Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=150399&book=5563#c6f6db
جعفر بن أبي طالب عبد مناف
ابن عبد المطلب بن هاشم الطيار ابن عم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسلم وهاجر الهجرتين، واستعمله نبي الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على غزوة مؤتة بعد زيد بن حارثة، واستشهد بها. ومؤتة بأرض البلقاء.
قالت أم سلمة: لما ضاقت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مكة، وأوذي أصحابه، وقنتوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في منعة من قومه ومن عمه، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إن بأرض الحبشة ملكاً لا يظلم أحداً عنده، فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجاً ومخرجاً مما أنتم فيه، فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا بها، فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا، ولم نخش ظلماً. فلما رأت قريش أنا قد أصبنا داراً وأمناً، اجتمعوا
على أن يبعثوا إليه فينا ليخرجونا من بلاده، وليردنا عليهم. فبعثوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة، فجمعوا له هدايا ولبطارقته، فلم يدعوا منهم رجلاً إلا بعثوا له هدية إلى حدة، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثم ادفعوا إليه هدايا، وإن استطعتما أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا. فقدما عليما، فلم يبق بطريق من بطارقته إلا قدموا إليه هديته، فكلموه، فقالوا له: إنا قدمنا على هذا الملك في سفهاء من سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم، ولم يدخلوا في دينكم فبعثنا قومهم ليرهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل. ثم قدموا إلى النجاشي هداياه، فكان من أحب ما يهدى إليه من مكة الأدم. فلما أدخلوا عليه هداياه فقالوا له: أيها الملك إن فتية منا سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لجؤوا إلى بلادك فبعثنا إليك فيهم عشائرهم، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لترهم عليهم، فهم أعلى بهم عينا. فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، ولو رددتهم عليهم كانوا هم أعلى بهم، فإنهم لم يدخلوا في دينك فيمنعهم أملك. فغضب، ثم قال: لا لعمر الله، لا أردهم عليهم حتى أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لجؤوا إلى بلادي، واختاروا جواري على جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم، ولم أدخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عينا. فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم، ولم يكن شيء أبغض إلى عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم، فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القم فقال: ماذا تقولون؟ فقالوا: وماذا نقول! نقول والله ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كائن من ذلك ما كان. فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي: ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم ولم تدخلوا في يهودية ولا نصرانية فما هذا الدين؟ فقال جعفر: أيها الملك كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان نأكل الميتة، ونسيء الجوار، ونستحلّ المحارم بعضنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لانحلّ شيئاً ولا نحرّمه، فبعث الله إلينا نبياً من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده لا شريك له، ونصل الرحم، ونحسن الجوار، ونصلّي لله تعالى، ونصوم له،
ولا نعبد غيره. قال: فقال: هل معك شيء مما جاء به؟ وقد دعا أساقفته فأمرهم فنشروا المصاحف حوله، فقال له جعفر: نعم. فقال: هلمّ فاتل عليّ ما جاء به. فقرأ عليه صدراً من " كهيعص " فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم. ثم قال: إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها المشكاة التي جاء بها موسى؛ انطلقوا راشدين، لا والله لا أردهم عليهم، ولا أنعمكم عينا. فخرجنا من عنده، وكان أتقى الرجلين فينا عبد الله بن أبي ربيعة. فقال عمرو بن العاص: والله لأثنينه غداً بما أستأصل به خضراءهم، فلأخبرنه أنهم يزعمون أن إلهه الذي يعبد عيسى بن مريم عبد، فقال له عبد الله بن أبي ربيعة: لا تفعل، فإنهم وإن كانوا خلفونا فإن لهم رحماً ولهم حقاً، فقال: والله لأفعلن. فلما كان الغد دخل عليه فقال: أيها الملك، إنهم يقولون في عيسى قولاً عظيماً، فأرسل إليهم فسلهم عنه، فبعث إليهم ولم ينزل بنا مثلها. فقال بعضنا لبعض8: ماذا تقولون له في عيسى إن هو سألكم عنه؟ فقال: نقول والله الذي قاله الله تعالى، والذي أمرنا به نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نقول فيه؛ فدخلوا عليه وعنده
بطارقته، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عوداً بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العويد، فتناخرت بطارقته، فقال: وإن تناخرتم والله، اذهبوا، فأنتم شيوم في أرضي - والشيوم الآمنون - من سبّكم غرم، ثم من سبّكم غرم، ثم من سبّكم غرم، فأنا ما أحب أن لي دبرا وأني آذيت رجلاً منكم - والدبر بلسانهم الذهب - فوالله ما أخذ الله تعالى مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، واخرجا من بلادي. فرجعا مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به. فأقمنا مع خير جار، وفي خير دار. هـ، فقال: ما تقولون في عيسى بن مريم؟ فقال له جعفر: نقول: هو عبد الله ورسوله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فدلى النجاشي يده إلى الأرض، فأخذ عوداً بين أصبعيه فقال: ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العويد، فتناخرت بطارقته، فقال: وإن تناخرتم والله، اذهبوا، فأنتم شيوم في أرضي - والشيوم الآمنون - من سبّكم غرم، ثم من سبّكم غرم، ثم من سبّكم غرم، فأنا ما أحب أن لي دبرا وأني آذيت رجلاً منكم - والدبر بلسانهم الذهب - فوالله ما أخذ الله تعالى مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه، ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها، واخرجا من بلادي. فرجعا مقبوحين مردوداً عليهما ما جاءا به. فأقمنا مع خير جار، وفي خير دار.
فلم ينشب أن خرج عليه رجل من الحبشة ينازعه في ملكه، فوالله ما علمنا حزناً حزنّا قط كان أشد منه فرقاً من أن يظهر ذلك الملك عليه، فيأتي ملك لا يعرف من حقنا ما كان يعرفه، فجعلنا ندعو الله ونستنصره للنجاشي، فخرج إليه سائراً فقال أصحاب
رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعضهم لبعض: من رجل يخرج فيحضر الوقعة حتى ننظر على من تكون؟ فقال الزبير وكان من أحدثهم سناً: أنا، فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم خرج يسبح عليها في النيل حتى خرج من شقه الآخر إلى حيث التقى الناس، فحضر الوقعة، فهزم الله ذلك الملك وقتله، وظهر النجاشي عليه. فجاءنا الزبير فجعل يليح إلينا بردائه ويقول: ألا أبشروا، فقد أظهر الله تعالى النجاشي، فوالله ما علمنا فرحنا بشيء قط فرحنا بظهور النجاشي، ثم أقمنا عنده حتى خرج من خرج منا راجعاً إلى مكة، وأقام من أقام.
ومعنى قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، ولا أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه، حدثت عائشة: أن أباه كان ملك قومه، وكان له أخ من صلبه له اثنا عشر رجلاً، ولم يكن لأبي النجاشي ولد غير النجاشي، فأدارت الحبشة رأيها بينها فقالوا: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإن له اثني عشر رجلاً من صلبه، فتوارثوا الملك لبقيت الحبشة دهراً طويلاً لايكون بينهم اختلاف، فعدوا عليه فقتلوه وملّكوا أخاه، فدخل النجاشي لعمه حتى غلب عليه فلا يدبر أمره غيره، وكان لبيباً. فلما رأت الحبشة مكانه من عمه قالوا: قد غلب هذا الغلام على أمر عمه، فما يأمن أن يملكه علينا، وعرف أنا قد قتلنا أباه، فإن فعل لم يدع منا شريفاً إلا قتله، فكلموه فيه فليقتله أو ليخرجنه من بلادنا، فمشوا إلى عمه فقالوا: قد رابنا مكان هذا الفتى منك، وقد عرفت أنا قد قتلنا أباه وجعلناك مكانه، فلا نأمن إن تملك علينا فيقتلنا فإما أن تقتله، وإما أن تخرجه من بلادنا. قال: فقال: ويحكم، قتلتم أباه بالأمس، وأقتله اليوم! بل أخرجه من بلادكم، فخرجوا به فوقفوه بالسوق، وباعوه من تاجر من التجار، فقذفه في سفينة بست مائة درهم أو بسبع مائة درهم فانطلق به، فلما كان العشيّ هاجت سحابة من سحاب الخريف، فخرج عمه يتمطر تحتها فأصابته صاعقة فقتلته، ففزعوا إلى ولده فإذا هم محمقين ليس في واحد منهم خير، فمرج على الحبشة أمرهم، فقال بعضهم: تعلمون والله أن ملككم الذي لا يصلح أمركم غيره الذي يعتم الغداة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه قبل أن يذهب، فخرجوا في طلبه حتى أدركوه فردوه، فعقدوا عليه تاجه وأجلسوه على سريره وملكوه، فقال التاجر:
ردوا عليّ مالي كما أخذتم مني غلامي؛ فقالوا: لانعطيك. فقال: إذاً والله أكلمه فقالوا: وإن. فمشى إليه فكلمه فقال: أيها الملك إني ابتعت غلاماً فقبض مني الذي باعونيه ثمنه، ثم عدوا على غلامي فنزعوه من يدي ولم يردوا علي مالي، فكان أول ما خبر من صلابة حكمه وعدله أن قال: لتردّن عليه ماله، فأعطوه إباه. فلذلك يقول: ما أخذ الله مني الرشوة فآخذ الرشوة فيه حين ردّ علي ملكي، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه.
وجعفر وعلي وعقيل بنو أب طالب، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، وكنيته أبو عبد الله، وهو ذو الجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء صاحب الهجرتين، اسلم بعد أحد وثلاثين إنساناً، يقال له: جعفر الطيار، قتل يوم مؤتة شهيداً.
وروي عن الحسن بن زيد: أن علياً عليه السلام أول ذكر أسلم، ثم أسلم زيد بن حارثة رضي الله عنه حبّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان أبو بكر رضي الله عنه الرابع في الإسلام أو الخامس.
وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: بينما أنا مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حير لأبي طالب أصلي أشرف علينا أبو طالب فنظر إليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا عم ألا تنزل فتصلي معنا؟ فقال؟ يا بن أخي، إني لأعلم أنك على الحق، ولكن اكره أن أسجد فيعلو استي، ولكن انزل يا جعفر فصل جناح ابن عمك. قال: فنزل فصلى عن يساري. فلما قضى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته التفت إلى جعفر فقال: أما إن الله تعالى قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة، كما وصلت جناح ابن عمك.
حدث صلصال بن الدّلهمس قال: كان أبي يعني الدلهمس لأبي طالب ولده، فكان الذي بينهما في الجاهلية عظيم، قكان أبي يبعثني إلى مكة لأنصر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أبي طالب قبل إسلامي، فكنت
أقيم بمكة الليالي عند أبي طالب لحراسة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قومه، فإني يوم من الأيام جالس بالقرب من منزل أبي طالب في الظهيرة وشدة الحر، إذ خرج أبو طالب شبيها بالملهوف فقال لي: يا أبا العصيفر، هل رأيت هذين الغلامين فقد ارتبت بإبطائهما عليّ، فقلت: ما أحسست لهما خبرا منذ جلست، فقال: انهض بنا فنهضت وإذا جعفر بن أبي طالب يتلو أبا طالب، قال: فاقتصصنا الأثر حتى خرج بنا من أبيات مكة، قال: ثم علونا جبلاً من جبالها فأشرفنا منه على أكمة دون ذلك التل، فرأيت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعليا قائما عن يمينه، ورأيتهما يركعان ويسجدان قبل أن أعرف الركوع والسجود، ثم انتصبا قائمين فقال أبو طالب لجعفر: أي بني، صل جناح ابن عمك، قال: فمضى جعفر مسرعاً حتى وقف بجنب علي. فلما أحس به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخرهما وتقدم، وأقمنا موضعنا حتى انقضى ما كانوا فيه من صلاتهم، ثم التفت إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرآنا بالموضع الذي كنا فيه، فنهض ونهضنا معه مقبلين، فرأينا السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم انبعث يقول:
إن عليا وجعفرا ثقتي ... عند مهم الأمور والكرب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما ... وابن أمي من بينهم وأبي
والله لا أخذل النبي ولا ... يخذله من بني ذو حسب
قال: فلما آمنت به ودخلت في الإسلام، سألت النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن تيك الصلاة فقال: نعم، يا صلصال هي أول جماعة كانت في الإسلام.
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفر بن أبي طالب: " إن الله تعالى أوحى إلي أنه شكرك على أربع خصال، كنت عليهن مقيما قبل أن يبعثني الله، فماهن؟ " قال له جعفر: بأبي أنت وأمي، لولا أن الله أنبأك بهن ما أنبأتك عن نفسي كراهية التزكية، إني كرهت عبادة الأوثان لأني رأيتها لا تضر ولا تنفع، وكرهت الزناء لأني رأيتها ... أن ... إلي، وكرهت شرب الخمر لأني رأيتها منقصة للعقل، وكنت إلى أن أزيد في عقلي أحب إلي من أن أنقصه، وكرهت الكذب لأني رأيته دناءة.
وعن محمد بن علي قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " خلق الناس من أشجار شتى، وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة ".
وعنه قال: ضرب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لجعفر يوم بدر بسهمه وأجره.
وعن علي قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إن لكل نبي سبعة نقباء نجباء يعني: وإني أعطيت أربعة عشر، فعدني، وابني، وحمزة، وجعفراً، وأبا بكر وعمر، وابن مسعود، وحذيفة، والمقداد، وسلمان، وعماراً، وبلالاً، وأبا ذر ".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة: رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحمزة سيد الشهداء، وجعفر ذو الجناحين، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين ".
وفي رواية أخرى: " نحن سبعة بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة، أنا، وعلي أخي، وعمي حمزة، وجعفر، والحسن والحسين، والمهدي ".
وعن علي رضي الله عنه قال: قدم جعفر من أرض الحبشة في يوم فتح خيبر، فقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين عينيه وقال: " ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً، أبفتح خيبر أم بقدوم جعفر ".
قال علي بن يونس المديني: كنت جالساً في مسجد مالك بن أنس، حتى إذا استأذن عليه سفيان بن عينية قال مالك: رجل صالح وصاحب سنة، أدخلوه. فلما دخل، سلم ثم قال: السلام خاص وعام، السلام عليك أبا عبد الله ورحمة الله وبركاته. فقال له مالك: وعليك السلام أبا محمد ورحمة الله وبركاته، وقام إليه وصافحه وقال: لولا أنه بدعة لعانقتك. قال سفيان: قد عانق من هو خير مني من هو خير مني ومنك. فقال له مالك: النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعفراً؟ قال له سفيان: نعم، فقال مالك ذاك حديث خاص ليس بعام. فقال له:
ما عم جعفراً يعمنا، وما خصه يخصنا، إذا كنا صالحين، ثم قال له سفيان: يا أبا عبد الله أتأذن لي أن أحدث في مجلسك؟ فقال له مالك: نعم، فقال: سفيان: اكتبوا: حدثنا عبد الله بن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس أن جعفر بن أبي طالب لما قدم من أرض الحبشة، تلقاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واعتنقه، وقبل ما بين عينيه وقال: " مرحباً بأشبههم بي خلقاً وخلقاً ".
وعن جابر رضي الله عنه قال: لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، تلقاه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلما نظر جعفر إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجل - مشى على رجل واحدة - إعظاماً منه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقبل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين عينيه وقال: " يا حبيبي، أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي، وخلقت من الطينة التي خلقت منها ". حدثني ببعض عجائب أرض الحبشة قال: نعم، بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينا أنا سائر في بعض طرقاتها إذا بعجوز على رأسها مكتل، فأقبل شاب يركض على فرس له فرجمها فألقاها لوجهها وألقى المكتل عن رأسها، فاسترجعت قائمة، وأتبعته النظر وهي تقول: الويل لك غداً إذا جلس الملك على كرسيه فاقتص للمظلوم من الظالم. قال جابر، فنظرت إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن دموعه على لحيته مثل الجمان، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غير متعتع ".
وكان قدوم جعفر من الحبشة سنة سبع.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما صدرنا من مكة إذا ابنة حمزة تنادي: يا عم يا عم، فتناولها فأخذها، فقال لفاطمة: دونك ابنة عمك فحملتها، فاختصم فيها علي وجعفر وزيد، قال علي: أنا آخذ بها وهي ابنة عمي، قال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي، وقال زيد: ابنة أخي. فقضى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخالتها وقال: " الخالة بمنزلة الأم. وقال لعلي: أنت مني وأنا منك. وقال لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي. وقال: يا زيد، أنت أخونا ومولنا ". قال علي: يا رسول الله، ألا تزوج ابنة حمزة قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنها ابنة أخي من الرضاعة ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " أسمح أمتي جعفر.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما احتذى البغال، ولا انتعل، ولا ركب المطايا، ولا ركب الكور بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من جعفر. وزاد في رواية أخرى يعني في الجود والكرم.
وأنشد أبو هريرة لحسان بن ثابت من أبيات:
رأيت خيار المؤمنين توادوا ... شعوب وقد خلفت فيمن يؤخر
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا ... جميعاً ونيران الحروب تسعر
غداة غدا بالمؤمنين يقودهم ... إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
وكنا نرى في جعفر من محمد ... وقاراً وأمراً حازماً حين يأمر
وما زال للإسلام من آل هاشم ... دعائم عز لا تزال ومفخر
بهاليل منهم جعفر وابن أمه ... علي ومنهم أحمد المتخير
وحمزة والعباس منهم ومنهم ... عقيل وماء العود من حيث يعصر
بهم تفرج اللأواء في كل مأزق ... عماس إذا ما ضاق بالأمر مصدر
وهم أولياء الله نزل حكمه ... عليهم وفيهم والكتاب المطهر
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا ندعو جعفر بن أبي طالب أبا المساكين، وكنا إذا أتيناه قرب إلينا ما حضر فأتيناه يوماً فلم نجد عنده شيئاً، فأخرج إلينا جرة من عسل فكسرها فجعلنا نلعق منها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
إني كنت لأسأل الرجل من أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الآيات، لأنا أعلم بها منه لا أسأله إلا ليطعمني شيئاً، قال: فكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب، لم يجبني حتى
يذهب معي إلى منزله، فيقول لامرأته: يا أسماء أطعمينا، فإذا طعمنا أجابني. وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم ويحدثونه.
وفي رواية: وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكنيه أبا المساكين.
حدث أبو قتادة فارس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: بعث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جيش الأمراء وقال: " عليكم زيد بن حارثة، فإن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الأنصاري، فوثب جعفر فقال: بأبي أنت يا نبي الله وأمي فإني ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيداً، قال: امضوا فإنك لا تدري أي ذلك خير ". قال: فانطلق الجيش فلبثوا ما شاء الله، ثم إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صعد المنبر وأمر أن ينادي بالصلاة جامعة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ناب خيراً أم باب خير ألا أخبركم عن جيشكم هذا الغازي، إنهم انطلقوا حتى لقوا العدو، فأصيب زيد شهيداً فاستغفروا له، فاستغفر له الناس، ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب، فشد على الناس حتى قتل شهيداً، أشهد له بالشهادة فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل شهيداً فاستغفروا له، ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد ولم يكن من الأمراء، هو أمر نفسه، فرفع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصبعيه وقال: " اللهم هو سيف من سيوفك فانصره "، وقيل: فانتصر بهفيومئذ سمي خالد سيف الله. ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انفروا فأمدوا إخوانكم ولا يتخلفن أحد "، فنفر الناس في حر شديد مشاة وركباناً.
قال عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه: وجد في بدن جعفر أكثر من ستين جرحاً.
قال أحد بني مرة بن عوف رضي الله عنه: لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء
فعقرها، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: فهو أول من عقر في الإسلام وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها ... طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها ... علي إن لاقيتها ضرابها
فلما قتل أخذ الراية عبد الله ين رواحة.
وعن سعيد بن المسيب قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مثلوا لي في الجنة في خيمة من درة، كل واحد منهم على سريره، فرأيت زيداً وابن رواحة في أعناقهما صدوداً، وأما جعفر فهو مستقيم ليس فيه صدود، قال: فسألت، أو قال: قيل لي: إنهما حين غشيهما الموت، كأنهما أعرضا، أو كأنهما صدا بوجوههما. وأما جعفر فإنه لم يفعل ".
قال ابن عيينة: فذلك حين يقول ابن رواحة:
أقسمت يا نفس لتنزلنه ... بطاعة منك لتكرهنه
فطالما قد كنت مطمئنه ... جعفر ما أطيب ريح الجنه
ولما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية، جاءه الشيطان فمناه الحياة والدنيا، وكره إليه الموت فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تمنيني الدنيا، ثم مضى قدماً حتى استشهد، فصلى عليه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ودعا له، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " استغفروا لأخيكم جعفر فاستشهد وقد دخل الجنة، وهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء من الجنة ". قال ابن عمر: كان فيما أقبل من جعفر تسعين، من ضربة بسيف وطعنة برمح.
قال عمرو بن ثابت: سمعت أبي قال: سأل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن جعفر بن أبي طالب عليه السلام، فقال رجل: أنا والله أنظر إليه حين طعنه رجل، فمشى إليه في الرمح فضربه فماتا جميعاً، فدمعت عين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال الحكم بن عيينة: لما أصيب جعفر بن أبي طالب عليه السلام جاء رجل فنعاه لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فاشتد ذلك عليه
فأقيمت الصلاة، فلما قضى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاته قال: " أين هو؟ فجاءه فقال: كيف صنع جعفر؟ فقال: قاتل يا رسول الله على فرسه، حتى إذا اشتد القتال نزل فقاتل حتى قتل. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لقد رأيته، أو قال: لقد أريته ملكا ذا جناحين، مضرجاً بالدماء مصبوغ القوادم ". ثم أرسل إلى امرأة جعفر أسماء ابنة عميس، وكان لها منه ثلاثة، بنون، فقال: " انظري بني أخي فاستوصي بهم خيراً، واكتحلي ولا تسلتي، ولا تبكيه بعد اليوم " قالت أسماء بنت عميس: لما أصبي جعفر وأصحابه أتاني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقد هيأت أربعين مناً من أدم وعجنت عجيني، وأخذت بني فغسلت وجوههم ودهنتهم، فدخل علي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا أسماء، أين بنو جعفر؟ فجئت بهم إليه، فضمهم إليه وشمهم، ثم ذرفت عيناه فبكى، فقلت: أي رسول الله لعله بلغك عن جعفر شيء فقال: نعم، قتل اليوم ". قالت: فقمت أصيح، واجتمع إلي النساء، قالت: فجعل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " يا أسماء، لا تقولي هجراً، ولا تضربي صدراً ". قالت: فخرج رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى دخل على ابنته فاطمة، وهي تقول: واعماه، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على مثل جعفر فلتبك الباكية "، ثم قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اصنعوا لآل جعفر طعاماً، فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم ".
وعن الحسين بن عبد الله بن عبيد الله ابن عباس أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بعد قتل جعفر: " لقد مر بي الليلة جعفر يقتفي نفراً من الملائكة، له جناحان متخضبة قوادمهما بالدم، يريدون بيشة "، بلداً باليمن.
وعن ابن عباس قال: بينما النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جالس وأسماء بنت عميس قريباً منه، إذ رد السلام. قال: " يا أسماء، هذا جعفر - يعني ابن أبي طالب - مع جبريل وميكائيل والملائكة عليهم السلام، مروا فسلموا علينا، فردوا عليهم السلام، وأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا "، قبل ممره
على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بثلاث أو أربع فقال: لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثة وسبعين من طعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقطعت، ثم أخذته بيدي اليسرى فقطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل، أنزل من الجنة حيث شئت، وآكل من ثمارها ما شئت. قالت أسماء: هنيئاً لجعفر ما رزقه الله من الخير، لكني أخاف أن لا يصدق الناس، فاصعد المنبر فأخبر به الناس. فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أيها الناس، إن جعفر بن أبي طالب مر مع جبريل وميكائيل وله جناحان، عوضه الله من يديه فسلم علي ". ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين. فاستبان الناس من بعد ذلك اليوم الذي أخبر به رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن جعفراً لقيهم، فلذلك سمي الطيار في الجنة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دخلت الجنة البارحة فنظرت، فإذا جعفر يطير مع الملائكة، وإذا حمزة متكىءعلى سرير. وذكر ناساً من أصحابه.
وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: عرفت جعفراً في رفقة من الملائكة يبشرون أهل بيشة بالمطر. وبيشة قرية باليمن.
وعن عامر الشعبي قال: أصيب جعفر بن أبي طالب بالبلقاء يوم مؤتة، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهم اخلف جعفراً في أهله، كأفضل ما خلفت عبدا من عبادك الصالحين.
قال الواقدي وغيره: خرج جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة سنة خمس من مبعث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقدم سنة سبع من الهجرة، وقتل سنة ثمان من الهجرة بمؤتة هو وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة. وعمر جعفراً ثلاثاً وثلاثين سنة، وقيل: قتل وهو ابن خمس وعشرين سنة.