إلياس بن تشبين بن العازر بن هارون
ويقال إلياس بن شبى ويقال إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون ويقال إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
أرسله الله تعالى إلى أهل بعلبك، وقيل: إنه اختفى من الكفار في المغارة التي بجبل قاسيون بدمشق عشر سنين.
وروي عن كعب أنه قال: إن إلياس اختبأ من ملوك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك، ووليهم غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام، فأسلم وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم، فأمر بهم فقتلهم عن آخرهم.
وقيل: إنه أقام هارباً من قومه في كهف جبل عشرين ليلة، أو قال: أربعين، تأتيه الغربان برزقه.
وروي عن الكلبي أنه قال: أول نبيٍّ بعث إدريس، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل وإسحاق، ثم يعقوب، ثم يوسف، ثم لوط، ثم هود، ثم صالح، ثم شعيب، ثم موسى وهارون ابنا عمران، ثم إلياس بن تشبين بن العازر بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب.
وعن وهب أن حزقيل قام في بني إسرائيل بأمر الله عز وجل وطاعته، وكان فيما أعطاه الله عز
وجل عزة لبني إسرائيل حتى قبضه الله عز وجل إليه.
فعظمت الأحداث في بني إسرائيل، وخالطوا عبدة الأوثان، فنصب الأوثان طوائف منهم، وطائفة منهم متمسكون بالعهد، فكانوا يقتلون الأنبياء وأبناء الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس، وأحبوا الملك، حتى بعث الله إليهم إلياس بن العازر بن العيزار نبياً، وإنما كانت الأنبياء تبعث في بني إسرائيل بعد موسى، لتجديد ما نسوا من التوراة، وكانت لا تنزل عليهم الكتب.
إنما كانوا يعملون بما في التوراة، ويجددون لهم ما نسوا من التوراة، وكان إلياس عليه السلام مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقوم بأمره، وينتهي الملك إلى رأيه؛ وكان سائر ملوك بني إسرائيل اتخذوا الأصنام.
وكان له صنم يقال له: بعل قال ابن عباس: البعل: الرب سموا الصنم رباً، وهو بلغة اليمن البعل: الرب.
وعن كعب قال: أربعة أنبياء اليوم، اثنان في الدنيا، واثنان في السماء.
فأما اللذان في الدنيا: فإلياس والخضر، وأما اللذان في السماء: فعيسى وإدريس عليهما السلام.
قال عبد الله بن مسعود: إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وإلياس هو إدريس.
قال أحمد بن حنبل: سمعنا أن ستة من الأنبياء لهم في القرآن اسمان اسمان: محمد وأحمد، وإبراهيم وأبراهام، ويعقوب وإسرائيل، ويونس وذو النون، وإلياس إلياسين، وعيسى المسيح عليهم السلام.
وقيل: الخضر من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل فيلتقيان كل عام بالموسم.
وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: " إن إلياس لمن المرسلين؛ إذ قال لقومه ألا تتقون، أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين "! قال: وإنما سمي
بعلبك، لعبادتهم البعل، وكان موضعهم يقال له: بك.
فسمي بعل بك.
يقول الله عز وجل: " وتذرون الله أحسن الخالقين ".
وقال الحسن: إن الله عز وجل بعث إلياس إلى بعلبك، وكانوا قوماً يعبدون الأصنام، وكانت ملوك بني إسرائيل متفرقة على العامة.
كل ملكٍ على ناحيةٍ يأكلها؛ وكان الملك الذي كان معه إلياس يقوم له أمره، ويقتدي برأيه، وهو على هدىً من بين أصحابه، حتى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام، فقالوا له: ما يدعوك إلياس إلا إلى الضلالة والباطل، وجعلوا يقولون له: اعبد هذه الأوثان التي يعبد الملوك، ودع ما أنت عليه، فقال الملك لإلياس: يا إلياس والله ما تدعو إلا إلى الباطل، وإني أرى ملوك بني إسرائيل كلهم قد عبدوا الأوثان التي يعبد الملوك، وهم على ما نحن عليه يأكلون ويشربون، وهم في ملكهم يتقلبون، وما تنقص دنياهم من أمرهم الذي تزعم أنه باطل، ومالنا عليهم من فضل، فاسترجع إلياس، وقام شعر رأسه وجلده، فخرج عليه إلياس.
وقال الحسن:
إن الذي زين لذلك الملك امرأته، وكانت قبله تحت ملكٍ جبار، وكان من الكنعانيين في طولٍ وجسم وحسن؛ فمات زوجها الأول، فاتخذت تمثالاً على صورة بعلها من الذهب، وجعلت له حدقتين من ياقوت، فتوجته بتاجٍ مكللٍ بالدر والجواهر، ثم أقعدته على سرير تدخل عليه، فتدخنه وتطيبه، وتسجد له، ثم تخرج عنه؛ فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي كان إلياس معه.
وكانت فاجرة قد قهرت زوجها، فكانت هي التي جمعت هؤلاء السبعين الذين زعموا أنهم أنبياء، وبنت بيت الأصنام ووضعت البعل.
فدعاهم إلياس إلى الله فلم يزدهم ذلك إلا بعداً.
فقال إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، وعبادة غيرك فغير ما بهم من نعمتك.
قال الحسن: إن الله أوحى إلى إلياس أني قد جعلت أرزاقهم بيدك حتى تكون أنت الذي تأذن لهم.
فقال إلياس: اللهم أمسك عنهم القطر ثلاث سنين، فأمسك الله عنهم القطر، وأرسل إلياس إلى الملك فتاه، وكان تلميذه، فقال
لهم اليسع بن خطوب، وليس باليسع الذي يقال له الخضر، وذلك ابن عاميا، وكان هذا غلاماً يتيماً من بني إسرائيل، آوت أمه إلياس وأخفت أمره، وكان اليسع به ضرٌّ، فدعا الله له فعافاه من الضر الذي كان به، واتبع إلياس وآمن به وصدقه ولزمه، فذهب حيثما ذهب، فلما أمسك الله عنهم القطر، أرسل إلياس اليسع إلى الملك فقال: قل له إن إلياس يقول لك: إنك اخترت عبادة البعل على عبادة الله، واتبعت عتاة قومك هؤلاء الكذبة الذين يزعمون أنهم أنبياء، واتبعت هوى امرأتك الخبيثة التي خانتك وأهلكتك، فاستعد للعذاب والبلاء.
قال: وأمسك الله عنهم القطر حتى هلكت الماشية والدواب والهوام، وجهد الناس جهداً شديداً، وخرج إلياس شفقاً على نفسه حين دعا عليهم.
فانطلق اليسع، فبلغ رسالته الملك، فعصمه الله من شر الملك، ولحق بإلياس.
فانطلق إلياس حتى أتى ذروة جبل، فكان الله يأتيه برزقه، وفجر له عيناً معيناً لشرابه وطهوره، حتى أصاب الناس الجهد، فأكلوا الكلاب والجيف والعظام، فأرسل الملك إلى السبعين، فقال لهم: سلوا البعل أن يفرج ما بنا.
قال: فأخرجوا أصنامهم، فقربوا لها الذبائح، وعكفوا عليها، وجعلوا يدعون حتى طال ذلك عليهم، فقال لهم الملك: إن إله إلياس كان أسرع إجابةً من هؤلاء.
فبعثوا في طلب إلياس ليدعو لهم، فلم يجبهم، فغار ماؤه، فقال: يا رب، غار مائي، فأوحى الله إليه أني قد أهلكت خلقاً كثيراً، لم أرد هلاكهم بخطايا بني إسرائيل.
فقال إلياس: أي ربٍّ، دعني أنا أكون الذي أدعو لهم لعلهم يرجعون، فقيل له: نعم فأتى بني إسرائيل فقال لهم: أتحبون أن تعلموا أن الله عليكم ساخط، وإنما حبس عنكم المطر للذي أنتم عليه، فأخرجوا أوثانكم التي تعبدونها، وتزعمون أنها خير مما أدعوكم إليه، فادعوها هل تستجيب لكم؟ وإلا دعوت ربي يفرج عنكم، فقالوا: نفعل، فأخرجوا أوثانهم، فجعلت الكذبة تدعو وتتضرع، ويدعو إلياس معهم، فلا يستجاب لهم، فقالوا: يا إلياس ادع لنا ربك، قال: فدعا إلياس ربه أن يفرج عنهم، فارتفعت سحابة مثل الترس وهم ينظرون، حتى ركزت عليهم، ثم أدحيت، ثم أرسل الله عليهم المطر فأغاثهم.
فقال الحسن: فتابوا وراجعوا.
وقيل تمادوا بعد ذلك، فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه أن يريحه منهم، فقيل له: انظر يوم كذا وكذا، فإذا رأيت دابة لونها مثل لون النار فاركبها، فجعل يتوقع ذلك اليوم، فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس لونه كلون النار، حتى وقف بين يديه،
فوثب عليه، فانطلق به، وناداه اليسع: يا إلياس، بماذا تأمرني؟ فكان آخر العهد به، فكساه الله عز وجل الريش، وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فصار في الملائكة فقال: كان إنسياً ملكياً سمائياً.
وقال الحسن: هو موكل بالفيافي، والخضر بالبحار وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى.
وإنهما يجتمعان في كل عام بالموسم.
وفي حديث مرفوع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يلتقي الخضر وإلياس عليهما السلام في كل عام بالموسم بمنى فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: سبحان الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله لا يصلح السوء إلا الله، ما شاء الله لا قوة إلا بالله ".
قال ابن عباس: من قالهن حين يصبح ويمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والسرق: قال: وأحسبه قال: ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب.
وعن قتادة: في قوله تبارك وتعالى: " وتركنا عليه في الآخرين " قال: ترك الله تبارك وتعالى عليه ثناء حسناً في الآخرة.
قال واثلة بن الأسقع: غزونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة تبوك، حتى إذا كنا في بلاد جذام في أرض لهم يقال لها الحوزة وقد كان أصابنا عطش شديد فإذا بين أيدينا آثار غيث، فسرنا ملياً، فإذا بغديرٍ وإذا فيه جيفتان، وإذا السباع قد وردت الماء، فأكلت من الجيفتين، وشربت من الماء، قال: فقلنا: يا رسول الله، هذه جيفتان وآثار السباع قد أكلت منها، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم. هما طهوران اجتمعا من السماء والأرض لا ينجسهما شيء، وللسباع ما شربت في بطونها، ولنا ما بقي ".
حتى إذا ذهب ثلث الليل، إذا نحن بمنادٍ ينادي بصوت حزين: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة، المغفور لها، المستجاب لها، المبارك عليها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا حذيفة ويا أنس، ادخلا إلى هذا الشعب، فانظرا ما هذا الصوت ".
قال: فدخلنا فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضاً من الثلج، وإذا وجهه ولحيته كذلك، ما أدري أيهما أشد ضوءاً ثيابه أو وجهه! فإذا هو أعلى جسماً منا بذراعين أو ثلاثة.
قال: فسلمنا عليه فرد علينا السلام، ثم قال: مرحباً، أنتما رسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالا: فقلنا: نعم، قالا: فقلنا من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا إلياس النبي، خرجت أريد مكة فرأيت عسكركم، فقال لي جندٌ من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل: هذا أخوك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم عليه والقه، ارجعا فأقرئاه السلام، وقولا له: لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلا أني أتخوف أن تذعر الإبل ويفزع المسلمون من طولي، فإن خلقي ليس كخلقكم، قولا له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني.
قال حذيفة وأنس: فصافحناه، فقال لأنس خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هذا؟ قال: حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فرحب به ثم قال: والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض يسميه أهل السماء صاحب سر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال حذيفة: هل تلقى الملائكة؟ قال: ما من يوم إلا وأنا ألقاهم، ويسلمون علي وأسلم عليهم.
قال: فأتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنا حتى أتينا الشعب وهو يتلألأ وجهه نوراً.
وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلكم ".
قال: فتقدمنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر خمسين ذراعاً، وعانقه ملياً، ثم قعدا.
قالا: فرأينا شيئاً كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل قد أحدقت به وهي بيض، وقد نشرت أجنحتها فحالت بيننا وبينهم، ثم صرخ بنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا حذيفة ويا أنس تقدما ".
فتقدمنا، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئاً قط أحسن منها، قد غلب خضرتها لبياضها، فصارت وجوهنا خضراء وثيابنا خضراء، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب، ورطب وبقل، ما خلا الكراث.
قال: ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا بسم الله ".
قالا: فقلنا: يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا؟ قال: " لا ".
قال لنا: هذا رزقي، ولي في كل أربعين يوماً وأربعين ليلة أكلة يأتيني بها الملائكة، وهذا تمام الأربعين يوماً والليالي، وهو شيء يقول الله عز وجل له: كن فيكون قال: فقلنا: من أين وجهك؟ قال: وجهي من خلف رومية، كنت في جيش من الملائكة مع جيش من المسلمين غزوا أمةً من الكفار.
قال: فقلنا: فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه؟ قال: أربعة أشهر، وفارقته أنا منذ عشرة أيام، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة، وهي ريي وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل.
قال: فقلنا: فأي المواطن أكبر معارك؟ قال: الشام وبيت المقدس
والمغرب واليمن، وليس من مسجد من مساجد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وأنا أدخله صغيراً كان أو كبيراً.
قال: الخضر متى عهدك به؟ قال: منذ سنة كنت قد التقيت أنا وهو بالموسم، وقد كان قال: إنك ستلقى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي، فأقرئه مني السلام، وعانقه وبكى قال: ثم صافحناه وعانقناه وبكى وبكينا، فنظرنا إليه حتى هوى في السماء كأنه يحمل حملاً، فقلنا: يا رسول الله لقد رأينا عجباُ إذ هوى إلى السماء.
فقال: " إنه يكون بين جناحي ملك حتى ينتهي به حيث أراد ".
قال الحافظ ابن عساكر: هذا حديث منكر، وإسناده ليس بالقوي.
وعن الخليل بن مرة قال: بينا رجل يبيع سلعة له وهو يكثر الكلام فيها، إذ أتى عليه آتٍ فقال: يا عبد الله، إن كثرة الكلام لا تزيد في رزقك شيئاً، وإن قلة الكلام لا تنقص من رزقك شيئاً، قال: عليك شأنك يا عبد الله قال: هذا شأني، ثم ولى الرجل، فلحقه، فقال: يا عبد الله، قلت لي قولاً فأحب أن تفسره لي، قال: إن من الإيمان أن تؤثر الصدق على الكذب وإن ضرك، وأن تدع الكذب وإن نفعك، وألا يكون لقولك فضل على عملك.
قال: يا عبد الله، إني أحب أن تكتب لي هذا فإني أخاف أن أنساه، قال: فبينا أنا أكلمه إذ غاب عني فلم أره، فلقيت رجلاً من آل عمر رضي الله عنه، فأخبرته.
فقال: هذا من قول إلياس عليه السلام.
وفي حديث آخر بمعناه قال: كانوا يرونه الخضر أو إلياس عليهما السلام.
وعن ثابت قال: كنا مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة، فدخلت حائطاً أصلي ركعتين، فافتتحت " حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول " فإذا رجل من خلفي على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنة.
فقال لي: إذا
قلت: " غافر الذنب " فقل: يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، وإذا قلت: " قابل التوب " فقل: يا قابل التوب، تقبل توبتي، وإذا قلت: " شديد العقاب " فقل: يا شديد العقاب لا تعاقبني، وإذا قلت: " ذي الطول " فقل: يا ذا الطول طل علي منك برحمة.
فالتفت فإذا لا أحد، خرجت فقلت: مر بكم رجل على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنةٍ؟ فقال: ما مر بنا أحد فكانوا لا يرون إلا أنه إلياس.
ويقال إلياس بن شبى ويقال إلياس بن ياسين بن فنحاص بن العيزار بن هارون ويقال إلياس بن العازر بن العيزار بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم.
أرسله الله تعالى إلى أهل بعلبك، وقيل: إنه اختفى من الكفار في المغارة التي بجبل قاسيون بدمشق عشر سنين.
وروي عن كعب أنه قال: إن إلياس اختبأ من ملوك قومه في الغار الذي تحت الدم عشر سنين، حتى أهلك الله الملك، ووليهم غيره، فأتاه إلياس فعرض عليه الإسلام، فأسلم وأسلم من قومه خلق عظيم غير عشرة آلاف منهم، فأمر بهم فقتلهم عن آخرهم.
وقيل: إنه أقام هارباً من قومه في كهف جبل عشرين ليلة، أو قال: أربعين، تأتيه الغربان برزقه.
وروي عن الكلبي أنه قال: أول نبيٍّ بعث إدريس، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل وإسحاق، ثم يعقوب، ثم يوسف، ثم لوط، ثم هود، ثم صالح، ثم شعيب، ثم موسى وهارون ابنا عمران، ثم إلياس بن تشبين بن العازر بن هارون بن عمران بن قاهث بن لاوي بن يعقوب.
وعن وهب أن حزقيل قام في بني إسرائيل بأمر الله عز وجل وطاعته، وكان فيما أعطاه الله عز
وجل عزة لبني إسرائيل حتى قبضه الله عز وجل إليه.
فعظمت الأحداث في بني إسرائيل، وخالطوا عبدة الأوثان، فنصب الأوثان طوائف منهم، وطائفة منهم متمسكون بالعهد، فكانوا يقتلون الأنبياء وأبناء الأنبياء والذين يأمرون بالقسط من الناس، وأحبوا الملك، حتى بعث الله إليهم إلياس بن العازر بن العيزار نبياً، وإنما كانت الأنبياء تبعث في بني إسرائيل بعد موسى، لتجديد ما نسوا من التوراة، وكانت لا تنزل عليهم الكتب.
إنما كانوا يعملون بما في التوراة، ويجددون لهم ما نسوا من التوراة، وكان إلياس عليه السلام مع ملك من ملوك بني إسرائيل يقوم بأمره، وينتهي الملك إلى رأيه؛ وكان سائر ملوك بني إسرائيل اتخذوا الأصنام.
وكان له صنم يقال له: بعل قال ابن عباس: البعل: الرب سموا الصنم رباً، وهو بلغة اليمن البعل: الرب.
وعن كعب قال: أربعة أنبياء اليوم، اثنان في الدنيا، واثنان في السماء.
فأما اللذان في الدنيا: فإلياس والخضر، وأما اللذان في السماء: فعيسى وإدريس عليهما السلام.
قال عبد الله بن مسعود: إسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وإلياس هو إدريس.
قال أحمد بن حنبل: سمعنا أن ستة من الأنبياء لهم في القرآن اسمان اسمان: محمد وأحمد، وإبراهيم وأبراهام، ويعقوب وإسرائيل، ويونس وذو النون، وإلياس إلياسين، وعيسى المسيح عليهم السلام.
وقيل: الخضر من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل فيلتقيان كل عام بالموسم.
وعن ابن عباس في قول الله عز وجل: " إن إلياس لمن المرسلين؛ إذ قال لقومه ألا تتقون، أتدعون بعلاً وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم ورب آبائكم الأولين "! قال: وإنما سمي
بعلبك، لعبادتهم البعل، وكان موضعهم يقال له: بك.
فسمي بعل بك.
يقول الله عز وجل: " وتذرون الله أحسن الخالقين ".
وقال الحسن: إن الله عز وجل بعث إلياس إلى بعلبك، وكانوا قوماً يعبدون الأصنام، وكانت ملوك بني إسرائيل متفرقة على العامة.
كل ملكٍ على ناحيةٍ يأكلها؛ وكان الملك الذي كان معه إلياس يقوم له أمره، ويقتدي برأيه، وهو على هدىً من بين أصحابه، حتى وقع إليهم قوم من عبدة الأصنام، فقالوا له: ما يدعوك إلياس إلا إلى الضلالة والباطل، وجعلوا يقولون له: اعبد هذه الأوثان التي يعبد الملوك، ودع ما أنت عليه، فقال الملك لإلياس: يا إلياس والله ما تدعو إلا إلى الباطل، وإني أرى ملوك بني إسرائيل كلهم قد عبدوا الأوثان التي يعبد الملوك، وهم على ما نحن عليه يأكلون ويشربون، وهم في ملكهم يتقلبون، وما تنقص دنياهم من أمرهم الذي تزعم أنه باطل، ومالنا عليهم من فضل، فاسترجع إلياس، وقام شعر رأسه وجلده، فخرج عليه إلياس.
وقال الحسن:
إن الذي زين لذلك الملك امرأته، وكانت قبله تحت ملكٍ جبار، وكان من الكنعانيين في طولٍ وجسم وحسن؛ فمات زوجها الأول، فاتخذت تمثالاً على صورة بعلها من الذهب، وجعلت له حدقتين من ياقوت، فتوجته بتاجٍ مكللٍ بالدر والجواهر، ثم أقعدته على سرير تدخل عليه، فتدخنه وتطيبه، وتسجد له، ثم تخرج عنه؛ فتزوجت بعد ذلك هذا الملك الذي كان إلياس معه.
وكانت فاجرة قد قهرت زوجها، فكانت هي التي جمعت هؤلاء السبعين الذين زعموا أنهم أنبياء، وبنت بيت الأصنام ووضعت البعل.
فدعاهم إلياس إلى الله فلم يزدهم ذلك إلا بعداً.
فقال إلياس: اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك، وعبادة غيرك فغير ما بهم من نعمتك.
قال الحسن: إن الله أوحى إلى إلياس أني قد جعلت أرزاقهم بيدك حتى تكون أنت الذي تأذن لهم.
فقال إلياس: اللهم أمسك عنهم القطر ثلاث سنين، فأمسك الله عنهم القطر، وأرسل إلياس إلى الملك فتاه، وكان تلميذه، فقال
لهم اليسع بن خطوب، وليس باليسع الذي يقال له الخضر، وذلك ابن عاميا، وكان هذا غلاماً يتيماً من بني إسرائيل، آوت أمه إلياس وأخفت أمره، وكان اليسع به ضرٌّ، فدعا الله له فعافاه من الضر الذي كان به، واتبع إلياس وآمن به وصدقه ولزمه، فذهب حيثما ذهب، فلما أمسك الله عنهم القطر، أرسل إلياس اليسع إلى الملك فقال: قل له إن إلياس يقول لك: إنك اخترت عبادة البعل على عبادة الله، واتبعت عتاة قومك هؤلاء الكذبة الذين يزعمون أنهم أنبياء، واتبعت هوى امرأتك الخبيثة التي خانتك وأهلكتك، فاستعد للعذاب والبلاء.
قال: وأمسك الله عنهم القطر حتى هلكت الماشية والدواب والهوام، وجهد الناس جهداً شديداً، وخرج إلياس شفقاً على نفسه حين دعا عليهم.
فانطلق اليسع، فبلغ رسالته الملك، فعصمه الله من شر الملك، ولحق بإلياس.
فانطلق إلياس حتى أتى ذروة جبل، فكان الله يأتيه برزقه، وفجر له عيناً معيناً لشرابه وطهوره، حتى أصاب الناس الجهد، فأكلوا الكلاب والجيف والعظام، فأرسل الملك إلى السبعين، فقال لهم: سلوا البعل أن يفرج ما بنا.
قال: فأخرجوا أصنامهم، فقربوا لها الذبائح، وعكفوا عليها، وجعلوا يدعون حتى طال ذلك عليهم، فقال لهم الملك: إن إله إلياس كان أسرع إجابةً من هؤلاء.
فبعثوا في طلب إلياس ليدعو لهم، فلم يجبهم، فغار ماؤه، فقال: يا رب، غار مائي، فأوحى الله إليه أني قد أهلكت خلقاً كثيراً، لم أرد هلاكهم بخطايا بني إسرائيل.
فقال إلياس: أي ربٍّ، دعني أنا أكون الذي أدعو لهم لعلهم يرجعون، فقيل له: نعم فأتى بني إسرائيل فقال لهم: أتحبون أن تعلموا أن الله عليكم ساخط، وإنما حبس عنكم المطر للذي أنتم عليه، فأخرجوا أوثانكم التي تعبدونها، وتزعمون أنها خير مما أدعوكم إليه، فادعوها هل تستجيب لكم؟ وإلا دعوت ربي يفرج عنكم، فقالوا: نفعل، فأخرجوا أوثانهم، فجعلت الكذبة تدعو وتتضرع، ويدعو إلياس معهم، فلا يستجاب لهم، فقالوا: يا إلياس ادع لنا ربك، قال: فدعا إلياس ربه أن يفرج عنهم، فارتفعت سحابة مثل الترس وهم ينظرون، حتى ركزت عليهم، ثم أدحيت، ثم أرسل الله عليهم المطر فأغاثهم.
فقال الحسن: فتابوا وراجعوا.
وقيل تمادوا بعد ذلك، فلما رأى ذلك إلياس دعا ربه أن يريحه منهم، فقيل له: انظر يوم كذا وكذا، فإذا رأيت دابة لونها مثل لون النار فاركبها، فجعل يتوقع ذلك اليوم، فإذا هو بشيء قد أقبل على صورة فرس لونه كلون النار، حتى وقف بين يديه،
فوثب عليه، فانطلق به، وناداه اليسع: يا إلياس، بماذا تأمرني؟ فكان آخر العهد به، فكساه الله عز وجل الريش، وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب، فصار في الملائكة فقال: كان إنسياً ملكياً سمائياً.
وقال الحسن: هو موكل بالفيافي، والخضر بالبحار وقد أعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأولى.
وإنهما يجتمعان في كل عام بالموسم.
وفي حديث مرفوع عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " يلتقي الخضر وإلياس عليهما السلام في كل عام بالموسم بمنى فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات: سبحان الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله، ما شاء الله لا يصلح السوء إلا الله، ما شاء الله لا قوة إلا بالله ".
قال ابن عباس: من قالهن حين يصبح ويمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والسرق: قال: وأحسبه قال: ومن الشيطان والسلطان والحية والعقرب.
وعن قتادة: في قوله تبارك وتعالى: " وتركنا عليه في الآخرين " قال: ترك الله تبارك وتعالى عليه ثناء حسناً في الآخرة.
قال واثلة بن الأسقع: غزونا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة تبوك، حتى إذا كنا في بلاد جذام في أرض لهم يقال لها الحوزة وقد كان أصابنا عطش شديد فإذا بين أيدينا آثار غيث، فسرنا ملياً، فإذا بغديرٍ وإذا فيه جيفتان، وإذا السباع قد وردت الماء، فأكلت من الجيفتين، وشربت من الماء، قال: فقلنا: يا رسول الله، هذه جيفتان وآثار السباع قد أكلت منها، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نعم. هما طهوران اجتمعا من السماء والأرض لا ينجسهما شيء، وللسباع ما شربت في بطونها، ولنا ما بقي ".
حتى إذا ذهب ثلث الليل، إذا نحن بمنادٍ ينادي بصوت حزين: اللهم اجعلني من أمة محمد المرحومة، المغفور لها، المستجاب لها، المبارك عليها، فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يا حذيفة ويا أنس، ادخلا إلى هذا الشعب، فانظرا ما هذا الصوت ".
قال: فدخلنا فإذا نحن برجل عليه ثياب بياض أشد بياضاً من الثلج، وإذا وجهه ولحيته كذلك، ما أدري أيهما أشد ضوءاً ثيابه أو وجهه! فإذا هو أعلى جسماً منا بذراعين أو ثلاثة.
قال: فسلمنا عليه فرد علينا السلام، ثم قال: مرحباً، أنتما رسل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قالا: فقلنا: نعم، قالا: فقلنا من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا إلياس النبي، خرجت أريد مكة فرأيت عسكركم، فقال لي جندٌ من الملائكة على مقدمتهم جبريل وعلى ساقتهم ميكائيل: هذا أخوك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم عليه والقه، ارجعا فأقرئاه السلام، وقولا له: لم يمنعني من الدخول إلى عسكركم إلا أني أتخوف أن تذعر الإبل ويفزع المسلمون من طولي، فإن خلقي ليس كخلقكم، قولا له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأتيني.
قال حذيفة وأنس: فصافحناه، فقال لأنس خادم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من هذا؟ قال: حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: فرحب به ثم قال: والله إنه لفي السماء أشهر منه في الأرض يسميه أهل السماء صاحب سر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قال حذيفة: هل تلقى الملائكة؟ قال: ما من يوم إلا وأنا ألقاهم، ويسلمون علي وأسلم عليهم.
قال: فأتينا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فخرج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معنا حتى أتينا الشعب وهو يتلألأ وجهه نوراً.
وإذا ضوء وجه إلياس وثيابه كالشمس.
قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " على رسلكم ".
قال: فتقدمنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدر خمسين ذراعاً، وعانقه ملياً، ثم قعدا.
قالا: فرأينا شيئاً كهيئة الطير العظام بمنزلة الإبل قد أحدقت به وهي بيض، وقد نشرت أجنحتها فحالت بيننا وبينهم، ثم صرخ بنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: " يا حذيفة ويا أنس تقدما ".
فتقدمنا، فإذا بين أيديهم مائدة خضراء لم أر شيئاً قط أحسن منها، قد غلب خضرتها لبياضها، فصارت وجوهنا خضراء وثيابنا خضراء، وإذا عليها خبز ورمان وموز وعنب، ورطب وبقل، ما خلا الكراث.
قال: ثم قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلوا بسم الله ".
قالا: فقلنا: يا رسول الله أمن طعام الدنيا هذا؟ قال: " لا ".
قال لنا: هذا رزقي، ولي في كل أربعين يوماً وأربعين ليلة أكلة يأتيني بها الملائكة، وهذا تمام الأربعين يوماً والليالي، وهو شيء يقول الله عز وجل له: كن فيكون قال: فقلنا: من أين وجهك؟ قال: وجهي من خلف رومية، كنت في جيش من الملائكة مع جيش من المسلمين غزوا أمةً من الكفار.
قال: فقلنا: فكم يسار من ذلك الموضع الذي كنت فيه؟ قال: أربعة أشهر، وفارقته أنا منذ عشرة أيام، وأنا أريد إلى مكة أشرب بها في كل سنة شربة، وهي ريي وعصمتي إلى تمام الموسم من قابل.
قال: فقلنا: فأي المواطن أكبر معارك؟ قال: الشام وبيت المقدس
والمغرب واليمن، وليس من مسجد من مساجد محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا وأنا أدخله صغيراً كان أو كبيراً.
قال: الخضر متى عهدك به؟ قال: منذ سنة كنت قد التقيت أنا وهو بالموسم، وقد كان قال: إنك ستلقى محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبلي، فأقرئه مني السلام، وعانقه وبكى قال: ثم صافحناه وعانقناه وبكى وبكينا، فنظرنا إليه حتى هوى في السماء كأنه يحمل حملاً، فقلنا: يا رسول الله لقد رأينا عجباُ إذ هوى إلى السماء.
فقال: " إنه يكون بين جناحي ملك حتى ينتهي به حيث أراد ".
قال الحافظ ابن عساكر: هذا حديث منكر، وإسناده ليس بالقوي.
وعن الخليل بن مرة قال: بينا رجل يبيع سلعة له وهو يكثر الكلام فيها، إذ أتى عليه آتٍ فقال: يا عبد الله، إن كثرة الكلام لا تزيد في رزقك شيئاً، وإن قلة الكلام لا تنقص من رزقك شيئاً، قال: عليك شأنك يا عبد الله قال: هذا شأني، ثم ولى الرجل، فلحقه، فقال: يا عبد الله، قلت لي قولاً فأحب أن تفسره لي، قال: إن من الإيمان أن تؤثر الصدق على الكذب وإن ضرك، وأن تدع الكذب وإن نفعك، وألا يكون لقولك فضل على عملك.
قال: يا عبد الله، إني أحب أن تكتب لي هذا فإني أخاف أن أنساه، قال: فبينا أنا أكلمه إذ غاب عني فلم أره، فلقيت رجلاً من آل عمر رضي الله عنه، فأخبرته.
فقال: هذا من قول إلياس عليه السلام.
وفي حديث آخر بمعناه قال: كانوا يرونه الخضر أو إلياس عليهما السلام.
وعن ثابت قال: كنا مع مصعب بن الزبير بسواد الكوفة، فدخلت حائطاً أصلي ركعتين، فافتتحت " حم، تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم، غافر الذنب وقابل التوب، شديد العقاب ذي الطول " فإذا رجل من خلفي على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنة.
فقال لي: إذا
قلت: " غافر الذنب " فقل: يا غافر الذنب اغفر لي ذنبي، وإذا قلت: " قابل التوب " فقل: يا قابل التوب، تقبل توبتي، وإذا قلت: " شديد العقاب " فقل: يا شديد العقاب لا تعاقبني، وإذا قلت: " ذي الطول " فقل: يا ذا الطول طل علي منك برحمة.
فالتفت فإذا لا أحد، خرجت فقلت: مر بكم رجل على بغلة شهباء عليه مقطعات يمنةٍ؟ فقال: ما مر بنا أحد فكانوا لا يرون إلا أنه إلياس.