أبو بكر الدّاهرى . عبد اللَّه بن حكيم. وقيل: عبد اللَّه بن عبيد اللَّه والأول أكثر وأصح إن شاء اللَّه. روى عن مسعر والثورى، ويوسف بن صهيب . روى عنه سعيد بن سليمان ، وموسى بن داود ! . وعمرو بن عون . هو عندهم متروك الحديث، لا يكتب حديثه.
Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 2074 582. ابو بكر التميمي2 583. ابو بكر الثقفي2 584. ابو بكر الحنفي4 585. ابو بكر الحويطبي المدني1 586. ابو بكر الخزاعي2 587. ابو بكر الداهري2588. ابو بكر السراج الزبرقان بن عبد الله1 589. ابو بكر الشقري1 590. ابو بكر الصديق7 591. ابو بكر الطاحي البصري1 592. ابو بكر العبسي2 593. ابو بكر العدوي2 594. ابو بكر الغفاري1 595. ابو بكر القتبي1 596. ابو بكر القصير المنقري1 597. ابو بكر الكليبي1 598. ابو بكر الكوفي1 599. ابو بكر المدني2 600. ابو بكر المكي2 601. ابو بكر النصري1 602. ابو بكر النهشلي5 603. ابو بكر الهذلي2 604. ابو بكر بن ابي الجهم2 605. ابو بكر بن ابي النضر البغدادي1 606. ابو بكر بن ابي الورد الانصاري2 607. ابو بكر بن ابي اويس الاعشي المدني الاصبحي...1 608. ابو بكر بن ابي بشر1 609. ابو بكر بن ابي زهير الثقفي2 610. ابو بكر بن ابي شيخ السهمي1 611. ابو بكر بن ابي قيس2 612. ابو بكر بن ابي مليكة2 613. ابو بكر بن ابي موسى2 614. ابو بكر بن ابي موسى الاشعري5 615. ابو بكر بن ابي يحيى التميمي3 616. ابو بكر بن اسحاق بن يسار1 617. ابو بكر بن اسماعيل1 618. ابو بكر بن الضحاك الزبيدي1 619. ابو بكر بن الفضل2 620. ابو بكر بن الفضل العتكي2 621. ابو بكر بن القاسم1 622. ابو بكر بن القاسم الكليبي1 623. ابو بكر بن المنكدر بن ربيعة1 624. ابو بكر بن انس بن مالك الانصاري1 625. ابو بكر بن اياس1 626. ابو بكر بن بدر الاسدي1 627. ابو بكر بن بشير بن كعب بن عجرة1 628. ابو بكر بن ثمامة بن النعمان الراسبي3 629. ابو بكر بن حفص بن عمر بن سعد2 630. ابو بكر بن حيان1 631. ابو بكر بن خالد بن عرفطه1 632. ابو بكر بن زيد بن المهاجر بن قنفذ1 633. ابو بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر4 634. ابو بكر بن سليمان بن ابي السائب الدمشقي...1 635. ابو بكر بن شعيب بن الحبحاب3 636. ابو بكر بن شعيب بن الحبحاب البصري1 637. ابو بكر بن عبد الرحمن الانصاري1 638. ابو بكر بن عبد الرحمن بن ابي سفيان1 639. ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث3 640. ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام...6 641. ابو بكر بن عبد الله الاصبهاني2 642. ابو بكر بن عبد الله بن ابي ربيعة حجازى...1 643. ابو بكر بن عبد الله بن ابي مريم الغساني...2 644. ابو بكر بن عبد الله بن الزبير بن العوام...1 645. ابو بكر بن عبد الله بن عبد الله بن عمر...1 646. ابو بكر بن عبيد الله بن انس1 647. ابو بكر بن عبيد الله بن عبد الله3 648. ابو بكر بن عتبة1 649. ابو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف5 650. ابو بكر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد...1 651. ابو بكر بن علي بن عطاء بن مقدم1 652. ابو بكر بن عمارة بن رويبة1 653. ابو بكر بن عمارة بن رويبة الثقفي4 654. ابو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله...4 655. ابو بكر بن عمرو بن عتبة1 656. ابو بكر بن عمير2 657. ابو بكر بن عوذ الله المخزومي2 658. ابو بكر بن عياش الاسدي1 659. ابو بكر بن عياش الكوفي1 660. ابو بكر بن محمد بن زيد بن عبد الله1 661. ابو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم4 662. ابو بكر بن مروان بن الحكم بن يزيد1 663. ابو بكر بن نافع4 664. ابو بكر بن نافع العمري2 665. ابو بكر بن يحيى بن النضر الانصاري1 666. ابو بكر بن يزيد سرجس1 667. ابو بكر بن شعبة1 668. ابو بكرة2 669. ابو بكرة الثقفي4 670. ابو بكرة بكار بن قنيبة البكراوي1 671. ابو بكير1 672. ابو بكير العبدي1 673. ابو بلال1 674. ابو بلال الازدي الجلاب عبد المؤمن بن ابى...1 675. ابو بلال الاشعري4 676. ابو بلج الصغير الواسطي جارية1 677. ابو بلج الكبير1 678. ابو بن زاهر1 679. ابو بيان2 680. ابو تحيى حكيم بن سعد الحنفي1 681. ابو تقى هشام بن عبد الملك اليزني1 ◀ Prev. 100▶ Next 100
الصفحة الرئيسية للكتاب Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 2074 582. ابو بكر التميمي2 583. ابو بكر الثقفي2 584. ابو بكر الحنفي4 585. ابو بكر الحويطبي المدني1 586. ابو بكر الخزاعي2 587. ابو بكر الداهري2588. ابو بكر السراج الزبرقان بن عبد الله1 589. ابو بكر الشقري1 590. ابو بكر الصديق7 591. ابو بكر الطاحي البصري1 592. ابو بكر العبسي2 593. ابو بكر العدوي2 594. ابو بكر الغفاري1 595. ابو بكر القتبي1 596. ابو بكر القصير المنقري1 597. ابو بكر الكليبي1 598. ابو بكر الكوفي1 599. ابو بكر المدني2 600. ابو بكر المكي2 601. ابو بكر النصري1 602. ابو بكر النهشلي5 603. ابو بكر الهذلي2 604. ابو بكر بن ابي الجهم2 605. ابو بكر بن ابي النضر البغدادي1 606. ابو بكر بن ابي الورد الانصاري2 607. ابو بكر بن ابي اويس الاعشي المدني الاصبحي...1 608. ابو بكر بن ابي بشر1 609. ابو بكر بن ابي زهير الثقفي2 610. ابو بكر بن ابي شيخ السهمي1 611. ابو بكر بن ابي قيس2 612. ابو بكر بن ابي مليكة2 613. ابو بكر بن ابي موسى2 614. ابو بكر بن ابي موسى الاشعري5 615. ابو بكر بن ابي يحيى التميمي3 616. ابو بكر بن اسحاق بن يسار1 617. ابو بكر بن اسماعيل1 618. ابو بكر بن الضحاك الزبيدي1 619. ابو بكر بن الفضل2 620. ابو بكر بن الفضل العتكي2 621. ابو بكر بن القاسم1 622. ابو بكر بن القاسم الكليبي1 623. ابو بكر بن المنكدر بن ربيعة1 624. ابو بكر بن انس بن مالك الانصاري1 625. ابو بكر بن اياس1 626. ابو بكر بن بدر الاسدي1 627. ابو بكر بن بشير بن كعب بن عجرة1 628. ابو بكر بن ثمامة بن النعمان الراسبي3 629. ابو بكر بن حفص بن عمر بن سعد2 630. ابو بكر بن حيان1 631. ابو بكر بن خالد بن عرفطه1 632. ابو بكر بن زيد بن المهاجر بن قنفذ1 633. ابو بكر بن سالم بن عبد الله بن عمر4 634. ابو بكر بن سليمان بن ابي السائب الدمشقي...1 635. ابو بكر بن شعيب بن الحبحاب3 636. ابو بكر بن شعيب بن الحبحاب البصري1 637. ابو بكر بن عبد الرحمن الانصاري1 638. ابو بكر بن عبد الرحمن بن ابي سفيان1 639. ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث3 640. ابو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام...6 641. ابو بكر بن عبد الله الاصبهاني2 642. ابو بكر بن عبد الله بن ابي ربيعة حجازى...1 643. ابو بكر بن عبد الله بن ابي مريم الغساني...2 644. ابو بكر بن عبد الله بن الزبير بن العوام...1 645. ابو بكر بن عبد الله بن عبد الله بن عمر...1 646. ابو بكر بن عبيد الله بن انس1 647. ابو بكر بن عبيد الله بن عبد الله3 648. ابو بكر بن عتبة1 649. ابو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف5 650. ابو بكر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد...1 651. ابو بكر بن علي بن عطاء بن مقدم1 652. ابو بكر بن عمارة بن رويبة1 653. ابو بكر بن عمارة بن رويبة الثقفي4 654. ابو بكر بن عمر بن عبد الرحمن بن عبد الله...4 655. ابو بكر بن عمرو بن عتبة1 656. ابو بكر بن عمير2 657. ابو بكر بن عوذ الله المخزومي2 658. ابو بكر بن عياش الاسدي1 659. ابو بكر بن عياش الكوفي1 660. ابو بكر بن محمد بن زيد بن عبد الله1 661. ابو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم4 662. ابو بكر بن مروان بن الحكم بن يزيد1 663. ابو بكر بن نافع4 664. ابو بكر بن نافع العمري2 665. ابو بكر بن يحيى بن النضر الانصاري1 666. ابو بكر بن يزيد سرجس1 667. ابو بكر بن شعبة1 668. ابو بكرة2 669. ابو بكرة الثقفي4 670. ابو بكرة بكار بن قنيبة البكراوي1 671. ابو بكير1 672. ابو بكير العبدي1 673. ابو بلال1 674. ابو بلال الازدي الجلاب عبد المؤمن بن ابى...1 675. ابو بلال الاشعري4 676. ابو بلج الصغير الواسطي جارية1 677. ابو بلج الكبير1 678. ابو بن زاهر1 679. ابو بيان2 680. ابو تحيى حكيم بن سعد الحنفي1 681. ابو تقى هشام بن عبد الملك اليزني1 ◀ Prev. 100▶ Next 100
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to
Ibn ʿAbd al-Barr (d. 1071 CE) - al-Istighnāʾ fī maʿrifat al-mashhūrīn min ḥamalat al-ʿilm bi-l-kunā - ابن عبد البر - الاستغناء are being displayed.
Similar and related entries:
مواضيع متعلقة أو متشابهة بهذا الموضوع
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
http://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=157122&book=5548#8d2131
أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ بَغْدَادَ،
أَبُو بَكْرٍ السِّجِسْتَانِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.وُلِدَ: بِسِجِسْتَانَ، فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَافَرَ بِهِ أَبُوْهُ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَكَانَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ جَنَازَةَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه.
قُلْتُ: وَكَانَتْ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي شَعْبَانَ، فَأَوَّلُ شَيْخٍ سَمِعَ مِنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ، وَسُرَّ أَبُوْهُ بِذَلِكَ لِجَلاَلَةِ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّهِ، وَعِيْسَى بنِ حَمَّادٍ زُغْبَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الزِّمَّانِيِّ، وَأَبِي الطَّاهِر بنِ السَّرْحِ، وَعَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ الحِمْصِيِّ، وَكَثِيْرِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُوْسَى بنِ عَامِرٍ المُرِّيِّ، وَمَحْمُوْدِ بنِ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ المُرَادِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَعْمَرٍ البَحْرَانِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَهَارُوْنَ بنِ سَعِيْدٍ الأَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُصَفَّى، وَإِسْحَاقَ الكَوْسَجِ، وَالحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ، وَهِشَامِ بنِ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَزِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانَ، وَيُوْسُفَ بنِ مُوْسَى القَطَّانِ، وعبَّادِ بنِ يَعْقُوْبَ الرَّوَاجِني، وخَلْقٍ كَثَيْرٍ بِخُرَاسَانَ
وَالحِجَازِ وَالعِرَاقِ، وَمِصْرَ وَالشَّامِ، وَأَصْبَهَانَ وَفَارِسَ.وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، بِحَيْثُ إِنَّ بَعْضَهُم فَضَّلَهُ عَلَى أَبِيْهِ.
صَنَّفَ (السُّنَنَ) وَ (المَصَاحِفَ) وَ (شَرِيْعَةَ المقَارِئ) وَ (النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخ) ، وَ (البَعْثَ) وَأَشْيَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ حِبَّانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْه، وَابْنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، وَابْنُ المُقْرِئ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حَبَابَةَ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ زُنْبُوْر الوَرَّاقُ، وَأَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَمَعِيَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، فَأَخَذْتُ بِهِ ثَلاَثِيْنَ مُدَّ بَاقِلاَّ، فَكُنْتُ آكُلُ مِنْهُ، وَأَكتُبُ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، فَمَا فَرَغَ البَاقِلاَّ حَتَّى كَتَبْتُ عَنْهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، مَا بَيْنَ مَقْطُوعٍ وَمُرْسَلٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: قَدِمَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ سِجِسْتَانَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُم، فَقَالَ: مَا مَعِي أَصْلٌ.
فَقَالُوا: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ وَأَصْلٌ!؟
قَالَ: فَأَثَارُونِي، فَأَملَيْتُ عَلَيْهِم مِنْ حِفْظِي ثَلاَثِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ، فَلَمَّا قَدِمْتُ بَغْدَادَ، قَالَ البَغْدَادِيُّونَ: مَضَى إِلَى سِجِسْتَانَ وَلَعِبَ بِهِم، ثُمَّ فَيَّجُوا فَيْجاً اكتَرَوْهُ بِسِتَّةِ دَنَانِيْرَ إِلَى سِجِسْتَانَ، لِيَكْتُبَ لَهُم النُّسْخَةَ، فَكُتِبَتْ، وَجِيْء بِهَا،
وَعُرِضَتْ عَلَى الحُفَّاظِ، فَخَطَّؤونِي فِي سِتَّةِ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ حَدَّثْتُ بِهَا كَمَا حُدِّثْتُ، وثَلاَثَةٌ أَخْطَأْتُ فِيْهَا.هَكَذَا رَوَاهَا أَبُو القَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، عَنِ ابْنِ شَاذَانَ، وَرَوَاهَا غَيْرُهُ، فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَصْبَهَانَ.
وَكَذَا رَوَى أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسابُورِيُّ الحَافِظُ، عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ.
فَالأَزْهَرِيُّ وَاهِمٌ.
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ، يَقُوْلُ:
حَدَّثْتُ مِنْ حِفْظِي بِأَصْبَهَانَ بِسِتَّةٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، أَلزَمُونِي الوَهْمَ فِيْهَا فِي سَبْعَةِ أَحَادِيْثَ، فَلَمَّا انصَرَفْتُ، وَجَدْتُ فِي كِتَابِي خَمْسَةً مِنْهَا عَلَى مَا كُنْتُ حَدَّثْتُهُم بِهِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ إِمَامَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَمَنْ نَصَبَ لَهُ السُّلْطَانَ المِنْبَر، وَقَدْ كَانَ فِي وَقتِهِ بِالعِرَاقِ مَشَايِخُ أَسْنَدُ مِنْهُ، وَلَمْ يَبْلُغُوا فِي الآلَةِ وَالإِتقَانِ مَا بَلَغَ هُوَ.
أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، قَالَ: أَملَى عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ سِنِيْنَ، وَمَا رَأَيْتُ بِيَدِهِ كِتَاباً، إِنَّمَا كَانَ يُمْلِي حِفْظاً، فَكَانَ يَقْعُدُ عَلَى
المِنْبَرِ بَعْدَ مَا عَمِيَ، وَيَقْعُدُ دُوْنَهُ بِدَرَجَةٍ ابْنُهُ؛ أَبُو مَعْمَرٍ - بِيَدِهِ كِتَابٌ - فَيَقُوْلُ لَهُ: حَدِيْثُ كَذَا، فَيَسْرُدُهُ مِنْ حِفْظِهِ، حَتَّى يَأْتِي عَلَى المَجْلِسِ.قَرَأَ عَلَيْنَا يَوْماً حَدِيْثَ (الفُتُوْنَ ) مِنْ حِفْظِهِ، فَقَامَ أَبُو تَمَّامٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَقَالَ: للهِ دَرُّكَ! مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ.
فَقَالَ: كُلُّ مَا كَانَ يَحْفَظُ إِبْرَاهِيْمُ، فَأَنَا أَحْفَظُهُ، وَأَنَا أَعرِفُ النُّجُوْمَ، وَمَا كَانَ هُوَ يَعْرِفُهَا.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُ: سَمِعُوا أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ رَحَلَ بِهِ أَبُوْهُ مِنْ سِجِسْتَانَ، يَطُوْفُ بِهِ شَرْقاً وَغَرْباً بِخُرَاسَانَ وَالجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ وَفَارِسَ وَالبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ وَالثُّغُوْرِ، يَسْمَعُ وَيَكْتبُ.
وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) ، وَ (السُّنَنَ) ، وَ (التَّفْسِيْرَ) ، وَ (القِرَاءات) ، وَ (النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، عَالِماً، حَافِظاً.
قُلْتُ: وَكَانَ رَئِيساً عَزِيْزَ النَّفْسِ، مُدِلاًّ بِنَفْسِهِ. سَامَحَهُ اللهُ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ: أَرَادَ الوَزِيْرُ؛ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ صَاعِدٍ، فَجَمَعَهُمَا، وَحَضَرَ أَبُو عُمَرَ القَاضِي، فَقَالَ الوَزِيْرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَبُو مُحَمَّدٍ أَكْبَرُ مِنْكَ، فَلَو قُمْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ أَفْعَلُ.فَقَالَ الوَزِيْرُ: أَنْتَ شَيْخٌ زَيْفٌ.
فَقَالَ: الشَّيْخُ الزَّيْفُ: الكَذَّابُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ الوَزِيْرُ: مَنِ الكَذَّابُ؟
قَالَ: هَذَا.
ثُمَّ قَامَ، وَقَالَ: تَتَوَهَّمُ أَنِّي أَذِلُّ لَكَ لأَجلِ رِزْقِي، وَأَنَّهُ يِصِلُ إِليَّ عَلَى يَدِكَ؟! وَاللهِ لاَ آخُذُ مِنْ يَدِكَ شَيْئاً.
قَالَ: فَكَانَ الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِرُ يَزِنُ رِزْقَهُ بِيَدِهِ، وَيَبْعَثُ بِهِ فِي طَبَقٍ عَلَى يَدِ الخَادِمِ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: أَلقِ عَلَيَّ حَدِيْثاً غَرِيْباً مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ.
فَأَلقَى عَلَيَّ حَدِيْثَ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَسْمَاءَ حَدِيْثَ: (لاَ تُحْصِي فَيُحْصَى عَلَيْكِ ) .
رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شَيْبَةَ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَجِبُ أَنْ تَكْتُبَهُ عَنِّي، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ.
فَغَضِبَ أَبُو زُرْعَةَ، وَشَكَانِي إِلَى أَبِي، وَقَالَ: انْظُرْ مَا يَقُوْلُ لِي أَبُو بَكْرٍ.
وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ: أَنَّ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ كَانَ يَمْنَعُ المُرْدَ مِنْ حُضُوْرِ مَجْلِسِهِ، فَأَحَبَّ أَبُو دَاوُدَ أَنْ يُسْمِعَ ابْنَهُ مِنْهُ، فَشَدَّ عَلَى وَجْهِهِ لِحْيَةً، وَحَضَرَ، فَعَرَفَ الشَّيْخُ، فَقَالَ: أَمِثْلِي يُعْمَلُ مَعَهُ هَذَا؟!
فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ
يُنْكَرُ عَلَيَّ سِوَى جَمْعِ ابْنِي مَعَ الكِبَارِ، فَإِنْ لَمْ يُقَاوِمْهُم بِالمَعْرِفَةِ، فَاحْرِمْهُ السَّمَاعَ.حَدَّثَ بِهَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّفَكُّرِي الزَّنْجَانِيُّ، قَالَ :
سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بُنْدَارٍ الزَّنْجَانِيَّ، قَالَ :
كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يَمْنَعُ المُرْدَ مِنَ التَّحْدِيْثِ تَنَزُّهاً ... فَذَكَرَهَا، وَزَادَ: فَاجتَمَعَ طَائِفَةٌ، فَغَلَبَهُم الابْنُ بِفَهْمِهِ، وَلَمْ يَرْوِ لَهُ أَحْمَدُ بَعْدَهَا شَيْئاً، وَحَصَلَ لَهُ الجُزءُ الأَوَّلُ، فَأَنَا أَرْوِيهِ.
قُلْتُ: بَلْ أُكْثِر عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الخَطَأِ فِي الكَلاَمِ عَلَى الحَدِيْثِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّا شَرَطْنَا أَنَّ
كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فِيْهِ ذَكَرْنَاهُ لَمَا ذَكَرْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ.قَالَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ أَبُوْهُ، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ أُورْمَة، وَيُنْسَبُ فِي الاَبتِدَاءِ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّصْبِ.
وَنَفَاهُ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطَ، ثُمَّ رَدَّهُ الوَزِيْرُ؛ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى، فَحَدَّثَ، وَأَظْهَرَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثُمَّ تَحَنْبَلَ فَصَارَ شَيْخاً فِيهِم، وَهُوَ مَقْبُوْلٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَأَمَّا كَلاَمُ أَبِيْهِ فِيْهِ، فَلاَ أَدْرِي أَيش تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهُ ؟ وَسَمِعْتُ عَبدَانَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
مِنَ البَلاَءِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ يَطْلُبُ القَضَاءَ.
ابْنُ عَدِيٍّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الدَّاهرِي، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو كُرْكُرَةَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ، يَقُوْلُ: ابْنِي عَبْدُ اللهِ كَذَّابٌ.
قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: كَفَانَا مَا قَالَ فِيْهِ أَبُوْهُ.
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ القَاسِمِ الأَشْيَبَ، يَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيَّ، يَقُوْلُ:
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ كَذَّابٌ.
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ البَغَوِيَّ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ رُقْعَةً، يَسْأَلُهُ عَنْ لَفْظِ حَدِيْثٍ لِجَدِّهِ، فَلَمَّا قَرَأَ رُقْعَتَهُ، قَالَ: أَنْتَ عِنْدِي وَاللهِ مُنْسَلِخٌ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الضَّحَّاكِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، يَقُوْلُ:أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ:
رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: حَفِيَتْ أَظَافِيْرُ فُلاَنٍ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَتَسَلَّقُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قُلْتُ: هَذَا بَاطِلٌ وَإِفْكٌ مُبِيْنٌ، وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ إِلَى الزُّهْرِيِّ؟ ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لاَ يُسْمَعُ قَوْلُ العَدُوِّ فِي عَدُوِّه، وَمَا أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا صَدَرَ مِنْ عُرْوَةَ أَصْلاً، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ إِنْ كَانَ حَكَى هَذَا، فَهُوَ خَفِيْفُ الرَّأْسِ، فَلَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَرْبِ العُنُقِ شِبْرٌ، لِكَوْنِهِ تَفَوَّهَ بِمِثْلِ هَذَا البُهتَانِ، فَقَامَ مَعَهُ، وَشَدَّ مِنْهُ رَئِيْسَ أَصْبَهَانَ؛ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَفْصٍ الهَمْدَانِيَّ الذَّكوَانِيَّ، وَخَلَّصَهُ مِنْ أَبِي لَيْلَى أَمِيْرِ أَصْبَهَانَ، وَكَانَ انتَدَبَ لَهُ بَعْضَ العَلَوِيَّةِ خَصْماً، وَنَسَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ المَقَالَةَ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الأَخْرَمُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، وَاشْتَدَّ الخَطْبُ، وَأَمَرَ أَبُو لَيْلَى بِقَتْلِهِ، فَوَثَبَ الذَّكوَانِيُّ، وَجَرَحَ الشُّهُوْدَ مَعَ جَلاَلَتِهِم، فَنَسَبَ ابْنَ مَنْدَةَ إِلَى العُقُوْقِ، وَنَسَبَ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ الرِّبَا، وَتَكَلَّمَ فِي الآخَر، وَكَانَ الهَمْدَانِيُّ الذَّكوَانِيُّ كَبِيرَ الشَّأْنِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، وَخَرَجَ بِهِ مِنَ المَوْتِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو لَهُ طُوْلَ حَيَاتِهِ، وَيَدْعُو عَلَى أَوْلَئِكَ الشُّهُوْدِ.
حَكَاهَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، ثُمَّ قَالَ: فَاسْتُجِيْبَ لَهُ فِيهِم، مِنْهُم مِنْ احْتَرَقَ، وَمِنْهُم مِنْ خَلَّطَ وَفَقَدَ عَقْلَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ:
كُلُّ النَّاسِ مِنِّي فِي حِلٍّ إِلاَّ مَنْ رَمَانِي بِبُغْضِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ فِي الاَبْتِدَاءِ يُنْسَبُ إِلَى شَيْء مِنَ النَّصْبِ، فَنَفَاهُ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطَ، فَرَدَّهُ ابْنُ عِيْسَى، فَحَدَّثَ، وَأَظْهَرَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ ثُمَّ تَحَنْبَلَ، فَصَارَ شَيْخاً فِيهِم.قُلْتُ: كَانَ شَهْماً، قَوِيَّ النَّفْسِ، وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَبَيْنَ ابْنِ صَاعِدٍ وَبَيْنَ الوَزِيْرِ؛ ابْنِ عِيْسَى الَّذِي قَرَّبَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَطَّانُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ جَرِيْرٍ، فَقِيْلَ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ فَضَائِلَ الإِمَامِ عَلِيٍّ.
فَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: تَكْبِيْرَةٌ مِنْ حَارِسٍ.
قُلْتُ: لاَ يُسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ جَرِيْرٍ للعَدَاوَةِ الوَاقِعَةِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّلَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْفَظَ مِنْ أَبِيْهِ؛ أَبِي دَاوُدَ.
وَرَوَى الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ المُفَسِّرُ - وَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ:
إِنَّ فِي تَفْسِيْرِهِ مائَة أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ الحَافِظُ: كَانَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ إِمَامَ العِرَاقِ وَنَصَبَ لَهُ السُّلْطَانُ المِنْبَرَ، وَكَانَ فِي وَقْتِهِ بِبَغْدَادَ مَشَايِخُ أَسْنَد مِنْهُ، وَلَمْ يَبْلُغُوا فِي الآلَةِ وَالإِتْقَانِ مَا بَلَغَ.
قُلْتُ: لَعَلَّ قَوْلُ أَبِيْهِ فِيْهِ - إِنْ صَحَّ - أَرَادَ الكَذِبَ فِي لَهْجَتِهِ، لاَ فِي الحَدِيْثِ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ فِيمَا يَنْقُلُهُ، أَوْ كَانَ يَكْذِبُ وَيُوَرِّي فِي كَلاَمِهِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَكْذِبُ أَبَداً، فَهُوَ أَرْعَن، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ مِنْ عَثْرَةِ الشَّبَابِ، ثُمَّ إِنَّهُ شَاخَ وَارعَوَى، وَلَزِمَ الصِّدْقَ وَالتُّقَى.قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ: كَانَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ زَاهِداً نَاسِكاً، صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَ مَاتَ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، وَأَكْثَر.
قَالَ: وَمَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَة، وَخَلَّفَ ثَلاَثَةَ بَنِيْن: عَبْدَ الأَعْلَى، وَمُحَمَّداً، وَأَبَا مَعْمَرٍ عُبَيْدَ اللهِ، وَخَمْسَ بَنَاتٍ، وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَصُلِّي عَلَيْهِ ثَمَانِيْنَ مَرَّةً.
نَقَلَ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ.
قَالَ المُحَدِّثُ؛ يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ التَّفَكُّرِي: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بُنْدَارٍ الزِّنْجَانِيَّ قَالَ:
كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يَمْتَنِعُ عَلَى المُرْد مِنَ التَّحْدِيْثِ تَوَرُّعاً، وَكَانَ أَبُو دَاوُدَ يَسْمَعُ مِنْهُ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ أَمْرَدُ، فَاحتَالَ بِأَنْ شَدَّ عَلَى وَجْهِهِ قِطْعَةً مِنْ شَعْرٍ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ، وَسَمِعَ، فَأُخْبِرَ الشَّيْخُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَمِثْلِي يُعمَلُ مَعَهُ هَذَا؟
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ تُنكر عَلِيّ، وَاجْمَع ابْني مَعَ شُيُوْخِ الرُّوَاةِ، فَإِنْ لَمْ يُقَاوِمْهُم بِمَعْرِفتِهِ فَاحرِمْهُ السَّمَاعَ.
إسنَادُهَا مُنْقَطِعٌ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ الدَّاهرِيّ يَقُوْلُ:
سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ حَدِيْثِ الطَّيْرِ، فَقَالَ: إِنْ صَحَّ حَدِيْثُ الطَّيْرِ فنُبُوَّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَاطِلٌ، لأَنَّهُ حَكَى عَنْ حَاجِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِيَانَةً -يَعْنِي: أَنَساً- وَحَاجِبَ النَّبِيِّ لاَ يَكُونُ خَائِناً.قُلْتُ: هَذِهِ عِبَارَةٌ رَدِيْئَةٌ، وَكَلاَمٌ نَحْسٌ، بَلْ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقٌّ قَطْعِيٌّ، إِنْ صَحَّ خَبَرُ الطَّيْرِ، وَإِنْ لَمْ يَصُحَّ، وَمَا وَجْهُ الارْتِبَاط؟ هَذَا أَنَسٌ قَدْ خَدَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ، وَقَبْلَ جَرَيَانَ القَلَمِ، فَيَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ قِصَّةُ الطَّائِرِ فِي تِلْكَ المُدَّةِ.
فَرَضْنَا أَنَّهُ كَانَ مُحْتَلِماً، مَا هُوَ بِمَعْصُوْمٍ مِنَ الخِيَانَةِ، بَلْ فَعَلَ هَذِهِ الجنَايَةَ الخَفِيْفَةَ مُتَأَوِّلاً، ثُمَّ إِنَّهُ حَبَسَ عَلِيّاً عَنِ الدُّخُوْلِ كَمَا قِيْلَ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَالدَّعْوَةُ النَّبَوِيَّةُ قَدْ نُفِّذَتْ وَاسْتُجِيْبَتْ، فَلَو حَبَسَهُ، أَوْ رَدَّهُ مَرَّاتٍ، مَا بَقِيَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَدْخُلَ وَيَأْكُلَ مَعَ المُصْطَفَى سِوَاهُ إِلاَّ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَصَدَ بِقَولِهِ: (ايْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ، يَأْكُلُ مَعِي) عَدَداً مِنَ الخِيَارِ، يَصْدُقُ عَلَى مَجْمُوْعِهِم أَنَّهُم أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ، كَمَا يَصُحُّ
قَوْلُنَا: أَحَبُّ الخَلْقِ إِلَى اللهِ الصَّالِحُوْنَ، فَيُقَالُ: فَمَنْ أَحَبُّهُم إِلَى اللهِ؟فَنَقُوْلُ: الصِّدِّيقُوْن وَالأَنْبِيَاءُ.
فَيُقَالُ: فَمَنْ أَحَبُّ الأَنْبِيَاءِ كُلِّهِم إِلَى اللهِ؟
فَنَقُوْلُ: مُحَمَّدٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَمُوْسَى، وَالخَطْبُ فِي ذَلِكَ يَسِيْرٌ.
وَأَبُو لُبَابَةَ - مَعَ جَلاَلَتِهِ - بَدَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ، حَيْثُ أَشَارَ لِبنِي قُرَيْظَةَ إِلَى حَلْقِهِ، وَتَابَ اللهُ عَلَيْهِ.
وَحَاطِبٌ بَدَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ، فَكَاتَبَ قُرَيْشاً بِأَمْرٍ تَخَفَّى بِهِ نَبِيُّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوِهِم، وَغَفَرَ اللهُ لحَاطِبٍ مَعَ عِظَمِ فِعْلِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَحَدِيْثُ الطَّيْرِ - عَلَى ضَعْفِهِ - فَلَهُ طُرُقٌ جَمَّةٌ، وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا فِي جُزْءٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَلاَ أَنَا بِالمُعْتَقِدْ بُطْلاَنَهُ، وَقَدْ أَخْطَأَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي عِبَارَتِهِ وَقَوْلِهِ، وَلَهُ عَلَى خَطَئِهِ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الثِّقَة أَنْ لاَ يُخْطِئ وَلاَ يَغْلَطَ وَلاَ يَسْهُوَ.
وَالرَّجُلُ فَمِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الإِسْلاَمِ، وَمِنْ أَوْثَقِ الحُفَّاظِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
قَالَ ابْنُهُ؛ عَبْدُ الأَعْلَى: تُوُفِّيَ أَبِي وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً وَأَشْهُرٌ.
أَنْشَدَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، قَالَ: أَنْشَدَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ الوِقَايَاتِي أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَان، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الطَّنَاجِيْرِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنَ، أَنْشَدَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ لِنَفْسِهِ:
تَمَسَّكْ بِحَبْلِ اللهِ وَاتَّبِعِ الهُدَى ... وَلاَ تَكُ بِدْعِيّاً لَعَلَّكَ تُفْلِحُ
وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ وَالسُّنَنِ الَّتِي ... أَتَتْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ تَنْجُو وَتَرْبَحُوَقُلْ: غَيْرُ مَخْلُوْقٍ كَلاَمُ مَلِيْكِنَا ... بِذَلِكَ دَانَ الأَتْقِيَاءُ وَأَفْصَحُوا
وَلاَ تَكُ فِي القُرْآنِ بِالوَقْفِ قَائِلاً ... كَمَا قَالَ أَتْبَاعٌ لِجَهْمٍ وَأَسْجَحُوا
وَلاَ تَقُلِ: القُرْآنُ خَلْقٌ قَرَأْتُهُ ... فَإِنَّ كَلاَمَ اللهِ بِاللَّفْظِ يُوْضَحُ
وَقُلْ: يَتَجَلَّى اللهُ لِلْخَلْقِ جَهْرَةً ... كَمَا البَدْرُ لاَ يَخْفَى وَرَبُّكَ أَوْضَحُ
وَلَيْسَ بِمَوْلُوْدٍ، وَلَيْسَ بِوَالِدٍ ... وَلَيْسَ لَهُ شِبْهٌ، تَعَالَى المُسَبَّحُ
وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ هَذَا وَعِنْدَنَا ... بِمِصْدَاقِ مَا قُلْنَا حَدِيْثٌ مُصَرِّحُ
رَوَاهُ جَرِيْرٌ عَنْ مَقَالِ مُحَمَّدٍ ... فَقُلْ مِثْلَ مَا قَدْ قَالَ فِي ذَاكَ تَنْجَحُ
وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ أَيْضاً يَمِيْنَهُ ... وَكِلْتَا يَدَيْهِ بِالفَوَاضِلِ تَنْفَحُ
وَقُلْ: يَنْزِلُ الجَبَّارُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ... بِلاَ كَيْفٍ جَلَّ الوَاحِدُ المُتَمَدَّحُ
إِلَى طَبَقِ الدُّنْيَا يَمُنُّ بِفَضْلِهِ ... فَتُفْرَجُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُفْتَحُ
يَقُوْلُ: أَلاَ مُسْتَغْفِرٌ يَلْقَ غَافِراً ... وَمُسْتَمْنِحٌ خَيْراً وَرِزْقاً فَيُمْنَحُ
رَوَى ذَاكَ قَوْمٌ لاَ يُرَدُّ حَدِيْثُهُم ... أَلاَ خَابَ قَوْمٌ كَذَّبُوْهُمْ وَقُبِّحُواوَقُلْ: إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... وَزِيْرَاهُ قِدْماً، ثُمَّ عُثْمَانُ الارْجَحُ
وَرَابِعُهُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ بَعْدَهُم ... عَلِيٌّ حَلِيْفُ الخَيْرِ، بِالخَيْرِ مُنْجِحُ
وَإِنَّهُم لَلرَّهْطِ لاَ رَيْبَ فِيهِم ... عَلَى نُجُبِ الفِرْدَوْسِ بِالنُّوْرِ تَسْرَحُ
سَعِيْدٌ وَسَعْدٌ وَابْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةٌ ... وَعَامِرُ فِهْرٍ وَالزُّبَيْرُ المُمَدَّحُ
وَقُلْ خَيْرَ قَوْلٍ فِي الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ ... وَلاَ تَكُ طَعَّاناً تَعِيْبُ وَتَجْرَحُ
فَقَدْ نَطَقَ الوَحْيُ المُبِيْنُ بِفَضْلِهِم ... وَفِي الفَتْحِ أَيٌّ لِلصَّحَابَةِ تَمْدَحُ
وَبَالقَدَرِ المَقْدُوْرِ أَيْقِنْ فَإِنَّهُ ... دِعَامَةُ عَقْدِ الدِّيْنِ وَالدِّيْنُ أَفْيَحُ
وَلاَ تُنْكِرَنَّ - جَهْلاً - نَكِيْراً وَمُنْكَراً ... وَلاَ الحَوْضَ وَالمِيزَانَ، إِنَّكَ تُنْصَحُ
وَقُلْ: يُخْرِجُ اللهُ العَظِيْمُ بِفَضْلِهِ ... مِنَ النَّارِ أَجْسَاداً مِنَ الفَحْمِ تُطْرَحُ
عَلَى النَّهْرِ فِي الفِرْدَوْسِ تَحْيَا بِمَائِهِ ... كَحَبِّ حَمِيْلِ السَّيْلِ إِذْ جَاءَ يَطْفَحُ
وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ لِلْخَلْقِ شَافِعٌ ... وَقُلْ فِي عَذَابِ القَبْرِ: حَقٌ مُوَضَّحُ
وَلاَ تُكْفِرَنْ أَهْلَ الصَّلاَةِ وَإِنْ عَصَوْا ... فَكُلُّهُم يَعْصِي، وَذُوْ العَرْشِ يَصْفَحُ
وَلاَ تَعْتَقِدْ أَيَ الخَوَارِجِ إِنَّهُ ... مَقَالٌ لِمَنْ يَهْوَاهُ يُرْدِي وَيَفْضَحُلاَ تَكُ مُرْجِيّاً لَعُوْباً بِدِيْنِهِ ... أَلاَ إِنَّمَا المُرْجِيُّ بِالدِّيْنِ يَمْزَحُ
وَقُلْ: إِنَّمَا الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَنِيَّةٌ ... وَفِعْلٌ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُصَرَّحُ
وَيَنْقُصُ طَوْراً بِالمَعَاصِي وَتَارَةً ... بِطَاعَتِهِ يَنْمَى وَفِي الوَزْنِ يَرْجَحُ
وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجَالِ وَقَوْلَهُمْ ... فَقَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ أَوْلَى وَأَشْرَحُ
وَلاَ تَكُ مِنْ قَوْمٍ تَلَهَّوْ بِدِيْنِهِم ... فَتَطْعَنَ فِي أَهْلِ الحَدِيْثِ وَتَقْدَحُ
إِذَا مَا اعْتَقَدْتَ الدَّهْرَ، يَا صَاحِ، هَذِهِ ... فَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ تَبِيْتُ وَتُصْبِحُ
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ إِمْلاَءً، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْن، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَل، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:
قَالَ لِي رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا بُنِي! ادْنُ وَكُلّ بِيَمِيْنِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيْكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ الله عَزَّ وَجَلَّ) .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ لُوَين، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَسُنْقُرُ الثَّغْرِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ حُضُوْراً، (ح) .وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ القَزَّازُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا فِي الجَنَّةِ مِنْ شَجَرَةٍ إِلاَّ وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ) .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
الإِمَامُ، العَلاَّمَةُ، الحَافِظُ، شَيْخُ بَغْدَادَ،
أَبُو بَكْرٍ السِّجِسْتَانِيُّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.وُلِدَ: بِسِجِسْتَانَ، فِي سَنَةِ ثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ.
وَسَافَرَ بِهِ أَبُوْهُ وَهُوَ صَبِيٌّ، فَكَانَ يَقُوْلُ: رَأَيْتُ جَنَازَةَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه.
قُلْتُ: وَكَانَتْ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلاَثِيْنَ وَمائَتَيْنِ، فِي شَعْبَانَ، فَأَوَّلُ شَيْخٍ سَمِعَ مِنْهُ: مُحَمَّدُ بنُ أَسْلَمَ الطُّوْسِيُّ، وَسُرَّ أَبُوْهُ بِذَلِكَ لِجَلاَلَةِ مُحَمَّدِ بنِ أَسْلَمَ.
رَوَى عَنْ: أَبِيْهِ، وَعَمِّهِ، وَعِيْسَى بنِ حَمَّادٍ زُغْبَةَ، وَأَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الزِّمَّانِيِّ، وَأَبِي الطَّاهِر بنِ السَّرْحِ، وَعَلِيِّ بنِ خَشْرَمٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، وَنَصْرِ بنِ عَلِيٍّ، وَعَمْرِو بنِ عُثْمَانَ الحِمْصِيِّ، وَكَثِيْرِ بنِ عُبَيْدٍ، وَمُوْسَى بنِ عَامِرٍ المُرِّيِّ، وَمَحْمُوْدِ بنِ خَالِدٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ سَلَمَةَ المُرَادِيِّ، وَهَارُوْنَ بنِ إِسْحَاقَ، وَمُحَمَّدِ بنِ مَعْمَرٍ البَحْرَانِيِّ، وَأَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، وَهَارُوْنَ بنِ سَعِيْدٍ الأَيْلِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ مُصَفَّى، وَإِسْحَاقَ الكَوْسَجِ، وَالحَسَنِ بنِ أَحْمَدَ بنِ أَبِي شُعَيْبٍ، وَعَمْرِو بنِ عَلِيٍّ الفَلاَّسِ، وَهِشَامِ بنِ خَالِدٍ الدِّمَشْقِيِّ، وَالحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيِّ، وَزِيَادِ بنِ أَيُّوْبَ، وَالحَسَنِ بنِ عَرَفَةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ، وَإِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ شَاذَانَ، وَيُوْسُفَ بنِ مُوْسَى القَطَّانِ، وعبَّادِ بنِ يَعْقُوْبَ الرَّوَاجِني، وخَلْقٍ كَثَيْرٍ بِخُرَاسَانَ
وَالحِجَازِ وَالعِرَاقِ، وَمِصْرَ وَالشَّامِ، وَأَصْبَهَانَ وَفَارِسَ.وَكَانَ مِنْ بُحُوْرِ العِلْمِ، بِحَيْثُ إِنَّ بَعْضَهُم فَضَّلَهُ عَلَى أَبِيْهِ.
صَنَّفَ (السُّنَنَ) وَ (المَصَاحِفَ) وَ (شَرِيْعَةَ المقَارِئ) وَ (النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخ) ، وَ (البَعْثَ) وَأَشْيَاء.
حَدَّثَ عَنْهُ: خَلْقٌ كَثِيْرٌ، مِنْهُم: ابْنُ حِبَّانَ، وَأَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ، وَأَبُو عُمَرَ بنُ حَيَّوَيْه، وَابْنُ المُظَفَّرِ، وَأَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، وَأَبُو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَعِيْسَى بنُ عَلِيٍّ الوَزِيْرُ، وَابْنُ المُقْرِئ، وَأَبُو القَاسِمِ بنُ حَبَابَةَ، وَأَبُو طَاهِرٍ المُخَلِّصُ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ زُنْبُوْر الوَرَّاقُ، وَأَبُو مُسْلِمٍ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ الكَاتِبُ، وَآخَرُوْنَ.
وَكَانَ يَقُوْلُ: دَخَلْتُ الكُوْفَةَ وَمَعِيَ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ، فَأَخَذْتُ بِهِ ثَلاَثِيْنَ مُدَّ بَاقِلاَّ، فَكُنْتُ آكُلُ مِنْهُ، وَأَكتُبُ عَنْ أَبِي سَعِيْدٍ الأَشَجِّ، فَمَا فَرَغَ البَاقِلاَّ حَتَّى كَتَبْتُ عَنْهُ ثَلاَثِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ، مَا بَيْنَ مَقْطُوعٍ وَمُرْسَلٍ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ بنُ شَاذَانَ: قَدِمَ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ سِجِسْتَانَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يُحَدِّثَهُم، فَقَالَ: مَا مَعِي أَصْلٌ.
فَقَالُوا: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ وَأَصْلٌ!؟
قَالَ: فَأَثَارُونِي، فَأَملَيْتُ عَلَيْهِم مِنْ حِفْظِي ثَلاَثِيْنَ أَلفَ حَدِيْثٍ، فَلَمَّا قَدِمْتُ بَغْدَادَ، قَالَ البَغْدَادِيُّونَ: مَضَى إِلَى سِجِسْتَانَ وَلَعِبَ بِهِم، ثُمَّ فَيَّجُوا فَيْجاً اكتَرَوْهُ بِسِتَّةِ دَنَانِيْرَ إِلَى سِجِسْتَانَ، لِيَكْتُبَ لَهُم النُّسْخَةَ، فَكُتِبَتْ، وَجِيْء بِهَا،
وَعُرِضَتْ عَلَى الحُفَّاظِ، فَخَطَّؤونِي فِي سِتَّةِ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ حَدَّثْتُ بِهَا كَمَا حُدِّثْتُ، وثَلاَثَةٌ أَخْطَأْتُ فِيْهَا.هَكَذَا رَوَاهَا أَبُو القَاسِمِ الأَزْهَرِيُّ، عَنِ ابْنِ شَاذَانَ، وَرَوَاهَا غَيْرُهُ، فَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَصْبَهَانَ.
وَكَذَا رَوَى أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسابُورِيُّ الحَافِظُ، عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ.
فَالأَزْهَرِيُّ وَاهِمٌ.
قَالَ الحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ: سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الحَافِظَ، سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ، يَقُوْلُ:
حَدَّثْتُ مِنْ حِفْظِي بِأَصْبَهَانَ بِسِتَّةٍ وَثَلاَثِيْنَ أَلْفاً، أَلزَمُونِي الوَهْمَ فِيْهَا فِي سَبْعَةِ أَحَادِيْثَ، فَلَمَّا انصَرَفْتُ، وَجَدْتُ فِي كِتَابِي خَمْسَةً مِنْهَا عَلَى مَا كُنْتُ حَدَّثْتُهُم بِهِ.
قَالَ الحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الخَلاَّلُ: كَانَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ إِمَامَ أَهْلِ العِرَاقِ، وَمَنْ نَصَبَ لَهُ السُّلْطَانَ المِنْبَر، وَقَدْ كَانَ فِي وَقتِهِ بِالعِرَاقِ مَشَايِخُ أَسْنَدُ مِنْهُ، وَلَمْ يَبْلُغُوا فِي الآلَةِ وَالإِتقَانِ مَا بَلَغَ هُوَ.
أَبُو ذَرٍّ الهَرَوِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ، قَالَ: أَملَى عَلَيْنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ سِنِيْنَ، وَمَا رَأَيْتُ بِيَدِهِ كِتَاباً، إِنَّمَا كَانَ يُمْلِي حِفْظاً، فَكَانَ يَقْعُدُ عَلَى
المِنْبَرِ بَعْدَ مَا عَمِيَ، وَيَقْعُدُ دُوْنَهُ بِدَرَجَةٍ ابْنُهُ؛ أَبُو مَعْمَرٍ - بِيَدِهِ كِتَابٌ - فَيَقُوْلُ لَهُ: حَدِيْثُ كَذَا، فَيَسْرُدُهُ مِنْ حِفْظِهِ، حَتَّى يَأْتِي عَلَى المَجْلِسِ.قَرَأَ عَلَيْنَا يَوْماً حَدِيْثَ (الفُتُوْنَ ) مِنْ حِفْظِهِ، فَقَامَ أَبُو تَمَّامٍ الزَّيْنَبِيُّ، وَقَالَ: للهِ دَرُّكَ! مَا رَأَيْتُ مِثْلَكَ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ إِبْرَاهِيْمَ الحَرْبِيَّ.
فَقَالَ: كُلُّ مَا كَانَ يَحْفَظُ إِبْرَاهِيْمُ، فَأَنَا أَحْفَظُهُ، وَأَنَا أَعرِفُ النُّجُوْمَ، وَمَا كَانَ هُوَ يَعْرِفُهَا.
أَنْبَأَنَا المُسَلَّمُ بنُ مُحَمَّدٍ، وَغَيْرُهُ: سَمِعُوا أَبَا اليُمْنِ الكِنْدِيَّ، أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُوْرٍ الشَّيْبَانِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ، قَالَ: عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي دَاوُدَ رَحَلَ بِهِ أَبُوْهُ مِنْ سِجِسْتَانَ، يَطُوْفُ بِهِ شَرْقاً وَغَرْباً بِخُرَاسَانَ وَالجِبَالِ وَأَصْبَهَانَ وَفَارِسَ وَالبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ وَالكُوْفَةِ وَمَكَّةَ وَالمَدِيْنَةِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةِ وَالثُّغُوْرِ، يَسْمَعُ وَيَكْتبُ.
وَاسْتَوْطَنَ بَغْدَادَ، وَصَنَّفَ (المُسْنَدَ) ، وَ (السُّنَنَ) ، وَ (التَّفْسِيْرَ) ، وَ (القِرَاءات) ، وَ (النَّاسِخَ وَالمَنْسُوْخ) ، وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَكَانَ فَقِيْهاً، عَالِماً، حَافِظاً.
قُلْتُ: وَكَانَ رَئِيساً عَزِيْزَ النَّفْسِ، مُدِلاًّ بِنَفْسِهِ. سَامَحَهُ اللهُ.
قَالَ أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنٍ: أَرَادَ الوَزِيْرُ؛ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، وَابْنِ صَاعِدٍ، فَجَمَعَهُمَا، وَحَضَرَ أَبُو عُمَرَ القَاضِي، فَقَالَ الوَزِيْرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! أَبُو مُحَمَّدٍ أَكْبَرُ مِنْكَ، فَلَو قُمْتَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: لاَ أَفْعَلُ.فَقَالَ الوَزِيْرُ: أَنْتَ شَيْخٌ زَيْفٌ.
فَقَالَ: الشَّيْخُ الزَّيْفُ: الكَذَّابُ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَقَالَ الوَزِيْرُ: مَنِ الكَذَّابُ؟
قَالَ: هَذَا.
ثُمَّ قَامَ، وَقَالَ: تَتَوَهَّمُ أَنِّي أَذِلُّ لَكَ لأَجلِ رِزْقِي، وَأَنَّهُ يِصِلُ إِليَّ عَلَى يَدِكَ؟! وَاللهِ لاَ آخُذُ مِنْ يَدِكَ شَيْئاً.
قَالَ: فَكَانَ الخَلِيْفَةُ المُقْتَدِرُ يَزِنُ رِزْقَهُ بِيَدِهِ، وَيَبْعَثُ بِهِ فِي طَبَقٍ عَلَى يَدِ الخَادِمِ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الحَاكِمُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَقُوْلُ:
قُلْتُ لأَبِي زُرْعَةَ الرَّازِيِّ: أَلقِ عَلَيَّ حَدِيْثاً غَرِيْباً مِنْ حَدِيْثِ مَالِكٍ.
فَأَلقَى عَلَيَّ حَدِيْثَ وَهْبِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ أَسْمَاءَ حَدِيْثَ: (لاَ تُحْصِي فَيُحْصَى عَلَيْكِ ) .
رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ شَيْبَةَ، وَهُوَ ضَعِيْفٌ.
فَقُلْتُ لَهُ: يَجِبُ أَنْ تَكْتُبَهُ عَنِّي، عَنْ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ نَافِعٍ، عَنْ مَالِكٍ.
فَغَضِبَ أَبُو زُرْعَةَ، وَشَكَانِي إِلَى أَبِي، وَقَالَ: انْظُرْ مَا يَقُوْلُ لِي أَبُو بَكْرٍ.
وَيُرْوَى بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ: أَنَّ أَحْمَدَ بنَ صَالِحٍ كَانَ يَمْنَعُ المُرْدَ مِنْ حُضُوْرِ مَجْلِسِهِ، فَأَحَبَّ أَبُو دَاوُدَ أَنْ يُسْمِعَ ابْنَهُ مِنْهُ، فَشَدَّ عَلَى وَجْهِهِ لِحْيَةً، وَحَضَرَ، فَعَرَفَ الشَّيْخُ، فَقَالَ: أَمِثْلِي يُعْمَلُ مَعَهُ هَذَا؟!
فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ
يُنْكَرُ عَلَيَّ سِوَى جَمْعِ ابْنِي مَعَ الكِبَارِ، فَإِنْ لَمْ يُقَاوِمْهُم بِالمَعْرِفَةِ، فَاحْرِمْهُ السَّمَاعَ.حَدَّثَ بِهَا أَبُو القَاسِمِ بنُ السَّمَرْقَنْدِيِّ، حَدَّثَنَا يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ بنِ مُحَمَّدٍ التَّفَكُّرِي الزَّنْجَانِيُّ، قَالَ :
سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بُنْدَارٍ الزَّنْجَانِيَّ، قَالَ :
كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يَمْنَعُ المُرْدَ مِنَ التَّحْدِيْثِ تَنَزُّهاً ... فَذَكَرَهَا، وَزَادَ: فَاجتَمَعَ طَائِفَةٌ، فَغَلَبَهُم الابْنُ بِفَهْمِهِ، وَلَمْ يَرْوِ لَهُ أَحْمَدُ بَعْدَهَا شَيْئاً، وَحَصَلَ لَهُ الجُزءُ الأَوَّلُ، فَأَنَا أَرْوِيهِ.
قُلْتُ: بَلْ أُكْثِر عَنْهُ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ: سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ عَنِ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ، فَقَالَ: ثِقَةٌ، كَثِيْرُ الخَطَأِ فِي الكَلاَمِ عَلَى الحَدِيْثِ.
وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ فِي (كَامِلِهِ) ، وَقَالَ: لَوْلاَ أَنَّا شَرَطْنَا أَنَّ
كُلَّ مَنْ تُكُلِّمَ فِيْهِ ذَكَرْنَاهُ لَمَا ذَكَرْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ.قَالَ: وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ أَبُوْهُ، وَإِبْرَاهِيْمُ ابْنُ أُورْمَة، وَيُنْسَبُ فِي الاَبتِدَاءِ إِلَى شَيْءٍ مِنَ النَّصْبِ.
وَنَفَاهُ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطَ، ثُمَّ رَدَّهُ الوَزِيْرُ؛ عَلِيُّ بنُ عِيْسَى، فَحَدَّثَ، وَأَظْهَرَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- ثُمَّ تَحَنْبَلَ فَصَارَ شَيْخاً فِيهِم، وَهُوَ مَقْبُوْلٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الحَدِيْثِ.
وَأَمَّا كَلاَمُ أَبِيْهِ فِيْهِ، فَلاَ أَدْرِي أَيش تَبَيَّنَ لَهُ مِنْهُ ؟ وَسَمِعْتُ عَبدَانَ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ يَقُوْلُ:
مِنَ البَلاَءِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ يَطْلُبُ القَضَاءَ.
ابْنُ عَدِيٍّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ اللهِ الدَّاهرِي، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو كُرْكُرَةَ، سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ الحُسَيْنِ بنِ الجُنَيْدِ، سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ، يَقُوْلُ: ابْنِي عَبْدُ اللهِ كَذَّابٌ.
قَالَ ابْنُ صَاعِدٍ: كَفَانَا مَا قَالَ فِيْهِ أَبُوْهُ.
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ مُوْسَى بنَ القَاسِمِ الأَشْيَبَ، يَقُوْلُ:
حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ، سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ الأَصْبَهَانِيَّ، يَقُوْلُ:
أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ كَذَّابٌ.
ابْنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا القَاسِمِ البَغَوِيَّ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ رُقْعَةً، يَسْأَلُهُ عَنْ لَفْظِ حَدِيْثٍ لِجَدِّهِ، فَلَمَّا قَرَأَ رُقْعَتَهُ، قَالَ: أَنْتَ عِنْدِي وَاللهِ مُنْسَلِخٌ مِنَ العِلْمِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ الضَّحَّاكِ بنِ عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، يَقُوْلُ:أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:
أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي دَاوُدَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ أَنَّهُ قَالَ:
رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: حَفِيَتْ أَظَافِيْرُ فُلاَنٍ، مِنْ كَثْرَةِ مَا كَانَ يَتَسَلَّقُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قُلْتُ: هَذَا بَاطِلٌ وَإِفْكٌ مُبِيْنٌ، وَأَيْنَ إِسْنَادُهُ إِلَى الزُّهْرِيِّ؟ ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لاَ يُسْمَعُ قَوْلُ العَدُوِّ فِي عَدُوِّه، وَمَا أَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا صَدَرَ مِنْ عُرْوَةَ أَصْلاً، وَابْنُ أَبِي دَاوُدَ إِنْ كَانَ حَكَى هَذَا، فَهُوَ خَفِيْفُ الرَّأْسِ، فَلَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَرْبِ العُنُقِ شِبْرٌ، لِكَوْنِهِ تَفَوَّهَ بِمِثْلِ هَذَا البُهتَانِ، فَقَامَ مَعَهُ، وَشَدَّ مِنْهُ رَئِيْسَ أَصْبَهَانَ؛ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ بنِ حَفْصٍ الهَمْدَانِيَّ الذَّكوَانِيَّ، وَخَلَّصَهُ مِنْ أَبِي لَيْلَى أَمِيْرِ أَصْبَهَانَ، وَكَانَ انتَدَبَ لَهُ بَعْضَ العَلَوِيَّةِ خَصْماً، وَنَسَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ المَقَالَةَ، وَأَقَامَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةَ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى بنِ مَنْدَةَ الحَافِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ العَبَّاسِ الأَخْرَمُ، وَأَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الجَارُوْدِ، وَاشْتَدَّ الخَطْبُ، وَأَمَرَ أَبُو لَيْلَى بِقَتْلِهِ، فَوَثَبَ الذَّكوَانِيُّ، وَجَرَحَ الشُّهُوْدَ مَعَ جَلاَلَتِهِم، فَنَسَبَ ابْنَ مَنْدَةَ إِلَى العُقُوْقِ، وَنَسَبَ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ يَأْكُلُ الرِّبَا، وَتَكَلَّمَ فِي الآخَر، وَكَانَ الهَمْدَانِيُّ الذَّكوَانِيُّ كَبِيرَ الشَّأْنِ، فَقَامَ، وَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي بَكْرٍ، وَخَرَجَ بِهِ مِنَ المَوْتِ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَدْعُو لَهُ طُوْلَ حَيَاتِهِ، وَيَدْعُو عَلَى أَوْلَئِكَ الشُّهُوْدِ.
حَكَاهَا أَبُو نُعَيْمٍ الحَافِظُ، ثُمَّ قَالَ: فَاسْتُجِيْبَ لَهُ فِيهِم، مِنْهُم مِنْ احْتَرَقَ، وَمِنْهُم مِنْ خَلَّطَ وَفَقَدَ عَقْلَهُ.
قَالَ أَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ الأَزْرَقُ: سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ بنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ:
كُلُّ النَّاسِ مِنِّي فِي حِلٍّ إِلاَّ مَنْ رَمَانِي بِبُغْضِ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
قَالَ الحَافِظُ ابْنُ عَدِيٍّ: كَانَ فِي الاَبْتِدَاءِ يُنْسَبُ إِلَى شَيْء مِنَ النَّصْبِ، فَنَفَاهُ ابْنُ الفُرَاتِ مِنْ بَغْدَادَ إِلَى وَاسِطَ، فَرَدَّهُ ابْنُ عِيْسَى، فَحَدَّثَ، وَأَظْهَرَ فَضَائِلَ عَلِيٍّ ثُمَّ تَحَنْبَلَ، فَصَارَ شَيْخاً فِيهِم.قُلْتُ: كَانَ شَهْماً، قَوِيَّ النَّفْسِ، وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ جَرِيْرٍ، وَبَيْنَ ابْنِ صَاعِدٍ وَبَيْنَ الوَزِيْرِ؛ ابْنِ عِيْسَى الَّذِي قَرَّبَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ القَطَّانُ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ جَرِيْرٍ، فَقِيْلَ: ابْنُ أَبِي دَاوُدَ يَقْرَأُ عَلَى النَّاسِ فَضَائِلَ الإِمَامِ عَلِيٍّ.
فَقَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ: تَكْبِيْرَةٌ مِنْ حَارِسٍ.
قُلْتُ: لاَ يُسْمَعُ هَذَا مِنِ ابْنِ جَرِيْرٍ للعَدَاوَةِ الوَاقِعَةِ بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ: سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مُحَمَّدٍ الخَلاَّلَ يَقُوْلُ:
كَانَ أَبُو بَكْرٍ أَحْفَظَ مِنْ أَبِيْهِ؛ أَبِي دَاوُدَ.
وَرَوَى الإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ المُفَسِّرُ - وَلَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ - أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ يَقُوْلُ:
إِنَّ فِي تَفْسِيْرِهِ مائَة أَلْفٍ وَعِشْرِيْنَ أَلْفَ حَدِيْثٍ.
قَالَ صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ الهَمَذَانِيُّ الحَافِظُ: كَانَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ إِمَامَ العِرَاقِ وَنَصَبَ لَهُ السُّلْطَانُ المِنْبَرَ، وَكَانَ فِي وَقْتِهِ بِبَغْدَادَ مَشَايِخُ أَسْنَد مِنْهُ، وَلَمْ يَبْلُغُوا فِي الآلَةِ وَالإِتْقَانِ مَا بَلَغَ.
قُلْتُ: لَعَلَّ قَوْلُ أَبِيْهِ فِيْهِ - إِنْ صَحَّ - أَرَادَ الكَذِبَ فِي لَهْجَتِهِ، لاَ فِي الحَدِيْثِ، فَإِنَّهُ حُجَّةٌ فِيمَا يَنْقُلُهُ، أَوْ كَانَ يَكْذِبُ وَيُوَرِّي فِي كَلاَمِهِ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ يَكْذِبُ أَبَداً، فَهُوَ أَرْعَن، نَسْأَلُ اللهَ السَّلاَمَةَ مِنْ عَثْرَةِ الشَّبَابِ، ثُمَّ إِنَّهُ شَاخَ وَارعَوَى، وَلَزِمَ الصِّدْقَ وَالتُّقَى.قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ الشِّخِّيْرِ: كَانَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ زَاهِداً نَاسِكاً، صَلَّى عَلَيْهِ يَوْمَ مَاتَ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِ مائَةِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، وَأَكْثَر.
قَالَ: وَمَاتَ: فِي ذِي الحِجَّةِ، سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَة، وَخَلَّفَ ثَلاَثَةَ بَنِيْن: عَبْدَ الأَعْلَى، وَمُحَمَّداً، وَأَبَا مَعْمَرٍ عُبَيْدَ اللهِ، وَخَمْسَ بَنَاتٍ، وَعَاشَ سَبْعاً وَثَمَانِيْنَ سَنَةً، وَصُلِّي عَلَيْهِ ثَمَانِيْنَ مَرَّةً.
نَقَلَ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الخَطِيْبُ.
قَالَ المُحَدِّثُ؛ يُوْسُفُ بنُ الحَسَنِ التَّفَكُّرِي: سَمِعْتُ الحَسَنَ بنَ عَلِيِّ بنِ بُنْدَارٍ الزِّنْجَانِيَّ قَالَ:
كَانَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ يَمْتَنِعُ عَلَى المُرْد مِنَ التَّحْدِيْثِ تَوَرُّعاً، وَكَانَ أَبُو دَاوُدَ يَسْمَعُ مِنْهُ، وَكَانَ لَهُ ابْنٌ أَمْرَدُ، فَاحتَالَ بِأَنْ شَدَّ عَلَى وَجْهِهِ قِطْعَةً مِنْ شَعْرٍ، ثُمَّ أَحْضَرَهُ، وَسَمِعَ، فَأُخْبِرَ الشَّيْخُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: أَمِثْلِي يُعمَلُ مَعَهُ هَذَا؟
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لاَ تُنكر عَلِيّ، وَاجْمَع ابْني مَعَ شُيُوْخِ الرُّوَاةِ، فَإِنْ لَمْ يُقَاوِمْهُم بِمَعْرِفتِهِ فَاحرِمْهُ السَّمَاعَ.
إسنَادُهَا مُنْقَطِعٌ.
قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بنُ عَدِيٍّ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بنَ عَبْدِ اللهِ الدَّاهرِيّ يَقُوْلُ:
سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ حَدِيْثِ الطَّيْرِ، فَقَالَ: إِنْ صَحَّ حَدِيْثُ الطَّيْرِ فنُبُوَّةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَاطِلٌ، لأَنَّهُ حَكَى عَنْ حَاجِبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خِيَانَةً -يَعْنِي: أَنَساً- وَحَاجِبَ النَّبِيِّ لاَ يَكُونُ خَائِناً.قُلْتُ: هَذِهِ عِبَارَةٌ رَدِيْئَةٌ، وَكَلاَمٌ نَحْسٌ، بَلْ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقٌّ قَطْعِيٌّ، إِنْ صَحَّ خَبَرُ الطَّيْرِ، وَإِنْ لَمْ يَصُحَّ، وَمَا وَجْهُ الارْتِبَاط؟ هَذَا أَنَسٌ قَدْ خَدَمَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ يَحْتَلِمَ، وَقَبْلَ جَرَيَانَ القَلَمِ، فَيَجُوْزُ أَنْ تَكُوْنَ قِصَّةُ الطَّائِرِ فِي تِلْكَ المُدَّةِ.
فَرَضْنَا أَنَّهُ كَانَ مُحْتَلِماً، مَا هُوَ بِمَعْصُوْمٍ مِنَ الخِيَانَةِ، بَلْ فَعَلَ هَذِهِ الجنَايَةَ الخَفِيْفَةَ مُتَأَوِّلاً، ثُمَّ إِنَّهُ حَبَسَ عَلِيّاً عَنِ الدُّخُوْلِ كَمَا قِيْلَ، فَكَانَ مَاذَا؟ وَالدَّعْوَةُ النَّبَوِيَّةُ قَدْ نُفِّذَتْ وَاسْتُجِيْبَتْ، فَلَو حَبَسَهُ، أَوْ رَدَّهُ مَرَّاتٍ، مَا بَقِيَ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَدْخُلَ وَيَأْكُلَ مَعَ المُصْطَفَى سِوَاهُ إِلاَّ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يَكُوْنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَصَدَ بِقَولِهِ: (ايْتِنِي بِأَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ، يَأْكُلُ مَعِي) عَدَداً مِنَ الخِيَارِ، يَصْدُقُ عَلَى مَجْمُوْعِهِم أَنَّهُم أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ، كَمَا يَصُحُّ
قَوْلُنَا: أَحَبُّ الخَلْقِ إِلَى اللهِ الصَّالِحُوْنَ، فَيُقَالُ: فَمَنْ أَحَبُّهُم إِلَى اللهِ؟فَنَقُوْلُ: الصِّدِّيقُوْن وَالأَنْبِيَاءُ.
فَيُقَالُ: فَمَنْ أَحَبُّ الأَنْبِيَاءِ كُلِّهِم إِلَى اللهِ؟
فَنَقُوْلُ: مُحَمَّدٌ، وَإِبْرَاهِيْمُ، وَمُوْسَى، وَالخَطْبُ فِي ذَلِكَ يَسِيْرٌ.
وَأَبُو لُبَابَةَ - مَعَ جَلاَلَتِهِ - بَدَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ، حَيْثُ أَشَارَ لِبنِي قُرَيْظَةَ إِلَى حَلْقِهِ، وَتَابَ اللهُ عَلَيْهِ.
وَحَاطِبٌ بَدَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ، فَكَاتَبَ قُرَيْشاً بِأَمْرٍ تَخَفَّى بِهِ نَبِيُّ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوِهِم، وَغَفَرَ اللهُ لحَاطِبٍ مَعَ عِظَمِ فِعْلِهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-.
وَحَدِيْثُ الطَّيْرِ - عَلَى ضَعْفِهِ - فَلَهُ طُرُقٌ جَمَّةٌ، وَقَدْ أَفْرَدْتُهَا فِي جُزْءٍ، وَلَمْ يَثْبُتْ، وَلاَ أَنَا بِالمُعْتَقِدْ بُطْلاَنَهُ، وَقَدْ أَخْطَأَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي عِبَارَتِهِ وَقَوْلِهِ، وَلَهُ عَلَى خَطَئِهِ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الثِّقَة أَنْ لاَ يُخْطِئ وَلاَ يَغْلَطَ وَلاَ يَسْهُوَ.
وَالرَّجُلُ فَمِنْ كِبَارِ عُلَمَاءِ الإِسْلاَمِ، وَمِنْ أَوْثَقِ الحُفَّاظِ - رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى -.
قَالَ ابْنُهُ؛ عَبْدُ الأَعْلَى: تُوُفِّيَ أَبِي وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُوْنَ سَنَةً وَأَشْهُرٌ.
أَنْشَدَنَا أَبُو العَبَّاسِ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، قَالَ: أَنْشَدَنَا الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ قُدَامَةَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَسِتِّ مائَة، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَلِيٍّ الوِقَايَاتِي أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ بَيَان، أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بنُ عَلِيٍّ الطَّنَاجِيْرِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ بنُ شَاهِيْنَ، أَنْشَدَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ لِنَفْسِهِ:
تَمَسَّكْ بِحَبْلِ اللهِ وَاتَّبِعِ الهُدَى ... وَلاَ تَكُ بِدْعِيّاً لَعَلَّكَ تُفْلِحُ
وَدِنْ بِكِتَابِ اللهِ وَالسُّنَنِ الَّتِي ... أَتَتْ عَنْ رَسُوْلِ اللهِ تَنْجُو وَتَرْبَحُوَقُلْ: غَيْرُ مَخْلُوْقٍ كَلاَمُ مَلِيْكِنَا ... بِذَلِكَ دَانَ الأَتْقِيَاءُ وَأَفْصَحُوا
وَلاَ تَكُ فِي القُرْآنِ بِالوَقْفِ قَائِلاً ... كَمَا قَالَ أَتْبَاعٌ لِجَهْمٍ وَأَسْجَحُوا
وَلاَ تَقُلِ: القُرْآنُ خَلْقٌ قَرَأْتُهُ ... فَإِنَّ كَلاَمَ اللهِ بِاللَّفْظِ يُوْضَحُ
وَقُلْ: يَتَجَلَّى اللهُ لِلْخَلْقِ جَهْرَةً ... كَمَا البَدْرُ لاَ يَخْفَى وَرَبُّكَ أَوْضَحُ
وَلَيْسَ بِمَوْلُوْدٍ، وَلَيْسَ بِوَالِدٍ ... وَلَيْسَ لَهُ شِبْهٌ، تَعَالَى المُسَبَّحُ
وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ هَذَا وَعِنْدَنَا ... بِمِصْدَاقِ مَا قُلْنَا حَدِيْثٌ مُصَرِّحُ
رَوَاهُ جَرِيْرٌ عَنْ مَقَالِ مُحَمَّدٍ ... فَقُلْ مِثْلَ مَا قَدْ قَالَ فِي ذَاكَ تَنْجَحُ
وَقَدْ يُنْكِرُ الجَهْمِيُّ أَيْضاً يَمِيْنَهُ ... وَكِلْتَا يَدَيْهِ بِالفَوَاضِلِ تَنْفَحُ
وَقُلْ: يَنْزِلُ الجَبَّارُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ ... بِلاَ كَيْفٍ جَلَّ الوَاحِدُ المُتَمَدَّحُ
إِلَى طَبَقِ الدُّنْيَا يَمُنُّ بِفَضْلِهِ ... فَتُفْرَجُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُفْتَحُ
يَقُوْلُ: أَلاَ مُسْتَغْفِرٌ يَلْقَ غَافِراً ... وَمُسْتَمْنِحٌ خَيْراً وَرِزْقاً فَيُمْنَحُ
رَوَى ذَاكَ قَوْمٌ لاَ يُرَدُّ حَدِيْثُهُم ... أَلاَ خَابَ قَوْمٌ كَذَّبُوْهُمْ وَقُبِّحُواوَقُلْ: إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ مُحَمَّدٍ ... وَزِيْرَاهُ قِدْماً، ثُمَّ عُثْمَانُ الارْجَحُ
وَرَابِعُهُمْ خَيْرُ البَرِيَّةِ بَعْدَهُم ... عَلِيٌّ حَلِيْفُ الخَيْرِ، بِالخَيْرِ مُنْجِحُ
وَإِنَّهُم لَلرَّهْطِ لاَ رَيْبَ فِيهِم ... عَلَى نُجُبِ الفِرْدَوْسِ بِالنُّوْرِ تَسْرَحُ
سَعِيْدٌ وَسَعْدٌ وَابْنُ عَوْفٍ وَطَلْحَةٌ ... وَعَامِرُ فِهْرٍ وَالزُّبَيْرُ المُمَدَّحُ
وَقُلْ خَيْرَ قَوْلٍ فِي الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ ... وَلاَ تَكُ طَعَّاناً تَعِيْبُ وَتَجْرَحُ
فَقَدْ نَطَقَ الوَحْيُ المُبِيْنُ بِفَضْلِهِم ... وَفِي الفَتْحِ أَيٌّ لِلصَّحَابَةِ تَمْدَحُ
وَبَالقَدَرِ المَقْدُوْرِ أَيْقِنْ فَإِنَّهُ ... دِعَامَةُ عَقْدِ الدِّيْنِ وَالدِّيْنُ أَفْيَحُ
وَلاَ تُنْكِرَنَّ - جَهْلاً - نَكِيْراً وَمُنْكَراً ... وَلاَ الحَوْضَ وَالمِيزَانَ، إِنَّكَ تُنْصَحُ
وَقُلْ: يُخْرِجُ اللهُ العَظِيْمُ بِفَضْلِهِ ... مِنَ النَّارِ أَجْسَاداً مِنَ الفَحْمِ تُطْرَحُ
عَلَى النَّهْرِ فِي الفِرْدَوْسِ تَحْيَا بِمَائِهِ ... كَحَبِّ حَمِيْلِ السَّيْلِ إِذْ جَاءَ يَطْفَحُ
وَإِنَّ رَسُوْلَ اللهِ لِلْخَلْقِ شَافِعٌ ... وَقُلْ فِي عَذَابِ القَبْرِ: حَقٌ مُوَضَّحُ
وَلاَ تُكْفِرَنْ أَهْلَ الصَّلاَةِ وَإِنْ عَصَوْا ... فَكُلُّهُم يَعْصِي، وَذُوْ العَرْشِ يَصْفَحُ
وَلاَ تَعْتَقِدْ أَيَ الخَوَارِجِ إِنَّهُ ... مَقَالٌ لِمَنْ يَهْوَاهُ يُرْدِي وَيَفْضَحُلاَ تَكُ مُرْجِيّاً لَعُوْباً بِدِيْنِهِ ... أَلاَ إِنَّمَا المُرْجِيُّ بِالدِّيْنِ يَمْزَحُ
وَقُلْ: إِنَّمَا الإِيْمَانُ قَوْلٌ وَنِيَّةٌ ... وَفِعْلٌ عَلَى قَوْلِ النَّبِيِّ مُصَرَّحُ
وَيَنْقُصُ طَوْراً بِالمَعَاصِي وَتَارَةً ... بِطَاعَتِهِ يَنْمَى وَفِي الوَزْنِ يَرْجَحُ
وَدَعْ عَنْكَ آرَاءَ الرِّجَالِ وَقَوْلَهُمْ ... فَقَوْلُ رَسُوْلِ اللهِ أَوْلَى وَأَشْرَحُ
وَلاَ تَكُ مِنْ قَوْمٍ تَلَهَّوْ بِدِيْنِهِم ... فَتَطْعَنَ فِي أَهْلِ الحَدِيْثِ وَتَقْدَحُ
إِذَا مَا اعْتَقَدْتَ الدَّهْرَ، يَا صَاحِ، هَذِهِ ... فَأَنْتَ عَلَى خَيْرٍ تَبِيْتُ وَتُصْبِحُ
أَخْبَرَنَا أَبُو المَعَالِي أَحْمَدُ بنُ المُؤَيَّدِ بِمِصْرَ، أَخْبَرَنَا الفَتْحُ بنُ عَبْدِ السَّلاَمِ، أَخْبَرَنَا هِبَةُ اللهِ بنُ الحُسَيْنِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ النَّقُّوْرِ البَزَّازُ، حَدَّثَنَا عِيْسَى بنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ الأَشْعَثِ إِمْلاَءً، سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَثَلاَثِ مائَةٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْن، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلاَل، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ، عَنْ عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ:
قَالَ لِي رَسُوْل اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يَا بُنِي! ادْنُ وَكُلّ بِيَمِيْنِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيْكَ، وَاذْكُرِ اسْمَ الله عَزَّ وَجَلَّ) .
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ لُوَين، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِ الحَمِيْدِ، وَأَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحَافِظُ، وَسُنْقُرُ الثَّغْرِيّ، وَأَحْمَدُ بنُ مَكْتُوْمٍ، وَعَبْدُ المُنْعِمِ ابْنِ عَسَاكِرَ، وَعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الفَقِيْهُ، وَطَائِفَةٌ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا سَعِيْدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَنَّاءِ حُضُوْراً، (ح) .وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخْبَرَنَا أَكْمَلُ بنُ أَبِي الأَزْهَرِ العَلَوِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ البَنَّاءِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الزَّيْنَبِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بنُ أَبِي دَاوُدَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بنُ سَعِيْدٍ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بنُ الحَسَنِ بنِ الفُرَاتِ القَزَّازُ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا فِي الجَنَّةِ مِنْ شَجَرَةٍ إِلاَّ وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ) .
أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللهِ، وَهُوَ أَبُو سَعِيْدٍ الأَشَجُّ، فَوَافَقْنَاهُ بِعُلُوٍّ.
Permalink (الرابط القصير إلى هذا المقطع):
http://hadithtransmitters.hawramani.com/?p=159751&book=5548#4ef20d
أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوَّلِ بنُ عِيْسَى بنِ شُعَيْبٍ السِّجْزِيُّ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، الخَيِّرُ، الصُّوْفِيُّ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُسْنِدُ الآفَاقِ، أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوّلِ ابنُ الشَّيْخِ المُحَدِّثِ المُعَمَّرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِيْسَى بنُ شُعَيْبِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ السِّجْزِيُّ، ثُمَّ الهَرَوِيُّ، المَالِيْنِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.وَسَمِعَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّاوُوْدِيِّ (الصَّحِيْحَ) ، وَ (كِتَابَ الدَّارِمِيِّ) وَ (مُنتخب مُسْنَدِ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ) بِبُوشَنْج.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ الفُضَيْلِ بنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي يَعْلَى صَاعِدِ بنِ هِبَةِ اللهِ، وَبِيْبَى بِنْتِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ، حَدَّثوهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي شُرَيحٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ أَبِي نَصْرٍ كَاكُو، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَحْمَدَ الثَّقَفِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ العَاصِمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الفَضْلُويِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَاصِمٍ الجَوْهَرِيِّ، وَشيخِ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ مِنْ مُرِيْدِيهِ - وَأَبِي عَامِرٍ مَحْمُوْدِ بنِ القَاسِمِ الأَزْدِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ البغَاوردَانِيِّ، وَحَكِيْمِ بنِ أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَأَبِي عَدْنَانَ القَاسِمِ بنِ عَلِيٍّ القُرَشِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ الكَلْوَذَانِيِّ، وَنَصْرِ بنِ أَحْمَدَ الحَنَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَحَدَّثَ بِخُرَاسَانَ وَأَصْبَهَانَ وَكَرْمَانَ وَهَمَذَانَ وَبَغْدَادَ، وَتَكَاثرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَاشْتُهِرَ حَدِيْثُهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ إِلَى كِرْمَانَ، وَسُفْيَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو ذَرٍّ سُهَيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ البُوْشَنْجِيُّ، وَأَبُو الضّوءِ شِهَابٌ الشَّذَبَانِيُّ، وَعَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَالقَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ بُنْدَارَ الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مَنْدَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ العَطَّارُ، وَعُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ
الوَرْكَانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الفَتَّاحُ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَطِيَّةَ اللهِ الهَمَذَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَرَايَا المَوْصِلِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ وَاثقٍ البَيْهَقِيُّ، وَمُقَرّبُ بنُ عَلِيٍّ الهَمَذَانِيُّ، وَالفَقِيْهُ يَحْيَى بنُ سَعْدٍ الرّزَايُّ، وَيُوْسُفُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نِظَامِ المُلْكِ، وَحَمَّادُ بنُ هِبَةِ اللهِ الحَرَّانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ الصُّوْفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ الرُّوذَرَاورِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُكرَّمٍ، وَمُظَفَّرُ بنُ حَرِّكْهَا، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ صَبُوخَا، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المَيْنُدِيُّ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرٍ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الرَّيَّانِ، وَأَسَعْدُ بنُ صُعْلُوكٍ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ شَرِيْفِ الرَّحْبَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلِيْفَةَ الرُّوبَانِيُّ - بِمُوَحَّدَةٍ - وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَمَذَانِيُّ الخَطِيْبُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ بُورْندَازَ، وَعُمَرُ بنُ أَعزَّ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَصَاعِدُ بنُ عَلِيٍّ الوَاعِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتعمِلُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْسِ بنِ عَطَاءٍ، وَالمهَذَّبُ بنُ قُنَيْدَةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَتِيقِ بنِ صيلاَ، وَأَبُو الرِّضَى مُحَمَّدُ بنُ عَصيَّةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ، وَعُمَرُ بنُ كَرَمٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الزُّبَيْدِيِّ، وَأَخُوْهُ الحَسَنُ، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ البيطَارُ، وَعَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطِيْعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ باقَا، وَزَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ رُوزبه،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَأَبُو المُنَجّى عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ بَهْرُوْزَ، وَأَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بنُ أَحْمَدَ الخُجَنْدِيُّ نَزِيْلُ شيرَاز وَهُوَ آخِرُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ مَوْتاً، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ 637، وَسَمَاعُهُ فِي الخَامِسَةِ.وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو الكَرَمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المُتَوَكِّلِيُّ، وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، حَسَنُ السَّمْتِ وَالأَخلاَقِ، مُتودِّدٌ، مُتَوَاضِعٌ، سلِيمُ الجَانبِ، اسْتَسْعَدَ بصحبَةِ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وَخَدَمَهُ مُدَّةً، وَسَافَرَ إِلَى العِرَاقِ وَخُوزستَانَ وَالبَصْرَةَ، نَزلَ بَغْدَادَ بِرِباطِ البِسْطَامِيِّ فِيمَا حَكَاهُ لِي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بِهَرَاةَ وَمَالِيْنَ، وَكَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، حَدَّثَ بِـ (الصَّحِيْحِ) ، وَ (مُسْنَدِ عَبْدٍ) ، وَ (الدَّارِمِيِّ) عِدَّةَ نُوَبٍ، وَسَمِعْتُ أَنَّ أَبَاهُ سَمَّاهُ مُحَمَّداً، فَسَمَّاهُ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ عَبْدَ الأَوّلِ، وَكَنَّاهُ بِأَبِي الوَقْتِ، ثُمَّ قَالَ: الصُّوْفِيُّ ابْنُ وَقتِهِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي (التَّحبِيرِ ) : إِنَّ وَالِدَ أَبِي الوَقْتِ أَجَازَ لَهُ، وَإِنَّ مَوْلِدَهُ بسِجِسْتَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَلِيِّ بنِ بُشرَى اللَّيْثِيِّ (مَنَاقِبَ الشَّافِعِيَّ) لِلآبرِيِّ بِفَوتٍ، ثُمَّ سَكَنَ هَرَاةَ، وَإِنَّهُ شَيْخٌ صَالِحٌ مُعَمَّرٌ، حرصَ عَلَى سَمَاعِ الحَدِيْثِ، وَحَمَلَ وَلدَهُ أَبَا الوَقْتِ عَلَى عَاتقِهِ إِلَى بُوشَنْجَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ يُكرِمُهُ وَيُرَاعِيْه، مَاتَ بِمَالِيْن، فِي شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، عَاشَ مائَة وَثَلاَث سِنِيْنَ.
وَقَالَ زكِيُّ الدّينِ البِرزَالِيُّ : طَافَ أَبُو الوَقْتِ العِرَاقَ وَخُوزستَانَ، وَحَدَّثَ بِهَرَاةَ، وَمَالِيْن، وَبُوشَنْج، وَكِرمَانَ، وَيَزْدَ، وَأَصْبَهَانَ، وَالكَرْجِ، وَفَارِسٍ، وَهَمَذَانَ، وَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ الحُفَّاظُ وَالوُزَرَاءُ، وَكَانَ عِنْدَهُ كُتُبٌ وَأَجزَاءُ، سَمِعَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يُحصَى وَلاَ يُحصرُ.وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ : كَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، وَكَانَ صَالِحاً، كَثِيْرَ الذِّكْرِ وَالتَّهَجُّدِ وَالبُكَاءِ، عَلَى سَمْتِ السَّلَفِ، وَعَزَمَ عَامَ مَوْتِهِ عَلَى الحَجِّ، وَهَيَّأَ مَا يَحتَاجُ إِلَيْهِ، فَمَاتَ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ فِي (أَرْبَعِيْنَ البُلْدَانِ) لَهُ: لَمَّا رَحَلْتُ إِلَى شَيْخنَا رحلَةِ الدُّنْيَا وَمُسْنِدِ العصرِ أَبِي الوَقْت، قَدَّرَ اللهُ لِي الوُصُوْلَ إِلَيْهِ فِي آخِرِ بِلاَدِ كِرْمَانَ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُهُ، وَجلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ لِي: مَا أَقدَمَكَ هَذِهِ البِلاَدَ.
قُلْتُ: كَانَ قَصدِي إِلَيْكَ، وَمُعَوَّلِي بَعْدَ اللهِ عَلَيْكَ، وَقَدْ كَتَبتُ مَا وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيْثِكَ بِقَلَمِي، وَسَعَيْتُ إِلَيْكَ بِقَدَمِي، لأُدْرِكَ بَرَكَةَ أَنْفَاسِكَ، وَأَحظَى بِعُلُوِّ إِسْنَادِكَ.
فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ وَإِيَّانَا لِمَرضَاتِهِ، وَجَعَلَ سَعْيَنَا لَهُ، وَقَصْدَنَا إِلَيْهِ، لَوْ كُنْتَ عَرَفْتَنِي حقَّ مَعْرِفَتِي لَمَّا سلَّمْتَ عَلَيَّ، وَلاَ جلَسْتَ بَيْنَ يَدَيَّ.
ثُمَّ بَكَى بُكَاءً طَوِيْلاً، وَأَبَكَى مَنْ حضَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا بِسَتْرِكَ الجَمِيْلِ، وَاجعَلْ تَحْتَ السَّتْرِ مَا تَرضَى بِهِ عَنَّا، يَا وَلَدِي تَعْلَم أَنِّي رَحَلْتُ أَيْضاً لِسَمَاعِ الصَّحِيْحِ مَاشِياً مَعَ وَالِدِي مِنْ هَرَاةَ إِلَى الدَّاوُوْدِيِّ بِبوشَنْجَ، وَلِي دُوْنَ عشرِ سِنِيْنَ، فَكَانَ وَالِدِي يَضعُ عَلَى يَدَيَّ حَجَرَيْنِ وَيَقُوْلُ: احْمِلْهُمَا.
فَكُنْتُ مِنْ خوفِهِ أَحْفَظهُمَا بِيَدَيَّ، وَأَمْشِي وهُوَ يَتَأَمَّلُنِي، فَإِذَا رَآنِي قَدْ عَيِيْتُ، أَمرنِي أَنْ أُلْقِيَ حجراً وَاحِداً، فَأُلْقِي، وَيَخِفُّ
عَنِّي، فَأَمْشِي إِلَى أَنْ يَتبيَّنَ لَهُ تَعَبِي، فَيَقُوْلُ لِي: هَلْ عَيِيْتَ؟فَأَخَافُهُ وَأَقُوْلُ: لاَ.
فَيَقُوْلُ: لِمَ تُقَصِّرُ فِي المَشْي؟
فَأُسْرِعُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَعجَزُ، فَيَأْخذُ الآخرَ فَيُلْقِيهِ، فَأَمْشِي حَتَّى أَعْطَبَ، فَحِيْنَئِذٍ كَانَ يَأْخُذُنِي وَيَحْمِلُنِي.
وَكُنَّا نَلْتَقِي جَمَاعَةَ الفَلاَّحِينَ، وَغَيْرَهُم، فَيَقُوْلُوْنَ: يَا شَيْخ عِيْسَى، ادْفَعْ إِلَيْنَا هَذَا الطِّفْلَ نُرْكِبْه وَإِيَّاكَ إِلَى بُوشَنْج.
فَيَقُوْلُ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَركَبَ فِي طَلَبِ أَحَادِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلْ نَمْشِي، وَإِذَا عجزَ أَركبتُهُ عَلَى رَأْسِي إِجلاَلاً لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ، وَرَجَاءَ ثوَابِهِ.
فَكَانَ ثمَرَةَ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ نِيَّتِهِ أَنِّي انتفعتُ بِسَمَاعِ هَذَا الكِتَابِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَقرَانِي أَحَدٌ سِوَايَ، حَتَّى صَارَتِ الوُفُوْدُ تَرْحَلُ إِلَيَّ مِنَ الأَمصَارِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى صَاحِبِنَا عَبْدِ البَاقِي بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الهَرَوِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ لِي حَلْوَاء.
فَقُلْتُ: يَا سيِّدِي، قِرَاءتِي لِـ (جزءِ أَبِي الجَهْمِ) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكْلِ الحلوَاء.
فَتبسَّمَ، وَقَالَ: إِذَا دَخَلَ الطَّعَامُ، خَرَجَ الكَلاَمُ.
وَقَدَّمَ لَنَا صَحْناً فِيْهِ حَلوَاء الفَانِيْدِ، فَأَكَلْنَا، وَأَخْرَجتُ الجُزْءَ، وَسَأَلتُهُ إِحضَارَ الأَصْلِ، فَأَحضرَهُ، وَقَالَ: لاَ تَخفْ وَلاَ تَحرِص، فَإِنِّي قَدْ قَبَرْتُ مِمَّنْ سَمِعَ عَلَيَّ خَلْقاً كَثِيْراً، فَسَلِ اللهَ السَّلاَمَةَ.
فَقَرَأْت الجُزْءَ، وَسُرِرْتُ بِهِ، وَيَسَّرَ اللهُ سَمَاعَ (الصَّحِيْحِ) وَغَيْرِهِ مرَاراً، وَلَمْ أَزَلْ فِي صُحْبَتِهِ وَخِدْمَتِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، فِي لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ - قُلْتُ: وَبَيَّضَ لِليَوْمِ، وَهُوَ سَادس الشَّهْرِ -.
قَالَ: وَدَفَنَّاهُ بِالشُّونِيزِيَّةِ.
قَالَ لِي: تدْفُنُنِي تَحْتَ أَقدَامِ مَشَايِخنَا بِالشُّونِيزِيَّةِ.
وَلَمَّا احتُضِرَ سنَدْتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَكَانَ مُسْتَهْتَراً بِالذِّكْرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الصُّوْفِيُّ، وَأَكبَّ
عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا سيِّدِي، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَانَ آخِرَ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ ) ، فَرَفَعَ طَرْفَهُ إِلَيْهِ، وَتَلاَ: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعلَمُوْنَ، بِمَا غَفَر لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ} [يس: 26 و27] فَدهش إِلَيْهِ هُوَ وَمَنْ حضَرَ مِنَ الأَصْحَابِ، وَلَمْ يَزَلْ يَقرَأُ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، وَقَالَ: الله الله الله.وَتُوُفِّيَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى السَّجَّادَةِ.
وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ التَّكرِيتِيُّ الصُّوْفِيُّ، قَالَ:
أَسندتُهُ إِلَيَّ، وَكَانَ آخِرَ كَلمَةٍ قَالَهَا: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعلمُوْنَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلنِي مِنَ المُكْرَمِينَ} ، وَمَاتَ.
قُلْتُ: قَدِمَ بَغْدَادَ فِي شَوَّالٍ، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً وَشهراً، وَكَانَ مَعَهُ أُصُوْلُهُ، فَحَدَّثَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ الوَزِيْرُ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ هُبَيْرَةَ قَدِ اسْتَدْعَاهُ، وَنَفَّذَ إِلَيْهِ نَفَقَةً، ثُمَّ أَنْزَلَهُ عِنْدَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَأَحضرَهُ فِي مَجْلِسِهِ، وَسَمِعَ عَلَيْهِ (الصَّحِيْحَ) فِي مَجْلِسٍ عَامٍّ، أَذِنَ فِيْهِ لِلنَّاسِ، فَكَانَ الجمعُ يَفوتُ الإِحصَاءَ، ثُمَّ قرَأَهُ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّابِ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَحضرَ خَلقٌ كَثِيْرٌ دُوْنَ هَؤُلاَءِ،
وَقُرِئَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَسَمِعَهُ جَمعٌ جمٌّ، وَآخِرُ مَنْ قرَأَهُ عَلَيْهِ شَيْخُنَا ابْنُ الأَخْضَرِ، وَكَانَ شَيْخاً صَدُوْقاً أَمِيناً، مِنْ مَشَايِخِ الصُّوْفِيَّةِ وَمَحَاسِنِهِم، ذَا وَرَعٍ وَعِبَادَةٍ، مَعَ عُلوِّ سِنِّهِ، وَلَهُ أُصُوْلٌ حَسَنَةٌ، وَسَمَاعَاتٌ صَحِيْحَةٌ.ثُمَّ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ الجِيْلِيِّ:
تُوُفِّيَ شَيْخنَا أَبُو الوَقْتِ لَيْلَةَ الأَحَدِ، سَادسَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، نِصْفَ اللَّيْلِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ضَاحِي نَهَارِ اليَوْمِ، بِرِباطِ فَيْرُوْزٍ الَّذِي كَانَ نَازلاً فِيْهِ، ثُمَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالجَامِعِ، وَأَمَّنَا الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ الجِيْلِيُّ، وَكَانَ الجمعُ مُتَوَفِّراً، وَكُنْت يَوْمَ خَامِسِ الشَّهْرِ عِنْدَهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ إِلَى وَقتِ الظُّهْرِ، وَكَانَ مُسْتقيمَ الرَّأْيِ، حَاضِرَ الذّهنِ، وَلَمْ نَرَ فِي سنِّهِ مِثْلَ سنَدِهِ، وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً سُنِّيّاً، قَارِئاً لِلْقُرْآنِ، وَقَدْ صَحِبَ الأَشيَاخَ، وَعَاشَ حَتَّى أَلْحَقَ الصّغَارَ بِالكِبَارِ، وَرَأَى مِنْ رِئَاسَةِ التَّحْدِيْثِ مَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَرغبْ فِي الرِّوَايَةِ قَبْلَهُ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ الدَّاوُوْدِيِّ وَبَقِيَّةِ أَشيَاخِهِ، وَقُرِئَتِ الكُتُبُ الَّتِي مَعَهُ كُلّهَا عَلَيْهِ وَالأَجزَاءُ مَرَّاتٍ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَسَمِعَهَا مِنْهُ أُلُوفٌ مِنَ النَّاسِ، وَصلَ بَغْدَادَ فِي حَادِي عشرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، صَحِبَ شَيْخَ الإِسْلاَمِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
أَنْبَأَنَا طَائِفَةٌ، عَنِ ابْنِ النَّجَّار، قَالَ:
أَنشدنَا دَاوُدُ بنُ مُعَمَّرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَنشدَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ العُقَيْلِيُّ لِنَفْسِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ:
أَتَاكُمُ الشَّيْخُ أَبُو الوَقْتِ ... بِأَحْسَنِ الأَحْبَارِ عَنْ ثَبْتِ
طَوَى إِلَيْكُمْ نَاشراً عِلْمَهُ ... مَرَاحِلَ الأَبْرَقِ وَالخَبْتِ أَلْحَقَ بِالأَشيَاخِ أَطفَالَكُم ... وَقَدْ رَمَى الحَاسدَ بِالكَبْتِ
فَمِنَّةُ الشَّيْخِ بِمَا قَدْ رَوَى ... كَمِنَّةِ الغَيْثِ عَلَى النَّبْتِ
بَارَكَ فِيْهِ اللهُ مِنْ حَامِلٍ ... خُلاَصَةَ الفِقْهِ إِلَى المُفْتِي
انْتَهِزُوا الفُرْصَةَ يَا سَادَتِي ... وَحَصِّلُوا الإِسْنَادَ فِي الوَقْتِ
فَإِنَّ مَنْ فَوَّتَ مَا عِنْدَهُ ... يَصِيْرُ ذَا الحَسْرَةِ وَالمَقْتِ
وَفِيْهَا مَاتَ: الحَافِظُ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدٍ كُوتَاه الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ بنِ سرُوْرٍ الخَشَّابُ بِدِمَشْقَ، وَالإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الصَّفَّارِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُرَيْقٍ الوَاسِطِيُّ الحَدَّادُ المُقْرِئُ، وَأَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَانِمِيُّ الهَرَوِيُّ.
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الزَّاهِدُ، الخَيِّرُ، الصُّوْفِيُّ، شَيْخُ الإِسْلاَمِ، مُسْنِدُ الآفَاقِ، أَبُو الوَقْتِ عَبْدُ الأَوّلِ ابنُ الشَّيْخِ المُحَدِّثِ المُعَمَّرِ أَبِي عَبْدِ اللهِ عِيْسَى بنُ شُعَيْبِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ إِسْحَاقَ السِّجْزِيُّ، ثُمَّ الهَرَوِيُّ، المَالِيْنِيُّ.
مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَخَمْسِيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ.وَسَمِعَ فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّيْنَ وَأَرْبَعِ مائَةٍ مِنْ جَمَالِ الإِسْلاَمِ أَبِي الحَسَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّاوُوْدِيِّ (الصَّحِيْحَ) ، وَ (كِتَابَ الدَّارِمِيِّ) وَ (مُنتخب مُسْنَدِ عَبْدِ بنِ حُمَيْدٍ) بِبُوشَنْج.
وَسَمِعَ مِنْ: أَبِي عَاصِمٍ الفُضَيْلِ بنِ يَحْيَى، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي مَسْعُوْدٍ الفَارِسِيِّ، وَأَبِي يَعْلَى صَاعِدِ بنِ هِبَةِ اللهِ، وَبِيْبَى بِنْتِ عَبْدِ الصَّمَدِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَفِيْفٍ، حَدَّثوهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي شُرَيحٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: أَحْمَدَ بنِ أَبِي نَصْرٍ كَاكُو، وَعَبْدِ الوَهَّابِ بنِ أَحْمَدَ الثَّقَفِيِّ، وَأَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ العَاصِمِيِّ، وَمُحَمَّدِ بنِ الحُسَيْنِ الفَضْلُويِيِّ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَاصِمٍ الجَوْهَرِيِّ، وَشيخِ الإِسْلاَمِ أَبِي إِسْمَاعِيْلَ الأَنْصَارِيِّ - وَكَانَ مِنْ مُرِيْدِيهِ - وَأَبِي عَامِرٍ مَحْمُوْدِ بنِ القَاسِمِ الأَزْدِيِّ، وَعَبْدِ اللهِ بنِ عَطَاءٍ البغَاوردَانِيِّ، وَحَكِيْمِ بنِ أَحْمَدَ الإِسْفَرَايِيْنِيِّ، وَأَبِي عَدْنَانَ القَاسِمِ بنِ عَلِيٍّ القُرَشِيِّ، وَأَبِي القَاسِمِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ الكَلْوَذَانِيِّ، وَنَصْرِ بنِ أَحْمَدَ الحَنَفِيِّ، وَطَائِفَةٍ.
وَحَدَّثَ بِخُرَاسَانَ وَأَصْبَهَانَ وَكَرْمَانَ وَهَمَذَانَ وَبَغْدَادَ، وَتَكَاثرَ عَلَيْهِ الطَّلَبَةُ، وَاشْتُهِرَ حَدِيْثُهُ، وَبَعُدَ صِيتُهُ، وَانْتَهَى إِلَيْهِ عُلُوُّ الإِسْنَادِ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ عَسَاكِرَ، وَالسَّمْعَانِيُّ، وَابْنُ الجَوْزِيِّ، وَيُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ، وَارْتَحَلَ إِلَيْهِ إِلَى كِرْمَانَ، وَسُفْيَانُ بنُ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مَنْدَةَ، وَأَبُو ذَرٍّ سُهَيْلُ بنُ مُحَمَّدٍ البُوْشَنْجِيُّ، وَأَبُو الضّوءِ شِهَابٌ الشَّذَبَانِيُّ، وَعَبْدُ المُعِزِّ بنُ مُحَمَّدٍ الهَرَوِيُّ، وَالقَاضِي عَبْدُ الجَبَّارِ بنُ بُنْدَارَ الهَمَذَانِيُّ، وَعَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مَنْدَوَيْه، وَأَحْمَدُ بنُ عَبْدِ اللهِ السُّلَمِيُّ العَطَّارُ، وَعُثْمَانُ بنُ عَلِيٍّ
الوَرْكَانِيُّ، وَعُثْمَانُ بنُ مَحْمُوْدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ الفَتَّاحُ البُوْشَنْجِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ عَطِيَّةَ اللهِ الهَمَذَانِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ سَرَايَا المَوْصِلِيُّ، وَمَحْمُوْدُ بنُ وَاثقٍ البَيْهَقِيُّ، وَمُقَرّبُ بنُ عَلِيٍّ الهَمَذَانِيُّ، وَالفَقِيْهُ يَحْيَى بنُ سَعْدٍ الرّزَايُّ، وَيُوْسُفُ بنُ عُمَرَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ نِظَامِ المُلْكِ، وَحَمَّادُ بنُ هِبَةِ اللهِ الحَرَّانِيُّ، وَعُمَرُ بنُ طَبَرْزَدَ، وَسَعِيْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الدِّيْنَوَرِيُّ الصُّوْفِيُّ، وَيَحْيَى بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ السُّهْرَوَرْدِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ هِبَةِ اللهِ الرُّوذَرَاورِيُّ، وَأَحْمَدُ بنُ ظَفَرِ بنِ هُبَيْرَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ بنِ مُكرَّمٍ، وَمُظَفَّرُ بنُ حَرِّكْهَا، وَعَلِيُّ بنُ يُوْسُفَ بنِ صَبُوخَا، وَأَحْمَدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ صِرْمَا، وَمُحَمَّدُ بنُ أَبِي القَاسِمِ المَيْنُدِيُّ، وَزَيْدُ بنُ يَحْيَى البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللَّطِيْفِ بنُ عَسْكَرٍ، وَعُمَرُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الرَّيَّانِ، وَأَسَعْدُ بنُ صُعْلُوكٍ، وَالنَّفِيْسُ بنُ كَرَمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ عَبْدُ اللهِ بنُ شَرِيْفِ الرَّحْبَةِ، وَمُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ بنِ خَلِيْفَةَ الرُّوبَانِيُّ - بِمُوَحَّدَةٍ - وَمُحَمَّدُ بنُ هِبَةِ اللهِ البَيِّعُ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ إِبْرَاهِيْمَ الهَمَذَانِيُّ الخَطِيْبُ، وَأَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ بُورْندَازَ، وَعُمَرُ بنُ أَعزَّ السُّهْرَوَرْدِيُّ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بنُ لَيْثٍ الوسْطَانِيُّ، وَصَاعِدُ بنُ عَلِيٍّ الوَاعِظُ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُبَارَكِ المُسْتعمِلُ، وَأَبُو عَلِيٍّ بنُ الجَوَالِيْقِيِّ، وَمُحَمَّدُ بنُ النَّفِيْسِ بنِ عَطَاءٍ، وَالمهَذَّبُ بنُ قُنَيْدَةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ بنُ سُكَيْنَةَ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَتِيقِ بنِ صيلاَ، وَأَبُو الرِّضَى مُحَمَّدُ بنُ عَصيَّةَ، وَعَبْدُ السَّلاَمِ الدَّاهِرِيُّ، وَأَبُو نَصْرٍ أَحْمَدُ بنُ الحُسَيْنِ النَّرْسِيُّ، وَعُمَرُ بنُ كَرَمٍ، وَالحُسَيْنُ بنُ الزُّبَيْدِيِّ، وَأَخُوْهُ الحَسَنُ، وَظَفَرُ بنُ سَالِمٍ البيطَارُ، وَعَبْدُ البَرِّ بنُ أَبِي العَلاَءِ العَطَّارُ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ القَطِيْعِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَوْلَى ابْنِ باقَا، وَزَكَرِيَّا العُلَبِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ رُوزبه،
وَمُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَدِيْنِيُّ، وَأَبُو الحَسَنِ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القَطِيْعِيُّ، وَأَبُو المُنَجّى عَبْدُ اللهِ بنُ اللَّتِّيِّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ مَسْعُوْدِ بنِ بَهْرُوْزَ، وَأَبُو سَعْدٍ ثَابِتُ بنُ أَحْمَدَ الخُجَنْدِيُّ نَزِيْلُ شيرَاز وَهُوَ آخِرُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ مَوْتاً، بَقِيَ إِلَى سَنَةِ 637، وَسَمَاعُهُ فِي الخَامِسَةِ.وَرَوَى عَنْهُ بِالإِجَازَةِ: أَبُو الكَرَمِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المُتَوَكِّلِيُّ، وَكَرِيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الوَهَّابِ القُرَشِيَّةُ.
قَالَ السَّمْعَانِيُّ: شَيْخٌ صَالِحٌ، حَسَنُ السَّمْتِ وَالأَخلاَقِ، مُتودِّدٌ، مُتَوَاضِعٌ، سلِيمُ الجَانبِ، اسْتَسْعَدَ بصحبَةِ الإِمَامِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ، وَخَدَمَهُ مُدَّةً، وَسَافَرَ إِلَى العِرَاقِ وَخُوزستَانَ وَالبَصْرَةَ، نَزلَ بَغْدَادَ بِرِباطِ البِسْطَامِيِّ فِيمَا حَكَاهُ لِي، وَسَمِعْتُ مِنْهُ بِهَرَاةَ وَمَالِيْنَ، وَكَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، مُحِبّاً لِلرِّوَايَةِ، حَدَّثَ بِـ (الصَّحِيْحِ) ، وَ (مُسْنَدِ عَبْدٍ) ، وَ (الدَّارِمِيِّ) عِدَّةَ نُوَبٍ، وَسَمِعْتُ أَنَّ أَبَاهُ سَمَّاهُ مُحَمَّداً، فَسَمَّاهُ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ عَبْدَ الأَوّلِ، وَكَنَّاهُ بِأَبِي الوَقْتِ، ثُمَّ قَالَ: الصُّوْفِيُّ ابْنُ وَقتِهِ.
وَقَالَ السَّمْعَانِيُّ فِي (التَّحبِيرِ ) : إِنَّ وَالِدَ أَبِي الوَقْتِ أَجَازَ لَهُ، وَإِنَّ مَوْلِدَهُ بسِجِسْتَانَ، سَنَةَ عَشْرٍ وَأَرْبَعِ مائَةٍ، وَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَلِيِّ بنِ بُشرَى اللَّيْثِيِّ (مَنَاقِبَ الشَّافِعِيَّ) لِلآبرِيِّ بِفَوتٍ، ثُمَّ سَكَنَ هَرَاةَ، وَإِنَّهُ شَيْخٌ صَالِحٌ مُعَمَّرٌ، حرصَ عَلَى سَمَاعِ الحَدِيْثِ، وَحَمَلَ وَلدَهُ أَبَا الوَقْتِ عَلَى عَاتقِهِ إِلَى بُوشَنْجَ، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ الأَنْصَارِيُّ يُكرِمُهُ وَيُرَاعِيْه، مَاتَ بِمَالِيْن، فِي شَوَّالٍ، سَنَة اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وَخَمْس مائَة، عَاشَ مائَة وَثَلاَث سِنِيْنَ.
وَقَالَ زكِيُّ الدّينِ البِرزَالِيُّ : طَافَ أَبُو الوَقْتِ العِرَاقَ وَخُوزستَانَ، وَحَدَّثَ بِهَرَاةَ، وَمَالِيْن، وَبُوشَنْج، وَكِرمَانَ، وَيَزْدَ، وَأَصْبَهَانَ، وَالكَرْجِ، وَفَارِسٍ، وَهَمَذَانَ، وَقَعَدَ بَيْنَ يَدَيْهِ الحُفَّاظُ وَالوُزَرَاءُ، وَكَانَ عِنْدَهُ كُتُبٌ وَأَجزَاءُ، سَمِعَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ يُحصَى وَلاَ يُحصرُ.وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ : كَانَ صَبُوْراً عَلَى القِرَاءةِ، وَكَانَ صَالِحاً، كَثِيْرَ الذِّكْرِ وَالتَّهَجُّدِ وَالبُكَاءِ، عَلَى سَمْتِ السَّلَفِ، وَعَزَمَ عَامَ مَوْتِهِ عَلَى الحَجِّ، وَهَيَّأَ مَا يَحتَاجُ إِلَيْهِ، فَمَاتَ.
وَقَالَ يُوْسُفُ بنُ أَحْمَدَ الشِّيْرَازِيُّ فِي (أَرْبَعِيْنَ البُلْدَانِ) لَهُ: لَمَّا رَحَلْتُ إِلَى شَيْخنَا رحلَةِ الدُّنْيَا وَمُسْنِدِ العصرِ أَبِي الوَقْت، قَدَّرَ اللهُ لِي الوُصُوْلَ إِلَيْهِ فِي آخِرِ بِلاَدِ كِرْمَانَ، فَسَلَّمتُ عَلَيْهِ، وَقَبَّلْتُهُ، وَجلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ لِي: مَا أَقدَمَكَ هَذِهِ البِلاَدَ.
قُلْتُ: كَانَ قَصدِي إِلَيْكَ، وَمُعَوَّلِي بَعْدَ اللهِ عَلَيْكَ، وَقَدْ كَتَبتُ مَا وَقَعَ إِلَيَّ مِنْ حَدِيْثِكَ بِقَلَمِي، وَسَعَيْتُ إِلَيْكَ بِقَدَمِي، لأُدْرِكَ بَرَكَةَ أَنْفَاسِكَ، وَأَحظَى بِعُلُوِّ إِسْنَادِكَ.
فَقَالَ: وَفَّقَكَ اللهُ وَإِيَّانَا لِمَرضَاتِهِ، وَجَعَلَ سَعْيَنَا لَهُ، وَقَصْدَنَا إِلَيْهِ، لَوْ كُنْتَ عَرَفْتَنِي حقَّ مَعْرِفَتِي لَمَّا سلَّمْتَ عَلَيَّ، وَلاَ جلَسْتَ بَيْنَ يَدَيَّ.
ثُمَّ بَكَى بُكَاءً طَوِيْلاً، وَأَبَكَى مَنْ حضَرَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسْتُرْنَا بِسَتْرِكَ الجَمِيْلِ، وَاجعَلْ تَحْتَ السَّتْرِ مَا تَرضَى بِهِ عَنَّا، يَا وَلَدِي تَعْلَم أَنِّي رَحَلْتُ أَيْضاً لِسَمَاعِ الصَّحِيْحِ مَاشِياً مَعَ وَالِدِي مِنْ هَرَاةَ إِلَى الدَّاوُوْدِيِّ بِبوشَنْجَ، وَلِي دُوْنَ عشرِ سِنِيْنَ، فَكَانَ وَالِدِي يَضعُ عَلَى يَدَيَّ حَجَرَيْنِ وَيَقُوْلُ: احْمِلْهُمَا.
فَكُنْتُ مِنْ خوفِهِ أَحْفَظهُمَا بِيَدَيَّ، وَأَمْشِي وهُوَ يَتَأَمَّلُنِي، فَإِذَا رَآنِي قَدْ عَيِيْتُ، أَمرنِي أَنْ أُلْقِيَ حجراً وَاحِداً، فَأُلْقِي، وَيَخِفُّ
عَنِّي، فَأَمْشِي إِلَى أَنْ يَتبيَّنَ لَهُ تَعَبِي، فَيَقُوْلُ لِي: هَلْ عَيِيْتَ؟فَأَخَافُهُ وَأَقُوْلُ: لاَ.
فَيَقُوْلُ: لِمَ تُقَصِّرُ فِي المَشْي؟
فَأُسْرِعُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَعجَزُ، فَيَأْخذُ الآخرَ فَيُلْقِيهِ، فَأَمْشِي حَتَّى أَعْطَبَ، فَحِيْنَئِذٍ كَانَ يَأْخُذُنِي وَيَحْمِلُنِي.
وَكُنَّا نَلْتَقِي جَمَاعَةَ الفَلاَّحِينَ، وَغَيْرَهُم، فَيَقُوْلُوْنَ: يَا شَيْخ عِيْسَى، ادْفَعْ إِلَيْنَا هَذَا الطِّفْلَ نُرْكِبْه وَإِيَّاكَ إِلَى بُوشَنْج.
فَيَقُوْلُ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ نَركَبَ فِي طَلَبِ أَحَادِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَلْ نَمْشِي، وَإِذَا عجزَ أَركبتُهُ عَلَى رَأْسِي إِجلاَلاً لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللهِ، وَرَجَاءَ ثوَابِهِ.
فَكَانَ ثمَرَةَ ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ نِيَّتِهِ أَنِّي انتفعتُ بِسَمَاعِ هَذَا الكِتَابِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْ أَقرَانِي أَحَدٌ سِوَايَ، حَتَّى صَارَتِ الوُفُوْدُ تَرْحَلُ إِلَيَّ مِنَ الأَمصَارِ، ثُمَّ أَشَارَ إِلَى صَاحِبِنَا عَبْدِ البَاقِي بنِ عَبْدِ الجَبَّارِ الهَرَوِيِّ أَنْ يُقَدِّمَ لِي حَلْوَاء.
فَقُلْتُ: يَا سيِّدِي، قِرَاءتِي لِـ (جزءِ أَبِي الجَهْمِ) أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَكْلِ الحلوَاء.
فَتبسَّمَ، وَقَالَ: إِذَا دَخَلَ الطَّعَامُ، خَرَجَ الكَلاَمُ.
وَقَدَّمَ لَنَا صَحْناً فِيْهِ حَلوَاء الفَانِيْدِ، فَأَكَلْنَا، وَأَخْرَجتُ الجُزْءَ، وَسَأَلتُهُ إِحضَارَ الأَصْلِ، فَأَحضرَهُ، وَقَالَ: لاَ تَخفْ وَلاَ تَحرِص، فَإِنِّي قَدْ قَبَرْتُ مِمَّنْ سَمِعَ عَلَيَّ خَلْقاً كَثِيْراً، فَسَلِ اللهَ السَّلاَمَةَ.
فَقَرَأْت الجُزْءَ، وَسُرِرْتُ بِهِ، وَيَسَّرَ اللهُ سَمَاعَ (الصَّحِيْحِ) وَغَيْرِهِ مرَاراً، وَلَمْ أَزَلْ فِي صُحْبَتِهِ وَخِدْمَتِهِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ، فِي لَيْلَةِ الثُّلاَثَاءِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ - قُلْتُ: وَبَيَّضَ لِليَوْمِ، وَهُوَ سَادس الشَّهْرِ -.
قَالَ: وَدَفَنَّاهُ بِالشُّونِيزِيَّةِ.
قَالَ لِي: تدْفُنُنِي تَحْتَ أَقدَامِ مَشَايِخنَا بِالشُّونِيزِيَّةِ.
وَلَمَّا احتُضِرَ سنَدْتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَكَانَ مُسْتَهْتَراً بِالذِّكْرِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بنُ القَاسِمِ الصُّوْفِيُّ، وَأَكبَّ
عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا سيِّدِي، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ كَانَ آخِرَ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، دَخَلَ الجَنَّةَ ) ، فَرَفَعَ طَرْفَهُ إِلَيْهِ، وَتَلاَ: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعلَمُوْنَ، بِمَا غَفَر لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ} [يس: 26 و27] فَدهش إِلَيْهِ هُوَ وَمَنْ حضَرَ مِنَ الأَصْحَابِ، وَلَمْ يَزَلْ يَقرَأُ حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ، وَقَالَ: الله الله الله.وَتُوُفِّيَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى السَّجَّادَةِ.
وَقَالَ أَبُو الفَرَجِ ابْنُ الجَوْزِيِّ : حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ الحُسَيْنِ التَّكرِيتِيُّ الصُّوْفِيُّ، قَالَ:
أَسندتُهُ إِلَيَّ، وَكَانَ آخِرَ كَلمَةٍ قَالَهَا: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعلمُوْنَ، بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلنِي مِنَ المُكْرَمِينَ} ، وَمَاتَ.
قُلْتُ: قَدِمَ بَغْدَادَ فِي شَوَّالٍ، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً وَشهراً، وَكَانَ مَعَهُ أُصُوْلُهُ، فَحَدَّثَ مِنْهَا.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: كَانَ الوَزِيْرُ أَبُو المُظَفَّرِ بنُ هُبَيْرَةَ قَدِ اسْتَدْعَاهُ، وَنَفَّذَ إِلَيْهِ نَفَقَةً، ثُمَّ أَنْزَلَهُ عِنْدَهُ، وَأَكْرَمَهُ، وَأَحضرَهُ فِي مَجْلِسِهِ، وَسَمِعَ عَلَيْهِ (الصَّحِيْحَ) فِي مَجْلِسٍ عَامٍّ، أَذِنَ فِيْهِ لِلنَّاسِ، فَكَانَ الجمعُ يَفوتُ الإِحصَاءَ، ثُمَّ قرَأَهُ عَلَيْهِ أَبُو مُحَمَّدٍ بنُ الخَشَّابِ بِالنِّظَامِيَّةِ، وَحضرَ خَلقٌ كَثِيْرٌ دُوْنَ هَؤُلاَءِ،
وَقُرِئَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ المَنْصُوْرِ، وَسَمِعَهُ جَمعٌ جمٌّ، وَآخِرُ مَنْ قرَأَهُ عَلَيْهِ شَيْخُنَا ابْنُ الأَخْضَرِ، وَكَانَ شَيْخاً صَدُوْقاً أَمِيناً، مِنْ مَشَايِخِ الصُّوْفِيَّةِ وَمَحَاسِنِهِم، ذَا وَرَعٍ وَعِبَادَةٍ، مَعَ عُلوِّ سِنِّهِ، وَلَهُ أُصُوْلٌ حَسَنَةٌ، وَسَمَاعَاتٌ صَحِيْحَةٌ.ثُمَّ قَالَ: قَرَأْتُ فِي كِتَابِ أَحْمَدَ بنِ صَالِحٍ الجِيْلِيِّ:
تُوُفِّيَ شَيْخنَا أَبُو الوَقْتِ لَيْلَةَ الأَحَدِ، سَادسَ ذِي القَعْدَةِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَخَمْسِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ، نِصْفَ اللَّيْلِ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ ضَاحِي نَهَارِ اليَوْمِ، بِرِباطِ فَيْرُوْزٍ الَّذِي كَانَ نَازلاً فِيْهِ، ثُمَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ بِالجَامِعِ، وَأَمَّنَا الشَّيْخُ عَبْدُ القَادِرِ الجِيْلِيُّ، وَكَانَ الجمعُ مُتَوَفِّراً، وَكُنْت يَوْمَ خَامِسِ الشَّهْرِ عِنْدَهُ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الحَدِيْثَ إِلَى وَقتِ الظُّهْرِ، وَكَانَ مُسْتقيمَ الرَّأْيِ، حَاضِرَ الذّهنِ، وَلَمْ نَرَ فِي سنِّهِ مِثْلَ سنَدِهِ، وَكَانَ شَيْخاً صَالِحاً سُنِّيّاً، قَارِئاً لِلْقُرْآنِ، وَقَدْ صَحِبَ الأَشيَاخَ، وَعَاشَ حَتَّى أَلْحَقَ الصّغَارَ بِالكِبَارِ، وَرَأَى مِنْ رِئَاسَةِ التَّحْدِيْثِ مَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ، وَسَمِعَ مِنْهُ مَنْ لَمْ يَرغبْ فِي الرِّوَايَةِ قَبْلَهُ، وَكَانَ آخِرَ مَنْ رَوَى فِي الدُّنْيَا عَنِ الدَّاوُوْدِيِّ وَبَقِيَّةِ أَشيَاخِهِ، وَقُرِئَتِ الكُتُبُ الَّتِي مَعَهُ كُلّهَا عَلَيْهِ وَالأَجزَاءُ مَرَّاتٍ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ، وَسَمِعَهَا مِنْهُ أُلُوفٌ مِنَ النَّاسِ، وَصلَ بَغْدَادَ فِي حَادِي عشرَ شَوَّالٍ، سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِيْنَ، صَحِبَ شَيْخَ الإِسْلاَمِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً.
أَنْبَأَنَا طَائِفَةٌ، عَنِ ابْنِ النَّجَّار، قَالَ:
أَنشدنَا دَاوُدُ بنُ مُعَمَّرٍ بِأَصْبَهَانَ، أَنشدَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَضْلِ العُقَيْلِيُّ لِنَفْسِهِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِيْنَ:
أَتَاكُمُ الشَّيْخُ أَبُو الوَقْتِ ... بِأَحْسَنِ الأَحْبَارِ عَنْ ثَبْتِ
طَوَى إِلَيْكُمْ نَاشراً عِلْمَهُ ... مَرَاحِلَ الأَبْرَقِ وَالخَبْتِ أَلْحَقَ بِالأَشيَاخِ أَطفَالَكُم ... وَقَدْ رَمَى الحَاسدَ بِالكَبْتِ
فَمِنَّةُ الشَّيْخِ بِمَا قَدْ رَوَى ... كَمِنَّةِ الغَيْثِ عَلَى النَّبْتِ
بَارَكَ فِيْهِ اللهُ مِنْ حَامِلٍ ... خُلاَصَةَ الفِقْهِ إِلَى المُفْتِي
انْتَهِزُوا الفُرْصَةَ يَا سَادَتِي ... وَحَصِّلُوا الإِسْنَادَ فِي الوَقْتِ
فَإِنَّ مَنْ فَوَّتَ مَا عِنْدَهُ ... يَصِيْرُ ذَا الحَسْرَةِ وَالمَقْتِ
وَفِيْهَا مَاتَ: الحَافِظُ عَبْدُ الجَلِيْلِ بنُ مُحَمَّدٍ كُوتَاه الأَصْبَهَانِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ عَسَاكِرَ بنِ سرُوْرٍ الخَشَّابُ بِدِمَشْقَ، وَالإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الصَّفَّارِ النَّيْسَابُوْرِيُّ، وَأَبُو الفَتْحِ المُبَارَكُ بنُ أَحْمَدَ بنِ زُرَيْقٍ الوَاسِطِيُّ الحَدَّادُ المُقْرِئُ، وَأَبُو المَحَاسِنِ مَسْعُوْدُ بنُ مُحَمَّدٍ الغَانِمِيُّ الهَرَوِيُّ.