Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب
Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 6554
1808. امرؤ القيس بن عابس بن المنذر1 1809. انتصار بن يحيى المصمودي1 1810. بثينة بنت حبا بن ثعلبة بن الهوذ1 1811. بحرية بنت هانئ بن قبيضة1 1812. بحيري الراهب1 1813. بخت نصر بن بيت بن جوذرز11814. بختري بن عبيد بن سليمان الطابخي1 1815. بخيت بن محمد بن حسان البسري1 1816. بدر بن الهيثم بن خالد بن عبد الرحمن1 1817. بدر بن عبد الله أبو النجم1 1818. بدر بن عبد الله أبو النجم الأرمني1 1819. بديح مولى عبد الله بن جعفر3 1820. بديع بن عبد الله أبو الحسن1 1821. برد بن سنان أبو العلاء القرشي1 1822. برق الأفق المدنية1 1823. بركات بن عبد الواحد بن محمد1 1824. بركات بن علي بن الحسين بن مسعود1 1825. بركان بن عبد العزيز بن الحسين1 1826. بركة الأردني1 1827. بركة وتكنى أم أيمن1 1828. بريد الكلبي ثم العليمي1 1829. بريدة بن الحصيب بن عبد الله2 1830. بسر بن أرطاة4 1831. بسر بن عبيد الله الحضرمي4 1832. بشار بن أحمد بن محمد أبو الرجاء1 1833. بشر10 1834. بشر بن أبي حفص1 1835. بشر بن أبي عمرو بن العلاء1 1836. بشر بن إبراهيم أبو سعيد القرشي1 1837. بشر بن الحارث بن عبد الرحمن1 1838. بشر بن العلاء بن زبر3 1839. بشر بن بكر أبو عبد الله1 1840. بشر بن حميد بن أبي مريم2 1841. بشر بن حيان الخشني البلاطي1 1842. بشر بن عبد الله بن يسار1 1843. بشر بن عبيد الله بن صالح1 1844. بشر بن عون أبو عون القرشي1 1845. بشر بن قيس التغلبي3 1846. بشر بن مروان بن الحكم1 1847. بشر بن وهب أبو مروان السراج1 1848. بشر ويقال بشير بن عبد الوهاب1 1849. بشرى بن عبد الله الروحي الرملي1 1850. بشير بن أبان بن بشير بن النعمان1 1851. بشير بن الخصاصية4 1852. بشير بن النعمان بن بشير بن سعد1 1853. بشير بن النعمان بن علي بن محمد1 1854. بشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس2 1855. بشير بن عبيد الله بن أبي بكرة1 1856. بشير بن عقربه ويقال بشر1 1857. بشير بن كعب بن أبي الحميري1 1858. بشير مولى معاوية بن أبي سفيان1 1859. بشير مولى معاوية بن بكر3 1860. بشير مولى هشام بن عبد الملك1 1861. بطريق بن بريد بن مسلم1 1862. بغا أبو موسى الكبير1 1863. بقي بن مخلد بن يزيد1 1864. بقية بن الوليد بن صائد1 1865. بكار بن بلال أبو أيوب العاملي1 1866. بكار بن تميم أبو عبد الرحمن1 1867. بكار بن شعيب أبو خزيمة العبدي الدمشقي...1 1868. بكار بن قتيبة بن عبيد الله1 1869. بكار بن محمد2 1870. بكر بن أحمد بن حفص بن عمر1 1871. بكر بن سهل بن إسماعيل بن نافع1 1872. بكر بن شعيب بن بكر بن محمد1 1873. بكر بن عبد العزيز بن إسماعيل1 1874. بكر بن عمرو المعافري المصري6 1875. بكر بن محمد بن بكر بن خريم1 1876. بكر بن محمد بن علي بن حيد1 1877. بكر بن مصعب1 1878. بكير بن شداخ الليثي1 1879. بكير بن ماهان أبو هاشم الحارثي1 1880. بكير بن محمد بن بكير1 1881. بكير بن معروف أبو معاذ2 1882. بلال بن أبي بردة عامر بن عبد الله1 1883. بلال بن أبي هريرة الدوسي1 1884. بلال بن الحارث بن عكم1 1885. بلال بن جرير بن عطية1 1886. بلال بن رباح أبو عبد الكريم2 1887. بلال بن رباح المؤذن أبو عبد الله1 1888. بلال بن سعد بن تميم أبو عمرو1 1889. بلال بن عويمر أبي الدرداء1 1890. بلعم ويقال بلعام بن باعوراء1 1891. بلقيس بنت شراحيل الهدهاد بن شرحبيل1 1892. بنان بن حازم أبو عبد السلام1 1893. بنت أبي عباية1 1894. بنت عبد الله بن زيد1 1895. بنت عدي بن زيد1 1896. بندار بن عبد الله الهمذاني الصوفي1 1897. بندار بن عمر بن محمد بن أحمد1 1898. تبع بن حسان بن ملكيكرب بن تبع1 1899. تبوك بن أحمد بن تبوك بن خالد1 1900. تبوك بن الحسن بن الوليد بن موسى1 1901. تبيع بن عامر أبو عبيدة1 1902. تجيفة زوج أبي عبيدة بن الجراح1 1903. تليد الخصي مولى عمر بن عبد العزيز1 1904. تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة1 1905. تمام بن عبد السلام بن محمد1 1906. تمام بن عبد الله بن المظفر1 1907. تمام بن كثير أبو قدامة الجبيلي1 Prev. 100
«
Previous

بخت نصر بن بيت بن جوذرز

»
Next
بخت نصر بن بيت بن جوذرز
الملك البابلي.
دخل دمشق ومضى منها إلى بيت المقدس فخربها وسبى أهلها وحملها إلى بابل وقيل إنه آمن بعد ذلك.
حدث مجاهد قال: كان من قصة بخت نصر أنه كان يتيماً بأرض لا يؤبه له، وكان فيما ذكروا من جيش نمرود صاحب إبراهيم، وكان لزنية، بغت أمه فكان من شأنه أن دانيال الأكبر وكان قد قرأ التوراة ذات يوم فأتى على هذه الآية " فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولاً " قال: فطوى التوراة فقال: يا رب من هذا المكان الذي يكون خراب بيت المقدس على يديه وهلاك بني إسرائيل؟ قال: فأري في المنام أن يتيماً بأرض بابل يقال له بخت نصر عليلاً فقيراً فقضيت ذلك على يديه فلما أصبح تجهز بمال عظيم، ثم خرج نحو أرض بابل حتى وردها، وملكها يومئذ سنحاريب.
فدخل عليه، فقال: من أنت ومن أين أقبلت؟ قال: أقبلت من أرض بني إسرائيل وحملت معي أموالاً أقسمها في فقراء أهل أرضك ويتاماهم.
قال: فأنزله وأكرمه، وأجعل يلطف اليتامى والفقراء فيعطيهم ويسأل عن أسمائهم حتى قسم مالاً كثيراً فكان لا يظفر ببخت نصر حتى أعياه ذلك فبعث من يطلبه في قرى بابل ومدائنها فلا يظفر به حتى أيس منه فأقام ببابل رجاء أن يظفر به.
قال: فخرج غلامه ذات يوم إلى بعض قرى بابل للميرة، قال: فمر بغلام مريض على طريق الناس قد اتخذ له عريش، وقد فرش له الرماد، به الذرب يسيل الماء الأصفر منه، فلما نظر إليه غلام دانيال رأى منظراً فظيعاً فقال له: ما حالك يا غلام؟ قال: أنا غلام يتيم قد كنت أكد على أم لي عجوز حتى أصابني ما ترى فعجزت عني فوضعتني هاهنا يعطف الناس علي والمارة فأصيب الشيء والكسرة.
فقال له: وما اسمك؟ قال: ما تسأل عن اسمي؟ قال: إن مولاي قسم مالاً كثيراً في اليتامى والمساكين فكيف غبت عنه؟ قال بخت نصر: هي أرزاق، قال: فأخبرني عن اسمك حتى أخبره بحالك فيعطيك كما يعطي غيرك، قال: اسمي بخت نصر.
قال: فلما انصرف الغلام إلى سيده فأخبره بما رأى.
قال دانيال: هذا بغيتي وأسر في نفسي، وانطلق معه غلامه إليه.
فقال: ما اسمك؟ قال: اسمي بخت نصر، وأنا غلام يتيم من أهل بيت شرف، ولكن انقلب علينا الزمان وأصابتنا الشدة فعجزت أمي عني فألقتني هذا الموضع.
قال: فأمر غلامه فغسله وطيبه وكساه، ثم حمله حتى جاء به إلى أمه، وأجرى عليها حتى برأ وصح، وكان قبل أن ينزل به المرض يخرج مع أتراب له إلى البراري فيحتطب فكانوا يؤمرونه على أنفسهم فيحتطبون له ويحملونه فيما بينهم حتى ينتهوا إلى القرية فيحتزمون له حزمة فكان يدخلها السوق فيبيعها، فكان منها معيشته ومعيشة أمه، فلما صح قال له دانيال: يا بخت نصر هل تعلم أني قد أحسنت إليك؟ قال: نعم.
قال: فما رأيك إن وصلت إلي مكافأتي هل أنت مكافيّ؟ قال: يا سيدي هل صنع أحد بأحد إلا دون ما صنعت بي، ومن أين أقدر على مكافأتك! قال: أخبرني إن ملكت يوماً من الدهر بابل وغزوت بلاد بني إسرائيل فلي الأمان منك ولأهل بيتي؟ قال: نعم.
غير أني أظن أن هذا منك استهزاء! قال دانيال: لا بل هو الجد مني.
قالت أمه: يا سيدي، إن كان الذي تقول حقاً فأنت الملك وهو تبع لك، فقال دانيال: أتكتب لي أماناً ولأهل بيتي يكون كتابك علامة بيني وبينك وبين أهل بيتي وأعطيك عشرين ألف درهم؟ قال: نعم.
قال: فكتب له بخت نصر كتاباً أماناً بخط يده ولأهل بيته، وجهز بالذهب، وأعطاه دانيال عشرين ألف درهم، ثم ودع الملك ولحق ببلاده، فعمد بخت نصر ففرق تلك الدراهم في الغلمة الذين كان يترأس عليهم، فكساهم واشترى لهم الدواب، وكان ظريفاً كاتباً أديباً، فانطلق إلى سنحاريب الملك، فانتسب له ولزم بابه في أصحابه، فكان يوجهه في أموره وكان مظفراً حتى بدا لسنحاريب أن يغزو بيت المقدس، فبعث جواسيسه يأتونه بخبر الأرض، فانطلق بخت نصر فركب حماراً ثم جاء حتى دخل على الملك، فقال: أيها الملك إنك تبعث عيوناً إلى أرض بني إسرائيل فأحب أن أنطلق أنا بنفسي، فإني أنا أعلم منهم بالأمر الذي تدرك به حاجتك.
قال له الملك: ألا أعلمتني فكنت أستعملك عليهم، ولكن امضه.
فمضى حتى وردها، فكان أصحابه يسألون عن الحصون وعن العدة والرجال والمدخل والمخرج وكان بخت نصر يسأل بقوله: هل فيكم اليوم أنبياء وكتب تقرؤونها؟ قالوا: نعم.
قال: أفتطيعون أنبياءكم؟ قالوا: لا.
قال: أفتقيمون كتبكم؟ قالوا: لا.
قال: فانصرف، وانصرف أصحابه، فأعلموا الملك ما عاينوا.
وقال بخت نصر: أيها الملك إن فيهم أنبياء لا يطيعونهم وكتباً لا يقيمونها فإن نصرت فبهذا.
قال سنحاريب: إنه ليس للقوم بنا يدان، وسأغزوهم بجنود لا قبل لهم بها، وكان من قصته ما كان.
يروى أن بخت نصر دخل الشام ومصر في ست مائة ألف راكب وهو راكب على أسد أحمر
متعمم بثعبان، متقلداً سيفاً طوله عشرة أشبار في عرض شبر، أخضر النصل، يقطر منه الماء شبه الشرر، غمده من ذهب مرصع بصنوف الجوهر والياقوت الأحمر، منقوش عليه هذه الأبيات: " من السريع "
وأنت إن لم ترج أو تتقي ... كالميت محمولاً على نعشه
لا تنجش الشر فتصلى به ... فقل من يسلم من نجشه
وأخمد الشر فإن هجته ... فاحرص لأعدائك في جشه
للبحر أقراشٌ لها صولةٌ ... فاحذر على نفسك من قرشه
إذا طغى الكبش بشحم الكلى ... أدخل رأس الكبش في كرشه
وناطح الكبش له ساعةٌ ... تأخذه أنطح من كبشه
فكم نجا من يد أعدائه ... وميتٌ مات على فرشه
من يفتح القفل بمفتاحه ... نجا من التهمة في فشه
ونابش الموتى له ساعةٌ ... تأخذه أنبش من نبشه
والبغي صراعٌ له صولةٌ ... تستنزل الجبار عن عرشه
قال ابن المبارك: رئي لقمان يعدو خلف بخت نصر فراسخ، فقيل له: يا ولي الله تعدو خلف هذا الكافر؟ قال: لعلي أسأله في مؤمن فيجيبني فيه.
قال وهب: لما فعل بخت نصر ما فعل - يعني ما ذكر في ترجمة أرميا - قيل له: كان لهم صاحب يحذرهم ما أصابهم، ويصفك وخبرك لهم، ويخبرهم أنك تقتل مقاتلهم، وتسبي ذراريهم، وتهدم مساجدهم، وتحرق كنائسهم، فكذبوه، واتهموه، فضربوه، وقيدوه، وحبسوه، فأمر بخت نصر فأخرج أرميا من السجن، فقال له: أكنت تحذر هؤلاء القوم ما أصابهم؟
قال: نعم.
قال: فأنى علمت ذلك؟ قال: أرسلني الله تعالى إليهم فكذبوني.
قال: كذبوك وضربوك وسجنوك! قال: نعم.
قال: فبئس القوم قوم كذبوا نبيهم، وكذبوا رسالة ربهم، فهل لك أن تلحق بي فأكرمك، وأواسيك، وإن أحببت أن تقيم في بلادك فقد أمنتك.
قال له أرميا: إني لم أزل في أمان الله منذ كنت لم أخرج منه ساعة قط، ولو أن بني إسرائيل لم يخرجوا منه لم يخافوك ولا غيرك لو لم يكن لك عليهم سلطان.
فلما سمع بخت نصر قوله تركه.
فأقام أرميا بأرض إيلياء، وأخرج أهل بيت دانيال الأكبر كتاب آمان بخت نصر فأمضاه لهم، وأخرج بهم معه فكانوا خمسة أنفس: دانيال بن حزقيل وميشائيل وميخائيل وعيصو، وحرسوس، ويقال: كان عزير معهم وعزرائيل.
والله أعلم.
وكانوا شباباً لم يبلغوا الحلم، دانيال بن حزقيل كان أعطاه الله الحكمة، وكان عبداً صالحاً كريماً على الله عز وجل.
وقال ابن عباس: إنه مزق كتاب دانيال فنشأ هؤلاء الغلمة فكانوا وصفاء وكان أكبرهم دانيال، وهو دانيال الحكيم الذي أنقذ الله به بني إسرائيل من أرض بابل فعمد بخت نصر - حين سمع كلام دانيال وحكمته ونظر إليه - إلى جب في فلاةٍ من الأرض، فألقى فيه دانيال مع شبلين، وأطبق عليه الجب وهو مغلول، وقتل على دم يحيى بن زكريا سبعين ألفاً، وذلك أن ما بعث الله تعالى بخت نصر عليهم عقوبة لهم بما قتلوا يحيى وزكريا؛ وذلك أنه أمر بالموضع الذي قتل فيه يحيى وزكريا، فرأى دماءهما تغلي، فسأل عن ذلك؟ فقالوا: هي دماء نبيين، ولا تسكن حتى يقتل بكل واحد منهما سبعون ألفاً، فلما قتل بخت نصر على دمائهما هذه العدة سكنت تلك الدماء.
قال ابن عباس: لم يقتل كهلاً ولا وليداً ولا امرأة، إنما قتل أبناء الحرب وقادة الجيوش حتى استكمل هذه العدة، ودانيال في الجب مع الشبلين سبعة أيام فأوحى الله إلى نبي من بني إسرائيل كان بالشام، فقال: " انطلق فاستخرج دانيال من الجب "، فقال: يا رب! ومن يدلني عليه؟ فقال: " هو في موضع كذا وكذا يدلك عليه مركبك "، فركب أتاناً له وخرج
حتى انتهى إلى ذلك الموضع، فدارت به حمارته ثلاث مرات في أرض ملساء، فعرف أن بغيته فيها، فقال: يا صاحب الجب، فأجابه دانيال، فقال: قد أسمعت فما تريد؟ قال: أنا رسول الله إليك لأستخرجك من هذا الموضع، فقال دانيال: الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، الحمد لله الذي لا يكل من توكل عليه إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحساناً، والحمد لله الذي يجزي بالإساءة غفرانا، والحمد لله الذي يكشف ضرنا عن كربنا، ثم استخرجه، وإن الشبلين لعن يمينه وعن شماله يمشيان معه، وإن ذلك النبي لفي ناحية يفرق منهما، حتى عزم عليهما دانيال أن يرجعا إلى الغيضة.
قال ابن عباس: من قال عند كل سبع: اللهم رب دانيال ورب الجب، ورب كل أسد مستأسد، احفظني واحفظ علي، لم يضره السبع.
وحدث قتادة عن كعب: أن بخت نصر انطلق بدانيال معه إلى أرض بابل يصدر عن رأيه، حتى قيل له: إنه مخالفٌ لك ولا يأكل لحم الخنزير.
قال: فدعاه إلى طعامه فأبى أن يأكله، فسجنه في السجن حتى رأى رؤياه التي قطع بها على ما سنذكره.
وحدث عن وهب أن بخت نصر سار ببني إسرائيل وكنوز بيت المقدس إلى أرض بابل، فأقام أرميا بأرض إيلياء وهي خراب، فكان يبكي وينوح على بيت المقدس، وكان يساعده عليه الخطاف فيطوف حوله، فمن ثم نهي عن قتله، وكانت بقايا من بني إسرائيل متفرقين بلغهم أمر أرميا ومقامه بإيلياء، فاجتمعوا إليه، فقالوا: قد عرفنا الآن أنك نصحتنا، ولو أطعناك لم يصبنا ما أصابنا فمرنا بأمرك.
فقال لهم: أقيموا في أرضنا فنستغفر الله ونتوب إليه لعله يتوب علينا، فقالوا: إنا نخاف أن يسمع بنا بخت نصر، فيبعث إلينا من يتخطفنا، ونحن شرذمة قليلون، ولكن ننطلق إلى ملك مصر، فنستجيره، وندخل في
ذمته.
فقال أرميا: ذمة الله أولى الذمم لكم، وإنكم لا يسعكم أمان أحد في الأرض إن أخافكم الله، وإن أمان الله هو أوسع لكم.
قالوا: إن الأمر كما تقول، لو كان الله راضياً عنا، ولكن الله ساخط علينا، ولسنا نأمن سطوته أن يسلمنا إلى عدونا، فانطلقوا إلى ملك مصر.
فأوحى الله إلى أرميا أنهم لو أطاعوا أمرك ثم كنت أطبقت عليهم السماء والأرض، لجعلت لهم من بينهما مخرجاً، وما كنت لأخفرك لو أطاعوك، وإني لأقسم بعزتي لأعلمنهم أنه ليس لهم ملجأ ولا محيض إلا طاعتي، واتباع أمري، فلما وردوا على ملك مصر شكوا إليه شأنهم.
فقال: أنتم في ذمتي وجواري، فسمع بذلك بخت نصر، فأرسل إلى ملك مصر أن لي قبلك عبيداً أبقوا معي، فابعث بهم إلي مصفدين، وإلا فأذن بحرب، فكتب إليه ملك مصر: إنك كاذب ما هم بعبيد.
إنهم أبناء الأحرار، وأهل النبوة والكتاب، ولكنك ظلمتهم واعتديت، فلما سمع بذلك أرميا رحمهم، فبادر إليهم ليشهدهم.
فأوحى الله إليه: " إني مظهر بخت نصر على هذا الملك الذي اتخذوه حرزاً ".
فقال لهم ذلك أرميا، فإن لم تطيعوني أسركم بخت نصر وقتلكم، فإن آية ذلك أن الله قد أراني موضع سرير بخت نصر الذي يضعه فيه بعدما يظفر بمصر وملكها، ثم عمد فدفن أربعة أحجار في الموضع الذي يضع بخت نصر فيه سريره، ثم قال: تقع كل قائمة من سريره على حجر منها.
قال: فلجوا في رأيهم، فسار بخت نصر، فأسر الملك وبني إسرائيل، وقتل جنوده، وقسم الفيء، وأراد قتل الأساري وقد وضع سريره في ذلك الموضع، فوقعت كل قائمة منه على حجر من تلك الأحجار التي دفن أرميا.
فقال له بخت نصر: ألا أراك مع أعدائي بعد أن أمنتك وأكرمتك؟! قال له أرميا: إنما جئتهم محذراً أخبرتهم خبرك، وقد وضعت لهم علامة من تحت سريرك، وأريتهم هذا المكان الذي يوضع فيه سريرك، فإن تحت كل قائمة حجراً دفنته، فلما رفع سريره وجد مصداق ما قال، فقال لأرميا: لو أعلم أن فيهم خيراً لوهبتهم لك، وما بي إلى قتلهم من حاجة، ولكن أقتلهم غضباً لك إذ كذبوك، واتهموا نصيحتك، فقتلهم ثم لحق بأرض بابل، فأقام أرميا بمصر، واتخذ بها جنينة وزرعاً يعيش منه.
فأوحى الله تعالى إليه: " إن لك عن الزرع والمقام بأرض مصر شغلاً، فكيف تسعك أرض وأنت تعلم سخطي على قومك ولا يحزنك هذا البلاء الذي يصب على إيلياء وأهلها، فالحق بهم حتى يبلغ كتابي أجله، فإني راد بني إسرائيل تارة أخرى إلى الأرض المقدسة، ومستنقذهم من عدوهم، وناظر كيف يعملون ".
فخرج أرميا مذعوراً حتى أتى بيت المقدس، فأوحى الله
إليه: " سأعمره وأرفعه، وإني باعث ملكاً يقال له كورش من أرض فارس، حتى ينزل بقومه ورجاله حتى يعمرها، ويبني قصورها ومساجدها، ويكشف عن أنهارها، ويغرس أعنابها ونخلها وزيتونها "، فتوجه كورش إليها في جمع ومعه ثلاثون ألف قيم يستعملون الناس، كل قيم على ألف عامل ومعهم ما يحتاجون إليه، ولما أرميا عمارتها سأل ربه أن يقبضه إليه، فمات أرميا، وأنقذ الله بني إسرائيل بعد مائة سنة من أرض بابل على يدي دانيال.
وقال كعب: كان سبب إنقاذ بني إسرائيل من بابل أن بخت نصر لما صدر من بيت المقدس بالأسارى، وفيهم دانيال وعزير وأربعة وصفاء غلمان لم يبلغوا الحلم غير دانيال، واتخذ بني إسرائيل خولا زماناً طويلاً، وإنه رأى رؤيا فزع منها، فدعا كهنته وسحرته، فأخبرهم بما أصابه من الكرب بما في رؤياه، وسألهم أن يعبروها له، فقالوا له: قصها علينا.
قال: قد أنسيتها فأخبروني بتأويلها.
فقالوا: إنا لا نقدر على أن نخبرك بتأويلها حتى تقصها علينا، فغضب، وقال لهم: اخترتكم واصطفيتكم لمثل هذا، اذهبوا فقد أجلتكم ثلاثة أيام، فإن أتيتموني بتأويلها وإلا قتلتكم، وشاع ذلك في الناس، فبلغ دانيال وهو مسجون.
فقال لصاحب السجن وهو إليه محسن: هل لك أن تذكرني للملك فإن عندي علم رؤياه، وإني لأرجو أن تنال بذلك عنده منزلة تكون سبب عاقبتي.
قال له صاحب السجن: إني أخاف عليك سطوة الملك، لعل غم السجن حملك على أن تتروح بما ليس عندك فيه علم، مع أني أظن إن كان أحد عنده من هذه الرؤيا علم فأنت هو.
قال دانيال: لا تخف علي، فإن لي رباً يخبرني بما شئت من حاجتي، فانطلق صاحب السجن، فأخبر بخت نصر بذلك، فدعا دانيال، فأدخل عليه، ولا يدخل عليه أحد إلا سجد له، فوقف دانيال فلم يسجد له، فقال الملك لمن في البيت: اخرجوا، فخرجوا، فقال بخت نصر لدانيال: أخبرني عما يمنعك أن تسجد لي، قال دانيال: إن لي رباً آتاني هذا العلم الذي
سمعت به على أن لا أسجد لغيره، فخشيت أن أسجد لك فينسلخ عني العلم، ثم أصير في يدك أمياً لا ينتفع بي، فتقتلني، فرأيت بترك سجدة أهون من القتل، وخطر سجدة أهون من الكرب والبلاء الذي أنت فيه، فتركت السجود نظراً لي ولك، فقال بخت نصر: لم يكن قط أوثق في نفسي منك حين وفيت لإلهك، وأعجب الرجال عندي الذين يوفون لأربابهم بالعهود، فهل عدنك علم الرؤيا التي رأيت؟ قال: نعم.
عندي علمها وتفسيرها.
رأيت صنماً عظيماً رجلاه في الأرض ورأسه في السماء.
أعلاه من ذهب، ووسطه من فضة، وسفله من نحاس، وساقاه من حديد، ورجلاه من فخار، فبينا كنت تنظر إليه قد أعجبك حسنه، وإحكام صنعته، قذفه الله حتى طحنه، فاختلط ذهبه، وفضته، ونحاسه، وحديده، وفخاره، حتى يخيل لك أنه لو اجتمع جميع الإنس والجن على أن يميزوا بعضه من بعض لم يقدروا على ذلك، ولو هبت ريح لأذرته، ونظرت إلى الحجر الذي قذف به يربو ويعظم، ويكبر حتى ملأ الأرض كلها، فصرت لا ترى إلا السما والحجر، قال له بخت نصر: صدقت الرؤيا فما تأويلها؟ فقال دانيال: أما الصنم فأمم مختلفة في أول الزمان وفي وسطه وفي آخره، وأما الذهب فهذا الزمان وهذه الأمة التي أنت فيها، وأنت ملكها، وأما الفضة، ابنك من بعدها تملكها، وأما النحاس فأمة الروم، وأما الحديد ففارس، وأما الفخار فأمتان تملكها امرأتان، إحداهما في مشرق اليمن، والأخرى في غربي الشام، وأما الحجر الذي قذف به الصنم، فدين يقذف الله به هذه الأمم في آخر الزمان ليظهره عليها، يبعث الله نبياً أمياً من العرب، فيدوخ الله به الأمم والأديان كما رأيت الحجر دوخ أصناف الصنم، ويظهره على الأديان والأمم، كما رأيت الحجر ظهر على الأرض وانتشر فيها حتى ملأها، فيحق الله به الحق، ويزهق به الباطل، ويهدي به أهل الضلال، ويعلم به الأميين، ويقوي به الضعفة، ويعز به الأذلة، وينصر به المستضعفين.
قال له بخت نصر: ما أعلم أحداً استعنت به منذ وليت الملك على شيء غلبني غيرك، ولا لأحد عندي يدٌ أعظم من يدك، وأنا جازيك بإحسانك، فاختر من ثلاث أعرضهن عليك: واحدة أن أردك إلى بلادك وأعمر لك كل شيء خربته، وإن أحببت كتبت لك أماناً تأمن به حيث ما سلكت، وإن أحببت أن تقيم معي، فأواسيك.
قال: أما قولك: تردني إلى بلادي وتعمر لي ما خربت؛ فإنها أرض كتب الله عليها الخراب وعلى أهلها الفناء إلى أجل معلوم، وليس تقدر أن تعمر ما خرب الله عز وجل، ولا ترد
أجلاً أجله الله حتى يبلغ الكتاب أجله، وينقضي هذا البلاء الذي كتبه الله على إيلياء وأهلها، وأما قولك: إنك تكتب لي أماناً آمن به حيث ما توجهت؛ فإنه لا ينبغي أن أطلب مع أمان الله أمان مخلوق، وأما ما ذكرت من مواساتك؛ فإن ذلك أوفق لي يومي هذا حتى الله فينا قضاءه، فجمع بخت نصر ولده وحشمه وأهل العلم والرأي، فقال لهم: هذا رجل حكيم قد فرج الله عني الكرب الذي عجزت عنه به، وإني قد رأيت أن أوليه أمركم، فخذوا من أدبه وحكمته، وأعظموا حقه، فإن جاءكم رسولان أحدهما مني والآخر من دانيال، فآثروا حاجته على حاجتي، ونزل منه دانيال بأفضل المنازل، وجعل تدبير ملكه إليه، فلما رأى ذلك عظماء أهل بابل حسدوا دانيال، واجتمعوا إلى بخت نصر، فقالوا له: لم يكن على الأرض ملك أعز من ملكنا ولا أعظم، ولا قوم أهيب في صدور أهل الأرض منا حتى دانت لنا الأرض، واعترفت لنا الأمم، فليس يطمع فينا أحد، وإنا نخبرك أن الأمم قد طمعوا فينا منذ قلدت أمر ملكك هذا العبد الإسرائيلي، وإنك لم تفعل هذا حتى أنكرت عقلك ورأيك، وعجزت عن السياسية، وقد نصحناك، فقال لهم بخت نصر: ما أنكرت عقلي ولا رأيي، ولا تزيدني الأيام إلا تجربة وعلماً، ولكنه كان نزل بي ما رأيتم، فعجز عنه رأيي، وعجزتم أنتم، ففرج عني، فماذا تنقمون أن عمدت إلى أحكم أهل الأرض فاستعنت به مع رأيي، وكل ذلك أريد به صلاح أمركم وقوام ملككم؟ قالوا: فإن كان كما تقول، أفليس يخبرك أن له رباً عظيماً هو الذي يدبر له أمره ويطلعه على الغيب؟ قال بخت نصر: بلى، يزعم أن له رباً لولاه لم يك شيئاً، ولا يعلم شيئاً.
قالوا له: هذا العبد الضعيف قدر على أن يتخذ إلهاً يخبره بما شاء، فكيف لا تقدر أنت في مثل خطرك وعظم ما أوتيت من الملك على أن تتخذ إلهاً، فيخبرك بحاجتك ويكفيك ما أهمك، وتستغني به عن الناس، ونحن لك على ذلك مؤازرون؟ قال بخت نصر: فأنتم وذاك.
قالوا: فأعطنا الطاعة والسلطان حتى نفرغ مما تريد، ففعل بهم ذلك، فعملوا طوله في السماء سبعون ذراعاً وعرضه عشرون ذراعاً من الألواح ثم دسروه بالحديد والمسامير، وألبسوه الذهب، وكللوه بالياقوت وألوان الجوهر، ثم صنعوا له عيداً عظيماً، وذبحوا له الذبائح، وواعدوا الناس لذلك اليوم يجتمعون فيه، فيعبدون ذلك الصنم ويسجدون له، واتخذوا أخدوداً في الأرض، فأوقدوا فيها ناراً عظيمة، وهم أصحاب الأخدود، وكانت الأخدود باليمن وبابل، فأما الذي كان باليمن فاتخذه يوسف ذوا وناس الحميري، وهو الذي
ملك حمير، وكان صاحب عنفصير، وهو الذي قتل الناس وأحرقهم بالنار ليدعوا إلى الإسلام، وكان الأخدود الأخرى بابل اتخذها بخت نصر، فلما اجتمع الناس يوم عيدهم، أمروهم بالسجود لذلك الصنم فسجدوا، فمن أبى حرقوه في تلك الأخدود، وكان بخت نصر سبى من إيلياء سبعين ألف غلام، فقسمهم في ملوك بابل، ماخلا دانيال وميشائيل وعيصو ومرسوس فأقاموا بذلك زماناً يستخدمونهم حتى أدرك الوصفاء، فأنكر أهل بابل شأنهم، فقالوا لبخت نصر: إنا أنكرنا شأننا منذ أدرك عبيدنا، فإنا نحب أن تنفيهم منا فتخرجهم عنا، أو تأذن لنا فنقتلهم.
فقال لهم: أنتم وذاك. قال: فقتلوهم جميعاً، وبقي هؤلاء العدة في يدي الملك، فكانوا يدعون الله ويقولون: يا رب قد عذبت آباءنا بذنوبهم فما بالنا؟! فأوحى الله إلى دانيال: " إني مخلصهم "، فعطف عليهم بخت نصر فلم يقتلهم، فلما أخرجوا صنمهم ليوم عيدهم، دعوا هؤلاء العدة من بني إسرائيل، فقالوا لهم: اسجدوا لآلهتنا، فقالوا: إن هذا ليس بإله نسجد له، إنما هو خشب عملته الرجال، فإن شئتم سجدنا للذي خلقه فاغتنموا خلافهم ليحرقوهم وليغيظوا بهم دانيال، فكتفوهم ثم رموا بهم في تلك النار فباتوا فيها حتى أصبحوا، فاطلع بخت نصر عليهم من قصره، فرأى فيها خمسة نفر في النار، ورأى خامسهم خلقاً عظيماً له ريش، فرأى النار قد عادت جليداً، وإذا صاحب الريش يكنفهم ويلحفهم بريشه من برد الجليد، فلما نظر بخت نصر إلى ذلك امتلأ رعباً، فدعا قومه فقال: كم كنتم ألقيتم في النار؟ قالوا: أربعة.
قال: فإن معهم خامساً له ريش وهيبة وجسم لا يقدر قدرها.
قالوا: ليس لنا به علم، فدعا دانيال، فسأله.
فقال: هؤلاء الأربعة أعرفهم فمن الخامس صاحب الريش؟ قال: دانيال: الخامس الذي وكله الله بالظل والبرد والثلج والجليد، وهذه خزائن بيده، فأرسله إلى هؤلاء الفتية حتى صير النار جليداً حتى لا يضرهم برد الجليد.
وقيل: إن دانيال قال لبخت نصر لما سأله عن الخامس، قال: ذاك جبريل بعثه الله يروح عنهم ويؤنسهم، وقيل: إن بخت نصر قال لدانيال: ألا أعلمتني حين عرض لهم فأحول بينهم وبين ما صنعوا بهم! قال دانيال: حملني على ذلك الرفق بك لما أدخل عليك أهل مملكتك ووثقت لهم
بنصر الله، وأن الله لم يخذلهم، وأردت أن يرى قومك عزة الله وسلطانه وكيف يعز أولياءه، فأمر بهم فأخرجوا من النار.
قال وهب: لما وقفوا بين يدي بخت نصر قال: كيف بتم البارحة؟ قالوا: بأفضل ليلة مرت علينا منذ خلقنا، قال بخت نصر: وهي أفضل من لياليكم في بلادكم؟ قالوا له: سبحان الله ومتى كنا نطمع في بلادنا ملائكة الرحمن أن يلحفونا بالريش، ويردون عنا أذى البرد، ويستغفرون لنا، ويصافحونا! فأمرهم أن يلحقوا بدانيال فأكرمهم، فلم يزالوا حتى على ذلك ثلاث سنين، ثم إن بخت نصر رأى رؤيا أهول وأعظم مما كان رأى، فأرسل إلى عظماء قومه، فقال لهم: إني قد رأيت في مضجعي هذا ولم أتحول عنه رؤيا فيما يخيل إلي أشد من الأولى، وخشيت أن يكون فيها هلاكي وهلاككم، وذهاب ملككم وقد نسيتها فما ترون؟ فجعلوا علة عجزهم دانيال فقالوا: إنك عمدت إلى أسحر العالمين فوضعته عند رأسك، فهو يفزعك بسحره، ويريك الأحلام لينال منك المنزلة والكرامة، فشأنك وشأنه، وقد عمرت قبله زماناً لا ترى شيئاً تكرهه.
وأنت مستغنٍ برأيك، فأدخلت على نفسك هذا البلاء، فقال لهم بخت نصر: أما عندكم غير هذا؟ قالوا: لا.
قال: اخرجوا عني، ثم دعا دانيال، فقال: إني قد رأيت في مضجعي هذا ولم أتحول عنه رؤيا قد نسيتها هي عندي أعظم من الأولى فهل عندك علمها؟ قال: نعم.
قال: إذاً فاقصصها علي، قال دانيال: رأيت شجرة عظيمة أصلها ثابت وفرعها ذاهب في السماء، في فرعها طير السماء كله، وفي ظلها وحوش الأرض وسباعها كلها، فبينا أنت تنظر إليها، وقد أعجبك حسنها وعظمها وخضرتها، والذي جمع الله في فرعها من الطير، وفي ظلها من الوحوش؛ إذ أقبل ملك يحمل حديداً كأنه الفأس على عاتقه، وهو يؤم الشجرة؛ إذ ناداه ملك من فوقه من باب من أبواب السماء فقال له: ما أمرك ربك في هذه الشجرة؟ قال: أمرني أن لا أدع منها شيئاً، فناداه الملك من فوقه: إن الله يأمرك أن لا تستأصلها من أصلها خذ بعضها وأبق بعضها، فنظرت إلى الملك قد ضرب رأسها بالفأس فانقطع منها بعض أغصانها، وتفرق ما كان فيها من الطير، وما كان في ظلها من السباع، وبقي الجذع متغيراً قد تغير حسنه وخضرته لا هيئة له.
قال بخت نصر: هذه الرؤيا التي رأيتها فما تأويلها؟ قال دانيال: أنت الشجرة، وما رأيت فوقها من الطير فولدك وأهلك وحشمك، وما رأيت في ظلها من السباع والوحوش فخولك وعبيدك ورعيتك،
كانوا في ظلك وملكك، وقد أغضبت الله فيما بايعت هؤلاء عليه من عمل هذا الصنم، فإنهم لن يأتوا بمثل الله أبداً، فذكر الله بك عندما أراد من هلاكك فصفح عنك، ثم رأيت الملك وقد أهم أن يستأصل الشجرة من أصلها، فناداه الآخر من فوقه أن يأخذ منها ويبقي منها، وكذلك يصنع الله بك يأخذ منك ويبقي.
قال بخت نصر: وكيف يفعل بي؟ قال: يبتليك ببدنك، يعرفك به قدرته، فلا يدع صورة مما خلق وأخرى فيها الروح إلا مسخك فيها، فلبثت في ذلك البلاء سبع سنين، ولو شاء أن يجعل ذلك في أوشك من طرفة عين لفعل، ولكن ليطول عليك البلاء ويعرفك أنه ليس لك من دونه وال، ولا يملك لك أحد معه شيئاً، ثم لا يحولك في صورة من تلك الصور إلا كنت ملك ذلك الجنس وتعلوه وتقهره، فإذا انقضت السبع سنين رجعت إنساناً كما كنت أول مرة، فقال بخت نصر: فهل يقبل ربك مني توبة أو فدية أو رجعة؟ فقال: لا، حتى يعرفك قدرته وينفذ قضاءه فيك.
قال: فلما قال هذا اعتزل ملكه وأهله ووكل ابنه، وأمره أن يكون السائس دانيال، وأغلق عليه أبوابه وقعد يبكي على نفسه، فمكث في البكاء سبعة أيام، فلما غمه البكاء ظهر فوق بيته يتروح من غم ما هو فيه، فساعة ظهر أنبت الله له ريشاً وزغباً، وجعل له مخاليب ومنقاراً، فصار عقاباً، ثم ذهب يطير فلا يقوم له طير في السماء إلا قهره، وتحدث به أصحاب النسور الذين يصيدون الطير فقالوا: إنه حدث في السماء طير عظيم على صورة عقاب لا يقوم له شيء ولا يطيقه إنسان، ثم حوله فرساً، فتحدث به أصحاب الأرمال، وقالوا إنه حدث في المروج حصان من الخيل ما رأينا مثله عظماً وجسماً، لا يقوم له شيء، ولا يرومه إنسان، فجعل لا يمسخ في شيء إلا ذكر عظمه وقوته وتحدث بذلك، فلم يزل في ذلك سبع سنين وولده وملكه على حاله لم يتغيروا، ولم يحدثوا فيه شيئاً، وكان يأمرهم دانيال أن لا يغيروا من أمره شيئاً حتى يرجع إليهم.
وفي رواية، وكان إذا مسخ في جنس ذكراً فاشتهى الإناث واغتلم حوله أنثى، فأحرم واشتهى الذكور حوله الله ذكراً، فكان لا يصل إلى شهوته من الجماع، ولا يوصل إليه.
قالوا: وكان آخر خلق مسخ فيه بخت نصر البعوضة، فأقبل في صورتها يطير حتى دخل بيته، فحوله الله إنساناً، فاغتسل بالماء ولبس المسوح، وألقى جفن سيفه، ثم خرج به صلتاً يتوكأ عليه حتى برز إلى جناته، فأمر بجمع قومه فاجتمعوا كأجمع ما كانوا قط، ثم قال: يا أيها الناس إني وإياكم كنا نعبد من دون الله ما لا يضرنا ولا ينفعنا، ولا يخلقنا ولا يرزقنا، ولا يميتنا ولا يحيينا، ولا يملك لنا من الله شيئاً، وإنه قد تبين لي من قدرة الله في نفسي أن لا إله إلا إله بني إسرائيل، فمن بايعني على هذا أو أجابني عليه، فأنا منه وهو مني، وأنا وهو في الحق سواء، ومن أبى وخالف ضربته بسيفي هذا، وأشار به إليهم - وكان فيهم مهيباً - حتى يحكم الله بيني وبينه، ألا وإني قد أجلتكم يومي هذا، فإذا أصبحت فأجيبوني، ثم انصرف عنهم، فساعة دخل بيته وقعد على فراشه قبض الله روحه.
فقال وهب بن منبه: سألني ابن عباس عن قصة بخت نصر فقصصتها عليه، فقال ابن عباس: ما شبهت إيمانه إلا بإيمان سحرة فرعون حين قالوا: آمنا برب موسى وهارون.
وكان وهب بن منبه يقول:
لما مسخ بخت نصر كان في ذلك يعقل عقل الإنسان، ثم رد الله روحه فدعا إلى توحيد الله، وقال: كل إله باطل إلا إله السماء.
قال بكار: فقيل لوهب: أمؤمناً مات؟ فقال: وجدت أهل الكتاب قد اختلفوا فيه، فقال بعضهم: قد آمن قبل أن يموت، وقال بعضهم: قتل الأنبياء، وحرق الكتب، وخرب بيت المقدس، فلن تقبل توبته.
وقيل: إن بخت نصر لما قتل بني إسرائيل وخرب بيت المقدس، وسار بسبايا بني إسرائيل إلى أرض بابل، فسامهم سوء العذاب، فأراد أن يتناول السماء، فجمع بني إسرائيل وعظماء أهل بابل ممن عنده علم، فقال لهم: إني قد قهرت أهل الأرض، فأريد أن أتناول ملك السماء، فهل عندكم علم أو حيلةٌ أصعد إلى السماء؟ فقالوا: لا.
فقال لهم: انطلقوا فاطلبوا لي حيلة أصعد بها إلى السماء.
فسلط الله عليه بعوضة، فدخلت منخره، فوقعت في دماغه، فلم تزل
البعوضة تعذبه وتأكل دماغه، فلم يزل ينطح رأسه على الحجر حتى مات، ثم أوصى أن شقوا هامته فينظروا ما كان فيه.
قال: ففعلوا، فرأوا قدرة الله، فإذا هم ببعوضة قد تعلقت بدماغه.
والله أعلم أي ذلك كان.
قالوا: وملك بخت نصر خمسٌ وأربعون سنة، منها تسع عشرة سنة قبل خراب أورشلم - وهي بيت المقدس - وسباء بابل، وست وعشرون بعد الخراب.
قالوا: كان أمره بعدما رفع عيسى بن مريم، وقيل: كان قبل عيسى بن مريم، وقيل: كان قبل الاسكندر والمسيح بأكثر من ثلاث مائة سنة.
قالوا: ومن زمن آدم إلى سبي بابل أربعة آلاف وتسع مائة وثمان عشرة سنة.
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to Ibn Manẓūr (d. 1311 CE) - Mukhtaṣar Tārīkh Dimashq - ابن منظور - مختصر تاريخ دمشق are being displayed.