القبلة فيقول: يا سواد ليلة لا تضيء، وَيا بعد سفر لا ينقضي وَيا خلوتك بي تقول داود ألم تستح؟
أَخْبَرَنَا ابن رزق أَخْبَرَنَا جعفر الخُلْدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحضرمي حدّثنا عليّ بن حرب حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن زبان. قَالَ قالت داية داود له: يا أبا سُلَيْمَان أما تشتهي الخبز؟ قَالَ يا داية بين مضغ الخبز وَشرب الفتيت قراءة خمسين آية.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن عليّ الصّيمريّ حدّثنا الحسين بن هارون القاضي أخبرنا أحمد ابن سعيد حدّثنا قاسم بن الضّحاك حَدَّثَنَا معاوية بْن سفيان المازني عَنْ دثار بْن محارب قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي محارب بْن دثار. قَالَ: لو كَانَ داود الطائي فِي الأمم الماضية لقص اللَّه علينا من خبره.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى السكري أَخْبَرَنَا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ حدّثنا جعفر ابن محمّد بن الأزهر حَدَّثَنَا ابن الغلابي. قَالَ قَالَ أبو زكريا يحيى بن معين: داود الطائي ثقة.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله القطّان حَدَّثَنَا عبدوس- وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن روح المدائني- حدّثنا عبيد الله بن محمّد العيشي حَدَّثَنَا سلمة بْن سَعِيد. قَالَ: باع داود الطائي جارية له، قَالَ: فَقَالَ له بعض إخوانه:
لو دفعت إلي ثمنها فضاربت لك بها، فعشت فِي فضلها، وَكانت هي على حالها، فلما وَلى دعاه. فَقَالَ: هاتها عسى أن لا أفنيها حَتَّى أموت. قال: فو الله ما أفناها حَتَّى مات، قَالَ وَبقي منها شيء فاشترينا له كفنا.
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان أخبرنا عليّ بن إبراهيم المستملي حدّثنا أبو أحمد بن فارس حَدَّثَنَا الْبُخَارِيّ. قَالَ: داود بْن نصير الطائي أَبُو سُلَيْمَان مات بعد الثَّوْرِيّ، قاله لي علي وَقَالَ لي ابْن أَبِي الطيب عَنْ أَبِي داود: مات إسرائيل وَداود فِي أيام وَأنا بالكوفة. وَقَالَ أَبُو نعيم: مات سنة ستين وَمائة.
وأَخْبَرَنَا ابْن الفضل أَخْبَرَنَا جَعْفَر الخُلْدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحضرمي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد اللَّه بْن نمير. قَالَ: مات داود الطائي سنة خمس وَستين وَمائة.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ محمد بن عثمان البجليّ أخبرنا جعفر ابن محمّد بن نصير حَدَّثَنَا أَبُو الوليد بشر بْن أَبِي عاصم حَدَّثَنِي أَبُو الهيثم خَالِد بْن أَبِي الصقر السدوسي. قَالَ قَالَ أَبِي: لما مات داود بْن نصير الطائي جاء ابْن السماك فجلس على قبره ثُمَّ قَالَ: أيها الناس إن أهل الزهد في الدّنيا تعجلوا التعب على أبدانهم مع ثقل الحساب عليهم غدا، وَالزهادة راحة لصاحبها فِي الدنيا وَالآخرة، وَالرغبة تتعب صاحبها فِي الدنيا وَالآخرة، رحمك اللَّه يا أبا سُلَيْمَان! ما كَانَ أعجب شأنك ألزمت نفسك الصبر حَتَّى قومتها عَلَيْهِ، أجعتها وَإنما تريد شبعها، وَأظمأتها وَإنما تريد ريها، أخشنت المطعم وَإنما تريد أطيبه، وَخشنت الملبس وَإنما تريد لينه، يا أبا سُلَيْمَان أما كنت تشتهي من الطعام طيبة، وَمن الماء بارده، وَمن اللباس لينه، بلى! وَلكنك أخرت ذلك لما بين يديك، فما أراك إِلا قد ظفرت بما طلبت، وَما إليه رغبت، فما أيسر ما صنعت وَأحقر ما فعلت، فِي جنب ما أملت، فمن سمع بمثلك عزم عزمك، أَوْ صبر صبرك!! آنس ما تكون إذا كنت بالله خاليا، وَأوحش ما تكون آنس ما يَكُون الناس، سمعت الحديث وَتركت الناس يحدثون، تفهمت في دين الله وتركتهم يفتون، لا تذللك المطامع، وَلا ترغب إِلَى الناس فِي الصنائع، وَلا تحسد الأخيار، وَلا تعيب الأشرار، وَلا تقبل من السلطان عطية، وَلا من الإخوان هدية، سجنت نفسك فِي بيتك، فلا محدث لك، وَلا ستر على بابك، وَلا قلة تبرد فيها ماءك، وَلا قصعة تثرد فيها غداءك وَعشاءك، فلو رأيت جنازتك وَكثرة تابعك، علمت أنه قد شرفك وَكرمك، وَألبسك رداء عملك، فلو لم يرغب عَبْد فِي الزهد فِي الدنيا إِلا لمحبة هذا النشر الجميل، وَالتابع الكثير، لكان حقيقا بالاجتهاد. فسبحان من لا يضيع مطيعا، وَلا ينسى لأحد صنيعا. وَفرغ من دفنه وقام الناس.
أخبرنا البرقانيّ أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قَالَ: سمعت أبا بَكْر بْن خلف قَالَ حَدَّثَنَا إسحاق بْن منصور السلولي- سنة خمس وَمائتين- قَالَ: لما مات داود الطائي شيع جنازته الناس فلما دفن قام ابْن السماك على قبره فَقَالَ: يا داود كنت تسهر ليلك إذا الناس ينامون، فَقَالَ القوم جميعا: صدقت، وَكنت تربح إذا الناس يخسرون، فَقَالَ الناس جميعا:
صدقت، وَكنت تسلم إذا الناس يخوضون، فَقَالَ الناس جميعا صدقت، حَتَّى عدد فضائله كلها. فلما فرغ قام أَبُو بَكْر النهشلي فحمد اللَّه ثُمَّ قَالَ: يا رب إن الناس قد قَالُوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم اغفر له برحمتك، وَلا تكله إِلَى عمله.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن عبد الله المعدل أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعيّ حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا حدّثني محمّد بن الحسين حدّثنا أبو الوليد الكلبي حَدَّثَنِي حفص بْن بغيل المرهبي. قَالَ: رأيت داود الطائي فِي منامي فقلت: أبا سُلَيْمَان كيف رأيت خير الآخرة؟ قَالَ: رأيت خيرها كثيرا، قَالَ قلت فماذا صرت إليه؟ قَالَ صرت إلى الخير وَالحمد لله. قَالَ قلت فهل لك من علم بسفيان بْن سَعِيد فقد كَانَ يحب الخير وَأهله؟ قَالَ فتبسم وَقَالَ رقاه الخير إِلَى درجة أَهْل الخير.
سمع عَبْد الملك بْن عمير، وَحبيب بْن أَبِي عمرة. وَسليمان الأعمش، ومُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ بْن أَبِي ليلى. روى عنه إِسْمَاعِيل بن علية، وَمصعب بْن المقدام، وَأبو نعيم الفضل بن دكين، وكان داود من شغل نفسه بالعلم، وَدرس الفقه وَغيره من العلوم، ثُمَّ اختار بعد ذلك العزلة وَآثر الانفراد وَالخلوة، وَلزم العبادة وَاجتهد فيها إلى آخر عمره، وَقدم بَغْدَاد فِي أيام المهدي. ثُمَّ عاد إلى الكوفة وَبها كانت وَفاته.
وجدت فِي كتاب مُحَمَّد بْن الْعَبَّاس بْن الفرات الَّذِي سمعه من أَبِي الْحَسَن إسحاق بْن عبدوس قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يُونُسَ الْكُدَيْمِيُّ قَالَ سمعت أبا نعيم يقول:
كنت بِبَغْدَادَ عند داود الطائي وَبها المهدي عشرين ليلة، فسمع ضوضاء فَقَالَ: ما هذا؟ قَالُوا: هذا أمير المؤمنين يا أبا سُلَيْمَان قَالَ: وَهُوَ هاهنا؟!.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق أخبر جعفر بن محمد بن نصير الخلدي حَدَّثَنَا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبَّوَيْهِ قال سمعت عليّ بن المديني يقول سمعت ابْن عيينة يقول كَانَ داود الطائي ممن علم وَفقه. قَالَ: وَكَانَ يختلف إِلَى أَبِي حنيفة حَتَّى نفذ فِي ذلك الكلام، قَالَ فأخذ حصاة فحذف بها إنسانا، فَقَالَ له: يا أبا سُلَيْمَان طال لسانك وَطالت يدك؟ قَالَ: فاختلف بعد ذلك سنة لا يسأل وَلا يجيب، فلما علم أنه يصبر عمد إِلَى كتبه فغرقها فِي الفرات، ثُمَّ أقبل على العبادة وَتخلى. قَالَ: وَكَانَ زائدة صديقا له وَكَانَ يعلم أنه يجيب فِي آية من القرآن يفسرها الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ
فأتاه فصلى إِلَى جنبه، فلما انفتل قَالَ: يا أبا سُلَيْمَان: الم غُلِبَتِ الرُّومُ
فَقَالَ: يا أبا الصلت انقطع الجواب فيها، انقطع الجواب فيها مرتين.
وأخبرنا ابن رزق أَخْبَرَنَا جعفر الخُلْدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحضرمي حدّثنا محمّد بن يزيد حَدَّثَنَا وَكيع قَالَ قيل لداود الطائي حَدَّثَنَا قَالَ: تريد أن أقعد مثل المكتب مَعَ قوم يتحفظون سقط كلامي؟.
أَخْبَرَنَا أَبُو عَليّ عَبْد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن فضالة النيسابوري- بالري- أَخْبَرَنَا أَبُو الفضل مُحَمَّد بْن الفضل بْن محمّد بن سليمان السلمي حَدَّثَنَا أَبُو عمران مُوسَى بْن الْعَبَّاس الجويني حدّثنا جعفر بن الحجّاج الرقي حدّثنا عبيد بن جناد قال: قَالَ سمعت عطاء يقول: كَانَ لداود الطائي ثلاثمائة درهم فعاش بها عشرين سنة ينفقها على نفسه، قَالَ: وَكنا ندخل على داود الطائي فلم يكن فِي بيته إِلا بارية، وَلبنة يضع عليها رأسه وَإجانة فيها خبز، وَمطهرة يتوضأ منها وَمنها يشرب.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أبي طالب أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن عَمْرو الحريري أن عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن كاس النخعي حدثهم قَالَ حدّثنا أحمد بن أبي الختلي حدّثنا محمّد بن إسحاق البكائي حَدَّثَنَا الوليد بْن عقبة الشيباني قَالَ لم يكن فِي حلقة أَبِي حنيفة أرفع صوتا من داود الطائي، ثُمَّ إنه تزهد وَاعتزلهم وَأقبل على العبادة.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بْن عبد الله المعدّل أخبرنا عثمان بن أحمد الدّقّاق حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَسَّانَ الأنماطي حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن أَبِي الحواري. قَالَ قَالَ أَبُو سُلَيْمَان- يعني الداراني- وَرث داود الطائي من أمه دارا فكان ينتقل فِي بيوت الدار، كلما تخرب بيت من الدار انتقل منه إلى آخر، وَلم يعمره حَتَّى أتى على عامة بيوت الدار. قَالَ وَورث من أبيه دنانير فكان يتقوتها حَتَّى كفن بآخرها.
أَخْبَرَنَا أَحْمَد بْن عُمَر بْن روح أخبرنا المعافى بن زكريّا الجريري حدّثنا محمّد بن القاسم الأنباريّ حدّثني أبي حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حسان قَالَ: قَالَ لي عمي: قدم مُحَمَّد بْن قحطبة الكوفي فَقَالَ: أحتاج إِلَى مؤدب يؤدب أولادي، حافظ لكتاب اللَّه، عالم بسنة رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبالآثار، وَالفقه، وَالنحو، وَالشعر، وَأيام الناس. فقيل له: ما يجمع هذه الأشياء إلا داود الطائي، وكان محمّد ابن قحطبة ابْن عم داود، فأرسل إليه يعرض ذلك عَلَيْهِ وَيسني له الأرزاق وَالفائدة فأبى داود ذلك، فأرسل إليه بدرة عشرة آلاف درهم وَقَالَ له استعن بها على دهرك، فردها فوجه إليه بدرتين مَعَ غلامين له مملوكين وَقَالَ لهما: إن قبل البدرتين فأنتما حران، فمضيا بهما إليه، فأبى أن يقبلهما فقالا له إن فِي قبولهما عتق رقابنا. فَقَالَ
لهما إني أخاف أن يَكُون فِي قبولهما وَهق رقبتي فِي النار، رداها إليه وَقولا له يردهما على من أخذهما منه أولى من أن يعطيني أنا.
أَخْبَرَنَا ابْن رزق قَالَ أَخْبَرَنَا جَعْفَر الخُلْدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد الله الحضرمي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن حسان قَالَ سمعت إِسْمَاعِيل بْن حسان يقول: جئت إِلَى باب داود الطائي فسمعته يخاطب نفسه، فظننت أن عنده أحدا، فأطلت القيام على الباب ثُمَّ استأذنت فدخلت، فَقَالَ: ما بدا لك فِي الاستئذان؟ قلت سمعتك تتكلم فظننت أن عندك أحدا، قَالَ: لا وَلكن كنت أخاصم نفسي. اشتهت البارحة تمرا، فخرجت فاشتريت لها، فلما جئت به اشتهت جزرا، فأعطيت اللَّه عهدا أن لا آكل تمرا وَلا جزرا حَتَّى ألقاه.
وَقَالَ الحضرمي: حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن أَحْمَد بْن شَبَّوَيْهِ قَالَ سمعت عَلِيّ بْن الْحَسَن الشقيقي قَالَ: قَالَ عَبْد اللَّهِ بْن المبارك: قيل لداود الطائي- وَحائطه قد تصدع- لو أمرت برمه؟ فَقَالَ داود: كانوا يكرهون فضول النظر.
أَخْبَرَنَا عَبْد الغفار بن محمّد المؤدّب حدّثنا عمر بن أحمد الواعظ حدّثنا محمّد بن جعفر المطيري حدّثنا الحسن بن عليّ العبدي حَدَّثَنَا أَبُو حفص قَالَ: سمعت ابْن أَبِي عدي يقول: صام داود الطائي أربعين سنة، ما علم به أهله، وَكَانَ خرازا وَكَانَ يحمل غداءه معه وَيتصدق به فِي الطريق وَيرجع إِلَى أهله يفطر عشاء، لا يعلمون أنه صائم.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَاثِقِ بالله حدّثني جدي حدّثنا خلف بن عمرو حدّثنا محمّد بن عبد المجيد المروزي حَدَّثَنَا الوليد بْن عقبة قَالَ: رأيت داود الطائي- وَقَالَ له رجل: ألا تسرح لحيتك؟ قَالَ: إني عنها مشغول.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ الحسن الشاهد بالبصرة حدّثنا أبو روق الهزاني حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد السكري قَالَ: احتجم داود الطائي فدفع إِلَى الحجام دينارا، فقيل له هذا إسراف، فَقَالَ: لا عبادة لمن لا مروءة له.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيّ بْن المنذر القاضي حدّثنا جعفر بن محمّد بن نصر بن الخواص حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق حدّثنا محمّد بن الحسين البرجلاني حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيد قَالَ حَدَّثَنِي سهل بْن بكار، قَالَ: قالت أخت لداود الطائي لداود: لو تنحيت من الشمس إِلَى الظل؟ قَالَ: هذه خطى لا أدرى كيف تكتب.
أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْد اللَّه الأصبهانيّ حدّثنا جعفر الخلدي حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسروق حدّثنا هارون بن سوار المقرئ قَالَ سمعت شعيب بْن حرب يقول: دخلت على داود الطائي فأكربني الحر فِي منزله، فقلت: لو خرجنا إِلَى الدار نستروح؟ فَقَالَ إني لأستحي من اللَّه أن أخطو خطوة لذة.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن بن إبراهيم الخفاف حَدَّثَنَا أَبُو ميسرة قميع بْن ميسرة بْن حاجب الزّهيري حدّثنا أحمد بن مسروق حدّثنا محمّد بن الحسين البرجلاني حدّثني هريم حَدَّثَنِي أَبُو الربيع الأعرج قَالَ: دخلت على داود الطائي ببيته بعد المغرب، فقرب إلي كسيرات يابسة، فعطشت، فقمت إِلَى دن فيه ماء حار، فقلت: رحمك اللَّه لو اتخذت إناء غير هذا يَكُون فيه الماء؟ فَقَالَ لي: إذا كنت لا أشرب إِلا باردا، وَلا آكل إِلا طيبا، وَلا ألبس إِلا لينا، فما أبقيت لآخرتي؟ قَالَ: قلت أوصني، قَالَ صم الدنيا، وَاجعل إفطارك فيها الموت، وَفر من الناس فرارك من السبع، وَصاحب أَهْل التقوى إن صحبت، فإنهم أقل مؤنة وَأحسن معونة، وَلا تدع الجماعة، حسبك هذا إن عملت به.
أخبرني الأزهري أخبرنا محمّد بن العبّاس الخزّاز حَدَّثَنَا أَبُو مزاحم مُوسَى بْن عُبَيْد الله حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن مكرم قَالَ سمعتُ مُحَمَّد بْن عَبْد الرَّحْمَنِ الصيرفي يقول:
رحل أَبُو ربيع الأعرج إِلَى داود الطائي من وَاسط ليسمع منه شيئا وَيراه، فأقام على بابه ثلاثة أيام لم يصل إليه، قَالَ: كَانَ إذا سمع الإقامة خرج، فإذا سلم الإمام وَثب فدخل منزله قَالَ: فصليت فِي مسجد آخر ثُمَّ جئت وَجلست على بابه، فلما جاء ليدخل من باب الدار، قلت: ضيف رحمك اللَّه، قَالَ إن كنت ضيفا فادخل، قَالَ فدخلت فأقمت عنده ثلاثة أيام لا يكلمني، فلما كَانَ بعد ثلاث قلت: رحمك اللَّه أتيتك من وَاسط وَإني أحببت أن تزودني شيئا، فَقَالَ: صم الدنيا وَاجعل فطرك الموت، فقلت زدني رحمك اللَّه، قَالَ فر من الناس كفرارك من السبع، غير طاعن عليهم وَلا تارك لجماعتهم. قَالَ: فذهبت استزيده فوثب إِلَى المحراب. وَقَالَ اللَّه أكبر.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن رزق أخبرنا أحمد بن سلمان النّجّاد حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي الدّنيا حدّثني محمّد بن الحسين حدّثني رستم بن أسامة حَدَّثَنِي أَبُو خَالِد الأحمر. قَالَ قَالَ داود الطائي: ما حسدت أحدا على شيء إِلا أن يَكُون رجلا يقوم الليل فإني أحب أن أرزق وَقتا من الليل. قَالَ أَبُو خَالِد: وَبلغني أنه كَانَ لا ينام الليل، إذا غلبته عيناه احتبى قاعدا.
وَقَالَ ابْن أَبِي الدنيا: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن حَدَّثَنِي إسحاق بْن منصور قَالَ حدثتني أم سَعِيد بْن علقمة النخعي- وَكانت أمه طائية- قالت: كَانَ بيننا وَبين داود الطائي حائط قصير، كنت أسمع حسه عامة الليل لا يهدأ، قالت وَربما سمعته يقول: همك عطل علي الهموم، وَحالف بيني وَبين السهاد، وَشوقي إلى النظر إليك أوبق مني، وَحال بيني وَبين اللذات، فأنا فِي سجنك أيها الكريم مطلوب. قالت:
وربما ترتم بالآية فأرى أن جميع نعيم الدنيا جمع فِي ترنمه، وَكَانَ يَكُون فِي الدار وَحده، وَكَانَ لا يصبح فيها- أي لا يسرج-.
أَخْبَرَنَا أَبُو عبد اللَّه الحسين بْن الحسن بن أحمد بن محمد الجواليقيّ حدّثنا جعفر ابن محمّد الخلدي حَدَّثَنَا أَحْمَد- يعني ابْن مُحَمَّد بْن مسروق- حدّثنا محمّد بن الحسين حدّثنا قبيصة بن عقبة حدثتني جارية لداود- يعني الطائي- قالت: مكث داود عشرين سنة لا يرفع رأسه إِلَى السماء. قَالَ قبيصة: قد رأيته كَانَ متخشعا جدا.
وأخبرنا الحسين بن الحسن الجواليقيّ حدّثنا جعفر الخلدي حدّثنا أحمد- هو ابن مسروق- حدّثنا محمّد- يعني ابن الحسين- حَدَّثَنِي عَمْرو بْن طلحة القناد. قَالَ:
وَرث داود الطائي من ابْن عم له- لم يكن له وَارث غيره- نحوا من مائة ألف درهم، وَعرضا وَغيره، قَالَ: قد جعلت ما أصابني من ميراثي منه صدقة على أَهْل الحاجة وَالمسكنة. قَالَ عَمْرو: فقسمت وَالله فِي الأحياء عَنْ آخرها درهما. قَالَ عَمْرو: حَدَّثَنِي حَمَّاد بْن أَبِي حنيفة قَالَ قلت له: لو بقيت بعضها لخلة تكون؟ قَالَ:
إني احتسبت بها صلة الرحم.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بن عبد الواحد الأكبر أخبرنا الوليد بن بكر حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي حدثنا أبو مسلم صالح بن أحمد بن عبد الله العجليّ حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَد قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْد اللَّهِ. قَالَ: قدم هارون الكوفة، فكتب قوما من القراء وَأمر لهم بألفين ألفين، فكان داود الطائي ممن كتب فِيهِم، وَدعي باسمه: أين داود؟ قالوا داود يجيئكم؟ أرسلوها إليه، قَالَ ابن السماك وَحماد بْن أَبِي حنيفة نحن نذهب بها إليه. قال ابْن السماك لحماد فِي الطريق: إذا نحن أدخلناها عَلَيْهِ فانثرها بين يديه فإن للعين حظها، رجل ليس عنده شيء، يؤمر له بألفي درهم يردها! فلما دخلوا عَلَيْهِ نثروها بين يديه فَقَالَ: شوه؟ إنما يفعل هذا بالصبيان، وَأبى أن يقبلها.
أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصَّيْرَفِيُّ حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حَدَّثَنَا عَبْد اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْد الكريم- وَكَانَ متعبدا- عَنْ حَمَّاد بْن أَبِي حنيفة أن مولاة لداود الطائي كانت تخدمه فقالت: لو طبخت لك دسما تأكله؟ قَالَ: وَددت، قالت فطبخت له دسما ثُمَّ أتيته به فَقَالَ لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت على حالهم، قَالَ اذهبي بهذا إليهم، فقالت أنت لم تأكل آدما منذ كذا وَكذا! فَقَالَ: إن هذا إذا أكلوه كَانَ عند اللَّه مذخورا، وَإذا أكلته كَانَ فِي الحش.
أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن الْحُسَيْن الْقَطَّان أخبرنا عُثْمَان بْن أَحْمَدَ الدَّقَّاق حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن هشام المستملي. قال: سمعت أبا عَبْد الرَّحْمَنِ المذكر- وَأنا حدث- قَالَ: كَانَ داود الطائي يحيي الليل صلاة. ثُمَّ يقعد بحذاء القبلة فيقول: يا سواد ليلة لا تضيء، وَيا بعد سفر لا ينقضي وَيا خلوتك بي تقول داود ألم تستح؟
أَخْبَرَنَا ابن رزق أَخْبَرَنَا جعفر الخُلْدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحضرمي حدّثنا عليّ بن حرب حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل بْن زبان. قَالَ قالت داية داود له: يا أبا سُلَيْمَان أما تشتهي الخبز؟ قَالَ يا داية بين مضغ الخبز وَشرب الفتيت قراءة خمسين آية.
أَخْبَرَنَا الْحُسَيْن بْن عليّ الصّيمريّ حدّثنا الحسين بن هارون القاضي أخبرنا أحمد ابن سعيد حدّثنا قاسم بن الضّحاك حَدَّثَنَا معاوية بْن سفيان المازني عَنْ دثار بْن محارب قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي محارب بْن دثار. قَالَ: لو كَانَ داود الطائي فِي الأمم الماضية لقص اللَّه علينا من خبره.
أَخْبَرَنِي عَبْد اللَّه بْن يَحْيَى السكري أَخْبَرَنَا محمّد بن عبد الله الشّافعيّ حدّثنا جعفر ابن محمّد بن الأزهر حَدَّثَنَا ابن الغلابي. قَالَ قَالَ أبو زكريا يحيى بن معين: داود الطائي ثقة.
أَخْبَرَنَا الْحَسَن بْن أَبِي بَكْر أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله القطّان حَدَّثَنَا عبدوس- وَهُوَ عَبْد اللَّهِ بْن روح المدائني- حدّثنا عبيد الله بن محمّد العيشي حَدَّثَنَا سلمة بْن سَعِيد. قَالَ: باع داود الطائي جارية له، قَالَ: فَقَالَ له بعض إخوانه:
لو دفعت إلي ثمنها فضاربت لك بها، فعشت فِي فضلها، وَكانت هي على حالها، فلما وَلى دعاه. فَقَالَ: هاتها عسى أن لا أفنيها حَتَّى أموت. قال: فو الله ما أفناها حَتَّى مات، قَالَ وَبقي منها شيء فاشترينا له كفنا.
أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل القطان أخبرنا عليّ بن إبراهيم المستملي حدّثنا أبو أحمد بن فارس حَدَّثَنَا الْبُخَارِيّ. قَالَ: داود بْن نصير الطائي أَبُو سُلَيْمَان مات بعد الثَّوْرِيّ، قاله لي علي وَقَالَ لي ابْن أَبِي الطيب عَنْ أَبِي داود: مات إسرائيل وَداود فِي أيام وَأنا بالكوفة. وَقَالَ أَبُو نعيم: مات سنة ستين وَمائة.
وأَخْبَرَنَا ابْن الفضل أَخْبَرَنَا جَعْفَر الخُلْدي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد الله الحضرمي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد اللَّه بْن نمير. قَالَ: مات داود الطائي سنة خمس وَستين وَمائة.
أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ محمد بن عثمان البجليّ أخبرنا جعفر ابن محمّد بن نصير حَدَّثَنَا أَبُو الوليد بشر بْن أَبِي عاصم حَدَّثَنِي أَبُو الهيثم خَالِد بْن أَبِي الصقر السدوسي. قَالَ قَالَ أَبِي: لما مات داود بْن نصير الطائي جاء ابْن السماك فجلس على قبره ثُمَّ قَالَ: أيها الناس إن أهل الزهد في الدّنيا تعجلوا التعب على أبدانهم مع ثقل الحساب عليهم غدا، وَالزهادة راحة لصاحبها فِي الدنيا وَالآخرة، وَالرغبة تتعب صاحبها فِي الدنيا وَالآخرة، رحمك اللَّه يا أبا سُلَيْمَان! ما كَانَ أعجب شأنك ألزمت نفسك الصبر حَتَّى قومتها عَلَيْهِ، أجعتها وَإنما تريد شبعها، وَأظمأتها وَإنما تريد ريها، أخشنت المطعم وَإنما تريد أطيبه، وَخشنت الملبس وَإنما تريد لينه، يا أبا سُلَيْمَان أما كنت تشتهي من الطعام طيبة، وَمن الماء بارده، وَمن اللباس لينه، بلى! وَلكنك أخرت ذلك لما بين يديك، فما أراك إِلا قد ظفرت بما طلبت، وَما إليه رغبت، فما أيسر ما صنعت وَأحقر ما فعلت، فِي جنب ما أملت، فمن سمع بمثلك عزم عزمك، أَوْ صبر صبرك!! آنس ما تكون إذا كنت بالله خاليا، وَأوحش ما تكون آنس ما يَكُون الناس، سمعت الحديث وَتركت الناس يحدثون، تفهمت في دين الله وتركتهم يفتون، لا تذللك المطامع، وَلا ترغب إِلَى الناس فِي الصنائع، وَلا تحسد الأخيار، وَلا تعيب الأشرار، وَلا تقبل من السلطان عطية، وَلا من الإخوان هدية، سجنت نفسك فِي بيتك، فلا محدث لك، وَلا ستر على بابك، وَلا قلة تبرد فيها ماءك، وَلا قصعة تثرد فيها غداءك وَعشاءك، فلو رأيت جنازتك وَكثرة تابعك، علمت أنه قد شرفك وَكرمك، وَألبسك رداء عملك، فلو لم يرغب عَبْد فِي الزهد فِي الدنيا إِلا لمحبة هذا النشر الجميل، وَالتابع الكثير، لكان حقيقا بالاجتهاد. فسبحان من لا يضيع مطيعا، وَلا ينسى لأحد صنيعا. وَفرغ من دفنه وقام الناس.
أخبرنا البرقانيّ أخبرنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قَالَ: سمعت أبا بَكْر بْن خلف قَالَ حَدَّثَنَا إسحاق بْن منصور السلولي- سنة خمس وَمائتين- قَالَ: لما مات داود الطائي شيع جنازته الناس فلما دفن قام ابْن السماك على قبره فَقَالَ: يا داود كنت تسهر ليلك إذا الناس ينامون، فَقَالَ القوم جميعا: صدقت، وَكنت تربح إذا الناس يخسرون، فَقَالَ الناس جميعا:
صدقت، وَكنت تسلم إذا الناس يخوضون، فَقَالَ الناس جميعا صدقت، حَتَّى عدد فضائله كلها. فلما فرغ قام أَبُو بَكْر النهشلي فحمد اللَّه ثُمَّ قَالَ: يا رب إن الناس قد قَالُوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم اغفر له برحمتك، وَلا تكله إِلَى عمله.
أَخْبَرَنَا عَلِيّ بْن مُحَمَّد بن عبد الله المعدل أخبرنا الحسين بن صفوان البرذعيّ حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي الدّنيا حدّثني محمّد بن الحسين حدّثنا أبو الوليد الكلبي حَدَّثَنِي حفص بْن بغيل المرهبي. قَالَ: رأيت داود الطائي فِي منامي فقلت: أبا سُلَيْمَان كيف رأيت خير الآخرة؟ قَالَ: رأيت خيرها كثيرا، قَالَ قلت فماذا صرت إليه؟ قَالَ صرت إلى الخير وَالحمد لله. قَالَ قلت فهل لك من علم بسفيان بْن سَعِيد فقد كَانَ يحب الخير وَأهله؟ قَالَ فتبسم وَقَالَ رقاه الخير إِلَى درجة أَهْل الخير.