Book Home Page
الصفحة الرئيسية للكتاب
Number of entries in this book
عدد المواضيع في هذا الكتاب 5806
1278. ابن بيري أبو بكر بن عبيد بن الفضل الواسطي...1 1279. ابن تاج القراء علي بن عبد الرحمن الطوسي...1 1280. ابن تاشفين أبو الحسن علي بن يوسف البربري...1 1281. ابن تركان أحمد بن إبراهيم بن أحمد التميمي...1 1282. ابن توبة محمد بن أحمد بن محمد الأسدي1 1283. ابن تومرت أبو عبد الله محمد بن عبد الله...11284. ابن تيمية عبد السلام بن عبد الله بن الخضر الحراني...1 1285. ابن تيمية محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر الحراني...1 1286. ابن ثرثال أحمد بن عبد العزيز بن أحمد التيمي...1 1287. ابن ثوبان عبد الرحمن بن ثابت العنسي1 1288. ابن جابر أبو إسحاق إبراهيم بن جابر البغدادي...1 1289. ابن جامع أبو العباس أحمد بن إبراهيم السكري...1 1290. ابن جبير أبو الحسين محمد بن أحمد الكناني...1 1291. ابن جدا أبو الحسن علي بن الحسين العكبري...1 1292. ابن جرج أحمد بن محمد بن عبد الله القرطبي...1 1293. ابن جريج الأموي عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج...1 1294. ابن جزله أبو علي يحيى بن عيسى البغدادي...1 1295. ابن جلبة عبد الوهاب بن أحمد الحراني الخزاز...1 1296. ابن جميع محمد بن أحمد بن محمد الغساني...1 1297. ابن جميل إسحاق بن إبراهيم بن محمد الأصبهاني...1 1298. ابن جميل عبيد الله بن يعقوب الأصبهاني...1 1299. ابن جني أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي...1 1300. ابن جهضم علي بن عبد الله بن الحسن الهمذاني...1 1301. ابن جهير أبو منصور محمد بن محمد بن محمد...1 1302. ابن جهير أبو نصر محمد بن محمد الثعلبي...1 1303. ابن جهير مظفر بن علي بن محمد بن محمد1 1304. ابن جوصا أحمد بن عمير بن يوسف1 1305. ابن جوله عبد الله بن أحمد بن محمد الأبهري...1 1306. ابن جيان محمد بن خلف بن محمد البغدادي...1 1307. ابن حارث محمد بن حارث بن أسد الخشني1 1308. ابن حامد الحسن بن حامد بن علي البغدادي...1 1309. ابن حبابة عبيد الله بن محمد البغدادي...1 1310. ابن حبان محمد بن حبان بن أحمد التميمي...1 1311. ابن حبيب الحسن بن محمد النيسابوري1 1312. ابن حبيب عبد الرحمن بن محمد النيسابوري...1 1313. ابن حبيب موسى بن عبد الرحمن الإفريقي...1 1314. ابن حبيش عبد الرحمان بن محمد الأنصاري...1 1315. ابن حجر علي بن محمد بن أيوب الرقي1 1316. ابن حذلم أحمد بن سليمان بن أيوب الدمشقي...1 1317. ابن حرارة محمد بن أحمد بن علي الأسدي1 1318. ابن حربويه علي بن الحسين بن حرب البغدادي...1 1319. ابن حريق علي بن محمد بن أحمد المخزومي...1 1320. ابن حزم أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد القرطبي...1 1321. ابن حسكويه أحمد بن حسين النيسابوري1 1322. ابن حسنون أحمد بن محمد بن أحمد النرسي...1 1323. ابن حسنويه أبو حامد أحمد بن محمد الهروي...1 1324. ابن حسنويه أحمد بن علي النيسابوري1 1325. ابن حكيم أحمد بن محمد بن إبراهيم المديني...1 1326. ابن حماد أبو الحسن محمد بن أحمد الكوفي...1 1327. ابن حمة عبد الرحمن بن عمر بن أحمد الخلال...1 1328. ابن حمدان أبو طاهر محمد بن أحمد بن علي...1 1329. ابن حمدان الحسن بن الحسين التغلبي الأمير الأوحد نائب دمشق للمصريي...1 1330. ابن حمدان حسين بن حسن بن الحسين التغلبي...1 1331. ابن حمدان محمد بن أحمد بن حمدان الحيري...1 1332. ابن حمدون أبو بكر محمد بن محمد السلمي...1 1333. ابن حمدويه محمد بن حمدويه بن موسى السنجي أبو رجاء المروزي الهورقا...1 1334. ابن حمدية عبد الله بن محمد بن أحمد العكبري...1 1335. ابن حمدين حمدين بن محمد بن علي بن محمد...1 1336. ابن حمدين محمد بن علي بن محمد بن عبد العزيز...1 1337. ابن حمشاذ محمد بن عبد الله النيسابوري...1 1338. ابن حمصة أبو الحسن علي بن عمر الحراني...1 1339. ابن حمكا محمود بن أبي القاسم بن عمر الأصبهاني...1 1340. ابن حمود عبد المحسن بن حمود بن المحسن التنوخي...1 1341. ابن حمويه أبو عبد الله محمد بن حمويه بن محمد...1 1342. ابن حمويه أبو محمد عبد الله بن أحمد1 1343. ابن حمويه أبو محمد عبد الله بن عمر بن علي الجويني...1 1344. ابن حمويه محمد بن عمر بن علي الجويني1 1345. ابن حنزابة جعفر بن الفضل بن جعفر البغدادي...1 1346. ابن حنين أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني...1 1347. ابن حوط الله أبو سليمان داود بن سليمان...1 1348. ابن حوط الله عبد الله بن سليمان بن داود الأنصاري...1 1349. ابن حيان حيان بن خلف بن حسين الأموي1 1350. ابن حيد أبو أحمد منصور بن بكر بن محمد...1 1351. ابن حيد بكر بن محمد بن علي النيسابوري...1 1352. ابن حيد محمد بن علي بن محمد النيسابوري...1 1353. ابن حيدرة محمد بن حيدرة بن عمر الزيدي...1 1354. ابن حيكان أبو علي محمد بن أحمد بن محمد...1 1355. ابن حيكويه محمد بن يحيى بن زكريا الرازي...1 1356. ابن حيوس محمد بن سلطان بن محمد الغنوي...1 1357. ابن حيون محمد بن إبراهيم بن حيون الأندلسي...1 1358. ابن حيويه محمد بن العباس بن محمد البغدادي...1 1359. ابن حيويه محمد بن عبد الله النيسابوري...1 1360. ابن خاقان أبو الحسن عبيد الله بن يحيى التركي...1 1361. ابن خاقان عبد الله بن محمد الخاقاني1 1362. ابن خذام أبو الحسن علي بن محمد بن حسين...1 1363. ابن خراش عبد الرحمن بن يوسف المروزي1 1364. ابن خرشيذ2 1365. ابن خروف أبو الحسن علي بن محمد الإشبيلي...1 1366. ابن خزرج عبد الله بن إسماعيل بن محمد اللخمي...1 1367. ابن خزفة علي بن محمد بن علي الواسطي1 1368. ابن خزيمة أحمد بن الفضل بن العباس البغدادي...1 1369. ابن خزيمة محمد بن إسحاق بن خزيمة بن صالح بن بكر السلمي...1 1370. ابن خسرو أبو عبد الله الحسين بن محمد1 1371. ابن خشيش أبو سعد محمد بن عبد الكريم1 1372. ابن خضير أبو طالب المبارك بن علي البغدادي...1 1373. ابن خطيب القرافة أبو عمرو عثمان بن علي بن عبد الواحد القرشي...1 1374. ابن خطيب الموصل أحمد بن عبد الله الطوسي...1 1375. ابن خفاجة إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله...1 1376. ابن خفيف محمد بن خفيف الضبي1 1377. ابن خلاد أبو بكر أحمد بن يوسف النصيبي ثم البغدادي العطار...1 Prev. 100
«
Previous

ابن تومرت أبو عبد الله محمد بن عبد الله

»
Next
ابْنُ تُوْمَرتَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ
الشَّيْخُ، الإِمَامُ، الفَقِيْهُ، الأُصُوْلِيُّ، الزَّاهِدُ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ تُوْمَرت البَرْبَرِي، المَصْمُودي، الهرْغِي، الخَارِجُ بِالمَغْرِبِ، المدَّعِي أَنَّهُ علوِي حَسَنِي، وَأَنَّهُ الإِمَامُ المَعْصُوْمُ المَهْدِيّ، وَأَنَّهُ مُحَمَّدُ
بنُ عَبْدِ اللهِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ هود بن خَالِدِ بنِ تَمَّام بن عَدْنَانَ بن صَفْوَانَ بنِ جَابِرِ بنِ يَحْيَى بنِ رَبَاح بن يَسَارِ بن العَبَّاسِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ ابنِ الإِمَامِ عَلِيّ بن أَبِي طَالِبٍ.رَحَلَ مِنَ السُّوسِ الأَقْصَى شَابّاً إِلَى المَشْرِق، فَحجَّ وَتَفَقَّهَ، وَحَصَّل أَطرَافاً مِنَ العِلْمِ، وَكَانَ أَمَّاراً بِالمَعْرُوفِ، نَهَّاءً عَنِ المُنْكَر، قوِيَّ النَّفْس، زَعِراً شُجَاعاً، مَهِيْباً قَوَّالاً بِالْحَقِّ، عمَّالاً عَلَى الْملك، غَاوياً فِي الرِّيَاسَة وَالظُهُوْر، ذَا هيبَةٍ وَوقَار، وَجَلاَلَةٍ وَمعَامِلَة وَتَأَلُّه، انْتفع بِهِ خلقٌ، وَاهتَدَوْا فِي الجُمْلَةِ، وَملكُوا المَدَائِنَ، وَقهرُوا المُلُوْكَ.
أَخَذَ عَنْ: إِلكيَا الهَرَّاسِي، وَأَبِي حَامِد الغزَالِي، وَأَبِي بَكْرٍ الطُّرطُوشِي، وَجَاور سَنَةً.
وَكَانَ لَهِجاً بِعِلْم الكَلاَمِ، خَائِضاً فِي مَزَالِّ الأَقدَامِ، أَلَّف عقيدَةً لقَّبهَا بِـ
(المُرْشِدَة) ، فِيْهَا تَوحيد وَخير بِانحرَاف، فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَتْبَاعَه، وَسمَّاهُم الْمُوَحِّدين، وَنَبَزَ مَنْ خَالف (المُرْشِدَةَ) بِالتَّجسيم، وَأَبَاحَ دَمَهُ - نَعُوذ بِاللهِ مِنَ الغَيِّ وَالهَوَى -.وَكَانَ خَشِنَ العيشِ، فَقيراً، قَانِعاً بِاليسير، مُقتصراً عَلَى زِيِّ الفَقْرِ، لاَ لَذَّةَ لَهُ فِي مَأْكَلٍ وَلاَ مَنْكِح، وَلاَ مَال، وَلاَ فِي شَيْءٍ غَيْر رِيَاسَة الأَمْر، حَتَّى لَقِي الله تَعَالَى.
لكنَّه دَخَلَ - وَاللهِ - فِي الدِّمَاء لِنَيلِ الرِّيَاسَة المُرديَة.
وَكَانَ ذَا عصاً وَرِكوَة وَدفَّاس، غَرَامُهُ فِي إِزَالَة المُنْكَر، وَالصَّدْعِ بِالْحَقِّ، وَكَانَ يَتبسَّمُ إِلَى مَنْ لَقِيه.
وَلَهُ فَصَاحَةٌ فِي العَرَبِيَّة وَالبَرْبَرِيَة، وَكَانَ يُؤذَى وَيُضْرَبُ وَيَصْبِرُ،
أُوذِيَ بِمَكَّةَ، فَرَاح إِلَى مِصْرَ، وَبَالَغَ فِي الإِنْكَار، فَطردُوْهُ، وَآذَوْهُ، وَكَانَ إِذَا خَاف مِنَ البطشِ بِهِ خلَّط وَتَبَالَه.ثُمَّ سكنَ الثَّغْر مُدَّةً، ثُمَّ رَكِبَ البَحْر إِلَى المَغْرِب، وَقَدْ رَأَى أَنَّهُ شَرِبَ مَاءَ البَحْرِ مرَّتين، وَأَخَذَ يُنْكِرُ فِي الْمركب عَلَى النَّاسِ، وَأَلزمهُم بِالصَّلاَة، فآذَوْهُ، فَقَدِمَ المَهْدِيَّة وَعَلَيْهَا ابْنُ بَادِيس، فَنَزَلَ بِمسجد مُعَلّق، فَمتَى رَأَى مُنْكراً أَوْ خمراً، كَسَر وَبَدَّدَ، فَالتفَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ، وَاشْتَغَلُوا عَلَيْهِ، فَطَلَبَهُ ابْنُ بَادِيس، فَلَمَّا رَأَى حَالَه، وَسَمِعَ كلاَمَهُ، سَأَله الدُّعَاءَ، فَقَالَ: أَصْلَحَكَ اللهُ لِرعيتك.
وَسَارَ إِلَى بِجَايَة، فَبقِي يُنكِرُ كَعَادته، فَنُفِي، فَذَهَبَ إِلَى قَرْيَة ملاَّلَة، فَوَقَعَ بِهَا بِعَبْدِ المُؤْمِنِ الَّذِي تسلطَن، وَكَانَ أَمْرَدَ عَاقِلاً، فَقَالَ: يَا شَابّ، مَا اسْمُكَ؟
قَالَ: عبدُ المُؤْمِن.
قَالَ: اللهُ أَكْبَرُ، أَنْتَ طَلِبَتِي، فَأَيْنَ مقصِدُك؟
قَالَ: طلبُ العِلْم.
قَالَ: قَدْ وَجَدْتَ العِلْمَ وَالشَّرَفَ، اصْحَبْنِي.
وَنظر فِي حليته، فَوَافَقَتْ مَا عِنْدَهُ مِمَّا قِيْلَ: إِنَّهُ اطَّلع عَلَى كِتَابِ الجَفْرِ - فَاللهُ أَعْلَمُ - فَقَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ
كُومِيَة.فَربط الشَّابّ، وَشوَّقه إِلَى أُمُوْرٍ عَشِقَهَا، وَأَفضَى إِلَيْهِ بسرِّه، وَكَانَ فِي صُحبته الفَقِيْهُ عَبْدُ اللهِ الوَنْشَرِيسِي، وَكَانَ جَمِيْلاً نَحْويّاً، فَاتفقَا عَلَى أَنْ يُخفِي علمَه وَفصَاحته، وَيَتظَاهِر بِالجَهْل وَاللَّكَنِ مُدَّةً، ثُمَّ يَجعلُ إِظهَار نَفْسِهِ معجزَةً، فَفَعَل ذَلِكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى سِتَّة مِنْ أَجلاَد أَتْبَاعِهِ، وَسَارَ بِهِم إِلَى مَرَّاكُش، وَهِيَ لابْنِ تَاشفِيْن، فَأَخذُوا فِي الإِنْكَار، فَخوَّفُوا الْملك مِنْهُم، وَكَانُوا بِمسجد خرَاب، فَأَحضرهُم الملكُ، فَكلمُوْهُ فِيمَا وَقَعَ فِيْهِ مِنْ سَبِّ الْملك، فَقَالَ: مَا نُقِلَ مِنَ الوقيعَة فِيْهِ، فَقَدْ قلتُه، هَلْ
مِنْ وَرَائِهِ أَقْوَال، وَأَنْتُم تُطرُوْنَهُ وَهُوَ مَغْرُوْرٌ بكُم، فَيَا قَاضِي، هَلْ بَلغَك أَنَّ الخَمْرَ تُبَاعُ جِهَاراً، وَتَمْشِي الخنَازِيْرُ فِي الأَسواق، وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُ اليَتَامَى؟فَذَرَفَتْ عَيْنَا الملكِ وَأَطرق، وَفَهِمَ الدُّهَاةُ طَمَعَ ابْن تُوْمَرت فِي المُلك، فَنصح مَالِك بن وُهَيْب الفَيْلَسُوْف سُلْطَانَه، وَقَالَ: إِنِّيْ خَائِف عَلَيْك مِنْ هَذَا، فَاسجنْه وَأَصْحَابَه، وَأَنفق عَلَيْهِم مُؤنتهُم، وَإِلاَّ أَنفقتَ عَلَيْهِم خَزَائِنَك.
فَوَافَقه، فَقَالَ الوَزِيْر: يَقْبُحُ بِالملك أَنْ يَبْكِي مِنْ وَعظه، ثُمَّ يُسيء إِلَيْهِ فِي مَجْلِس، وَأَنْ يظْهر خوفُك، وَأَنْت سُلْطَان: مِنْ رَجُل فَقير.
فَأَخَذتهُ نَخوَةٌ، وَصَرَفَه، وَسَأَلَهُ الدُّعَاءُ.
وَسَارَ ابْنُ تُوْمَرت إِلَى أَغمَاتَ، فَنَزَلُوا عَلَى الفَقِيْه عَبدِ الحَقِّ المَصمودي، فَأَكْرَمَهُم، فَاسْتشَارُوهُ، فَقَالَ: هُنَا لاَ يَحمِيكُم هَذَا المَوْضِع، فَعليكُم بِتِينَمَلَّ، فَهِيَ يَوْمٌ عَنَّا، وَهُوَ أَحصنُ الأَمَاكنِ، فَأُقيمُوا بِهِ بُرْهَةً كِي يُنسَى ذِكرُكُم.
فَتَجدد لابْنِ تُوْمَرت بِهَذَا الاسْمِ ذكرٌ لمَا عِنْدَهُ، فَلَمَّا رَآهُم أَهْلُ الْجَبَل عَلَى تِلْكَ الصُّوْرَة، علمُوا أَنَّهُم طَلَبَةُ علمٍ، فَأَنْزَلوهُم، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِم، ثُمَّ تسَامَع بِهِ أَهْلُ الْجَبَل، فَتسَارعُوا إِلَيْهِم، فَكَانَ ابْنُ تُوْمرت مَنْ رأَى فِيْهِ جَلاَدَة، عَرَضَ عَلَيْهِ مَا فِي نَفْسِهِ، فَإِنْ أَسرع إِلَيْهِ، أَضَافه إِلَى خوَاصِّه، وَإِن سكت، أَعرض عَنْهُ، وَكَانَ كُهولهُم يَنهون شُبَّانَهُم وَيُحَذِّرونهُم، وَطَالت المُدَّةُ، ثُمَّ كَثُرَ أَتْبَاعُهُ مِنْ
جبال دَرن، وَهُوَ جبل الثَّلج، وَطرِيقُهُ وَعرٌ ضيِّق.قَالَ اليَسع فِي (تَارِيْخِهِ) :لاَ أَعْلَم مَكَاناً أَحصنَ مِنْ تِينَمَلل لأَنَّهَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، وَلاَ يَصِلُ إِلَيهِمَا إِلاَّ الفَارِسُ، وَرُبَّمَا نَزل عَنْ فَرسه فِي أَمَاكنَ صعبَة، وَفِي موَاضِع يَعْبُرُ عَلَى خَشَبَة، فَإِذَا أُزِيلت الخَشَبَة، انْقَطَع الدَّرْبُ، وَهِيَ مَسَافَة يَوْم، فَشَرعَ أَتْبَاعُهُ يُغِيروْنَ وَيَقتلُوْنَ، وَكثُرُوا وَقَوُوا، ثُمَّ غَدَرَ بِأَهْلِ تِيْنَمَلَل الَّذِيْنَ آوَوْهُ، وَأَمر خوَاصَّه، فَوضعُوا فِيهِم السَّيْف، فَقَالَ لَهُ الفَقِيْهُ الإِفْرِيْقِيّ أَحَدُ العَشْرَة مِنْ خوَاصِّهِ: مَا هَذَا؟! قَوْمٌ أَكرمونَا وَأَنْزَلونَا نَقتلُهُم!!
فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: هَذَا شكَّ فِي عِصمتِي، فَاقتلُوْهُ، فَقُتِلَ.
قَالَ اليَسع: وَكُلُّ مَا أَذْكُرُهُ مِنْ حَال المصَامِدَة، فَقَدْ شَاهَدتُهُ، أَوْ أَخذتُهُ مُتَوَاتِراً، وَكَانَ فِي وَصَيَّتِهِ إِلَى قَوْمه إِذَا ظَفِرُوا بِمُرَابِطٍ أَوْ تِلِمْسَانِي أَنْ يَحرِقوهُ.
فَلَمَّا كَانَ عَامُ تِسْعَةَ عَشرَ وَخَمْسِ مائَة، خَرَجَ يَوْماً، فَقَالَ: تَعلمُوْنَ أَنَّ البَشِيْر - يُرِيْد الوَنْشَرِيسِي - رَجُلٌ أُمِّي، وَلاَ يثبُت عَلَى دَابَّة، فَقَدْ جَعَلَه الله مُبَشِّراً لَكُم، مُطَّلِعاً عَلَى أَسرَارِكُم، وَهُوَ آيَةٌ لَكُم، قَدْ حَفِظَ القُرْآن، وَتعلَّمَ الرُّكوب، وَقَالَ: اقرَأَ، فَقَرَأَ الختمَةَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّام، وَركب حصَاناً، وَسَاقه، فَبُهِتُوا، وَعدُّوهَا آيَةً لِغَبَاوَتِهِم، فَقَامَ خَطِيْباً، وَتَلاَ: {لِيَمِيْزَ اللهُ الخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [الأَنْفَال:37] ، وَتَلاَ: {مِنْهُمُ المُؤْمِنُوْنَ وَأَكْثَرُهُمُ الفَاسِقُوْنَ} [آلُ عِمْرَان:110] ، فَهَذَا البَشِيْرُ مطلع عَلَى الأَنْفُس، مُلْهَمٌ،
وَنبيُّكُم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُوْلُ: (إِنَّ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ مُحَدِّثين، وَإِنَّ عُمَرَ مِنْهُم ) .وَقَدْ صحبنَا أَقْوَامٌ أَطلعه الله عَلَى سرِّهم، وَلاَ بُدَّ مِنَ النَّظَرِ فِي أَمرهِم، وَتَيَمُّمِ العَدْل فِيهِم، ثُمَّ نُودِي فِي جبال المصَامدة: مَنْ كَانَ مطيعاً لِلإِمَامِ، فَليَأْتِ، فَأَقْبَلُوا يُهْرَعُوْنَ، فَكَانُوا يُعرضون عَلَى البَشِيْر، فَيُخْرِجُ قَوْماً عَلَى يَمِيْنه، وَيَعُدُّهُم مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَقوماً عَلَى يَسَاره، فَيَقُوْلُ: هَؤُلاَءِ شَاكُّوْنَ فِي الأَمْر، وَكَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُل مِنْهُم فَيَقُوْلُ: هَذَا تَائِب رُدُّوْهُ عَلَى اليَمِين تَابَ البَارِحَة، فَيعتَرِفُ بِمَا قَالَ، وَاتَّفَقت لَهُ فِيهِم عَجَائِب، حَتَّى كَانَ يُطلِقُ أَهْل اليَسَار، وَهُم يَعلمُوْنَ أَن مآلهُم إِلَى الْقَتْل، فَلاَ يَفرُّ مِنْهُم أَحَد، وَإِذَا تجمَّع مِنْهُم عِدَّة، قتلهُم قرَابَاتُهُم حَتَّى يَقتل الأَخُ أَخَاهُ.
قَالَ: فَالَّذِي صَحَّ عِنْدِي أَنَّهُم قُتِلَ مِنْهُم سَبْعُوْنَ أَلْفاً عَلَى هَذِهِ الصِّفَة، وَيُسمونه التّمْيِيْز، فَلَمَّا كَمُلَ التَّمْيِيْز، وَجَّه جُمُوْعه مَعَ البَشِيْر نَحْو أَغمَات، فَالتقَاهُم المرَابطون، فَهَزَمَهُمُ المرَابطون، وَثبت خلقٌ مِنَ المصَامدة، فَقُتِلُوا، وَجُرِحَ عُمَر الهِنْتَانِي عِدَّةَ جِرَاحَات، فَحُمِلَ عَلَى
أَعْنَاقِهِم مُثْخَناً، فَقَالَ لَهُم البَشِيْر: إِنَّهُ لاَ يَموتُ حَتَّى تُفتح البِلاَد.ثُمَّ بَعْدَ مُدَّة، فَتح عينِيه، وَسلَّم، فَلَمَّا أَتَوْا، عَزَّاهُم ابْن تُوْمرت، وَقَالَ: يَوْمٌ بِيَوْمٍ، وَكَذَلِكَ حربُ الرُّسل.
وَقَالَ عبدُ الوَاحِد المَرَّاكُشِي :سَمِعَ ابْنَ تُوْمرت بِبَغْدَادَ مِنَ المُبَارَك بن الطُّيُورِي، وَأَخَذَ الأُصُوْلَ عَنِ الشَّاشِيّ، وَنَفَاهُ مِنَ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَمِيْرُهَا، فَبَلَغَنِي أَنَّهُ اسْتمرَّ يُنكر فِي الْمركب، فَأَلْقَوْهُ، فَأَقَامَ نِصْفَ يَوْم يَعوم، فَأَنْزَلُوا مَنْ أَطلعه، وَاحتَرَمُوْهُ، فَنَزَلَ بِبِجَايَة، فَدرَّس وَوعظ، وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ، فَخَافَ صَاحِبُهَا، وَأَخْرَجه، وَكَانَ بارعاً فِي خطِّ الرَّمل.
وَقِيْلَ: وَقَعَ بِالجفر، وَصَادف عبدَ المُؤْمِن، ثُمَّ لقيهُمَا عبدُ الوَاحِد الشَّرْقِيّ، فَسَارُوا إِلَى أَقْصَى المَغْرِب.
وَقِيْلَ: لقِيَ عبدَ المُؤْمِن يُؤدِّب بِأَرْضِ متيّجَة، وَرَأَى عبدَ المُؤْمِن أَنَّهُ يَأْكُلُ مَعَ الْملك عَلِيٍّ بن تَاشفِيْن، وَأَنَّهُ زَادَ عَلَى أَكله، ثُمَّ اخْتطف مِنْهُ الصّحفَةَ، فَقَالَ لَهُ العَابر: لاَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُوْن هَذِهِ الرُّؤيَا لَكَ، بَلْ لِمَنْ يَثُوْرُ عَلَى أَمِيْرِ المُسْلِمِين إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى بلاَده.
وَكَانَ ابْنُ تُوْمرت طَوِيْلَ الصَّمْت، دَائِمَ الِانْقِبَاض، لَهُ هَيْبَةٌ فِي النُّفُوْس، قِيْلَ لَهُ مرَّة: فُلاَن مسجُوْنٌ، فَأَتَى الحَبْسَ، فَابْتدر السجَانُوْنَ يَتمسَّحُوْنَ بِهِ، فَنَادَى: فُلاَن، فَأَجَابَهُ، فَقَالَ: اخْرج، فَخَرَجَ، وَالسَّجَّانُوْنَ باهتُوْنَ، فَذَهَبَ بِهِ، وَكَانَ لاَ يَتعذر عَلَيْهِ أَمرٌ، وَانفصل، عَنْ تِلمسَان وَقَدِ اسْتحوذ عَلَى قلوبِ كُبرَائِهَا، فَأَتَى فَاس، وَأَخَذَ فِي الأَمْر بِالمَعْرُوف.
قَالَ: وَكَانَ جلُّ مَا يَدعُو إِلَيْهِ الاعتقَادَ عَلَى رَأْي الأَشْعَرِيّ، وَكَانَ أَهْلُ الغَرْب ينَافِرُوْنَ هَذِهِ العُلُوْم، فَجمعَ مُتَوَلِّي فَاس الفُقَهَاء، وَنَاظروهُ، فَظَهَرَ، وَوجد جَوّاً خَالياً، وَقوماً لاَ يَدرُوْنَ الكَلاَمَ، فَأَشَارُوا عَلَى الأَمِيْرِ بِإِخرَاجه، فَسَارَ إِلَى مَرَّاكُش، فَبعثَوا بِخَبَرِهِ إِلَى ابْنِ تَاشفِيْن، فَجمعَ لَهُ الفُقَهَاءَ، فنَاظره ابْنُ وُهَيْب الفَيْلَسُوْف، فَاسْتشعر ذكَاءهُ وَقُوَّةَ نَفْسه، فَأَشَارَ عَلَى ابْنِ تَاشفِيْن بِقَتْلِهِ، وَقَالَ: إِنّ وَقَعَ إِلَى المصَامدة، قَوِيَ شرُّه، فَخَافَ الله فِيْهِ، فَقَالَ: فَاحبسه، قَالَ: كَيْفَ أَحبِسُ مسلماً لَمْ يَتعين لَنَا عَلَيْهِ حقٌّ؟ بَلْ يُسَافر.فَذَهَبَ وَنَزَلَ بِتِينَمَلَل، وَمِنْهُ ظهر، وَبِهِ دُفِنَ، فَبثَّ فِي المصَامدة العِلْم، وَدعَاهُم إِلَى الأَمْر بِالمَعْرُوف، وَاسْتمَالهُم، وَأَخَذَ يُشوِّق إِلَى المَهْدِيّ، وَيَرْوِي أَحَادِيْثَ فِيْهِ، فَلَمَّا تَوثَّق مِنْهُم قَالَ: أَنَا هُوَ، وَأَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ، وَسَاقَ نسباً لَهُ إِلَى عليّ، فَبَايعُوْهُ، وَأَلف لَهُم كِتَابَ (أَعزّ مَا يَطلب) ، وَوَافق المُعْتَزِلَةَ فِي شَيْءٍ، وَالأَشعرِيَة فِي شَيْءٍ، وَكَانَ فِيْهِ تَشيُّع، وَرتَّب أَصْحَابَه، فَمنهُم العَشْرَةُ، فَهُمْ أَوَّل مَنْ لَبَّاهُ، ثُمَّ الخَمْسِيْنَ، وَكَانَ يُسمِّيهم المُؤْمِنِيْنَ، وَيَقُوْلُ: مَا فِي الأَرْضِ مَنْ يُؤمن إِيْمَانَكُم، وَأَنْتُم العِصَابَة الَّذِيْنَ عَنَى النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: (لاَ يَزَالُ أَهْلُ الغَرْبِ ظَاهِرِيْنَ ) وَأَنْتُم تَفتحُوْنَ الرُّوْم، وَتَقتلُوْنَ الدَّجَّال، وَمِنْكُم الَّذِي يَؤُمُّ بعِيْسَى، وَحدَّثهُم بجزئِيَات
اتَّفَقَ وُقُوْعُ أَكْثَرهَا، فَعَظُمَتْ فِتْنَةُ القَوْم بِهِ حَتَّى قتلُوا أَبْنَاءَهُم وَإِخْوَتهُم لِقسوتهِم وَغِلَظِ طبَاعهِم، وَإِقدَامِهِم عَلَى الدِّمَاء، فَبَعَثَ جَيْشاً، وَقَالَ: اقصِدُوا هَؤُلاَءِ المَارقين المُبَدِّلين الدّين، فَادعوهُم إِلَى إِمَاتَة المُنْكَر وَإِزَالَةِ البِدَع، وَالإِقرَار بِالمَهْدِيّ المَعْصُوْم، فَإِنْ أَجَابُوا، فَهُمْ إِخْوَانُكُم، وَإِلاَّ فَالسّنَةُ قَدْ أَبَاحت لَكُم قِتَالَهُم، فَسَارَ بِهِم عبدُ المُؤْمِن يَقصِدُ مَرَّاكُش، فَالتقَاهُ الزُّبَيْرُ بنُ أَمِيْر المُسْلِمِين، فَكلَّموهُم بِالدَّعوَة، فَردُّوا أَقبحَ ردٍّ، ثُمَّ انْهَزَمت المصَامدة، وَقُتِلَ مِنْهُم ملحمَة، فَلَمَّا بلغَ الخَبَرُ ابْنَ تُوْمرت، قَالَ: أَنَجَى عبدُ المُؤْمِن؟قِيْلَ: نَعم.
قَالَ: لَمْ يُفْقَدْ أَحَد.
وَهَوَّن عَلَيْهِم، وَقَالَ: قتلاَكُم شُهَدَاء.
قَالَ الأَمِيْر عزِيز فِي (أَخْبَار القَيْرَوَان) :سَمَّى ابْنُ تُوْمرت أَصْحَابَه بِالموحِّدين، وَمَنْ خَالَفه بِالمُجَسِّمِين، وَاشْتُهِرَ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَبَايعته هَرْغَة عَلَى أَنَّهُ المَهْدِيّ، فَقصدهُ المُلَثَّمُوْنَ، فَكسَرُوا الملثمِين، وَحَازُوا الغنَائِم، وَوثقت نُفُوْسُهُم، وَأَتتهُم أَمْدَادُ القبَائِل، وَوحَّدت هنتَاتَة، وَهِيَ مِنْ أَقوَى القبَائِل.
ثُمَّ قَالَ عزِيز: لَهُم تَودُّد وَأَدبٌ وَبشَاشَة، وَيلبَسُوْنَ الثِّيَاب القصِيْرَةَ الرّخيصَة، وَلاَ يُخلوْنَ يَوْماً مِنْ طِرَادٍ وَمثَاقفَة وَنضَال، وَكَانَ فِي القبَائِل مفسدُوْنَ، فَطَلَبَ ابْنُ تُوْمرت مَشَايِخَ القبَائِل وَوعظهُم، وَقَالَ: لاَ يَصْلُحُ دينُكُم إِلاَّ بِالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَر، فَابحثُوا عَنْ كُلِّ مُفسد، فَانهوهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ، فَاكتُبُوا إِلَيَّ أَسْمَاءهُم، فَفَعلُوا، ثُمَّ هدَّد ثَانِياً، فَأَخَذَ مَا تَكرَّر مِنَ الأَسْمَاء، فَأَفردهَا، ثُمَّ جمع القبَائِلَ، وَحضَّهُم عَلَى أَنْ لاَ يغِيبَ مِنْهُم أَحَد، وَدفعَ تِلْكَ الأَسْمَاء إِلَى البَشِيْر، فَتَأَمَّلهَا، ثُمَّ عَرَضَهُم رَجُلاً رَجُلاً، فَمَنْ وَجد اسْمَه، رَدَّهُ إِلَى الشِّمَال، وَمَنْ لَمْ يَجده، بعثَه
عَلَى اليَمِين، ثُمَّ أَمر بتكتيف أَهْلِ الشِّمَال، وَقَالَ لقرَابَاتهِم: هَؤُلاَءِ أَشقيَاء مِنْ أَهْلِ النَّار، فَلتقْتُلْ كُلُّ قبيلَة أَشقيَاءهَا، فَقتلوهُم، فَكَانَتْ وَاقعَةً عجيبَة، وَقَالَ: بِهَذَا الفِعْل صَحَّ دينكُم، وَقَوِيَ أَمرُكُم.وَأَهْلُ العَشْرَة هُم: عبدُ المُؤْمِن، وَالهزرجِي، وَعُمَرُ بنُ يَحْيَى الهنتَاتِي، وَعَبْدُ اللهِ البَشِيْر، وَعبدُ الوَاحِد الزوَاوِي طير الجَنَّة، وَعَبْدُ اللهِ بن أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرُ بن أَرنَاق، وَوَاسنَار أَبُو مُحَمَّدٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بن جَامِعٍ، وَآخر.
وَفِي أَوَّلِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ؛ جهَّز عِشْرِيْنَ أَلْفَ مقَاتل عَلَيْهِم البَشِيْر، وَعبدُ المُؤْمِن بَعْدَ أُمُوْرٍ يَطولُ شرحُهَا، فَالتَقَى الجمعَانِ، وَاسْتَحَرَّ القتلُ بِالموحِّدين، وَقُتِلَ البَشِيْر، وَدَام الحَرْبُ إِلَى اللَّيْل، فَصَلَّى بِهِم عبدُ المُؤْمِن صَلاَةَ الْخَوْف، ثُمَّ تحيَّز بِمَنْ بَقِيَ إِلَى بُستَان يُعرف بِالبُحَيْرَة، فَرَاح مِنْهُم تَحْتَ السَّيْف ثَلاَثَةَ عَشَرَ أَلْفاً، وَكَانَ ابْنُ تُوْمرت مَرِيضاً، فَأَوْصَى بَاتِّبَاع عبدِ المُؤْمِن، وَعَقَدَ لَهُ، وَلقَّبه أَمِيْرَ المُؤْمِنِيْنَ، وَقَالَ: هُوَ الَّذِي يَفتح البِلاَدَ، فَاعضُدُوْهُ بِأَنْفُسكُم وَأَمْوَالكُم، ثُمَّ مَاتَ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
قَالَ اليَسع بنُ حَزْم: سمَّى ابْنُ تُوْمرت المرَابطين بِالمُجَسِّمِين، وَمَا كَانَ أَهْلُ المَغْرِب يَدينُوْنَ إِلاَّ بِتَنْزِيه الله - تَعَالَى - عَمَّا لاَ يَجِبُ وَصفُهُ بِمَا يَجِبُ لَهُ، مَعَ تركِ خوضهِم عَمَّا تَقَصْر العُقُوْلُ عَنْ فَهمه.
إِلَى أَنْ قَالَ: فَكفَّرهُم ابْنُ تُوْمرت لِجهلهِم العَرض وَالجَوْهَر، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ذَلِكَ، لَمْ يَعرفِ المَخْلُوْقَ مِنَ الخَالِق، وَبأَنَّ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ
إِلَيْهِ، وَيُقَاتِل مَعَهُ، فَإِنَّهُ حَلاَلُ الدَّم وَالحرِيْم، وَذَكَرَ أَن غضبَهُ للهِ وَقيَامَه حسبَةٌ.قَالَ ابْنُ خَلِّكَان: قَبْره بِالجَبَل مُعَظَّم، مَاتَ كَهْلاً، وَكَانَ أَسْمَرَ ربعَةً، عَظِيْمَ الهَامَة، حديدَ النَّظَر مَهِيْباً، وَآثَارُه تغنِي عَنْ أَخْبَاره، قَدَمٌ فِي الثَّرَى، وَهَامَةٌ فِي الثُّرِيَّا، وَنَفْسٌ تَرَى إِرَاقَةَ مَاءِ الحَيَاةِ دُوْنَ إِرَاقَةِ مَاءِ المُحَيَّا، أَغفلَ المرَابطون رَبطه وَحلَّه، حَتَّى دبَّ دبِيْبَ الفَلَقِ فِي الغَسَقِ، وَكَانَ قُوتُه مِنْ غزل أُخْته رَغِيْفاً بزَيْت، أَوْ قَلِيْل سمن، لَمْ يَنْتقِلْ عَنْ ذَلِكَ حِيْنَ كَثُرَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا، رَأَى أَصْحَابَهُ يَوْماً، وَقَدْ مَالت نُفُوْسُهُم إِلَى كَثْرَة مَا غنِمُوْهُ، فَأَمر بِإِحرَاق جَمِيْعه، وَقَالَ: مَنْ أَرَادَ الدُّنْيَا، فَهَذَا لَهُ عِنْدِي، وَمَنْ كَانَ يَبغِي الآخِرَةَ، فَجزَاؤُه عِنْد الله، وَكَانَ يَتَمَثَّل كَثِيْراً:
تَجَرَّدْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّك إِنَّمَا ... خَرَجْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنْتَ مُجَرَّدُ
وَلَمْ يَفتتح شَيْئاً مِنَ المَدَائِن، وَإِنَّمَا قرر القوَاعد، وَمهَّد، وَبغته المَوْت، وَافتَتَح بَعْدَهُ البِلاَدَ عبدُ المُؤْمِن.
وَقَدْ بَلَغَنِي - فِيمَا يُقَالَ -:أَنَّ ابْنَ تُوْمرت أَخفَى رِجَالاً فِي قُبُوْر دَوَارِسَ، وَجَاءَ فِي جَمَاعَةٍ لِيُرِيَهُم آيَة، يَعْنِي فَصَاحَ: أَيُّهَا الموتَى أَجيبُوا، فَأَجَابوهُ: أَنْتَ المَهْدِيّ المَعْصُوْمُ، وَأَنْت وَأَنْت، ثُمَّ إِنَّهُ خَاف مِنِ انتشَارِ الحِيلَةِ، فَخسف فَوْقهُم القُبُوْر فَمَاتُوا.
وَبِكُلِّ حَالٍ، فَالرَّجُل مِنْ فُحُوْل العَالَمِ، رَام أَمراً، فَتَمَّ لَهُ، وَرَبَطَ
البَرْبَرَ بِادِّعَاء العِصْمَة، وَأَقْدَمَ عَلَى الدِّمَاء إِقدَامَ الخَوَارِج، وَوجد مَا قَدَّمَ.قَالَ الحَافِظُ مَنْصُوْر بن العمَادِيَة فِي (تَارِيخ الثَّغْر ) :أَملَى عليّ نسبَه فُلاَن، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مُحَمَّد بن الحَسَنِ لَمْ يُعقب.
وَلابْنِ تُوْمرت:
دَعْنِي فَفِي النَّفْسِ أَشْيَاءٌ مُخَبَّأَةٌ ... لأَلبسن بِهَا دِرْعاً وَجِلْبَابَا
وَاللهِ لَوْ ظَفِرَتْ نَفْسِي بِبُغْيَتِهَا ... مَا كُنْتُ عَنْ ضَرَبِ أَعْنَاقِ الوَرَى آبَى
حَتَّى أُطَهِّرَ ثَوْبَ الدِّيْنِ عَنْ دَنَسٍ ... وَأُوجبَ الحَقَّ لِلسَّادَاتِ إِيْجَابَا
You are viewing hadithtransmitters.hawramani.com in filtered mode: only posts belonging to Al-Dhahabī (d. 1348 CE) - Siyar aʿlām al-nubalāʾ - الذهبي - سير أعلام النبلاء are being displayed.