Permalink (
الرابط القصير إلى هذا المقطع):
https://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=150370&book=5525#b74de4
جبلة بن الأيهم بن جبلة
ابن الحارث بن أبي شمر، واسمه المنذر بن الحارث، وهو ابن مارية ذات القرطين، وهو ابن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، واسمه كعب بن عامر بن جارية بن امرئ القيس، ومارية هي بنت أرقم بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، ويقال جبلة بن الأيهم بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن جفنة بن عمرو بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد، أبو المنذر الغساني الجفني.
أدرك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقيل: إنه أرسل إليه شجاع بن وهب يدعوه إلى الإسلام وكان منزله الجولان وغيره من أعامل دمشق، ودخل دمشق غير مرة، وأسلم ثم تنصر ولحق ببلاد الروم، وكان آخر ملوك غسان، وقيل: إنه لم يسلم قط.
روي في أحاديث دخل بعضها في بعض قالوا: وكتب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى جبلة بن الأيهم ملك غسان يدعوه إلى الإسلام، فأسلم، وكتب بإسلامه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأهدى له هدية، ثم لم يزل مسلماً حتى كان في زمن عمر بن الخطاب، فبينا هو في سوق دمشق إذا وطئ رجلاً من مزينة، فوثب المزني فلطمه، فأخذ فانطلق به إلى أبي عبيدة بن الجراح، فقال: هذا لطم جبلة.
قال: فيلطمه.
قالوا: أوما يقتل؟ قال: لا، فقالوا: أفما تقطع يده؟ قال: لا، إنما أمر الله بالقود، قال جبلة: أترون أني جاعل وجهي نداً لوجه جديٍّ جاء من عمق؟! بئس الدين هذا! ثم ارتد نصرانياً، وترحل بقومه حتى دخل أرض الروم، فبلغ ذلك عمر، فشق عليه، وقال لحسان بن ثابت: أبا الوليد أما علمت أن صديقك جبلة بن الأيهم ارتد نصرانياً؟ قال: إنا لله وإنا إليه راجعون ولمَ؟ قال: لطمه رجل من مزينة.
قال: وحق له، فقام إليه عمر بالدرة فضربه بها.
وقيل إن جبلة أقام على نصرانيته إلى أن شهد اليرموك مع الروم في خلافة عمر، ثم أسلم بعد ذلك.
وقيل: إن جبلة لم يسلم البتة، وإنما سأل عمر أن لا يأخذ منه الجزية، ويقبل منه الصدقة، فامتنع عليه، فلحق بالروم، والأظهر أنه أسلم ثم تنصر.
وقال سعيد بن عبد العزيز: قال عمر بن الخطاب لجبلة: يا جبيلة! فلم يجبه، ثم قال: يا جبلة! فلم يجبه مرتين، ثم قال: يا جبلة! فأجابه.
قال: اختر مني إحدى ثلاث: إما أن تسلم فيكون لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، وإما أن تؤدي الخراج، وإما أن تلحق بالروم.
قال: فلحق بالروم.
قال الكلبي: ذكروا أنه لما أسلم جبلة بن الأيهم الغساني من ملوك جفنة في خلافة عمر بن الخطاب، كتب إلى عمر يعلمه بإسلامه ويستأذنه في القدوم عليه، فلما وصل كتابه إلى عمر سره ذلك، وكتب إليه يأذن له في القدوم عليه، فخرج جبلة في خمسين ومائة رجل من أهل
بيته حتى إذا كانوا من المدينة على ميلين عمد إلى أصحابه فحملهم على الخيل وقلدهم قلائد الفضة وألبسهم الديباج وسرق الحرير، ولبس تاجه فيه قرطا مارية وهي جدته.
قال: وبلغ عمر بن الخطاب، فبعث إليه بالنزل هناك، ثم دخل المدينة في هيئته.
قال: فلم تبق بكر ولا عانس إلا خرجت تنظر إلى جبلة وموكبه، فأقبل حتى دخل على عمر بن الخطاب، فسلم عليه ورحب به عمر، وسر بإيلامه وقومه، ثم أقام أياماً، وأراد عمر الحج من عامة ذلك، فخرج جبلة معه مشهوراً بالموسم ينظر إليه الناس ويتعجبون من هيئته وكماله.
قال: فبينا جبلة يطوف بالبيت إذ وطئ رجل من بني فزارة إزاره من خلفه فانحل، فما ورع جبلة أن رفع يده فهشم أنف الفزاري، فولى الفزاري والدماء تشخب من أنفه حتى استعدى عليه عمر بن الخطاب، فبعث إلى جبلة فأتاه، فقال له: يا جبلة هشمت أنف الرجل؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اعتمد حل إزاري، ولولا حرمة الكعبة لضربت بالسيف بين عينيه، فقال له عمر: أما أنت فقد أقررت، فإما أن ترضي الرجل، وإلا أقدته منك، قال: تصنع ماذا؟ قال عمر: إما أن يهشم أنفك كما هشمت أنفه، وإما أن ترضيه.
قال جبلة: أو خطير هو لي؟ قال: تعم.
قال: وكيف وأنا ملك وهو سوقة؟ قال عمر: الإسلام قد جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالعافية.
قال جبلة: والله لقد ظننت يا أمير المؤمنين أن سأكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية.
قال عمر: هو ما ترى إما أن تقيده أو ترضيه.
قال جبلة: إذاً أتنصر.
قال عمر: إن فعلت قتلتك.
قال: لمَ؟ قال: لأنك قد دخلت في الإسلام فإن ارتددت قتلتك.
قال: فلما رأى جبلة أن عمر لا تأخذه في الله لومة لائم وليست له حيلة، واجتمع من حي الفزاري وحي جبلة على باب عمر جمعٌ كثير حتى كادت تكون فتنة عظيمة، فقال: أنا أنظر في هذا الأمر ليلتي هذه، وانصرف إلى منزله، وتفرق الناس فلما ادلهم الليل عليهم تحمل جبلة في أصحابه من ليلته إلى الشام، وأصبحت المدينة منه ومن قومه بلاقع، ثم أتى الشام فتحمل في خمس مائة أهل بيت من عكٍّ وجفنة حتى دخل القسطنطينية في زمن هرقل فتنصر هو وقومه فلما رأى ذلك هرقل أقطعه حيث شاء وأجرى عليه من النزل ما شاء، وجعله من سماره ومحدثيه، وظن أنه فتحٌ من الفتوح عليه عظيم، فمكث دهراً، ثم إن عمر بدا له أن
يكتب إلى هرقل كتاباً يدعوه إلى الله عز وجل وإلى الإسلام، فكتب إليه ووجه به مع رجلٍ من أصحابه، فأتى هرقل، فأعطاه كتاب عمر، فسر به وأجاب إلى كل خير من غير أن يجيب إلى الإسلام، ولما أراد صاحب عمر الخروج من عنده، قال هرقل يا عربي قال: قل ما تشاء؟ قال: هل لقيت ابن عمك؟ قال: من ابن عمي؟ قال: جبلة بن أيهم الغساني.
قال: لا، قال: فالقه وانظر إلى حاله، قال صاحب عمر: فأتيت جبلة بن أيهم، فما إخالني رأيت بباب هرقل من السرور والبهجة ما رأيت بباب جبلة، فلما استأذنت عليه أذن لي، فدخلت، فقام إلي ورحب بي وألطفني وعانقني وعاتبني في ترك النزول عليه.
قال: وإذا هو في بهوٍ عظيم فيه من التماثيل والهول ما لا أحسن أصفه، وإذا هو في جماعة على سريرٍ من ذهب وأربع قوائمه أسد من ذهب، وإذا هو رجلٌ أصهب ذو سبال، وإذا هو قد أمر بالذهب الأحمر فسحك فذر في لحيته، واستقبل مجلسه ذلك عين الشمس، فما أحسبني رأيت شيئاً قط أحسن منه، ثم أجلسني على شيءٍ لم أتبينه فلما تبينته إذا هو كرسيٌ من ذهب، فانحدرت عنه، فقال: ما لك؟ قلت: إن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن هذا وشبهه، قال: وسألني عن الناس، وألحف في السؤال عن عمر، ثم جعل يتنهد حتى عرف الحزن فيه، فقلت: ما يمنعك من الرجوع إلى قومك وإلى الإسلام؟ قال: بعد الذي كان! قلت: نعم، وكان الأشعث بن قيس الكندي ارتد عن الإسلام فضربهم بالسيف ومنعهم الزكاة ثم دخل في الإسلام وزوجه أبو بكر الصديق، فقال: دع هذا عنك، ثم أومأ إلى وصيفٍ قائمٍ على رأسه فولى يحضر فما شعرنا إلا بالصناديق يحملها الرجال، فوضعت أمامنا مائدةٌ من ذهب فاستعفيت منها، فأمر بمائدة خلنجٍ فوضعت أمامي، وسعى علينا من كل حارٍ وبارد في صحاف ذهبٍ وفضة، قال: وأداروا علينا الخمر فاستعفيت منها، فأمر برفعها، فلما فرغنا من الطعام، أتي بطشتٍ من ذهب وإبريق من ذهب فتوضأ، ثم أومأ إلى وصيفٍ له فولى يحضر، فما كان إلا هنيهة حتى أقبل عشرة جوارٍ فقعد خمسٌ على يمينه وخمسٌ عن يساره على كراسي العاج، قال: ثم سمعت وشوشةً خلفي، فإذا عشرٌ أخر لم أر مثلهنّ حسناً وجمالاً أفضل من الأول، فقعد خمسٌ عن يمينه وخمسٌ عن يساره على كراسي الخز والوشي، ثم أقبلت جارية من أحسن ما تكون من الجواري بطائرٍ
أبيض مؤدب، في يدها اليمنى جام ذهبٍ فيه مسكٌ وعنبر سحينان وفي يدها اليسرى جام من فضة فيه ماء ورد وزنبق لم أشم مثله فنفرت بالطائر فانحدر في جام الماورد والزنبق، فأعقب بين ظهره وبطنه وجناحيه فلم يدع منه شيئاً إلا احتمله، ثم نفرت به حتى سقط على صليبٍ في تاج جبلة، ثم رفرف بجناحيه فلم يبق عليه شيء إلا كان على جبلة على رأسه ولحيته.
قال: ثم دعا بمكوكٍ طويل من ذهب شرب فيه خمسة خمراً أعدها عداً، ثم استهل واستبشر ثم قال للجواري: أطربنني قال: فخفقنا بعيدانهن، واندفعن يغنين: " من الكامل "
لله در عصابةٍ نادمتهم ... يوماً بجلق في الزمان الأول
أولاد جفنة عند قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يسقون من ورد البريص عليهم ... صهبا تصفق بالرحيق السلسل
بيض الوجوه كريمة أحسابهم ... شم الأنوف من الطراز الأول
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
قال: فطرب ثم قال: هل تعرف هذا الشعر؟ قلت: لا، قال: قاله ابن الفريعة حسان بن ثابت شاعر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا وفي ملكنا، قال: قلت: نعم أما إنه ضرير كبير، قال: ثم سكت هنية ثم قال: أطربنني، فخفقن بعيدانهن واندفعن يغنين: " من الخفيف "
لمن الدار أقفرت بمعان ... بين فرع اليرموك فالصمان
فالقريات من بلاس فداري ... افسكاء فالقصور الدواني
فحمى جاسم إلى مرج ذي الصف ... ر مغنى قبائلٍ وهجان
تلك دار العزيز بعد ألوفٍ ... وحليلٍ عظيمة الأركان
صلوات المسيح في ذلك الدي ... ر دعاء القسيس والرهبان
ذاك مغنى لآل جفنة في الده ... ر محاه تعاقب الأزمان
قال: هل تعرف هذه المنازل ومن قائلها؟ قلت: لا، قال: يقولها ابن الفريعة فينا وفي ملكنا ومنازلنا بأكناف غوطة دمشق حسان بن ثابت.
قال: ثم سكت طويلاً، ثم قال: بكينني.
قال: فوضعن عيدانهن، ونكسن رؤوسهن، واندفعن يقلن: " من الطويل "
تنصرت الأشراف من عار لطمةٍ ... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني فيها لجاجٌ ونخوةٌ ... وبعت بها العين الصحيحة بالعور
فيا ليت أمي لم تلدني وليتني ... رجعت إلى القول الذي قاله عمر
ويا ليتني أرعى المخاض بقفرةٍ ... وكنت أسيراً في ربيعة أو مضر
ويا ليت لي بالشام أدنى معيشةٍ ... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر
أدين بما دانوا به من شريعة ... وقد يصبر العود الكبير على الدبر
قال: وانصرف الجواري وجعل يده على وجهه يبكي حتى نظرت إلى دموعه تحول لحيته كأنها فصيص اللؤلؤ.
قال: وبكيت معه، ثم نشف دموعه بكمه ومسح وجهه، ثم قال: يا جارية هاتي، فأتته بخمس مائة دينار هرقلية، قال: ادفع به إلى حسان بن ثابت وأقرئه مني السلام، ثم قال: يا جارية هاتي، فأتته بخمس مائة دينار هرقلية قال: خذها صلة لك، فأبيت عليه، قلت: لا أقبل صلة رجلٍ ارتد عن الإسلام وأمير المؤمنين عليه ساخط، فحرص بي، فأبيت عليه، ثم ودع وقال: أقرئ عمر بن الخطاب مني والمسلمين السلام، ثم خرجت من عنده فأتيت عمر، فقال: هيه ما يصنع هرقل؟ فخبرته، ثم قال: هل لقيت جبلة بن أيهم الغساني؟ قلت: نعم قال: وتنصر؟ قلت: نعم.
ال: أو رأيته يشرب الخمر؟ قلت: نعم، قال: أبعده الله، تعجل فانية بباقية فما ربحت تجارته، فما الذي سرح به معك؟ قلت: وجه إلى حسان بن ثابت خمس مائة دينار،
واقتصصت عليه القصة من أولها إلى آخرها قال: هاتها، فدفعتها إليه، فقال: يا غلام ادع لي حسان بن ثابت، فدعي، فلما دخل عليه وكان ضريراً ومعه قائده، قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين إني لأجد روائح آل جفنة عندك.
قال: نعم، قد أتاك الله من جبلة بمعونة، ونزع لك منه على رغم أنفه، قال: فأخذها وولى وهو يقول: " من الكامل "
إن ابن جفنة من بقية معشرٍ ... لم يغذهم أباؤهم باللوم
لم ينسني بالشام إذ هو ربها ... لا لا ولا متنصراً بالروم
يعطي الجزيل ولا يراه عنده ... إلا كبعض عطية المذموم
وأتيته يوماً فقرب مجلسي ... وسقى فرواني من الخرطوم
وقيل إن جبلة توفي في أول خلافة معاوية بأرض الروم سنة أربعين من الهجرة.