القَاضِي عِيَاضٌ بنُ مُوْسَى بنِ عِيَاضٍ اليَحْصَبِيُّ
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، القَاضِي، أَبُو الفَضْلِ
عِيَاضُ بنُ مُوْسَى بنِ عِيَاضِ بنِ عَمْرِو بنِ مُوْسَى بنِ عِيَاضٍ اليَحْصَبيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، ثُمَّ السَّبْتِيُّ، المَالِكِيُّ.وُلِدَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
تَحَوَّل جَدّهُم مِنَ الأَنْدَلُس إِلَى فَاس، ثُمَّ سَكَنَ سَبْتَة.
لَمْ يَحمل القَاضِي العِلْم فِي الحدَاثَة، وَأَوّل شَيْء أَخَذَ عَنِ الحَافِظ أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ إِجَازَة مُجرَّدَة، وَكَانَ يُمكِنُه السَّمَاعُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لحق مِنْ حَيَاته اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ عَاماً.
رَحل إِلَى الأَنْدَلُسِ سَنَة بِضْع وَخَمْس مائَة، وَرَوَى عَنِ القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ الصَّدَفِيّ وَلاَزمه، وَعَنْ أَبِي بَحْر بن العَاصِ، وَمُحَمَّد بن حَمْدِينَ، وَأَبِي الحُسَيْنِ سرَاج الصَّغِيْر، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَتَّابٍ، وَهِشَامِ بنِ أَحْمَدَ، وَعِدَّةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى التَّمِيْمِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَسِيْلِيِّ.وَاستبحر مِنَ العُلُوْم، وَجَمَعَ، وَأَلَّفَ، وَسَارَتْ بِتَصَانِيْفِهِ الرُّكبَانُ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ فِي الآفَاق.
قَالَ خَلَفُ بنُ بَشْكُوَال : هُوَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالتفنن وَالذّكَاء وَالفَهْمِ، اسْتُقضِي بِسَبْتَةَ مُدَّة طَوِيْلَة، حُمدت سيرتُه فِيْهَا، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهَا إِلَى قَضَاء غَرْنَاطَةَ، فَلَمْ يُطَوِّلْ بِهَا، وَقَدِمَ عَلَيْنَا قُرْطُبَة، فَأَخذنَا عَنْهُ.
وَقَالَ الفَقِيْه مُحَمَّد بن حَمَّاده السَّبْتِيُّ: جلس القَاضِي لِلمُنَاظَرَةِ وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَوَلِيَ القَضَاءَ وَلَهُ خَمْس وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً، كَانَ هَيِّناً مِنْ غَيْرِ ضَعفٍ، صَلِيْباً فِي الحَقِّ، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَصَحِبَ أَبَا إِسْحَاقَ بنَ جَعْفَرٍ الفَقِيْه، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِسَبْتَةَ فِي عصرٍ أَكْثَرَ تَوَالِيفَ مِنْ تَوَالِيْفِهِ، لَهُ كِتَاب (الشفَا فِي شرف المُصْطَفَى) مُجَلَّد، وَكِتَاب (تَرْتِيْب المدَارك وَتَقْرِيْب المسَالك فِي ذكرِ فُقَهَاء مَذْهَب مَالِك) فِي مُجَلَّدَات، وَكِتَاب (العقيدَة) ، وَكِتَاب (شرح حَدِيْث أُمِّ زرع ) ، وَكِتَاب (جَامِع
التَّارِيْخ) الَّذِي أَربَى عَلَى جَمِيْع المُؤلفَات، جَمعَ فِيْهِ أَخْبَار مُلُوْك الأَنْدَلُس وَالمَغْرِب، وَاسْتَوْعَبَ فِيْهِ أَخْبَار سَبتَةَ وَعُلَمَاءهَا، وَلَهُ كِتَاب (مشَارقِ الأَنوَار فِي اقتفَاء صَحِيْح الآثَارِ ) : (المُوَطَّأ) وَ (الصَّحِيْحَيْنِ) ...إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَاز مِنَ الرِّئَاسَة فِي بلدِه وَالرّفعَة مَا لَمْ يَصل إِلَيْهِ أَحَد قَطُّ مِنْ أَهْلِ بَلَده، وَمَا زَاده ذَلِكَ إِلاَّ تَوَاضعاً وَخَشْيَة للهِ -تَعَالَى- وَلَهُ مِنَ المُؤلفَات الصّغَار أَشيَاءُ لَمْ نَذكرهَا.
قَالَ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ فِي (وَفِيَات الأَعيَان ) : هُوَ إِمَام الحَدِيْث فِي وَقْتِهِ، وَأَعْرفُ النَّاس بِعُلُوْمِهِ، وَبِالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَكَلاَمِ العَرَبِ، وَأَيَّامهِم، وَأَنسَابِهِم.
قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ (الإِكمَالِ فِي شَرحِ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ ) كَمَّل بِهِ كِتَاب (المُعْلَم) لِلمَازَرِي، وَكِتَاب (مشَارق الأَنوَار) فِي تَفْسِيْر غَرِيْب الحَدِيْث، وَكِتَاب (التَّنبيهَات) فِيْهِ فَوَائِد وَغَرَائِب، وَكُلّ تَوَالِيْفِهِ بَدِيْعَة، وَلَهُ شعر حسن.
قُلْتُ: تَوَالِيفه نَفِيْسَة، وَأَجَلهَا وَأَشرفهَا كِتَاب (الشفَا) لَوْلاَ مَا قَدْ حشَاه بِالأَحَادِيْث المفتعلَة، عَمَلَ إِمَامٍ لاَ نَقد لَهُ فِي فَن الحَدِيْث وَلاَ ذَوْق، وَاللهُ يُثيبه عَلَى حسن قصدهِ، وَيَنْفَع بِـ (شِفَائِهِ) وَقَدْ فَعَلَ، وَكَذَا فِيْهِ مِنَ التَّأْوِيْلاَت البعيدَة أَلوَان، وَنبينَا - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ وَسلاَمه - غنِيٌّ بِمدحَة التنزِيل عَنِ الأَحَادِيْث، وَبِمَا تَوَاتر مِنَ الأَخْبَار عَنِ الآحَاد، وَبِالآحَاد النّظيفَة الأَسَانِيْد عَنِ الوَاهيَات، فَلِمَاذَا يَا قَوْم نَتشبع بِالمَوْضُوْعَات؟ فَيتطرق إِلَيْنَا مَقَالُ ذَوِي الْغل وَالحسد، وَلَكِن مَنْ لاَ يَعلم مَعْذُور، فَعَلَيْك يَا أَخِي بِكِتَاب (دَلاَئِل النُّبُوَّة) لِلْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ شفَاء لمَا فِي الصُّدُوْر وَهدَى وَنور.وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ القَاضِي خلق مِنَ العُلَمَاءِ، مِنْهُم: الإِمَام عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَشِيْرِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ القَصِيْر الغَرْنَاطِي، وَالحَافِظ خَلَف بن بَشْكُوَال، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ الجَابِرِي، وَوَلَده القَاضِي مُحَمَّد بن عِيَاضٍ قَاضِي دَانِيَة.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
انْظُر إِلَى الزَّرْع وَخَامَاته ... تَحكِي وَقَدْ مَاست أَمَام الرِّيَاحْ
كتيبَةً خَضْرَاءَ مهزومَة ... شقَائِقُ النُّعْمَان فِيْهَا جرَاحْ
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ : شُيُوْخ القَاضِي يُقَاربُوْنَ المائَة، تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي رَمَضَانهَا - وَقِيْلَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ مِنْهَا - بِمَرَّاكُشَ، وَمَاتَ ابْنه فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال : تُوُفِّيَ القَاضِي مُغَرَّباً عَنْ وَطَنه، فِي وَسط سَنَةِ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ وَلده القَاضِي مُحَمَّد: تُوُفِّيَ فِي لَيْلَة الجُمُعَة، نِصْف اللَّيْلَة التَّاسعَة مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، وَدُفِنَ بِمَرَّاكُش، سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قُتل بِالرمَاح، لِكَوْنِهِ أَنْكَر عِصْمَة ابْن تُوْمَرْت.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَاعِر زَمَانِهِ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ الأَرَّجَانِيّ قَاضِي تُسْتَر، وَالعَلاَّمَة المُصَنِّف أَبُو جعفَرَكَ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ
أَبِي جَعْفَرٍ البَيْهَقِيّ، وَالمُسْنِدُ بِهَرَاةَ أَبُو المَحَاسِنِ أَسَعْد بن عَلِيِّ بنِ المُوَفَّق، وَمُحَدِّث حلب أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ القُرْطُبِيّ.أَخْبَرَنَا القَاضِي مُعِيْن الدِّيْنِ عَلِيّ بن أَبِي العَبَّاسِ المَالِكِيّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن الجِرْجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحَافِظ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الحَضْرَمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الغَافِقِيّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ الجَابِرِي، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عيَاض بن مُوْسَى القَاضِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيّ، وَهِشَام بن أَحْمَدَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمَّار، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَة، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَسَعِيْدِ بن أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ كعبِ بن عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُوْلُوا مَا يَقُوْلُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاَ تَنَبْغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُوْنَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ، حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ) . رَوَاهُ: مُسْلِمٌ.
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ الأَوْحَدُ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، القَاضِي، أَبُو الفَضْلِ
عِيَاضُ بنُ مُوْسَى بنِ عِيَاضِ بنِ عَمْرِو بنِ مُوْسَى بنِ عِيَاضٍ اليَحْصَبيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، ثُمَّ السَّبْتِيُّ، المَالِكِيُّ.وُلِدَ: فِي سَنَةِ سِتٍّ وَسَبْعِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.
تَحَوَّل جَدّهُم مِنَ الأَنْدَلُس إِلَى فَاس، ثُمَّ سَكَنَ سَبْتَة.
لَمْ يَحمل القَاضِي العِلْم فِي الحدَاثَة، وَأَوّل شَيْء أَخَذَ عَنِ الحَافِظ أَبِي عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ إِجَازَة مُجرَّدَة، وَكَانَ يُمكِنُه السَّمَاعُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ لحق مِنْ حَيَاته اثْنَيْنِ وَعِشْرِيْنَ عَاماً.
رَحل إِلَى الأَنْدَلُسِ سَنَة بِضْع وَخَمْس مائَة، وَرَوَى عَنِ القَاضِي أَبِي عَلِيٍّ بنِ سُكَّرَةَ الصَّدَفِيّ وَلاَزمه، وَعَنْ أَبِي بَحْر بن العَاصِ، وَمُحَمَّد بن حَمْدِينَ، وَأَبِي الحُسَيْنِ سرَاج الصَّغِيْر، وَأَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عَتَّابٍ، وَهِشَامِ بنِ أَحْمَدَ، وَعِدَّةٍ.
وَتَفَقَّهَ بِأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بنِ عِيْسَى التَّمِيْمِيِّ، وَالقَاضِي مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ المَسِيْلِيِّ.وَاستبحر مِنَ العُلُوْم، وَجَمَعَ، وَأَلَّفَ، وَسَارَتْ بِتَصَانِيْفِهِ الرُّكبَانُ، وَاشْتُهِرَ اسْمُهُ فِي الآفَاق.
قَالَ خَلَفُ بنُ بَشْكُوَال : هُوَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ وَالتفنن وَالذّكَاء وَالفَهْمِ، اسْتُقضِي بِسَبْتَةَ مُدَّة طَوِيْلَة، حُمدت سيرتُه فِيْهَا، ثُمَّ نُقِلَ عَنْهَا إِلَى قَضَاء غَرْنَاطَةَ، فَلَمْ يُطَوِّلْ بِهَا، وَقَدِمَ عَلَيْنَا قُرْطُبَة، فَأَخذنَا عَنْهُ.
وَقَالَ الفَقِيْه مُحَمَّد بن حَمَّاده السَّبْتِيُّ: جلس القَاضِي لِلمُنَاظَرَةِ وَلَهُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَوَلِيَ القَضَاءَ وَلَهُ خَمْس وَثَلاَثُوْنَ سَنَةً، كَانَ هَيِّناً مِنْ غَيْرِ ضَعفٍ، صَلِيْباً فِي الحَقِّ، تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ التَّمِيْمِيِّ، وَصَحِبَ أَبَا إِسْحَاقَ بنَ جَعْفَرٍ الفَقِيْه، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ بِسَبْتَةَ فِي عصرٍ أَكْثَرَ تَوَالِيفَ مِنْ تَوَالِيْفِهِ، لَهُ كِتَاب (الشفَا فِي شرف المُصْطَفَى) مُجَلَّد، وَكِتَاب (تَرْتِيْب المدَارك وَتَقْرِيْب المسَالك فِي ذكرِ فُقَهَاء مَذْهَب مَالِك) فِي مُجَلَّدَات، وَكِتَاب (العقيدَة) ، وَكِتَاب (شرح حَدِيْث أُمِّ زرع ) ، وَكِتَاب (جَامِع
التَّارِيْخ) الَّذِي أَربَى عَلَى جَمِيْع المُؤلفَات، جَمعَ فِيْهِ أَخْبَار مُلُوْك الأَنْدَلُس وَالمَغْرِب، وَاسْتَوْعَبَ فِيْهِ أَخْبَار سَبتَةَ وَعُلَمَاءهَا، وَلَهُ كِتَاب (مشَارقِ الأَنوَار فِي اقتفَاء صَحِيْح الآثَارِ ) : (المُوَطَّأ) وَ (الصَّحِيْحَيْنِ) ...إِلَى أَنْ قَالَ: وَحَاز مِنَ الرِّئَاسَة فِي بلدِه وَالرّفعَة مَا لَمْ يَصل إِلَيْهِ أَحَد قَطُّ مِنْ أَهْلِ بَلَده، وَمَا زَاده ذَلِكَ إِلاَّ تَوَاضعاً وَخَشْيَة للهِ -تَعَالَى- وَلَهُ مِنَ المُؤلفَات الصّغَار أَشيَاءُ لَمْ نَذكرهَا.
قَالَ القَاضِي شَمْس الدِّيْنِ فِي (وَفِيَات الأَعيَان ) : هُوَ إِمَام الحَدِيْث فِي وَقْتِهِ، وَأَعْرفُ النَّاس بِعُلُوْمِهِ، وَبِالنَّحْوِ، وَاللُّغَةِ، وَكَلاَمِ العَرَبِ، وَأَيَّامهِم، وَأَنسَابِهِم.
قَالَ: وَمِنْ تَصَانِيْفِهِ كِتَابُ (الإِكمَالِ فِي شَرحِ صَحِيْحِ مُسْلِمٍ ) كَمَّل بِهِ كِتَاب (المُعْلَم) لِلمَازَرِي، وَكِتَاب (مشَارق الأَنوَار) فِي تَفْسِيْر غَرِيْب الحَدِيْث، وَكِتَاب (التَّنبيهَات) فِيْهِ فَوَائِد وَغَرَائِب، وَكُلّ تَوَالِيْفِهِ بَدِيْعَة، وَلَهُ شعر حسن.
قُلْتُ: تَوَالِيفه نَفِيْسَة، وَأَجَلهَا وَأَشرفهَا كِتَاب (الشفَا) لَوْلاَ مَا قَدْ حشَاه بِالأَحَادِيْث المفتعلَة، عَمَلَ إِمَامٍ لاَ نَقد لَهُ فِي فَن الحَدِيْث وَلاَ ذَوْق، وَاللهُ يُثيبه عَلَى حسن قصدهِ، وَيَنْفَع بِـ (شِفَائِهِ) وَقَدْ فَعَلَ، وَكَذَا فِيْهِ مِنَ التَّأْوِيْلاَت البعيدَة أَلوَان، وَنبينَا - صَلَوَاتُ اللهُ عَلَيْهِ وَسلاَمه - غنِيٌّ بِمدحَة التنزِيل عَنِ الأَحَادِيْث، وَبِمَا تَوَاتر مِنَ الأَخْبَار عَنِ الآحَاد، وَبِالآحَاد النّظيفَة الأَسَانِيْد عَنِ الوَاهيَات، فَلِمَاذَا يَا قَوْم نَتشبع بِالمَوْضُوْعَات؟ فَيتطرق إِلَيْنَا مَقَالُ ذَوِي الْغل وَالحسد، وَلَكِن مَنْ لاَ يَعلم مَعْذُور، فَعَلَيْك يَا أَخِي بِكِتَاب (دَلاَئِل النُّبُوَّة) لِلْبَيْهَقِيّ، فَإِنَّهُ شفَاء لمَا فِي الصُّدُوْر وَهدَى وَنور.وَقَدْ حَدَّثَ عَنِ القَاضِي خلق مِنَ العُلَمَاءِ، مِنْهُم: الإِمَام عَبْد اللهِ بن مُحَمَّدٍ الأَشِيْرِيّ، وَأَبُو جَعْفَرٍ بنُ القَصِيْر الغَرْنَاطِي، وَالحَافِظ خَلَف بن بَشْكُوَال، وَأَبُو مُحَمَّدٍ بنُ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيّ، وَمُحَمَّد بن الحَسَنِ الجَابِرِي، وَوَلَده القَاضِي مُحَمَّد بن عِيَاضٍ قَاضِي دَانِيَة.
وَمِنْ شِعْرِهِ:
انْظُر إِلَى الزَّرْع وَخَامَاته ... تَحكِي وَقَدْ مَاست أَمَام الرِّيَاحْ
كتيبَةً خَضْرَاءَ مهزومَة ... شقَائِقُ النُّعْمَان فِيْهَا جرَاحْ
قَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَانَ : شُيُوْخ القَاضِي يُقَاربُوْنَ المائَة، تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، فِي رَمَضَانهَا - وَقِيْلَ: فِي جُمَادَى الآخِرَةِ مِنْهَا - بِمَرَّاكُشَ، وَمَاتَ ابْنه فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسَبْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.قَالَ ابْنُ بَشْكُوَال : تُوُفِّيَ القَاضِي مُغَرَّباً عَنْ وَطَنه، فِي وَسط سَنَةِ أَرْبَعٍ.
وَقَالَ وَلده القَاضِي مُحَمَّد: تُوُفِّيَ فِي لَيْلَة الجُمُعَة، نِصْف اللَّيْلَة التَّاسعَة مِنْ جُمَادَى الآخِرَة، وَدُفِنَ بِمَرَّاكُش، سَنَةَ أَرْبَعٍ.
قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّهُ قُتل بِالرمَاح، لِكَوْنِهِ أَنْكَر عِصْمَة ابْن تُوْمَرْت.
وَفِيْهَا مَاتَ: شَاعِر زَمَانِهِ القَاضِي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ حُسَيْنٍ الأَرَّجَانِيّ قَاضِي تُسْتَر، وَالعَلاَّمَة المُصَنِّف أَبُو جعفَرَكَ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ
أَبِي جَعْفَرٍ البَيْهَقِيّ، وَالمُسْنِدُ بِهَرَاةَ أَبُو المَحَاسِنِ أَسَعْد بن عَلِيِّ بنِ المُوَفَّق، وَمُحَدِّث حلب أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ سُلَيْمَانَ المُرَادِيّ القُرْطُبِيّ.أَخْبَرَنَا القَاضِي مُعِيْن الدِّيْنِ عَلِيّ بن أَبِي العَبَّاسِ المَالِكِيّ بِالإِسْكَنْدَرِيَّة، قَالَ:
قَرَأْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بن الجِرْجِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحَافِظ، وَأَخْبَرَنِي أَبُو القَاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ الحَضْرَمِيّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الغَافِقِيّ غَيْرَ مَرَّةٍ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الأَزْدِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ عَطِيَّةَ الجَابِرِي، قَالاَ:
أَخْبَرَنَا عيَاض بن مُوْسَى القَاضِي، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِيْسَى التَّمِيْمِيّ، وَهِشَام بن أَحْمَدَ، قَالاَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الغَسَّانِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيّ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ المُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ التَّمَّار، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَة، وَابْنِ لَهِيْعَةَ، وَسَعِيْدِ بن أَبِي أَيُّوْبَ، عَنْ كعبِ بن عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو:
سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُوْلُ: (إِذَا سَمِعْتُمُ المُؤَذِّنَ، فَقُوْلُوا مَا يَقُوْلُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ عَشْراً، ثُمَّ سَلُوا اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الجَنَّةِ لاَ تَنَبْغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُوْنَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ اللهَ لِيَ الوَسِيْلَةَ، حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ) . رَوَاهُ: مُسْلِمٌ.