Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=150382&book=5519#4fc8b5
جرير بن عطية بن الخطفى
واسمه حذيفة بن بدر بن سلمة بن عوف بن كليب بن يربوع بن حنظلة بن مالك ابن زيد مناة ابن تميم بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر بن نزار أبو حزرة الشاعر بالحاء المهملة البصري قدم دمشق غير مرة، وامتدح يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان، وأمره في ذلك مشهور، وامتدح الوليد وسليمان ابني عبد الملك، وقدم على عمر بن عبد العزيز، وعلى يزيد بن عبد الملك.
قال عثمان البتي: رأيت جريراً وما تضم شفتاه من التسبيح فقلت: ما ينفعك هذا وأنت تقذف المحصنة! فقال: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر ولله الحمد، إن الحسنات يذهبن السيئات، وعد من الله حق.
قال ابن مناذر: قلت لابن هرمة: من أشعر الناس؟ قال: من إذا لعب لعب، وإذا جد جد. قلت: مثل من؟ قال: مثل جرير حيث يقول:
إن الذين غدوا بلبك غادروا ... وشلا بعينك لا يزال معينا
غيضن من عبراتهن وقلن لي ... ماذا لقيت من الهوى ولقينا
قال الفرزدق لامرأته نوار: أنا أشعر أم ابن المراغة؟ قالت: غلبك على حلوه، وشركك في مره.
قال ابن سلمة: سألت الأسيدي - أخا بني سلمة - عن جرير والفرزدق فقال: بيوت الشعر أربعة، فخر ومديح وهجاء ونسيب، وفي كلها غلب جرير، فالفخر قوله:
إذا غضبت عليك بنو تميم ... حسبت الناس كلهم غضابا
والمدح قوله:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
والهجاء قوله:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
والنسيب قوله:
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
قال الكلبي: أتى أعرابي عبد الملك بن مروان، فمدحه فأحسن المدحة، فأعجب به عبد الملك فقال له: من أنت يا أعرابي؟ قال: رجل من عذرة. قال: أولئك أفصح الناس. هل تعرف أهجا بيت في الإسلام؟ قال: قول جرير:
فغض الطرف إنك من نمير ... فلا كعباً بلغت ولا كلابا
فقال عبد الملك: أحسنت فهل تعرف أمدح بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
قال عبد الملك: أصبت وأحسنت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير:
إن العيون التي في طرفها مرض ... قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به ... وهن أضعف خلق الله أركانا
قال: أحسنت يا أعرابي، فهل تعرف جريراً؟ قال: لا والله، وإني إلى رؤيته لمشتاق، قال: فهذا جرير، وهذا الأخطل، وهذا الفرزدق، فأنشأ الأعرابي يقول:
فحيا الإله أبا حزرة ... وأرغم أنفك يا أخطل
وجد الفرزدق أتعس به ... ودق خياشيمه الجندل
فأنشأ الفرزدق يقول:
قد أرغم الله أنفاً أنت حامله ... يا ذا الخنا ومقال الزور والخطل
ما أنت بالحكم المرضى حكومته ... ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
ثم أنشأ الأخطل يقول:
يا شر من حملت ساق على قدم ... ما مثل قولك في الأقوام يحتمل
إن الحكومة ليست في أبيك ولا ... في معشر أنت منهم إنهم سفل
فقام جرير مغضباً وهو يقول:
شتمتما قائلاً بالحق مهتدياً ... عند الخليفة والأقوال تنتضل
أتشتمان سفاهاً خيركم حسباً ... ففيكما وإلهي الزور والخطل
شتمتماه على رفعي ووضعكما ... لا زلتما في انحطاط أيها السفل
قال: ثم وثب فقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين، جائزتي له. قال: وكانت
جائزة جرير خمسة عشر ألفاً كل سنة. فقال عبد الملك: وله مثلها من مالي. فقبضها وخرج.
قال مروان بن أبي حفصة: جلس عبد الملك بن مروان يوماً للناس على سرير، وعند رجل السرير محمد بن يوسف أخو الحجاج بن يوسف، وجعل الوفود يدخلون عليه ومحمد بن يوسف يقول: يا أمير المؤمنين هذا فلان، هذا فلان، إلى أن دخل جرير بن الخطفى فقال: يا أمير المؤمنين هذا جرير بن الخطفى، قال فلا حيا الله القاذف المحصنات، العاضة لأعراض الناس، فقال جرير: يا أمير المؤمنين، دخلت فاشرأب الناس نحوي، ودخل قوم فلم يشرأب الناس إليهم، فقدرت أن ذلك لذكر جميل ذكرني به أمير المؤمنين. فقال عبد الملك: لما ذكرت لي قلت: لا حيا الله القاذف المحصنات، العاضة لأعراض الناس. فقال جرير: والله يا أمير المؤمنين، ما هجوت أحداً حتى أخبره غرضي سنة، فإن أمسك أمسكت، وإن أقام استعنت عليه وهجوته. فقال: هذا صديقك أبو مالك سلم عليه لهو الأخطل، فاعتنقه وقال: والله يا أمير المؤمنين، ما هجاني أحد كان هجاؤه علي أشد من أمك. قال جرير: صدقت وخنازير أمك. فقال عبد الملك: أحضروا جامعة، فأحضرت، وغمز الوليد الغلام أن تأخر بها. فقال عبد الملك للأخطل: أنشد فأنشد:
تأبد الربع من سلمى بأحفار ... وأقفرت من سليمى دمنة الدار
حتى ختمها. فقال له عبد الملك: قضينا لك أنك أشعر من مضى ومن بقي.
واستأذنت قيس عبد الملك في أن ينشد جرير فأبى، ولم يزل مقيماً دهراً يلتمس إنشاد عبد الملك، وقيس تشفع له، وعبد الملك يأبى إلى أن أذن له يوماً فأنشد:
أتصحوا أم فؤادك غير صاح ... عشية هم صحبك بالرواح
فقال له عبد الملك: بل فؤادك يا بن اللخناء. فلما اتهى إلى قوله:
تعزت أم حزرة ثم قالت ... رأيت الموردين ذوي لقاح
تعلل وهي ساغبة بنيها ... بأنفاس من الشبم القراح
فقال عبد الملك: لا أروى الله غلمتها. فلما انتهى إلى قوله:
ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح
قال عبد الملك: من مدحنا فليمدحنا هكذا. فلما ختمها أمره بإعادتها، فلما أنشد:
أتصحوا أم فؤادك غير صاح.............
لم يقل له ما قال في المرة الأولى. فلما ختمها، أمر له بمئة ناقة بأداتها ورعاتها. فقال جرير: يا أمير المؤمنين، اجعلها من إبل كلب - وإبل كلب سود كرام - فأجابه.
حدث محمد بن خطاب الأزدي أن الأخطل أنشد عبد الملك بن مروان وجرير خلفه:
وإني لقوام مقاوم لم يكن ... جرير ولا مولى جرير يقومها
فقال: أجل، صدق والله إنه ليقوم إلى الخمر فيشربها، وإلى الخنزير فيذبحه، وإلى الصليب فيقبله ويسجد له، وما أفعل ذلك ولا مولاي.
دخل جرير على بشر بن مروان والأخطل جالس عنده، فقال له بشر: أتعرف هذا يا أبا حزرة؟ قال: لا، فمن هو؟ قال الأخطل: أنا الذي شتمت عرضك، وأسهرت ليلك، وآذيت قومك، أنا الأخطل. فقال له جرير: أما قولك: شتمت عرضك، فما يضر البحر أن يشتمه من غرق فيه، وأما قولك: أسهرت ليلك، فلو تركتني
أنام لكان خيراً لك، وأما قولك: آذيت قومك، فكيف تؤذي قوماً أنت تؤدي لهم الجزية!.
قال عوانة بن الحكم: لما استخلف عمر بن عبد العزيز، وفد إليه الشعراء وأقاموا ببابه أياماً لا يؤذن لهم، فبينا هم كذلك يوماً وقد أزمعوا على الرحيل، إذ مر بهم رجاء بن حيوة، وكان من خطباء أهل الشام، فلما رآه جرير داخلاً على عمر أنشد:
يا أيها الرجل المرخي عمامته ... هذا زمانك فاستأذن لنا عمرا
قال: فدخل ولم يذكر من أمرهم شيئاً. ثم مر بهم عدي بن أرطاة، فقال له جرير:
يا أيها الراكب المزجي مطيته ... هذا زمانك إني قد مضى زمني
أبلغ خليفتنا إن أنت لاقيه ... أني لدى الباب كالمصفود في قرن
لا تنس حاجتنا لقيت مغفرة ... قد طال مكثي عن أهلي وعن وطني
قال: فدخل عدي على عمر فقال: يا أمير المؤمنين، الشعراء ببابك وسهامهم مسمومة وأقوالهم نافذة، قال: ويحك يا عدي، ما لي وللشعراء! قال: أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد امتدح وأعطى، ولك في رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة، فقال: كيف! قال: امتدحه العباس بن مرداس السلمي فأعطاه حلة قطع بها لسانه. قال: أفتروي من قوله شيئاً؟ قال: نعم، فأنشده من أبيات:
رأيتك يا خير البرية كلها ... نشرت كتاباً جاء بالحق معلما
شرعت لنا دين الهدى بعد جورنا ... عن الحق لما أصبح الحق مظلما
قال: ويحك يا عدي، من بالباب منهم؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة. قال: أليس هو الذي يقول:
ثم نبهتها فهبت كعاباً ... طفلة ما تطيق رجع الكلام
ساعة ثم إنها بعد قالت ... ويلتا قد عجلت يا بن الكرام
أعل غير موعد حيث تسري ... تتخطى إلى رؤوس النيام
ما تجشمت ما ترين من الأمر ... ولا جئت طارقاً لخصام
فلو كان عدو الله إذ فجر كتم على نفسه. لا يدخل والله علي أبداً. فمن بالباب سواه؟ قال: همام بن غالب - يعني الفرزدق - قال: أوليس هو الذي يقول:
هما دلتاني من ثمانين قامة ... كما انقض باز أقتم الرأس كاسره
فلما استوت رجلاي بالأرض قالتا ... أحي يرجى أم قتيل نحاذره
لا يطأ والله بساطي، فمن بالباب منهم؟ قال: الأخطل. قال: هو الذي يقول:
ولست بصائم رمضان طوعاً ... ولست بآكل لحم الأضاحي
ولست بزاجر عنساً بكوراً ... إلى بطحاء مكة للنجاح
ولست بزائر بيتاً بعيداً ... بمكة أبتغي فيه صلاحي
ولست بقائم كالعير أدعو ... قبيل الصبح حي على الفلاح
ولكني سأشربها شمولاً ... وأسجد عند منبلج الصباح
والله لا يدخل علي وهو كافر أبداً. فهل بالباب سوى من ذكرت؟ قال: نعم، الأحوص. قال: أليس هو الذي يقول:
الله بيني وبين سيدها ... يفر مني بها وأتبعه
عد عنه، فما هو بدون من ذكرت. فمن ها هنا؟ قلت: جميل بن معمر. قال: هو الذي يقول:
ألا ليتنا نحيا جميعاً وإن نمت ... يوافق في الموتى ضريحي ضريحها
فما أنا في طول الحياة براغب ... إذا قيل قد سوى عليها صفيحها
فلو كان عدو الله تمنى لقاءها في الدنيا ليعمل بعد ذلك صالحاً. والله لا يدخل علي أبداً. فهل سوى من ذكرت أحد؟ قال: نعم، جرير بن عطية. قال: هو الذي يقول:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... حين الزيارة فارجعي بسلام
فأن كان لا بد فهو. قال: فأذن لجرير، فدخل وهو يقول:
إن الذي بعث النبي محمداً ... جعل الخلافة للإمام العادل
وسع الخلائق عدله ووفاؤه ... حتى ارعوى وأقام ميل المائل
إني لأرجو منك خيراً عاجلاً ... والنفس مولعة بحب العاجل
فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير، اتق الله ولا تقل إلا حقاً. فأنشأ جرير يقول:
أأذكر الجهد والبلوى التي نزلت ... أم قد كفاني ما بلغت من خبري
كم باليمامة من شعثاء أرملة ... ومن يتيم ضعيف الصوت والنظر
ممن يعدك تكفي فقد والده ... كالفرخ في العش لم ينهض ولم يطر
يدعوك دعوة ملهوف كأن به ... خبلاً من الجن أو مساً من النشر
خليفة الله ماذا تأمرون بنا ... لسنا إليكم ولا في دار منتظر
ما زلت بعدك في هم يؤرقني ... قد طال في الحي إصعادي ومنحدري
لا ينفع الحاضر المجهود بادينا ... ولا يعود لنا باد على حضر
إنا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا ... من الخليفة ما نرجو من المطر
نال الخلافة إذ كانت له قدراً ... كما أتى ربه موسى على قدر
هذي الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر
الخير ما دمت حياً لا يفارقنا ... بوركت يا عمر الخيرات من عمر
فقال: يا جرير: ما أرى لك فيما ها هنا حقاً، قال: بلى يا أمير المؤمنين، أنا ابن سبيل ومنقطع بي، فأعطاه من صلب ماله مئة درهم.
وذكر أنه قال له: ويحك يا جرير! لقد ولينا هذا الأمر وما نملك إلا ثلاث مئة درهم، فمئة أخذها عبد الله، ومئة أخذتها أم عبد الله. يا غلام، أعطه المئة الثالثة. فأخذها وقال: والله لهي أحب ما اكتسبته إلي.
قال: ثم خرج، فقال له الشعراء: ما وراءك؟ قال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين، وهو يعطي الفقراء ويمنع الشعراء، وإني عنه لراض. وأنشأ يقول:
رأيت رقى الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطاني من الجن راقيا
وفي سنة إحدى عشرة ومئة توفي الفرزدق بن غالب الشاعر بالبصرة، وتوفي بعده بأربعين يوماً جرير بن الخطفى. وقيل في سنة عشر.
قال الأصمعي: حدثني أبي قال: رأى رجلاً جريراً في المنام فقال له: ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي بتكبيرة كبرتها على ظهر المقر. قال: ما حول الفرزدق؟ قال: إيهاً، وأهلكه قذف المحصنات. قال الأصمعي: ما تركه جرير في المحيا ولا في الممات.