الْحُسَيْن بن وَاقد أَبُو عَليّ قَاضِي مرو مولى عبد الله بن عَامر بن كريز ذكره أَبُو الْحسن وَأَبُو عبد الله وَلم يذكرهُ أَبُو نصر قَالَ أَبُو بكر الْأَثْرَم قلت لأبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل مَا تَقول فِي الْحُسَيْن بن وَاقد فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ وَأثْنى عَلَيْهِ وَقَالَ بن أبي خَيْثَمَة سَمِعت بن معِين يَقُول الْحُسَيْن بن وَاقد ثِقَة قَالَ عبد الرَّحْمَن سُئِلَ أَبُو زرْعَة عَنهُ فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ
Abū l-Walīd al-Bājī (d. 1082 CE) - al-Taʿdīl wa-l-tajrīḥ li-man kharaja lahu al-Bukhārī fī l-Jāmiʿ al-ṣaḥīḥ - الباجي - التعديل والتجريح
ا
ب
ت
ث
ج
ح
خ
د
ذ
ر
ز
س
ش
ص
ط
ظ
ع
غ
ف
ق
ك
ل
م
ن
ه
و
ي
Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 1742 323. الحسين بن علي ابو عبد الله الجعفي الكوفي...2 324. الحسين بن علي بن ابي طالب ابو عبد الله...2 325. الحسين بن عيسى بن حمران ابو علي القومسي البسطامي...1 326. الحسين بن محمد بن بهرام ابو احمد التميمي المروروذي المعلم...1 327. الحسين بن منصور بن جعفر ابو علي النيسابوري السلمي...1 328. الحسين بن واقد ابو علي2329. الحكم بن عبد الله ابو النعمان الانصاري...2 330. الحكم بن عتيبة ابو محمد الفقيه ويقال ابو عبد الله...1 331. الحكم بن عمرو بن مجدع بن حذيم بن حلوان بن الحارث بن ثعلبة بن مليك...1 332. الحكم بن موسى النسوي القنطري1 333. الحكم بن نافع ابو اليمان البهراني الحمصي...4 334. الربيع بن خثيم بن عائذ بن عبد الله بن موهبة بن منقذ بن نصر بن الح...1 335. الربيع بن نافع ابو توبة الحلبي4 336. الربيع بن يحيى ابو الفضل الاشناني البصري ابو الفضل الاشناني البصر...1 337. الربيع بنت معوذ بن عفراء الانصارية2 338. الرميصاء بنت ملحان ام سليم الانصارية امراة ابي طلحة ام انس بن مال...1 339. الزبير بن الخريت البصري3 340. الزبير بن العوام بن خويلد بن اسد بن عبد العزي بن قصي ابو عبد الله...1 341. الزبير بن عدي ابو عدي الهمذاني الشامي الكوفي...1 342. الزبير بن عربي ابو سلمة البصري2 343. السائب بن فروخ ابو العباس الشاعر المكي الاعمي...1 344. السائب بن يزيد بن اخت النمر ابو يزيد الكندي...1 345. الصعب بن جثامة بن فيس بن ربيعة بن يعمر الليثي المدني...1 346. الصلت بن محمد بن عبد الرحمن ابو همام الخاركي...1 347. الضحاك بن مخلد بن الضحاك المشرقي1 348. الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم ابو عاصم النبيل الشيباني البصري...1 349. العباس بن الحسين ابو الفضل البغدادي2 350. العباس بن الوليد النرسي2 351. العباس بن سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن...1 352. العباس بن عبد العظيم ابو الفضل العنبري البصري...2 353. العباس بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف ابو الفضل الهاشمي...1 354. العباس بن فروخ ابو محمد الجريري البصري...2 355. العلاء بن الحضرمي11 356. العلاء بن المسيب بن رافع التغلبي الكوفي...3 357. العلاء بن عبد الجبار ابو الحسن العطار البصري...1 358. العوام بن حوشب بن يزيد بن رويم ابو عيسى الربعي الواسطي...1 359. الغميصاء بنت ملحان1 360. الفضل بن العلاء ابو العباس ويقال ابو العلاء الكوفي...1 361. الفضل بن دكين بن حماد بن زهير ابو نعيم الملائي الكوفي...1 362. الفضل بن سهل بن ابراهيم ابو العباس الاعرج...2 363. الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف المكي...1 364. الفضل بن عنبسة ابو الحسن الخزاز الواسطي...2 365. الفضل بن مساور ابو مساور البصري1 366. الفضل بن موسى ابو عبد الله السيناني المروزي...2 367. الفضل بن يعقوب الرخامي البغدادي2 368. القاسم بن عاصم الكليني3 369. القاسم بن مالك ابو جعفر المزني الكوفي...3 370. القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق ابو محمد ويقال ابو عبد الرحمن ال...1 371. القاسم بن مخيمرة ابو عروة الهمذاني الكوفي...1 372. القاسم بن نافع بن ابي بزة1 373. القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم ابو محمد الهلالي الواسطي...1 374. الليث بن سعد بن عبد الرحمن بن عقبة ابو الحارث...1 375. المثنى بن سعيد ابو سعيد2 376. المرار بن حمويه ابو احمد الهمذاني1 377. المسور بن مخرمة بن نوفل بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابو عب...1 378. المسيب بن ابي وهب اسم ابي وهب حزن بن عمرو...1 379. المسيب بن رافع ابو العلاء الكاهلي الاسدي الكوفي...1 380. المعافى بن عمران ابو مسعود الموصلي1 381. المعرور بن سويد ابو امية الاسدي الكوفي...1 382. المغيرة بن النعمان النخعي الكوفي3 383. المغيرة بن سلمة ابو هاشم المخزومي البصري...1 384. المغيرة بن شعبة ابو عبد الله ويقال ابو عيسى الثقفي الكوفي...1 385. المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي المدني...1 386. المغيرة بن مقسم ابو هشام الضبي الكوفي...2 387. المفضل بن فضالة بن عبيد ابو معاوية الحميري...2 388. المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عم...1 389. المقدام بن معديكرب ابو كريمة الكندي الشامي...1 390. المقدم بن محمد بن يحيى بن عطاء بن مقدم الهلالي الواسطي...1 391. المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب بن علياء بن حبيب بن الجارو...1 392. المنذر بن يعلى ابو يعلى الثوري الكوفي...2 393. المنذر ويقال عبد الرحمن بن سعد بن مالك ابو حميد الساعدي الانصاري ...1 394. المنهال بن عمرو الاسدي3 395. النزال بن سبرة الهلالي العامري الكوفي...1 396. النضر بن انس بن مالك الانصاري البصري...2 397. النضر بن شميل بن خرشة ابو الحسن المازني البصري...1 398. النضر بن محمد بن موسى ابو محمد الجرشي اليمامي...1 399. النعمان بن ابي عياش3 400. النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الانصاري الخزرجي الكوفي...1 401. النعمان بن رشاد الجزري1 402. الهيثم بن ابي سنان4 403. الهيثم بن خارجة ابو احمد الخراساني المروزي...2 404. الوليد بن العيزار بن حريث العبدي الكوفي...3 405. الوليد بن صالح ابو محمد الضبي الفلسطيني النحاس...1 406. الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري المدني...2 407. الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب بن عائذ بن حبيب بن الجارود ابو العبا...1 408. الوليد بن كثير ابو محمد المخزومي المدني...1 409. الوليد بن مسلم ابو العباس الاموي القرشي الدمشقي...1 410. ام العلاء الانصارية المدنية2 411. ام خالد1 412. ام رومان بنت عامر بن عويمر1 413. ام سليط3 414. ام شريك غزية بنت الاعجم1 415. ام علقمة بنت ابي علقمة ذكرها ابو عبد الله...1 416. ام عمرو بنت عبد الله بن الزبير بن العوام...1 417. ام قيس بنت محصن بن حرثان2 418. ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط5 419. ام يعقوب1 420. امة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن امية بن عبد شمس المدنية تكنى ام ...1 421. امية بن بسطام ابو بكر البصري العيشي1 422. انس بن سيرين7 ◀ Prev. 100▶ Next 100
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 1742 323. الحسين بن علي ابو عبد الله الجعفي الكوفي...2 324. الحسين بن علي بن ابي طالب ابو عبد الله...2 325. الحسين بن عيسى بن حمران ابو علي القومسي البسطامي...1 326. الحسين بن محمد بن بهرام ابو احمد التميمي المروروذي المعلم...1 327. الحسين بن منصور بن جعفر ابو علي النيسابوري السلمي...1 328. الحسين بن واقد ابو علي2329. الحكم بن عبد الله ابو النعمان الانصاري...2 330. الحكم بن عتيبة ابو محمد الفقيه ويقال ابو عبد الله...1 331. الحكم بن عمرو بن مجدع بن حذيم بن حلوان بن الحارث بن ثعلبة بن مليك...1 332. الحكم بن موسى النسوي القنطري1 333. الحكم بن نافع ابو اليمان البهراني الحمصي...4 334. الربيع بن خثيم بن عائذ بن عبد الله بن موهبة بن منقذ بن نصر بن الح...1 335. الربيع بن نافع ابو توبة الحلبي4 336. الربيع بن يحيى ابو الفضل الاشناني البصري ابو الفضل الاشناني البصر...1 337. الربيع بنت معوذ بن عفراء الانصارية2 338. الرميصاء بنت ملحان ام سليم الانصارية امراة ابي طلحة ام انس بن مال...1 339. الزبير بن الخريت البصري3 340. الزبير بن العوام بن خويلد بن اسد بن عبد العزي بن قصي ابو عبد الله...1 341. الزبير بن عدي ابو عدي الهمذاني الشامي الكوفي...1 342. الزبير بن عربي ابو سلمة البصري2 343. السائب بن فروخ ابو العباس الشاعر المكي الاعمي...1 344. السائب بن يزيد بن اخت النمر ابو يزيد الكندي...1 345. الصعب بن جثامة بن فيس بن ربيعة بن يعمر الليثي المدني...1 346. الصلت بن محمد بن عبد الرحمن ابو همام الخاركي...1 347. الضحاك بن مخلد بن الضحاك المشرقي1 348. الضحاك بن مخلد بن الضحاك بن مسلم ابو عاصم النبيل الشيباني البصري...1 349. العباس بن الحسين ابو الفضل البغدادي2 350. العباس بن الوليد النرسي2 351. العباس بن سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن...1 352. العباس بن عبد العظيم ابو الفضل العنبري البصري...2 353. العباس بن عبد المطلب بن هشام بن عبد مناف ابو الفضل الهاشمي...1 354. العباس بن فروخ ابو محمد الجريري البصري...2 355. العلاء بن الحضرمي11 356. العلاء بن المسيب بن رافع التغلبي الكوفي...3 357. العلاء بن عبد الجبار ابو الحسن العطار البصري...1 358. العوام بن حوشب بن يزيد بن رويم ابو عيسى الربعي الواسطي...1 359. الغميصاء بنت ملحان1 360. الفضل بن العلاء ابو العباس ويقال ابو العلاء الكوفي...1 361. الفضل بن دكين بن حماد بن زهير ابو نعيم الملائي الكوفي...1 362. الفضل بن سهل بن ابراهيم ابو العباس الاعرج...2 363. الفضل بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف المكي...1 364. الفضل بن عنبسة ابو الحسن الخزاز الواسطي...2 365. الفضل بن مساور ابو مساور البصري1 366. الفضل بن موسى ابو عبد الله السيناني المروزي...2 367. الفضل بن يعقوب الرخامي البغدادي2 368. القاسم بن عاصم الكليني3 369. القاسم بن مالك ابو جعفر المزني الكوفي...3 370. القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق ابو محمد ويقال ابو عبد الرحمن ال...1 371. القاسم بن مخيمرة ابو عروة الهمذاني الكوفي...1 372. القاسم بن نافع بن ابي بزة1 373. القاسم بن يحيى بن عطاء بن مقدم ابو محمد الهلالي الواسطي...1 374. الليث بن سعد بن عبد الرحمن بن عقبة ابو الحارث...1 375. المثنى بن سعيد ابو سعيد2 376. المرار بن حمويه ابو احمد الهمذاني1 377. المسور بن مخرمة بن نوفل بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب ابو عب...1 378. المسيب بن ابي وهب اسم ابي وهب حزن بن عمرو...1 379. المسيب بن رافع ابو العلاء الكاهلي الاسدي الكوفي...1 380. المعافى بن عمران ابو مسعود الموصلي1 381. المعرور بن سويد ابو امية الاسدي الكوفي...1 382. المغيرة بن النعمان النخعي الكوفي3 383. المغيرة بن سلمة ابو هاشم المخزومي البصري...1 384. المغيرة بن شعبة ابو عبد الله ويقال ابو عيسى الثقفي الكوفي...1 385. المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي المدني...1 386. المغيرة بن مقسم ابو هشام الضبي الكوفي...2 387. المفضل بن فضالة بن عبيد ابو معاوية الحميري...2 388. المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عم...1 389. المقدام بن معديكرب ابو كريمة الكندي الشامي...1 390. المقدم بن محمد بن يحيى بن عطاء بن مقدم الهلالي الواسطي...1 391. المنذر بن الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب بن علياء بن حبيب بن الجارو...1 392. المنذر بن يعلى ابو يعلى الثوري الكوفي...2 393. المنذر ويقال عبد الرحمن بن سعد بن مالك ابو حميد الساعدي الانصاري ...1 394. المنهال بن عمرو الاسدي3 395. النزال بن سبرة الهلالي العامري الكوفي...1 396. النضر بن انس بن مالك الانصاري البصري...2 397. النضر بن شميل بن خرشة ابو الحسن المازني البصري...1 398. النضر بن محمد بن موسى ابو محمد الجرشي اليمامي...1 399. النعمان بن ابي عياش3 400. النعمان بن بشير بن سعد بن ثعلبة الانصاري الخزرجي الكوفي...1 401. النعمان بن رشاد الجزري1 402. الهيثم بن ابي سنان4 403. الهيثم بن خارجة ابو احمد الخراساني المروزي...2 404. الوليد بن العيزار بن حريث العبدي الكوفي...3 405. الوليد بن صالح ابو محمد الضبي الفلسطيني النحاس...1 406. الوليد بن عبادة بن الصامت الانصاري المدني...2 407. الوليد بن عبد الرحمن بن حبيب بن عائذ بن حبيب بن الجارود ابو العبا...1 408. الوليد بن كثير ابو محمد المخزومي المدني...1 409. الوليد بن مسلم ابو العباس الاموي القرشي الدمشقي...1 410. ام العلاء الانصارية المدنية2 411. ام خالد1 412. ام رومان بنت عامر بن عويمر1 413. ام سليط3 414. ام شريك غزية بنت الاعجم1 415. ام علقمة بنت ابي علقمة ذكرها ابو عبد الله...1 416. ام عمرو بنت عبد الله بن الزبير بن العوام...1 417. ام قيس بنت محصن بن حرثان2 418. ام كلثوم بنت عقبة بن ابي معيط5 419. ام يعقوب1 420. امة بنت خالد بن سعيد بن العاص بن امية بن عبد شمس المدنية تكنى ام ...1 421. امية بن بسطام ابو بكر البصري العيشي1 422. انس بن سيرين7 ◀ Prev. 100▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Abū l-Walīd al-Bājī (d. 1082 CE) - al-Taʿdīl wa-l-tajrīḥ li-man kharaja lahu al-Bukhārī fī l-Jāmiʿ al-ṣaḥīḥ - الباجي - التعديل والتجريح are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو متشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
http://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=155377&book=5554#f71bef
الحُسَيْنُ الشَّهِيْدُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ
الإِمَامُ، الشَّرِيْفُ، الكَامِلُ، سِبْطُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانتُهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَحبُوْبُهُ.
أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: جَدِّه، وَأَبَوَيْهِ، وَصِهْرِهِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَهَمَّامٌ الفَرَزْدَقُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَطَلْحَةُ العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَبِنْتُهُ سُكَيْنَةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ: مَوْلِدُهُ فِي خَامِسِ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: بَيْنَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ فِي الحَمْلِ طُهْرٌ وَاحِدٌ.
قَدْ مَرَّتْ فِي تَرْجَمَةِ الحَسَنِ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالحُسَيْنِ.
رَوَى: هَانِئُ بنُ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
الحُسَيْنُ أَشبَهُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَدْرِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
شَهِدْتُ ابْنَ زِيَادٍ حَيْثُ أُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَنكُتُ بِقَضِيْبٍ مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.وَرَوَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، فَرَوَاهُ: عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، وَقَالَ: يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ فِي أَنفِهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ أَسودَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، إِلاَّ شَعرَاتٍ فِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَصبغُ بِالوَسِمَةِ، كَانَ رَأْسُهُ وَلِحْيتُهُ شَدِيدَيِ السَّوَادِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟
فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ.
قَالَ: انظُرْ إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا).
رَوَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، عَنْهُ.عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
دَخَلتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ عَلَى صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَتُحِبُّهُمَا؟!
قَالَ: (كَيْفَ لاَ أُحِبُّهُمَا، وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا) .
رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ فِي (المُعْجَمِ).
وَعَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، مَرْفُوعاً: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ: سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ ) .
وَيُرْوَى عَنْ: شُرَيْحٍ، عَنْ عَلِيٍّ.
وَفِي البَابِ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَمَالِكِ بنِ الحُوَيْرِثِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ مِنْ وُجُوهٍ يُقَوِّي بَعضُهَا بَعْضاً.
مُوْسَى بنُ عُثْمَانَ الحَضْرَمِيُّ - شِيْعِيٌّ وَاهٍ -: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
كَانَ الحُسَيْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُحبُّهُ حُبّاً شَدِيداً، فَقَالَ: (اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ) .
فَقُلْتُ: أَذْهبُ مَعَهُ؟
فَقَالَ: (لاَ) .
فَجَاءتْ بَرْقَةٌ، فَمَشَى فِي ضَوئِهَا حَتَّى بَلغَ إِلَى أُمِّهِ.
وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا رَبِيْع بنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّهُ قَالَ - وَقَدْ دَخَلَ الحُسَيْنُ المَسْجِدَ -: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سَيِّدِ شَبَابِ
أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) .سَمِعتُه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
تَابَعَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، عَنْ رَبِيْعٍ الجُعْفِيِّ.
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) .
وَقَالَ شَهْرٌ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:
إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَّلَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا بِكسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِ بِنْتِي وَحَامَتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْراً) .
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَنَا مِنْهُم؟
قَالَ: (إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ ) .
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ شَهْرٍ.
وَفِي بَعضِهَا يَقُوْلُ: دَخَلتُ عَلَيْهَا أُعَزِّيْهَا عَلَى الحُسَيْنِ.
وَرَوَى نَحْوَهُ: الأَعْمَشُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَرَوَى: شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، قِصَّةَ الكِسَاءِ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى العَامِرِيِّ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ، مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ حُسَيْناً) .
وَفِي لَفظٍ: (أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً).
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخذَ بِيدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: (هَذَانِ ابْنَايَ؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي ) .
وَرَوَى مِثْلَهُ: أَبُو الجَحَّافِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَغَيرُهُمَا، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً.
وَفِي البَابِ: عَنْ أُسَامَةَ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ.
عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَعدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْضِعَ الجَنَائِزِ، فَطَلَعَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، فَاعْتَرَكَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِيْهاً حَسَنُ) .
فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَعَلَى حُسَيْنٍ تُوَالِيهِ؟
فَقَالَ: (هَذَا جِبْرِيْلُ يَقُوْلُ: إِيْهاً حُسَيْنُ ) .
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً، نَحْوُهُ.
وَفِي مَرَاسِيْلِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ حُسَيْناً يَبْكِي، فَقَالَ لأُمِّهِ: (أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ بُكَاءهُ يُؤْذِيْنِي).
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ، عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ:صَعِدتُ المِنْبَرَ إِلَى عُمَرَ، فَقُلْتُ: انزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي، وَاذْهَبْ إِلَى مِنْبَرِ أَبِيْكَ.
فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَرٌ!
فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! مَنْ علَّمَكَ هَذَا؟
قُلْتُ: مَا عَلَّمَنِيْهِ أَحَدٌ.
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَهَلْ أَنْبتَ عَلَى رُؤُوْسِنَا الشَّعْرَ إِلاَّ اللهُ ثُمَّ أَنْتُم!
وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَوْ جَعَلْتَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا.
إِسْنَادُه صَحِيْحٌ.
رَوَى: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ جَعلَ لِلْحُسَيْنِ مِثْلَ عَطَاءِ عَلِيٍّ، خَمْسَةَ آلاَفٍ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
أَنَّ عُمَرَ كَسَا أَبْنَاءَ الصَّحَابَةِ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَصلُحُ لِلْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ؛ فَبَعثَ إِلَى اليَمَنِ، فَأُتِي بِكِسْوَةٍ لَهُمَا، فَقَالَ: الآنَ طَابَتْ نَفْسِي.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ أَلحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بِفرِيضَةِ أَبِيهِمَا؛ لِقَرَابَتِهِمَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ آلاَفٍ.
يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، قَالَ:
بَيْنَا عَمْرُو بنُ العَاصِ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، إِذْ رَأَى الحُسَيْنَ، فَقَالَ: هَذَا أَحبُّ أَهْلِ الأَرْضِ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ اليَوْمَ.
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عَمْرٍو، فَقَالَ: عَلَيَّ رَقَبَةٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ.فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهَا إِلاَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ.
قُلْتُ: مَا فَهِمْتُه.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ:
كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ.
هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْقُفُ نَجْرَانَ وَالعَاقِبُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلاَمَ، فَقَالاَ: كُنَّا مُسْلِمَينِ قَبْلكَ.
قَالَ: (كَذَبْتُمَا! إِنَّهُ مَنَعَ الإِسْلاَمَ مِنْكُمَا ثَلاَثٌ؛ قَوْلُكُمَا: اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً، وَأَكْلُكُمَا الخِنْزِيْرَ، وَسُجُوْدُكُمَا لِلصَّنَمِ) .
قَالاَ: فَمَنْ أَبُو عِيْسَى؟
فَمَا عَرَفَ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ: {إِنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ} ... ، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ} [آلُ عِمْرَانَ: 59 - 63] .
فَدَعَاهُمَا إِلَى المُلاَعَنَةِ، وَأَخَذَ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ: (هَؤُلاَءِ بَنِيَّ) .
قَالَ: فَخَلاَ أَحَدُهُمَا بِالآخرِ، فَقَالَ: لاَ تُلاَعِنْهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيّاً فَلاَ بَقِيَّةَ.
فَقَالاَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي الإِسْلاَمِ وَلاَ فِي مُلاَعَنَتِكَ، فَهَلْ مِنْ ثَالِثَةٍ؟
قَالَ: (نَعَمْ؛ الجِزْيَةُ) .
فَأَقَرَّا بِهَا، وَرَجَعَا.
مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:لَمَّا أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاهِلَ أَهْلَ نَجْرَانَ، أَخذَ بِيَدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: (اتْبَعِيْنَا) .
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ الله، رَجَعُوا.
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ:
سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَلاَ أُحدِّثُكُم عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيتِي؟ أَمَّا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ؛ فَصَاحِبُ لَهْوٍ، وَأَمَّا الحَسَنُ، فَصَاحِبُ جَفْنَةٍ مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ؛ لَوْ قَدِ الْتَقَتْ حَلَقتَا البِطَانِ لَمْ يُغْنِ فِي الحَرْبِ عَنْكُم، وَأَمَّا أَنَا وَحُسَيْنٌ؛ فَنَحْنُ مِنْكُم، وَأَنْتُم مِنَّا.
إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ الحَسَنَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ شِدَّةِ قَلْبِكَ.
فَيَقُوْلُ الحُسَيْنُ: وَأَنَا وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ مَا بُسِطَ مِنْ لِسَانِكَ.
عَنْ أَبِي المُهَزِّمِ، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فَأَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْفُضُ بِثَوْبِهِ التُّرَابَ عَنْ قَدَمِ الحُسَيْنِ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حَجَّ الحُسَيْنُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً مَاشياً.
وَكَذَا رَوَى: عُبَيْدُ اللهِ الوَصَّافِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَزَادَ: وَنجَائِبُه تُقَادُ مَعَهُ.لَكنِ اخْتلَفتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الوَصَّافِيِّ، فَقَالَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عَنْهُ: الحَسَنُ، وَرَوَى عَنْهُ: زُهَيْرٌ نَحوَهُ، فَقَالَ فِيْهِ: الحَسَنُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ المُثَنَّى: كَانَ عَلَى المَيْسَرَةِ يَوْمَ الجَمَلِ الحُسَيْنُ.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ صَاحِبَ مَطهَرَتِه، فَلَمَّا حَاذَى نِيْنَوَى، وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى صِفِّيْنَ، نَادَاهُ عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِشَطِّ الفُرَاتِ.
قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، فَقَالَ: (قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيْلُ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ الحُسَيْنَ يُقْتَلُ، وَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبتِه؟
قُلْتُ: نَعَم.
فَمدَّ يَدهُ، فَقَبضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ.
قَالَ: فَأَعْطَانِيْهَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنِي.
هَذَا غَرِيْبٌ، وَلَهُ شُوَيْهِدٌ.
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:
أَنَّ عَلِيّاً قَالَ وَهُوَ بِشَطِّ الفُرَاتِ: صَبْراً أَبَا عَبْدِ اللهِ.
عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
استَأْذنَ مَلَكُ القَطْرِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا أُمَّ سَلَمَةَ! احْفَظِي عَلَيْنَا البَابَ) .
فَجَاءَ الحُسَيْنُ، فَاقْتَحَمَ، وَجَعلَ يَتَوَثَّبُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُوْلُ اللهِ يُقَبِّلُهُ.
فَقَالَ المَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟
قَالَ: (نَعَمْ) .
قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُه، إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ
المَكَانَ الَّذِي يُقتَلُ فِيْهِ.قَالَ: (نَعَم) .
فَجَاءهُ بِسَهْلَةٍ، أَوْ تُرَابٍ أَحْمَرَ.
قَالَ ثَابِتٌ: كُنَّا نَقُوْلُ: إِنَّهَا كَرْبَلاَءُ.
عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنسَائِهِ: (لاَ تُبَكُّوا هَذَا) .
يَعْنِي: حُسَيْناً.
فَكَانَ يَوْمُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ لأُمِّ سَلَمَةَ: (لاَ تَدَعِي أَحَداً يَدْخُلُ) .
فَجَاءَ حُسَيْنٌ، فَبَكَى؛ فَخَلَّتْهُ يَدْخُلُ، فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ فِي حَجْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقَالَ جِبْرِيْلُ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُهُ.
قَالَ: (يَقْتُلُوْنَهُ وَهُمْ مُؤْمِنُوْنَ؟) .
قَالَ: نَعَمْ.
وَأَرَاهُ تُرْبَتَهُ.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ هَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبِ بنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتيقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ خَاثِراً، ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ، وَفِي يَدِهِ تُربَةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يُقَلِّبُهَا.
قُلْتُ: مَا هَذِهِ؟
قَالَ: (أَخْبَرَنِي جِبْرِيْلُ أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ العِرَاقِ، لِلْحُسَيْنِ، وَهَذِهِ تُرْبتُهَا).
وَرَوَاهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هَاشِمٍ، وَلَمْ يَذكُرِ: اضْطَجَعَ.أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: (لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ البَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّ حُسَيْناً مَقْتُوْلٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ التُّرْبَةَ ... ) ، الحَدِيْثَ.
وَرَوَاهُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَشُكَّ.
وَيُرْوَى عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَعَنْ: شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَرَوَاهُ: ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ.
وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ.
وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُمْهَانَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِتُرَابٍ مِنَ التُّرْبَةِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا الحُسَيْنُ.
وَقِيْلَ: اسْمُهَا كَرْبَلاَءُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَرْبٌ وَبَلاَءٌ ) .
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَيُقْتَلَنَّ الحُسَيْنُ قَتْلاً، وَإِنِّي لأَعْرفُ تُرَابَ الأَرْضِ الَّتِي يُقتَلُ بِهَا.
أَبُو نُعَيْمٍ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ: أَنَّ
كَعْباً مَرَّ عَلَى عَلَيٍّ، فَقَالَ: يُقتَلُ مِنْ وَلَدِ هَذَا رَجُلٌ فِي عِصَابَةٍ لاَ يَجِفُّ عَرَقُ خَيْلِهِم حَتَّى يَرِدُوا عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.فَمرَّ حَسَنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا؟
قَالَ: لاَ.
فَمَرَّ حُسَيْنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنِ العَلاَءِ بنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ رَأْسِ الجَالُوْتِ، قَالَ:
كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقتَلُ بِكَرْبَلاَءَ ابْنُ نَبِيٍّ.
المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ: عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَلَهُ جُمَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تَحْتِ عِمَامَتِهِ.
وَقَالَ العَيْزَارُ بنُ حُرَيْثٍ: رَأَيْتُ عَلَى الحُسَيْنِ مِطْرَفاً مِنْ خَزٍّ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَتَخَتَّمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَرَوَى جَمَاعَةٌ: أَنَّ الحُسَيْنَ كَانَ يَخْضِبُ بِالوَسِمَةِ، وَأَنَّ خِضَابَهُ أَسْودُ.
بلَغَنَا أَنَّ الحُسَيْنَ لَمْ يُعجِبْهُ مَا عَمِلَ أَخُوْهُ الحَسَنُ مِنْ تَسْلِيمِ الخِلاَفَةِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، بَلْ كَانَ رَأْيُهُ القِتَالَ، وَلَكِنَّهُ كَظَمَ وَأَطَاعَ أَخَاهُ، وَبَايَعَ.
وَكَانَ يَقبَلُ جَوَائِزَ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ يَرَى لَهُ، وَيَحتَرِمُهُ، وَيُجِلُّهُ، فَلَمَّا أَنْ فَعلَ مُعَاوِيَةُ مَا فَعلَ بَعْدَ وَفَاةِ السَّيِّدِ الحَسَنِ مِنَ العَهْدِ بِالخِلاَفَةِ إِلَى وَلَدِهِ يَزِيْدَ، تَأَلَّمَ
الحُسَيْنُ، وَحُقَّ لَهُ، وَامتنَعَ هُوَ وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ المُبَايعَةِ، حَتَّى قَهَرَهُم مُعَاوِيَةُ، وَأَخَذَ بَيْعتَهُم مُكْرَهِيْنَ، وَغُلِبُوا، وَعَجَزُوا عَنْ سُلْطَانِ الوَقْتِ.فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ، تَسَلَّمَ الخِلاَفَةَ يَزِيْدُ، وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَلَمْ يُبَايِعْ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلاَ الحُسَيْنُ، وَأَنِفُوا مِنْ ذَلِكَ، وَرَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الأَمْرَ لِنَفْسِهِ، وَسَارَا فِي اللَّيْلِ مِنَ المَدِيْنَةِ.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَشَارَنِي الحُسَيْنُ فِي الخُرُوْجِ، فَقُلْتُ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ.
فَقَالَ: لأَنْ أُقتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتحِلَّ حُرمَتَهَا -يَعْنِي: مَكَّةَ -.
وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي سَلَّى نَفْسِي عَنْهُ.
يَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيُّ : حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عُمَرَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَأُخبِرَ أَنَّ الحُسَيْنَ قَدْ تَوجَّهَ إِلَى العِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيْرَةِ لَيْلَتَيْنِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
قَالَ: العِرَاقَ.
وَمَعَهُ طَوَامِيْرُ وَكُتُبٍ، فَقَالَ: لاَ تَأْتِهِم.
قَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُم وَبَيْعتُهُم.
فَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكُم بَضْعَةٌ مِنْهُ، لاَ يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُم أَبَداً، وَمَا صَرَفهَا اللهُ عَنْكُم إِلاَّ لِلَّذِي هُوَ خَيرٌ لَكُم، فَارْجِعُوا.
فَأَبَى، فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيْلٍ.
زَادَ فِيْهِ الحَسَنُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:
نَاشَدَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ قَوْمٌ مَنَاكِيْرُ، قَتَلُوا أَبَاكَ، وَضَرَبُوا أَخَاكَ، وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا.ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ بِشْرِ بنِ غَالِبٍ، أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ، وَطَعَنُوا أَخَاكَ!
فَقَالَ: لأَنْ أُقتلَ، أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تُسْتَحَلَّ -يَعْنِي: مَكَّةَ -.
أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، حَدَّثَنِي الفَرَزْدَقُ؛ قَالَ:
لَمَّا خَرَجَ الحُسَيْنُ، لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو؛ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ خَرَجَ، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ دُنْيَا، أَصَبْتَهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ آخِرَةً، أَصَبْتَهَا.
فَرَحلْتُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، بَلَغَنِي قَتْلُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ، وَقُلْتُ: أَيْنَ مَا ذَكَرتَ؟
قَالَ: كَانَ رَأْياً رَأَيْتُهُ.
قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَصْوِيبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو لِلْحُسَيْنِ فِي مَسِيْرِهِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَهِدُوا الحَرَّةَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَيْرٍ (ح) .
وَأَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ (ح) ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ - وَسَمَّى طَائِفَةً - ثُمَّ قَالَ:
فَكَتَبْتُ جَوَامِعَ حَدِيثِهِم فِي مَقْتَلِ الحُسَيْنِ.
قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكُوْفَةِ يَكتُبُوْنَ إِلَى الحُسَيْنِ يَدْعُوْنَهُ إِلَى الخُرُوجِ إِلَيْهِم زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَقَدِمَ مِنْهُم قَوْمٌ إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ المَسِيْرَ مَعَهُم، فَأَبَى، وَجَاءَ إِلَى الحُسَيْنِ، فَأَخْبَرَهُ،
وَقَالَ: إِنَّ القَوْمَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَيَشِيْطُوا دِمَاءنَا.فَأَقَامَ حُسَيْنٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مُتَرَدِّدُ العَزْمِ، فَجَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ وَمُشْفِقٌ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَاتَبَكَ قَوْمٌ مِنْ شِيْعتِكَ، فَلاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِم، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُوْلُ بِالكُوْفَةِ: وَاللهِ لَقَدْ مَلِلْتُهُم وَمَلُّونِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُونِي، وَمَا بَلَوْتُ مِنْهُم وَفَاءً، وَلاَ لَهُم ثَبَاتٌ وَلاَ عَزْمٌ وَلاَ صَبرٌ عَلَى السَّيْفِ.
قَالَ: وَقَدِمَ المُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ وَعِدَّةٌ إِلَى الحُسَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ الحَسَنِ، فَدَعَوْهُ إِلَى خَلْعِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا رَأْيَكَ وَرَأْيَ أَخِيْكَ.
فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُعطِيَ اللهُ أَخِي عَلَى نِيَّتِهِ، وَأَنْ يُعطِيَنِي عَلَى نِيَّتِي فِي حُبِّي جِهَادَ الظَّالِمِيْنَ.
وَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّيْ لَسْتُ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ الحُسَيْنُ مَرصَداً لِلْفِتْنَةِ، وَأَظُنُّ يَوْمَكُم مِنْهُ طَوِيْلاً.
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الحُسَيْنِ: إِنَّ مَنْ أَعْطَى اللهَ صَفْقَةَ يَمِينِهِ وَعَهْدَهُ، لَجَدِيرٌ أَنْ يَفِي، وَقَدْ أُنْبِئتُ بِأَنَّ قَوْماً مِنَ الكُوْفَةِ دَعَوْكَ إِلَى الشِّقَاقِ، وَهُمْ مَنْ قَدْ جَرَّبتَ، قَدْ أَفْسَدُوا عَلَى أَبِيْكَ وَأَخِيْكَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاذْكُرِ المِيْثَاقَ، فَإِنَّكَ مَتَى تَكِدْنِي، أَكِدْكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الحُسَيْنُ: أَتَانِي كِتَابُكَ، وَأَنَا بِغَيْرِ الَّذِي بَلَغَكَ جَدِيرٌ، وَمَا أَرَدْتُ لَكَ مُحَارَبَةً وَلاَ خِلاَفاً، وَمَا أَظُنُّ لِي عُذْراً عِنْدَ اللهِ فِي تَرْكِ جِهَادِكِ، وَمَا أَعْلَمُ فِتْنَةً أَعْظَمَ مِنْ وَلاَيَتِكَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ أَثَرْنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ إِلاَّ أَسَداً.
-وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، عَنْ مُسَافِعِ بنِ شَيْبَةَ، قَالَ:لَقِيَ الحُسَيْنُ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ عِنْدَ الرَّدْمِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ رَاحِلتِهِ، فَأَنَاخَ بِهِ، ثُمَّ سَارَّهُ طَوِيْلاً، وَانْصَرَفَ، فَزَجَرَ مُعَاوِيَةُ الرَّاحِلَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَزِيْدُ: لاَ يَزَالُ رَجُلٌ قَدْ عَرَضَ لَكَ، فَأَنَاخَ بِكَ.
قَالَ: دَعْهُ، لَعَلَّهُ يَطلُبُهَا مِنْ غَيرِي، فَلاَ يُسوِّغُهُ، فَيَقتُلُهُ -.
رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ :
قَالُوا: وَلَمَّا حُضِرَ مُعَاوِيَةُ، دَعَا يَزِيْدَ، فَأَوْصَاهُ، وَقَالَ:
انظُرْ حُسَيْناً، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى النَّاسِ، فَصِلْ رَحِمَهُ، وَارْفُقْ بِهِ، فَإِنْ يَكُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَسَيَكْفِيْكَ اللهُ بِمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ، وَخَذَلَ أَخَاهُ.
وَمَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ، وَبَايَعَ النَّاسُ يَزِيْدَ، فَكَتَبَ إِلَى وَالِي المَدِيْنَةِ الوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنِ ادْعُ النَّاسَ وَبَايِعْهُم، وَابْدَأْ بِالوُجُوهِ، وَارْفُقْ بِالحُسَيْنِ.
فَبَعثَ إِلَى الحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي اللَّيْلِ، وَدَعَاهُمَا إِلَى بَيْعَةِ يَزِيْدَ، فَقَالاَ: نُصبِحُ وَنَنْظُرُ فِيمَا يَعمَلُ النَّاسُ.
وَوَثَبَا، فَخَرَجَا.
وَقَدْ كَانَ الوَلِيْدُ أَغْلَظَ لِلْحُسَيْنِ، فَشَتَمَهُ حُسَيْنٌ، وَأَخَذَ بِعِمَامَتِهِ، فَنَزَعَهَا، فَقَالَ الوَلِيْدُ: إِنْ هِجْنَا بِهَذَا إِلاَّ أَسَداً.
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ - أَوْ غَيرُهُ -: اقْتُلْهُ.
قَالَ: إِنَّ ذَاكَ لَدَمٌ مَصُونٌ.
وَخَرَجَ الحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لِوَقْتِهِمَا إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَ الحُسَيْنُ بِمَكَّةَ دَارَ العَبَّاسِ، وَلَزِمَ عَبْدُ اللهِ الحِجْرَ، وَلَبِسَ المَعَافِرِيَّ، وَجَعَلَ يُحرِّضُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ يَغْدُو وَيَرُوحُ إِلَى الحُسَيْنِ، وَيُشِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْدَمَ العِرَاقَ، وَيَقُوْلُ: هُم شِيْعَتُكُم.
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَاهُ.
وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ وَلاَ تَسِرْ، فَوَاللهِ لَئِنْ قُتِلْتَ لَيَتَّخِذُوْنَا خَوَلاً وَعَبِيداً.وَلَقِيَهُمَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ مُنْصَرِفَيْنِ مِنَ العُمْرَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: أُذَكِّرُكُمَا اللهَ إِلاَّ رَجَعْتُمَا، فَدَخَلْتُمَا فِي صَالِحِ مَا يَدْخُلُ فِيْهِ النَّاسُ وَتَنْظُرَانِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ لَمْ تَشُذَّا، وَإِنِ افْترَقَ عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي تُرِيْدَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْحُسَيْنِ: لاَ تَخْرُجْ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاختَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكَ بَضْعَةٌ مِنْهُ وَلاَ تَنَالُهَا.
ثُمَّ اعْتَنَقَهُ، وَبَكَى، وَوَدَّعَهُ.
فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: غُلِبْنَا بِخُرُوجِهِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ رَأَى فِي أَبِيْهِ وَأَخِيْهِ عِبْرَةً، وَرَأَى مِنَ الفِتْنَةِ وَخُذْلاَنِ النَّاسِ لَهُم مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لاَ يَتَحَرَّكَ.
وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْنَ تُرِيْدُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ؟
قَالَ: العِرَاقَ وَشِيْعَتِي.
قَالَ: إِنِّيْ كَارِهٌ لِوَجهِكَ هَذَا، تَخْرُجُ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيْدٍ: اتَّقِ اللهَ، وألزم بَيْتَكَ.
وَكَلَّمَهُ جَابِرٌ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ، لَكَانَ خَيراً لَهُ.
قَالَ: وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ تُعظِّمُ مَا يُرِيْدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَتُخبِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَاقُ إِلَى مَصْرَعِهِ، وَتَقُوْلُ:
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُوْلُ: (يُقْتَلُ حُسَيْنٌ بِأَرْضِ بَابِلَ) .فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهَا، قَالَ: فَلاَ بُدَّ إِذاً مِنْ مَصْرعِي.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ يُحَذِّرُهُ وَيُنَاشِدُهُ اللهَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
إِنِّيْ رَأَيْتُ رُؤْيَا، رَأَيْتُ فِيْهَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَنِي بِأَمْرٍ أَنَا مَاضٍ لَهُ.
وَأَبَى الحُسَيْنُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ إِلاَّ المَسِيْرَ إِلَى العِرَاقِ.
وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَظنُّكَ سَتُقتَلُ غَداً بَيْنَ نِسَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَإِنِّي لأَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ الَّذِي يُقَادُ بِهِ عُثْمَانُ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
قَالَ: أَبَا العَبَّاسِ! إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ كَبِرْتَ.
فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكِ، وَلَوْ أَعلَمُ أَنَّكَ تُقِيمُ، إِذاً لَفَعَلْتُ.
ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: أَقْرَرْتَ عيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدُ لابْنِ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَتَى مَا أَحْبَبْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، يَخْرُجُ إِلَى العِرَاقِ، وَيَتْرُكُكَ وَالحِجَازَ:
يَا لَكِ مِنْ قُنْبَرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ البَرُّ فَبِيْضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِيْ مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي ...
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَتَبَ الأَحْنَفُ إِلَى الحُسَيْنِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَلاَ يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِيْنَ لاَ يُوْقِنُوْنَ} [الرُّوْمُ: 60] .عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ: عَنْ لَبَطَةَ بنِ الفَرَزْدَقِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَقِيتُ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: القُلُوبُ مَعَكَ، وَالسُّيوفُ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ لَبَطَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَقِيَنِي الحُسَيْنُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ فِي جَمَاعَةٍ عَلَيْهِم يَلاَمِقُ الدِّيبَاجِ؛ فَقَالَ: مَا وَرَاءكَ؟
قَالَ: وَكَانَ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ مِنْ بِرْسَامٍ عَرَضَ لَهُ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَعَ الحُسَيْنِ وَجَمَاعَتِهِ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ فَرَساً.
وَرَوَى: ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدِهِ، قَالُوا:
وَأَخَذَ الحُسَيْنُ طَرِيقَ العُذَيْبِ، حَتَّى نَزَلَ قَصْرَ أَبِي مُقَاتِلٍ، فَخَفَقَ خَفْقَةً، ثُمَّ اسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ فَارِساً يُسَايِرُنَا، وَيَقُوْلُ: القَوْمُ يَسِيْرُوْنَ، وَالمنَايَا تَسْرِي إِلَيْهِم.
ثُمَّ نَزَلَ كَرْبَلاَءَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ كَالمُكْرَهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَقُتلَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، وَكَانُوا خَمْسِيْنَ، وَتَحوَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُوْلَئِكَ عِشْرُوْنَ، وَبَقِيَ عَامَّةَ نَهَارِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَأَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَكَانَ يَشُدُّ عَلَيْهِم، فَيَهْزِمُهُم، وَهُم يَكرَهُوْنَ الإِقدَامَ عَلَيْهِ، فَصَرَخَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكِلَتْكُم أُمَّهَاتُكُم، مَاذَا تَنْتَظرُوْنَ
بِهِ؟وَطَعَنَهُ سِنَانُ بنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فِي ترقُوتِهِ، ثُمَّ طَعَنَهُ فِي صَدْرِهِ، فَخَرَّ، وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ - لاَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.
ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدَ لَهُ، قَالُوا:
قَدَّمَ الحُسَيْنُ مُسْلِماً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى هَانِئ بنِ عُرْوَةَ، وَيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِخَبَرِ النَّاسِ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ مُسْتَخْفِياً، وَأَتَتْهُ الشِّيْعَةُ، فَأَخَذَ بَيْعَتَهُم، وَكَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ: بَايَعَنِي إِلَى الآنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَعَجِّلْ، فَلَيْسَ دُوْنَ الكُوْفَةِ مَانِعٌ.
فَأَغذَّ السَّيْرَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى زبَالَةَ، فَجَاءتْ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيْهِ بِدِيوَانٍ فِيْهِ أَسْمَاءُ مائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ عَلَى الكُوْفَةِ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَخَافَ يَزِيْدُ أَنْ لاَ يُقْدِمَ النُّعْمَانُ عَلَى الحُسَيْنِ.
فَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ وَهُوَ عَلَى البَصْرَةِ، فَضَمَّ إِلَيْهِ الكُوْفَةَ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ لَكَ جَنَاحَانِ، فَطِرْ إِلَى الكُوْفَةِ!
فَبَادَرَ مُتَعَمِّماً مُتَنَكِّراً، وَمَرَّ فِي السُّوقِ، فَلَمَّا رَآهُ السَّفَلَةُ، اشتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ - يَظُنُّونَهُ الحُسَيْنَ - وَصَاحُوا: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! الحمدُ للهِ الَّذِي أَرَانَاكَ.
وَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ؛ فَقَالَ: مَا أَشدَّ مَا فَسَدَ هَؤُلاَءِ.
ثُمَّ دَخَلَ المسجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَكَشَفَ لِثَامَهُ، وَظَفِرَ بِرَسُوْلِ الحُسَيْنِ - وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ بُقْطرٍ - فَقَتَلَهُ.
وَقَدِمَ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ؛ شَرِيْكُ بنُ الأَعْوَرِ - شِيْعِيٌّ -؛ فَنَزَلَ عَلَى هَانِئ بنِ عُرْوَةَ، فَمَرِضَ، فَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ يَعُوْدُهُ، فَهَيَّؤُوا لِعُبَيْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ رَجُلاً لِيَغتَالُوْهُ، فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ.
وَفَهِمَ عُبَيْدُ اللهِ، فَوَثَبَ، وَخَرَجَ، فَنَمَّ عَلَيْهِم عَبْدٌ لِهَانِئ، فَبَعثَ إِلَى هَانِئ - وَهُوَ شَيْخٌ - فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تُجِيْرَ عَدُوِّي؟
قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، جَاءَ حَقٌّ هُوَ أَحَقُّ مِنْ حَقِّكَ.
فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بِالعَنَزَةِ حَتَّى غَرزَ رَأْسَهُ بِالحَائِطِ.
وَبَلغَ الخبَرُ مُسلِماً، فَخَرَجَ فِي نَحْوِ الأَرْبَعِ مائَةِ، فَمَا وَصَلَ القَصْرَ إِلاَّ فِي نَحْوِ السِّتِّيْنَ، وَغَربَتِ الشَّمْسُ، فَاقْتَتَلُوا، وَكَثُرَ عَلَيْهِم أَصْحَابُ عُبَيْدِ
اللهِ، وَجَاءَ اللَّيْلُ، فَهَرَبَ مُسْلِمٌ، فَاسْتَجَارَ بِامْرَأَةٍ مِنْ كِنْدَةَ، ثُمَّ جِيْءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَقَتَلَهُ؛ فَقَالَ: دَعْنِي أُوصِ.قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ سَعْدٍ: يَا هَذَا! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَلَيْسَ هُنَا قُرَشِيٌّ غَيرُكَ، وَهَذَا الحُسَيْنُ قَدْ أَظَلَّكَ، فَأَرسِلْ إِلَيْهِ لِيَنصَرِفْ، فَإِنَّ القَوْمَ قَدْ غَرُّوهُ، وَكَذَّبُوْهُ، وَعَلَيَّ دَيْنٌ، فَاقْضِهِ عَنِّي، وَوَارِ جُثَّتِي، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَبَعَثَ رَجُلاً عَلَى نَاقَةٍ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيَهُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَلِيٌّ الأَكْبَرُ: ارْجِعْ يَا أَبَه، فَإِنَّهُم أَهْلُ العِرَاقِ وَغَدْرُهُم وَقِلَّةُ وَفَائِهِم.
فَقَالَتْ بَنُو عَقِيْلٍ: لَيْسَ بِحِينِ رُجُوْعٍ.
وَحَرَّضُوهُ، فَقَالَ حُسَيْنٌ لأَصْحَابِهِ: قَدْ تَرَوْنَ مَا أَتَانَا، وَمَا أَرَى القَوْمَ إِلاَّ سَيَخْذُلُوْنَنَا، فَمَنْ أَحبَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَلْيَرْجِعْ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ قَوْمٌ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللهِ فَجَمعَ المُقَاتِلَةَ، وَبَذَلَ لَهُمُ المَالَ، وَجَهَّزَ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَأَبَى، وَكَرِهَ قِتَالَ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَسِرْ إِلَيْهِ لأَعْزِلَنَّكَ، وَلأَهْدِمَنَّ دَارَكَ، وَأَضْرِبَ عُنُقَكَ.
وَكَانَ الحُسَيْنُ فِي خَمْسِيْنَ رَجُلاً، مِنْهُم تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا هَؤُلاَءِ! دَعُوْنَا نَرجِعْ مِنْ حَيْثُ جِئْنَا.
قَالُوا: لاَ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللهِ، فَهَمَّ أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهُ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِي، وَمَا أَرَانِي إِلاَّ مُخْلٍ سَبِيلَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ.
فَقَالَ شِمْرٌ: إِنْ فَعَلْتَ، وَفَاتَكَ الرَّجُلُ، لاَ تَسْتَقِيلُهَا أَبَداً.
فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ:
الآنَ حَيْثُ تَعَلَّقَتْهُ حِبَالُنَا ... يَرْجُو النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ
فَنَاهَضَهُ، وَقَالَ لِشِمْرٍ: سِرْ، فَإِنْ قَاتَلَ عُمَرَ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَأَنْتَ عَلَى النَّاسِ.
وَضَبَطَ عُبَيْدُ اللهِ الجِسْرَ، فَمَنَعَ مَنْ يَجُوزُهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ نَاساً يَتَسلَّلُوْنَ إِلَى الحُسَيْنِ.
قَالَ: فَرَكِبَ العَسْكَرُ، وَحُسَيْنٌ جَالِسٌ، فَرَآهُم مُقَبِلِيْنَ، فَقَالَ لأَخِيْهِ عَبَّاسٍ: الْقَهُم فَسَلْهُم: مَا لَهُم؟فَسَأَلَهُم، قَالُوا: أَتَانَا كِتَابُ الأَمِيْرِ يَأْمُرُنَا أَنْ نَعرِضَ عَلَيْكَ النُّزَولَ عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ نُنَاجِزُكَ.
قَالَ: انْصَرِفُوا عَنَّا العَشِيَّةَ حَتَّى نَنظُرَ اللَّيْلَةَ.
فَانْصَرَفُوا، وَجَمَعَ حُسَيْنٌ أَصْحَابَهُ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَقَالَ: إِنِّيْ لاَ أَحْسِبُ القَوْمَ إِلاَّ مُقَاتِلِيكُم غَداً، وَقَدْ أَذِنتُ لَكُم جَمِيْعاً، فَأَنْتُم فِي حِلٍّ مِنِّي، وَهَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُم، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ، فَلْيَضُمَّ إِلَيْهِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَتَفَرَّقُوا فِي سَوَادِكُم، فَإِنَّهُم إِنَّمَا يَطْلبُوْنَنِي، فَإِذَا رَأَوْنِي، لَهَوْا عَنْ طَلَبِكُم.
فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: لاَ أَبْقَانَا اللهُ بَعْدَكَ، وَاللهِ لاَ نُفَارِقُكَ.
وَقَالَ أَصْحَابُهُ كَذَلِكَ.
-الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي الجَحَّافِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْناً، قَالَ: لاَ يُقَاتِلْ مَعِيَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ -.
رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ:
فَلَمَّا أَصْبَحُوا، قَالَ الحُسَيْنُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ فِيمَا نَزَلَ بِي ثِقَةٌ، وَأَنْت وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ.
وَقَالَ لِعُمَرَ وَجُنْدِهِ: لاَ تَعْجَلُوا، وَاللهِ مَا أَتيتُكُم حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُ أَمَاثِلِكُم بِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ أُمِيتَتْ، وَالنِّفَاقَ قَدْ نَجَمَ، وَالحُدُوْدَ قَدْ عُطِّلَتْ؛ فَاقْدَمْ، لَعَلَّ اللهَ يُصلِحُ بِكَ الأُمَّةَ.
فَأَتَيْتُ؛ فَإِذْ كَرِهتُم ذَلِكَ، فَأَنَا رَاجِعٌ، فَارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُم؛ هَلْ يَصلُحُ لَكُم قَتْلِي، أَوْ يَحِلُّ دَمِي؟ أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُم وَابْنَ ابْنِ عَمِّهِ؟ أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ وَالعَبَّاسُ وَجَعْفَرٌ عُمُوْمَتِي؟ أَلَمْ يَبلُغْكُم قَوْلُ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيَّ وَفِي أَخِي: (هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ) ؟فَقَالَ شِمْرٌ: هُوَ يَعَبْدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ إِنْ كَانَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَ أَمرُكَ إِلَيَّ، لأَجَبْتُ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا عُمَرُ! لَيَكُوْنَنَّ لِمَا تَرَى يَوْمٌ يَسُوؤُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ غَرُّوْنِي، وَخَدَعُوْنِي، وَصَنَعُوا بِأَخِي مَا صَنَعُوا، اللَّهُمَّ شَتِّتْ عَلَيْهِم أَمْرَهُم، وَأَحْصِهِمْ عَدَداً.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَاتَلَ مَوْلَىً لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَبَرَزَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ تَمِيْمٍ الكَلْبِيُّ، فَقَتَلَهُ، وَالحُسَيْنُ جَالِسٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاءُ، وَالنَّبْلُ يَقعُ حَوْلَهُ، فَوَقَعَتْ نَبْلَةٌ فِي وَلدٍ لَهُ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَلَبِسَ لأْمَتَهُ، وَقَاتَلَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، حَتَّى قُتِلُوا جَمِيْعاً، وَحَمَلَ وَلدُهُ عَلِيٌّ يَرْتَجِزُ:
أَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيّ ... نَحْنُ وَبَيْتِ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِيّ
فَجَاءتْهُ طَعنَةٌ، وَعَطِشَ حُسَيْنٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِمَاءٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَرمَاهُ حُصَيْنُ بنُ تَمِيْمٍ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي فِيْهِ، فَجَعَلَ يَتَلقَّى الدَّمَ بِيَدِهِ وَيَحْمَدُ اللهَ.
وَتَوجَّهَ نَحْوَ المُسَنَّاةِ يُرِيْدُ الفُرَاتَ، فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، وَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَأَثبتَهُ فِي حَنَكِهِ، وَبَقِيَ عَامَّةَ يَوْمِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، حَتَّى أَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَهُوَ رَابطُ الجَأْشِ، يُقَاتِلُ قِتَالَ الفَارِسِ الشُّجَاعِ، إِنْ كَانَ لَيَشُدُّ عَلَيْهِم، فَيَنكَشِفُوْنَ عَنْهُ انكِشَافَ المِعْزَى شَدَّ فِيْهَا الأَسَدُ، حَتَّى صَاحَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكلتْكُم أُمَّهَاتُكُم! مَاذَا تَنْتَظرُونَ بِهِ؟
فَانْتَهَى إِلَيْهِ زُرْعَةُ التَّمِيْمِيُّ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ، وَضرَبَهُ الحُسَيْنُ عَلَى عَاتقِهِ، فَصَرَعَهُ، وَبرَزَ سِنَانٌ النَّخَعِيُّ، فَطعَنَهُ فِي ترقُوتِهِ وَفِي صَدْرِهِ، فَخَرَّ، ثُمَّ نَزَلَ لِيَحتَزَّ رَأْسَهُ، وَنَزَلَ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ، فَاحتَزَّ رَأْسَهُ، وَأَتَى بِهِ عُبَيْدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئاً.
قَالَ: وَوُجِدَ بِالحُسَيْنِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ جِرَاحَةً، وَقُتِلَ مِنْ جَيْشِ عُمَرَ بنِ
سَعْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُوْنَ نَفْساً.قَالَ: وَلَمْ يَفْلِتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الحُسَيْنِ سِوَى وَلَدِهِ عَلِيٍّ الأَصْغَرِ - فَالحُسَيْنِيَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - كَانَ مَرِيضاً.
وَحَسَنُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ، وَأَخُوْهُ عَمْرٌو، وَلاَ عَقِبَ لَهُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ، فَقَدِمَ بِهِم وَبِزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ بِنْتَيْ عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتَيِ الحُسَيْنِ، وَزَوْجَتِهِ الرَّبَابِ الكَلْبِيَّةِ وَالِدَةِ سُكَيْنَةَ، وَأُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لَهُم.
قَالَ: وَأُخِذَ ثَقَلُ الحُسَيْنِ، وَأَخَذَ رَجُلٌ حُلِيَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، وَبَكَى؛ فَقَالَتْ: لِمَ تَبْكِي؟
فَقَالَ: أَأَسْلُبُ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ أَبْكِي؟
قَالَتْ: فَدَعْهُ.
قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرِي.
وَأَقْبَلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: مَا رَجَعَ رَجُلٌ إِلَى أَهْلِهِ بِشَرٍّ مِمَّا رَجَعْتُ بِهِ، أَطَعْتُ ابْنَ زِيَادٍ، وَعَصَيْتُ اللهَ، وَقَطَعْتُ الرَّحِمَ.
وَوَردَ البَشِيْرُ عَلَى يَزِيْدَ؛ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ، دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَتِكُم بِدُوْنِ قَتْلِ الحُسَيْنِ.
وَقَالَتْ سُكَيْنَةُ: يَا يَزِيْدُ؛ أَبَنَاتُ رَسُوْلِ اللهِ سَبَايَا؟
قَالَ: يَا بِنْتَ أَخِي! هُوَ -وَاللهِ - عَلَيَّ أَشدُّ مِنْهُ عَلَيْكِ، أَقْسَمْتُ وَلَوْ أَنَّ بَيْنَ ابْنِ زِيَادٍ وَبَيْنَ حُسَيْنٍ قَرَابَةٌ مَا أَقدَمَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبينَهُ سُمَيَّةُ، فَرَحِمَ اللهُ حُسَيْناً، عَجَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ، أَمَا وَاللهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ، ثُمَّ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ القَتْلِ عَنْهُ إِلاَّ بِنَقْصِ بَعْضِ عُمُرِي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَدْفعَهُ عَنْهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنْ أُتِيتُ بِهِ سلماً.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: أَبُوْكَ قَطَعَ رَحِمِي، وَنَازَعَنِي سُلطَانِي.
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ سِبَاءهُم لَنَا حَلاَلٌ.
قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ، إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا.
فَأَطْرَقَ يَزِيْدُ، وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ، فَأُدْخِلْنَ عَلَى نِسَائِهِ، وَأَمَرَ
نِسَاءَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَقَمْنَ المَأْتَمَ عَلَى الحُسَيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:وَبَكَتْ أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ، فَقَالَ يَزِيْدُ وَهُوَ زَوْجُهَا: حُقَّ لَهَا أَنْ تُعْوِلَ عَلَى كَبِيْرِ قُرَيْشٍ وَسيِّدِهَا.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنِ الزُّبَيْرِ بن الخِرِّيْتِ، سَمِعَ الفَرَزْدَقَ يَقُوْلُ:
لَقِيتُ الحُسَيْنَ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَقَالَ: مَا تَرَى أَهْلَ الكُوْفَةِ صَانِعِيْنَ مَعِي؟ فَإِنَّ مَعِي حِمْلاً مِنْ كُتُبِهِم؟
قُلْتُ: يَخذُلُوْنَكَ، فَلاَ تَذْهَبْ.
وَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَذكُرُ لَهُ خُروجَ الحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ:
نَحسِبُ أَنَّهُ جَاءهُ رِجَالٌ مِنَ المَشْرِقِ، فَمَنَّوْهُ الخِلاَفَةَ، وَعِنْدَكَ مِنْهُم خَبَرُهُ، فَإِنْ فَعلَ، فَقَدْ قَطَعَ القَرَابَةَ وَالرَّحِمَ، وَأَنْتَ كَبِيْرُ أَهْلِ بَيْتِكَ وَالمَنظُورُ إِلَيْهِ، فَاكْفُفْهُ عَنِ السَّعِيِ فِي الفُرْقَةِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ خُروجُهُ لأَمرٍ تَكرَهُ، وَلَسْتُ أَدَعُ النَّصيحَةَ لَهُ.
وَبَعَثَ حُسَيْنٌ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلحِقَ بِهِ مَنْ خَفَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ وَهُم تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، وَنِسَاءٌ، وَصِبيَانُ، وَتَبِعَهُم أَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، فَأَدْرَكَهُ بِمَكَّةَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الخُرُوجَ يَوْمَهُ هَذَا لَيْسَ بِرَأْيٍ، فَأَبَى، فَمَنَعَ مُحَمَّدٌ وَلَدَهُ، فَوجَدَ عَلَيْهِ الحُسَيْنُ، وَقَالَ: تَرغَبُ بوَلَدِكَ عَنْ مَوْضِعٍ أُصَابُ فِيْهِ.
وَبَعَثَ أَهْلُ العِرَاقِ رُسُلاً وَكُتُباً إِلَيْهِ، فَسَارَ فِي آلِهِ، وَفِي سِتِّيْنَ شَيْخاً مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ.
فَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الحُسَيْنَ قَدْ تَوجَّهَ إِلَيْكَ، وَتَاللهِ مَا أَحَدٌ يُسلِمهُ اللهُ أَحبُّ إِلَيْنَا مِنَ الحُسَيْنِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَهِيْجَ عَلَى نَفْسِكَ مَا لاَ يَسُدُّه شَيْءٌ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ الأَشْدَقُ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَقَدْ تَوجَّهَ إِلَيْك الحُسَيْنُ، وَفِي مِثْلِهَا تُعتَقُ أَوْ تُستَرَقُّ.الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
خَرَجَ الحُسَيْنُ، فَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ نَائِبِهِ : إِنَّ حُسَيْناً صَائِرٌ إِلَى الكُوْفَةِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ زَمَانُكَ مِنْ بَيْنِ الأَزْمَانِ، وَبَلَدُكَ مِنْ بَيْنِ البُلدَانِ، وَأَنْتَ مِنْ بَيْنِ العُمَّالِ، وَعِنْدَهَا تُعتَقُ، أَوْ تَعُوْدُ عَبْداً.
فَقَتَلَهُ ابْنُ زِيَادٍ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي أَعْرَابِيٌّ يُقَالَ لَهُ: بُجَيْرٌ مِنْ أَهْلِ الثَّعْلَبِيَّة لَهُ مائَةٌ وَسِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ:
مَرَّ الحُسَيْنُ وَأَنَا غُلاَمٌ، وَكَانَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ أَخِي: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ! أَرَاكَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَ بِالسَّوْطِ - وَأَشَارَ إِلَى حَقِيبَةِ الرَّحْلِ -: هَذِهِ خَلْفِي مَمْلُوْءةٌ كُتُباً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ:
كُنْتُ فِي الجَيْشِ الَّذِيْنَ جَهَّزَهُم عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ إِلَى الحُسَيْنِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ يُرِيْدُوْنَ الدَّيْلَمَ، فَصَرَفَهُم عُبَيْدُ اللهِ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيْتُهُ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ.
وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ.
قَالَ شِهَابٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ زَيْدَ بنَ عَلِيٍّ، فَأَعْجَبَهُ؛ وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ يَزِيْدَ الرِّشْكِ، قَالَ:
حدَّثَنِي مَنْ شَافَهَ الحُسَيْنَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبْنِيَةً مَضْرُوْبَةً لِلْحُسَيْنِ، فَأَتَيْتُ، فَإِذَا شَيْخٌ يَقرَأُ القُرْآنَ، وَالدُّمُوعُ تَسِيْلُ عَلَى خَدَّيْهِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! مَا أَنْزَلَكَ
هَذِهِ البلاَدَ وَالفَلاَةَ؟قَالَ: هَذِهِ كُتُبُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيَّ، وَلاَ أَرَاهُم إِلاَّ قَاتلِيَّ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، لَمْ يَدَعُوا للهِ حُرمَةً إِلاَّ انْتَهَكُوهَا، فَيُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِم مَنْ يُذِلُّهُم حَتَّى يَكُوْنُوا أَذلَّ مِنْ فَرَمِ الأَمَةِ - يَعْنِي: مَقنعَتهَا -.
المَدَائِنِيُّ: عَنِ الحَسَنِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ:
قَالَ الحُسَيْنُ: وَاللهِ لَيُعْتَدَيَنَّ عَلَيَّ كَمَا اعْتَدَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ فِي السَّبتِ.
أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ المَصِّيْصِيُّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ القَسْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ:
قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: حَدِّثْنِي بِقَتْلِ الحُسَيْنِ.
فَقَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ، فَأَرْسَلَ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ وَالِي المَدِيْنَةِ إِلَى الحُسَيْنِ لِيُبَايِعَ، فَقَالَ: أَخِّرْنِي.
وَرَفَقَ بِهِ، فَأَخَّرهُ، فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَتَاهُ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، وَعَلَيْهَا النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَبَعثَ الحُسَيْنُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بنَ عَقِيْلٍ: أَنْ سِرْ، فَانظُرْ مَا كَتَبُوا بِهِ.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ دَليلَيْنِ وَسَارَ، فَعطِشُوا فِي البَرِّيَّةِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا.
وَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الحُسَيْنِ يَسْتَعْفِيهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: امْضِ إِلَى الكُوْفَةِ.
وَلَمْ يُعْفِهِ، فَقَدِمَهَا، فَنَزَلَ عَلَى عَوْسَجَةٍ، فَدَبَّ إِلَيْهِ أَهْلُ الكُوْفَةِ، فَبَايَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً.
فَقَامَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمٍ؛ فَقَالَ لِلنُّعْمَانِ: إِنَّكَ لَضَعِيْفٌ!
قَالَ: لأَنْ أَكُوْنَ ضَعيفاً أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنُ قَوِيّاً فِي مَعصِيَةِ اللهِ، وَمَا كُنْتُ لأَهْتِكَ سِتراً سَتَرَهُ اللهُ.
وَكَتَبَ بِقَوْلِهِ إِلَى يَزِيْدَ، وَكَانَ يَزِيْدُ سَاخِطاً عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِرِضَاهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ وَلاَّهُ الكُوْفَةَ مُضَافاً إِلَى البَصْرَةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقتُلَ مُسْلِماً.
فَأَسرعَ عُبَيْدُ اللهِ فِي وُجُوهِ أَهْلِ البَصْرَةِ إِلَى الكُوْفَةِ مُتَلَثِّماً، فَلاَ يَمرُّ بِمَجْلِسٍ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم إِلاَّ قَالُوا: وَعَلَيْكَ
السَّلاَمُ يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ - يَظنُّونَهُ الحُسَيْنَ -.فَنَزَلَ القَصْرَ؛ ثُمَّ دَعَا مَوْلَىً لَهُ، فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اذهَبْ حَتَّى تَسْأَلَ عَنِ الَّذِي يُبَايِعُ أَهْلَ الكُوْفَةِ، فَقُلْ: أَنَا غَرِيْبٌ، جِئْتُ بِهَذَا المَالِ يَتَقْوَّى بِهِ.
فَخَرَجَ، وَتَلَطَّفَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى شَيْخٍ يَلِي البَيْعَةَ، فَأَدخلَهُ عَلَى مُسْلِمٍ، وَأَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ، وَبَايَعَهُ، وَرَجَعَ، فَأَخْبَرَ عُبَيْدَ اللهِ.
وَتَحوَّلَ مُسْلِمٌ إِلَى دَارِ هَانِئ بنِ عُرْوَةَ المُرَادِيِّ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: مَا بَالُ هَانِئ لَمْ يَأْتِنَا؟
فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ، وَغَيرُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ ذَكَرَكَ.
فَرَكِبَ مَعَهُم، وَأَتَاهُ وَعِنْدَهُ شُرَيْحٌ القَاضِي، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَتَتْكَ بِحَائِنٍ رِجْلاَهُ.
فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: يَا هَانِئُ! أَيْنَ مُسْلِمٌ؟
قَالَ: مَا أَدْرِي.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّرَاهمِ، فَلَمَّا رَآهُ، قَطَعَ بِهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! وَاللهِ مَا دَعَوتُهُ إِلَى مَنْزلِي، وَلَكِنَّهُ جَاءَ، فَرَمَى نَفْسَهُ عَلَيَّ.
قَالَ: ائْتِنِي بِهِ.
قَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمَيَّ، مَا رَفَعْتُهُمَا عَنْهُ.
فَضَرَبَهُ بِعَصاً، فَشَجَّهُ، فَأَهْوَى هَانِئٌ إِلَى سَيْفِ شُرَطِيٍّ يَسْتَلُّهُ، فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: قَدْ حَلَّ دَمُكَ.
وَسَجَنَهُ، فطَارَ الخَبرُ إِلَى مَذْحِجٍ، فَإِذَا عَلَى بَابِ القَصْرِ جَلَبَةٌ، وَبلغَ مُسلِماً الخبرُ، فَنَادَى بِشعَارِهِ، فَاجتَمَعَ إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، فَعَبَّأَهُم، وَقَصَدَ القَصْرَ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ إِلَى وُجُوهِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَجَمَعَهُم عِنْدَهُ، وَأَمَرَهُم، فَأَشْرَفُوا مِنَ القَصْرِ عَلَى عَشَائِرِهِم، فَجَعَلُوا يُكلِّمُونَهُم، فَجَعَلُوا يَتَسلَّلُوْنَ حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ لِيُسرِعَ، فَلَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ، ذهبَ أُوْلَئِكَ، حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ وَحدَهُ يَتردَّدُ فِي الطُّرُقِ.
فَأَتَى بَيْتاً! فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: اسْقِنِي.
فَسَقَتْهُ، ثُمَّ دَخَلَتْ، وَمَكَثَتْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ خَرَجَتْ، فَإِذَا بِهِ عَلَى البَابِ، فَقَالَتْ: يَا هَذَا، إِنَّ مَجْلِسَكَ مَجْلِسُ رِيْبَةٍ،
فَقُمْ.فَقَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بنُ عَقِيْلٍ، فَهَلْ مَأْوَىً؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
فَأَدَخَلَتْهُ، وَكَانَ ابْنُهَا مَوْلَىً لِمُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ، فَانْطَلقَ إِلَى مَوْلاَهُ، فَأَعلَمَهُ، فَبَعثَ عُبَيْدُ اللهِ الشُّرَطَ إِلَى مُسْلِمٍ، فَخَرَجَ، وَسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَاتَلَ، فَأَعْطَاهُ ابْنُ الأَشْعَثِ أَمَاناً، فَسَلَّمَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَضَربَ عُنُقَهُ، وَأَلقَاهُ إِلَى النَّاسِ، وَقَتَلَ هَانِئاً، فَقَالَ الشَّاعِرُ :
فَإِنْ كُنْتِ لاَ تَدْرِينَ مَا المَوْتُ فَانْظُرِي ... إِلَى هَانِئ فِي السُّوقِ وَابْنِ عَقِيْلِ
أَصَابَهُمَا أَمْرُ الأَمِيْرِ فَأَصْبَحَا ... أَحَادِيْثَ مَنْ يَسْعَى بِكُلِّ سَبِيلِ
أَيَرْكَبُ أَسْمَاءُ الهَمَالَيجَ آمِناً ... وَقَدْ طَلَبَتْهُ مَذْحِجٌ بِقَتِيْلِ
يَعنِي: أَسْمَاءَ بنَ خَارِجَةَ.
قَالَ: وَأَقبلَ حُسَيْنٌ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى سَاعَةٍ مِنَ القَادِسِيَّةِ، لَقيَهُ رَجُلٌ؛ فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: ارْجِعْ، لَمْ أَدَعْ لَكَ وَرَائِي خَيْراً.
فَهَمَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ إِخوَةُ مُسْلِمٍ: وَاللهِ لاَ نَرجِعُ حَتَّى نَأْخُذَ بِالثَّأْرِ، أَوْ نُقتَلَ.
فَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِي الحَيَاةِ بَعْدَكُم.
وَسَارَ، فَلَقِيَتْهُ خَيلُ عُبَيْدِ اللهِ، فَعَدَلَ إِلَى كَرْبَلاَءَ، وَأَسندَ ظَهْرَهُ إِلَى قُصَمْيَا حَتَّى لاَ يُقَاتَلَ إِلاَّ مِنْ وَجهٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ مَعَهُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ فَارِساً، وَنَحْوٌ مِنْ مائَةِ رَاجِلٍ.
وَجَاءَ عُمَرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ - وَقَدْ وَلاَّهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ عَلَى العَسْكَرِ - وَطلبَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ أَنْ يَعْفِيَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبَى.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: اخْتَارُوا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَدَعُوْنِي، فَأَلْحَقَ بِالثُّغُوْرِ؛ وَإِمَّا أَنْ أَذهَبَ إِلَى يَزِيْدَ، أَوْ أُرَدَّ إِلَى المَدِيْنَةِ.
فَقَبِلَ عُمَرُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: لاَ وَاللهِ!
وَقَاتَلَ، فَقُتِلَ أَصْحَابُهُ، مِنْهُم بِضْعَةَ عَشَرَ شَابّاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
قَالَ: وَيَجِيْءُ سَهْمٌ، فَيَقَعُ بِابْنٍ لَهُ صَغِيْرٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْهُ، وَيَقُوْلُ:اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا، دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا، ثُمَّ يَقْتُلُوْنَنَا.
ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مَذْحِجِيٌّ، وَحَزَّ رَأْسَهُ، وَمَضَى بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ:
أَوْقِرْ رِكَابِي ذَهَبَا ... فَقَدْ قَتَلْتُ المَلِكَ المُحَجَّبَا
قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمّاً وَأَبَا...
فَوفَدَهُ إِلَى يَزِيْدَ وَمَعَهُ الرَّأْسُ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ؛ فَجَعَلَ يَزِيْدُ يَنكُتُ بِالقَضِيْبِ عَلَى فِيْهِ، وَيَقُوْلُ :
نُفَلِّقُ هَاماً مِنْ أُنَاسٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُم كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
كَذَا قَالَ أَبُو بَرْزَةَ.
وَإِنَّمَا المَحْفُوظُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ.
قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: ارْفَعْ قَضِيبَكَ؛ لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاهُ عَلَى فِيْهِ.
قَالَ: وَسَرَّحَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِحَرِيْمِهِ وَعِيَالِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ.
وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُم إِلاَّ غُلاَمٌ كَانَ مَرِيضاً مَعَ النِّسَاءِ، فَأَمَرَ بِهِ عُبَيْدُ اللهِ لِيُقْتَلَ، فَطَرَحَتْ عَمَّتُهُ زَيْنَبُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: لاَ يُقتَلُ حَتَّى تَقْتُلُوْنِي.
فَرَقَّ لَهَا، وَجَهَّزَهُم إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى يَزِيْدَ، جَمَعَ مَنْ كَانَ بِحَضَرتِهِ، وَهَنَّؤُوهُ؛ فَقَامَ رَجُلٌ
أَحْمَرُ أَزرقُ، وَنَظَرَ إِلَى صَبِيَّةٍ مِنْهُم، فَقَالَ: هَبْهَا لِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.فَقَالَتْ زَيْنَبُ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ لَكَ إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دِيْنِ اللهِ.
فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: كُفَّ.
ثُمَّ أَدخَلَهُم إِلَى عِيَالِهِ، فَجَهَّزَهُم، وَحَمَلَهُم إِلَى المَدِيْنَةِ.
إِلَى هُنَا عَنْ: أَحْمَدَ بنِ جَنَابٍ.
الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ:
لَمَّا نَزلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِالحُسَيْنِ، خَطبَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: قَدْ نَزلَ بِنَا مَا تَرَوْنَ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتُمْرِئَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَإِلاَّ خَسِيسُ عَيْشٍ كَالمَرْعَى الوَبِيْلِ، أَلاَ تَرَوْنَ الحَقَّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَالبَاطِلَ لاَ يُتنَاهَى عَنْهُ؟ لِيَرْغَبَ المُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللهِ، إِنِّيْ لاَ أَرَى المَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً، وَالحيَاةَ مَعَ الظَّالِمِيَنَ إِلاَّ نَدَماً.
خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ:
أَنَّ الحُسَيْنَ لَمَّا أَرهَقَهُ السِّلاَحُ، قَالَ: أَلاَ تَقْبَلُوْنَ مِنِّي مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ؟ كَانَ إِذَا جَنَحَ أَحَدُهُم، قَبِلَ مِنْهُ.
قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَدَعُوْنِي أَرجِعُ.
قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَدَعُوْنِي آتِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَأَخَذَ لَهُ رَجُلٌ السِّلاَحَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ بِالنَّارِ.
فَقَالَ: بَلْ - إِنْ شَاءَ اللهُ - بِرَحْمَةِ رَبِّي، وَشَفَاعَةِ نَبِيِّي.
فَقُتِلَ، وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ زِيَادٍ، فَنَكتَهُ بِقَضِيْبِهِ، وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ غُلاَماً صَبِيْحاً.
ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُم قَاتِلُهُ؟
فَقَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ:
وَمَا قَالَ لَكَ؟ ... ، فَأَعَادَ الحَدِيْثَ.قَالَ: فَاسوَدَّ وَجهُهُ.
أَبُو مَعْشَرٍ: عَنْ رِجَالِهِ، قَالَ:
قَالَ الحُسَيْنُ حِيْنَ نَزَلُوا كَرْبَلاَءَ: مَا اسمُ هَذِهِ الأَرْضِ؟
قَالُوا: كَرْبَلاَءَ.
قَالَ: كَرْبٌ وَبَلاَءٌ.
وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ لِحَرْبِهِ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ! اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَتْرُكَنِي أَرجِعُ، أَوْ فَسَيِّرْنِي إِلَى يَزِيْدَ، فَأَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَسَيِّرْنِي إِلَى التُّركِ، فَأُجَاهِدَ حَتَّى أَمُوْتَ.
فَبَعثَ بِذَلِكَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَهَمَّ أَنْ يُسَيِّرَهُ إِلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ لَهُ شِمْرُ بنُ ذِي الجَوْشِنِ: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكمِكَ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَقَالَ الحُسَيْنُ: وَاللهِ لاَ أَفعَلُ.
وَأَبطَأَ عُمَرُ عَنْ قِتَالِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ شِمْرَ بنَ ذِي الجَوْشِنِ، فَقَالَ: إِنْ قَاتَلَ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَكُنْ مَكَانَهُ.
وَكَانَ مِنْ جُندِ عُمَرَ ثَلاَثُونَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَقَالُوا: يَعرِضُ عَلَيْكُم ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلاَثَ خِصَالٍ فَلاَ تَقْبَلُوْنَ وَاحِدَةً! وَتَحوَّلُوا إِلَى الحُسَيْنِ، فَقَاتَلُوا.
عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ: عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ مَقْتَلَ الحُسَيْنِ، فحَدَّثَنِي سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ برُودٌ، رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ: عَمْرُو بنُ خَالِدٍ الطُّهَوِيُّ بِسَهْمٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى السَّهْمِ فِي جَنْبِهِ.
هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
رَمَى زُرْعَةُ الحُسَيْنَ بِسَهمٍ، فَأَصَابَ حَنَكَهُ، فَجَعلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ، ثُمَّ يَقُوْلُ هَكَذَا إِلَى السَّمَاءِ.
وَدَعَا بِمَاءٍ لِيَشْرَبَ، فَلَمَّا رَمَاهُ، حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ظَمِّهِ.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي مِنْ شَهِدَهُ وَهُوَ يَمُوتُ، وَهُوَ يَصِيحُ مِنَ الحَرِّ فِي بَطْنِهِ وَالبَرْدِ فِي ظَهْرِهِ، وَبَيْنَ
يَدَيْهِ المَرَاوِحُ وَالثَّلجُ وَهُوَ يَقُوْلُ: اسْقُونِي أَهْلَكَنِي العَطَشُ، فَانْقَدَّ بَطْنُهُ.الكَلْبِيُّ: رَافِضِيٌّ، مُتَّهَمٌ.
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: أَقْبَلَ مَعَ الحُسَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلاَّ عَلَى الحُسَيْنِ.
عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ عِيْسَى بنِ الحَارِثِ الكِنْدِيِّ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، مَكَثْنَا أَيَّاماً سَبْعَةً، إِذَا صَلَّينَا العَصرَ، فَنَظَرْنَا إِلَى الشَّمْسِ عَلَى أَطرَافِ الحِيطَانِ كَأَنَّهَا المَلاَحِفُ المُعَصْفَرَةُ، وَنَظَرْنَا إِلَى الكَوَاكبِ يَضرِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُدْرِكٍ، عَنْ جَدِّهِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
احْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ بَعْدَ قَتْلِ الحُسَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ تُرَى كَالدَّمِ.
هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
تَعْلَمُ هَذِهِ الحُمْرَةُ فِي الأُفُقِ مِمَّ؟ هُوَ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ الحُسَيْنِ.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
حَدَّثَتْنَا أُمُّ سُوْقٍ العَبْديَّةُ؛ قَالَتْ:
حدَّثَتْنِي نَضْرَةُ الأَزْدِيَّةُ، قَالَتْ:
لَمَّا أَنْ قُتِلَ الحُسَيْنُ، مَطَرِتِ السَّمَاءُ مَاءً، فَأَصْبَحْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَنَا مَلآنُ دَماً.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ: حَدَّثَتْنِي خَالتِي، قَالَتْ:
لَمَّا قُتلَ الحُسَيْنُ، مُطِرْنَا مَطَراً كَالدَّمِ.
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ:قُتِلَ الحُسَيْنُ وَلِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَصَارَ الوَرسُ الَّذِي كَانَ فِي عَسْكَرِهِم رَمَاداً، وَاحْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ، وَنَحَرُوا نَاقَةً فِي عَسكَرِهِم، فَكَانُوا يَرَوْنَ فِي لَحْمِهَا النِّيرَانَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، قَالَتْ:
لَقَدْ رَأَيْتُ الوَرسَ عَادَ رَمَاداً، وَلَقَدْ رَأَيْتُ اللَّحمَ كَأَنَّ فِيْهِ النَّارَ حيَنَ قُتِلَ الحُسَيْنُ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي جَمِيْلُ بنُ مُرَّةَ، قَالَ:
أَصَابُوا إِبِلاً فِي عَسكَرِ الحُسَيْنِ يَوْمَ قُتِلَ، فَطَبَخُوا مِنْهَا، فَصَارَتْ كَالعَلْقَمِ.
قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العُطَارِدِيَّ، قَالَ:
كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا الفَاسِقَ ابْنَ الفَاسِقِ قَتَلَهُ اللهُ -يَعْنِي: الحُسَيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
فَرَمَاهُ اللهُ بِكَوْكَبَيْنِ مِنَ السَّمَاءِ، فَطُمِسَ بَصَرُهُ.
قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ الحَلَبِيُّ: قَالَ السُّدِّيُّ:
أَتيتُ كَرْبَلاَءَ تَاجِراً، فَعَمِلَ لَنَا شَيْخٌ مِنْ طَيٍّ طَعَاماً، فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَهُ، فَذَكَرْنَا قَتْلَ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: مَا شَارَكَ أَحَدٌ فِي قَتْلِهِ إِلاَّ مَاتَ مِيْتَةَ سُوءٍ.
فَقَالَ: مَا أَكْذَبَكُم، أَنَا مِمَّنْ شَرَكَ فِي ذَلِكَ.
فَلَمْ نَبْرحْ حَتَّى دَنَا مِنَ السِّرَاجِ وَهُوَ يَتَّقِدُ بِنَفْطٍ، فَذَهَبَ يُخرِجُ الفَتِيْلَةَ بِأُصبُعِهِ، فَأَخَذَتِ النَّارُ فِيْهَا، فَذَهَبَ يُطفِئُهَا بِرِيقِهِ، فَعَلِقَتِ النَّارُ فِي لِحْيتِهِ، فَعَدَا، فَأَلقَى نَفْسَهُ فِي المَاءِ، فَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ حُمَمَةً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حدَّثَتْنِي جدَّتِي أُمُّ أَبِي، قَالَتْ:أَدْرَكتُ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ الحُسَيْنِ؛ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا؛ فَطَالَ ذَكَرُهُ حَتَّى كَانَ يَلُفُّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ؛ فَكَانَ يَسْتَقبِلُ الرَّاوِيَةَ، فَيَشْرَبُهَا كُلَّهَا.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ:
أَوَّلُ مَا عُرِفَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي مَجْلِسِ الوَلِيْدِ؛ فَقَالَ الوَلِيْدُ: أَيُّكُم يَعْلَمُ مَا فَعَلَتْ أَحْجَارُ بَيْتِ المَقْدِسِ يَوْمَ قَتْلِ الحُسَيْنِ؟
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيْطٌ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، جِيْءَ بِرَأْسِهِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ لَحَسَنَ الثَّغْرِ.
فَقُلْتُ: أَمَا -وَاللهِ - لأَسُوءنَّكَ.
فَقُلْتُ: لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقبِّلُ مَوْضِعَ قَضِيبِكَ مِنْ فِيْهِ.
الحَاكِمُ فِي (الكُنَى) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي شَدَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ:
سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ وَقَدْ جِيْءَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَلعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَغضِبَ وَاثِلَةَ، وَقَامَ، وَقَالَ:
وَاللهِ لاَ أَزَالُ أُحِبُّ عَلِيّاً وَوَلَدَيْهِ بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَلْقَى عَلَى فَاطِمَةَ وَابْنَيْهَا وَزَوْجِهَا كِسَاءً خَيْبَرِيّاً، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيْراً} [الأَحْزَابُ: 33] .سُلَيْمَانُ: ضَعَّفُوهُ، وَالحَنَفِيُّ: مُتَّهَمٌ.
وَيُرْوَى عَنْ: أَبِي دَاوُدَ السَّبِيْعِيِّ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ، فَأُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَأَخَذَ قَضِيباً، فَجَعَلَ يَفْتَرُّ بِهِ عَنْ شَفَتَيْهِ، فَلَمْ أَرَ ثَغْراً كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ كَأَنَّهُ الدُّرُّ، فَلَمْ أَمْلِكْ أَنْ رَفَعْتُ صَوْتِي بِالبُكَاءِ.
فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟
قُلْتُ: يُبكِيْنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَيْتُهُ يَمُصُّ مَوْضِعَ هَذَا القَضِيبِ، وَيَلثُمُهُ، وَيَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّومِ نِصْفَ النَّهَارِ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، وَبِيَدِهِ قَارُوْرَةٌ فِيْهَا دَمٌ.
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا هَذَا؟
قَالَ: (هَذَا دَمُ الحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ أَزَلْ مُنْذُ اليَوْمَ أَلتَقِطُهُ) .
فَأُحصِيَ ذَلِكَ اليَوْمُ، فَوَجَدُوْهُ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ.
ابْنُ سَعْدٍ: عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَالمَدَائِنِيِّ، عَنْ رِجَالِهِمَا:
أَنَّ مُحفزَ بنَ ثَعْلَبَةَ العَائِذِيَّ قَدِمَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَتَيتُكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ بِرَأْسِ أَحْمَقِ النَّاسِ وَأَلأَمِهِم.
فَقَالَ يَزِيْدُ: مَا وَلدَتْ أُمُّ مُحفزٍ أَحْمَقُ وَأَلأَمُ؛ لَكِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَتَدَبَّرْ كَلاَمَ اللهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آلُ عِمْرَانَ: 26] .
ثُمَّ بَعَثَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ إِلَى مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ،
فَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ عِنْدَ أُمِّهِ.وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَائِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَيَّةَ الكَلاَعِيَّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا كَرِبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِيْمَنْ تَوثَّبَ عَلَى الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ بِدِمَشْقَ، فَأَخذْتُ سَفَطاً، وَقُلْتُ: فِيْهِ غَنَائِي، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَخَرَجتُ بِهِ مِنْ بَابِ تُوْمَا.
قَالَ: فَفَتَحْتُهُ، فَإِذَا فِيْهِ رَأْسٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ: هَذَا رَأْسُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، فَحَفَرْتُ لَهُ بِسَيْفِي، فَدَفَنْتُهُ.
أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: حَدَّثَنَا رَزِيْنٌ، حدَّثَتْنِي سَلْمَى، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي؛ قُلْتُ: مَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَنَامِ، وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (شَهِدْتُ قَتْلَ الحُسَيْنِ آنِفاً ) .
رَزِيْنٌ: هُوَ ابْنُ حَبِيْبٍ، وَثَّقهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ؛ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ:
سَمِعْتُ الجِنَّ يَبكِيْنَ عَلَى حُسَيْنٍ، وَتَنُوحُ عَلَيْهِ.
سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ:
أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ سَمِعَتْ نَوْحَ الجِنِّ عَلَى الحُسَيْنِ.
عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ الكَلْبِيِّ، قَالَ:
أَتيْتُ كَرْبَلاَءَ، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ العَربِ: بَلَغَنِي أَنَّكُم تَسْمَعُوْنَ نَوْحَ الجِنِّ!
قَالَ: مَا تَلْقَى حُرّاً وَلاَ عَبْداً إِلاَّ أَخبَرَكَ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: سَمِعتُهُم يَقُوْلُوْنَ:
مَسَحَ الرَّسولُ جَبِينَهُ ... فَلَهُ بَرِيقٌ فِي الخُدُوْدِأَبَوَاهُ مِنْ عَلْيَا قُرَيْ ـ ... ـشٍ وَجَدُّهُ خَيرُ الجُدُوْدِ
مُحَمَّدُ بنُ جَرِيرٍ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ، قَالَ:
لَمَّا قَتَلَ عُبَيْدُ اللهِ الحُسَيْنَ وَأَهْلَهُ، بَعثَ بِرُؤُوْسِهِم إِلَى يَزِيْدَ، فَسُرَّ بِقَتْلِهِم أَوَّلاً؛ ثُمَّ لَمْ يَلبَثْ حَتَّى نَدِمَ عَلَى قَتْلِهِم، فَكَانَ يَقُوْلُ: وَمَا عَلَيَّ لَوِ احتَمَلْتُ الأَذَى، وَأَنْزَلتُ الحُسَيْنَ مَعِي، وَحَكَّمْتُه فِيمَا يُرِيْدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ وَهَنٌ، حِفْظاً لِرَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِعَايَةً لِحَقِّهِ، لَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ - يَعْنِي: عُبَيْدَ اللهِ - فَإِنَّهُ أَحْرَجَهُ، وَاضْطَرَّهُ، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ أَقبَلَ، أَوْ يَأْتِيَنِي، فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي، أَوْ يَلحَقَ بِثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَتلَهُ، فَأَبغَضَنِي بِقَتْلِهِ المُسْلِمُوْنَ، وَزَرَعَ لِي فِي قُلُوْبِهِمُ العَدَاوَةَ.
جَرِيرٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ:
تَغوَّطَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ البَيْتِ خَبَلٌ، وَجُنُوْنٌ، وَبَرَصٌ، وَفَقْرٌ، وَجُذَامٌ.
قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: لَمَّا أُجرِيَ المَاءُ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، انْمَحَى أَثَرُ القَبْرِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَتَتَبَّعَهُ، حَتَّى وَقعَ عَلَى أَثَرِ القَبْرِ، فَبَكَى، وَقَالَ:
أَرَادُوا لِيُخْفُوا قَبْرَهُ عَنْ عَدُوِّهِ ... فَطِيْبُ تُرَابِ القَبْرِ دَلَّ عَلَى القَبْرِ
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُتلَ عَلِيٌّ وَهُوَ
ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَمَاتَ لَهَا حَسَنٌ، وَقُتِلَ لَهَا حُسَيْنٌ.قُلْتُ: قَوْلُهُ: مَاتَ لَهَا حَسَنٌ: خَطَأٌ، بَلْ عَاشَ سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ الجَمَاعَةُ: مَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ.
زَادَ بَعضُهُم: يَوْمَ السَّبتِ.
وَقِيْلَ: يَوْمَ الجُمُعَةِ.
وَقِيْلَ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
وَمَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، وَآخرُ ثِقَةٌ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَتَاهَا قَتْلُ الحُسَيْنِ، فَقَالَتْ: قَدْ فَعلُوْهَا؟! مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُم وَقُبُورَهُم نَاراً.
وَوَقَعَتْ مَغْشِيَّةً عَلَيْهَا، فَقُمْنَا.
وَنَقَلَ: الزُّبَيْرُ لِسُلَيْمَانَ بنِ قَتَّةَ، يَرْثِي الحُسَيْنَ:
وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
فَإِنْ يُتْبِعُوْهُ عَائِذَ البَيْتِ يُصْبِحُوا ... كَعَادٍ تَعَمَّتْ عَنْ هُدَاهَا فَضَلَّتِ
مَررْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَأَلْفَيْتُهَا أَمْثَالَهَا حِيْنَ حَلَّتِ
وَكَانُوا لَنَا غُنْماً، فَعَادُوا رَزِيَّةً ... لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزَايَا وَجَلَّتِفَلاَ يُبْعِدِ اللهُ الدِّيَارَ وَأَهْلَهَا ... وَإِنْ أَصْبَحَتْ مِنْهُم بِرَغْمِي تَخَلَّتِ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً ... لِفَقْدِ حُسَيْنٍ وَالبلاَدُ اقْشَعَرَّتِ
قَوْلُهُ: أَذَلَّ رِقَاباً؛ أَي: لاَ يَرِعُوْنَ عَنْ قَتْلِ قُرَشِيٍّ بَعْدَهُ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي حَمْزَةُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَعْقَلِهِنَّ، يُقَالُ لَهَا: رَيَّا؛ حَاضِنَةُ يَزِيْدَ - يُقَالَ: بلَغَتْ مائَةَ سَنَةٍ - قَالَتْ:
دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَقَدْ أَمْكَنَكَ اللهُ مِنَ الحُسَيْنِ.
وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، قَالَ: فَوُضِعَ فِي طِسْتٍ، فَأَمَرَ الغُلاَمَ، فَكَشَفَ، فَحِيْنَ رَآهُ، خَمَّرَ وَجْهَهُ، كَأَنَّهُ شَمَّ مِنْهُ.
فَقُلْتُ لَهَا: أَقَرَعَ ثَنَايَاهُ بِقَضِيبٍ؟
قَالَتْ: إِيْ وَاللهِ.
ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعضُ أَهْلِنَا: أَنَّهُ رَأَى رَأْسَ الحُسَيْنِ مَصْلُوْباً بِدِمَشْقَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَحَدَّثَتْنِي رَيَّا: أَنَّ الرَّأْسَ مَكثَ فِي خَزَائِنِ السِّلاَحِ حَتَّى وَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَبَعَثَ، فَجِيْءَ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ عَظْماً أَبْيَضَ، فَجَعَلَهُ فِي سَفَطٍ، وَطَيَّبَهُ، وَكَفَّنَهُ، وَدفَنَهُ فِي مَقَابرِ المُسْلِمِيْنَ.
فَلَمَّا دَخَلَتِ المُسَوِّدَةُ، سَأَلُوا عَنْ مَوْضِعِ الرَّأْسِ، فَنَبَشُوهُ، وَأَخَذُوهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ مَا صُنِعَ بِهِ.
وَذَكَرَ باقِي الحِكَايَةِ وَهِيَ قَوِيَّةُ الإِسْنَادِ.
يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ:
أَبَى الحُسَيْنُ أَنْ يَسْتَأسِرَ حَتَّى قُتلَ بِالطَّفِّ، وَانْطَلَقُوا بِبَنِيْهِ: عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ، وَسُكَيْنَةَ إِلَى يَزِيْدَ، فَجَعَلَ سُكَيْنَةَ خَلْفَ سَرِيْرِهِ، لِئَلاَّ تَرَى رَأْسَ أَبِيْهَا، وَعَلِيٌّ فِي غِلٍّ، فَضَربَ عَلَى ثَنِيَّتَيِ
الحُسَيْنِ، وَتَمثَّلَ بِذَاكَ البَيْتِ.فَقَالَ عَلِيٌّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيْبَةٍ فِي الأَرْضِ ... } [الحَدِيْدُ: 22] ، الآيَةَ.
فَثَقُلَ عَلَى يَزِيْدَ أَنْ تَمثَّلَ بِبَيْتٍ، وَتَلاَ عَلِيٌّ آيَةً، فَقَالَ: بَلْ: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيَكُم} [الشُّوْرَى: 30] .
فَقَالَ: أَمَا -وَاللهِ - لَوْ رَآنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَحَبَّ أَنْ يُخَلِّيَنَا.
قَالَ: صَدَقْتَ، فَخَلُّوهُم.
قَالَ: وَلَوْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، لأَحَبَّ أَنْ يُقَرِّبَنَا.
قَالَ: صَدَقْتَ، قَرِّبُوْهُم.
فَجَعَلَتْ سُكَيْنَةُ وَفَاطِمَةُ تَتَطَاوَلاَنِ لِتَرَيَا الرَّأْسَ، وَبَقِيَ يَزِيْدُ يَتَطَاوَلُ فِي مَجْلسِهِ لِيَستُرَهُ عَنْهُمَا.
ثُمَّ أَمرَ لَهُم بِجَهَازٍ، وَأَصْلَحَ آلَتَهُم، وَخَرجُوا إِلَى المَدِيْنَةِ.
كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ:
لَمَّا أُتِيَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، جَعَلَ يَنكُتُ سِنَّهُ، وَيَقُوْلُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَلغَ هَذَا السِّنَّ.
وَإِذَا لِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ قَدْ نَصَلَ مِنَ الخِضَابِ.
وَمِمَّنْ قُتلَ مَعَ الحُسَيْنِ: أُخُوَّته الأَرْبَعَةُ؛ جَعْفَرٌ، وَعَتِيْقٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَالعَبَّاسُ الأَكْبَرُ، وَابْنُهُ الكَبِيْرُ عَلِيٌّ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، وَكَانَ ابْنُهُ عَلِيٌّ زِينُ العَابِدِيْنَ مَرِيضاً، فَسَلِمَ، وَكَانَ يَزِيْدُ يُكرِمُهُ وَيَرعَاهُ.
وَقُتِلَ مَعَ الحُسَيْنِ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ القَاسِمُ بنُ الحَسَنِ، وَعَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَا مُسْلِمِ بنِ عَقِيْلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدٌ وَعَوْنٌ ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بن أَبِي طَالِبٍ.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قُتلَ الحُسَيْنُ، وَأُدخِلْنَا الكُوْفَةَ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ، فَأَدْخَلَنَا مَنْزِلَهُ، فَأَلْحَفَنَا، فَنِمْتُ، فَلَمْ أَسْتيقِظْ إِلاَّ بِحِسِّ الخَيلِ فِي الأَزِقَّةِ، فَحُمِلْنَا إِلَى يَزِيْدَ، فَدمعَتْ عَينُهُ حِيْنَ رَآنَا، وَأَعْطَانَا مَا شِئْنَا، وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَكُوْنُ فِي قَوْمِكَ أُمُوْرٌ، فَلاَ تَدْخُلْ مَعَهُم.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الحَرَّةِ مَا كَانَ؛ كَتَبَ
مَعَ مُسْلِمِ بنِ عُقْبَةَ بِأَمَانِي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ القِتَالِ مُسْلِمٌ، بَعثَ إِلَيَّ، فَجِئْتُهُ، فَرَمَى إِلَيَّ بِالكِتَابِ، وَإِذَا فِيْهِ:اسْتوصِ بعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ خَيراً، وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُم فِي أَمرِهِم، فَأَمِّنْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُم، فَقَدْ أَصَابَ وَأَحْسَنَ.
فَأَولاَدُ الحُسَيْنِ هُمْ: عَلِيٌّ الأَكْبَرُ الَّذِي قُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَعَلِيٌّ زِينُ العَابِديْنَ، وَذُرِّيَتُهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَلَمْ يُعْقِبَا.
فَوُلِدَ لِزَيْنِ العَابِدِيْنَ: الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ مَاتَا صَغِيْرَيْنِ، وَمُحَمَّدٌ البَاقِرُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَزَيْدٌ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ الأَوْسَطُ وَلَمْ يُعْقِبْ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحُسَيْنٌ الصَّغِيْرُ، وَالقَاسِمُ وَلَمْ يُعْقِبْ.
الإِمَامُ، الشَّرِيْفُ، الكَامِلُ، سِبْطُ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَيْحَانتُهُ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَحبُوْبُهُ.
أَبُو عَبْدِ اللهِ الحُسَيْنُ ابْنُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ بنِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيٍّ القُرَشِيُّ، الهَاشِمِيُّ.
حَدَّثَ عَنْ: جَدِّه، وَأَبَوَيْهِ، وَصِهْرِهِ عُمَرَ، وَطَائِفَةٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: وَلَدَاهُ؛ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ، وَعُبَيْدُ بنُ حُنَيْنٍ، وَهَمَّامٌ الفَرَزْدَقُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَطَلْحَةُ العُقَيْلِيُّ، وَابْنُ أَخِيْهِ؛ زَيْدُ بنُ الحَسَنِ، وَحَفِيْدُهُ؛ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ البَاقِرُ - وَلَمْ يُدْرِكْهُ - وَبِنْتُهُ سُكَيْنَةُ، وَآخَرُوْنَ.
قَالَ الزُّبَيْرُ: مَوْلِدُهُ فِي خَامِسِ شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
قَالَ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ: بَيْنَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ فِي الحَمْلِ طُهْرٌ وَاحِدٌ.
قَدْ مَرَّتْ فِي تَرْجَمَةِ الحَسَنِ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالحُسَيْنِ.
رَوَى: هَانِئُ بنُ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
الحُسَيْنُ أَشبَهُ بِرَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ صَدْرِهِ إِلَى قَدَمَيْهِ.
وَقَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
شَهِدْتُ ابْنَ زِيَادٍ حَيْثُ أُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَجَعَلَ يَنكُتُ بِقَضِيْبٍ مَعَهُ، فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ أَشْبَهَهُمَا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.وَرَوَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ.
وَأَمَّا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، فَرَوَاهُ: عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيْرِيْنَ، حَدَّثَنِي أَنَسٌ، وَقَالَ: يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ فِي أَنفِهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَزِيْدَ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ أَسودَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، إِلاَّ شَعرَاتٍ فِي مُقَدَّمِ لِحْيَتِهِ.
ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عُمَرَ بنِ عَطَاءٍ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَصبغُ بِالوَسِمَةِ، كَانَ رَأْسُهُ وَلِحْيتُهُ شَدِيدَيِ السَّوَادِ.
مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبِي يَعْقُوْبَ: عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ دَمِ البَعُوضِ، فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟
فَقَالَ: مِنْ أَهْلِ العِرَاقِ.
قَالَ: انظُرْ إِلَى هَذَا يَسْأَلُنِي عَنْ دَمِ البَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا).
رَوَاهُ: جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ، وَمَهْدِيُّ بنُ مَيْمُوْنٍ، عَنْهُ.عَنْ أَبِي أَيُّوْبَ الأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
دَخَلتُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ عَلَى صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَتُحِبُّهُمَا؟!
قَالَ: (كَيْفَ لاَ أُحِبُّهُمَا، وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا) .
رَوَاهُ: الطَّبَرَانِيُّ فِي (المُعْجَمِ).
وَعَنِ الحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، مَرْفُوعاً: (الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ: سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ ) .
وَيُرْوَى عَنْ: شُرَيْحٍ، عَنْ عَلِيٍّ.
وَفِي البَابِ عَنِ: ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُوْدٍ، وَمَالِكِ بنِ الحُوَيْرِثِ، وَأَبِي سَعِيْدٍ، وَحُذَيْفَةَ، وَأَنَسٍ، وَجَابِرٍ مِنْ وُجُوهٍ يُقَوِّي بَعضُهَا بَعْضاً.
مُوْسَى بنُ عُثْمَانَ الحَضْرَمِيُّ - شِيْعِيٌّ وَاهٍ -: عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
كَانَ الحُسَيْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ يُحبُّهُ حُبّاً شَدِيداً، فَقَالَ: (اذْهَبْ إِلَى أُمِّكَ) .
فَقُلْتُ: أَذْهبُ مَعَهُ؟
فَقَالَ: (لاَ) .
فَجَاءتْ بَرْقَةٌ، فَمَشَى فِي ضَوئِهَا حَتَّى بَلغَ إِلَى أُمِّهِ.
وَكِيْعٌ: حَدَّثَنَا رَبِيْع بنُ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ سَابِطٍ، عَنْ جَابِرٍ:
أَنَّهُ قَالَ - وَقَدْ دَخَلَ الحُسَيْنُ المَسْجِدَ -: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى سَيِّدِ شَبَابِ
أَهْلِ الجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا) .سَمِعتُه مِنْ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
تَابَعَهُ: عَبْدُ اللهِ بنُ نُمَيْرٍ، عَنْ رَبِيْعٍ الجُعْفِيِّ.
أَخْرَجَهُ: أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) .
وَقَالَ شَهْرٌ: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:
إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَلَّلَ عَلِيّاً وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهِمَا بِكسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ هَؤُلاَءِ أَهْلُ بَيْتِ بِنْتِي وَحَامَتِي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ، وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيْراً) .
فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَنَا مِنْهُم؟
قَالَ: (إِنَّكِ إِلَى خَيْرٍ ) .
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ.
رُوِيَ مِنْ وُجُوهٍ عَنْ شَهْرٍ.
وَفِي بَعضِهَا يَقُوْلُ: دَخَلتُ عَلَيْهَا أُعَزِّيْهَا عَلَى الحُسَيْنِ.
وَرَوَى نَحْوَهُ: الأَعْمَشُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ حَكِيْمِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَرَوَى: شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ، قِصَّةَ الكِسَاءِ.
أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُثْمَانَ بنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْلَى العَامِرِيِّ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الأَسْبَاطِ، مَنْ أَحَبَّنِي فَلْيُحِبَّ حُسَيْناً) .
وَفِي لَفظٍ: (أَحَبَّ اللهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً).
أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ:رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخذَ بِيدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ: (هَذَانِ ابْنَايَ؛ فَمَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي، وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي ) .
وَرَوَى مِثْلَهُ: أَبُو الجَحَّافِ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي حَفْصَةَ، وَغَيرُهُمَا، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً.
وَفِي البَابِ: عَنْ أُسَامَةَ، وَسَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدِ بنِ أَرْقَمَ.
عَبْدُ العَزِيْزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، وَغَيْرُهُ: عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي عَلِيٍّ اللَّهَبِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قَعدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْضِعَ الجَنَائِزِ، فَطَلَعَ الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ، فَاعْتَرَكَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إِيْهاً حَسَنُ) .
فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُوْلَ اللهِ! أَعَلَى حُسَيْنٍ تُوَالِيهِ؟
فَقَالَ: (هَذَا جِبْرِيْلُ يَقُوْلُ: إِيْهاً حُسَيْنُ ) .
وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعاً، نَحْوُهُ.
وَفِي مَرَاسِيْلِ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ حُسَيْناً يَبْكِي، فَقَالَ لأُمِّهِ: (أَلَمْ تَعْلَمِي أَنَّ بُكَاءهُ يُؤْذِيْنِي).
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ حُنَيْنٍ، عَنِ الحُسَيْنِ، قَالَ:صَعِدتُ المِنْبَرَ إِلَى عُمَرَ، فَقُلْتُ: انزِلْ عَنْ مِنْبَرِ أَبِي، وَاذْهَبْ إِلَى مِنْبَرِ أَبِيْكَ.
فَقَالَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْبَرٌ!
فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ، قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! مَنْ علَّمَكَ هَذَا؟
قُلْتُ: مَا عَلَّمَنِيْهِ أَحَدٌ.
قَالَ: أَيْ بُنَيَّ! وَهَلْ أَنْبتَ عَلَى رُؤُوْسِنَا الشَّعْرَ إِلاَّ اللهُ ثُمَّ أَنْتُم!
وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ! لَوْ جَعَلْتَ تَأْتِينَا وَتَغْشَانَا.
إِسْنَادُه صَحِيْحٌ.
رَوَى: جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ جَعلَ لِلْحُسَيْنِ مِثْلَ عَطَاءِ عَلِيٍّ، خَمْسَةَ آلاَفٍ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ:
أَنَّ عُمَرَ كَسَا أَبْنَاءَ الصَّحَابَةِ؛ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَصلُحُ لِلْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ؛ فَبَعثَ إِلَى اليَمَنِ، فَأُتِي بِكِسْوَةٍ لَهُمَا، فَقَالَ: الآنَ طَابَتْ نَفْسِي.
الوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوْسَى بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ عُمَرَ أَلحقَ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ بِفرِيضَةِ أَبِيهِمَا؛ لِقَرَابَتِهِمَا مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ آلاَفٍ.
يُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ: عَنِ العَيْزَارِ بنِ حُرَيْثٍ، قَالَ:
بَيْنَا عَمْرُو بنُ العَاصِ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، إِذْ رَأَى الحُسَيْنَ، فَقَالَ: هَذَا أَحبُّ أَهْلِ الأَرْضِ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ اليَوْمَ.
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى عَمْرٍو، فَقَالَ: عَلَيَّ رَقَبَةٌ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ.فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهَا إِلاَّ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ.
قُلْتُ: مَا فَهِمْتُه.
إِبْرَاهِيْمُ بنُ نَافِعٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، قَالَ:
كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَتَى ابْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: إِنَّ عَلَيَّ رَقَبَةً مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيْلَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ.
هَوْذَةُ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ، عَنِ الأَزْرَقِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
قَدِمَ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُسْقُفُ نَجْرَانَ وَالعَاقِبُ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمَا الإِسْلاَمَ، فَقَالاَ: كُنَّا مُسْلِمَينِ قَبْلكَ.
قَالَ: (كَذَبْتُمَا! إِنَّهُ مَنَعَ الإِسْلاَمَ مِنْكُمَا ثَلاَثٌ؛ قَوْلُكُمَا: اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً، وَأَكْلُكُمَا الخِنْزِيْرَ، وَسُجُوْدُكُمَا لِلصَّنَمِ) .
قَالاَ: فَمَنْ أَبُو عِيْسَى؟
فَمَا عَرَفَ، حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ: {إِنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ} ... ، إِلَى قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الحَقُّ} [آلُ عِمْرَانَ: 59 - 63] .
فَدَعَاهُمَا إِلَى المُلاَعَنَةِ، وَأَخَذَ بِيَدِ فَاطِمَةَ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ: (هَؤُلاَءِ بَنِيَّ) .
قَالَ: فَخَلاَ أَحَدُهُمَا بِالآخرِ، فَقَالَ: لاَ تُلاَعِنْهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيّاً فَلاَ بَقِيَّةَ.
فَقَالاَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي الإِسْلاَمِ وَلاَ فِي مُلاَعَنَتِكَ، فَهَلْ مِنْ ثَالِثَةٍ؟
قَالَ: (نَعَمْ؛ الجِزْيَةُ) .
فَأَقَرَّا بِهَا، وَرَجَعَا.
مَعْمَرٌ: عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ:لَمَّا أَرَادَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبَاهِلَ أَهْلَ نَجْرَانَ، أَخذَ بِيَدِ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ: (اتْبَعِيْنَا) .
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَعْدَاءُ الله، رَجَعُوا.
أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ حَبِيْبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيْسَ، عَنِ المُسَيَّبِ بنِ نَجَبَةَ:
سَمِعَ عَلِيّاً يَقُوْلُ: أَلاَ أُحدِّثُكُم عَنِّي وَعَنْ أَهْلِ بَيتِي؟ أَمَّا عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ؛ فَصَاحِبُ لَهْوٍ، وَأَمَّا الحَسَنُ، فَصَاحِبُ جَفْنَةٍ مِنْ فِتْيَانِ قُرَيْشٍ؛ لَوْ قَدِ الْتَقَتْ حَلَقتَا البِطَانِ لَمْ يُغْنِ فِي الحَرْبِ عَنْكُم، وَأَمَّا أَنَا وَحُسَيْنٌ؛ فَنَحْنُ مِنْكُم، وَأَنْتُم مِنَّا.
إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ.
وَعَنْ سَعِيْدِ بنِ عَمْرٍو: أَنَّ الحَسَنَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ شِدَّةِ قَلْبِكَ.
فَيَقُوْلُ الحُسَيْنُ: وَأَنَا وَدِدْتُ أَنَّ لِي بَعضَ مَا بُسِطَ مِنْ لِسَانِكَ.
عَنْ أَبِي المُهَزِّمِ، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ، فَأَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَنْفُضُ بِثَوْبِهِ التُّرَابَ عَنْ قَدَمِ الحُسَيْنِ.
وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: حَجَّ الحُسَيْنُ خَمْساً وَعِشْرِيْنَ حَجَّةً مَاشياً.
وَكَذَا رَوَى: عُبَيْدُ اللهِ الوَصَّافِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، وَزَادَ: وَنجَائِبُه تُقَادُ مَعَهُ.لَكنِ اخْتلَفتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الوَصَّافِيِّ، فَقَالَ يَعْلَى بنُ عُبَيْدٍ، عَنْهُ: الحَسَنُ، وَرَوَى عَنْهُ: زُهَيْرٌ نَحوَهُ، فَقَالَ فِيْهِ: الحَسَنُ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ المُثَنَّى: كَانَ عَلَى المَيْسَرَةِ يَوْمَ الجَمَلِ الحُسَيْنُ.
أَحْمَدُ فِي (مُسْنَدِهِ) : أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيْلُ بنُ مُدْرِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نُجَيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّهُ سَارَ مَعَ عَلِيٍّ، وَكَانَ صَاحِبَ مَطهَرَتِه، فَلَمَّا حَاذَى نِيْنَوَى، وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى صِفِّيْنَ، نَادَاهُ عَلِيٌّ: اصْبِرْ أَبَا عَبْدِ اللهِ بِشَطِّ الفُرَاتِ.
قُلْتُ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ، وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، فَقَالَ: (قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيْلُ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ الحُسَيْنَ يُقْتَلُ، وَقَالَ: هَلْ لَكَ أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبتِه؟
قُلْتُ: نَعَم.
فَمدَّ يَدهُ، فَقَبضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ.
قَالَ: فَأَعْطَانِيْهَا، فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنِي.
هَذَا غَرِيْبٌ، وَلَهُ شُوَيْهِدٌ.
يَحْيَى بنُ أَبِي زَائِدَةَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:
أَنَّ عَلِيّاً قَالَ وَهُوَ بِشَطِّ الفُرَاتِ: صَبْراً أَبَا عَبْدِ اللهِ.
عُمَارَةُ بنُ زَاذَانَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
استَأْذنَ مَلَكُ القَطْرِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (يَا أُمَّ سَلَمَةَ! احْفَظِي عَلَيْنَا البَابَ) .
فَجَاءَ الحُسَيْنُ، فَاقْتَحَمَ، وَجَعلَ يَتَوَثَّبُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُوْلُ اللهِ يُقَبِّلُهُ.
فَقَالَ المَلَكُ: أَتُحِبُّهُ؟
قَالَ: (نَعَمْ) .
قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُه، إِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ
المَكَانَ الَّذِي يُقتَلُ فِيْهِ.قَالَ: (نَعَم) .
فَجَاءهُ بِسَهْلَةٍ، أَوْ تُرَابٍ أَحْمَرَ.
قَالَ ثَابِتٌ: كُنَّا نَقُوْلُ: إِنَّهَا كَرْبَلاَءُ.
عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنسَائِهِ: (لاَ تُبَكُّوا هَذَا) .
يَعْنِي: حُسَيْناً.
فَكَانَ يَوْمُ أُمِّ سَلَمَةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ، فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ لأُمِّ سَلَمَةَ: (لاَ تَدَعِي أَحَداً يَدْخُلُ) .
فَجَاءَ حُسَيْنٌ، فَبَكَى؛ فَخَلَّتْهُ يَدْخُلُ، فَدَخَلَ حَتَّى جَلَسَ فِي حَجْرِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقَالَ جِبْرِيْلُ: إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتلُهُ.
قَالَ: (يَقْتُلُوْنَهُ وَهُمْ مُؤْمِنُوْنَ؟) .
قَالَ: نَعَمْ.
وَأَرَاهُ تُرْبَتَهُ.
إِسْنَادُهُ حَسَنٌ.
خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ: حَدَّثَنَا مُوْسَى بنُ يَعْقُوْبَ، عَنْ هَاشِمِ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ وَهْبِ بنِ زَمْعَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اضْطَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ، فَاسْتيقَظَ وَهُوَ خَاثِرٌ، ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ خَاثِراً، ثُمَّ رَقَدَ، ثُمَّ اسْتيقَظَ، وَفِي يَدِهِ تُربَةٌ حَمْرَاءُ، وَهُوَ يُقَلِّبُهَا.
قُلْتُ: مَا هَذِهِ؟
قَالَ: (أَخْبَرَنِي جِبْرِيْلُ أَنَّ هَذَا يُقْتَلُ بِأَرْضِ العِرَاقِ، لِلْحُسَيْنِ، وَهَذِهِ تُرْبتُهَا).
وَرَوَاهُ: إِبْرَاهِيْمُ بنُ طَهْمَانَ، عَنْ عَبَّادِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ هَاشِمٍ، وَلَمْ يَذكُرِ: اضْطَجَعَ.أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيْعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ:
أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: (لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ البَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ: إِنَّ حُسَيْناً مَقْتُوْلٌ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ التُّرْبَةَ ... ) ، الحَدِيْثَ.
وَرَوَاهُ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ مِثْلَهُ، وَقَالَ: أُمُّ سَلَمَةَ، وَلَمْ يَشُكَّ.
وَيُرْوَى عَنْ: أَبِي وَائِلٍ، وَعَنْ: شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.
وَرَوَاهُ: ابْنُ سَعْدٍ مِنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ.
وَلَهُ طُرُقٌ أُخَرُ.
وَعَنْ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ جُمْهَانَ:
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيْلُ بِتُرَابٍ مِنَ التُّرْبَةِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا الحُسَيْنُ.
وَقِيْلَ: اسْمُهَا كَرْبَلاَءُ.
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (كَرْبٌ وَبَلاَءٌ ) .
إِسْرَائِيْلُ: عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ هَانِئ بنِ هَانِئ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ:
لَيُقْتَلَنَّ الحُسَيْنُ قَتْلاً، وَإِنِّي لأَعْرفُ تُرَابَ الأَرْضِ الَّتِي يُقتَلُ بِهَا.
أَبُو نُعَيْمٍ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ العَبَّاسِ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ: أَنَّ
كَعْباً مَرَّ عَلَى عَلَيٍّ، فَقَالَ: يُقتَلُ مِنْ وَلَدِ هَذَا رَجُلٌ فِي عِصَابَةٍ لاَ يَجِفُّ عَرَقُ خَيْلِهِم حَتَّى يَرِدُوا عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.فَمرَّ حَسَنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا؟
قَالَ: لاَ.
فَمَرَّ حُسَيْنٌ، فَقِيْلَ: هَذَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
حُصَيْنُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: عَنِ العَلاَءِ بنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ رَأْسِ الجَالُوْتِ، قَالَ:
كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّهُ يُقتَلُ بِكَرْبَلاَءَ ابْنُ نَبِيٍّ.
المُطَّلِبُ بنُ زِيَادٍ: عَنِ السُّدِّيِّ، قَالَ:
رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَلَهُ جُمَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تَحْتِ عِمَامَتِهِ.
وَقَالَ العَيْزَارُ بنُ حُرَيْثٍ: رَأَيْتُ عَلَى الحُسَيْنِ مِطْرَفاً مِنْ خَزٍّ.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ يَتَخَتَّمُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
وَرَوَى جَمَاعَةٌ: أَنَّ الحُسَيْنَ كَانَ يَخْضِبُ بِالوَسِمَةِ، وَأَنَّ خِضَابَهُ أَسْودُ.
بلَغَنَا أَنَّ الحُسَيْنَ لَمْ يُعجِبْهُ مَا عَمِلَ أَخُوْهُ الحَسَنُ مِنْ تَسْلِيمِ الخِلاَفَةِ إِلَى مُعَاوِيَةَ، بَلْ كَانَ رَأْيُهُ القِتَالَ، وَلَكِنَّهُ كَظَمَ وَأَطَاعَ أَخَاهُ، وَبَايَعَ.
وَكَانَ يَقبَلُ جَوَائِزَ مُعَاوِيَةَ، وَمُعَاوِيَةُ يَرَى لَهُ، وَيَحتَرِمُهُ، وَيُجِلُّهُ، فَلَمَّا أَنْ فَعلَ مُعَاوِيَةُ مَا فَعلَ بَعْدَ وَفَاةِ السَّيِّدِ الحَسَنِ مِنَ العَهْدِ بِالخِلاَفَةِ إِلَى وَلَدِهِ يَزِيْدَ، تَأَلَّمَ
الحُسَيْنُ، وَحُقَّ لَهُ، وَامتنَعَ هُوَ وَابْنُ أَبِي بَكْرٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ مِنَ المُبَايعَةِ، حَتَّى قَهَرَهُم مُعَاوِيَةُ، وَأَخَذَ بَيْعتَهُم مُكْرَهِيْنَ، وَغُلِبُوا، وَعَجَزُوا عَنْ سُلْطَانِ الوَقْتِ.فَلَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ، تَسَلَّمَ الخِلاَفَةَ يَزِيْدُ، وَبَايَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، وَلَمْ يُبَايِعْ لَهُ ابْنُ الزُّبَيْرِ وَلاَ الحُسَيْنُ، وَأَنِفُوا مِنْ ذَلِكَ، وَرَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الأَمْرَ لِنَفْسِهِ، وَسَارَا فِي اللَّيْلِ مِنَ المَدِيْنَةِ.
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ طَاوُوْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
اسْتَشَارَنِي الحُسَيْنُ فِي الخُرُوْجِ، فَقُلْتُ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكَ.
فَقَالَ: لأَنْ أُقتَلَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتحِلَّ حُرمَتَهَا -يَعْنِي: مَكَّةَ -.
وَكَانَ ذَلِكَ الَّذِي سَلَّى نَفْسِي عَنْهُ.
يَحْيَى بنُ إِسْمَاعِيْلَ البَجَلِيُّ : حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ، قَالَ:
كَانَ ابْنُ عُمَرَ قَدِمَ المَدِيْنَةَ، فَأُخبِرَ أَنَّ الحُسَيْنَ قَدْ تَوجَّهَ إِلَى العِرَاقِ، فَلَحِقَهُ عَلَى مَسِيْرَةِ لَيْلَتَيْنِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيْدُ؟
قَالَ: العِرَاقَ.
وَمَعَهُ طَوَامِيْرُ وَكُتُبٍ، فَقَالَ: لاَ تَأْتِهِم.
قَالَ: هَذِهِ كُتُبُهُم وَبَيْعتُهُم.
فَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَيَّرَ نَبِيَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاخْتَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكُم بَضْعَةٌ مِنْهُ، لاَ يَلِيهَا أَحَدٌ مِنْكُم أَبَداً، وَمَا صَرَفهَا اللهُ عَنْكُم إِلاَّ لِلَّذِي هُوَ خَيرٌ لَكُم، فَارْجِعُوا.
فَأَبَى، فَاعْتَنَقَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَقَالَ: أَسْتَوْدِعُكَ اللهَ مِنْ قَتِيْلٍ.
زَادَ فِيْهِ الحَسَنُ بنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ يَحْيَى بنِ إِسْمَاعِيْلَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ:
نَاشَدَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ قَوْمٌ مَنَاكِيْرُ، قَتَلُوا أَبَاكَ، وَضَرَبُوا أَخَاكَ، وَفَعَلُوا وَفَعَلُوا.ابْنُ المُبَارَكِ: عَنْ بِشْرِ بنِ غَالِبٍ، أَنَّ الزُّبَيْرَ قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ؟ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ، وَطَعَنُوا أَخَاكَ!
فَقَالَ: لأَنْ أُقتلَ، أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تُسْتَحَلَّ -يَعْنِي: مَكَّةَ -.
أَبُو سَلَمَةَ المِنْقَرِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ عَبْدِ الكَرِيْمِ، عَنْ مَرْوَانَ الأَصْفَرِ، حَدَّثَنِي الفَرَزْدَقُ؛ قَالَ:
لَمَّا خَرَجَ الحُسَيْنُ، لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بنَ عَمْرٍو؛ فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا قَدْ خَرَجَ، فَمَا تَرَى؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُ، فَإِنَّكَ إِنْ أَرَدْتَ دُنْيَا، أَصَبْتَهَا، وَإِنْ أَرَدْتَ آخِرَةً، أَصَبْتَهَا.
فَرَحلْتُ نَحْوَهُ، فَلَمَّا كُنْتُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، بَلَغَنِي قَتْلُهُ، فَرَجَعْتُ إِلَى عَبْدِ اللهِ، وَقُلْتُ: أَيْنَ مَا ذَكَرتَ؟
قَالَ: كَانَ رَأْياً رَأَيْتُهُ.
قُلْتُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى تَصْوِيبِ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو لِلْحُسَيْنِ فِي مَسِيْرِهِ، وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَهِدُوا الحَرَّةَ.
ابْنُ سَعْدٍ: أَخْبَرَنَا الوَاقِدِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَيْرٍ (ح) .
وَأَخْبَرْنَا ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ (ح) ، وَيُوْنُسُ بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيْهِ - وَسَمَّى طَائِفَةً - ثُمَّ قَالَ:
فَكَتَبْتُ جَوَامِعَ حَدِيثِهِم فِي مَقْتَلِ الحُسَيْنِ.
قَالَ: كَانَ أَهْلُ الكُوْفَةِ يَكتُبُوْنَ إِلَى الحُسَيْنِ يَدْعُوْنَهُ إِلَى الخُرُوجِ إِلَيْهِم زَمَنَ مُعَاوِيَةَ، كُلُّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَقَدِمَ مِنْهُم قَوْمٌ إِلَى مُحَمَّدِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ، وَطَلَبُوا إِلَيْهِ المَسِيْرَ مَعَهُم، فَأَبَى، وَجَاءَ إِلَى الحُسَيْنِ، فَأَخْبَرَهُ،
وَقَالَ: إِنَّ القَوْمَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَأكُلُوا بِنَا، وَيَشِيْطُوا دِمَاءنَا.فَأَقَامَ حُسَيْنٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مُتَرَدِّدُ العَزْمِ، فَجَاءهُ أَبُو سَعِيْدٍ الخُدْرِيُّ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، إِنِّيْ لَكَ نَاصِحٌ وَمُشْفِقٌ، وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ كَاتَبَكَ قَوْمٌ مِنْ شِيْعتِكَ، فَلاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِم، فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبَاكَ يَقُوْلُ بِالكُوْفَةِ: وَاللهِ لَقَدْ مَلِلْتُهُم وَمَلُّونِي، وَأَبْغَضْتُهُم وَأَبْغَضُونِي، وَمَا بَلَوْتُ مِنْهُم وَفَاءً، وَلاَ لَهُم ثَبَاتٌ وَلاَ عَزْمٌ وَلاَ صَبرٌ عَلَى السَّيْفِ.
قَالَ: وَقَدِمَ المُسَيَّبُ بنُ نَجَبَةَ وَعِدَّةٌ إِلَى الحُسَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ الحَسَنِ، فَدَعَوْهُ إِلَى خَلْعِ مُعَاوِيَةَ، وَقَالُوا: قَدْ عَلِمْنَا رَأْيَكَ وَرَأْيَ أَخِيْكَ.
فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ يُعطِيَ اللهُ أَخِي عَلَى نِيَّتِهِ، وَأَنْ يُعطِيَنِي عَلَى نِيَّتِي فِي حُبِّي جِهَادَ الظَّالِمِيْنَ.
وَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّيْ لَسْتُ آمَنُ أَنْ يَكُوْنَ الحُسَيْنُ مَرصَداً لِلْفِتْنَةِ، وَأَظُنُّ يَوْمَكُم مِنْهُ طَوِيْلاً.
فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الحُسَيْنِ: إِنَّ مَنْ أَعْطَى اللهَ صَفْقَةَ يَمِينِهِ وَعَهْدَهُ، لَجَدِيرٌ أَنْ يَفِي، وَقَدْ أُنْبِئتُ بِأَنَّ قَوْماً مِنَ الكُوْفَةِ دَعَوْكَ إِلَى الشِّقَاقِ، وَهُمْ مَنْ قَدْ جَرَّبتَ، قَدْ أَفْسَدُوا عَلَى أَبِيْكَ وَأَخِيْكَ، فَاتَّقِ اللهَ، وَاذْكُرِ المِيْثَاقَ، فَإِنَّكَ مَتَى تَكِدْنِي، أَكِدْكَ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الحُسَيْنُ: أَتَانِي كِتَابُكَ، وَأَنَا بِغَيْرِ الَّذِي بَلَغَكَ جَدِيرٌ، وَمَا أَرَدْتُ لَكَ مُحَارَبَةً وَلاَ خِلاَفاً، وَمَا أَظُنُّ لِي عُذْراً عِنْدَ اللهِ فِي تَرْكِ جِهَادِكِ، وَمَا أَعْلَمُ فِتْنَةً أَعْظَمَ مِنْ وَلاَيَتِكَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنْ أَثَرْنَا بِأَبِي عَبْدِ اللهِ إِلاَّ أَسَداً.
-وَعَنْ جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، عَنْ مُسَافِعِ بنِ شَيْبَةَ، قَالَ:لَقِيَ الحُسَيْنُ مُعَاوِيَةَ بِمَكَّةَ عِنْدَ الرَّدْمِ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ رَاحِلتِهِ، فَأَنَاخَ بِهِ، ثُمَّ سَارَّهُ طَوِيْلاً، وَانْصَرَفَ، فَزَجَرَ مُعَاوِيَةُ الرَّاحِلَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَزِيْدُ: لاَ يَزَالُ رَجُلٌ قَدْ عَرَضَ لَكَ، فَأَنَاخَ بِكَ.
قَالَ: دَعْهُ، لَعَلَّهُ يَطلُبُهَا مِنْ غَيرِي، فَلاَ يُسوِّغُهُ، فَيَقتُلُهُ -.
رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ :
قَالُوا: وَلَمَّا حُضِرَ مُعَاوِيَةُ، دَعَا يَزِيْدَ، فَأَوْصَاهُ، وَقَالَ:
انظُرْ حُسَيْناً، فَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى النَّاسِ، فَصِلْ رَحِمَهُ، وَارْفُقْ بِهِ، فَإِنْ يَكُ مِنْهُ شَيْءٌ، فَسَيَكْفِيْكَ اللهُ بِمَنْ قَتَلَ أَبَاهُ، وَخَذَلَ أَخَاهُ.
وَمَاتَ مُعَاوِيَةُ فِي نِصْفِ رَجَبٍ، وَبَايَعَ النَّاسُ يَزِيْدَ، فَكَتَبَ إِلَى وَالِي المَدِيْنَةِ الوَلِيْدِ بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنِ ادْعُ النَّاسَ وَبَايِعْهُم، وَابْدَأْ بِالوُجُوهِ، وَارْفُقْ بِالحُسَيْنِ.
فَبَعثَ إِلَى الحُسَيْنِ وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي اللَّيْلِ، وَدَعَاهُمَا إِلَى بَيْعَةِ يَزِيْدَ، فَقَالاَ: نُصبِحُ وَنَنْظُرُ فِيمَا يَعمَلُ النَّاسُ.
وَوَثَبَا، فَخَرَجَا.
وَقَدْ كَانَ الوَلِيْدُ أَغْلَظَ لِلْحُسَيْنِ، فَشَتَمَهُ حُسَيْنٌ، وَأَخَذَ بِعِمَامَتِهِ، فَنَزَعَهَا، فَقَالَ الوَلِيْدُ: إِنْ هِجْنَا بِهَذَا إِلاَّ أَسَداً.
فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ - أَوْ غَيرُهُ -: اقْتُلْهُ.
قَالَ: إِنَّ ذَاكَ لَدَمٌ مَصُونٌ.
وَخَرَجَ الحُسَيْنُ وَابْنُ الزُّبَيْرِ لِوَقْتِهِمَا إِلَى مَكَّةَ، وَنَزَلَ الحُسَيْنُ بِمَكَّةَ دَارَ العَبَّاسِ، وَلَزِمَ عَبْدُ اللهِ الحِجْرَ، وَلَبِسَ المَعَافِرِيَّ، وَجَعَلَ يُحرِّضُ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، وَكَانَ يَغْدُو وَيَرُوحُ إِلَى الحُسَيْنِ، وَيُشِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْدَمَ العِرَاقَ، وَيَقُوْلُ: هُم شِيْعَتُكُم.
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَنْهَاهُ.
وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ مُطِيْعٍ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، مَتِّعْنَا بِنَفْسِكَ وَلاَ تَسِرْ، فَوَاللهِ لَئِنْ قُتِلْتَ لَيَتَّخِذُوْنَا خَوَلاً وَعَبِيداً.وَلَقِيَهُمَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ عَيَّاشٍ بنِ أَبِي رَبِيْعَةَ مُنْصَرِفَيْنِ مِنَ العُمْرَةِ، فَقَالَ لَهُمَا: أُذَكِّرُكُمَا اللهَ إِلاَّ رَجَعْتُمَا، فَدَخَلْتُمَا فِي صَالِحِ مَا يَدْخُلُ فِيْهِ النَّاسُ وَتَنْظُرَانِ، فَإِنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ لَمْ تَشُذَّا، وَإِنِ افْترَقَ عَلَيْهِ كَانَ الَّذِي تُرِيْدَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِلْحُسَيْنِ: لاَ تَخْرُجْ، فَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَاختَارَ الآخِرَةَ، وَإِنَّكَ بَضْعَةٌ مِنْهُ وَلاَ تَنَالُهَا.
ثُمَّ اعْتَنَقَهُ، وَبَكَى، وَوَدَّعَهُ.
فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُوْلُ: غُلِبْنَا بِخُرُوجِهِ، وَلَعَمْرِي لَقَدْ رَأَى فِي أَبِيْهِ وَأَخِيْهِ عِبْرَةً، وَرَأَى مِنَ الفِتْنَةِ وَخُذْلاَنِ النَّاسِ لَهُم مَا كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لاَ يَتَحَرَّكَ.
وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْنَ تُرِيْدُ يَا ابْنَ فَاطِمَةَ؟
قَالَ: العِرَاقَ وَشِيْعَتِي.
قَالَ: إِنِّيْ كَارِهٌ لِوَجهِكَ هَذَا، تَخْرُجُ إِلَى قَوْمٍ قَتَلُوا أَبَاكَ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَقَالَ لَهُ أَبُو سَعِيْدٍ: اتَّقِ اللهَ، وألزم بَيْتَكَ.
وَكَلَّمَهُ جَابِرٌ، وَأَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ المُسَيِّبِ: لَوْ أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ، لَكَانَ خَيراً لَهُ.
قَالَ: وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ عَمْرَةُ تُعظِّمُ مَا يُرِيْدُ أَنْ يَصْنَعَ، وَتُخبِرُهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُسَاقُ إِلَى مَصْرَعِهِ، وَتَقُوْلُ:
حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
يَقُوْلُ: (يُقْتَلُ حُسَيْنٌ بِأَرْضِ بَابِلَ) .فَلَمَّا قَرَأَ كِتَابَهَا، قَالَ: فَلاَ بُدَّ إِذاً مِنْ مَصْرعِي.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ جَعْفَرٍ يُحَذِّرُهُ وَيُنَاشِدُهُ اللهَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ:
إِنِّيْ رَأَيْتُ رُؤْيَا، رَأَيْتُ فِيْهَا رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَنِي بِأَمْرٍ أَنَا مَاضٍ لَهُ.
وَأَبَى الحُسَيْنُ عَلَى كُلِّ مَنْ أَشَارَ عَلَيْهِ إِلاَّ المَسِيْرَ إِلَى العِرَاقِ.
وَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَظنُّكَ سَتُقتَلُ غَداً بَيْنَ نِسَائِكَ وَبَنَاتِكَ كَمَا قُتِلَ عُثْمَانُ، وَإِنِّي لأَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ الَّذِي يُقَادُ بِهِ عُثْمَانُ، فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ.
قَالَ: أَبَا العَبَّاسِ! إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ كَبِرْتَ.
فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ يُزْرَى بِي وَبِكَ، لَنَشَبْتُ يَدِي فِي رَأْسِكِ، وَلَوْ أَعلَمُ أَنَّكَ تُقِيمُ، إِذاً لَفَعَلْتُ.
ثُمَّ بَكَى، وَقَالَ: أَقْرَرْتَ عيْنَ ابْنِ الزُّبَيْرِ.
ثُمَّ قَالَ بَعْدُ لابْنِ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَتَى مَا أَحْبَبْتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، يَخْرُجُ إِلَى العِرَاقِ، وَيَتْرُكُكَ وَالحِجَازَ:
يَا لَكِ مِنْ قُنْبَرَةٍ بِمَعْمَرِ ... خَلاَ لَكِ البَرُّ فَبِيْضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِيْ مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي ...
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ عَيَّاشٍ: كَتَبَ الأَحْنَفُ إِلَى الحُسَيْنِ: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ، وَلاَ يَسْتَخِفَنَّكَ الَّذِيْنَ لاَ يُوْقِنُوْنَ} [الرُّوْمُ: 60] .عَوَانَةُ بنُ الحَكَمِ: عَنْ لَبَطَةَ بنِ الفَرَزْدَقِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَقِيتُ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: القُلُوبُ مَعَكَ، وَالسُّيوفُ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنْ لَبَطَةَ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
لَقِيَنِي الحُسَيْنُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مَكَّةَ فِي جَمَاعَةٍ عَلَيْهِم يَلاَمِقُ الدِّيبَاجِ؛ فَقَالَ: مَا وَرَاءكَ؟
قَالَ: وَكَانَ فِي لِسَانِهِ ثِقَلٌ مِنْ بِرْسَامٍ عَرَضَ لَهُ.
وَقِيْلَ: كَانَ مَعَ الحُسَيْنِ وَجَمَاعَتِهِ اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ فَرَساً.
وَرَوَى: ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدِهِ، قَالُوا:
وَأَخَذَ الحُسَيْنُ طَرِيقَ العُذَيْبِ، حَتَّى نَزَلَ قَصْرَ أَبِي مُقَاتِلٍ، فَخَفَقَ خَفْقَةً، ثُمَّ اسْتَرْجَعَ، وَقَالَ: رَأَيْتُ كَأَنَّ فَارِساً يُسَايِرُنَا، وَيَقُوْلُ: القَوْمُ يَسِيْرُوْنَ، وَالمنَايَا تَسْرِي إِلَيْهِم.
ثُمَّ نَزَلَ كَرْبَلاَءَ، فَسَارَ إِلَيْهِ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ كَالمُكْرَهِ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَقُتلَ أَصْحَابُهُ حَوْلَهُ، وَكَانُوا خَمْسِيْنَ، وَتَحوَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُوْلَئِكَ عِشْرُوْنَ، وَبَقِيَ عَامَّةَ نَهَارِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، وَأَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَكَانَ يَشُدُّ عَلَيْهِم، فَيَهْزِمُهُم، وَهُم يَكرَهُوْنَ الإِقدَامَ عَلَيْهِ، فَصَرَخَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكِلَتْكُم أُمَّهَاتُكُم، مَاذَا تَنْتَظرُوْنَ
بِهِ؟وَطَعَنَهُ سِنَانُ بنُ أَنَسٍ النَّخَعِيُّ فِي ترقُوتِهِ، ثُمَّ طَعَنَهُ فِي صَدْرِهِ، فَخَرَّ، وَاحْتَزَّ رَأْسَهُ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ - لاَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -.
ذَكَرَ ابْنُ سَعْدٍ بِأَسَانِيْدَ لَهُ، قَالُوا:
قَدَّمَ الحُسَيْنُ مُسْلِماً، وَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى هَانِئ بنِ عُرْوَةَ، وَيَكْتُبَ إِلَيْهِ بِخَبَرِ النَّاسِ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ مُسْتَخْفِياً، وَأَتَتْهُ الشِّيْعَةُ، فَأَخَذَ بَيْعَتَهُم، وَكَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ: بَايَعَنِي إِلَى الآنَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً، فَعَجِّلْ، فَلَيْسَ دُوْنَ الكُوْفَةِ مَانِعٌ.
فَأَغذَّ السَّيْرَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى زبَالَةَ، فَجَاءتْ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيْهِ بِدِيوَانٍ فِيْهِ أَسْمَاءُ مائَةِ أَلْفٍ، وَكَانَ عَلَى الكُوْفَةِ النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَخَافَ يَزِيْدُ أَنْ لاَ يُقْدِمَ النُّعْمَانُ عَلَى الحُسَيْنِ.
فَكَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ وَهُوَ عَلَى البَصْرَةِ، فَضَمَّ إِلَيْهِ الكُوْفَةَ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانَ لَكَ جَنَاحَانِ، فَطِرْ إِلَى الكُوْفَةِ!
فَبَادَرَ مُتَعَمِّماً مُتَنَكِّراً، وَمَرَّ فِي السُّوقِ، فَلَمَّا رَآهُ السَّفَلَةُ، اشتَدُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ - يَظُنُّونَهُ الحُسَيْنَ - وَصَاحُوا: يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! الحمدُ للهِ الَّذِي أَرَانَاكَ.
وَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ؛ فَقَالَ: مَا أَشدَّ مَا فَسَدَ هَؤُلاَءِ.
ثُمَّ دَخَلَ المسجِدَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَكَشَفَ لِثَامَهُ، وَظَفِرَ بِرَسُوْلِ الحُسَيْنِ - وَهُوَ عَبْدُ اللهِ بنُ بُقْطرٍ - فَقَتَلَهُ.
وَقَدِمَ مَعَ عُبَيْدِ اللهِ؛ شَرِيْكُ بنُ الأَعْوَرِ - شِيْعِيٌّ -؛ فَنَزَلَ عَلَى هَانِئ بنِ عُرْوَةَ، فَمَرِضَ، فَكَانَ عُبَيْدُ اللهِ يَعُوْدُهُ، فَهَيَّؤُوا لِعُبَيْدِ اللهِ ثَلاَثِيْنَ رَجُلاً لِيَغتَالُوْهُ، فَلَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ.
وَفَهِمَ عُبَيْدُ اللهِ، فَوَثَبَ، وَخَرَجَ، فَنَمَّ عَلَيْهِم عَبْدٌ لِهَانِئ، فَبَعثَ إِلَى هَانِئ - وَهُوَ شَيْخٌ - فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تُجِيْرَ عَدُوِّي؟
قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، جَاءَ حَقٌّ هُوَ أَحَقُّ مِنْ حَقِّكَ.
فَوَثَبَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ بِالعَنَزَةِ حَتَّى غَرزَ رَأْسَهُ بِالحَائِطِ.
وَبَلغَ الخبَرُ مُسلِماً، فَخَرَجَ فِي نَحْوِ الأَرْبَعِ مائَةِ، فَمَا وَصَلَ القَصْرَ إِلاَّ فِي نَحْوِ السِّتِّيْنَ، وَغَربَتِ الشَّمْسُ، فَاقْتَتَلُوا، وَكَثُرَ عَلَيْهِم أَصْحَابُ عُبَيْدِ
اللهِ، وَجَاءَ اللَّيْلُ، فَهَرَبَ مُسْلِمٌ، فَاسْتَجَارَ بِامْرَأَةٍ مِنْ كِنْدَةَ، ثُمَّ جِيْءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَقَتَلَهُ؛ فَقَالَ: دَعْنِي أُوصِ.قَالَ: نَعَمْ.
فَقَالَ لِعُمَرَ بنِ سَعْدٍ: يَا هَذَا! إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَلَيْسَ هُنَا قُرَشِيٌّ غَيرُكَ، وَهَذَا الحُسَيْنُ قَدْ أَظَلَّكَ، فَأَرسِلْ إِلَيْهِ لِيَنصَرِفْ، فَإِنَّ القَوْمَ قَدْ غَرُّوهُ، وَكَذَّبُوْهُ، وَعَلَيَّ دَيْنٌ، فَاقْضِهِ عَنِّي، وَوَارِ جُثَّتِي، فَفَعَلَ ذَلِكَ.
وَبَعَثَ رَجُلاً عَلَى نَاقَةٍ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيَهُ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَلِيٌّ الأَكْبَرُ: ارْجِعْ يَا أَبَه، فَإِنَّهُم أَهْلُ العِرَاقِ وَغَدْرُهُم وَقِلَّةُ وَفَائِهِم.
فَقَالَتْ بَنُو عَقِيْلٍ: لَيْسَ بِحِينِ رُجُوْعٍ.
وَحَرَّضُوهُ، فَقَالَ حُسَيْنٌ لأَصْحَابِهِ: قَدْ تَرَوْنَ مَا أَتَانَا، وَمَا أَرَى القَوْمَ إِلاَّ سَيَخْذُلُوْنَنَا، فَمَنْ أَحبَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَلْيَرْجِعْ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُ قَوْمٌ، وَأَمَّا عُبَيْدُ اللهِ فَجَمعَ المُقَاتِلَةَ، وَبَذَلَ لَهُمُ المَالَ، وَجَهَّزَ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ فِي أَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَأَبَى، وَكَرِهَ قِتَالَ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: لَئِنْ لَمْ تَسِرْ إِلَيْهِ لأَعْزِلَنَّكَ، وَلأَهْدِمَنَّ دَارَكَ، وَأَضْرِبَ عُنُقَكَ.
وَكَانَ الحُسَيْنُ فِي خَمْسِيْنَ رَجُلاً، مِنْهُم تِسْعَةَ عَشَرَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا هَؤُلاَءِ! دَعُوْنَا نَرجِعْ مِنْ حَيْثُ جِئْنَا.
قَالُوا: لاَ.
وَبَلَغَ ذَلِكَ عُبَيْدَ اللهِ، فَهَمَّ أَنْ يُخَلِّيَ عَنْهُ، وَقَالَ: وَاللهِ مَا عَرَضَ لِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِي، وَمَا أَرَانِي إِلاَّ مُخْلٍ سَبِيلَهُ يَذْهَبُ حَيْثُ يَشَاءُ.
فَقَالَ شِمْرٌ: إِنْ فَعَلْتَ، وَفَاتَكَ الرَّجُلُ، لاَ تَسْتَقِيلُهَا أَبَداً.
فَكَتَبَ إِلَى عُمَرَ:
الآنَ حَيْثُ تَعَلَّقَتْهُ حِبَالُنَا ... يَرْجُو النَّجَاةَ وَلاَتَ حِيْنَ مَنَاصِ
فَنَاهَضَهُ، وَقَالَ لِشِمْرٍ: سِرْ، فَإِنْ قَاتَلَ عُمَرَ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَأَنْتَ عَلَى النَّاسِ.
وَضَبَطَ عُبَيْدُ اللهِ الجِسْرَ، فَمَنَعَ مَنْ يَجُوزُهُ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ نَاساً يَتَسلَّلُوْنَ إِلَى الحُسَيْنِ.
قَالَ: فَرَكِبَ العَسْكَرُ، وَحُسَيْنٌ جَالِسٌ، فَرَآهُم مُقَبِلِيْنَ، فَقَالَ لأَخِيْهِ عَبَّاسٍ: الْقَهُم فَسَلْهُم: مَا لَهُم؟فَسَأَلَهُم، قَالُوا: أَتَانَا كِتَابُ الأَمِيْرِ يَأْمُرُنَا أَنْ نَعرِضَ عَلَيْكَ النُّزَولَ عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ نُنَاجِزُكَ.
قَالَ: انْصَرِفُوا عَنَّا العَشِيَّةَ حَتَّى نَنظُرَ اللَّيْلَةَ.
فَانْصَرَفُوا، وَجَمَعَ حُسَيْنٌ أَصْحَابَهُ لَيْلَةَ عَاشُورَاءَ، فَحَمِدَ اللهَ، وَقَالَ: إِنِّيْ لاَ أَحْسِبُ القَوْمَ إِلاَّ مُقَاتِلِيكُم غَداً، وَقَدْ أَذِنتُ لَكُم جَمِيْعاً، فَأَنْتُم فِي حِلٍّ مِنِّي، وَهَذَا اللَّيْلُ قَدْ غَشِيَكُم، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ قُوَّةٌ، فَلْيَضُمَّ إِلَيْهِ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، وَتَفَرَّقُوا فِي سَوَادِكُم، فَإِنَّهُم إِنَّمَا يَطْلبُوْنَنِي، فَإِذَا رَأَوْنِي، لَهَوْا عَنْ طَلَبِكُم.
فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: لاَ أَبْقَانَا اللهُ بَعْدَكَ، وَاللهِ لاَ نُفَارِقُكَ.
وَقَالَ أَصْحَابُهُ كَذَلِكَ.
-الثَّوْرِيُّ: عَنْ أَبِي الجَحَّافِ، عَنْ أَبِيْهِ:
أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلْحُسَيْنِ: إِنَّ عَلَيَّ دَيْناً، قَالَ: لاَ يُقَاتِلْ مَعِيَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ -.
رَجَعَ الحَدِيْثُ إِلَى الأَوَّلِ:
فَلَمَّا أَصْبَحُوا، قَالَ الحُسَيْنُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كَرْبٍ، وَرَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ، وَأَنْتَ فِيمَا نَزَلَ بِي ثِقَةٌ، وَأَنْت وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسَنَةٍ.
وَقَالَ لِعُمَرَ وَجُنْدِهِ: لاَ تَعْجَلُوا، وَاللهِ مَا أَتيتُكُم حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُ أَمَاثِلِكُم بِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ أُمِيتَتْ، وَالنِّفَاقَ قَدْ نَجَمَ، وَالحُدُوْدَ قَدْ عُطِّلَتْ؛ فَاقْدَمْ، لَعَلَّ اللهَ يُصلِحُ بِكَ الأُمَّةَ.
فَأَتَيْتُ؛ فَإِذْ كَرِهتُم ذَلِكَ، فَأَنَا رَاجِعٌ، فَارْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِكُم؛ هَلْ يَصلُحُ لَكُم قَتْلِي، أَوْ يَحِلُّ دَمِي؟ أَلَسْتُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكُم وَابْنَ ابْنِ عَمِّهِ؟ أَوَلَيْسَ حَمْزَةُ وَالعَبَّاسُ وَجَعْفَرٌ عُمُوْمَتِي؟ أَلَمْ يَبلُغْكُم قَوْلُ
رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيَّ وَفِي أَخِي: (هَذَانِ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الجَنَّةِ) ؟فَقَالَ شِمْرٌ: هُوَ يَعَبْدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ إِنْ كَانَ يَدْرِي مَا يَقُوْلُ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ كَانَ أَمرُكَ إِلَيَّ، لأَجَبْتُ.
وَقَالَ الحُسَيْنُ: يَا عُمَرُ! لَيَكُوْنَنَّ لِمَا تَرَى يَوْمٌ يَسُوؤُكَ، اللَّهُمَّ إِنَّ أَهْلَ العِرَاقِ غَرُّوْنِي، وَخَدَعُوْنِي، وَصَنَعُوا بِأَخِي مَا صَنَعُوا، اللَّهُمَّ شَتِّتْ عَلَيْهِم أَمْرَهُم، وَأَحْصِهِمْ عَدَداً.
فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ قَاتَلَ مَوْلَىً لِعُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَبَرَزَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بنُ تَمِيْمٍ الكَلْبِيُّ، فَقَتَلَهُ، وَالحُسَيْنُ جَالِسٌ عَلَيْهِ جُبَّةُ خَزٍّ دَكْنَاءُ، وَالنَّبْلُ يَقعُ حَوْلَهُ، فَوَقَعَتْ نَبْلَةٌ فِي وَلدٍ لَهُ ابْنُ ثَلاَثِ سِنِيْنَ، فَلَبِسَ لأْمَتَهُ، وَقَاتَلَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، حَتَّى قُتِلُوا جَمِيْعاً، وَحَمَلَ وَلدُهُ عَلِيٌّ يَرْتَجِزُ:
أَنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيّ ... نَحْنُ وَبَيْتِ اللهِ أَوْلَى بِالنَّبِيّ
فَجَاءتْهُ طَعنَةٌ، وَعَطِشَ حُسَيْنٌ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِمَاءٍ، فَتَنَاوَلَهُ، فَرمَاهُ حُصَيْنُ بنُ تَمِيْمٍ بِسَهْمٍ، فَوَقَعَ فِي فِيْهِ، فَجَعَلَ يَتَلقَّى الدَّمَ بِيَدِهِ وَيَحْمَدُ اللهَ.
وَتَوجَّهَ نَحْوَ المُسَنَّاةِ يُرِيْدُ الفُرَاتَ، فَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، وَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَأَثبتَهُ فِي حَنَكِهِ، وَبَقِيَ عَامَّةَ يَوْمِهِ لاَ يَقْدَمُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، حَتَّى أَحَاطَتْ بِهِ الرَّجَّالَةُ، وَهُوَ رَابطُ الجَأْشِ، يُقَاتِلُ قِتَالَ الفَارِسِ الشُّجَاعِ، إِنْ كَانَ لَيَشُدُّ عَلَيْهِم، فَيَنكَشِفُوْنَ عَنْهُ انكِشَافَ المِعْزَى شَدَّ فِيْهَا الأَسَدُ، حَتَّى صَاحَ بِهِم شِمْرٌ: ثَكلتْكُم أُمَّهَاتُكُم! مَاذَا تَنْتَظرُونَ بِهِ؟
فَانْتَهَى إِلَيْهِ زُرْعَةُ التَّمِيْمِيُّ، فَضَرَبَ كَتِفَهُ، وَضرَبَهُ الحُسَيْنُ عَلَى عَاتقِهِ، فَصَرَعَهُ، وَبرَزَ سِنَانٌ النَّخَعِيُّ، فَطعَنَهُ فِي ترقُوتِهِ وَفِي صَدْرِهِ، فَخَرَّ، ثُمَّ نَزَلَ لِيَحتَزَّ رَأْسَهُ، وَنَزَلَ خَوْلِيٌّ الأَصْبَحِيُّ، فَاحتَزَّ رَأْسَهُ، وَأَتَى بِهِ عُبَيْدَ اللهِ بنَ زِيَادٍ، فَلَمْ يُعْطِهِ شَيْئاً.
قَالَ: وَوُجِدَ بِالحُسَيْنِ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ جِرَاحَةً، وَقُتِلَ مِنْ جَيْشِ عُمَرَ بنِ
سَعْدٍ ثَمَانِيَةٌ وَثَمَانُوْنَ نَفْساً.قَالَ: وَلَمْ يَفْلِتْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الحُسَيْنِ سِوَى وَلَدِهِ عَلِيٍّ الأَصْغَرِ - فَالحُسَيْنِيَّةِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ - كَانَ مَرِيضاً.
وَحَسَنُ بنُ حَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ، وَأَخُوْهُ عَمْرٌو، وَلاَ عَقِبَ لَهُ، وَالقَاسِمُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَقِيْلٍ، فَقَدِمَ بِهِم وَبِزَيْنَبَ وَفَاطِمَةَ بِنْتَيْ عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ وَسُكَيْنَةَ بِنْتَيِ الحُسَيْنِ، وَزَوْجَتِهِ الرَّبَابِ الكَلْبِيَّةِ وَالِدَةِ سُكَيْنَةَ، وَأُمِّ مُحَمَّدٍ بِنْتِ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَبِيدٍ وَإِمَاءٍ لَهُم.
قَالَ: وَأُخِذَ ثَقَلُ الحُسَيْنِ، وَأَخَذَ رَجُلٌ حُلِيَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ الحُسَيْنِ، وَبَكَى؛ فَقَالَتْ: لِمَ تَبْكِي؟
فَقَالَ: أَأَسْلُبُ بِنْتَ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلاَ أَبْكِي؟
قَالَتْ: فَدَعْهُ.
قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَأْخُذَهُ غَيْرِي.
وَأَقْبَلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ، فَقَالَ: مَا رَجَعَ رَجُلٌ إِلَى أَهْلِهِ بِشَرٍّ مِمَّا رَجَعْتُ بِهِ، أَطَعْتُ ابْنَ زِيَادٍ، وَعَصَيْتُ اللهَ، وَقَطَعْتُ الرَّحِمَ.
وَوَردَ البَشِيْرُ عَلَى يَزِيْدَ؛ فَلَمَّا أَخْبَرَهُ، دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، وَقَالَ: كُنْتُ أَرْضَى مِنْ طَاعَتِكُم بِدُوْنِ قَتْلِ الحُسَيْنِ.
وَقَالَتْ سُكَيْنَةُ: يَا يَزِيْدُ؛ أَبَنَاتُ رَسُوْلِ اللهِ سَبَايَا؟
قَالَ: يَا بِنْتَ أَخِي! هُوَ -وَاللهِ - عَلَيَّ أَشدُّ مِنْهُ عَلَيْكِ، أَقْسَمْتُ وَلَوْ أَنَّ بَيْنَ ابْنِ زِيَادٍ وَبَيْنَ حُسَيْنٍ قَرَابَةٌ مَا أَقدَمَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبينَهُ سُمَيَّةُ، فَرَحِمَ اللهُ حُسَيْناً، عَجَّلَ عَلَيْهِ ابْنُ زِيَادٍ، أَمَا وَاللهِ لَوْ كُنْتُ صَاحِبَهُ، ثُمَّ لَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِ القَتْلِ عَنْهُ إِلاَّ بِنَقْصِ بَعْضِ عُمُرِي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَدْفعَهُ عَنْهُ، وَلَوَدِدْتُ أَنْ أُتِيتُ بِهِ سلماً.
ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ، فَقَالَ: أَبُوْكَ قَطَعَ رَحِمِي، وَنَازَعَنِي سُلطَانِي.
فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: إِنَّ سِبَاءهُم لَنَا حَلاَلٌ.
قَالَ عَلِيٌّ: كَذَبْتَ، إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ مِلَّتِنَا.
فَأَطْرَقَ يَزِيْدُ، وَأَمَرَ بِالنِّسَاءِ، فَأُدْخِلْنَ عَلَى نِسَائِهِ، وَأَمَرَ
نِسَاءَ آلِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَقَمْنَ المَأْتَمَ عَلَى الحُسَيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ... ، إِلَى أَنْ قَالَ:وَبَكَتْ أُمُّ كُلْثُوْمٍ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَامِرٍ، فَقَالَ يَزِيْدُ وَهُوَ زَوْجُهَا: حُقَّ لَهَا أَنْ تُعْوِلَ عَلَى كَبِيْرِ قُرَيْشٍ وَسيِّدِهَا.
جَرِيرُ بنُ حَازِمٍ: عَنِ الزُّبَيْرِ بن الخِرِّيْتِ، سَمِعَ الفَرَزْدَقَ يَقُوْلُ:
لَقِيتُ الحُسَيْنَ بِذَاتِ عِرْقٍ، فَقَالَ: مَا تَرَى أَهْلَ الكُوْفَةِ صَانِعِيْنَ مَعِي؟ فَإِنَّ مَعِي حِمْلاً مِنْ كُتُبِهِم؟
قُلْتُ: يَخذُلُوْنَكَ، فَلاَ تَذْهَبْ.
وَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَذكُرُ لَهُ خُروجَ الحُسَيْنِ، وَيَقُوْلُ:
نَحسِبُ أَنَّهُ جَاءهُ رِجَالٌ مِنَ المَشْرِقِ، فَمَنَّوْهُ الخِلاَفَةَ، وَعِنْدَكَ مِنْهُم خَبَرُهُ، فَإِنْ فَعلَ، فَقَدْ قَطَعَ القَرَابَةَ وَالرَّحِمَ، وَأَنْتَ كَبِيْرُ أَهْلِ بَيْتِكَ وَالمَنظُورُ إِلَيْهِ، فَاكْفُفْهُ عَنِ السَّعِيِ فِي الفُرْقَةِ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنِّيْ لأَرْجُو أَنْ لاَ يَكُوْنَ خُروجُهُ لأَمرٍ تَكرَهُ، وَلَسْتُ أَدَعُ النَّصيحَةَ لَهُ.
وَبَعَثَ حُسَيْنٌ إِلَى المَدِيْنَةِ، فَلحِقَ بِهِ مَنْ خَفَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ وَهُم تِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً، وَنِسَاءٌ، وَصِبيَانُ، وَتَبِعَهُم أَخُوْهُ مُحَمَّدٌ، فَأَدْرَكَهُ بِمَكَّةَ، وَأَعْلَمَهُ أَنَّ الخُرُوجَ يَوْمَهُ هَذَا لَيْسَ بِرَأْيٍ، فَأَبَى، فَمَنَعَ مُحَمَّدٌ وَلَدَهُ، فَوجَدَ عَلَيْهِ الحُسَيْنُ، وَقَالَ: تَرغَبُ بوَلَدِكَ عَنْ مَوْضِعٍ أُصَابُ فِيْهِ.
وَبَعَثَ أَهْلُ العِرَاقِ رُسُلاً وَكُتُباً إِلَيْهِ، فَسَارَ فِي آلِهِ، وَفِي سِتِّيْنَ شَيْخاً مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ.
فَكَتَبَ مَرْوَانُ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادِ بنِ أَبِيْهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الحُسَيْنَ قَدْ تَوجَّهَ إِلَيْكَ، وَتَاللهِ مَا أَحَدٌ يُسلِمهُ اللهُ أَحبُّ إِلَيْنَا مِنَ الحُسَيْنِ، فَإِيَّاكَ أَنْ تَهِيْجَ عَلَى نَفْسِكَ مَا لاَ يَسُدُّه شَيْءٌ.
وَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بنُ سَعِيْدٍ الأَشْدَقُ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَقَدْ تَوجَّهَ إِلَيْك الحُسَيْنُ، وَفِي مِثْلِهَا تُعتَقُ أَوْ تُستَرَقُّ.الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
خَرَجَ الحُسَيْنُ، فَكَتَبَ يَزِيْدُ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ نَائِبِهِ : إِنَّ حُسَيْناً صَائِرٌ إِلَى الكُوْفَةِ، وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ زَمَانُكَ مِنْ بَيْنِ الأَزْمَانِ، وَبَلَدُكَ مِنْ بَيْنِ البُلدَانِ، وَأَنْتَ مِنْ بَيْنِ العُمَّالِ، وَعِنْدَهَا تُعتَقُ، أَوْ تَعُوْدُ عَبْداً.
فَقَتَلَهُ ابْنُ زِيَادٍ، وَبَعَثَ بِرَأْسِهِ إِلَيْهِ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنِي أَعْرَابِيٌّ يُقَالَ لَهُ: بُجَيْرٌ مِنْ أَهْلِ الثَّعْلَبِيَّة لَهُ مائَةٌ وَسِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً، قَالَ:
مَرَّ الحُسَيْنُ وَأَنَا غُلاَمٌ، وَكَانَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ لَهُ أَخِي: يَا ابْنَ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ! أَرَاكَ فِي قِلَّةٍ مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَ بِالسَّوْطِ - وَأَشَارَ إِلَى حَقِيبَةِ الرَّحْلِ -: هَذِهِ خَلْفِي مَمْلُوْءةٌ كُتُباً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا شِهَابُ بنُ خِرَاشٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ، قَالَ:
كُنْتُ فِي الجَيْشِ الَّذِيْنَ جَهَّزَهُم عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ إِلَى الحُسَيْنِ، وَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفٍ يُرِيْدُوْنَ الدَّيْلَمَ، فَصَرَفَهُم عُبَيْدُ اللهِ إِلَى الحُسَيْنِ، فَلَقِيْتُهُ، فَقُلْتُ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ.
قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ.
وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ.
قَالَ شِهَابٌ: فَحَدَّثْتُ بِهِ زَيْدَ بنَ عَلِيٍّ، فَأَعْجَبَهُ؛ وَكَانَتْ فِيْهِ غُنَّةٌ.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ: عَنْ يَزِيْدَ الرِّشْكِ، قَالَ:
حدَّثَنِي مَنْ شَافَهَ الحُسَيْنَ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبْنِيَةً مَضْرُوْبَةً لِلْحُسَيْنِ، فَأَتَيْتُ، فَإِذَا شَيْخٌ يَقرَأُ القُرْآنَ، وَالدُّمُوعُ تَسِيْلُ عَلَى خَدَّيْهِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ! مَا أَنْزَلَكَ
هَذِهِ البلاَدَ وَالفَلاَةَ؟قَالَ: هَذِهِ كُتُبُ أَهْلِ الكُوْفَةِ إِلَيَّ، وَلاَ أَرَاهُم إِلاَّ قَاتلِيَّ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، لَمْ يَدَعُوا للهِ حُرمَةً إِلاَّ انْتَهَكُوهَا، فَيُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِم مَنْ يُذِلُّهُم حَتَّى يَكُوْنُوا أَذلَّ مِنْ فَرَمِ الأَمَةِ - يَعْنِي: مَقنعَتهَا -.
المَدَائِنِيُّ: عَنِ الحَسَنِ بنِ دِيْنَارٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ قُرَّةَ، قَالَ:
قَالَ الحُسَيْنُ: وَاللهِ لَيُعْتَدَيَنَّ عَلَيَّ كَمَا اعْتَدَتْ بَنُو إِسْرَائِيْلَ فِي السَّبتِ.
أَحْمَدُ بنُ جَنَابٍ المَصِّيْصِيُّ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ يَزِيْدَ القَسْرِيُّ، حَدَّثَنَا عَمَّارٌ الدُّهْنِيُّ:
قُلْتُ لأَبِي جَعْفَرٍ البَاقِرِ: حَدِّثْنِي بِقَتْلِ الحُسَيْنِ.
فَقَالَ: مَاتَ مُعَاوِيَةُ، فَأَرْسَلَ الوَلِيْدُ بنُ عُتْبَةَ وَالِي المَدِيْنَةِ إِلَى الحُسَيْنِ لِيُبَايِعَ، فَقَالَ: أَخِّرْنِي.
وَرَفَقَ بِهِ، فَأَخَّرهُ، فَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَأَتَاهُ رُسُلُ أَهْلِ الكُوْفَةِ، وَعَلَيْهَا النُّعْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، فَبَعثَ الحُسَيْنُ ابْنَ عَمِّهِ مُسْلِمَ بنَ عَقِيْلٍ: أَنْ سِرْ، فَانظُرْ مَا كَتَبُوا بِهِ.
فَأَخَذَ مُسْلِمٌ دَليلَيْنِ وَسَارَ، فَعطِشُوا فِي البَرِّيَّةِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمَا.
وَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الحُسَيْنِ يَسْتَعْفِيهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: امْضِ إِلَى الكُوْفَةِ.
وَلَمْ يُعْفِهِ، فَقَدِمَهَا، فَنَزَلَ عَلَى عَوْسَجَةٍ، فَدَبَّ إِلَيْهِ أَهْلُ الكُوْفَةِ، فَبَايَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً.
فَقَامَ عُبَيْدُ اللهِ بنُ مُسْلِمٍ؛ فَقَالَ لِلنُّعْمَانِ: إِنَّكَ لَضَعِيْفٌ!
قَالَ: لأَنْ أَكُوْنَ ضَعيفاً أَحبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُوْنُ قَوِيّاً فِي مَعصِيَةِ اللهِ، وَمَا كُنْتُ لأَهْتِكَ سِتراً سَتَرَهُ اللهُ.
وَكَتَبَ بِقَوْلِهِ إِلَى يَزِيْدَ، وَكَانَ يَزِيْدُ سَاخِطاً عَلَى عُبَيْدِ اللهِ بنِ زِيَادٍ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ بِرِضَاهُ عَنْهُ، وَأَنَّهُ وَلاَّهُ الكُوْفَةَ مُضَافاً إِلَى البَصْرَةِ، وَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَقتُلَ مُسْلِماً.
فَأَسرعَ عُبَيْدُ اللهِ فِي وُجُوهِ أَهْلِ البَصْرَةِ إِلَى الكُوْفَةِ مُتَلَثِّماً، فَلاَ يَمرُّ بِمَجْلِسٍ، فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِم إِلاَّ قَالُوا: وَعَلَيْكَ
السَّلاَمُ يَا ابْنَ رَسُوْلِ اللهِ - يَظنُّونَهُ الحُسَيْنَ -.فَنَزَلَ القَصْرَ؛ ثُمَّ دَعَا مَوْلَىً لَهُ، فَأَعْطَاهُ ثَلاَثَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ: اذهَبْ حَتَّى تَسْأَلَ عَنِ الَّذِي يُبَايِعُ أَهْلَ الكُوْفَةِ، فَقُلْ: أَنَا غَرِيْبٌ، جِئْتُ بِهَذَا المَالِ يَتَقْوَّى بِهِ.
فَخَرَجَ، وَتَلَطَّفَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى شَيْخٍ يَلِي البَيْعَةَ، فَأَدخلَهُ عَلَى مُسْلِمٍ، وَأَعْطَاهُ الدَّرَاهِمَ، وَبَايَعَهُ، وَرَجَعَ، فَأَخْبَرَ عُبَيْدَ اللهِ.
وَتَحوَّلَ مُسْلِمٌ إِلَى دَارِ هَانِئ بنِ عُرْوَةَ المُرَادِيِّ، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: مَا بَالُ هَانِئ لَمْ يَأْتِنَا؟
فَخَرَجَ إِلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ الأَشْعَثِ، وَغَيرُهُ، فَقَالُوا: إِنَّ الأَمِيْرَ قَدْ ذَكَرَكَ.
فَرَكِبَ مَعَهُم، وَأَتَاهُ وَعِنْدَهُ شُرَيْحٌ القَاضِي، فَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ: أَتَتْكَ بِحَائِنٍ رِجْلاَهُ.
فَلَمَّا سَلَّمَ، قَالَ: يَا هَانِئُ! أَيْنَ مُسْلِمٌ؟
قَالَ: مَا أَدْرِي.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الدَّرَاهمِ، فَلَمَّا رَآهُ، قَطَعَ بِهِ، وَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيْرُ! وَاللهِ مَا دَعَوتُهُ إِلَى مَنْزلِي، وَلَكِنَّهُ جَاءَ، فَرَمَى نَفْسَهُ عَلَيَّ.
قَالَ: ائْتِنِي بِهِ.
قَالَ: وَاللهِ لَوْ كَانَ تَحْتَ قَدَمَيَّ، مَا رَفَعْتُهُمَا عَنْهُ.
فَضَرَبَهُ بِعَصاً، فَشَجَّهُ، فَأَهْوَى هَانِئٌ إِلَى سَيْفِ شُرَطِيٍّ يَسْتَلُّهُ، فَمَنَعَهُ، وَقَالَ: قَدْ حَلَّ دَمُكَ.
وَسَجَنَهُ، فطَارَ الخَبرُ إِلَى مَذْحِجٍ، فَإِذَا عَلَى بَابِ القَصْرِ جَلَبَةٌ، وَبلغَ مُسلِماً الخبرُ، فَنَادَى بِشعَارِهِ، فَاجتَمَعَ إِلَيْهِ أَرْبَعُوْنَ أَلْفاً، فَعَبَّأَهُم، وَقَصَدَ القَصْرَ، فَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ إِلَى وُجُوهِ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَجَمَعَهُم عِنْدَهُ، وَأَمَرَهُم، فَأَشْرَفُوا مِنَ القَصْرِ عَلَى عَشَائِرِهِم، فَجَعَلُوا يُكلِّمُونَهُم، فَجَعَلُوا يَتَسلَّلُوْنَ حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ فِي خَمْسِ مائَةٍ، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى الحُسَيْنِ لِيُسرِعَ، فَلَمَّا دَخَلَ اللَّيْلُ، ذهبَ أُوْلَئِكَ، حَتَّى بَقِيَ مُسْلِمٌ وَحدَهُ يَتردَّدُ فِي الطُّرُقِ.
فَأَتَى بَيْتاً! فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ، فَقَالَ: اسْقِنِي.
فَسَقَتْهُ، ثُمَّ دَخَلَتْ، وَمَكَثَتْ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ خَرَجَتْ، فَإِذَا بِهِ عَلَى البَابِ، فَقَالَتْ: يَا هَذَا، إِنَّ مَجْلِسَكَ مَجْلِسُ رِيْبَةٍ،
فَقُمْ.فَقَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بنُ عَقِيْلٍ، فَهَلْ مَأْوَىً؟
قَالَتْ: نَعَمْ.
فَأَدَخَلَتْهُ، وَكَانَ ابْنُهَا مَوْلَىً لِمُحَمَّدِ بنِ الأَشْعَثِ، فَانْطَلقَ إِلَى مَوْلاَهُ، فَأَعلَمَهُ، فَبَعثَ عُبَيْدُ اللهِ الشُّرَطَ إِلَى مُسْلِمٍ، فَخَرَجَ، وَسَلَّ سَيْفَهُ، وَقَاتَلَ، فَأَعْطَاهُ ابْنُ الأَشْعَثِ أَمَاناً، فَسَلَّمَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَضَربَ عُنُقَهُ، وَأَلقَاهُ إِلَى النَّاسِ، وَقَتَلَ هَانِئاً، فَقَالَ الشَّاعِرُ :
فَإِنْ كُنْتِ لاَ تَدْرِينَ مَا المَوْتُ فَانْظُرِي ... إِلَى هَانِئ فِي السُّوقِ وَابْنِ عَقِيْلِ
أَصَابَهُمَا أَمْرُ الأَمِيْرِ فَأَصْبَحَا ... أَحَادِيْثَ مَنْ يَسْعَى بِكُلِّ سَبِيلِ
أَيَرْكَبُ أَسْمَاءُ الهَمَالَيجَ آمِناً ... وَقَدْ طَلَبَتْهُ مَذْحِجٌ بِقَتِيْلِ
يَعنِي: أَسْمَاءَ بنَ خَارِجَةَ.
قَالَ: وَأَقبلَ حُسَيْنٌ عَلَى كِتَابِ مُسْلِمٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ عَلَى سَاعَةٍ مِنَ القَادِسِيَّةِ، لَقيَهُ رَجُلٌ؛ فَقَالَ لِلْحُسَيْنِ: ارْجِعْ، لَمْ أَدَعْ لَكَ وَرَائِي خَيْراً.
فَهَمَّ أَنْ يَرْجِعَ، فَقَالَ إِخوَةُ مُسْلِمٍ: وَاللهِ لاَ نَرجِعُ حَتَّى نَأْخُذَ بِالثَّأْرِ، أَوْ نُقتَلَ.
فَقَالَ: لاَ خَيْرَ فِي الحَيَاةِ بَعْدَكُم.
وَسَارَ، فَلَقِيَتْهُ خَيلُ عُبَيْدِ اللهِ، فَعَدَلَ إِلَى كَرْبَلاَءَ، وَأَسندَ ظَهْرَهُ إِلَى قُصَمْيَا حَتَّى لاَ يُقَاتَلَ إِلاَّ مِنْ وَجهٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ مَعَهُ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُوْنَ فَارِساً، وَنَحْوٌ مِنْ مائَةِ رَاجِلٍ.
وَجَاءَ عُمَرُ بنُ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ - وَقَدْ وَلاَّهُ عُبَيْدُ اللهِ بنُ زِيَادٍ عَلَى العَسْكَرِ - وَطلبَ مِنْ عُبَيْدِ اللهِ أَنْ يَعْفِيَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَبَى.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: اخْتَارُوا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَدَعُوْنِي، فَأَلْحَقَ بِالثُّغُوْرِ؛ وَإِمَّا أَنْ أَذهَبَ إِلَى يَزِيْدَ، أَوْ أُرَدَّ إِلَى المَدِيْنَةِ.
فَقَبِلَ عُمَرُ ذَلِكَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي.
فَقَالَ الحُسَيْنُ: لاَ وَاللهِ!
وَقَاتَلَ، فَقُتِلَ أَصْحَابُهُ، مِنْهُم بِضْعَةَ عَشَرَ شَابّاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
قَالَ: وَيَجِيْءُ سَهْمٌ، فَيَقَعُ بِابْنٍ لَهُ صَغِيْرٍ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْهُ، وَيَقُوْلُ:اللَّهُمَّ احْكُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا، دَعَوْنَا لِيَنْصُرُونَا، ثُمَّ يَقْتُلُوْنَنَا.
ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مَذْحِجِيٌّ، وَحَزَّ رَأْسَهُ، وَمَضَى بِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَقَالَ:
أَوْقِرْ رِكَابِي ذَهَبَا ... فَقَدْ قَتَلْتُ المَلِكَ المُحَجَّبَا
قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ أُمّاً وَأَبَا...
فَوفَدَهُ إِلَى يَزِيْدَ وَمَعَهُ الرَّأْسُ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعِنْدَهُ أَبُو بَرْزَةَ الأَسْلَمِيُّ؛ فَجَعَلَ يَزِيْدُ يَنكُتُ بِالقَضِيْبِ عَلَى فِيْهِ، وَيَقُوْلُ :
نُفَلِّقُ هَاماً مِنْ أُنَاسٍ أَعِزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُم كَانُوا أَعَقَّ وَأَظْلَمَا
كَذَا قَالَ أَبُو بَرْزَةَ.
وَإِنَّمَا المَحْفُوظُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ.
قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: ارْفَعْ قَضِيبَكَ؛ لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاهُ عَلَى فِيْهِ.
قَالَ: وَسَرَّحَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِحَرِيْمِهِ وَعِيَالِهِ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ.
وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْهُم إِلاَّ غُلاَمٌ كَانَ مَرِيضاً مَعَ النِّسَاءِ، فَأَمَرَ بِهِ عُبَيْدُ اللهِ لِيُقْتَلَ، فَطَرَحَتْ عَمَّتُهُ زَيْنَبُ نَفْسَهَا عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: لاَ يُقتَلُ حَتَّى تَقْتُلُوْنِي.
فَرَقَّ لَهَا، وَجَهَّزَهُم إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى يَزِيْدَ، جَمَعَ مَنْ كَانَ بِحَضَرتِهِ، وَهَنَّؤُوهُ؛ فَقَامَ رَجُلٌ
أَحْمَرُ أَزرقُ، وَنَظَرَ إِلَى صَبِيَّةٍ مِنْهُم، فَقَالَ: هَبْهَا لِي يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.فَقَالَتْ زَيْنَبُ: لاَ وَلاَ كرَامَةَ لَكَ إِلاَّ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ دِيْنِ اللهِ.
فَقَالَ لَهُ يَزِيْدُ: كُفَّ.
ثُمَّ أَدخَلَهُم إِلَى عِيَالِهِ، فَجَهَّزَهُم، وَحَمَلَهُم إِلَى المَدِيْنَةِ.
إِلَى هُنَا عَنْ: أَحْمَدَ بنِ جَنَابٍ.
الزُّبَيْرُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حَسَنٍ:
لَمَّا نَزلَ عُمَرُ بنُ سَعْدٍ بِالحُسَيْنِ، خَطبَ أَصْحَابَهُ، وَقَالَ: قَدْ نَزلَ بِنَا مَا تَرَوْنَ، وَإِنَّ الدُّنْيَا قَدْ تَغَيَّرَتْ وَتَنكَّرَتْ، وَأَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا، وَاسْتُمْرِئَتْ حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلاَّ كَصُبَابَةِ الإِنَاءِ، وَإِلاَّ خَسِيسُ عَيْشٍ كَالمَرْعَى الوَبِيْلِ، أَلاَ تَرَوْنَ الحَقَّ لاَ يُعْمَلُ بِهِ، وَالبَاطِلَ لاَ يُتنَاهَى عَنْهُ؟ لِيَرْغَبَ المُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللهِ، إِنِّيْ لاَ أَرَى المَوْتَ إِلاَّ سَعَادَةً، وَالحيَاةَ مَعَ الظَّالِمِيَنَ إِلاَّ نَدَماً.
خَالِدُ بنُ عَبْدِ اللهِ: عَنِ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ:
أَنَّ الحُسَيْنَ لَمَّا أَرهَقَهُ السِّلاَحُ، قَالَ: أَلاَ تَقْبَلُوْنَ مِنِّي مَا كَانَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْبَلُ مِنَ المُشْرِكِيْنَ؟ كَانَ إِذَا جَنَحَ أَحَدُهُم، قَبِلَ مِنْهُ.
قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَدَعُوْنِي أَرجِعُ.
قَالُوا: لاَ.
قَالَ: فَدَعُوْنِي آتِي أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ.
فَأَخَذَ لَهُ رَجُلٌ السِّلاَحَ، فَقَالَ لَهُ: أَبْشِرْ بِالنَّارِ.
فَقَالَ: بَلْ - إِنْ شَاءَ اللهُ - بِرَحْمَةِ رَبِّي، وَشَفَاعَةِ نَبِيِّي.
فَقُتِلَ، وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، فَوُضِعَ فِي طَسْتٍ بَيْنَ يَدَيِ ابْنِ زِيَادٍ، فَنَكتَهُ بِقَضِيْبِهِ، وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ غُلاَماً صَبِيْحاً.
ثُمَّ قَالَ: أَيُّكُم قَاتِلُهُ؟
فَقَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ:
وَمَا قَالَ لَكَ؟ ... ، فَأَعَادَ الحَدِيْثَ.قَالَ: فَاسوَدَّ وَجهُهُ.
أَبُو مَعْشَرٍ: عَنْ رِجَالِهِ، قَالَ:
قَالَ الحُسَيْنُ حِيْنَ نَزَلُوا كَرْبَلاَءَ: مَا اسمُ هَذِهِ الأَرْضِ؟
قَالُوا: كَرْبَلاَءَ.
قَالَ: كَرْبٌ وَبَلاَءٌ.
وَبَعَثَ عُبَيْدُ اللهِ لِحَرْبِهِ عُمَرَ بنَ سَعْدٍ، فَقَالَ: يَا عُمَرُ! اخْتَرْ مِنِّي إِحْدَى ثَلاَثٍ: إِمَّا أَنْ تَتْرُكَنِي أَرجِعُ، أَوْ فَسَيِّرْنِي إِلَى يَزِيْدَ، فَأَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ، فَإِنْ أَبَيْتَ، فَسَيِّرْنِي إِلَى التُّركِ، فَأُجَاهِدَ حَتَّى أَمُوْتَ.
فَبَعثَ بِذَلِكَ إِلَى عُبَيْدِ اللهِ، فَهَمَّ أَنْ يُسَيِّرَهُ إِلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ لَهُ شِمْرُ بنُ ذِي الجَوْشِنِ: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى حُكمِكَ.
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ، فَقَالَ الحُسَيْنُ: وَاللهِ لاَ أَفعَلُ.
وَأَبطَأَ عُمَرُ عَنْ قِتَالِهِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عُبَيْدُ اللهِ شِمْرَ بنَ ذِي الجَوْشِنِ، فَقَالَ: إِنْ قَاتَلَ، وَإِلاَّ فَاقْتُلْهُ، وَكُنْ مَكَانَهُ.
وَكَانَ مِنْ جُندِ عُمَرَ ثَلاَثُونَ مِنْ أَهْلِ الكُوْفَةِ، فَقَالُوا: يَعرِضُ عَلَيْكُم ابْنُ بِنْتِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلاَثَ خِصَالٍ فَلاَ تَقْبَلُوْنَ وَاحِدَةً! وَتَحوَّلُوا إِلَى الحُسَيْنِ، فَقَاتَلُوا.
عَبَّادُ بنُ العَوَّامِ: عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ:
أَدْرَكْتُ مَقْتَلَ الحُسَيْنِ، فحَدَّثَنِي سَعْدُ بنُ عُبَيْدَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ الحُسَيْنَ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ برُودٌ، رَمَاهُ رَجُلٌ يُقَالَ لَهُ: عَمْرُو بنُ خَالِدٍ الطُّهَوِيُّ بِسَهْمٍ، فَنَظَرْتُ إِلَى السَّهْمِ فِي جَنْبِهِ.
هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
رَمَى زُرْعَةُ الحُسَيْنَ بِسَهمٍ، فَأَصَابَ حَنَكَهُ، فَجَعلَ يَتَلَقَّى الدَّمَ، ثُمَّ يَقُوْلُ هَكَذَا إِلَى السَّمَاءِ.
وَدَعَا بِمَاءٍ لِيَشْرَبَ، فَلَمَّا رَمَاهُ، حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ ظَمِّهِ.
قَالَ: فَحَدَّثَنِي مِنْ شَهِدَهُ وَهُوَ يَمُوتُ، وَهُوَ يَصِيحُ مِنَ الحَرِّ فِي بَطْنِهِ وَالبَرْدِ فِي ظَهْرِهِ، وَبَيْنَ
يَدَيْهِ المَرَاوِحُ وَالثَّلجُ وَهُوَ يَقُوْلُ: اسْقُونِي أَهْلَكَنِي العَطَشُ، فَانْقَدَّ بَطْنُهُ.الكَلْبِيُّ: رَافِضِيٌّ، مُتَّهَمٌ.
قَالَ الحَسَنُ البَصْرِيُّ: أَقْبَلَ مَعَ الحُسَيْنِ سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ.
وَعَنِ ابْنِ سِيْرِيْنَ: لَمْ تَبْكِ السَّمَاءُ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَ يَحْيَى -عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلاَّ عَلَى الحُسَيْنِ.
عُثْمَانُ بنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنْ عِيْسَى بنِ الحَارِثِ الكِنْدِيِّ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، مَكَثْنَا أَيَّاماً سَبْعَةً، إِذَا صَلَّينَا العَصرَ، فَنَظَرْنَا إِلَى الشَّمْسِ عَلَى أَطرَافِ الحِيطَانِ كَأَنَّهَا المَلاَحِفُ المُعَصْفَرَةُ، وَنَظَرْنَا إِلَى الكَوَاكبِ يَضرِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ عَلِيِّ بنِ مُدْرِكٍ، عَنْ جَدِّهِ الأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، قَالَ:
احْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ بَعْدَ قَتْلِ الحُسَيْنِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ تُرَى كَالدَّمِ.
هِشَامُ بنُ حَسَّانٍ: عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ:
تَعْلَمُ هَذِهِ الحُمْرَةُ فِي الأُفُقِ مِمَّ؟ هُوَ مِنْ يَوْمِ قَتْلِ الحُسَيْنِ.
الفَسَوِيُّ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ، قَالَ:
حَدَّثَتْنَا أُمُّ سُوْقٍ العَبْديَّةُ؛ قَالَتْ:
حدَّثَتْنِي نَضْرَةُ الأَزْدِيَّةُ، قَالَتْ:
لَمَّا أَنْ قُتِلَ الحُسَيْنُ، مَطَرِتِ السَّمَاءُ مَاءً، فَأَصْبَحْتُ وَكُلُّ شَيْءٍ لَنَا مَلآنُ دَماً.
جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ: حَدَّثَتْنِي خَالتِي، قَالَتْ:
لَمَّا قُتلَ الحُسَيْنُ، مُطِرْنَا مَطَراً كَالدَّمِ.
يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ:قُتِلَ الحُسَيْنُ وَلِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَصَارَ الوَرسُ الَّذِي كَانَ فِي عَسْكَرِهِم رَمَاداً، وَاحْمَرَّتْ آفَاقُ السَّمَاءِ، وَنَحَرُوا نَاقَةً فِي عَسكَرِهِم، فَكَانُوا يَرَوْنَ فِي لَحْمِهَا النِّيرَانَ.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي، قَالَتْ:
لَقَدْ رَأَيْتُ الوَرسَ عَادَ رَمَاداً، وَلَقَدْ رَأَيْتُ اللَّحمَ كَأَنَّ فِيْهِ النَّارَ حيَنَ قُتِلَ الحُسَيْنُ.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: حَدَّثَنِي جَمِيْلُ بنُ مُرَّةَ، قَالَ:
أَصَابُوا إِبِلاً فِي عَسكَرِ الحُسَيْنِ يَوْمَ قُتِلَ، فَطَبَخُوا مِنْهَا، فَصَارَتْ كَالعَلْقَمِ.
قُرَّةُ بنُ خَالِدٍ: سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ العُطَارِدِيَّ، قَالَ:
كَانَ لَنَا جَارٌ مِنْ بَلْهُجَيْمٍ، فَقَدِمَ الكُوْفَةَ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ هَذَا الفَاسِقَ ابْنَ الفَاسِقِ قَتَلَهُ اللهُ -يَعْنِي: الحُسَيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -.
فَرَمَاهُ اللهُ بِكَوْكَبَيْنِ مِنَ السَّمَاءِ، فَطُمِسَ بَصَرُهُ.
قَالَ عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ الحَلَبِيُّ: قَالَ السُّدِّيُّ:
أَتيتُ كَرْبَلاَءَ تَاجِراً، فَعَمِلَ لَنَا شَيْخٌ مِنْ طَيٍّ طَعَاماً، فَتَعَشَّيْنَا عِنْدَهُ، فَذَكَرْنَا قَتْلَ الحُسَيْنَ، فَقُلْتُ: مَا شَارَكَ أَحَدٌ فِي قَتْلِهِ إِلاَّ مَاتَ مِيْتَةَ سُوءٍ.
فَقَالَ: مَا أَكْذَبَكُم، أَنَا مِمَّنْ شَرَكَ فِي ذَلِكَ.
فَلَمْ نَبْرحْ حَتَّى دَنَا مِنَ السِّرَاجِ وَهُوَ يَتَّقِدُ بِنَفْطٍ، فَذَهَبَ يُخرِجُ الفَتِيْلَةَ بِأُصبُعِهِ، فَأَخَذَتِ النَّارُ فِيْهَا، فَذَهَبَ يُطفِئُهَا بِرِيقِهِ، فَعَلِقَتِ النَّارُ فِي لِحْيتِهِ، فَعَدَا، فَأَلقَى نَفْسَهُ فِي المَاءِ، فَرَأَيْتُهُ كَأَنَّهُ حُمَمَةً.
ابْنُ عُيَيْنَةَ: حدَّثَتْنِي جدَّتِي أُمُّ أَبِي، قَالَتْ:أَدْرَكتُ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ شَهِدَ قَتْلَ الحُسَيْنِ؛ فَأَمَّا أَحَدُهُمَا؛ فَطَالَ ذَكَرُهُ حَتَّى كَانَ يَلُفُّهُ، وَأَمَّا الآخَرُ؛ فَكَانَ يَسْتَقبِلُ الرَّاوِيَةَ، فَيَشْرَبُهَا كُلَّهَا.
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَ:
أَوَّلُ مَا عُرِفَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي مَجْلِسِ الوَلِيْدِ؛ فَقَالَ الوَلِيْدُ: أَيُّكُم يَعْلَمُ مَا فَعَلَتْ أَحْجَارُ بَيْتِ المَقْدِسِ يَوْمَ قَتْلِ الحُسَيْنِ؟
فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُقْلَبْ حَجَرٌ إِلاَّ وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيْطٌ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَلِيِّ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ الحُسَيْنُ، جِيْءَ بِرَأْسِهِ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ، فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيْبٍ عَلَى ثَنَايَاهُ، وَقَالَ: إِنْ كَانَ لَحَسَنَ الثَّغْرِ.
فَقُلْتُ: أَمَا -وَاللهِ - لأَسُوءنَّكَ.
فَقُلْتُ: لَقَدْ رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقبِّلُ مَوْضِعَ قَضِيبِكَ مِنْ فِيْهِ.
الحَاكِمُ فِي (الكُنَى) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُمَرَ الحَنَفِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بنُ يُوْنُسَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الزُّهْرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي شَدَّادُ بنُ عَبْدِ اللهِ:
سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بنَ الأَسْقَعِ وَقَدْ جِيْءَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَلعَنَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، فَغضِبَ وَاثِلَةَ، وَقَامَ، وَقَالَ:
وَاللهِ لاَ أَزَالُ أُحِبُّ عَلِيّاً وَوَلَدَيْهِ بَعْدَ أَنْ سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
مَنْزِلِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَأَلْقَى عَلَى فَاطِمَةَ وَابْنَيْهَا وَزَوْجِهَا كِسَاءً خَيْبَرِيّاً، ثُمَّ قَالَ: {إِنَّمَا يُرِيْدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطْهِيْراً} [الأَحْزَابُ: 33] .سُلَيْمَانُ: ضَعَّفُوهُ، وَالحَنَفِيُّ: مُتَّهَمٌ.
وَيُرْوَى عَنْ: أَبِي دَاوُدَ السَّبِيْعِيِّ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ، فَأُتِيَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، فَأَخَذَ قَضِيباً، فَجَعَلَ يَفْتَرُّ بِهِ عَنْ شَفَتَيْهِ، فَلَمْ أَرَ ثَغْراً كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ كَأَنَّهُ الدُّرُّ، فَلَمْ أَمْلِكْ أَنْ رَفَعْتُ صَوْتِي بِالبُكَاءِ.
فَقَالَ: مَا يُبْكِيْكَ أَيُّهَا الشَّيْخُ؟
قُلْتُ: يُبكِيْنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ رَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَيْتُهُ يَمُصُّ مَوْضِعَ هَذَا القَضِيبِ، وَيَلثُمُهُ، وَيَقُوْلُ: (اللَّهُمَّ إِنِّيْ أُحِبُّهُ، فَأَحِبَّهُ) .
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّومِ نِصْفَ النَّهَارِ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، وَبِيَدِهِ قَارُوْرَةٌ فِيْهَا دَمٌ.
قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، مَا هَذَا؟
قَالَ: (هَذَا دَمُ الحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ، لَمْ أَزَلْ مُنْذُ اليَوْمَ أَلتَقِطُهُ) .
فَأُحصِيَ ذَلِكَ اليَوْمُ، فَوَجَدُوْهُ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ.
ابْنُ سَعْدٍ: عَنِ الوَاقِدِيِّ، وَالمَدَائِنِيِّ، عَنْ رِجَالِهِمَا:
أَنَّ مُحفزَ بنَ ثَعْلَبَةَ العَائِذِيَّ قَدِمَ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَتَيتُكَ يَا أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ بِرَأْسِ أَحْمَقِ النَّاسِ وَأَلأَمِهِم.
فَقَالَ يَزِيْدُ: مَا وَلدَتْ أُمُّ مُحفزٍ أَحْمَقُ وَأَلأَمُ؛ لَكِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يَتَدَبَّرْ كَلاَمَ اللهِ: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ} [آلُ عِمْرَانَ: 26] .
ثُمَّ بَعَثَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ إِلَى مُتَوَلِّي المَدِيْنَةِ،
فَدُفِنَ بِالبَقِيْعِ عِنْدَ أُمِّهِ.وَقَالَ عَبْدُ الصَّمَدِ بنُ سَعِيْدٍ القَاضِي: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ البَهْرَائِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا أُمَيَّةَ الكَلاَعِيَّ، قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا كَرِبٍ، قَالَ: كُنْتُ فِيْمَنْ تَوثَّبَ عَلَى الوَلِيْدِ بنِ يَزِيْدَ بِدِمَشْقَ، فَأَخذْتُ سَفَطاً، وَقُلْتُ: فِيْهِ غَنَائِي، فَرَكِبْتُ فَرَسِي، وَخَرَجتُ بِهِ مِنْ بَابِ تُوْمَا.
قَالَ: فَفَتَحْتُهُ، فَإِذَا فِيْهِ رَأْسٌ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ: هَذَا رَأْسُ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، فَحَفَرْتُ لَهُ بِسَيْفِي، فَدَفَنْتُهُ.
أَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ: حَدَّثَنَا رَزِيْنٌ، حدَّثَتْنِي سَلْمَى، قَالَتْ:
دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ تَبْكِي؛ قُلْتُ: مَا يُبْكِيْكِ؟
قَالَتْ: رَأَيتُ رَسُوْلَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي المَنَامِ، وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيتِهِ التُّرَابُ، فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا رَسُوْلَ اللهِ؟
قَالَ: (شَهِدْتُ قَتْلَ الحُسَيْنِ آنِفاً ) .
رَزِيْنٌ: هُوَ ابْنُ حَبِيْبٍ، وَثَّقهُ: ابْنُ مَعِيْنٍ.
حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ: عَنْ عَمَّارِ بنِ أَبِي عَمَّارٍ؛ سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ تَقُوْلُ:
سَمِعْتُ الجِنَّ يَبكِيْنَ عَلَى حُسَيْنٍ، وَتَنُوحُ عَلَيْهِ.
سُوَيْدُ بنُ سَعِيْدٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ ثَابِتٍ، حَدَّثَنَا حَبِيْبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ:
أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ سَمِعَتْ نَوْحَ الجِنِّ عَلَى الحُسَيْنِ.
عُبَيْدُ بنُ جَنَّادٍ: حَدَّثَنَا عَطَاءُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَنَابٍ الكَلْبِيِّ، قَالَ:
أَتيْتُ كَرْبَلاَءَ، فَقُلْتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَشْرَافِ العَربِ: بَلَغَنِي أَنَّكُم تَسْمَعُوْنَ نَوْحَ الجِنِّ!
قَالَ: مَا تَلْقَى حُرّاً وَلاَ عَبْداً إِلاَّ أَخبَرَكَ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ.
قُلْتُ: فَمَا سَمِعْتَ أَنْتَ؟ قَالَ: سَمِعتُهُم يَقُوْلُوْنَ:
مَسَحَ الرَّسولُ جَبِينَهُ ... فَلَهُ بَرِيقٌ فِي الخُدُوْدِأَبَوَاهُ مِنْ عَلْيَا قُرَيْ ـ ... ـشٍ وَجَدُّهُ خَيرُ الجُدُوْدِ
مُحَمَّدُ بنُ جَرِيرٍ: حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا يُوْنُسُ بنُ حَبِيْبٍ، قَالَ:
لَمَّا قَتَلَ عُبَيْدُ اللهِ الحُسَيْنَ وَأَهْلَهُ، بَعثَ بِرُؤُوْسِهِم إِلَى يَزِيْدَ، فَسُرَّ بِقَتْلِهِم أَوَّلاً؛ ثُمَّ لَمْ يَلبَثْ حَتَّى نَدِمَ عَلَى قَتْلِهِم، فَكَانَ يَقُوْلُ: وَمَا عَلَيَّ لَوِ احتَمَلْتُ الأَذَى، وَأَنْزَلتُ الحُسَيْنَ مَعِي، وَحَكَّمْتُه فِيمَا يُرِيْدُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ وَهَنٌ، حِفْظاً لِرَسُوْلِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرِعَايَةً لِحَقِّهِ، لَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ - يَعْنِي: عُبَيْدَ اللهِ - فَإِنَّهُ أَحْرَجَهُ، وَاضْطَرَّهُ، وَقَدْ كَانَ سَأَلَ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ حَيْثُ أَقبَلَ، أَوْ يَأْتِيَنِي، فَيَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِي، أَوْ يَلحَقَ بِثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَتلَهُ، فَأَبغَضَنِي بِقَتْلِهِ المُسْلِمُوْنَ، وَزَرَعَ لِي فِي قُلُوْبِهِمُ العَدَاوَةَ.
جَرِيرٌ: عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ:
تَغوَّطَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، فَأَصَابَ أَهْلَ ذَلِكَ البَيْتِ خَبَلٌ، وَجُنُوْنٌ، وَبَرَصٌ، وَفَقْرٌ، وَجُذَامٌ.
قَالَ هِشَامُ بنُ الكَلْبِيِّ: لَمَّا أُجرِيَ المَاءُ عَلَى قَبْرِ الحُسَيْنِ، انْمَحَى أَثَرُ القَبْرِ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَتَتَبَّعَهُ، حَتَّى وَقعَ عَلَى أَثَرِ القَبْرِ، فَبَكَى، وَقَالَ:
أَرَادُوا لِيُخْفُوا قَبْرَهُ عَنْ عَدُوِّهِ ... فَطِيْبُ تُرَابِ القَبْرِ دَلَّ عَلَى القَبْرِ
سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ: قُتلَ عَلِيٌّ وَهُوَ
ابْنُ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ، وَمَاتَ لَهَا حَسَنٌ، وَقُتِلَ لَهَا حُسَيْنٌ.قُلْتُ: قَوْلُهُ: مَاتَ لَهَا حَسَنٌ: خَطَأٌ، بَلْ عَاشَ سَبْعاً وَأَرْبَعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ الجَمَاعَةُ: مَاتَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّيْنَ.
زَادَ بَعضُهُم: يَوْمَ السَّبتِ.
وَقِيْلَ: يَوْمَ الجُمُعَةِ.
وَقِيْلَ: يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
وَمَوْلِدُهُ: فِي شَعْبَانَ، سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ.
عَبْدُ الحَمِيْدِ بنُ بَهْرَامَ، وَآخرُ ثِقَةٌ: عَنْ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ أَتَاهَا قَتْلُ الحُسَيْنِ، فَقَالَتْ: قَدْ فَعلُوْهَا؟! مَلأَ اللهُ بُيُوتَهُم وَقُبُورَهُم نَاراً.
وَوَقَعَتْ مَغْشِيَّةً عَلَيْهَا، فَقُمْنَا.
وَنَقَلَ: الزُّبَيْرُ لِسُلَيْمَانَ بنِ قَتَّةَ، يَرْثِي الحُسَيْنَ:
وَإِنَّ قَتِيْلَ الطَّفِّ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَذَلَّ رِقَاباً مِنْ قُرَيْشٍ فَذَلَّتِ
فَإِنْ يُتْبِعُوْهُ عَائِذَ البَيْتِ يُصْبِحُوا ... كَعَادٍ تَعَمَّتْ عَنْ هُدَاهَا فَضَلَّتِ
مَررْتُ عَلَى أَبْيَاتِ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَأَلْفَيْتُهَا أَمْثَالَهَا حِيْنَ حَلَّتِ
وَكَانُوا لَنَا غُنْماً، فَعَادُوا رَزِيَّةً ... لَقَدْ عَظُمَتْ تِلْكَ الرَّزَايَا وَجَلَّتِفَلاَ يُبْعِدِ اللهُ الدِّيَارَ وَأَهْلَهَا ... وَإِنْ أَصْبَحَتْ مِنْهُم بِرَغْمِي تَخَلَّتِ
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الأَرْضَ أَضْحَتْ مَرِيضَةً ... لِفَقْدِ حُسَيْنٍ وَالبلاَدُ اقْشَعَرَّتِ
قَوْلُهُ: أَذَلَّ رِقَاباً؛ أَي: لاَ يَرِعُوْنَ عَنْ قَتْلِ قُرَشِيٍّ بَعْدَهُ.
أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبِي حَمْزَةُ بنُ يَزِيْدَ الحَضْرَمِيُّ، قَالَ:
رَأَيْتُ امْرَأَةً مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَعْقَلِهِنَّ، يُقَالُ لَهَا: رَيَّا؛ حَاضِنَةُ يَزِيْدَ - يُقَالَ: بلَغَتْ مائَةَ سَنَةٍ - قَالَتْ:
دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى يَزِيْدَ، فَقَالَ: أَبْشِرْ، فَقَدْ أَمْكَنَكَ اللهُ مِنَ الحُسَيْنِ.
وَجِيْءَ بِرَأْسِهِ، قَالَ: فَوُضِعَ فِي طِسْتٍ، فَأَمَرَ الغُلاَمَ، فَكَشَفَ، فَحِيْنَ رَآهُ، خَمَّرَ وَجْهَهُ، كَأَنَّهُ شَمَّ مِنْهُ.
فَقُلْتُ لَهَا: أَقَرَعَ ثَنَايَاهُ بِقَضِيبٍ؟
قَالَتْ: إِيْ وَاللهِ.
ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعضُ أَهْلِنَا: أَنَّهُ رَأَى رَأْسَ الحُسَيْنِ مَصْلُوْباً بِدِمَشْقَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ.
وَحَدَّثَتْنِي رَيَّا: أَنَّ الرَّأْسَ مَكثَ فِي خَزَائِنِ السِّلاَحِ حَتَّى وَلِيَ سُلَيْمَانُ، فَبَعَثَ، فَجِيْءَ بِهِ، وَقَدْ بَقِيَ عَظْماً أَبْيَضَ، فَجَعَلَهُ فِي سَفَطٍ، وَطَيَّبَهُ، وَكَفَّنَهُ، وَدفَنَهُ فِي مَقَابرِ المُسْلِمِيْنَ.
فَلَمَّا دَخَلَتِ المُسَوِّدَةُ، سَأَلُوا عَنْ مَوْضِعِ الرَّأْسِ، فَنَبَشُوهُ، وَأَخَذُوهُ، فَاللهُ أَعْلَمُ مَا صُنِعَ بِهِ.
وَذَكَرَ باقِي الحِكَايَةِ وَهِيَ قَوِيَّةُ الإِسْنَادِ.
يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ:
أَبَى الحُسَيْنُ أَنْ يَسْتَأسِرَ حَتَّى قُتلَ بِالطَّفِّ، وَانْطَلَقُوا بِبَنِيْهِ: عَلِيٍّ، وَفَاطِمَةَ، وَسُكَيْنَةَ إِلَى يَزِيْدَ، فَجَعَلَ سُكَيْنَةَ خَلْفَ سَرِيْرِهِ، لِئَلاَّ تَرَى رَأْسَ أَبِيْهَا، وَعَلِيٌّ فِي غِلٍّ، فَضَربَ عَلَى ثَنِيَّتَيِ
الحُسَيْنِ، وَتَمثَّلَ بِذَاكَ البَيْتِ.فَقَالَ عَلِيٌّ: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيْبَةٍ فِي الأَرْضِ ... } [الحَدِيْدُ: 22] ، الآيَةَ.
فَثَقُلَ عَلَى يَزِيْدَ أَنْ تَمثَّلَ بِبَيْتٍ، وَتَلاَ عَلِيٌّ آيَةً، فَقَالَ: بَلْ: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيَكُم} [الشُّوْرَى: 30] .
فَقَالَ: أَمَا -وَاللهِ - لَوْ رَآنَا رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَحَبَّ أَنْ يُخَلِّيَنَا.
قَالَ: صَدَقْتَ، فَخَلُّوهُم.
قَالَ: وَلَوْ وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ، لأَحَبَّ أَنْ يُقَرِّبَنَا.
قَالَ: صَدَقْتَ، قَرِّبُوْهُم.
فَجَعَلَتْ سُكَيْنَةُ وَفَاطِمَةُ تَتَطَاوَلاَنِ لِتَرَيَا الرَّأْسَ، وَبَقِيَ يَزِيْدُ يَتَطَاوَلُ فِي مَجْلسِهِ لِيَستُرَهُ عَنْهُمَا.
ثُمَّ أَمرَ لَهُم بِجَهَازٍ، وَأَصْلَحَ آلَتَهُم، وَخَرجُوا إِلَى المَدِيْنَةِ.
كَثِيْرُ بنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بنُ بُرْقَانَ، عَنْ يَزِيْدَ بنِ أَبِي زِيَادٍ، قَالَ:
لَمَّا أُتِيَ يَزِيْدُ بِرَأْسِ الحُسَيْنِ، جَعَلَ يَنكُتُ سِنَّهُ، وَيَقُوْلُ: مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَبَا عَبْدِ اللهِ بَلغَ هَذَا السِّنَّ.
وَإِذَا لِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ قَدْ نَصَلَ مِنَ الخِضَابِ.
وَمِمَّنْ قُتلَ مَعَ الحُسَيْنِ: أُخُوَّته الأَرْبَعَةُ؛ جَعْفَرٌ، وَعَتِيْقٌ، وَمُحَمَّدٌ، وَالعَبَّاسُ الأَكْبَرُ، وَابْنُهُ الكَبِيْرُ عَلِيٌّ، وَابْنُهُ عَبْدُ اللهِ، وَكَانَ ابْنُهُ عَلِيٌّ زِينُ العَابِدِيْنَ مَرِيضاً، فَسَلِمَ، وَكَانَ يَزِيْدُ يُكرِمُهُ وَيَرعَاهُ.
وَقُتِلَ مَعَ الحُسَيْنِ: ابْنُ أَخِيْهِ؛ القَاسِمُ بنُ الحَسَنِ، وَعَبْدُ اللهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَا مُسْلِمِ بنِ عَقِيْلِ بنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَمَّدٌ وَعَوْنٌ ابْنَا عَبْدِ اللهِ بنِ جَعْفَرِ بن أَبِي طَالِبٍ.
المَدَائِنِيُّ: عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيْهِ، قَالَ:
قُتلَ الحُسَيْنُ، وَأُدخِلْنَا الكُوْفَةَ، فَلَقِيَنَا رَجُلٌ، فَأَدْخَلَنَا مَنْزِلَهُ، فَأَلْحَفَنَا، فَنِمْتُ، فَلَمْ أَسْتيقِظْ إِلاَّ بِحِسِّ الخَيلِ فِي الأَزِقَّةِ، فَحُمِلْنَا إِلَى يَزِيْدَ، فَدمعَتْ عَينُهُ حِيْنَ رَآنَا، وَأَعْطَانَا مَا شِئْنَا، وَقَالَ: إِنَّهُ سَيَكُوْنُ فِي قَوْمِكَ أُمُوْرٌ، فَلاَ تَدْخُلْ مَعَهُم.
فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الحَرَّةِ مَا كَانَ؛ كَتَبَ
مَعَ مُسْلِمِ بنِ عُقْبَةَ بِأَمَانِي، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ القِتَالِ مُسْلِمٌ، بَعثَ إِلَيَّ، فَجِئْتُهُ، فَرَمَى إِلَيَّ بِالكِتَابِ، وَإِذَا فِيْهِ:اسْتوصِ بعَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ خَيراً، وَإِنْ دَخَلَ مَعَهُم فِي أَمرِهِم، فَأَمِّنْهُ، وَاعْفُ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُم، فَقَدْ أَصَابَ وَأَحْسَنَ.
فَأَولاَدُ الحُسَيْنِ هُمْ: عَلِيٌّ الأَكْبَرُ الَّذِي قُتِلَ مَعَ أَبِيْهِ، وَعَلِيٌّ زِينُ العَابِديْنَ، وَذُرِّيَتُهُ عَدَدٌ كَثِيْرٌ، وَجَعْفَرٌ وَعَبْدُ اللهِ، وَلَمْ يُعْقِبَا.
فَوُلِدَ لِزَيْنِ العَابِدِيْنَ: الحَسَنُ وَالحُسَيْنُ مَاتَا صَغِيْرَيْنِ، وَمُحَمَّدٌ البَاقِرُ، وَعَبْدُ اللهِ، وَزَيْدٌ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ الأَوْسَطُ وَلَمْ يُعْقِبْ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَحُسَيْنٌ الصَّغِيْرُ، وَالقَاسِمُ وَلَمْ يُعْقِبْ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
http://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=132793&book=5554#5db211
الْحُسَيْن بن حبان بن عمار بن الحكم بن عمار بن واقد، أَبُو عَلِيّ- صاحب يَحْيَى بن معين-:
كَانَ من أهل الفضل، والتقدم فِي العلم، وله عَنْ يَحْيَى كتاب غزير الفائدة. روى عنه ابنه عَلِيّ بن الْحُسَيْن ذلك الكتاب عَنْ أَبِيهِ وجادة.
والحسين بن حبان قديم الموت توفي فيما ذكر ابنه سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بالعسيلة . وهو ذاهب إِلَى الحج، وذلك قبل وفاة يَحْيَى بن معين بسنة.
كَانَ من أهل الفضل، والتقدم فِي العلم، وله عَنْ يَحْيَى كتاب غزير الفائدة. روى عنه ابنه عَلِيّ بن الْحُسَيْن ذلك الكتاب عَنْ أَبِيهِ وجادة.
والحسين بن حبان قديم الموت توفي فيما ذكر ابنه سنة اثنتين وثلاثين ومائتين بالعسيلة . وهو ذاهب إِلَى الحج، وذلك قبل وفاة يَحْيَى بن معين بسنة.