ومن العلماء الجهابدة النقاد [من أهل الشام - 1] عبد الرحمن (65 م) بن عمرو الأوزاعي
ما ذكر من علم الأوزاعي وفقهه
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي حدثني محمد ابن عبد الوهاب قال كنت عند أبي إسحاق الفزاري فذكر (2) الأوزاعي فقال: إن ذاك الرجل كان شأنه عجب (3) كان يسأل عن الشئ الذي عندنا فيه الأثر فيقول للسائل: ما عندي فيه شئ، فيبتلى بلجاجته حتى يرد عليه الجواب فلا يعدو الأثر الذي عندنا.
فقال آخر يا أبا إسحاق هذا
شبيه بالوحي، فغضب، ثم قال: من هذا تعجب؟ كان والله يرد على الجواب كما هو عندنا في الأثر لا يقدم منه مؤخرا ولا يؤخر منه مقدما.
حدثنا عبد الرحمن [نا أبي - 4] نا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثني القاسم بن سلام قال أخبرني عبد الرحمن بن مهدي قال: ما كان بالشام أحد أعلم بالسنة من الأوزاعي.
حدثنا عبد الرحمن ثنا أبو عبد الله الطهراني قال سمعت عبد الرزاق يقول: أول من صنف الكتب ابن جريج، وصنف الأوزاعي حين قدم على يحيى بن أبي كثير كتبه.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني دحيم قال سمعت أبا مسهر يقول أخبرني هقل بن زياد أن الأوزاعي أجاب في سبعين ألف مسألة.
حدثنا عبد الرحمن أنا العباس بن الوليد بن مزيد نا العباس بن نجيح نا عون بن حكيم قال خرجت مع الأوزاعي حاجا فلما اتينا المدينة اتى
الأوزاعي المسجد وبلغ مالكا مقدمه فأتاه مسلما عليه فجلسا من بعد [صلاة - 1] الظهر يتذاكران العلم فلم يذكرا بابا من أبوابه إلا غلب الأوزاعي عليه فيه ثم حضرت صلاة العصر فصليا ثم جلسا (2) وعاودا المذاكرة كل ذلك يغلب عليه الأوزاعي فيما يتذاكران فلما اصفرت
الشمس ناظره في باب المكاتب والمدبر (3) فخانقه (4) مالك بن أنس فيه.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال سمعت أبي يقول: ما سمعت كلام متكلم (66 م) إلا وإذا كررته خلق غير كلام الأوزاعي فإنك كلما كررت النظر (5) فيه زاد حلاوة.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس [بن الوليد بن مزيد البيروتي - 6] نا محمد بن هلال حدثني عبد الحميد بن حبيب - يعني ابن أبي العشرين - قال قلت لمحمد بن شعيب بن شابور أنشدك الله ومقامك بين يديه لقيت أفقه في دين الله من الأوزاعي؟ قال: اللهم لا، قال قلت فأورع منه؟ قال: لا، قلت فأحلم منه؟ قال ولا (7) .
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد حدثني عبيد بن حيان قال أتيت مجلس مالك بن أنس وهو عنه غائب فقلت لأصحاب مالك ما يقول أبو عبد الله في مسألة كذا وكذا؟ فأجابوا فيه، فقلت: ما هكذا قال أبو عمرو، قالوا وما قال [أبو عمرو - 1] قلت: كذا وكذا - بخلاف ما قالوه، قال فتضاحكوا بي فإني لكذلك إذ أقبل مالك فلما جلس قالوا يا أبا عبد الله ألا تسمع ما يحدث الشامي عن الأوزاعي؟ قال فقلت: ما تقول أنت في مسألة كذا وكذا؟ فأجاب بمثل جوابهم،
فقلت: ما هكذا قال أبو عمرو.
فقال: كلف الشيخ فتكلف، فتضاحكوا فمربي ساعة الله أعلم وعلت مالكا سكته فأخلد برأسه الأرض مليا ثم رفع رأسه وقال: القول ما قال أبو عمرو فرأيتهم وقد عاد ما كان بي بهم.
حدثنا عبد الرحمن سمعت أبي يقول وسئل عن الأوزاعي فقال: الأوزاعي فقيه متبع لما سمع (1) .
حدثنا عبد الرحمن نا العباس [بن الوليد بن مزيد - 2] [نا أبي - 3] حدثني يزيد بن عبد الله بن صالح (أ 5 ك) البيروتي قال كان سبب طلب الأوزاعي العلم أنه ضرب عليه بعث - يعني (4) إلى اليمامة فلما دخلوا (5) مسجدها ويحيى بن أبي كثير جالس في المسجد فنظر إليهم (51 د) فقال إما أنه إن كان عند أحد من هؤلاء القوم خير فهو عند هذا الفتى - يعني الأوزاعي -، ثم مر به وهو قائم يصلى فقال لجلسائه: ما رأيت مصليا قط أشبه بعمر بن عبد العزيز بصلاته (6) من هذا الفتى.
قال فلقيه شيخ كان جليسا ليحيى فقال يا فتى (67 م) إن شيخنا لا يزال يحسن ذكرك قال فأتاه الأوزاعي كأنه أراد أن يقضى ذمامه فلما سمع العلم ونشفه قلبه [رفض الديوان و - 2] اقبل على يحيى [يعني - 22] ابن أبي كثير.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد حدثني عبد الحميد ابن بكار (7) قال كنت عند سعيد بن عبد العزيز فجاءه رجل فقال يا أبا محمد متى أبان الرواح إلى الجمعة؟ فقال له أتيت بيروت؟ قال نعم،
قال فرأيت ابن عمرو؟ قال نعم، قال، فقد كفاك من كان قبله.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد قال سمعت ابي يقول: كفا نا الأوزاعي من كان قبله.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا دحيم قال قال أبو مسهر لما توفي مكحول جلسوا إلى يزيد بن يزيد بن جابر وكان طويل السكوت فلما رأوا سكوته جلسوا إلى سليمان بن موسى فلما توفي سليمان بن موسى جلسوا إلى العلاء ابن الحارث فلما ولي ابن سراقة قال من فقيه الجند قالوا قيس الأعمى قال لقد ضاع جند فقيهها قيس الأعمى قال فبعث إلى الأوزاعي فأقدمه من بيروت فكان يفتى بها (1) - يعني بدمشق.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن أحمد بن البراء قال قال علي ابن المديني: نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة، الزهري وعمرو بن دينار وقتادة ويحيى بن أبي كثير وأبو إسحاق الهمداني والأعمش، ثم صار علم هؤلاء الستة من أهل الشام إلى عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
كتب الأوزاعي في صلاح أمور المسلمين إلى ولاة الامر باب رسالة الأوزاعي إلى أبي عبيد الله وزير الخليفة في موعظة وسوال حاجة حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قراءة قال أخبرني أبي عن الأوزاعي أنه كتب إلى أبي عبيد الله: أما بعد فإني اسأل الله عزوجل أن لا يسلب منك عقلا ولا دينا وأن يجعل الغالب عليك
فيما أنت فيه التوقي لما كنت تعرف وتكره (68 م) قبل أن تبتلى ولا يجهلك عنه فتنة طمع ولا كثره شغل وإن يمن عليك بذكر قله المتاع وتقريب حضور فراقه ثم يجعلك لحظك فيه مؤثرا وعلى سلبه منك مشفقا فإنك المرء أحب أن أتعاهده بذكر ما عسى الله أن يحدث به خيرا فإني أرجو أن يكون الغيب مني على النصح لك وحب العصمة في دينك وصرف السوء عنك فيه إن شاء الله، وقد سألني إدريس الكتاب إليك فإن قدرت له رحمك الله على لحق في سكان جبلة طلبت له وأعنته بما عسى الله أن يجعل قضاء حاجته بما يتسبب (1) منه وأعنت عليه ثم يجزيك به خيرا ويجعله من النوافل المذخورة في الآخرة إن شاء الله فعلت والسلام عليك.
باب رسالة الأوزاعي إلى وزير الخليفة أبي عبيد الله في تنجز كتاب من الخليفة بتخلية محبوس
حدثنا عبد الرحمن أنا العباس بن الوليد قراءة قال أخبرني أبي عن الأوزاعي أنه كتب إلى أبي عبيد الله: أما بعد قسم الله لك ولما أنت فيه عاصما من سخطه ونية تعمل عليها وتؤدى بها حق من يلزمك فيما وجدت السبيل إليه طلب الفرج عنه إذا استغاث بك وكنت رجاءه في نفسه (2) بإذن الله وأنه لا يزال من أولئك متوسل (3) بي إليك فلا آلوك فيه نصحا وعند العقاب (4) ومعاينة الحساب لا تستكثر عملا
ولا تستقل ذنبا فألهمك الله ذكره وطلب الوسيلة عنده.
ثم ان يزيد ابن يحيى الخشني في حبس أمير المؤمنين أصلحه الله وكان من اعوان ابن الأزرق ولم يبلغني عنه سوء قرف به وقد طالت إقامته فيه فإن رأيت رحمك الله أن يكون من المهدي كتاب إلى أمير المؤمنين أصلحه الله فيه يذكر من أمره ما نرجو تخلصه (1) به مما هو فيه من ضرر الحبس فعلت.
أعانك الله على الخير وجعله اغلب الامور عليك (69 م) وآثرها عندك والسلام عليك ورحمة الله.
حدثنا عبد الرحمن أنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرني أبي عن الأوزاعي أنه كتب: أما بعد جعل الله الأمير ممن ألهمه الخير واستأنف به عمره وجعل فيه قوته وإلى ثوابه منقلبه فإن الأمير أصلحه الله من المسلمين ومن خليفتهم بالمكان الذي ليس به أحد غيره وأنه غاية عامة (2)
من ابتلى فوجد على الشخوص (52 د) إليه قوة، للنظر في أموره والبلاغ منه (3) حتى يفرج الله عنه بليته أو يتخذ منه عند السؤال عذرا جعل الله الأمير ممن يعضد ضعيف أمته ويهتم بأمر عوامهم ويرق على صاحب البلية منهم بما عسى الله أن يخلصه به منها ويوفيه عند الحاجة إليه أجره، وقد كان أصلح الله الأمير اسماعيل بن الارزق في ولايته على بعلبك فلم يبلغنا عنه إلا عفافا وقصدا (4) وقد كان من عقوبة أمير المؤمنين أصلحه الله إياه في بشره وشعره ووضعه في الحبس قبله (52 ك) ما قد علم الأمير فلم يبلغنا أن ذلك كان عن خيانة ظهرت منه ولا وصف بها إلا أن يكون تعلق عليه لضعف وقد كان الرجل
إذا ولي ئم عزل فبلي منه أمانة حمد وخلى سبيله أو حبس فاستعين به فإن رأى الأمير أن يهتم بأمره ويعرف حاله في العذر ومبلغه من السن فيكلم أمير المؤمنين في سراحه وتخلية سبيله فعل فإن الأمير من يعرف أمير المؤمنين نصحه وفضله إذا تدبر رأيه وهو من لا يخاف جبيهته ولا غلظته وما أدى الأمير إليه من حق رعيته فسيجده عند الثواب موفرا وجزائه به مضعفا إن شاء الله.
أسال الله أن يجزى الأمير بأحسن سعيه ويبلغه في قوله وفعاله رضوانه والخلود في رحمته
والسلام عليك ورحمة الله.
رسالته إلى المهدي في شفاعة لقوم أخبرنا العباس بن الوليد [بن مزيد - 1] [قراءة - 2] قال أخبرني أبي عن الاوزاعي (70 م) أنه كتب إلى المهدي: أما بعد هدى الله الأمير فيما ابتلاه للتي هي أقوم ووقاه تبعته ولقاه حجته فإن من نعمة الله عليه وحسن بلائه عنده أن جعله يعرف بالعفو وخفض الجناح وطلب التجاوز (3) عن أصحاب الجرائم عند خليفتهم وحضور أمور رعيته بما تطلع عليه أنفسها (4) وتنبسط في رجائها فيه قلوبها فبلغ الله الأمير فوائد الزيادة في الخير وحسن المعونة على الشكر، ثم أنه كان من رأى أمير المؤمنين في تلك العصابة الذين تسللوا من بعثهم ما قد بلغه من البعثة بهم إليه مشاة على أقدامهم من الشام مقرنين في السلاسل حتى قدموا منذ أعوام ثم وضعوا في ضيق من الحبس وجهد من الضرر، وقد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في النفر الثلاثة الذين تخلفوا عنه غزوة تبوك أن أوقف أمرهم ونهى
الناس عن كلامهم حتى نزل فيهم حكم الله بالتوبة عليهم والمعاتبة لهم وإن عمر بن الخطاب أغفل أعقاب بعثه [عن - 1] الا بان الذي كان يعقبهم فيه فقفلوا بغير إذن فأرسل إليهم أن يجتمعوا له في دار فعرفهم
ما صنعوا فاشرف عليهم وتواعدهم وعيدا شديدا ثم عفا عنهم والمؤمنين اصلح الله الا امير بعضهم من بعض وولاتهم يقتدي موفق أخرهم بصالح ما مضى عليه أولهم فإن رأى الأمير أذاقه الله عفوه في الآخرة بحبه التبريد عن رعيته وقصد العقوبة فيهم رجاء أن يطلب لهم من أمير المؤمنين أصلحه الله عفوه والتجاوز عنهم فعل فأنه منه بحيث يعرف قوله وعند تدبر الأمور فضله جمع الله للأمير ألف رعيته ورزقهم رحمته والرأفة بهم وجعل ثواب منهم مغفرته والخلود في رحمته والسلام عليك ورحمة الله.
رسالة الاوزاعي (71 م) إلى المهدي ابن أمير المؤمنين في شفاعة لأهل مكة في تقويتهم حدثنا عَبْدُ الرحمن أنا العباس بن الوليد بن مزيد قراءة [عليه - 1] قال أخبرني أبي عن الأوزاعي أنه كتب إلى المهدي: أما بعد فان الله عزوجل جعل رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ لِمَنْ بَعْدِهِ مِنْ وُلاةِ الْمُؤْمِنِينَ إِمَامًا وَقُدْوَةً وَأُسْوَةً حَسَنَةً فِي رَحْمَتِهِ بِأُمَّتِهِ وَالرَّأْفَةِ عَلَيْهِمْ وَخَفْضِ جَنَاحِهِ لَهُمْ فِي عَفْوِهِ عنهم قال الله عزوجل في صفة رسوله (بالمؤمنين رؤف رحيم) فَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنَّ يَعْزِمَ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالأَمِيرِ عَلَى الصَّبْرِ بِالتَّشَبُّهِ
بنيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالاعْتِصَامِ بسنته ومنافسة الاخبار أَعْمَالَ الْبِرِّ وَيَجْعَلَ ثَوَابَهُمَا فِي يَوْمِ الْبَعْثِ الآمِنِ وَالإِفْضَاءِ إِلَى رضوان الله عزوجل.
وَقَدْ أَصْبَحَ الأَمِيرُ حَفِظَهُ اللَّهُ مِنْ خَلِيفَةِ الْمُسْلِمِينَ بِحَالِ الأَمِينِ
الْمُصَدَّقِ إِنْ شَكَا لَمَنْ مَسَّهُ الضُّرُّ مِنْ أُمَّتِهِ لَمْ يَتَّهِمْ نُصْحَهُ وَلَمْ يُجْبِهْ قَوْلَهُ وَإِنْ دَافَعَ عَنْهُمْ رَهَقًا أَوْ طَلَبَ لَهُمْ عَفْوًا أَخَذَ بِقَلْبِ الْخَلِيفَةِ تَوْفِيقُهُ وَأَحْدَثَ لَهُ بِمَا أَلْقَى إِلَيْهِ مِنَ الْفَضْلِ سُرُورًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَجَعَلَ اللَّهُ الأَمِيرَ لأُمَّتِهِ أَمْنَةً وَمَأْلَفًا وَرَضَّاهُمْ بِهِ وَأَخَذَ بِأَفْئِدَتِهِمْ إِلَيْهِ.
ثُمَّ أَنَّهُ أَتَانِي مِنْ رَجُلٍ مِنْ مَقَانِعَ أَهْلِ مَكَّةَ كِتَابٌ يَذْكُرُ الَّذِي هُمْ فِيهِ مِنْ غَلاءِ أَسْعَارِهِمْ وَقِلَّةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مُنْذُ حُبِسَ عَنْهُمْ بَحْرُهُمْ وَأَجْدَبَ بَرُّهُمْ وَهَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ هَزْلا فَالْحِنْطَةُ فِيهِمْ مُدَّانِ بِدِرْهَمٍ وَالذُّرَةُ مُدَّانِ وَنِصْفٌ بِدِرْهَمٍ وَالزَّيْتُ مُدٌّ بِدِرْهَمٍ ثُمَّ هُوَ يَزْدَادُ كُلَّ يَوْمٍ غَلاءً وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْتِهِمُ اللَّهُ بِفَرَجٍ عَاجِلا لَمْ يَصِلْ كِتَابِي حَتَّى يَهْلَكَ عَامَّتُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ جُوعًا وَهُمْ رَعِيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلَحَهُ اللَّهُ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُمْ.
وَقَدْ حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ وَكَانَتْ سَنَةً شَدِيدَةً مُلِحَّةً مِنْ بَعْدِ مَا اجْتَهَدَ فِي إِمْدَادِ الأَعْرَابِ بِالإِبِلِ وَالْقَمْحِ وَالزَّيْتِ مِنَ الأَرْيَافِ كُلِّهَا حَتَّى بُلِحَتْ مِمَّا أَجْهَدَهَا قَامَ يَدْعُو اللَّهَ عزوجل فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَرْزَاقَهُمْ عَلَى رءوس الظراب فاستجاب الله عزوجل له وللمسلمين فأغاث عباده (72 م) فَقَالَ عُمَرُ وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ الله عزوجل لَمْ يُفْرِجْهَا مَا تَرَكْتُ أَهْلَ بَيْتٍ لَهُمْ سِعَةٌ إِلا أَدْخَلْتُ (53 ك) عَلَيْهِمْ أَعْدَادَهُمْ مِنَ الْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنِ اثْنَانِ يَهْلَكَانِ مِنَ الطَّعَامِ عَلَى مَا يُقِيمُ الْوَاحِدَ (1) .
فَبَلَغَنَا أَنَّهُ حُمِلَ إِلَى عُمَرَ من مصر وحدها
أَلْفُ أَلْفِ أَرْدَبٍّ.
وَبَلَغَنَا أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: هَلْ عَسَى أَحَدُكُمْ أَنْ تَبِيتَ فِصَالُهُ رَوَاءٌ وَجَارُهُ طَاوٍ إِلَى جَنْبِهِ؟ فَإِنْ رَأَى
الأَمِيرُ أَصْلَحَهُ (1) اللَّهُ أَنْ يُلِحَّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي إِغَاثَةِ أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَرِّهِ وَبَحْرِهِ بِحَمْلِ الطَّعَامِ وَالزَّيْتِ إِلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يُبْتَلَى بِهَلاكِ أَحَدٍ مِنْهُمْ جُوعًا فَعَلَ.
وقد حدثني داود بن علي أن عمر بن الخطاب قال: لو هلكت شاة على شاطئ الفرات ضياعا ظننت أن الله عزوجل سيسألني عنها.
وإنما الأمر واحد وكل من العدل في الحكم عليه يوم القيامة مشفق إلا ان يعفو الله عزوجل ويرحم، وهي أمتكم وأحق من خلفتم فيها بالعفو والرأفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ألحقكم الله به مصلحين وأوردكم عليه بإحسان والسلام.
كتب في خمس من شهر ربيع الآخر سنة ثنتين وخمسين ومائة.
رسالة الأوزاعي إلى أمير المؤمنين شفاعة في زيادة أرزاق أهل الساحل حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد [قراءة - 2] قال أخبرني أبي عن الأوزاعي أَنَّهُ كَتَبَ: أَمَّا بَعْدُ وَلِيَ اللَّهُ لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أُمُورَهُ بِمَا وَلِيَ بِهِ أُمُورَ مَنْ هَدَى وَاجْتَبَى وَجَعَلَهُ بِهِمْ مُقْتَدِيًا فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلَحَهُ اللَّهُ كَتَبَ إِلَيَّ أَلا أَدَعَ إِعْلامَهُ كُلَّمَا فِيهِ صَلاحُ عَامَّةٍ وَخَاصَّةٍ فَإِنَّ الله عزوجل يَأْجُرُ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهِ وَيُحْسِنُ عَلَيْهِ الثَّوَابَ وَأَنَا أَسْأَلُ الله عزوجل أَنْ يُلْهِمَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَا يُبَلِّغُهُ بِهِ عَفْوَهُ وَرِضْوَانَهُ فِي دَارِ الْخُلُودِ.
وَقَدْ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَفِظَهُ اللَّهُ قَصُرَ بِأَهْلِ السَّاحِلِ عَلَى عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فِي كُلِّ عَامٍ سَلَفًا مِنْ عَطِيَّاتِهِمْ وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلَحَهُ اللَّهُ إِنْ نَظَرَ فِي ذلك (73 م) عَرَفَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي عَشَرَةِ دنانير لا مرئ ذِي عِيَالٍ عَشَرَةٍ أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ كَفَافٌ وَإِنْ قَوَّتَ عَشَرَةً وَقَتَرَ عَلَى عياله، فرما جَمَعَ الرَّجُلُ عَشَرَتَهُ فِي غَلاءِ السِّعْرِ فِي شِرَاءِ طَعَامٍ لِعِيَالِهِ مَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا ثُمَّ يُدَانُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي إِدَامِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ فِي عَشَرَةٍ لِقَابِلٍ، ولوا جرى عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلَحَهُ اللَّهُ في اعطياتهم سلفا في كل عام خمة عَشْرَ دِينَارٍا مَا كَانَ فِيهَا عَنْ مُصْلِحٍ ذِي عِيَالٍ فَضْلٌ وَلا قَدْرُ كَفَافٍ، وَأَهْلُ السَّاحِلِ بِمَنْزِلٍ عَظِيمٌ غَنَاؤُهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لا يَسْتَمِرُّ لِبُعُوثِ أَمِيرِ المؤمنين فصول إِلَى ثُغُورِهِ وَلا سِيَاحَةٌ فِي بِلادِ عَدُوِّهِمْ حَتَّى يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ بَيْضَتِهِمْ وَأَهْلِ ذِمَّتِهِمْ بِسَوَاحِلِ الشَّامِ مَنْ يَدْفَعُ عَنْهُمْ عَدُوًّا إِنْ هَجَمَ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ إِذَا كَانَ الْقَيْظُ تَنَاوَبُوا الْحَرَسَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ رِجَالا وَرُكْبَانًا وَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ قَاسُوا طُولَ اللَّيْلِ وَقَرَّهُ وَوَحْشَتَهُ حَرَسًا فِي الْبُرُوجِ وَالنَّاسُ خَلْفَهُمْ فِي أَجْنَادِهِمْ فِي الْبُيُوتِ وَالأَدْفَاءِ فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَفِظَهُ اللَّهُ أَنْ يَأْمُرَ لهم في اعطياتهم قَدْرَ الْكَفَافِ وَيُجْرِيهِ عَلَيْهِمْ فِي كُلِّ عَامٍ فَعَلَ وَقَدْ تَصَرَّمَتِ - 1] (53 د) السَّنَةُ الَّتِي كَانَتْ تَأْتِيهِمْ فِيهَا عَشَرَاتِهِمْ وَدَخَلُوا فِي غَيْرِهَا حَتَّى اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُمْ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ ضُرُّهَا وَهُمْ رَعِيَّةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَسْئُولُ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ رَاعٍ وَكُلُّ رَاعٍ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.
وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَّهُ لَحَبِيبٌ (2) إِلَيَّ أَنْ أُفَارِقَ الدُّنْيَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ يَطْلُبُنِي بِمَظْلَمَةٍ فِي نفسه ولا ماله.
أَتَمَّ اللَّهُ عَلَى الأَمِيرِ نِعْمَتَهُ وَأَحْسَنَ بَلاءَهُ فِي رَعِيَّتِهِ.
وَقَدْ قَدِمَ عَلَيْنَا رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلَحَهُ اللَّهُ بِالْعَطِيَّةِ مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الَّتِي أَمَرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَافَاهُ اللَّهُ بِقَسْمِهَا فِي أَهْلِ السَّاحِلِ فَقَسَمْنَاهَا فِيهِمْ مِنْ دِينَارٍ لِكُلِّ رَجُلٍ وَدِينَارَيْنِ وَقَلَّ الْمَالُ (74 م) عَنِ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فَلَمْ يُقْسَمْ فيهم منه شئ ولليتامى والارامل و [هم مِنَ - 1] الْمَسَاكِينِ فِي الْوُجُوهِ الثَّلاثَةِ في كتاب الله عزوجل مِنَ الصَّدَقَاتِ وَمِنْ خُمُسِ الْمَغَانِمِ وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَصْلَحَهُ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ بِمَا يُقْسَمُ فِيهِمْ فَعَلَ، جَعَلَ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَشَبِّهًا فِي رَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِالْمُؤْمِنِينَ وَأَتَمَّ عَلَيْهِ نِعْمَتَهُ وَمُعَافَاتَهُ وَالسَّلامُ عليك ورحمة الله.
رسالة الأوزاعي إلى عبد الله بن محمد أمير المؤمنين يعظه ويحثه على ما حل بأهل قاليقلا وطلب الفداء حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ أنا العباس بن الوليد بن مزيد قراءة قال أخبرني أبي عن الأوزاعي أنه كتب إلى عبد الله بن محمد أمير المؤمنين: أما بعد فان الله عزوجل إِنَّمَا اسْتَرْعَاهُ أَمْرَ (2) هَذِهِ الأُمَّةِ لِيَكُونَ فِيهَا بِالْقِسْطِ قَائِمًا وَبِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم في حفض الْجَنَاحِ لَهُمْ مُتَشَبِّهًا وَبِأَعْمَالِهِ الَّتِي مَعَ قَرَابَتِهِ فَإِنَّهُ مِنَ الْقُدْوَةِ فِي أَعْمَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةً حَسَنَةً وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي اليوم الذي قبضه الله عزوجل فِيهِ: يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ الله ويا صفية عمة
رَسُولِ اللَّهِ اعْمَلا لِمَا عِنْدَ الله عزوجل فاني (54 ك) لا أَمْلِكُ لَكُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا.
وَبَلَغَنَا أَنَّهُ أَمَرَ قُرَيْشًا أَنْ تَجْتَمِعَ فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ قَالَ لَهُمْ: أَلا إِنَّ أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ فَمَنِ اتَّقَى فَهُوَ أَوْلَى بِي مِنْكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ أَقْرَبَ مِنْهُ رَحِمًا.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُسَكِّنَ دَهْمَاءَ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَيُصْلِحَ بِهِ أُمُورَهَا وَيَرْزُقَهُ رُحْمَهَا وَالرَّأْفَةَ بِهَا فَإِنَّ سِيَاحَةَ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ عَامَ أَوَّلَ فِي دَارِ الإِسْلامِ وَمَوْطَإِ حَرِيمِهِمْ وَاسْتِنْزَالَهُمْ نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَذَرَارِيِّهِمْ مِنْ مَعَاقِلِهِمْ بِقَالِيقَلا لا يَلْقَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ نَاصِرٌ وَلا عَنْهُمْ مُدَافِعٌ كَانَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِي النَّاسِ وما يعفو الله عنه (75 م) أَكْثَرَ [فَإِنَّ - 1] بِخَطَايَاهُمْ سُبِينَ وَبِذُنُوبِهِمْ اسْتُخْرِجَتِ الْعَوَاتِقُ مِنْ خُدُورِهِنَّ يَكْشِفُ الْمُشْرِكُونَ عَوْرَاتِهِنَّ وَلائِدَ تَحْتَ أَيْدِي الكوافر يمتهنونهن حواسر عن سوقهم وَأَقْدَامِهِنَّ وَيَرُدُّونَ وِلْدَانَهُنَّ إِلَى صِبْغَةِ الْكُفْرِ بَعْدَ الإِيمَانِ مُقِيمَاتٍ فِي خُشُوعِ الْحَزَنِ وَضَرَرِ الْبُكَاءِ فَهُنَّ بمرأى من الله عزوجل وَمَسْمَعٍ وَبِحَيْثُ يَنْظُرُ اللَّهُ مِنَ النَّاسِ إِلَى إِعْرَاضِهِمْ عَنْهُنَّ وَرَفْضِهِمْ إِيَّاهُنَّ فِي أَيْدِي عَدِوِّهِمْ وَاللَّهُ عزوجل يَقُولُ مِنْ بَعْدِ أَخْذِهِ الْمِيثَاقَ من بني اسراءيل إِنَّ إِخْرَاجَهُمْ فَرِيقًا مِنْهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ كُفْرٌ وَمُفَادَاتَهُمْ أُسَارَاهُمْ إِيمَانٌ ثُمَّ أُتْبِعَ اخْتِلافَهُمْ وَعِيدٌ مِنْهُ شَدِيدٌ - لا يَهْتَمُّ بِأَمْرِهِنَّ جَمَاعَةٌ وَلا يَقُومُ فِيهِنَّ خَاصَّةٌ فَيَذْكُرُوا بِهِنَّ جَمَاعَتَهُمْ فَلْيَسْتَعِنْ بِاللَّهِ أَمِيرُ المؤمنين وليتحنن على ضفعاء أُمَّتِهِ وَلْيَتَّخِذْ إِلَى اللَّهِ فِيهِنَّ سبيلا وليحرج مِنْ حُجَّةِ اللَّهِ عَلَيْهِ
فِيهِنَّ بِأَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ هَمِّهِ وَآثَرَ أُمُورِ أُمَّتِهِ عِنْدَهُ مُفَادَاتُهُنَّ فَإِنَّ الله عزوجل حَضَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَنْ اسلم من الضعفاء
في دار الشرك فقال (مالكم لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ) إلى قوله (نصيرا) هَذَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لَوْمٌ فِيهِنَّ فَكَيْفَ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَ الْمُؤْمِنَاتِ يَظْهَرُ مِنْهُنَّ لَهُمْ مَا كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا إِلا بِنِكَاحٍ.
وقد حدثني الزهري أنه كان في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب به بين المهاجرين والأنصار أن لا يتركوا مفرحا أن يعينوه في فداء أو عقل، ولا نعلم أنه كان لهم يومئذ فئ موقوف ولا أهل ذمة يؤدون إليهم خراجا إلا خاصة أموالهم، ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم [المسلمين بالنساء في حجة الوداع وقوله إنما أوصيكم بالضعيفين المرأة والصبي، ومن رأفة رسول الله صلى الله عليه وسلم - 1] كانت بهن قوله (76 م) : أني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهة أن أشق على أمه.
فبكاؤها عليه من صبغة الكفر أعظم من بكائه بعض ساعة وهي في الصلاة، وليعلم أمير المؤمنين أنه راع وإن الله مستوف منه وموفيه حين يوقف به على موازين القسط يوم القيامة.
أسأل الله أن يلقى أمير المؤمنين حجته وبحسن به الخلافة لرسوله في أمته ويؤتيه من لدنه أجرا عظيما والسلام عليك.
(54 د) رسالة الأوزاعي إلى سليمان بن مجالد في التعطف بالمكتوب [عند الخليفة - 2]
في التماس الفداء لأهل قاليقلا حدثنا عبد الرحمن أنا العباس بن الوليد بن مزيد قراءة قال اخبرني
أبي عن الأوزاعي أنه كتب إلى سليمان بن مجالد: أما بعد فإنا وإن لم يكن جمعنا واياك تلاق ولا بدء كتاب كنا على تواصل منه لم يبطئ منا عنك ما يجد المسلم من البشر لإخوانه وإن كانت الآفاق بهم مفترقة فإن الألفة بحمد الله جامعة وروح الله يجرى بين عباده فنسأل الله أن يجعلك وإيانا من نعمته في ذات بيننا على توفيق يدخلنا به برحمته في عباده الصالحين.
[ثم - 1] أنه ينبغي لمن نعشه الله من الجهل وأفضل عليه بمعرفة ما نفع من الأمور وما ضر منها أن يتوقى إهمال نفسه ورفض السعي بالنصيحة لله عزوجل في عباده.
وإنك من الحق بسبب معرفة به وبنعمة من حجة الله عندك وبمكان ممن إليه جماع أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلا تدافع ما أنت مسئول عنه إن رأيت أن دونه قرابة أو لطف بطانة إذا كان بموقع من الحجاب عنه موضوع وممن أن قال لم يتهم وإن خولف لم يستغش فإن عذر عليه أمر في موطن أدرك غيره في سواه.
وقد رأيت ان (77 م) أكتب إليك في أمر رأيتك له موضعا وأرجو أن تكون بما عليك فيه من الحق عالما إن شاء الله، إن ترك لن يؤمن سوء تبعته وتعجيل الغير إلا أن يعفو الله ويلهم المخرج والتوبة إليه وذلك فيما أصاب المشركون من عذارى المسلمين ونسائهم بقاليقلا
وترك مفاداتهم فإن بكاءهم إلى الله عزوجل بمرأى وأصواتهم [منه - 2] بمسمع حين يكشف المشركون عوارتهن وحين ينظرن من أولادهن إلى صبغة الكفر بعد الإيمان، فالله الله فيهن (55 ك) فإنك من أمرهن بسقب وبحيث إن قلت فيهن بخير سمع منك أو كان معذرة إلى الله عزوجل
فأد رحمك الله حصتك فيهن إلى الله وحصص من لا يستطيع أن يقع موقعك من ولي أمورهم واشتر نفسك بذلك من الله وبمالك فإنك تقرض كريما شاكرا عسى الله إن مس عباده بعقاب نجاك منه أو برحمة يخصك بها وقد كتبت إلى أمير المؤمنين فيهن بكتاب بعثت به إليك لتدفعه إليه ولكن بما أحببت من تقديم القول فيهن سببا أسأل الله أن يجعلك فيما يحب ان يقيم به في عباده معاونا وبالحق فيه قائما وإن يؤتيك عليه من لدنه أجرا عظيما والسلام عليك ورحمة الله.
رسالة الأوزاعي إلى عيسى بن علي في جواب من دفع عن نفسه تنبيه الخليفة في أمر قاليقلا واستدعاء تذكير الأوزاعي للخليفة.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد قال أخبرني أبي قال كتب الأوزاعي إلى عيسى بن علي: أما بعد فإن سياحتكم في سبيل الله كان أمر هدى وقربة فنسأل الله أن يجعلها غزوة يقطع بها ما كانت فيه هذه الأمة من جهد حدثها ثم لا يعيدها فيه وأن يستقبل به التوبة عليهم والعفو عنهم وحسن الخلافة لنبيه صلى الله عليه وسلم فيهم أنه رءوف رحيم
ونسأله (78 م) أن يتم لك أجرها وتفضيل النفقة فيها.
وقد بلغني كتابك جواب ما كنت كتبت به إليك في أهل قاليقلا تذكر أنه أضر بهم أنك لم تر أحدا به طرق يقوم بذلك ولا يذكر به وتأمرني بمحادثتك فيهم إن قضا الله لك من غزاتك إيابا، وصدقت رحمك الله فيما ذكرت فكم من موسوم يرى أن عنده خيرا من أهل الآفاق يقدم على خليفة وآخر مقيم عنده وفي صحابته ليس عنده فضل عن مسألته لنفسه فيذكر بحق ضعيف بعيد الشقة أو مستحوذ عليه في دار الشرك.
فأنه قد كان حين تغيرت حال الناس وفيهم بقية يذكرون فيبلغ عنهم ويقولون فيسمع منهم ثم صرت في دولة زمان أمر العامة فيه على جفاء لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا وحال الخاصة على أمور متفرفة وعصمة رأى كل فرقة في إلفتها معرفة محبتها إلا قليلا فكن رحمك الله للضعفاء بحقوقهم قائما وبأمر سبايا المؤمنات [وولدانهن - 1] مهتما ومن الوجد عليهن من ذل الكفر وتكشف عوراتهن ورد وِلْدَانَهُنَّ إِلَى صِبْغَةِ الْكُفْرِ بَعْدَ الإيمان معنيا وبالسعي بالنصيحة لمن لا ولي له ولا مذكر به إلا الله عاملا عسى الله أن يجعلك له في الأرض شاهدا وله فيما يحب أن يعمل به مواليا جعلك الله ممن اختصه برحمته فسارع إلى مغفرته وآب إلى رضوانه والسلام عليك (55 د) رسالة الأوزاعي إلى أبي بلج في موعظة الوالي في حسن السيرة في الرعية والمعدلة بأهل الذمة.
حدثنا عبد الرحمن أنا العباس بن الوليد بن مزيد [قراءة - 2] قال أخبرني أبي قال كتب الأوزاعي إلى أبي بلج: أما بعد صرف الله عنا
وعنك الميل عن الحق [من بعد المعرفة - 2] ، والجهل عما نفع، واتباع الهوى بغير هدى منه فإن أبا الدرداء كان يقول لن تزالوا بخير ما أحببتم خياركم وما قيل فيكم بالحق فعرفتموه فان (79 م) عارف الحق كعامله وقد تقدمك أمران أما أحدهما فالكتاب له مصدق والسنة عليه شاهدة والنصر به مؤيد وأمر الناس عليه جامع وأما الآخر فالتجوز على الألفة إلى غل لا مودة فيه وإلى طمع لا أمانة فيه وإلى بيع حكم لا عمل فيه حتى وهنت القوة وظهر في الاسلام فساده.
وقد رأيت كتبا ظهرت فيما عندكم ومقالة سوء بعقوبة فرط وصحبة غليظة للمسلمين وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفض الجناح لهم وبالرأفة بهم والمعدلة بينهم يعفي عن مسيئهم فيما يجمل العفو فيه ويعاقب المذنب على قدر ذنبه لا يتقحم بالعقوبة وجهه فأنه بلغنا أن صكة الوجه يوم القيامة لا تغفر فكيف من الموت أجمل من عقوبته لا يثني إلى حدود الله عطفه ولا يقف في سيرته على أمره يريه جهله أنه في الأمور مخير وإن غيه رشد فهو لحرم الله عند غضبه ملغى وبالعداة في دين الله وعلى عباده يسفه فإنكم جعلتم أمانتكم من أهل ذمتكم مأكلا وبين أهوائكم (؟) حتى هلكت الأموال وعلقت الرجال مع المثلة في اللحي وتقطيع الأبشار ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما بلغنا: من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته فأنا حجيجه.
فأعظم بندامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قليل حجيجه.
لقد أحدثت تلك الأعمال فيما بلغني من المسلمين ضغائن ولبعض ذوي النهى في جهاده معكم ريا بما (1) تأتينا بذلك كتبهم يسألون عنه أسأل الله أن يثني بنا وبكم إلى أمره ويتغمد ما سلف منا ومنكم بعفوه وذكرت أن أكتب إلى صاحبك فأنه يتجمل بالكتاب إليه ويستمع مني (56 ك) ولعل الله عزوجل أن ينفع وقد كتبت إليه بما لم آله نصحا.
وقد بلغني أن عمر بن عبد العزيز أتاه أخ له من الأنصار قال له إن شئت كلمتك (80 م) وأنت عمر بن عبد العزيز فيما تكره اليوم وتحب غدا وإن شئت كلمتك اليوم وأنت أمير المؤمنين فيما تحب اليوم وتكره غدا، فقال عمر بل كلمني اليوم وأنا عمر بن عبد العزيز
فيما أكره اليوم وأحب غدا.
جعل الله في طاعته الفتنا وفيما يحب تقلبنا ومثوانا آمين والسلام.
باب ما ذكر من آداب الأوزاعي حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا العباس بن الوليد [بن مزيد - 1] قال سمعت أبي يقول: عجزت الملوك عما أدب الأوزاعي به نفسه.
باب ما ذكر من وفاة الأوزاعي واجتماع الناس لجنازته حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال سمعت عقبة - يعني ابن علقمة - قال كان سبب موت الأوزاعي أنه اختضب بعد انصرافه من صلاة الصبح ودخل في حمام له في منزله وادخلت معه امرأته كانونا
فيه فحم لئلا يصيبه البرد وغلقت الباب من برا فلما هاج الفحم صفرت نفسه وعالج الباب ليفتحه فامتنع عليه فألقى نفسه فوجدناه متوسدا ذراعه إلى القبلة.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد [بن مزيد - 1] قال حدثني سالم بن المنذر قال لما سمعت الصيحة بوفاة الأوزاعي خرجت وأول من رأيت نصراني قد ذر على رأسه الرماد فلم يزل المسلمون أهل بيروت يعرفون ذلك له وخرجت في جنازته أربع أمم ليس منها واحدة مع صاحبتها وخرجنا يحمله المسلمون وخرجت اليهود في ناحية والنصارى في ناحية والقبط في ناحية.
باب ما ذكر في إمامة الأوزاعي حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سلمة النيسابوري نا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان الأوزاعي إماما في السنة.
حدثنا عبد الرحمن نا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان نا ابراهيم ابن عمر بن ابي (81 م) الوزير قال سمعت سفيان بن عيينة يقول: كان الأوزاعي إمام - قال أبو محمد يعني إمام زمانه.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن إبراهيم بن شعيب نا عمرو بن علي قال سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: الأئمة في الحديث أربعة، الأوزاعي ومالك وسفيان وحماد بن زيد.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن حمويه بن الحسن قال سمعت أبا طالب أحمد بن حميد قال قال أحمد بن حنبل دخل سفيان والأوزاعي
على مالك فلما خرجا قال مالك: أحدهما أكثر علما من صاحبه ولا يصلح للإمامة، والآخر يصلح للإمامة.
قال أبو محمد يعني الأوزاعي.
حدثنا عبد الرحمن نا (56 د) محمد بن يحيى (1) نا مسدد نا عبد الله ابن داود عن الهيثم - يعني العجلي - عن أبي إسحاق الفزاري قال قال الأوزاعي: إذا مات سفيان وابن عون استوى الناس - قلت في نفسي: وأنت الثالث - يعني الأوزاعي قال أبو محمد يعني أن الأوزاعي قرين الثوري وابن عون.
باب ما ذكر من سرعة رجوع الأوزاعي إلى الحق إذا سمعه حدثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا العباس بن الوليد بن مزيد قال
سمعت ابي و [عقبة بن - 1] علقمة يذكران قالا: ما رأينا أحدا أسرع رجوعا إلى الحق إذا سمعه من الأوزاعي.
باب ما ذكر من إتقان الأوزاعي وحفظه وتثبته في الحديث حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن إبراهيم بن شعيب قال قال عمرو بن [علي - 2] :
الأوزاعي ثبت لما سمع.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال قلت لأبي: كان الأوزاعي يحفظ القرآن؟ قال: ثكلتك امك، واي شئ كان
لا يحفظ الأوزاعي؟.
باب ما ذكر من علم الأوزاعي بناقلة الآثار ورواة الأخبار وكلامه فيهم حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن يعقوب الدمشقي نا هشام بن عمار نا الوليد بن مسلم قال سمعت الأوزاعي يقول: ما أصيب أهل دمشق باعظم من مصيبتهم (82 م) بإبراهيم بن جدار العذري وبأبي يزيد الغوثي (3) وبالمطعم بن المقدام الصنعاني.
قال أبو محمد فقد بان بأن الأوزاعي [رضيهم إذ وصف من أمرهم ما ذكرنا.
نا أبي نا إبراهيم بن الوليد بن سلمة الطبراني نا أبو مسهر نا يزيد ابن السمط قال كان الأوزاعي يقول: ما احد اعلم بالزهري من قرة
ابن عبد الرحمن بن حيوءيل.
قال أبو محمد:
لم يكن الأوزاعي - 1] وقف على كتابه معمر عن الزهري فأنه أكثرهم رواية عنه ولا وقف على كتابة عقيل ويونس وإنما شاهد من قرة ما كان يورده عليه فتصور صورته عنده انه اعلمهم بالزهري، ويحتمل أنه [عني أنه - 2] كان عالما بأخلاق الزهري ولم يرد أنه كان عالما بحديث الزهري والله أعلم.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل نا ايوب ابن تميم القاري عن الأوزاعي أنه كان إذا حدث عن إسماعيل بن عبيد الله
قال: وكان مأمونا على ما حدث.
حدثنا عبد الرحمن أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي نا أبو موسى الأنصاري - يعني الخطمي - نا الوليد بن مسلم قال سمعت الأوزاعي (57 ك) يفضل محمد بن الوليد الزبيدي على جميع من سمع من الزهري.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي رضى الله عنه قال نا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا مسهر قال قال الأوزاعي: عليكم بكتب الوليد بن مزيد فأنها صحيحة.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد [قال قال لي يوسف ابن السفر سمعت الأوزاعي يقول: ما عرض على كتاب أصح من كتب الوليد بن مزيد.
نا العباس بن الوليد - 3] قال سمعت صالح بن زيد (4) شيخ لنا قال قلت للوليد بن مسلم إلى من اختلف؟ فقال: عليك بالوليد بن مريد فإني سمعت الأوزاعي يقول: كتب الوليد بن مزيد صحيحة.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا أحمد بن إبراهيم الدورقي نا محمد بن عباد قال سمعت محمد بن يوسف قال سمعت الأوزاعي وسأله رجل أيهما أحب إليك سليمان الخواص أو إبراهيم بن أدهم؟ فقال: إبراهيم
أحب إلي لأن إبراهيم يختلط بالناس (83 م) وينبسط إليهم.
حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا هارون بن سعيد الأيلي نا خالد - يعني ابن نزار - قال سألني الأوزاعي فقال لي أنت من أهل أيلة أين أنت عن أبي يزيد - يعني يونس بن يزيد الأيلي - وحضني عليه.
باب ما ذكر من فضل الأوزاعي ونصحه للإسلام وأهله حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال [حدثني عقبة ابن علقمة حدثني موسى بن يسار وكان صحب مكحولا أربع عشرة سنة يقول - 1] ما رأيت أحدا أبصر ولا أنفي للغل عن الإسلام أو السنة من الأوزاعي.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد نا ابن أبي الحواري ومحمود بن خالد قالا نا أبو أسامة حماد بن أسامة قال رأيت الأوزاعي وسفيان الثوري يطوفان بالبيت فلو قيل لي اختر أحد الرجلين للأمة لاخترت الأوزاعي لأنه كان احلم الرجلين.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد سمعت أبي يقول كان الأوزاعي إذا أخذ في واحدة من ثلاث لم يجب سائلا ولم يقطعه حتى يبلغ فيه إذا ذكر المعاد وإذا ذكر القدر - قال أبو الفضل ونسيت الثالثة.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد حدثني محمد بن هلال نا ابن أبي العشرين - يعني عبد الحميد بن حبيب - قال لما سوينا
على الأوزاعي تراب قبره قام والي الساحل عند رأسه فقال: رحمك الله ابا عمرو فو الله لقد كنت لك أشد تقية [من الذي ولاني - 1] فمن ظلم بعدك فليصبر.
باب ما ذكر من جلالة الأوزاعي وتعظيم العلماء له حدثنا عبد الرحمن نا عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي قال سمعت قبيصة يقول: كان سفيان يعني الثوري إذا جاءه كتاب نظر في عنوانه ثم يدسه تحت البوري فإذا جاء كتاب الأوزاعي فكه وقرأه من ساعته.
حدثنا عبد الرحمن (84 م) نا محمد بن مسلم قال سمعت قبيصة يقول: ما رأيت سفيان يقرأ كتاب أحد ممن يدفع إليه يضعه ساعة (57 د) إلا كتاب الأوزاعي وورقاء فأنه ورد عليه كتاب الأوزاعي فقرأ ثم تبسم فقال سألني النقلة، سألني النقلة.
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن سنان الواسطي قال حدثني عمر بن عثمان بن عاصم قال حدثني أبي قال رأيت سفيان الثوري بمكة آخذا بزمام ناقة الأوزاعي وهو يقول: كفوا عنا يا معشر الشباب حتى نسلل الشيخ.
حدثنا عبد الرحمن نا سعيد (2) بن سعد البخاري نا عثمان بن عاصم أخو علي بن عاصم قال رأيت شيخا بين الصفا والمروة على ناقة وشيخا يوقده واجتمع أصحاب الحديث عليه فجعل الشيخ الذي يقود
الشيخ (1) يقول: يا معشر الشباب كفوا حتى نسل (2) الشيخ.
فقلت من هذا الراكب؟ قالوا: هذا الأوزاعي، قلت: فمن هذا الذي يقوده؟ قالوا: سفيان الثوري.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال ذكر لي رجل من ولد الأحنف بن قيس قال بلغني أن سفيان الثوري بلغه مقدم الأوزاعي فخرج حتى لقيه بذي طوى قال فحل سفيان رأس البعير من القطار ووضعه على رقبته فكان إذا مر بجماعة قال: الطريق للشيخ.
حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسن الهسنجاني قال سمعت أبا توبة يعني - الربيع بن نافع - يقول قال سلمة بن كلثوم: جاء سفيان الثوري فدخل على الأوزاعي فجلسا من الأولى إلى العصر قد أطرق كل واحد منهما توقيرا لصاحبه.
ما ذكر من مناقب الأوزاعي حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد [إملاء - 3] حدثني محمد بن عبد الرحمن السلمي حدثني محمد بن عبد الرحمن الأوزاعي - قال أبو الفضل وقد أدركت محمد بن الأوزاعي هذا وما يشك أهل زمانه أنه كان من الأبدال - قال قال لي أبي: أني أريد أن أحدثك حديثا أسرك به، ولا أفعل حتى تعطيني موثقا أنك لا تحدث به ما كنت حيا، قال قلت افعل يا ابة، قال
اني رأيت كأني (56 د) وقف بي على باب من أبواب الجنة وإذا أحد مصراعي الباب قد زال عن موضعه وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يعالجون رده فردوه ثم تركوه فزال ثم أعادوا ثم ثبت في موضعه [فزال - 1] فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الرحمن ألا تمسك معنا؟ قال فأمسكت معهم فثبت.
حدثنا عبد الرحمن نا أحمد بن عبد الرحيم (2) ابن البرقي المصري نا عمرو بن أبي سلمة قال سمعت الوليد بن مسلم يحدث قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فسلمت عليه (58 ك) وإذا شيخ جالس إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم وإذا الشيخ قد أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه والنبي صلى الله عليه وسلم مقبل على الشيخ يسمع حديثه فسلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فرد علي السلام ثم جلست إلى بعض جلسائه (3) فقلت من الشيخ الذي قد أقبل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسمع حديثه؟ قال وما تعرف هذا؟ قلت لا، قال هذا عبد الرحمن بن عمرو، قلت أنه لذو منزلة من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ أجل، ثم حانت مني التفاتة فإذا أنا بالأوزاعي قائم في مصلى النبي صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد نا عقبة قال: آخر ما سمعت من الأوزاعي أنا جلسنا إليه ليلة هلك فيها من الغداذ أذن المؤذن وكان مؤذنا حسن الصوت فقال ما أحسن صوته لقد بلغني أن داود عليه السلام كان إذا أخذ في بعض مزاميره عكفت الوحوش والطير حوله حتى تموت عطشا وإن كانت الأنهار لتقف، ثم وجم ساعة ثم قال: كل أمر
لا يذكر فيه المعاد لا خير فيه.
وأقيمت الصلاة فكان آخر العهد به.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال سمعت إبراهيم بن أيوب يقول أقبل الأوزاعي من دمشق يريد الساحل أو أقبل من الساحل يريد دمشق فنزل بأخ (86 م) له في القرية التي نشأ فيها وهي الكرك فقدم الرجل عشاءه فلما وضع المائده بين يديه ومد الأوزاعي يده ليتناول منه قال الرجل كل يا أبا عمرو واعذرنا فإنك أتيتنا في وقت ضيق، فرد يده في كمه وأقبل عليه الرجل يسأله أن يأكل من طعامه فأبى فلما طال على الرجل رفع المائدة وبات فلما أصبح غدا وتبعه الرجل فقال يا أبا عمرو ما حملك على ما صنعت؟ والله ما أفدت بعدك مالا وما هو إلا المال الذي تعرف، فلما أكثر عليه قال: ما كنت لأصيب طعاما قل شكر الله عليه أو كفرت نعمة الله عنده.
وكان تلك الليلة صائما [قال أبو محمد - 1] يعني فلم يفطر.
حدثنا عبد الرحمن نا محمد بن مسلم قال قال قبيصة قال رجل لسفيان يا أبا عبد الله رأيت كأن ريحانة قلعت من الشام - أراه قال - فذهب بها في السماء، قال سفيان: إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي، قال فجاءه نعي الأوزاعي في ذلك اليوم سواء.
(57 د) باب ما ذكر من كرم الأوزاعي وطهارة خلقه
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد حدثني عبد الغفار بن عفان قال نزل الأوزاعي بالقاع باهل بيت من أهل الذمة فرفقوا به فخدموه فقال لرجل منهم ألك حاجة؟ قال فشكا إليه ما الزم من الخراج
فكتب له إلى عامل الخراج وهو ابن الأزرق وكان غلاما لأبي جعفر على الخراج قال فلما دفعت إليه وضعه على عينيه فقال: حاجتك؟ فذكرها فقضاها له فلما انصرف ذكر لامرأته فقالت ويحك أهد له هدية، وكان صاحب نحل فملأ قمقما له [من - 1] نحاس شهدا وأقبل به إلى الأوزاعي فلما رآه الأوزاعي قال ألك حاجة؟ قال فأمر بقبضه وسأله عن خراجه فأخبره أنه قد بقي عليه ثمانية دنانير [قال - 2] فتجدها؟ قال قد عسرت على في أيامي هذه، قال فدخل الاوزاعي (87 م) منزلة واخرج إليه الدنانير فقال اذهب حتى تؤديها عنك، فأبى، قال: فخذ قمقمك، قال يا ابا عمرو وأي شئ ذاك؟ إنما ذاك من نحلي، قال: أنت أعلم، إن شئت قبلنا منك وقبلت منا وإلا رددنا عليك كما رددت علينا، قال فأخذ النصراني الدنانير وأخذ الأوزاعي القمقم.
ما ذكر من قول الأوزاعي بالحق عند السلطان وتركه تهيبهم (3) في حين كلامه بالحق حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي قال سمعت أمي تقول لما قدم عبد الله بن علي بن العباس الشام كتب إلي الأوزاعي أن القنى فلقيه بالناعورة قال فلما دخلت عليه قال يا عبد الرحمن أما ترى مخرجنا هذا هجرة؟ قال بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها أو إلى الله ورسوله فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ، قال فما تقول في أموال بني أمية؟ قال قلت إن كانوا أخذوها حرام فهي عليهم حرام أبدا وعلى من أخذها
منهم وإن كانوا أخذوها حلالا فهي حرام على من أخذها منهم، قال فما تقول في دمائهم؟ قال قلت حارث، خاب الذي ليس له صاحب، قال قلت حدثني أخوك داود بن علي أن رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بواحدة من ثلاث، الدم بالدم والثيب الزاني والمرتد عن الإسلام.
قال أنك لتقول هذا؟ قال قلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله، قال أبو الفضل فأخبرني أخ لنا عن بعض أصحاب الأوزاعي عن الأوزاعي: قال فما تعلم أن الخلافة وصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ذ (59 ك) قال قلت: فلما حكم علي الحكمين؟ قالت أمي قال الأوزاعي ثم دخل على عبد الله بعض تخليطه ذاك فانسللت منه فما حبسني دون جبل الجليل فنزلت برجل من بني سلمان فما (88 م) سررت بضيافة أحد كما سررت بضيافة هذا الرجل وأراني في هري له [فيه - 1] عدس فكانت خادمة تجئ في كل يوم فتأخذ من ذلك العدس فتطبخ لنا منه.
حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ نا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي نَشِيطٍ الْبَغْدَادِيِّ (2) قال سمعت الفريابي يقول سمعت الأَوْزَاعِيَّ يَقُولُ:
أُدْخِلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَصْحَابِ الْخُشُبِ وُقُوفٌ فَأُجْلِسْتُ عَلَى كُرْسِيٍّ فَقَالَ لِي مَا تَقُولُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ قَالَ أَخَذْتُ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فَقَالَ لِي ارْجِعْ وَيْلَكَ، مَا تَقُولُ فِي دِمَائِهِمْ؟ قَالَ قُلْتُ، مَا تَحِلُّ لَكَ، قال لم؟ ويك، قَالَ قُلْتُ لأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ محمد ابن مَسْلَمَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا الله فإذا قالوها عصموا دماءهم وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله، فقال ويلك أليست
لَنَا الْخِلافَةُ وِرَاثَةً مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فاتل عَلَيْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بصفين؟ قال فلت: لَوْ كَانَتِ الْخِلافَةُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِذًا مَا رَضِيَ عَلِيٌّ بِالْحَكَمَيْنِ، فَقَالَ لِي اخْرُجْ وَيْلَكَ - فَمَا ظَنَنْتُ أَنِّي أُحْمَلُ إِلا مَيِّتًا.
حدثنا عبد الرحمن [نا أبي - 1] نا أحمد بن أبي الحواري قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ (2) بْنَ مُحَمَّدٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ سَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ - قَالَ وَدَخَلْتُ أَتَخَطَّى الْقَتْلَى -: مَا تَقُولُ فِي مَخْرَجِنَا هَذَا؟ قَالَ قُلْتُ حدثنا أَصْلَحَكَ اللَّهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ نا عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ قال سمعت عمر بن الخطاب قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى الله و [إلى - 3] رسوله فهجرته إلى الله و [إلى - 3] رَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا أحمد بن أبي الحواري نا الفريابي عن
الأوزاعي قال (58 د) قال [لي - 1] عبد الله بن علي: أليس الخلافة وصية لنا من رسول الله (89 م) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلَ علي كرم الله وجهه عليها بِصِفِّينَ؟ قَالَ قُلْتُ لَوْ كَانَتِ وصية من رسول الله ما حكم على الحكمين، قال سألني والمسودة قيام على رؤوسنا بالكافر كوبات.
حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ نا محمد بن مسلم قال قَالَ الْفِرْيَابِيُّ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ - فَذَكَرْتُهُ لأَبِي نُعَيْمٍ فَقَالَ هَذَا وَهْمٌ إِنَّمَا دَخَلَ سُفْيَانُ عَلَى الْمَهْدِيِّ وَظَنَنْتُ أَنَّ الْفِرْيَابِيَّ غَلَطَ مَا بَيْنَ هَذِهِ الْحِكَايَةِ وَحِكَايَةِ الأَوْزَاعِيِّ فِي دُخُولِهِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وكان الاوزاعي دخل على
أَبِي جَعْفَرٍ فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَرَأَيْتُ الرِّجَالَ وُقُوفًا بَيْنَ يديه بالسوف فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ لَمْ أَشُكَّ إِلا وَأَنَا مَقْتُولٌ قَالَ لِي مَا تَقُولُ فِي دِمَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ؟ قُلْتُ هِيَ حَرَامٌ قَالَ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ، قَالَ وَيْلَكَ أَلَيْسَ الْخِلافَةُ وِرَاثَةً لنا من رسول الله صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قُلْتُ لَوْ كَانَتْ وِرَاثَةً لَكُمْ مَا حَكَّمَ عَلِيٌّ الْحَكَمَيْنِ، قَالَ ثُمَّ قَالَ لِي قُمْ - فَخَرَجْتُ.
حدثنا عَبْدُ الرحمن قال ذكره أبي نا العباس بن الوليد بن مزيد قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي امْرَأَةِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ لَمَّا قَدِمَ أَبُو جَعْفَرٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ
الشَّامَ يُرِيدُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ كَتَبَ إِلَى الأَوْزَاعِيِّ يقاه بِدِمَشْقَ فَلَمَّا نَزَلَ أَبُو جَعْفَرٍ دِمَشْقَ اسْتَبْطَأَهُ وَقَدِمَ الأَوْزَاعِيُّ إِلَى دِمَشْقَ فَتَرَكَ إِتْيَانَ أَبِي جَعْفَرٍ واتى ابنه المهدي فسم عَلَيْهِ وَهَنَّأَهُ بِمَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ وَدَعَا لَهُ وَحَدَّثَهُ بِالْحَدِيثِ عَنْ رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا وَتُفْتَحُ لَكُمْ مَدَائِنُ وَحُصُونٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ فَاسْتَطَاعَ أَنْ يَحْبِسَ نَفْسَهُ فِي حِصْنٍ مِنْ تِلْكَ الْحُصُونِ فَلْيَفْعَلْ - وَقَدْ حَبَسْتُ نَفْسِي فِي بَعْضِهَا وَرَجَوْتُ أَنْ يُدْرِكَنِي أَجَلِي فِيهَا وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَلْقَاهُ [وَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ إِنْ لَقِيتُهُ (90 م) ولكني رأيت في لقائك خَلَفًا مِنْ لِقَائِهِ - 1] وَفِي إِذْنِكَ خَلَفًا مِنْ إِذْنِهِ، قَالَ وَتَرَى ذَلِكَ؟ قَالَ نَعَمْ.
قَالَ فَأَمَرَ لَهُ بِجَائِزَةٍ.
قَالَ فَبَيْنَا هُوَ عِنْدَهُ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ خَرَجَتْ عليهم جارية فقالت
يَا سَيِّدِي مَنْ هَذَا الشَّيْخُ؟ قَالَ هَذَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَتْ فَإِنَّ سَيِّدَتِي تُرِيدُ أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ فَقَالَ لَهَا فَلْتَسْأَلْ عما بدا لها قَالَ فَقَالَتْ إِنَّهَا كَانَتْ فِي أَرْضِهَا إِذْ هَجَمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْلُ العرب فالتجاؤا إِلَى غَارٍ وَمَعَهَا بُنَيٍّ لَهَا وضعت يدها على فمه بخافة أَنْ يَصِيحَ فَيَدُلَّ عَلَيْهِمْ فَمَا رَفَعَتْ يَدَهَا عَنْ فِيهِ إِلا وَهُوَ مَيِّتٌ فَهَلْ عَلَيْهَا فِيهِ شئ؟ وَهَلْ لَهَا كَفَّارَةٌ لِمَا صَنَعَتْ؟ فَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ أَكَانَ هَذَا مِنْهَا قَبْلَ الإِسْلامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَتْ قَبْلَ الإِسْلامِ، قَالَ فَإِنَّ الإِسْلامَ قَدْ هَدَمَ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأُحِبُّ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً.
قَالَ فَسَأَلَتْ عَنْ وَلَدِهِ فَأُخْبِرَتْ بِأَنَّ لِلأَوْزَاعِيِّ ثَلاثُ بَنَاتٍ قَالَ فَأَخْرَجَتْ إِلَيْهِ ثَلاثُ دُرَّاتٍ هَدِيَّةً لَهُنَّ فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِنَّ قَالَ لَهُنَّ إِنَّ هَؤُلاءِ الدُّرَّاتِ
أُهْدِينَ لَكُنَّ وَلا يَصْلُحْنَ إِلا مَعَ شِبْهِهِنَّ من الحلي ولكن رَأَيْتُ رَأْيًا إِنْ أَحْبَبْتُنَّ فَعَلْتُهُ، قَالَ قُلْنَ وَمَا هُوَ؟ قَالَ نَبِيعُهُنَّ وَنَتْجَرُ بِأَثْمَانِهِنَّ (2) حَتَّى لَعَلَّ اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَكُنَّ وَإِيَّانَا بِهِ، (60 ك) قُلْنَ: نَعَمْ، فَبَعَثَ بِهِنَّ إِلَى دِمَشْقَ فَبِعْنَ بِثَمَانِينَ وَمِائَتَيْ دِينَارٍ وَكَانَ مَدْخَلَ الشِّتَاءِ قَالَ فَأَمَرَ الَّذِي بَاعَهُنَّ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ قَطِيفًا (2) وَانْجَبَانِيَّاتٍ] وَبَعَثَ بِهِنَّ إِلَيْهِ.
قَالَ أَبُو الْفَضْلِ فَأَخْبَرَنِي هَذَا الرَّجُلُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ بَعْضُ أَشْيَاخِ الْمَدِينَةِ يَعْنِي بَيْرُوتَ أَنَّهُ صَارَ إِلَيْهِ انْبَجَانِيَّتَانِ مِنْهَا، وَفَقَدَهُ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَالَ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْهَاشِمِيِّ عَامِلِهِ عَلَى دِمَشْقَ وَالْمَهْدِيُّ عِنْدَهُ: أَلَمْ أُوَجِّهْ إِلَيْكَ كِتَابِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ بَلَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْفَذْتُهُ، قَالَ يَقُولُ الْمَهْدِيُّ قَدْ وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ جَاءَنِي فَسَلَّمَ عَلَيَّ وَهَنَّأَنِي بِمَا أَسْنَدَ إِلَيَّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْخِلافَةِ وَدَعَا لي (91 م) دُعَاءً وَقَعَ بَرْدُهُ عَلَى قَلْبِي، وَأَخْبَرَهُ بِمَا حَدَّثَهُ بِهِ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَنِي فِي الرُّجُوعِ إِلَى مَكْتَبِهِ واعلمني ان
فِي إِذْنِي لَهُ خَلَفًا مِنْ إِذْنِكَ فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لِلْمَهْدِيِّ فَعَلْتَهَا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ قَدْ كَانَ ذَا، قَالَ: ارْحَلُوا.
حدثنا عبد الرحمن نا علي بن الحسن الهسنجاني نا أحمد - يعني ابن صالح - قال سمعت ابن أبي ذئب يحدث سفيان الثوري بدخوله على أبي جعفر وكلامه له فذكر قصة لا أحفظها كما أحب قال ابن أبي ذئب فقلت له أخبرني انصح لك من المهدي، فقال باي شئ حل لك أن تقول (1) : المهدي؟ قال ابن أبي ذئب: كلنا قد هداه الله.
باب ما ذكر من فصاحة الأوزاعي وحسن عبارته حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال سمعت أبي يقول قال أبو جعفر - يعني أمير المؤمنين - لسليمان بن مجالد وكان كاتبه: ويحك رد على الأوزاعي جواب كتبه [على مالا نعرفه - 2] ، قال لا والله يا أمير المؤمنين ما أحسن أرد عليه ولكنا نرد عليه ما نحسن ونستعين بكتبه على مالا نعرفها.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد نا دحيم (59 د) قال سمعت أبا مسهر قال قال الأوزاعي: لا تغير من كلامي شيئا غير اللحن.
باب ما ذكر من تواضع الأوزاعي حدثنا عبد الرحمن حدثني أبي نا أبو عمير بن النحاس قال قال ضمرة صليت إلى جانب الأوزاعي بمكة فلما قام حركني فذهبت معه إلى منزله
فأتانا بثريد عليه فول مسلوق قال فلما خرجنا قال لي غاب الشفق؟ قال قلت يا ابا عمرو اي شئ الشفق؟ قال بقية (1) بياض النهار.
باب ما يرجى من الخير لمحبي الأوزاعي حدثنا عبد الرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل نا علي - يعني ابن المديني - قال سمعت عبد الرحمن - يعني ابن مهدي - يقول: إذا رأيت
الشامي يحب الأوزاعي [وأبا إسحاق الفزاري فارج خيره.
حدثنا عبد الرحمن نا أبي نا أبو زياد حماد بن زاذان قال سمعت عبد الرحمن (92 م) بن مهدي يقول: إذا رأيت الشامي يحب الأوزاعي - 2] وأبا إسحاق الفزاري فهو صاحب سنة.
باب ما ذكر من خشوع الأوزاعي وطول سكوته حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال سمعت أبي يقول ما رأيت الأوزاعي ضاحكا حتى يقهقه قط ولا ملتفتا إلى شئ ولا باكيا ولقد كان إذا أخذ في ذكر المعاد وما أشبهه أقول في نفسي يرى أحد في المجلس لم يبك قلبه؟ ولا يعرف ذاك منه.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال سمعت ابن شعيب (3) يقول: من نظر في كتب الأوزاعي يظن أنه كان صاحب كلام وما رأيت رجلا قط أطول سكوتا منه.
باب ما ذكر من عبادة الأوزاعي وزهده حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد حدثني اسحاق ابن حماد النمري (1) عن أمه وكانت تداخل الأوزاعي قالت فبينا أنا في
صلاح بعض ما في البيت إذ نظرت إلى مسجده وكان مرففا فنظرت إلى بلل في المسجد في موضع سجوده فقلت جويرية ثكلتك أمك أراك قد غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ، قال فغفلت عني قالت فلما أبرمتها قالت لي ويحك هكذا يصبح كل ليلة قال أبو الفضل قال أبي وكان يأمرنا الأوزاعي أن نرفف المساجد في بيوتنا.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال سمعت عبيدة ابن عثمان يقول من نظر إلى الأوزاعي اكتفى به مما يرى عليه من أثر العبادة، كنت إذا رأيته قائما يصلى كأنما تنظر إلى جسد ليس فيه روح.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد قال سمعت عقبة - يعني ابن علقمة - يقول لقيته - يعني الأوزاعي - يوم الجمعة رائحا إلى الجمعة على باب المسجد فسلمت عليه ثم دخل فاتبعته فأحصيت عليه قبل خروج الإمام صلاته أربعا وثلاثين ركعة كان قيامه وركوعه وسجوده حسنا كله.
حدثنا عبد الرحمن نا العباس (93 م) بن الوليد بن مزيد قال سمعت أبي وعقبة - يعني ابن علقمة - يقولان سمعنا الأوزاعي يقول: ما أكثر عبد ذكر الموت إلا كفاه اليسير من العمل ولا عرف عبد أن منطقه من عمله الا قل لغطه (2) .
حدثنا عبد الرحمن نا أبي حدثنا أبو عمرو عبد الله (3) بن اسماعيل
ابن بنت الأوزاعي قال حدثني أبي قال وجدت في كتب الاوزاعي (61 ك)
بخط يده: ابن آدم اعلم لنفسك وبادر فقد أتيت من كل جانب وأعول كعويل الأسير المكبل ولا تجعل بقية عمرك للدينا وطلبها في أطراف الأرض حسبك ما بلغك منها ستسلم طائعا وتعز بيوم فقرك وفاقتك واسع في طلب الامام فإنك في سفر إلى الموت يطر بك نائما ويقظان واذكر سهر أهل النار في خلد أبدا وتخوف أن ينصرف بك من عند الله عزوجل إلى النار فيكون ذلك آخر العهد بالله عزوجل وينقطع الرجاء واذكر إنك قد راهقت الغاية وإنما بقى الرمق فسدد تصبرا وتكرما وارغب ببقية عمرك أن تفيته (1) للدنيا وخذ منها ما يفرغك لآخرتك ودع منها ما يشغلك عنها.
قال عبد الرحمن قد كنا شرطنا أن نشرح بعض أوصاف هؤلاء الأئمة الجهابذة [النقاد - 2] ونخرج ما وقع إلينا من جرحهم وتعديلهم نرو انتقادهم للحديث في أول كتابنا فقد أتينا على ما انتهى إلينا من ذلك ونحن ذاكرون من بعدهم بما نرجو أن يكون فيه غنى وكفاية إن شاء الله.